MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



القاضي الإداري والتوظيف المباشر تعليق على حكم المحكمة الإدارية بالرباط في قضية السيدة سناء .....ر بقلم الدكتور عبد الخالق علاوي

     



القاضي الإداري والتوظيف المباشر تعليق على حكم المحكمة الإدارية بالرباط في قضية السيدة سناء .....ر بقلم   الدكتور عبد الخالق علاوي
                                                                              
  الدكتور عبد الخالق علاوي
                                                                           
 أستاذ  بكلية الحقوق بفاس



 
 
 
أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكما بتاريخ 23 مايو 2013 لفائدة السيدة سناء ///،يقضي بالحكم على الدولة في شخص رئيس الحكومة باتخاذ إجراءات تسوية الوضعية الإدارية والمالية للمدعية،وذلك بإدماجها في سلك الوظيفة العمومية،مع ما يترتب على ذلك من اثار قانونية وفقا للمرسوم رقم 2.11.100 الصادر بتاريخ 8 أبريل 2011 وتنفيذا لمحضر 20 يوليوز 2011.
   أحيط هذا الحكم باهتمام واسع من طرف الصحافة الوطنية و من طرف بعض الأحزاب السياسية وجهات عديدة معنية ومهتمة،غير أن هذا الاهتمام لا يدل اطلاقا على قيمة الحكم من الناحية القانونية والقضائية،بقدر ما يرتبط فقط بموضوع القضية في حد ذاتها باعتبار أنه يتعلق بتوظيف حاملي الشهادات المسجلين في محضر 20 يوليوز 2011. ومقابل ذلك فإن هذا الاهتمام لم تواكبه لحد الان قراءات وتعاليق علمية وموضوعية للحكم في حد ذاته,
وبناء على ذلك فإننا نسعى من هذا التعليق قراءة مضمون الحكم وحيثياته بشكل يتوخى الدقة والموضوعية ما أمكن بعيدا عن أي اعتبارات أخرى. وفي سبيل ذلك سنكتفي بدراسة الحيثيات الأساسية المرتبطة بجوهر الموضوع، نظرا لأهميتها، بإتباع نفس العناوين الواردة في الحكم.
      
 أولا)حقيقة النسخ المتمسك به

 اعتبرت المحكمة أن المرسوم رقم 100-11-2 الصادر بتاريخ 8 أبريل 2011 الذي يسمح بالتوظيف مباشرة بناء على الشهادات في الدرجات المرتبة في سلم الأجور رقم 11، لم يتم نسخه بشكل فوري بموجب القانون 50.05 بتغيير النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في الفصل 22 منه، الذي نص في فقرته الأولى على أنه "يجب أن يتم التوظيف في المناصب العمومية وفق مساطر تضمن المساواة لولوج نفس المنصب، ولاسيما حسب مسطرة المباراة ".  وذلك نظرا لأربعة اعتبارات من وجهة نظر المحكمة، هي:
 
الاعتبار الأول أن مرسوم 8 أبريل 2011  لم يتم نسخه،من وجهة نظر المحكمة،إلا ابتداء من فاتح يناير 2012، تاريخ دخول المرسوم التطبيقي للفصل 22 المشار إليه والمتمثل في مرسوم 25 نونبر 2011 بتحديد شروط وكيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العمومية،حيز التنفيذ،بعد نشره بالجريدة الرسمية عدد 6007 مكرر بتاريخ 27 دجنبر 2011,

الاعتبار الثاني:أنه من شروط تحقق النسخ احترام قاعدة عدم رجعية القانون المكرسة دستوريا، باعتبار أن قاعدة عدم الرجعية تحصن الأوضاع القانونية والإدارية الناشئة والمنفذة في ظل القانون القديم لصيرورتها حقوقا مكتسبة.

الاعتبار الثالث:أنه ليس هناك تعارض بين مضمون الفصل 22 الذي كرس المباراة،وبين نظام التوظيف المباشر الذي لا يقيم حسب المحكمة أي تمييز بين المواطنين،ولم يخل بقاعدة المساواة أو الاستحقاق طالما أنه مفتوح لجميع حملة الشهادات العلمية،ولم يقص منه فئة على حساب أخرى،وتوخى المشرع منه تحقيق عدالة اجتماعية تعزز انخراط الطاقات الشابة والحية في النسيج  الاقتصادي والتنموي،وتضمن تقليص الفوارق الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع لتحقيق السلم الاجتماعي,

الاعتبار الرابع:أن الفصل 22 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الذي ينص على أن التوظيف يتم عن طريق المباراة حافظ على الاستثناء الذي جاء به المرسوم أي أنه أبقى على التوظيف المباشر.

إن هذه الحيثيات والاعتبارات، مردود عليها بكون الفصل 22 من القانون 50.05 بتغيير النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،الذي ينص على الية المباراة للتوظيف في الدرجات والأطر النظامية بالإدارات العمومية،يخالف ،في الموضوع، مرسوم 8 أبريل 2011  الذي يسمح بالتوظيف بناء على الشهادات،وبالتالي فهو ينسخه ويوقف العمل به ابتداء من تاريخ نشر القانون بالجريدة الرسمية،أي 19 مايو 2011،وإذا كانت المحكمة تنفي هذه الفكرة،بالنظر للاعتبارات المشار إليها أعلاه فإن هذه الاخيرة مردود عليها وفق مايلي:

فيما يتعلق بالاعتبار الأول،يتعين التذكير بعدم وجود علاقة من حيث الموضوع بين مرسوم 25 نونبر 2011 بشأن شروط وكيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العمومية الذي صدر تطبيقا للفصل 22 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،وبين المرسوم الصادر بتاريخ 8 أبريل 2011 بشأن التوظيف بصفة استثنائية. إذ أن مرسوم 25 نونبر 2011،وكما هو واضح من عنوانه،يحدد فقط كيفيات تنظيم المباريات من حيث تحديد الاختبارات وعددها وكيفية اجرائها وغير ذلك،فهو جاء ليحل محل المرسوم الملكي رقم 67 -401 الصادر بتاريخ 22 يونيو 1967 بسن نظام عام للمباريات والامتحانات الخاصة بولوج أسلاك ودرجات ومناصب الإدارات العمومية,

إن مرسوم 25 نونبر 2011 لم يأتي لتحديد طرق التوظيف،باعتبار أن هذه الاليات المتمثلة في المباراة  وكذا الاستثناءات الواردة عليها حسم أمر تحديدها في الفصل 22 من القانون 50.05.
لذلك فإن مرسوم 8 أبريل 2011 الذي يقرر أحكاما استثنائية للتوظيف المباشر بناء على الشهادات لم يأتي استثناء من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 22 يونيو 1967 السالف الذكر،بقدر ما جاء استثناء من المقتضيات النظامية الواردة في الانظمة الأساسية،لذلك فقد جاء ضمن حيثياته الأنظمة الأساسية الخاصة والمشتركة بين الوزارات، حيث نص المرسوم المشار إليه على السماح للإدارات العمومية بالتوظيف بناء على الشهادات، أي دون اعتماد المباراة كما كانت مكرسة في الأنظمة الأساسية.

وهنا يتعين لفت الانتباه إلى أن الأنظمة الأساسية لموظفي الإدارات العمومية قد سبقت القانون 50.05 في تكريس المباراة كآلية للتوظيف وإلغاء التوظيف بناء على الشهادات، لاسيما الانظمة الأساسية الخاصة بالمتصرفين والمحررين والمساعدين الإداريين والتقنيين،التي صدرت بتاريخ  29 اكتوبر 2010(الجريدة الرسمية عدد 5898 بتاريخ 9 دجنبر 2010) وبدأ العمل بها ابتداء من فاتح يناير 2011.

واعتبارا لما سلف، فإن القول بأن مرسوم 8 أبريل 2011 بشأن التوظيف بصفة استثنائية لم بنسخ إلا بعد صدور مرسوم 25 نونبر 2011 المتعلق بالمباريات يجانب الصواب بالنظر لاختلاف موضوع ومضمون كل من المرسومين، وباختلاف الموضوع لا مجال للحديث عن النسخ, ولعل ما يؤكد ذلك هو أن المادة 18 من المرسوم الأخير التي نصت على النصوص التي تم نسخها بموجبه لم تدرج مرسوم 8 أبريل 2011 ضمنها،وإنما أشارت إلى نسخ المقتضيات النظامية المخالفة وعلى رأسها المقتضيات المتعلقة بالمباريات الواردة في المرسوم الملكي رقم 67 -401 الصادر بتاريخ 22 يونيو 1967 بسن نظام عام للمباريات والامتحانات الخاصة بولوج أسلاك ودرجات ومناصب الإدارات العمومية.

والمحصلة أنه إذا كان مرسوم 8 أبريل 2011 قد أوقف العمل بالمباراة كآلية للتوظيف في الدرجات المرتبة في سلم الأجور رقم 11 وأحل محلها التوظيف المباشر إلى غاية 31 دجنبر 2011، فإن هذا المرسوم انتهى العمل به قانونا منذ 19 مايو 2011 تاريخ نشر القانون 50.05 بالجريدة الرسمية،وبالتالي فإن محضر  20 يوليوز  يصبح بدون سند قانوني,

فيما يتعلق بالاعتبار الثاني، والمتمثل في عدم تحقق النسخ استنادا إلى عدم مراعاة قاعدة عدم الرجعية "التي تحصن الأوضاع القانونية والإدارية الناشئة والمنفذة في ظل القانون القديم لصيرورتها حقوقا مكتسبة لا يقبل المس بها أو التراجع عنها "، وأن حق الادماج يعتبر حقا مكتسبا للمعنيين به لا يجوز المساس به,,,," بعد "صدور مرسوم الادماج".

فإنه يبدو أن المحكمة تعتبر أن مرسوم التوظيف بصفة استثنائية الذي يسمح بالتوظيف المباشر يولد حقوقا مكتسبة، وبالتالي لا يمكن القول بنسخه من طرف القانون 50.05  طالما أن النسخ يتعين أن يراعي مبدأ عدم الرجعية ومعه مبدأ الحقوق المكتسبة.

   لقد جهلت هيئة المحكمة أو تجاهلت أن مرسوم 8 أبريل 2011،هو نص تنظيمي يتضمن قواعد عامة ومجردة،وبالتالي فهو لا يولد في حد ذاته أية حقوق مكتسبة طالما لم يتم تجسيده  بقرارات فردية تخص المعنيين به تقضي بتوظيفهم، إن هذه القرارات الفردية وبعد اتخاذها طبقا للمقتضيات الجاري بها العمل هي الوحيدة الكفيلة بتوليد الحقوق المكتسبة للأفراد. ولا يمكن للمحضر أن يولد أية حقوق مكتسبة نظرا لكونه لا يكتسي أي قيمة قانونية كم سيتم  توضيح ذلك بعده,

وعلاقة بهذا الاعتبار الثاني، يلاحظ أن الحكم يكرس عبارات غريبة ليس لها أي وجود في النصوص القانونية من قبيل "الإدماج المباشر"، "مرسوم الإدماج"، متأثرا في ذلك بما يتردد في الصحافة وفي شعارات ومطالب حاملي الشهادات.

فيما يتعلق بالاعتبار الثالث،إذا كان التوظيف المباشر بناء على الشهادات لا يخالف من حيث المبدأ،المبادئ العامة للتوظيف المرتكزة على المساواة والاستحقاق وتكافؤ الفرص،إذا تم ربط تطبيقه بهذه المبادئ،فإنه يتعين التشديد على أن هيئة المحكمة تعرف حق المعرفة أنه ليس هناك أي علاقة بين هذه المبادئ وبين التوظيف المباشر كما كان يطبق في الإدارات العمومية، ولا سيما فيما يرتبط بالمحاضر المتعلقة بتوظيف حملة الشهادات ومن بينها محضر 20 يوليوز 2011،إذ أن هذه المحاضر كان يتم تحديدها استنادا  إلى اعتبارات لا علاقة لها بمبدأي المساواة  والاستحقاق, إن مبدأ المساواة في مجال التوظيف يقتضي إشهار وإعلان مناصب التوظيف لجميع المواطنين المغاربة المتوفرين على الشروط بصرف النظر عن مكان تواجدهم،كما أن الاستحقاق يقتضي تحديد معايير الانتقاء والاختيار المبنية على الكفاءة وحدها،دون أية اعتبارات أخرى ترتبط بالقدرة على الضغط والاحتجاج, ولا شك أن هناك فئات من حاملي الشهادات تم إقصاءهم من التوظيف لمجرد أنهم لم يكونوا مسجلين في المحاضر المشار إليها.

لقد اعتبرت المحكمة أن المشرع توخى من التوظيف المباشر ومن محضر 20 يوليوز "عدالة اجتماعية تعزز انخراط الطاقات الشابة والحية في النسيج الاجتماعي"
لا أدري عن أية عدالة اجتماعية تتحدث هيئة المحكمة؟ وكيف يمكن لممارسات في التوظيف تتم على أساس الاعتبارات السالفة أن تساهم في هذه العدالة الاجتماعية؟وهل بإمكان محاضر التوظيف التي تقوم على معايير غير معروفة أن تساهم في تحقيق السلم الاجتماعي؟

إن الممارسات المشينة التي اعتمدتها الحكومات السابقة في مجال التوظيف لاسيما من خلال المحاضر المشار إليها،هي إحدى عوامل تهديد السلم الاجتماعي، فقد رسخت هذه التطبيقات ممارسات خطيرة لدى حاملي الشهادات يرتبط فيها ولوج الوظيفة العمومية بالاحتجاج بدل أن يرتبط بالاستحقاق والكفاءة, لذلك لا غرابة إن كان التوظيف في الإدارات العمومية قد ارتبط طيلة العشر سنوات الاخيرة بهذه الدوامة من المحاضر التي لا تنتهي.

فيما يتعلق بالاعتبار الرابع، يبدو أن القاضي الاداري قرأ الفصل 22 قراءة خاطئة قد تكون فقط من أجل تبرير ما يصبو إليه.
إن أحكام هذا الفصل ولاسيما الفقرة الأولى منه التي تنص على أنه"يجب أن يتم التوظيف في المناصب العمومية وفق مساطر تضمن المساواة لولوج نفس المنصب،ولاسيما حسب مسطرة المباراة " ،لا ينبغي أن تفتح المجال لأي تأويل بوجود مساطر أخرى للتوظيف إلى جانب المباراة، باعتبار أن المشرع نص على المباراة كطريقة للتوظيف، إلى جانب استثناءين وحيدين، هما امتحانات التخرج من بعض المعاهد والمؤسسات التي تقوم بالتكوين حصريا لفائدة الإدارة، وكذا الترخيص للسلطات الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني أو الأمن الداخلي والخارجي بتجاوز مسطرة المباراة.
ولذلك، فإن أي تأويل بإضافة مساطر أخرى للتوظيف يعد خروجا عن النص، إذ أن ذلك يعتبر كما لو أنه تحديد لاستثناءات أخرى على المباراة غير واردة في النص.

لقد درج الاجتهاد القضائي ومعه الفقه في مجال الوظيفة العمومية، على اعتبار أن تحديد طرق التوظيف، يرجع إلى المشرع وحده، بوصفه يندرج في إطار الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين. أما السلطة التنظيمية، فيرجع لها تحديد كيفيات إعمال وتطبيق آليات التوظيف المنصوص عليها من طرف المشرع،فالقاعدة التي يقررها الاجتهاد والفقه وكذا التشريع (في فرنسا) في مجال الوظيفة العمومية هي أن التوظيف يتم بموجب مباراة، وإذا كان هناك استثناء فلا يمكن إقراراه إلا بموجب قانون.

واستنادا إلى ذلك فإن قراءة مقتضيات الفصل 22 في صيغته الجديدة ،وبالرغم من طريقة صياغة الفقرة الأولى منه تفيد أن المباراة، وعدا الاستثناءين المشار إليهما،تعتبر هي الطريقة النظامية الوحيدة للتوظيف، وأن إقرار أي الية أخرى غير المباراة لا يمكن أن يتم إلا بموجب قانون شريطة مراعاة مبدأي المساواة والاستحقاق,

إن هذه القراءة تنسجم تماما مع دستور 1996 والدساتير السابقة،لكنها تتعزز أكثر في ظل دستور 2011،الذي يربط ولوج الوظائف العمومية بشكل صريح بالاستحقاق،وهو ما يعني أن أي قانون يتعلق بولوج الوظائف العمومية لا يراعي مبدأي المساواة والاستحقاق،يعتبر مخالفا للدستور.

 وإذا كانت هناك جهة أو طرف يجب عليه القيام بهذه القراءة،فهو القاضي الإداري تحديدا الذي بدل أن يجهد نفسه ويكلفها عناء البحث عن مبررات لا تستند إلى أساس، من أجل تبرير التوظيف المباشر وإضفاء الشرعية عليه،كان عليه أن يقرأ فقط الفصل 22 قراءة تتماشى مع المبادئ الدستورية للتوظيف،وعلى رأسها مبدأي المساواة والاستحقاق.
 
ثانيا:الطبيعة القانونية للمحضر وحجيته القانونية:

المحضر من وجهة نظر المحكمة يعد عملا إداريا قانونيا يندرج ضمن العرف الإداري الذي درجت الإدارة على إتيانه (الفصل 474 من قانون الالتزامات والعقود)،ويكتسي شكل عقد إداري بالإدماج الوظيفي المباشر ...كما  أنه يكتسي قيمة قانونية,

-قيمة المحاضر من منظور العلاقة القانونية والنظامية بين الإدارة والموظف

ترتكز أنظمة الوظيفة العمومية التي تؤخذ بنظام المسار المهني système d carrière)) ومن بينها الوظيفة العمومية المغربية على مبدأ أساسي،يعد من أصول هذا النظام يتمثل في الطابع القانوني والنظامي للعلاقة التي تربط بين الإدارة والموظف أو المرشح للتوظيف،وينص الفصل 3 من ظهير 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على أن "الموظف في حالة قانونية ونظامية إزاء الإدارة".
     ومن النتائج المترتبة عن هذا المبدأ أن النظام القانوني الذي يخضع له الموظف بما في ذلك حقوقه وواجباته وكذا الأحكام التي تخص حياته الإدارية،محددة بمقتضيات وأحكام قانونية موجودة سلفا،أي موجودة،قبل ولوجه الوظيفة العمومية لذلك فإنه يتعين الخضوع لها،ولا يمكنه مناقشتها أو التفاوض بشأنها،كما أن هذه المقتضيات قابلة للتبديل والتغيير من طرف الإدارة بصفة انفرادية.
إن وضعية الموظف أو المرشح للتوظيف بناء على المبدأ السالف الذكر، لا يمكن أن تكون موضوع مناقشات أو تفاوض مع الإدارة، سواء عند ولوج الوظيفة العمومية أو بعد ذلك.
ويترتب عما سلف وفقا لما يقرره الفقه والاجتهاد القضائي أن كل الاتفاقات التي يمكن للحكومة أن تبرمها مع الموظفين أو المرشحين للتوظيف سواء بشكل مباشر أو من خلال الهيئات التي تمثلهم ،بما في ذلك المركزيات النقابية،  تفتقد لأي مضمون قانوني في حد ذاتها وليست سوى إعلان للنوايا،ولها فقط حمولة أخلاقية أو سياسية. وبالتالي فإن كل اتفاق من هذا القبيل بين الادارة والموظفين لا يلزم الإدارة من الناحية القانونية،بمعنى أنه لا يلزم حتى الحكومة التي يمكن أن تكون قد وقعت الاتفاق،فكيف يمكن أن يلزم حكومة أخرى,

قيمة المحضر من حيث مضمونه:

إذا كان هذا الموقف الفقهي والقضائي والتشريعي المتعلق بالعلاقة القانونية والنظامية التي تربط بين الإدارة والموظف ينطبق على محضر 20 يوليوز وكذا المحاضر السابقة فإن الملاحظ،وفضلا عما سبق،أن محضر 20 يوليوز هو تصرف باطل بل ومنعدم لحظة توقيعه، إذ أنه وبصرف النظر عن العيوب الشكلية الكثيرة التي اعترت المحضر،لاسيما فيما يتعلق بالتوقيع والاختصاص،وغير ذلك،فإن مضمون المحضر يفيد بشروع الحكومة في توظيف حملة الشهادات المسجلين في المحضر ابتداء من فاتح يناير 2012، ومعلوم أنه وحتى باعتماد التفسير الذي وضعه القاضي بكون مرسوم التوظيف الاستثنائي لم يتم نسخه إلا بعد دخول مرسوم 25 نونبر 2011 بشأن المباريات حيز التنفيذ،أي ابتداء من فاتح يناير 2012،فإنه ليس هناك أي أساس قانوني أو تنظيمي للتوظيف المباشر ابتداء من فاتح يناير 2012، بحيث ابتداء من هذا التاريخ تعتبر المباراة هي الطريقة الوحيدة للتوظيف,
 
 
   اعتبار المحضر عملا إداريا قانونيا يندرج ضمن العرف الإداري

فيما يتعلق بكون المحضر يعتبر عملا إداريا قانونيا يندرج ضمن العرف الإداري يلاحظ أن المحكمة أحالت على الفصل 474 من قانون الالتزامات والعقود،في حين أنها كانت تقصد الإحالة على الفصل 475  الذي ينص على أنه "لا يسوغ للعرف والعادة أن يخالف القانون،إن كان صريحا".

وبصرف النظر عن مدى ملائمة هذا الفصل مع خصوصيات ومميزات القانون الإداري،فإنه يتعين الإشارة إلى أن موقع العرف كمصدر للمشروعية في إطار القانون الإداري ليس أبدا محل إجماع بين الفقهاء، فإذا كان العرف يعتبر مصدرا من مصادر القانون في بعض فروع القانون، فإن هناك عدد من فقهاء القانون الإداري يستبعدونه تماما كمصدر مباشر للشرعية. أما باقي الفقهاء الاخرين فإنهم يترددون كثيرا في هذا الشأن، وفي كل الأحوال نجد أن مختلف فقهاء القانون الإداري لا يخصصون إلا هامشا محدودا جدا للعرف كمصدر للقانون الإداري.

وكيفما كان الحال فإن العرف، لا ينبغي على الإطلاق أن يخالف قاعدة قانونية مكتوبة أو أن يحل محلها.

إن اعتبار المحاضر المشار إليها كعرف إداري يدعو حقا إلى الاستغراب ،أي عرف هذا الذي يمكن أن يؤسس لقواعد في التوظيف أبعد ما تكون عن الشرعية والعقلانية،بل وحتى عن الحد الأدنى للتفكير السليم.

إن اعتبار هذه المحاضر قاعدة عرفية يعني ببساطة أن التوظيف يتعين أن يرتبط فقط بالاحتجاجات والاعتصامات المؤدية إلى التسجيل في محاضر محددة،وليس بناء على معايير المساواة والشفافية والكفاءة والاستحقاق.

إن قواعد واليات التوظيف كانت دائما محددة بشكل واضح في النصوص القانونية،ولذلك فإنه لا يمكن على الإطلاق اعتماد العرف في ظل وجود هذه القواعد.

وختاما يمكن القول أنه إذا كان القضاء لا يدير ولا يوجه تعليمات إلى الإدارة،فإنه يعتبر مع ذلك صمام أمان لدولة القانون،كما يمكن له من خلال الاجتهادات الرصينة أن يصحح مجموعة من الاختلالات في تدبير الشأن الإداري.

    لقد كان هذا الحكم ،وبعيدا عن أي اعتبارات آنية أو غير موضوعية، فرصة امام القضاء من أجل أن يبدي موقفه تجاه محاضر تشغيل حاملي الشهادات،التي تعتبر مهزلة في تاريخ الوظيفة العمومية المغربية وإحدى مظاهر التسيب والفساد،وإحدى أكبر البدع ومظاهر الانحراف التي تتعارض ليس فقط مع المبادئ القانونية الخاصة بالتوظيف،وعلى رأسها المساواة،ولكن كذلك مع قواعد الحكامة الجيدة في مجال تدبير الموارد البشرية التي تقتضي الربط بين الوظائف والمؤهلات،باعتبار أن الحكامة، التي أشار إليها الحكم في غير محلها، تقتضي ربط التوظيف بالحاجيات الحقيقية والفعلية من الكفاءات.
 



الثلاثاء 9 يوليوز 2013

تعليق جديد
Twitter