MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الحماية الجنائية لتدابير حالة الطوارئ الصحية على ضوء القانون 2.20.292 والقانون الجنائي.

     

عزيز أبو حميد
منتدب قضائي باحث في العلوم القانونية



بعد تسجيل  أولى الحالات لما بات يعرف بفيروس "كورونا" أو COVID-19 في المملكة  المغربية ، هذا الفيروس الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بأنه جائحة، وهو الفيروس الذي وضع مفهوم النظام العام الصحي في قلب الاهتمامات وفي صلب السياسات العمومية لمختلف دول العالم ونفس النهج سارت عليه المملكة المغربية بقيادة صاحب السمو  جلالة الملك  محمد السادس، بحيث تفاعلت جل المؤسسات  الرسمية المغربية بكل أطيافها وبمختلف درجاتها بدءا من جلالة الملك إلى كل طاقم وأفراد المؤسسات     العمومية وباقي مؤسسات المجتمع والقطاع الخاص والمهن الحرة وكل من له موقع في المجتمع تفاعلا إيجابيا مع جميع المبادرات التي اتخذت من أجل محاصرة هذه الجائحة نظرا لما تشكله من خطورة على الوضع الصحي العام لمكونات المجتمع المغربي، الشيء الذي دفع بالسلطات المغربية الرسمية المسؤولة المتمثلة في وزارة الداخلية إلى اتخاذ قرار فرض "حالة الطوارئ الصحية" في مجموع التراب الوطني، الذي ابتدئ من السادسة مساء من زوال يوم الجمعة 25 رجب 1440 الموافق ل 20-03-2020 ، تحت طائلة  المتابعة  الجنائية  لكل  من سولت  له نفسه  عدم  الالتزام بحالة الطوارئ  وفق  الشروط التي حددتها   وزارة  الداخلية   بحيث  اشترطت وزارة الداخلية مغادرة مقرات السكن باستصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة، وفق حالات معينة، مشيرة إلى أن التنقل سيقتصر على الأشخاص الضروري تواجدهم بمقرات العمل، شريطة أن يتم تسليمهم شهادة بذلك موقعة ومختومة من طرف رؤساءهم في العمل، والتنقل من أجل اقتناء المشتريات الضرورية للمعيش اليومي في محيط مقر سكنى المعني بالأمر، أو تلقي العلاجات الضرورية أو اقتناء الأدوية من الصيدليات...  ومنع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص، وإغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة  ، وبعد هذا الإعلان  طرحت عدة تساؤلات حول الصيغة القانونية التي يتم اتخاذ من خلالها هذه القرارات وقد زادت حدة النقاش القانوني بالمغرب مباشرة مع إعلان حالة الطوارئ من لدن وزير الداخلية،حول  سند  التجريم  والعقاب في حق الأشخاص المخالفين لتدابير  التي اتخذتها السلطات العمومية   في إطار  حالة الطوارئ الصحية ،وانقسمت الآراء  فيما يخص  السند القانوني للتجريم و  العقاب  إلى فريقين ، الفريق الأول   استند على مقتضيات البند 11 من الفصل 609 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه: " يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية:
-11 من خالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه .. "
أما الفريق  الثاني  ذهب إلى كون الأفعال المخالفة لمقتضيات القرار الخاص ب "حالة الطوارئ الصحية" تتسم بخطورة بالغة، وهو ما يستوجب أن تكون العقوبة المقررة لها أقوى وأشد من أجل تحقيق الردع العام حتى تتحقق الغاية من إصدار القرار المذكور.
وفي هذا السياق ارتأى أنصار هذا الرأي إلى ضرورة تفعيل مقتضيات الفصل 308 من القانون الجنائي على اعتبار أن أي خرق لما يقتضيه تنفيذ قرار "حالة الطوارئ الصحية" يدخل في خانة العصيان ويشكل صورة من صوره،وفي خضم النقاش الرائج بخصوص سند  التجريم  والعقاب في حق الأشخاص المخالفين لتدابير  التي اتخذتها السلطات العمومية   في أطار  حالة الطوارئ الصحية اصدر  مجلس   الحكومة  يوم  الأحد  27 رجب  1441 الموافق  ل  22 مارس  2020 بلاغ مفاده المصادقة  على  مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.292  هذا المشروع  الذي احسم النقاش  المثار  بين مختلف الهيئات
في شقه  المتعلق بالسند القانوني  للتجريم  و العقاب  في  حالة مخالفة التدابير  التي اتخذتها السلطات العمومية   في إطار  حالة الطوارئ الصحية ، وعلى إثر مصادقة الحكومة على  مرسوم القانون رقم 292.20.2 طرحت العديد  من التساؤلات  من  مختلف المهتمين  و الباحثين في  الشق  القانوني  أغلبيتها
تنصب على مدى احترام الشرعية الدستورية على اثر إصدار الحكومة لمرسوم القانون رقم 292.20.2 ؟؟  استنادا للفصل  70 من  الدستور الذي  يمنح  للبرلمان  حق  ممارسة السلطة  التشريعية  كقاعدة  عامة.
وعليه نشير  إلا أن المشرع الدستوري، قد أورد على هذه القاعدة استثناء من حيث الممارسة طبقا للفصل 81 منه، الذي جاء نصه كما يلي: "يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية". ويستشف من هذا الفصل أن للحكومة صلاحية ممارسة العملية التشريعية خارج دورات البرلمان، بمقتضى مراسيم تحل محل القانون، ضمانا منها لواجب الدولة -بمفهومها العام في سن قوانين لا تحتمل التأخير وانتظار عقد الدورات المذكورة  واستناذا لهذا الاستثناء  يتضح  جليا أن  مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.292   ،متسم بالشرعية الدستورية .
 وبتاريخ  24-03-2020 يكون  مرسوم القانون 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية  دخل  حيز التنفيذ بأثر فوري و مستقبلي،واستناذا  للمادة  الرابعة  من هذا  القانون  فكل  شخص  يوجد في منطقة  من  المناطق  التي اعلنت فيها  حالة  الطوارئ الصحية  ولم يتقيد  بالأوامر  والقرارات  الصادرة  عن  السلطات  العمومية   أو عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون، عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو بالإكراه أو قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة، بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية، وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض ، يعاقب  بالحبس  من شهر  إلى  ثلاثة أشهر  وبغرامة  مالية تتراوح  ما بين  300 و  1300 درهم أو بإحدى هاتين   العقوبتين ،وذلك دون الإخلال  بالعقوبة  الجنائية  الأشد بحيث  إذا  اقترنت  هذه المخالفات  بأفعال  جرمية  أخرى ، كجريمة  العصيان أو اهانة الموظف  العمومي  المنصوص عليها في الفصول 263 و300 الى 308 من القانون الجنائي أي إذا اقترنت تلك الأفعال الواردة  بالمادة الرابعة  من القانون  2.20.292  بأفعال جرمية أخرى  تشكل جريمة في التشريع الجنائي المغربي كالتي  اشرنا اليها 
لا يتم  الإخلال بهذه العقوبة  الأشد ، ونظرا  لكون  مبدأ الشرعية  الجنائية  يشكل ابرز القيود  التي ترد  على  إقامة الدعوى  العمومية   طبقا  لما نص  عليه  المشرع  المغربي  في الفصل  الثالث  من  القانون  الجنائي  بحيث لا يسوغ  مؤاخذة احد  على  فعل   لا يعد  جريمة  بصريح  القانون   و لامعاقبته  بعقوبات  لم يقررها  القانون  فإن كل فعل مخالف للتدابير اللازمة التي تقتضيها تلك الحالة كان قد ارتُكب قبل هذا التاريخ، يعد مشمولا بمنطقة العفو التشريعي، ولا يمكن معاقبته لانتفاء الصبغة الجرمية عليه، احتراما لمبدأ الشرعية الجنائية المقررة في الفصل 3 من القانون الجنائي شريطة   ألا  تقترن  هذه المخالفات  بأفعال  جرمية  أخرى تشكل جريمة في التشريع الجنائي المغربي ، كتلك المنصوص عليها في الفصول 263 و300 الى 308 من القانون الجنائي.
 
 
 
 
 
الاثنين 30 مارس 2020




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter