MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الحراك الاحتجاجي بمصر – الأسباب والتداعيات

     



الحراك الاحتجاجي بمصر – الأسباب والتداعيات

مقدمة



يشهد العالم العربي، مجموعة من الاحتجاجات الشعبية، مطالبة بالإصلاح والتغيير. ولقد رفعت حركات الاحتجاج في الوطن العربي، شعارا واحدا هو "التغيير"، وأصرت عليه وتقدمت بسرعة كبيرة فاجأت بها الطبقة السياسية، وفاجأت بها كذلك الرأي العام العربي والعالمي.

ولايمكن لأحد أن ينكر دور العوامل المادية و الاقتصادية والاجتماعية، والوضع الإقليمي والدولي، في تحديد شروط انفجار الثورات بالعالم العربي، وكيفية تطورها وما تنطوي عليه من نتائج. ولا شك أن استشراء الفساد، وتكريس الثروات بطرق غير مشروعة، والإيغال في سياسة الخصخصة تأتي في مقدمة العوامل.

فعلى مدار عقود طوال، نجحت نظم الحكم القمعية العربية في محاصرة وتفتيت قوى المعارضة السياسية التقليدية، وكذا القوى الاجتماعية المؤثرة كالنقابات المهنية والعمالية، والاتحادات الطلابية والجمعيات التمثيلية، وسط هيمنة شاملة وفاعلة على سلطتي البرلمان والقضاء، وهو ما أدى إجمالا إلى إفقاد المجتمعات العربية طلائعها السياسية المحتملة، والتي كان يمكن لها أن توجه المد الثوري والاحتجاج الشعبي الذي تجاوزها.

وهنا سنقتصر على الحراك الاحتجاجي المصري، والذي ساهم بشكل كبير في هبوب رياح التغيير بالعالم العربي. فقد عرفت مصر ثورة عظيمة شارك فيها شعبها بكل فئاته وأطيافه السياسية والاجتماعية ، منذ ما يزيد على قرنين من الزمان مثلما شهدته في 25 يناير 2011، حيث كانت ثورة 1919 والتي تعرف بزيادتها في مجال الثورات الليبرالية، والتي كانت سببا مباشرا في نقل مصر إلى مصاف الدول العصرية المدنية الحديثة، وترتب هذا في وضع أول دستور ليبرالي على مستوى مصر والعالم العربي كله وهو دستور 1923. ثم حدثت القطيعة المعروفة مع تلك الحقبة بقيام ثورة يوليو 1952 التي قام بها الجيش و أيدها الشعب، واختلفت في الأهداف والتوجهات، حيث كان النضال ضد الاستعمار وتحقيق والامتداد القومي والعربي والتحول نحو التجربة الاشتراكية

وبعد هاتين الثورتين؛ وقبل قيام ثورة 25 يناير، كان النظام الذي يحكمه مبارك عبارة عن نظام سلطوي يعتمد على جهاز بيروقراطي ضخم، وأجهزة أمنية قمعية قهرت الجميع. كما اعتمدت سياسة اقصائية لكل القوى السياسية وأيضا الأفراد بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية. فمع وجود تعددية حزبية إلا أنها تعددية شكلية تعاني من هيمنة الحزب الوطني على كافة فضاءات الشأن العام، واحتكار طبقة رجال الأعمال للسلطة والثروة، وأخذوا يقومون بأعمال غير قانونية في مجال السلطة التنفيذية والتشريعية تدعهما ترسانة من القوانين والمواد الدستورية.

ولقد ساهمت الحركات الاحتجاجية بمصر إلى قيام ثورة 25 يناير الشعبية والتي فاجأت العالم كله، قبل أن تفاجئ النظام نفسه، غير أن هذه المفاجأة لم تكن وليدة اللحظة بل هي ثمرة وامتداد سياسي طوال السنوات العشرة الأخيرة.

وثورة 25 يناير اكتسبت خبرة نضالية منذ بداية الألفية الجديدة، حيث شهدت مصر ظهور عدد كبير من الحركات الاحتجاجية التي ساهمت في اندلاع هذه الثورة وعلى أن هذه الخبرة النضالية والرؤية السياسية، كانت أحد العوامل الأساسية في انتصار الثورة، وتحقيق الهدف الأساسي برحيل رأس النظام ، وفتح الباب أمام التغيير على نطاق واسع.

وقد اكتسب الشباب من خلال مشاركتهم في أنشطة الاحتجاج السياسي خلال العقد الأول من القرن 21 خبرة العمل الميداني، وكيفية التحرك الجماعي والتنسيق بين مختلف القوى على الأرض. واكتسبوا أيضا رؤية واضحة للأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، وقد تشكلت هذه الرؤية من مشاركة الشباب في صياغة الوثائق والبيانات الصادرة عن الحركات الاحتجاجية التي شاركوا في نشاطها، ابتداء من حركة كفاية سنة 2005 إلى الجمعية الوطنية للتغيير في 2011.

وكانت بداية هذه الرؤية السياسية في شعار "لا للتمديد لا للتوريث" في ميدان التحرير يوم 12 دجنبر 2004، وقد بلغت ذروتها في شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" في نفس الميدان يوم 25 يناير 2011.

ولقد كان وراء خروج الحركات الاحتجاجية يوم 25 يناير، مجموعة من الأسباب السياسية سواء الداخلية أو الخارجية، وكذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية عديدة، والتي كانت من الأسباب المباشرة لظهور هذه الحركات الاحتجاجية، كما ساهم كل من الإعلام المرئي منه والمكتوب، وتقنيات التواصل (الفايسبوك التويتر) في التعبئة والتنظيم، أما المؤسسة العسكرية فكان لها الدور الكبير في الحفاظ على الثورة، وموقفها المحايد بين النظام السابق والحركات الاحتجاجية، كما كان لثورة 25 يناير تداعيات على الوطن العربي والمحيط الإقليمي.


- أهمية الموضوع


يتضمن موضوع الحركات الاحتجاجية في مصر، أهمية بالغة خاصة بعد إسقاط النظام، مما أثر ذلك على الوطن العربي، وبسببه هبت رياح الاحتجاج في جميع ربوع المناطق العربية. وكذلك
في الدور الذي تلعبه مصر في الصراع العربي الإسرائيلي والإقليمي بشكل عام، وأيضا في التحديات التي سيواجهها النظام بعد ثورة 25 يناير، وفي المستقبل الدستوري والقانوني لمصر بعد الثورة، ودور المؤسسة العسكرية في المرحلة الانتقالية، وتداعيات هذه الثورة على المحيط العربي والإقليمي، ومواقف الدول الغربية والعربية من ثورة 25 يناير. وكذلك سببا مباشرا في تشكل موضوع جديد هو الانتقالات الديمقراطية في العالم العربي، حيث أطلقت ثورة مصر، مدا تحرريا اتسع ليشمل معظم البلدان العربية، من المحيط إلى الخليج.

وبهذا سنعالج موضوعنا هذا من خلال الإشكالية التالية وهي :

ما هي أسباب وآليات نجاح الحركات الاحتجاجية في ثورة 25 يناير ، وتداعياتها على الوطن العربي والمحيط الإقليمي؟ وسيتولد عن هذا الإشكال المركزي جملة من الإشكالات الفرعية

- ما هي أسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور الحركات الاحتجاجية؟
- ما هي أهم هذه الحركات الاحتجاجية في ثورة 25 يناير؟
- كيف ساهم الإعلام وتقنيات التواصل في نجاح الثورة ؟
- ما هو دور الأحزاب السياسية في ثورة 25 يناير؟
- ما هو دور المؤسسة العسكرية بعد الإطاحة بالنظام؟
- ما هي تداعيات الثورة المصرية على الوطن العربي والمحيط الإقليمي؟
- ماهي المواقف الدولية والعربية من ثورة 25 يناير؟

- فرضية الدراسة


إن ما نهدف من خلال هذه الدراسة، هو رصد الحراك الاحتجاجي بمصر، من حيث أسباب ظهورها وأهدافها، وكذلك أهم هذه الحركات الاحتجاجية التي نجحت في إسقاط نظام مبارك، والآليات التي ساعدتها في إنجاح ثورة 25 يناير، وأيضا تداعياتها على الوطن العربي و الإقليمي. وهذا من خلال فرضية الدراسة هذه: حيث أن ظهور الحركات الاحتجاجية سببه سلطوية النظام، أو أن تنامي هذه الحركات هو عدم تجاوب الحكومة لمطالبها التي كانت لا تقتصر سواء على المطالب الاجتماعية والاقتصادية، أو أنه راجع لضعف الأحزاب السياسية المعارضة. كما أن مساهمة وسائل التواصل الحديثة، عجلت الاحتجاجات الشعبية، حيث انطلقت من العالم الافتراضي (الانترنت) إلى العالم الواقعي(ثورة)، وأن هذه الحركات لها تداعيات على المستوى العالم العربي والإقليمي، بشكل أدى إلى إصلاح سياسي جذري، أم إلى بعض الترميمات خصوصا في الوطن العربي.

- المنهـج

كما هو معروف، فإن للمناهج دور كبير في فهم الظواهر الاجتماعية والدولية، وبناء على اعتبار موضوع البحث يشمل مجموعة من العناصر، لهذا سيتم الاعتماد على منهجية تركيبية تروم الجمع بين عدة مناهج، إذ سنعتمد خلال هذه الدراسة على المنهج النسقي، والذي يعتبر أن أي نظام يتكون من عدة عناصر وأن أي تغير في عنصر النظام يؤدي إلى تغير في النظام ككل، كما سيتم الاعتماد أيضا في هذه الدراسة على المنهج التحليلي، إذ من خلاله سنحاول تتبع الأحداث والقضايا التي تهم موضوعنا وتحليلها،وكذلك سنعتمد على المنهج الوصفي، من خلال وصف الحراك الاحتجاجي الشعبي لا من حيث أشكاله، و تحركاته الاحتجاجية، وأنواعه المختلفة.

وسيتم معالجة هذا العرض حسب التصميم التالي:

- التـصمـيم:


مــقــــدمة :
الفصل الأول: أسباب ظهور الحركات الاحتجاجية بمصر وأبرزها.
المبحث الأول: الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحركات الاحتجاجية بمصر.
المطلب الأول: الأسباب السياسية للحركات الاحتجاجية بمصر.
المطلب الثاني: الأسباب الاقتصادية والاجتماعية للحركات الاحتجاجية بمصر.
المبحث الثاني: أهم الحركات الاحتجاجية الشبابية بمصر.
المطلب الأول : الحركات الاحتجاجية غير المحزبة بمصر في ثورة 25 يناير.
المطلب الثاني : الحركات الاحتجاجية المحزبة بمصر في ثورة 25 يناير.
الفصل الثاني: نجاح الحركات الاحتجاجية في إسقاط النظام المصري.
المبحث الأول: آليات نجاح الثورة المصرية.
المطلب الأول: دور الإعلام وتقنيات التواصل والأحزاب في نجاح الثورة.
المطلب الثاني: دور المؤسسة العسكرية بعد الإطاحة بالنظام.
المبحث الثاني: اثر الثورة على المحيط العربي وموقفها.
المطلب الأول: أثر الثورة على المحيط العربي وموقفها.
المطلب الثاني: أثر الثورة على المحيط الإقليمي والمواقف الدولية.
خاتـــــــــمة:




الفصل الأول:
أسباب ظهور الحركات الاحتجاجية بمصر وأبرزها


وجد المصريون من الاحتجاجات متنفسا لهم للتعبير عن مشاكلهم وعن اعتراضهم وتنديدهم لبعض المواقف والأوضاع التي تتخذها الحكومة تجاههم. فقد شهدت مصر كما هائلا من الإضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، التي تعبر عن غضب شعبي ومشاكل الفئات المختلفة من الشعب المصري.

فلا يكاد يخلو يوم من هذه الأعوام الأخيرة إلا وشهد إضرابا أو احتجاجا أو وقفة احتجاجية . لذلك فقد عمت الإضرابات والاحتجاجات في السنوات الأخيرة، فئات مختلفة من الشعب وتنوعت بين العمال والموظفين والسائقين وغيرهم، والذين لم تقتصر مطالبهم على حقوقهم الوظيفية والمهنية فقط، وإنما امتدت لتشمل المطالبة بالحريات وتحسين الأجور، والقضاء على غلاء الأسعار.
ففي الوقت الذي بدأت فيه الحركة الاحتجاجية ذات الأجندة الاقتصادية تثبت أقدامها في الشارع المصري مدعومة بغضب شعبي متصاعد جراء الغلاء وتدني مستوى المعيشة، ويبدو أن هذه الإضرابات والاحتجاجات التي مست كل المواقع العمالية والوظيفية في مصر، قد أعطت أكلها في ثورة 25 يناير، حيث بلغ عدد الحركات الاحتجاجية في مصر خلال العام 2007 ما يقرب ب 1000 فعل احتجاجي ما بين إضراب ووقفة واعتصام طالت كل قطاعات العمل الحكومية منها والخاصة. فيما بلغ عددها أزيد من 800 احتجاج في عام 2009.

وقد تواصلت هذه الاحتجاجات حتى خلال أيام الثورة. ففي اليوم 15 للثورة كان هناك أكثر من 20 وقفة احتجاجية وإضراب في 9 محافظات مصرية وفي مرافق حيوية مهمة كالهيئة المصرية للاتصالات وهيئة السكك الحديدية . وإضافة إلى هذا ساهمت كذلك حركات التغيير والاحتجاج السياسي التي عرفتها البلاد منذ العام 2005، وبالتحديد مع ظهور حركة كفاية على المشهد السياسي المصري، والتي قامت برفع سقف المعارضة السياسية لحدها الأقصى، حين اختارت رأس النظام لصب عليه جام احتجاجها، وكان شعارها ضد التمديد ورافضة التوريث.

ومن رحم هذا الزخم الاحتجاجي خرجت مجموعة من الحركات كانت المحرك الرئيسي لثورة 25 يناير ، وقد ولد بعضها تضامنا مع إضراب العمال (حركة 6 أبريل تضامنا مع عمال غزل المحلة)، أو احتجاجا على التعذيب والتعامل الأمني القامع (مجموعة كلنا خالد سعيد)، أو لتحقيق مطالب سياسية (الجمعية الوطنية للتغيير وحزب الغد).

وقد اجتاحت البلاد خلال عامي 2009 و 2010 موجة عارمة من الاحتجاج الاجتماعي ، غير أن مطالبها اقتصرت على الجانب المعيشي الاقتصادي ولم تتخطاه إلى السياسي. وبالتالي كان مفاجئا حتى لحركات الاحتجاج نفسها تحقيق هذه القفزة النوعية في الانتقال من المطلب الفئوي أو المعيشي الخاص إلى المطلب السياسي العام. فكل التوقعات كانت تؤشر عن ثورة جياع محركها الأول العامل الاقتصادي، غير أن ثورة ميدان التحرير لم تكن انتفاضة خبز وإنما انتفاضة تغيير وحرية وعدالة اجتماعية كما أشارت بعض شعاراتها، وقد كانت الطبقة الوسطى من الأغلبية المتواجدة في ميدان التحرير، وهذا ما يبين على أن الثورة لم تكن ثورة جياع، بل هي ثور شعبية شاركت فيها جميع الطبقات وبدا المطلب السياسي متمثلا في إسقاط النظام، وهو المطلب الأسمى لها.

وبهذا فقد كان ظهور هذه الحركات الاحتجاجية لأسباب عدة سياسية واقتصادية واجتماعية ، منذ تسلط النظام سواء في تعديلاته الدستورية ولا في سيطرته على وسائل الإعلام، وفي استمرارية قانون الطوارئ وانتهاك الحريات الأساسية ، وأيضا لأسباب سياسية خارجية التي تأثر بها المواطنين المصريين بالأخص العدوان الإسرائيلي على غزة ، حرب على العراق... وكذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية ومتمثلة في تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي (الخصخصة) وفي انخفاض الأجور والمرتبات ارتفاع البطالة وسوء استخدام موارد الدولة.

المبحث الأول: الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحركات الاحتجاجية بمصر


مع تعاظم عوامل الظلم والقهر داخل المجتمع المصري، أصبحت البنية الاجتماعية معبأة بكل عوامل الانفجار، بحيث أن المجتمع المصري عايش منذ سنوات مشكلات سياسية تمثلت في سيطرة تامة للحزب الوطني الحاكم على كافة جوانب العملية السياسية، رغم التعددية الحزبية لأحزاب المعارضة فهي تبقى أحزاب متهالكة ليست لها فاعلية سياسية. إضافة إلى ممارسة سياسية أخرى عمقت من الأزمة البنيوية للنظام السياسي، وهي التي تتصل بالتعديلات الدستورية. فعلى الرغم من أن قوى أحزاب المعارضة ظلت تطالب بتعديل الدستور منذ بداية تولي الرئيس مبارك الحكم 1981 ،إلا أن بعض تعديلات الدستور فاجئت الأحزاب والتي هي في صالح رئيس الجمهورية، ثم تعديل المادة 79 وهي اختيار الرئيس بالاقتراع السري المباشر.

والى جانب هذه الإشكالات شكل الخوف من اعتماد التوريث السياسي، واعتزام الرئيس في استخلاف ابنه، مما ثار غضب الشارع المصري، وزاده أكثر سياسة مصر الخارجية خاصة خروجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي ، والانصياع للإملاءات الأمريكية الذي أثخن قلوب المصريين بالمرارة من الذل.

وإضافة إلى المشكلات السياسية التي تخبط فيها الشعب المصري من السياسة الحكومية في عهد مبارك، عايش كذلك مشكلات اقتصادية ومالية من نوع خطير والتي تتناول إجراءات التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي التي اتخذتها الحكومة المصرية وفهمها على ضوء الآثار السلبية التي تترتب على تلك السياسات ، والتي يعاني منها الفقراء ومحدود الدخل بصفة أساسية، وذلك من خلال إلغاء الدعم السلعي، وزيادة أسعار السلع والخدمات وزيادة الرسوم على الخدمات الحكومية وزيادة الضرائب... وهذه الإجراءات أدت إلى مزيد من التدهور في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وزاد الأمر خطورة على ضوء اتساع حجم شريحة الفقراء ومحدودي الدخل.

المطلب الأول: الأسباب السياسية للحركات الاحتجاجية بمصر.


شهدت مصر منذ بداية الألفية الجديدة ظهور عدد كبير من الحركات الاحتجاجية التي ساهمت في طرح العديد من القضايا المرتبطة بالإصلاح السياسي والاقتصادي و الاجتماعي على أجندة المجتمع المصري، بما ساعد على إعادة تسييس قطاعات واسعة من المجتمع ، مثل العمال والشباب والفلاحين والموظفين بعد فترة طويلة من الركود. وقد نشأت معظم هذه الحركات خارج الأطر المؤسسة المتعارف عليها، مثل الأحزاب والنقابات والاتحادات والجمعيات والجماعات الدينية، وتبنت أطرا تنظيمية مرنة اتسمت بقدر كبير من الديمقراطية الداخلية واللامركزية. كما أخذت معظم هذه الحركات شكلا تحالفيا عابرا للأيدلوجيات وركزت على قضايا جزئية يوجد قدر عالي من التوافق حولها بين التيارات السياسية المختلفة.

قد كان لظهور هذه الحركات الاحتجاجية مجموعة من الأسباب سواء الداخلية أو الخارجية، وبدأت هذه الحركات الاحتجاجية مع اندلاع انتفاضة الأقصى في خريف 2000 ومع بدء الإعداد للحرب الأمريكية على العراق، برز عدد من الحركات المناهضة للغزو الأمريكي للعراق، ولا جدال في أن حركة كفاية لعبت دورا تاريخيا هاما في هذه الاحتجاجات، لكنها لم تظل وحيدة على الساحة حيث سرعان ما بدأت تلحق بها أو تظهر إلى جانبهما جماعات أخرى، خاصة في أوساط أساتذة الجامعة والقضاة والصحفيين والمحامين.

وكانت من بين الأسباب السياسية الأزمة البنائية في النظم السياسي و التي تتمثل أهم مظاهرها التي يعاني منها النظام السياسي المصري خصوصا شخصانية السلطة أو شخصنة الدولة، وهي آفة انتظام الجماعة وآفة الدولة و نظامها وفاعليتها، وكونها المهدد الأساسي لاستمرار كفاءتها والمسبب الأساسي من بعد لانهيار قوائمها والأسس التي يقوم عليها صرحها.

حيث يمثل التفرد والاستبداد بالسلطة أحد الملامح الرئيسية للنظام السياسي، وذلك بسبب السلطات الدستورية الضخمة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية سواء في ظل الظروف العادية أو الاستثنائية، وبحكم رئاسته للحزب الوطني الديمقراطي الذي يحتكر الحياة السياسية في مصر، منذ تأسيسه في أواخر سبعينات القرن العشرين، فإن رئيس الجمهورية يسيطر من الناحية العملية على السلطتين التنفيذية والتشريعية ناهيك عن صلاحياته القضائية التي يخولها إياه الدستور والقانون.

إضافة إلى حالة الاختناق السياسي الداخلي الذي نهجه النظام السياسي عبر التحكم في تعديلات في الدستور، والسيطرة على وسائل الإعلام أديا إلى تعطيل الحياة السياسية. إذ أصبحت الحياة السياسية محصورة بيد العائلة الحاكمة، وزمرة رجال الأعمال المهيمنة على مقدرات البلاد ونهبها.

كما يمكن إرجاع الأسباب السياسية بشكل ملخص في عاملين: (أ) عامل خاص بالوضع أو النظام السياسي الداخلي، من المطالبة بمزيد من الحريات وإلغاء قانون الطوارئ وإعمال مبادئ الديمقراطية من انتخابات نزيهة، وعدم التوريث والتمديد، وكفالة حقوق الإنسان ومنع قهر المواطنين، من قبل النظام عن طريق السماح بحرية الرأي والتعبير؛ (ب) عامل السياسة الخارجية وأهمها خروج مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، والتعامل معها على المستوى الاقتصادي، والانصياع للإملاءات الأمريكية بخصوص سياستها في الشرق الأوسط.

الفقرة الأولى: الأسباب السياسية الداخلية للحركات الاحتجاجية:


على الرغم من مضي أكثر من ثلاثة عقود على الانتقال من صيغة التنظيم السياسي الواحد إلى صيغة التعددية الحزبية المقيدة في مصر، إلا أنها لم تشهد تحولا ديمقراطيا حقيقيا. حيث أفضت عملية الانتقال إلى مجرد هامش ديمقراطي، يتسع أحيانا ويضيق أحيانا أخرى طبقا لإرادة السلطة الحاكمة. وبالتالي فهو لا يستند إلى أسس دستورية وقانونية، تجسد ما يعرف بالدستور الديمقراطي، ولا على تعددية سياسية حقيقية تشكل ركيزة لتحويل مبدأ التداول السلمي للسلطة إلى واقع ملموس ، ولا إلى مقومات اقتصادية واجتماعية وثقافية تعزز عملية التحول الديمقراطي وتسهم في ترسيخ ثقافة الديمقراطية. ولذلك تصنف أديبات متخصصة في التحول الديمقراطي النظام السياسي المصري ضمن فئة النظم المسماة ب" الشبه التسلطية أو" التسلطية التنافسية" والديمقراطية الشكلية.

وبهذا النظام السياسي المصري يعد من الأنظمة السلطوية والاستبدادية ، لذلك فجل الحركات الاحتجاجية كان سببها سلطوية النظام ، مما ساعد في اتساع نطاق وتنوع الأسباب التي تدفع الفئات الاجتماعية المختلفة للاحتجاج، وقد كان من أهم الأسباب الداخلية للحركات الاحتجاجية، قانون الطوارئ وهو نظام قانوني المفترض أن ينص عليه في الدستور ، ولا يتم اللجوء إليه إلا بصفة استثنائية ومؤقتة لمواجهة ظروف استثنائية، ولا يمكن مواجهتها بقواعد المشروعية العادية، وبمجرد إعلان حالة الطوارئ يفرض على الدولة نظام يتم في إطاره استخدام قواعد إجراءات ووسائل استثنائية، يطلق عليها البعض اسم " لوائح الضرورة" حيث يتم توسيع اختصاصات السلطة التنفيذية بصورة كبيرة ، تشكل إخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات، فتمارس بعض الاختصاصات المخولة للسلطتين التشريعية والقضائية.

وإضافة إلى قانون الطوارئ، وفي المجال الحزبي يبدو جليا سيطرة الحزب الوطني على كافة مظاهر وجوانب العملية السياسية، و يتوزع حوله مجموعة من الأحزاب الأخرى المعارضة، التي لا فائدة منها سوى إضفاء الشكل التعددي على النظام السياسي المصري، فهي أحزاب متهالكة ليست لها فاعلية سياسية . ومن المؤكد أن الحزب الوطني يستمد قوته من عاملين أولهم أن الرئيس الدولة هو رئيس الحزب، وأيضا التداخل بين أجهزة الحزب وأجهزة الدولة وتوظيف الأخيرة لحساب الحزب، مما يدل على أن العملية الانتخابية في النظام السياسي المصري غير شفافة حيث تعتريها كل صور الفساد والابتعاد عن النزاهة والشفافية.

ومصدر آخر من مصادر الاحتقان والتوتر في النظام السياسي المصري يتمثل في تصاعد أهمية الدور الذي يؤديه جمال مبارك في إطار إدارة العلمية السياسية ، والذي انضم إلى عضوية الحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسه والده. إلا أن نقطة التحول في دوره السياسي ارتبطت بتشكيل لجنة السياسات داخل الحزب الحاكم وتوليه أمانتها وتكوين لجنة وأفرزت بعضا من أعضاء النخبة في المواقع التنفيذية (الوزارية) علما بأن أكثرها ينتمي على فئة رجال الأعمال.

ومن هنا بدأ الحديث عن الثوريث السياسي، الذي حاول الرئيس وابنه نفيه على مستوى الخطاب ، رغم أن كل الشواهد والتعديلات الدستورية تؤكد عزم الرئيس توريث حكم مصر إلى ابنه والذي دخل مجال السياسة رافعا راية الإصلاح السياسي، وكما قاد جهة واسعة لإصلاح الحزب الحاكم من داخله.

إذا فبالرغم من تواجد الأحزاب السياسية والانتخابات والدستور فإن الممارسات السياسية الفعلية التي تقوم بها النخبة الحاكمة تعكس ثقافة قديمة موروثة من نظام الحزب الحاكم، وتتجه إلى التوريث الذي ينسف مبادئ الجمهورية ويقوضها.

إضافة لهذه الأسباب السياسية الداخلية نجد من بينها أيضا الانتهاكات الجسيمة لحقوق وحريات المواطن المصري، حيث انعدام الحق في المحاكمة العادلة والذي يتمثل في انتهاك ضمانات هذا الحق في مصر.

الفقرة الثانية: الأسباب السياسية الخارجية للحركات الاحتجاجية


يمكن القول أن هذه الأسباب تتحصل في جملة العوامل الخارجية التي يقع بها الأحداث الإقليمية والدولية والتي يتأثر بها المواطنين، وينعكس هذا التأثر في أشكال احتجاجات وغيرها من السلوكيات العنيفة أو السلمية. فإذا كنا قد تحدثنا عن أسباب الاحتجاجات وتم سردها في انتهاكات حقوق الإنسان داخليا، فإن هذا لايعني بأن حقوق الإنسان غير منتهكة دولية، فإذا نظرنا إلى مصر وإلى الدول الإقليمية فنجد أن معظم الاحتجاجات والحركات ذات المطلب السياسي ، نجد أنها ظهرت كرد فعل للعدوان الإسرائيلي في غزة بالإضافة إلى ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، وأيضا عدوانها على الراضي اللبنانية ، بالإضافة على الحرب على العراق.

مما سبق يمكن إرجاع تزايد الحركات الاحتجاجية في الدول العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص نظرا لانهيار القيم والمبادئ الليبرالية التي يتم المناداة بها حيث أصبحت الديمقراطية مجرد ستارة تخفى وراءها الدول الاستعمارية أطماعها تجاه الدول الضعيفة، ومن ذلك قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل في الشؤون العربية والإفريقية الداخلية.

وقد كان خروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني، درة تاج السياسة الأمريكية في المنطقة ، فالانصياع للإملاءات الأمريكية أثخن قلوب المصريين بالمرارة والذل خاصة بعد خسارة الدور القيادي لمصر في قضايا الأمة، والتحول إلى دور المتفرج على؛ وأحيانا المشارك، على مآسي الأمة، فكان التراجع عن كافة القضايا التي كان بالإمكان إيقافها أو تعديها كالحرب الأهلية اللبنانية، والاجتياح الصهيوني للبنان في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، والترويج والتحريض على ضرب العراق في بداية التسعينات والتحريض والتسهيل على احتلال العراق من قبل التحالف الأمريكي البريطاني الصهيوني في مطلع الألفية، والحفاظ على أمن الكيان الصهيوني عبر الحصار على قطاع غزة، والتغطية والدعم للخط الاستسلامي للسلطة الفلسطينية.

وتواجه العلاقات المصرية العربية مجموعة من التحديات في استمرار ضعف العلاقات العربية، وضعف التضامن العربي، وهو ضعف ناتج عما آلت إليه الأوضاع العربية الراهنة بعد سلسلة من الأخطاء العربية والتدخلات الأجنبية، وإهدار الثروات في حروب إقليمية، واندلاع عدد من الحروب والصراعات الأهلية في السنوات والعقود الماضية، فقد أدى هذا الوضع على انكفاء أكبر من دولة عربية على نفسها في محاولة للململة الجراح والبحث عن مستقبل آمن، والمشكلة أن استمرار هذا الوضع يزيد من ضعف العلاقات العربية.

إضافة إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وتطبيقاتها في الواقع، أي في سيناء قد فرضت قيودا على انتشار القوات المسلحة المصرية بدرجات متفاوتة، وتشكل هذه القضية مساسا بالكرامة الوطنية .

وكذلك من الأسباب الخارجية فقدان التماسك مع بلاد الشام والرافدين، وحروب الصومال ، غير أن كل هذه الخطايا والأخطاء الفادحة لم تغب عن ذاكرة المصريين الذين صبروا ليوم الحساب، وأن سبب كل هذا هي سياسة التبعية والولاء للخارج، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وكل ذلك لمصلحة الكيان الصهيوني ،إن المس بكرامة الوطن والمواطنين كان الخطيئة الكبرى والخطأ الفادح للنظام، ولمن كان يحميه .

فالشباب الذين قادوا التظاهرة الاحتجاجية لم يكون من الطبقات الفقيرة الجائعة، بل كانوا من الطبقات الوسطى التي استفزتهم سياسات النظام في السياسة والاقتصاد والثقافة وانتهاك الكرامة الوطنية.

المطلب الثاني: الأسباب الاقتصادي والاجتماعية للحركات الاحتجاجية بمصر
.

لقد ساهمت الأسباب الاقتصادية والاجتماعية بظهور الحركات الاحتجاجية بمصر، بعد أن كانت حقوق وحريات المواطنين المدنية متدهورة، بفعل سياسة النظام المصري في المجال الاقتصادي والاجتماعي، والآثار السلبية التي كانت تترتب على تلك السياسات والتي يعاني منها الفقراء ومحدودي الدخل .

وأيضا في تعميق سياسات الخصخصة المرتبطة باقتصاديات السوق والحرية الاقتصادية في مصر، مما انعكس بشكل مباشر على تراجع دور الدولة في ما تقدمه من خدمات وأشكال رعاية، وحماية في مجال التعليم والصحة والإسكان والتوظيف والرعاية الاجتماعية ...إلخ. وهو ما أدى على الاتساع المتزايد لنطاق الفقر والكثافة السكانية المهمشة، كما أدت التحولات في سياسة التشغيل في مصر، لدى تحولها لإتباع نظام الاقتصاد الحر في عصر مبارك على ارتفاع معدل البطالة بصورة هائلة، وبالذات بين خريجي النظام التعليمي العالي، الذين يشكلون قلب الطبقة الوسطى تقليديا.

إضافة إلى سوء توزيع الدخل في مصر، وذلك بسبب سوء نظام الأجور الذي يطلق يد أرباب العمل، سواء كانوا رأسماليين من القطاع الخاص المحلي، أو الأجنبي أو رأسمالية الدولة في تحديد أجور العاملين لديهم.

إضافة إلى السياسات الاقتصادية، التي أدت على بروز طبقة من رجال الأعمال الذين أخذوا يقومون بأعمال أقرب إلى أعمال السمسرة من الإنتاج الفعلي. هذه السياسات انسجمت مع توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي كانت تضغط نحو خصخصة المرافق العامة والصناعات الأساسية، والانفتاح الاقتصادي على الشركات الأجنبية ، كما أن التحالف بين هذه الطبقة والحكم أدى إلى مأسسة الفساد، وتزايد الفجوات الاجتماعية بسبب تزايد الفقر والجهل الممنهج ، إذ أن أكثر من 50 في المائة من المصريين يعيشون تحت أو على خط الفقر، أي على اقل من دولارين في اليوم. كما أن النظام التربوي يساهم في نشر ثقافة الخنوع وفقدان الهوية، واعتناق ثقافة الاستهلاك، أما انحدار المستوى التربوي التعليمي، فهو مقصود لإنتاج أمة جاهلة لا تستطيع مقاومة الذل والاستعلاء.


الفقرة الأولى: الأسباب الاقتصادية للحركات الاحتجاجية بمصر

لا جدال في أن المجتمع المصري عايش منذ سنوات مشكلات اقتصادية ومالية من نوع خطير إلى حد غير عادي. ففي عام 1991 أصدرت الحكومة المصرية قانون قطاع الأعمال رقم (53) والخاص بالشركات القابضة. ثم أصدرت في عام 1993 القانون الرقم (93) الخاص بالقطاع نفسه، ثم تقدم الحكومة بموجبه على بيع شركات القطاع العام، المملوكة للشعب، بغرض توقفها عن التدخل في العملية الإنتاجية قدر الإمكان، مما فتحت الباب على مصراعيه أمام رأس المال الأجنبي للاستثمار في مصر، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية التي تفضي على تحرير الاقتصاد المصري.

وتعتبر سياسات التحول الانتقائي نحو اقتصاد السوق الرأسمالي في عهد الرئيس المصري محمد حسني مبارك، والتي تأخذ ما يلاءم الطبقة الحاكمة، دون أن تأخذ بباقي عناصر نظام اقتصاد السوق الرأسمالي، والتي تشكلت تحت ضغوط تاريخية من الشعوب، بالذات ما يتعلق بالحريات الديمقراطية وتداول السلطة والمساواة بين الجميع أمام القانون. وإعادة توزيع الدخل من خلال نظام ضريبي تصاعدي، ونظام فعال للدعم، وتحسين أحوال الفقراء والعاطلين.

إضافة إلى التدابير التي اتخذتها الحكومة المصرية، في التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي، والذي كانت له آثار سلبية على تلك السياسات، ويعانيها الفقراء ومحدودي الدخل بصفة أساسية ، وفي هذا يمكن القول إن الإجراءات المرتبطة بتخفيض أو إلغاء الدعم السلعي ، وزيادة أسعار السلع والخدمات، وبخاصة الأساسية وزيادة الرسوم على الخدمات الحكومية ، وزيادة الضرائب وتقليص الإنفاق العام على القطاعات الاجتماعية ، وبخاصة التعليم والصحة والإسكان، وغيرها من الإجراءات أصابت الفقراء ومحدودي الدخل في مصر بصفة أساسية، وأدت إلى مزيد من التدهور في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

وكل هذه الآثار ساهم فيها النظام السياسي، بعد تقليص دوره بكل ما يعنيه من خروجها من عمليات الاستثمار المباشر في الصناعة والزراعة، والاكتفاء بتطوير البنية الأساسية وتحرير سعر سوق الصرف، وخصخصة القطاع العام ، وهي الملامح الرئيسية للسياسات الاقتصادية لنظام مبارك منذ عقدين من الزمن تقريبا، فإن القوانين والقرارات الاقتصادية، التي صدرت في ظل الحكومة التي تسلمت الحكم عام 2004، تؤكد على طبيعة هذا النظام وسياسته الاقتصادية، الموجهة لخدمة الطبقة الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية، على حساب الطبقة الوسطى والفقراء.
ويفضي تأمل الأوضاع الاقتصادية السابقة، وما يرتبط بها من تحولات طبقية إلى أن ثمة منبعين أساسيين للدوافع الاقتصادية المحرضة على السخط والثورة، الأول هو البؤس الفعلي لجماعات فقيرة تماما في المجتمع المصري ، والثاني هو إحساس جماعة أو جماعات أخرى بأن الظروف السائدة تحد أو تعرقل نشاطها الاقتصادي، وطرق كسب دخولها، وهي جماعات الطبقة الوسطى صاحبة المشروعات، والمفتقرة إلى الفرص المناسبة في هذا العالم.

الفقرة الثانية: الأسباب الاجتماعية للحركات الاحتجاجية بمصر


تضمنت البنية الاجتماعية المصرية، عوامل قوية لانتشار الفساد بين مختلف شرائح المجتمع المصري العليا، والوسطى ، بدرجة لم يعرف مثيل لها في الفترات السابقة. وقد ساعدت هذه البنية على التزاوج والمصاهرة بين المال والحكم، وبين من له سلطة اتخاذ القرار، ومن لديه مصلحة أكيدة في نوع القرار الذي يجري اتخاذه، مما زاد في استشرى الفساد بين الشرائح الاجتماعية القريبة من السلطة داخل النظام السياسي المصري، وعندما كان هذا يحدث في أوساط الشرائح العليا في المجتمع، كانت عوامل أخرى تعمل على انتشار الفساد في شرائح المجتمع الدنيا والوسطى، إذ ازداد باستمرار عدد الأفراد الذين لا يستطيعون مجرد البقاء على قيد الحياة، بدون الخروج على القانون، فأصبح الفساد في هذا الظرف يشكل مؤسسة ، وأصبح البعض يتحدث عن ثقافة الفساد في المجتمع، لا يزدهر الفساد في البنية الاجتماعية إلا في إطار غياب دولة القانون والمؤسسات.

وتتضمن البنية الاجتماعية في ظل هذه الأحوال، سلطة ضعيفة فاقدة للقدرة على معاقبة الخارجين عن القانون ، مما كان أحد السباب المهمة للأنشطة الاحتجاجية بمصر، إضافة لعوامل مثل ارتفاع نسبة البطالة وعملية خصخصة المؤسسات الإنتاجية، وما استتبعها من إحالة أعداد كبيرة من العمال على المعاش المبكر، أو اللجوء على الفصل التعسفي للعديد من القيادات العمالية، بعد انتشار الأنشطة الاحتجاجية من أجل ضمان حق العمل المناسب.

كذلك من الأسباب الاجتماعية، لبروز هذه الحركات الاحتجاجية خاصة في فئة الشباب، وهي سطوة أجهزة الأمن وتدخلها في الحياة الجامعية، وتقنين الأنشطة العلمية والبحثية والفكرية للأساتذة والطلاب ، وهذا ما دفع على أنشطة احتجاجية من أجل المطالبة باستقلال الجامعة، وإطلاق الحرية للأنشطة العلمية والفكرية بالنسبة للأساتذة وحرية النشاط الطلابي سواء الاجتماعي والثقافي والسياسي داخل الجامعة كإطار فاعل في إعدادهم كمواطنين فاعلين ومشاركين، وأن يقوم على أمن الجامعة و حرسها وحدات خاصة خاضعة لرئيس الجامعة وليس لوزارة الداخلية.
كما كانت المطالبة بزيادة الأجور أو المكافآت والحوافز أو المطالبة بالمساواة في الأجور مع فئات أخرى، من أهم الأسباب في انتشار النشاط الاحتجاجي بمصر، حيث انتشر بين مختلف فئات المجتمع من عمال إلى أساتذة جامعة إلى أطباء ومدرسين وموظفين حكومة، وهو ما يمكن تفسيره بتزايد الأعباء الاقتصادية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم.

وبهذا فتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتدهور مستوى أداء الخدمات المختلفة في البلاد بمعدلات متسارعة، خاصة التعليمية والصحية منها، وانتقال الحال من سيء إلى أسوء على الدوام، دون أن تبدو في أفق أية مؤشرات على احتمال وقف تدهور العام خلال فترة زمنية معقولة ، هذه المشكلات أدت إلى تدني مستويات المعيشة بالنسبة للأغلبية الساحقة للمواطنين، رغم كل ما يقال عن تحقيق الاقتصاد الوطني لمعدلات نمو مرتفعة، وهبوط شرائح متزايدة من الطبقة الوسطى إلى مستويات أدنى، ودخولها دائرة الفقر، بعد أن بدأت تعجز عن سداد احتياجات أبنائها من السلع الأساسية، بسبب الغلاء الفاحش في أسعار والخدمات.

المبحث الثاني: أهم الحركات الاحتجاجية الشبابية بمصر

بدأت الحركات الاحتجاجية في الظهور مع اندلاع انتفاضة الأقصى في خريف 2000، بتأسيس اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، والتي أصبحت نموذجا للعديد من الحركات اللاحقة، من حيث هيكلها التنظيمي المرن وانفتاحها على جميع التيارات وتركيزها على العمل الاحتجاجي المباشر خارج الأطر المؤسسية. ومع بدء الإعداد للحرب الأمريكية على العراق، تحولت أنظار القوى الوطنية إلى الساحة العراقية وتم تأسيس عددا من الحركات المناهضة للغزو الأمريكي مثل حركة 20 مارس والحملة الشعبية لمناهضة الصهيونية والإمبريالية ونجحت هذه الحركات في التواصل مع الحركة العالمية المناهضة للحرب على العراق، وعقدت عدة مؤتمرات في القاهرة بمشاركة نشطاء من الداخل والخارج.

وبعد احتلال العراق في أبريل 2003 تحولت أنظار القوى الوطنية على الشأن الداخلي وخاصة قضايا الإصلاح السياسي والدستور وشهدت الفترة ما بين 2004 و 2005 ظهور عدد من الحركات الجديدة المطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري مثل الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) والحملة الشعبية للتغيير (الحرية الآن) والتجمع الوطني للإصلاح والجبهة الوطنية للتغيير.

ولقد تعددت وتنوعت التجارب والحركات الشبابية المصرية التي قامت بتعبئة الشباب المصري خلال ثورة 25 يناير 2011، بما يعبر عن قدر كبير من الحيوية والنشاط فيما بين الأجيال الجديدة، وفي حين يتميز بعض هذه التجارب، بأنه جديد تماما وغير معروف للكثيرين، فإن البعض الآخر يتسم بالقدم والجدة معها.

ويمكن القول أن الجماعات الرئيسية، التي دعت وشاركت بقوة في فعاليات يوم 25 يناير أو أيام الثورة، هي "حركة 6 أبريل" و"مجموعة كلنا خالد سعيد" و"شباب الإخوان " و"معا سنغير" (حملة دعم الدكتور محمد البرادعي)، و"حركة شباب من أجل العدالة والحرية" (حنغير)، وشباب كل من "حزبي الجبهة الديمقراطية" و"الغد"، ثم التحقت بهم العديد من الحركات الشبابية الأخرى تفاعلا مع التطورات على الأرض، مثل "اتحاد شباب التجمع" و"الناصري" و"حركة شعبية ديمقراطية للتغيير"،"شباب حزبي العمل" و"الوفد" و"جبهة الشباب القبطي". وبالرغم من أن هذه المجموعات غير متجانسة فكريا، إلا أنها تمتلك مهارات التعامل مع الأنتريت وشبكات التواصل الاجتماعي الحديثة إلى جانب الروح الوطني والإصرار على الإنجاز، والتمسك بحلم النهضة المصرية. وقد نجح أعضاؤها في تطوير قدراتهم التنظيمية والحركية، وقاموا بتطوير وعيهم السياسي، والثقافي خارج الأطر التقليدية لمؤسسات التنشئة السياسية القائمة في مصر، فاستطاعوا أن يفاجئوا الجيل القديم والمراقبين بقدرتهم على إحداث هذه الثورة المصرية التي أربكت الجميع.

المطلب الأول: الحركات الاحتجاجية غير المحزبة بمصر في ثورة 25 يناير


لقد ظهرت أنماط جديدة من التعبئة والمشاركة السياسية في مصر، حيث يلاحظ أن الحركات الشبابية تتسم بقدر عالي من المرونة والسيولة وضعف التنظيم، وسرعة انشغال النشطاء فيما بينهم، نظرا لغياب إيديولوجيات واضحة أو قيادة.

فالنشطاء الشباب يتحركون بين المنظمات والأحزاب بحرية ودونما قيود، وبينما إلتف كثير من النشطاء حول حزب الغد وحركة كفاية باعتبارهما نقطة جذب أساسية للنشطاء، أثناء الحراك في 2005، 2006، فقد ظهرت مراكز أخرى لجذب الشباب مثل شباب من اجل التغيير ثم حركة 6 ابريل.

وفي بعض الأحيان يفضل الشباب التخلي عن يافطة الأحزاب السياسية، التي ينتمون لها ويبادرون إلى الانضمام إلى حركات جديدة.

ونقتصر هنا على بعض الحركات الشبابية، المشاركة في ثورة 25 يناير 2011، والتي كان من أبرزها حركة كغاية حركة 6 أبريل، شباب الإخوان المسلمين.

- حركة كفاية: وهي تحالف لجماعات المعارضة، وشبكة فضفاضة تضم مجموعات من الناصريين والإسلاميين واليساريين، وقد انضم الشباب لفعاليات حركة كفاية منذ بدايتها في نهاية 2004، وشاركوا بفعالية وقوة مما جعلهم يفكرون في إنشاء كيان جديد في إطار الحركة يمثل الشباب. كما واجهت كفاية في مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي طرحته الولايات المتحدة في أعقاب غزو العراق وفي ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بعد التعديلات الدستورية عام 2005 ورفعت شعار " لا للتمديد للتوريث".

وبالرغم من عناية حركة كفاية بالتغيير السياسي، إلا أنها تقدم نفسها على أساس أنها ليس حزبا ولا جبهة قوى سياسية، وهي بسيطة التكوين مفتوحة من حيث المبدأ لكل المواطنين، والقيادة تتمثل في مختلف ألوان الطيف القومي: ناصرين وقوميون وإسلاميون ويساريون، وهناك تباين واضح بين أهداف الحركة وتنظيمها ، وقد كان لها الفضل في إحداث حالة من الحراك السياسي في الشارع المصري قبل حدوث ثورة 25 يناير والتي كانت المحرك الأساسي، في هذه الثورة من خلال مشاركتها، ومساهمتها كذلك مع الحركات في الدعوة للثورة، وأكدت التزامها بنفس مطالبها، وشاركت في لجنة العشرة الداعمة لثورة الشباب.

- حركة 6 أبريل: وتعرف حركة السادس من ابريل نفسها بأنها مجموعة من الشباب المصري الذين لا ينتمون إلى أي تيار سياسي، ويسعون لإحداث تغيير سياسي . وهي نتاج الحركة العمالية الإضرابية التي خاضت جولات متصلة من معارك زيادة الأجور، ونجحت في أكثر من جولة في انتزاع بعض مطالبها المباشرة وإجبار الحكومة على التراجع، وفي إطار نضال العمال في قطاعات كصناعة النسيج في محركة إنقاذ للصناعة كان أهم ما يميز اعتصامات العمل انتقالها من المصانع إلى الشوارع وإلى مجلس الشعب واتحاد العمال ورئاسة الوزراء وأخذت تنشط في أوساط الشباب في الجامعات والأندية وتقوم بتطوير أدواتها الإعلامية، من خلال موقعها على الأنترنت وإنتاج المواد الإعلامية، التي تساهم في تطوير أساليب الاحتجاج وصولا للحظة مشاركتهم بقوة في أحداث 25 يناير، ثم اشتراكهم في تأسيس ائتلاف الثورة بالتعاون مع شباب الإخوان والجبهة والعدالة والحرية . وكان لها الدور الفعال في مشاركتها، في ثورة 25 يناير من خلال تحركاتها ونشاطها داخل ميدان التحرير.

- شباب الإخوان المسلمين: فعلى مدى ثلاثة عقود، تقريبا استمر دور شباب الإخوان المسلمين باعتبارهم القوة الأكثر تنظيما، على الرغم من سعي الحكومة إلى تقليل وتحجيم حضورهم في الاتحادات الطلابية بكل الطرق، بحيث يقومون ببعض الأنشطة الاحتجاجية من خلال دعوتهم إلى استقلال الجامعة، كما أنهم يتبنون مطالب الإخوان فيما يتعلق بالإصلاح السياسي،وقد تزايد الصراع بين الإخوان والنظام السياسي في الانتخابات الرئاسية 2005، حيث تصاعدت حركات الرفض لترشيح الرئيس مبارك، وقد تزامنت مع تزايد الضغوط الأمريكية على النظام المصري، من أجل تحقيق مستوى أعلى من النزاهة السياسية في التعامل مع المعارضة.

وبهذا فقد كان دور الإخوان المسلمين في النظام السياسي المصري، دور المعارض لنظام مبارك، ومن المهم هنا أن نأخذ في الاعتبار دور شباب الإخوان المسلمين في المشاركة في أحداث 25 يناير، حيث أكد شباب الإخوان أنهم سيشاركون بالتعاون مع الحركات والتجمعات الأخرى، مثل الجمعية الوطنية للتغيير، وفي أعقاب نجاح الشباب في الوصول لميدان التحرير والاعتصام فيه، وقررت الجماعة المشاركة بكل قوة في أحداث جمعة الغضب في 28 يناير ، وتتراوح التقديرات حول نسبة مشاركة الإخوان في اعتصام التحرير ومظاهراته المليونية بين نحو 20 في المائة في حين يرفع آخرون النسبة إلى حوالي 30 في المائة.

المطلب الثاني : الحركات الاحتجاجية المحزبة بمصر في ثورة 25 يناير

.
فبعد التطرق إلى الحركات الشبابية الغير حزبية، ودورها في ثورة 25 يناير من حيث التنظيم والمساهمة ، نجد إلى جانبها حركات متباينة محزبة كان لها نفس الدور، ونقتصر هنا على ذكر ثلاث حركات من بينها اتحاد شباب الغد وشباب الوفد ورابطة شباب العمل الإسلامي.

- اتحاد شباب الغد: تم تكوين اتحاد شباب الغد في 2005 في ظل الحضور القوي حينها لزعيم الحزب أيمن نور، وأصبحت حركة قوية بفعل انضمام الشباب له، وكان التيار الثاني بعد الإخوان من حيث العدد، وقد تخبط الحزب بعد اعتقال أيمن نور حيث ظهرت مشاكل كثيرة، فأصبح العمل مجرد نشاط فردي وعشوائي. غير أنه بمجرد خروج زعيمه من السجن، حتى عاد الحزب إلى نشاطه. حيث أخذ يشارك بفعالية في كثير من الأحداث بالتنسيق مع الحركات الاحتجاجية الأخرى، وقد برز دور هذه الحركة الشبابية في الدعوة إلى أحداث 25 يناير الخالدة، كما يعد حزب الغد من المملي سياسيته على شباب الغد من أجل مشاركته في الإصلاح السياسي والاجتماعي ، ويتلخص برنامجه في الدعوة لإصلاح اقتصادي وسياسي شامل.

- حركة شباب الوفد: السمة الأساسية في شباب الوفد هي عدم تبني أيديولوجية واضحة، مما يؤدي إلى بعض الانقسامات ، بين من يتبنون الليبرالية الجديدة، وبين الاتجاهات التقليدية والتي لا تجد مشكلة التوجهات الإسلامية والاشتراكية.

وقد مر الحزب بفترة طويلة تم فيها تغييب أمانة الشباب بسبب أزمات الحزب المتكررة، وقد واجه شباب الوفد أزمة شديدة، تمثلت في طلب العديد من شباب الوفديين تأسيس جمعيات أهلية، يمكن أن تتلقى الدعم الأجنبي، وهو ما كان يهدد دوما بحدوث انشقاقات في الحزب، ومن أبرز هذه الجمعيات: "جمعية النداء الجديد"، "تنمية الديمقراطية" و"الأندلس" و"رعاية اللاجئين" و"الحرة والنقيب" وغيرها... وقد قررت "حركة شباب الوفد" المشاركة في يوم الغضب بمختلف المحافظات مع توفير الدعم اللازم لها من طرف حزب الوفد، غير أن الحزب كان يتأرجح عادة بين حركته كحزب سياسي يعتبر جزءا من النظام السياسي القائم، وبين رغبته في التواجد في الشارع وفي أوساط الشباب، ولذلك فقد دخل في الحوار السياسي مع نائب الرئيس عمر سليمان قبل إسقاط نظام مبارك.

- رابطة شباب العمل الإسلامي: كان لحزب العمل وجريدة الشعب تأثير واضح على الشباب، وكانت مقرات الحزب تلفت النظر بالاعتصامات والمؤتمرات ، ومع وقوع أحداث الانتفاضة وغزو العراق والحراك السياسي بقدر من الحيوية لنشاط شباب الحزب، فظهرت رابطة العمل الإسلامي، وازداد عدد الشباب منخرطين فيها، حيث كانت تقوم وتدعو الشباب إلى مظاهرات التي ينظمها الحزب يوم الجمعة و قد شارك شباب حزب العمل في حركة كفاية وشباب من أجل التغيير والسادس من أبريل ولكنهم احتفظوا بكيانهم المستقل من الذوبان، وهم يحرصون على المشاركة في مختلف الفعاليات الاحتجاجية في الشارع المصري بما فيها أحداث 25 يناير، التي كانت من الحركات النشيطة داخل ميدان التحرير في التعبئة والحشد والتنظيم.

إذا فقد اتسمت معظم الحركات الاحتجاجية الشبابية الجديدة بطابع تحالفي عابر للإيديولوجيات، حيث ضمت معظم هذه الحركات شبابا من التيارات والتوجهات السياسية المختلفة، بالإضافة إلى شباب مستقل، كما اتسمت معظم الحركات الشبابية بطابع عملي ركز الشباب فيه على الأهداف المشتركة . وقد اعتمدت الحركات الجديدة بشكل كبير على أدوات الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، مثل رسائل المحمول ومجموعات البريد الإلكتروني ثم على المدونات و"الفيس بوك" كوسائل للتعبير و أيضا للتعبئة والحشد والتنظيم.

الفصل الثاني:
نجاح الحركات الاحتجاجية في إسقاط النظام المصري


لم يكن أكثر المتفائلين في مصر يرى في مظاهرات 25 يناير بداية ثورة يقل نظيرها على مستوى العالم، وينطبق ذلك على أصحاب الميل الإصلاحي وذوي المزاج الثوري. فالإحباط المتراكم اجتاح ثلاثة أجيال من المصريين على الأقل، منذ الجيل الذي كان في الجامعات في أواخر الستينات القرن الماضي، كما أن الفشل الذي منيت به جهود الإصلاح منذ منتصف ثمانينات القرن نفسه أضعف ثقة من سعوا إليه في قدرتهم على التغيير. بدأت أحداث الثورة المصرية بتظاهرات سلمية يوم 25 يناير شارك فيها آلاف المحتجين في القاهرة ، وعدد من المحافظات استجابة لدعوات شعبية وشبابية واختار الداعون إلى هذه التظاهرة يوم 25 يناير بالتحديد لمصادفته عيد الشرطة، وذلك تضامنا مع خالد سعيد، الشاب المصري من الإسكندرية الذي اعتقل وعذب حتى الموت في أحد أقسام الشرطة في 06 يونيو 2010.

وأدت هذه التظاهرات في يومها الأول إلى سقوط أربعة قتلى نتيجة الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن المصري التي تعاملت بعنف في هذا اليوم، غير أن سلوكها زاد في التطرف واستخدام العنف المفرط مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، واعتقال المئات في عدة مدن وفي أعقاب هذه التظاهرات طلب الرئيس المصري نائبا له، لكن التظاهرات استمرت في الأيام التالية في مختلف المدن المصرية وبخاصة في ميدان التحرير وسط القاهرة الذي شهد عدة تظاهرات مليونية تبلور فيها المطلب الرئيسي للثورة برحيل الرئيس مبارك وإسقاط النظام .
وقدم الرئيس مبارك عدة مبادرات لم تكن كافية في نظر المحتجين، من أبرزها : تعديلات دستورية وتفويض صلاحياته على نائبه عمر سليمان، غير أن استمرار التظاهرات وتوسعها أدى في النهاية إلى تنحي مبارك عن السلطة في اليوم الثامن عشر للثورة في 11 فبراير ، وذلك بعد 30 عاما قضاها في الحكم.

وبهذا فقد ساهمت مجموعة من العوامل إلى نجاح الحركات الاحتجاجية في إسقاط النظام، ومنها تقنيات التواصل ودور الإعلام المرئي، حيث أن العامل الحاسم في إنجاح الثورة هو التواصل بين القيادات الميدانية والفئات المشاركة في الحملة الاحتجاجية سواء بواسطة الشبكة العنكبوتية والفايسبوك والتوثير أو بالهاتف المحمول، وقد أدت هذه التقنيات دورا مركزيا في التعبئة والتنظيم، خاصة في مواجهة تكتيكات السلطة وفي صد محاولاتها لقمع ووأد المتظاهرين في ، كذلك كان دور فعال للإعلام المرئي وبالأخص قناة الجزيرة في تغطية الأحداث ، مما جعلها شريكا أساسيا في نجاح الثورة إضافة إلى الإعلام الأجنبي.

كما كان دور القوى السياسية، كالأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والتي لم تؤدي الدور الريادي في انطلاق الثورة إلا أنها واكبت بسرعة الأحداث وانضمت إلى قافلة الاحتجاجات، إضافة إلى دور القوات المسلحة في هذه الثورة والتي حرصت على ان تكون محايدة ومتفهمة للدوافع المختلفة وراء هذه الانتفاضة حتى صدر قرار الرئيس السابق حسني مبارك بالتخلي عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المساحة بمسؤولية إدارة شؤون البلاد" ، وقد كانت الثورة المصرية لها مجموعة التداعيات الإقليمية والدولية.

مبحث الأول: آليات نجاح الثورة المصرية


تعتبر الثورة المصرية نتيجة تراكمات عديدة، منها تفاعل البعد الداخلي في النقمة على مظالم النظام الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مما أشعل نار مسيرات تطالب بالتغيير، وذلك بمشاركة آلاف المصريين في القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى، إستجابة لدعوات نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الأنترنت وخصوصا موقعي الفايسبوك والتوتير ، وتنبي هذه الدعوة مجموعة من النشطاء فيما يمكن تسميته بنخب المجتمع الشبكي، قام هؤلاء الأفراد بمحاولة بتشجيع المشتركين في القوائم المختلفة من الانضمام إلى أهداف الثورة بما يشكل دعم للدعوة إلى فاعلية الاحتجاج.

كما كان للإعلام المرئي والمكتوب دورا مهما في نجاح الثورة المصرية، والذي واكب أحداث الثورة لحظة بلحظة، برغم من أداء الإعلام الحكومي المصري سواء المكتوب أو المرئي المصرية والتي أسمت الأحداث بأنها فوضى، وكانت تتجاهل ما كان يحدث مع معظم المظاهرات الاحتجاجية، وكانت تنشر أخبار زائفة تدخل في نطاق الحرب النفسية في مواجهة المتظاهرين، وهذا الأداء هو الذي دفع المتظاهرون إلى التظاهر أمام مبنى التليفزيون مطالبين برحيل القائمين عليه من قيادات وزار ة الإعلام.
وأيضا كان موقف الأحزاب ودورها في ثورة 25 يناير، حيث جاء موقف كل حزب معبرا وكاشفا عن طبيعة علاقة هذا الحزب أو ذاك سواء بالنظام الحاكم كطرف أول أو بالشعب المصري كطرف ثاني لثورة 25 يناير.

وقد انقسمت الأحزاب إلى أربعة فرق، الأول منها هو الفريق الذي دعا للتظاهر أو للثورة يوم 25 يناير وهي : الجبهة الديمقراطية والغد والحزب العمل الإشتراكي المجمد، وهذه الأحزاب المشاركة كان لها دور في ثورة 25 يناير رغم مشاركتها من الناحية العددية كانت محدودة لدرجة كبيرة، غير أنها انضمت إلى قافلة الاحتجاجات، وأدت فيما بعد دورا مهما في المفاوضات مع السلطة وبالتنسيق مع اللجان الشبابية واللجان الشعبية التي تشكلت.

ومن الواضح أيضا أن مؤسسة الجيش أدت دورا محوريا في إنجاح الثورة عبر وقوفها على الحياد، فقد مارست مؤسسة الجيش في مصر دور الحياد السلبي، حيث امتنعت عن إطلاق النار على المتظاهرين لقمهعم، كما أن الجيش أعلن في أكثر من مرة الوقوف إلى جانب المطالب المشروعة للمتظاهرين مما أعطى طابع الشرعية للحركة الاحتجاجية

المطلب الأول: دور الإعلام وتقنيات التواصل والأحزاب في نجاح الثورة


من الواضح أن العامل الأساسي في نجاح الثورة في التعبئة والتنظيم والتنفيذ هو التواصل بين القيادات الميدانية والفئات المشاركة في الحملة الاحتجاجية، وعلى أن الوسائل الحديثة للتواصل كالفايسبوك والتويتر، وما يمكن أن يستحدث من وسائل تواصل، أدت دورا مركزيا في التعبئة والتنظيم، ولعل من هذه الوسائل التواصلية ظهرت حركة 6أبريل واستغلت انفتاح هذا المجال العام الجديد في النزول إلى الواقع للمطالبة بالحقوق والإصلاحات فلقد أصبح الأنترنت مجالا للممارسة السياسية في ظل القيود المفروضة عليها في الواقع، وهناك العديد من القضايا السياسية التي أضحت مجالا للحوار عبر سياقات المجال العام الافتراضي ولعل أبرزها مقتل الشاب خالد سعيد الذي أخذت قضيته مساحة كبيرة عبر تفاعلات شبكة (الفيس بوك). ولعل نقطة انفجار الثورة الحقيقية انطلقت من تأسيس صفحة أسسها أحد النشطاء وهو (وائل غنيم) عبر شبكة الفيس بوك بعنوان (كلنا خالد سعيد) دعا من خلال خذه الصفحة إلى تنظيم تظاهرة في 25 يناير . وشبكة الفيس بوك لعب دورا أساسيا في تعبئة الجماهير للمشاركة في الثورة المصرية ، وذلك من خلال المجموعات المنتشرة على ساحته، ويتضح من خلال الشبكة تنوع الآليات للتواصلية داخلها من ما بين تأسيس المجموعات والمدونات، إلا أن العنصر الفاعل هي شبكة الفيس بوك والتي لعبت بدورها الفاعل في تحريك الاحتجاجات في المجتمع المصري هي المجموعات التي شكلها النشطاء السياسيين من النخب الشبابية المستخدمة للموقع.

أما ألإعلام المرئي، وخاصة العربي منه، فكان دوره حاسما لما آلت إليه الأمور. وإذا كانت الفضائيات لا تقود الثورات ، إلا أن تغطيتها بشكل إيجابي يساهم بشكل فعال في نجاحها، وهنا لا بد من التنويه بدور" قناة الجريرة" في تغطية الأحداث في مصر ، كما لا بد من الإشارة إلى التغطية الفعالة لعدد من الفضائيات العربية ، منها اللبنانية مثل:" المنار" و"الجديد" و"ال إن بي إن"... والتي أدخلت الثورة إلى بيوت المواطنين وقد واكب الإعلام المرئي الغربي الثورة بشكل مقبول، وأكثر موضوعية من بعض وسائل الإعلام العربية النفطية .

أما بخصوص التلفزيون المصري كان الأسوأ أداء خلال الثورة، ففي البداية تجاهل تماما أن مصر تشهد ثورة، ثم شارك في الثورة المضادة عبر محاولاته إثارة الرعب في نفوس المصريين بدء من يوم 28 يناير، ثم سعى إلى تشويه صورة المشاركين فيها من خلال استضافة من يسبونهم من الفنانين أو السياسيين، ونشر أخبار تدخل في نطاق الحرب النفسية في مواجهة المتظاهرين، " وقد أطلقت بعض الصحف ووسائل الإعلام مسمى " عساكر نشرة الأخبار" على مقدمي نشرات أخبار التلفزيون المصري وهذا المسمى يوحي بأنه كان يوجد تنسيق بين نشرات الأخبار وبين الجهات الأمنية، خاصة وأن التلفزيون لعب دورا في ترويع الناس، وهو الدور الذي قيل أن خطة طوارئ للداخلية تناولته من أجل إشعار المواطنين أن المصريين أصبح أمامهم خيارين لا ثالث لهم وهما الفوضى وغياب الأمن أو الاستقرار الذي لا يمكن أن يتحقق إلا على أيدي النظام السابق."

ورغم هذا التعتيم الإعلامي الحكومي للاحتجاجات إلا أنه كانت هناك مجموعة من الصحف الخاصة في تغطية الثورة المصرية غاية في الرقي على الرغم من المعاناة التي عانتها بسبب قطع الأنترنت والاتصالات في أيامها الأولى، وهو الأمر الذي حرمها من رسائل مراسليها الصحفيين ومن غياب الكتاب الذين كانوا يرسلون مقالاتهم عبر الأنترنت، وعلى الرغم من انحياز الصحف الخاصة كل من الشروق والمصري اليوم، إلا أن تغطيتها اتسمت بالدقة و الموضوعية والاهتمام بنشر أخبار أخرى كانت تنشر فقط في الصحف القومية مثل تلك المتعلقة بالمظاهرات التي خرجت لتأييد الرئيس المخلوع والتي أشارت إلى عددها التقريبي الحقيقي وليس المبالغ فيه الذي قدرته الصحف الموالية للنظام.

كما لعبت الأحزاب دورا رياديا في انطلاقة الثورة وفي تأخرها إلى مواكبة الأحداث حيث انضمت إلى قافلة الاحتجاجات ، وقد أدت دورا مهما في المفاوضات مع السلطة وبالتنسيق مع اللجان الشبابية واللجان الشعبية التي تشكلت، وكان من أهم الأحزاب التي دعت للتظاهر أو الثورة يوم 25 يناير وهي : "الجبهة الديمقراطية" و"الغد" و"حزب العمل الاشتراكي المجمد" وبدأت هذه الأحزاب الثلاثة التنسيق مع العديد من الحركات الاحتجاجية والسياسية.

كما تسببت أحداث يوم 25 يناير، التي أسفرت عن مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في حدوث تحولات إيجابية في أداء موقف الأحزاب الثلاثة الكبرى (الوفد والتجمع والناصري)، بعد أن كانت قيادات هذه الأحزاب مصممة على إعلان رفضها الرسمي للمشاركة في انتفاضة يوم الغضب المصري. وقام حزب الوفد بإصدار بيانا يوم الخميس 27 يناير حيا فيه انتفاضة الشباب وندد بالتعامل الأمني مع المتظاهرين، وطالب الرئيس مبارك بالتخلي عن منصب رئيس الحزب الوطني، بسبب ما قام به الحزب من ما أسماه الوفد تزييف لإرادة. وقد أعلن الحزب مشاركته بشكل رسمي في جمعة الشهداء. وبالنسبة للحزب الناصري فقد أعلن في مؤتمر صحفي على أن الحزب سوف يشارك في مظاهرات يوم الجمعة، وشدد الحزب على أعضائه بضرورة حضور صلاة الجمعة، ومشاركة الجماهير التي تتحرك في الشارع، وفي يوم الجمعة الحادي عشر من فبراير، حيث تم تخلي الرئيس مبارك عن مهام منصب رئيس الجمهورية مما كشف هذا الخطاب المواقف الفعلية والحجم الحقيقي لكل الأحزاب ، فتجد أحزاب الائتلاف أعلنت عن فرحتها بهذا القرار وهو أمر طبيعي وتعاملا مع الأمر باعتباره عيدا قوميا.

المطلب الثاني: دور المؤسسة العسكرية بعد الإطاحة بالنظام

.
"في يوم الجمعة الحادي عشر من فبراير 2011 صدر قرار من الرئيس السابق محمد حسني مبارك بالتخلي عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمسؤولية إدارة شؤون البلاد، وفي 13 فبراير أعلن المجلس الأعلى تعطيل العمل بالدستور وحل مجلسي الشعب والشورى، وقيامه بواجب تمثيل مصر في الداخل و الخارج، وإصدار مراسيم بقوانين خلال الفترة الانتقالية، وتكليف وزارة أحمد شفيق التي حلفت اليمين قبل رحيل مبارك بأيام قليلة بتسيير الأعمال حتى تكليف وزارة أخرى جديدة، وأكد المجلس في بيانه أنه ليس بديلا عن الشرعية التي يتطلع غليها الشعب في المستقبل، ووعد بدستور جديد يقره الشعب من خلال استفتاء ديمقراطي، وأكد أن الحكم العسكري سوف يستمر لستة شهور فقط أو حتى الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

كما أكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة التزامه الكامل بتحمل أمانة المسؤولية تجاه البلاد، والحفاظ على مكتسبات الثورة من خلال الفترة المقبلة، وحتى يتم تسليم الأمانة إلى السلطة المدنية التي سينتخبها الشعب بكل النزاهة والشفافية. وشدد المجلس على قناعته التامة بأن دوره خلال هذه المرحلة، يرتكز على المحافظة على تماسك نسيج الوطن بكل فئاته وأطيافه دون تحيز أو تمييز .
ومن البداية اتخذت القوات المسلحة موقف الحياد الداعم في نفس الوقت لثورة الشباب، معترفا بحق المحتجين في التظاهر، وهو ما أقره مبارك نفسه واعترف به في خطابه الأول قبل نزول الجيش إلى ميدان التحرير، حيث أشار مبارك إلى أنه متفهم لدوافع الشباب وما أدى بهم إلى الاحتجاج والتظاهر. وقد بدا من اللحظات الأولى أن القوات المسلحة تميل إلى إزاحة مبارك في كل الأحوال، وإن اختلفت الطريقة، إما بالإحاطة به فورا كما حدث في النهاية أو الانتظار حتى نهاية فترة رئاسته.

فبعد سقوط مبارك عبر المجلس العسكري الأعلى في أكثر من مناسبة عن عدم رضاه لاستمرار التظاهر في ميدان التحرير أو في أي مكان آخر، مؤكدا أن التظاهر سوف يعيق ويؤخر الوصول إلى نظام ديمقراطي في وقت قصير كهدف يسعى إليه العسكريون، على عكس ما يعتقد أغلبية الناس، أيضا أتاح انسحاب الشرطة من مسرح الأحداث لفترة معينة فرصة أمام القوات المسلحة للتعرف على كثير من أوضاع المحافظات والمدن الكبرى، كما أدى ذلك إلى مزيد من التلاحم بين القوات المسلحة وعناصر الإدارة المدنية على مستوى المحليات.

وقد سمحت القوات المسلحة في حماية النظام وخدمة الشباب وحمايتهم، ووصل الأمر إلى حد أنهم سمحوا للمحتجين بكتابة شعاراتهم المضادة لمبارك على الدبابات، ورفع أعلامهم عليها بدون اعتراض من الجنود أو الضباط، بل أبدت تعاطفها مع مطالب الشباب ورأت أنها مشروعة واستشعر الناس أن القوات المسلحة قريبة منهم، وبدأ الجمهور في تسلق الدبابات والجلوس عليها وأخذ صورا تذكارية لهم ولأطفالهم وتقديم ورد للجنود.

وقد أفرزت العلاقة بين القوات المسلحة والشعب كله وليس فقط مع من كان في ميدان التحرير، تجربة فريدة للأمن المجتمعي بعد اختفاء رجال الشرطة من الشارع. وبدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة طلب الناس حماية أنفسهم بطريقة منظمة حتى يصلهم الدعم الأمني الحكومي، وكانت عناصر القوات المسلحة تمر على المواقع للتأكد من استتباب الأمن والتعرف على أية مطالب أو معلومات من الجماهير، بل وتنصحهم بكيفية التعامل مع الخطيرين على الأمن. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد تغير المناخ السياسي كله، وقلت الحساسية بين المسلمين والأقباط، وانفتحت القوات المسلحة ممثلة في مجلسها الأعلى على جماعة الإخوان المسلمين (مشاركة صبحي صالح في لجنة تعديل الدستور). وبهذا ينظر الشعب المصري الى الجيش الآن، وبصورة عامة (88 بالمئة)، بأن لديه تأثيرا طيبا في الطريقة التي تسير بها الأمور في مصر؛ إذ إن 90 بالمئة ينظرون بعين الرضا الى القائد العسكري محمد طنطاوي.2

المبحث الثاني: أثر الثورة المصرية في المحيط العربي والإقليمي والمواقف الدولية والعربية من الثورة.


لقد ساهمت ثورة مصر، شعوب المنطقة العربية القدرة على التغيير، لبلوغ حلم الإصلاح السياسي، وتحقيق غايات العدالة الاجتماعية ومواجهة فساد النخب السياسية، التي اعتقدت أنها بمأمن من المحاسبة الشعبية، فبعد عقود من الجمود السياسي، يأس معها الجميع من إمكانيات التغيير وحدوث الثوارات الاجتماعية، فجأة استيقظت المنطقة وسط هذا الجمود على بركان غير مسبوق من الغضب يقوده الشباب، حيث كانوا دوما خارج الحسابات السياسية للسلطات، وبات من الصعب احتواء ثورتهم بالوسائل التقليدية التي لا تعرف النظم التي شاخت في موقعها سواها.
فكان التغيير الذي شهدته مصر وتونس، وها هي بقية الدول بالمنطقة مقدمة على ثورات احتجاجية تطالب بنفس المطالب التي رفعها التونسيون والمصريون " الشعب يريد إسقاط النظام" فهذا الشعار الذي انطلق من القاهرة مطالبا بالتغيير وإسقاط النظام بدأت يتردد صداه بقوة داخل شعوب المنطقة ، مستلهم نفس الوسائل التي اعتمدها المصريون في الثورة كنهج للتغيير داخل بلدانهم، مما أعطى الثورة المصرية خصوصيتها داخل المنطقة.

وبهذا فقد قدم المصريون وسيلة للتغيير السياسي، اتسمت ليس بالطابع السلمي والهادئ فحسب، وإنما الأهم فاعليتها وسرعتها في بلوغ التغيير، ومن ثم عم بركان الغضب دول المنطقة وقد اختلفت استجابة دول المنطقة لهذا البركان الثأر والقادم، فهناك دول حاولت استباق غضب الشعب و قيامها بضربات استباقية بإجراءات تلبي مطالب العدالة الاجتماعية والتغيير السياسي المتدرج، وإنهاء أوضاع ساهمت في الجمود السياسي، بعضها نهج نسبيا سبيل التهدئة السياسية ، والبعض الآخر فشل بسبب الانتشار الواسع للفساد السياسي والمالي مصحوب بآخر إداري وأمني، فكانت مطالب التغيير الشاملة بسبب عدم الثقة بين الشعب ونخبته الحاكمة.

وبهذا فقد قدمت التجربة المصرية آلية بسيطة ومؤثرة للتغيير السريع بتكلفة مجتمعة قليلة أو يمكن تحملها من أجل الوصول للغاية الأكبر للإصلاح السياسي و الاجتماعي الاقتصادي بل والأمني داخل البلدان العربية، وهي تجربة جرى استنساخها بشكل غير مسبوق من جميع القوى المجتمعية الساعية للتغيير داخل المنطقة العربية بل وصلت لإيران وبعض البلدان في وسط آسيا و القوقاز.
وكما أحدثت هذه الثورة مجموعة من المواقف الدولية والعربية ، قد كان الموقف الأمريكي الأكثر تأثيرا على مسار الأحداث بسبب طبيعة النظام الدولي الحالي، فيما حافظت إسرائيل على صمتها بعد تنحي مبارك، واكتفى فقط بتشبثه في أن تقوم القيادة المصرية المقبلة بالحفاظ على معاهدة السلام القائمة بين البلدين.

بالإضافة إلى موقف الدول العربية والذي أثرت فيه أحداث الثورة ومساراتها وإحساسه ما سوف تؤول إليه الأوضاع في مصر سوف يخلق نموذجا جديدا سوف يمتد آثاره إلى كل الدولة العربية.

المطلب الأول: أثر الثور المصرية في المحيط العربي وموقفها.


منذ نجاح ثورة 25 يناير، فإنها بدت أكثر تأثيرا وحفزا وتحريكا للشارع العربي، بل إن كثير من التونسيين نظروا إلى نجاح الثورة المصرية كعامل أساسي في تثبيت انتفاضتهم نفسها، وفي خضم نجاح الثورة المصرية، تبدت فعليا حركات احتجاجية عدة، ورفعت مطالب إصلاحية متباينة في أكثر من بلد عربي، وبدرجات متباينة من العمق والشدة 1.

وبهذا أشاع المصريون، القوة الناعمة للتغيير لدى شعوب المنطقة ، فحدثت الثورات الاجتماعية من المحيط للخليج دون استثناء ، بل وصلت لمجتمعات اعتقدت أنها في مأمن وحصانة من التهديد الداخلي مثل العراق بشقيه الشيعي والكردي، والمغرب بالإضافة لإيران و الأهم منطقة الخليج التي اعتقدت نخبها أن الوافرات التي تقدمها الدولة كافية لتنحية خيار التغيير وإطلاق الحريات السياسية. فكانت البحرين وسلطنة عمان، والبقية سوف تأتي تدريجيا، فتلك الشعوب لم يستلهم شعارات التغيير التي رفعها المصريون لإسقاط القديم بكل رموزه ومؤسساته فحسب، وإنما أيضا الوسائل التي اعتمدوها لتحقيق هذا التغيير في تواءم يبعث على الدهشة والإعجاب.

إذا فرياح التغيير وصلت إلى مجموعة من الدول العربية من بينها اليمن، الذي بدأت إرهاصات ثورته في يناير، بعيد نجاح الثورة التونسية، ثم المصرية، فلا يكاد يوجد حدث معين يمكن اعتباره شرارة انطلاق الثورة، إذ كانت البلاد نفسها تعاني حريقا واسعا على مدار السنوات الأخيرة انخراط خلاله النظام في 6 جولات عسكرية مع مواطنيه من الحوثيين، كما كان في مواجهة متواصلة مع مواطنيه في المحافظات الجنوبية الذين انغمسوا من فرط التهميش والإقصاء والقمع في مطالب انفصالية، وسقط منهم عشرات الضحايا خلال التظاهرات الاحتجاجية، كما كان منخرط في حرب مفتوحة فيما يسمى مكافحة الإرهاب... وكانت كل هذه الأحداث تتم في سياق يعاني انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحريات العامة، وواقع اقتصادي متدهور، وفساد مؤسسي يضع اليمن بين أكتر البلدان فسادا في العالم.2

فعلى الرغم من إسراع الرئيس عبد الله صالح بإعلان عدم قيامه بالترشح للرئاسة مجددا بعد انتهاء ولايته الحالية، وتعهده بعدم ترسيخ نجله، ما يعني نهاية التمديد والتوريث معا. فقد اندلعت حركة احتجاج لها مطالب إصلاحية تفوق ما قدمه الرئيس من إصلاحات إلا أن هذا لم يجدي نفعا فاستمرت الاحتجاجات بشكل مكثف خاصة من الشباب وطلبة الجامعات، ويخوض الآن حرب استنزاف مع شعبه.

وهي حالة مماثلة لما يحدث في البحرين والجزائر وبقدر أقل في المغرب والأردن، فإن ما يحدث في ليبيا هو حرب حقيقية بكل معنى الكلمة على الشعب ومطالبه المشروعة، وبينما بدت مجتمعات مثل العراق وعمان على وشك الدخول في تلك المتلازمة، فيما قامت السعودية بضربة استباقية بإعطاء الشعب بعض التعويضات مقابل عدم الاحتجاج والتجمهر ضد سياسة الحكومة.
وفي سوريا حيث دعا الشباب للاحتجاج عن الأوضاع المزرية التي تتخبط فيها سوريا إلا أن نظام حافظ الأسد واجه هذه الاحتجاجات بشكل مخيف خاصة في مدينة درعة، حيث قام النظام بزج الجيش مباشرة في قمع المتظاهرين بوحشية هو أمر خطير للغاية. فتعامل الجيش مع مواطنين بقمعية يعني أنه يتعامل معهم كأعداء، وهو وضع لايمكن أن يستمر. وسوف يؤدي الى المساس بالجيش نفسه. وقد تم استنكار هذا الفعل من طرف مجموعة من الدول والمنظمات الدولية.

وفي المغرب حدد دعاة التغيير على الانترنت توقيت 20 فبراير رمزا لحراكهم الاحتجاجي، حيث شهد مظاهرات كبيرة للتنديد بما آلت إليه الأوضاع السياسية، الاقتصادية والاجتماعية في بلادهم تركزت على تغيير الدستور وجعل الملكية برلمانية .

بالإضافة للمطالبة بسياسة وطنية للتشغيل وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة الرشوة المحسوبية وسيادة الحرية في التعبير وإبداء الرأي. وهذا ما دفع المغرب إلى استباق الاحتجاجات بالإعلان عن ضخ حوالي ملياري دولار إضافية للحفاظ على أسعار المواد الأساسية، وقررت إيجاد فرص عمل للعاطلين. وفي مارس شكل العاهل المغربي لجنة لإجراء مراجعة دستورية من المنتظر أن تقدم تصورا بحلول يونيو20111 .

أما في البحرين فقد حدد دعاة التغيير يوم 26 يناير ، عنوانا لثورتهم وبخلاف المصريين والليبيين، اعتمدوا هؤلاء على القوة المعنوية التي تحملها الآية الكريمة { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وما تحمله من مدلولات تجاه قدرة الإنسان على تغيره ومن حوله.

وقد كان تأثير الثورة المصرية أيضا في التأكيد على ضرورة التوحد حول شعار واحد للتغيير، فقد صدر المصريون للشعوب العربية شعار " الشعب يريد إسقاط النظام" و كانت أكثر المجتمعات العربية تأثرا بهذا الشعار ليبيا، التي وحد دعاة التغيير فيها مطلبهم السياسي في مطلب واحد رحيل القذافي عن السلطة، واليمن التي دفع المحتجون فيها شعار إسقاط ورحيل على صالح، و كذلك حافظ الاسد بسوريا.

وقد كان للثورة المصرية مجموعة من المواقف العربية، غير أن أغلب الدول العربية التزمت الصمت في الأيام الأولى للثورة باعتبارها أنها شأن داخلي مع ملاحظة أن معظم البلدان العربية كان يحدوها الأمل في أن تنتهي الأوضاع في مصر إلى الاستقرار وأن تعود الأوضاع إلى طبيعتها ولم يبد تصريحات معظم الدول العربية الميل لمصر الشعبية والاعتراف بالثورة فأشار بعضها إلى أنهم يراقبون الوضع عن كثب، وهذا ما عبرت عنه الأردن والمغرب، بينهما أكدت سوريا على أن ما يجري في مصر " شأن داخلي وكان الموقف الجزائري أقرب ما يكون من الموقف السوري" .

وتجدر الإشارة على أن الموقف القطري الذي برز في عمليات التغطية والتحريض الواسعة الشيء قامت بها قناة الجزيرة ضد نظام مبارك تعد استثناء في هذا المجال إذ أنها عبرت بطبيعة الحال عن التوجهات القطرية دون أن تصدر موقفا رسميا في هذا الخصوص.1

أما بعد نجاح الثورة في إسقاط النظام، فقد كانت أكثر الدول العربية ترحيبا بالتغيير في مصر هي قطر والسودان وتونس، واعتبرت قطر أن نقل السلطة إلى المجلس العسكري الأعلى يشكل خطوة إيجابية من أجل تحقيق تطلعات الشعب المصري في الديمقراطية والإصلاح والحياة الكريمة ، بينما أعربت الحكومة المؤقتة في تونس عن إكبارها بنضال الشعب المصري وتضحيات شهدائه من شباب مصر، وأكد بيان الحكومة الأردنية على أنها تعتبر عن ثقتها بقدرة المجلس الأعلى العسكري على النهوض بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه.

أما الحكومة السودانية فقد التزمت الصمت منذ اندلاع الأحداث في مصر إلى أن تم الإعلان عن تنحي مبارك، فأصدرت رئاسة الجمهورية بيانا رحب بانتصار الثورة في مصر والدعم غير المشروط للانتفاضة الشعبية المصرية.

أما السعودية فقد شهد موقفها قدرا من التقلب في بداية الأمر، حيث وجه مدير الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل هجوما على نظام مبارك في اليوم الثاني لإندلاع الأحداث، و لكن بعد أن برز أن المخاطر على نظام مبارك جدية تدخل الملك عبد الله بن عبد العزيز، معلنا انحيازه لموقف الرئيس مبارك، وكذلك استعداد المملكة تقديم مساعدات مالية للجانب المصري تحل محل المعونة الأمريكية السنوية للقاهرة حالة استمرار الضغوط الأمريكية على الرئيس حسني مبارك للتنحي . ومع ذلك فقد عالجت السعودية موقفها بسرعة ورحبت بعد سقوط النظام بالانتقال السلمي للسلطة في مصر.

أما موقف الجامعة العربية فقد اتسم بشكل متدرج حيث أصدرت الجامعة بيانا في 03 فبراير رحبت فيه بإعلان الرئيس مبارك عزمه عدم الترشيح للانتخابات الرئاسية القادمة، غير أن موقف الجامعة تغير في منتصف فبراير بعد تخلي الرئيس السابق مبارك عن سلطاته، حيث أشاد مجلس الجامعة في اجتماعه التشاوري بـ " الثورات البيضاء والحضارية" في مصر وتونس وبروح الشباب العربي الذي أثبت أنه قادر على التغيير والتطوير وعلى فرض إراداته على الأمة.1

المطلب الثاني: أثر الثورة المصرية في المحيط الإقليمي و المواقف الدولية من الثورة.


بعد نجاح ثورة 25 يناير، كان لها تأثير أيضا على الدول الإقليمية (إسرائيل إيران وتركيا). بحيث أن هذه القوى الثلاث في الشرق الأوسط لم تستطع هي الأخرى إخفاء تضارب تقديراتها بشأن هذه الثورة وكيف ستؤثر القوى الإقليمي ومستقبل خرائط الصراعات والتحالفات . بعد أن كانت مصر وموطنيها لديهم حس عميق بالمسؤولية تجاه العالم العربي، ويشعرون حقا بالإهانة عندما تقوم إسرائيل أو غيرها من دول الإقليم أو حتى الدول الكبرى كالولايات المتحدة بالعدوان على بلد أو شعب عربي.

وقد كان هذا من أهم أسباب قيام الثورة المصرية، بعد غياب العدالة الاجتماعية والأزمة الاقتصادية التي تطحن جموع المصريين، وبعد المطلب الديمقراطي التحرري كضرورة للشعور بالكرامة الإنسانية، هو هدف إستعادة الدور الإقليمي المصري الذي تردى بشدة خلال العقود الثلاثة المنصرمة. حيث مثل الدور المصري في قيادة مشروع التحرر العربي ضد النفوذ الغربي ، والتدخل الأمريكي، والغطرسة الإسرائيلية مقوما أساسيا في شرعية الجمهورية المصرية الأولى في حقبة ما بعد يوليو 1952، ومنذ انقلبت مصر على تحالفاتها الخارجية نحو السلام مع إسرائيل والتحالف مع الولايات المتحدة، أخذت شرعية النظام السياسي في التقلص، وتراجعت.

وفي هذا السياق يمكن التوقف عند أفق التحول في السياسة الخارجية المصرية إزاء دول ثلاث تمثل الركائز الأساسية في تشكيل توازنات الإقليم العربي وصراعاته وهياكل أمنة واستقراره وهي إسرائيل وإيران وتركيا.

بالنسبة لإسرائيل فإن مخاوفها لم تتوقف عند حدود إبداء الانزعاج، لكن عبرت عن نفسها في شكل ضغوط إسرائيلية على الولايات المتحدة وأوروبا من أجل دعم بقاء الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على رأس النظام في مصر. وقد كانت ضغوطها لترويع الأمريكيين والأوربيين من الخطر الإخواني ( جماعة الإخوان المسلمين) ومن الخطر الإيراني الكامن وراء ما يحدث في مصر.

لكن بعد سقوط نظام مبارك وامتداد الثورة بقوة إلى العراق واليمن وليبيا وانتشار شعار الثورة المصرية في الدول العربية الثلاث : ( الشعب يريد إسقاط النظام) وامتداد الشعار نفسه ولكن مع بعض التحويلات التكتيكية إلى بعض دول الخليج والأردن (الشعب يريد إصلاح النظام)، فهذا الأمر لم يعد مجرد مخاوف، بل أصبح أمام إسرائيل واقع جديد ينبغي الحذر منه، والتحسب له سواء على صعيد تأثير هذه الحالة الثورية التي تموج بها الخريطة السياسية للوطن العربي على توازن القوى الإقليمي وخرائط التحالفات والصراعات بعد سقوط نظم حكم كانت موالية للغرب ولها علاقات بدرجة أو بأخرى مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل. وقد بدت إسرائيل متوجسة من التحولات التي تراها في المنطقة، فهي تفضل التعامل مع أنظمة فردية واستبدادية، على التعامل مع أنظمة ديمقراطية تستجيب لرأي الناخب وضغط الجماهير، خصوصا بعدما رأت أن اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن لم تنجحا في تحقيق التطبيع الكامل، لأن الشعوب كانت تقاوم هذا الأمر.
وبالنسبة لإيران فثمة مفارقة كبرى. لقد تصور السيد علي خامنئي في بداية تفاعلات الثورة المصرية أن لديه القدرة على إدارتها، محاولا توجيه خطابه إلى المحتجين مشجعا لهم وداعيا إلى إقامة دولة إسلامية تكون ضلعا أساسيا في شرق أوسط إسلامي.

ولكن المفاجأة أن مصر، ممثلة بحشودها الثائرة قد أصرت على دولة مدنية ديمقراطية، وأنها تبدو الآن الأكثر حفزا لتغيير إيران من داخلها ومن دون خطاب يصدر عن أي من قادتها، لقد كانت النموذج المصري الحداثي ملهما للشباب للإيراني إلى درجة أغرته بتجديد انتفاضته على نظام الخميني، وهو الأمر الذي غذى حركة الاحتجاج في إيران، والتي كان من نتائجها وقوع ضحايا وجرحى، فضلا عن وضع زعيمي المعارضة ومرشحي الانتخابات الرئاسية الماضية مهدي كروبي ومير حسين موسوي قيد الإقامة الجبرية بمزليهما، ومحاولة التضييق على أدوات التفاعل التواصلي للشبكة العنكبوتية وقيام السيد خامنني نفسه بتحذير الشباب الإيراني من التعامل بها، رغم أنه كان قد امتدح تعاطي الشباب المصري معها، قبل أن تصل الاضطرابات على عقر داره، وهو أمر يؤكد من جديد على ازدواجية الخطاب بما فيه من ثقية معروفة عن إيران، أو انتهازية سياسية مألوفة لديها.

وأما تركيا فقد امتلكت مصر معها في ظل النظام القديم علاقات إيجابية سياسيا واقتصاديا ، وحتى عندما نشطت تركيا في الإقليم ، في سياق محاولة إعادة اكتشاف نفسها ثقافيا واستراتيجيا لم يكن ذلك مقلقا لمصر فعليا وإن أثار غيرة ملحوظة مفهومة ومبررة، من قبل النخبة الحاكمة يمكن للمحلل إلتماسها، إلا أنها بقيت غير معلنة أو مكشوفة.

وبعد الثورة قام الرئيس التركي عبد الله غل زيارة للقاهرة وعبر عن تفاؤله بثورة مصر وأثرها على إعادة تفعيل دور مصر الإقليمي وكيف أن هذا الدور سوف يتناغم مع تركيا.
وإضافة إلى هذا فقد كانت عدة مواقف دولية بخصوص الثورة المصرية، وعلى رأسهم الموقف الأمريكي، والذي اتسم بشكل عام بقدر كبير من الارتباك، خاصة في الأيام الأولى للثورة التي اتسمت بقدر من عدم الوضوح ، حيث ساد قدر كبير من الترقب ومتابعة الأحداث بصورة لصيقة، لمحاولة استكشاف موازين القوى واتجاهات التطور، غير أن الإدارة الأمريكية حاولت الخروج من هذا الارتباك بالتدريج عبر إحداث مجموعة من التحولات في موقفها، حيث سعت في البداية إلى مطالبة الطرفين بإبداء أكبر قدر من ضبط النفس، وركزت على مطالبة مبارك بعدم استخدام وسائل القمع أو العنف في التعامل مع المعتصمين والمتظاهرين.

وبعد تنحي مبارك من الحكم رحبت الإدارة الأمريكية في النهاية بتنحي أو بالأحرى تخلي مبارك عن السلطة بعد مجموعة من الاقتراحات التي طرحتها عليه الإدارة الأمريكية بانتقال السلطة، بأمان وتنظيم من مبارك لنائبه عمر سليمان غير أن هذا المسعى لم ينجح مع المحتجين الذين لم يقبلوا لا بمبارك ولا بنائبه.

وبالنسبة للموقف الإسرائيلي فمنذ بداية أحداث الثورة المصرية ضد نظام مبارك حافظت إسرائيل على صمتها، واستمر حتى بعد التنحي، ورغم الارتباك الواضح في تصريحات القادة الإسرائيلية بشأن تداعيات ثورة مصر على إسرائيل ، فإن تلك الثورة قد استدعت إعلان حالة التأهب في الجيش الإسرائيلي.

كما عبرت إسرائيل بوضوح عن غضبها من الموقف الأمريكي تجاه ما يحدث في مصر، والذي بدا في بعض الفترات غير مساند للرئيس السابق مبارك ، وهذا الارتباك والتباين في المواقف انعكس أيضا على المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، حيث ذهب المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف "دون بني يشاي" إلى القول : "إن على إسرائيل أن تستعد لوجود تركيا جديدة على الحدود الجنوبية وتوجه بالنصح إلى قادة إسرائيل قائلا لا تظنوا أن مصر القديمة في عهد مبارك سوف تعود ثانية ، وعليكم أن تستعدوا لمصر جيدة على الطراز التركي، وغير محبة لإسرائيل".
أما بخصوص الموقف الإيراني فقد رحبت بأحداث ثورة 25 يناير المصرية بشكل كبير، وقد عبرت عن هذا الترحيب منذ البداية، غير أن الموقف الأقوى لإيران جاء عبر خطبة الجمعة الشيء ألقاها مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في 04 فبراير، والتي أكد فيها أن نظام مبارك كان عميلا حينما وقف إلى جانب الكيان الإسرائيلي وسانده طيلة الحرب على قطاع غزة.

ودعا خامنئي الجيش المصري إلى الوقوف إلى جانب الشعب في ثورته، كما حرص دعوة المصريين إلى متابعة نضالهم حتى إقامة نظام شعبي قائم على الدين. واصفا ما يحدث بمصر بأنه نتاج الثورة الإيرانية، وهذا التناقض في زاوية الرؤية للثورة المصرية، عبر بجلاء عن حالة الانقسام في المجتمع الإيراني إزاء ما سوف تعلن عنه الأحداث القادمة في مصر مع سعي كل طرف لتوظيفها بما يقوى مواقفه وسياساته.

خاتـمة


إن ثورة 25 يناير هي ثورة الشعب المصري كلها قادتها الأجيال الجديدة. و جاءت من قلب الطبقة الوسطى التي أعادت الروح والوعي للحياة السياسية المصرية بعد جمود وسكون طويل. وبعد أن كان الشعب المصري يعيش الظلم والقهر من طرف النظام، وأصبحت البنية الاجتماعية باستبداد النظام معبأة بكل عوامل الانفجار، إلا أن الشعب المصري ظل صامتا فترات طويلة، حتى جاء يوم 25 يناير ليحمل معه الثورة الشعبية وهي الثورة الفريدة في التاريخ البشري إذ أنها ثورة بلا قائد، التحمت فيها أعداد غفيرة من أبناء الشعب المصري بكل شرائحه و فئاته وطوائفه ، ثورة انطلقت من العالم الافتراضي وأهم مكوناته شبكة الانترنت بل ما تجسده من أدوات اتصالية مستحدثة وأهمها المدونات والفيسبوك، إلى المجتمع الواقعي، وبفضل كذلك الإعلام المرئي والمكتوب الذي ساهم في نجاح الثورة.

وقد كان هدف الثورة لا يقتصر على إسقاط النظام أو تحقيق بعض المطالب الفئوية، وإنما إقامة بدلا منه نظام سياسي ديمقراطي جديد، ولذلك فالمهمة لا تزال غير مكتملة فتنحيه رأس النظام لا تعني انتهاء النظام القديم بعد، إذ أن أجهزته و آلياته لا تزال قائمة وتعمل، وربما تحاول إعادة العجلة إلى الوراء إن استطاعت.

ومن هنا، أهمية وخطورة المرحلة الانتقالية ، فصحيح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي قام بدور عظيم في حماية الثورة المصرية حتى يتم تسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة، مثلما تعهد بالانتهاء من بعض التعديلات الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفتح ملفات الفساد واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة فيها، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، إلا أن العهد الجديد لا يزال يحتاج إلى رؤية شاملة وتغيير جذري في أركان النظام القديم. ولذلك فإن مطالب الثورة لم تقف عند حد التعديلات والتغييرات الجزئية، فلا تزال هناك حاجة إلى دستور جديد وحكومة جديدة فالذي يميز ثورة 25 يناير هو أهدافها وهي التي قادتها أي أنها لم تكن تعبيرا عن فصل سياسي بعينه، وتتمثل في إقامة دولة مدنية حديثة تقوم على الشرعية الدستورية ونظام ديمقراطي ليبرالي يمثل الجميع ، ويعلن حكم سيادة القانون ويكفل الحريات العامة والسياسة والفردية ولذلك كان الشعار "حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية".

إذا فالحالة المصرية شكلت موضوعا جديدا، من موضوعات الانتقالات الديمقراطية في العالم العربي. فبنجاح ثورة مصر في إسقاط النظام الاستبدادي منه أطلق مدا تحرريا، اتسع ليشمل معظم البلدان العربية، التي تعاني في مجملها نفس نمط الحكم الاستبدادي السلطوي الذي كانت تعانيه مصر، وأخذ هذا المد التحرري أشكالا متعددة من الاحتجاجات والمطالب، سعت بعض الحكومات إلى استباقها بإجراءات اقتصادية واجتماعية، وبادر بعضها إلى احتوائها بالاستجابة لبعض مطالبها ( السعودية، المغرب، سلطنة عمان، الأردن...)، ونحا بعضها إلى مواجهتها بالقوة ( ليبيا، سوريا، اليمن...) .


المصادر والمراجع


الكتب:
 طارق البشري. "أدعوكم إلى العصيان". القاهرة : المركز العربي للدراسات، بدون طبعة، 2005.
 شحاتة دينا وآخرون. "عودة السياسة: الحركات الاحتجاجية الجديدة في مصر". القاهرة : مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الأهرام، الطبعة الأولى، 2010.
 هاشم ربيع عمرو وآخرون. "ثورة 25 يناير (قراءة أولية ورؤية مستقبلية)" القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الأهرام، الطبعة الثانية، 2011.
الدوريات:
 عبد اللطيف أميمة ." الثورة الشعبية في مصر : القوى المحركة وتحديد الأدوار في المرحلة الانتقالية". المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ب.ع،2011.
 زياد حافظ ." ثورة يناير في مصر : تساؤلات الحاضر والمستقبل". المستقبل العربي: السنة 33، العدد 385، مارس 2011.
 سارة عبد الحميد إبراهيم الديب." الحركات الاحتجاجية في مصر 2005-2010 دراسة في الأسباب والنتائج". المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ب.ع، 2010.
 صلاح سالم " أثر الثورة المصرية في المحيط العربي والبيئة الإقليمية ". شؤون عربية : العدد 145 ، ربيع 2011.
 عبد الكريم إبراهيم وآخرون." ثورة 25 يناير المصرية". مركز دراسات الشرق الأوسط ، أبريل 2011.
 كاظم أبودوح خالد ." ثورة 25 يناير في بر مصر ... محاولة للفهم السوسيولوجي". المستقبل العربي : السنة 34 ، العدد 387، ماي 2011.
 كاظم أبودوح خالد." نحو سوسيولوجيا جديدة لفهم ثورة المصريين". مجلة الديمقراطية، العدد:،46 أبريل2011.
 محسن عوض. " الانتقال إلى الديمقراطية في الوطن العربي بين الإصلاح التدريجي، والفعل الثوري (2011،2001) ". مجلة المستقبل العربي: السنة 34، العدد 388، يونيو2011.
 محمد السعيد إدريس . " إيران وإسرائيل ورياح الثورة العربية". مختارات إيرانية : العدد128، مارس 2011.
 مركز بيو للأبحاث. " المصريون يتقبلون قادة الثورة الاحزاب الدينية، والجيش أيضا ". مجلة المستقبل العربي: السنة 34، العدد388، يونيو 2011.
 وليد شادر زكي. "من التعبئة الافتراضية إلى الثورة". مجلة الديمقراطية: العدد 46، أبريل 2011.
الجرائد:

 عزمي بشارة. " أفكار حول الثورة السورية تحديدا ". جريد المساء : العدد 1471، يونيو 2011.
 محمد أحمد و وليد عبد الرحمان." المجلس العسكري المصري يجدد التزامه بمطالب الثورة ويدعو للإسراع بمحاكمة الفاسدين". جريدة الشرق الأوسط: العدد 11815، أبريل 2011.
 ميرغني عثمان." الثورات العربية والدور الإسرائيلي". جريدة الشرق الأوسط: العدد 11817، أبريل 2011.

المواقع

 موقع الجزيرة للدراسات: www.aljazzera.net




تاريخ التوصل: 8يناير2012
تاريخ النشر: 26يناير2012


سيتم إدراج نسخة الطبع الحاملة للهوامش لاحقا




الثلاثاء 17 يناير 2012

تعليق جديد
Twitter