MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



التقسيم الجماعي المؤطر للانتخابات الجماعية 2009

     

جامعـــة عبد الـــمالك السعدي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتـــماعية
طنــــجة



رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق
تخصص العلوم السياسية و العلاقات الدولية



دراسة في التقسيم الجماعي المؤطر للانتخابات الجماعية 2009


من إنجاز الطالبة الباحثة:

حميدة الغنامي

تحت إشراف الأستاذ:
الدكتور الحسن الجماعـــــــــي

لجنة المناقشة:

الدكتور محمد العمراني بوخبزة : أستاذ بكلية الحقوق بطنجة رئيســــــــــــــــا
الدكتور الحسن الجماعـــــــــي : أستاذ بكلية الحقوق بطنجة مشرفــــــــــــــا
الدكتور جعفـــر بن موســـــــى : أستاذ بكلية الحقوق بطنجة عضــــــــــــــوا
الدكتــور نور الدين أشحشـــــاح : أستاذ بكلية الحقوق بطنجة عضـــــــــــــــوا


السنة الجامعية : 2007/2008



النسخة المجهزة للتحميل

مقدمـــــــــــــــة:

هناك علاقة جدلية بين الديمقراطية والانتخاب، فلا يمكن الحديث عن وجود نظام ديمقراطي في غياب انتخابات نزيهة وشفافة، فالعملية الانتخابية ليست فقط إجراءات تقنية، بل عملية اجتماعية تعبوية وديمقراطية، خصوصا على المستوى المحلي الذي يكون فيه الاحتكاك مباشرا بين المواطن والمؤسسات المحلية المنتخبة. و في سياق محاولات ترسيخ أسس و قواعد الديمقراطية المحلية و تعزيز دور و مكانة الإدارة المحلية كفاعل رئيسي في تدبير الشأن المحلي تعالى النقاش حول الظروف و الترتيبات الممهدة للانتخابات الجماعية المقبلة (2009) من أجل تجاوز ثغرات و نقائص مثيلاتها السابقة. و أي إصلاح في هذا الباب يتعين أن يندرج في إطار نظرة شمولية تأخذ بعين الاعتبار إعادة النظر في أسلوب الاقتراع المعمول به في الانتخابات الجماعية و مراجعة الميثاق الجماعي وما يرتبط به من ملائمة التقسيم الإداري، والجماعي...هذا الأخير – بيت القصيد في هذا البحث – فالتقطيع الانتخابي بصفة عامة يشكل أهمية مركزية في رسم السياسات الانتخابية في إطار الأنظمة الانتخابية الديمقراطية والتنافسية حيث يتحول إلى أداة لمنح مختلف المرشحين حظوظا متساوية للفوز بمقاعد البرلمان أو المؤسسات المحلية المنتخبة. فالأمر هنا لا يتعلق بمسألة شكلية، بل بعامل أساسي في توجيه الانتخابات. فهو آلية سياسية قبل أن يكون آلية تقنية لذلك يعد من العوامل الأساسية المؤثرة في النتائج الانتخابية؛ إذ يحدث أثرا مباشرا على نتائجها .
و في ظل التطورات التي عرفتها بلادنا، أصبح الإصلاح مطلبا أساسيا و ملحا، وذلك قصد عقلنة الخريطة الجماعية بهدف تثبيت وتطوير اللامركزية والديمقراطية المحلية، بشكل يتناغم مع المفهوم الجديد للسلطة، على أن يبنى على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية والحريات الفردية، وعلى تعزيز سياسة القرب والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين من خلال ضمان مداخيل قارة للجماعات تساعدها على النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتقوية الهوية الجماعية والإحساس بالانتماء للجماعة. و إذا كانت هذه الأهداف هي ما سطرت حقا في كل من المذكرة التي وجهها وزير الداخلية لولاة الجهات وعمال العمالات و الأقاليم، و في دفتر تحملات مشروع التقسيم الجماعي - الذي تم التأكيد على ضرورة التنسيق في إنجازه مع بقية الفاعلين المدنيين و الهيآت السياسية على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي بهدف تعزيز صرح الديمقراطية المحلية وفق قواعد الحكامة الجيدة -. فإن هناك إشكالات عديدة تفرض نفسها على كل متتبع لخطوات انجاز هذا المشروع ،و في التعامل الحقيقي معه من جانب مختلف الأطراف . و في مقدمة هذه الإشكاليات :

 اهتمام الوزارة أساسا بأمور تتعلق بالجانب التنظيمي، وأمور قانونية ومالية.. مع غياب تام للحديث عن قانونية التقطيع ؟!

 ما مدى التزام العمال و الولاة بالتوجيهات الرسمية ( مضامين المذكرة الوزارية و دفتر التحملات..) وخاصة إشراك باقي الفاعلين و احترام الجدولة الزمنية؟!

 هل يمكن للتقسيم الجماعي المنتظر أن يحدث قطيعة مع التقسيمات الماضية و يتحول إلى بوابة لتحقيق التنمية ؟!

لكن التعامل مع هذه الإشكاليات و غيرها يقتضي بداية معرفة السياق التاريخي للتقسيم الجماعي بالمغرب، و التوقف عند الإطار القانوني للوحدات المحلية القاعدية ( الجماعات الحضرية و القروية )، ثم المرور بأهم محطات التقسيم الجماعي التي واكبت أهم ثلاث انتخابات جماعية بالمغرب.مع التوقف عند نمط الاقتراع باعتباره فاعل و مفعول به في العملية الانتخابية. دون إغفال للدوافع والأبعاد التي يقوم عليها هذا التقسيم.

إن الحديث عن التقسيم الجماعي يفترض الوعي بأهميته كما يفترض الوعي بحجم التعقيد المرتبط بهذا الوعي و الذي يؤول إلى ارتباطه بشكل وثيق بمجموعة من القضايا الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والديمغرافية. على اعتبار أن الحديث عن هذا التقسيم لا يمكن أن يتم بانفصال عن هذه القضايا كما لا يمكن أن يتم بانفصال عن تحديد الدوافع والمعايير التي ينبني عليها أو الأبعاد التي يرجى منه تحقيقها، والتي غالبا ما تنحرف لتتوافق مع النفوذ السياسي و الإيديولوجي للسلطة المركزية. كما لا يمكن تلمس أهم إشكالاته دون التوقف عند السياق التاريخي الذي ساهم في تبلور التقسيم الجماعي على صورته الحالية.
و التقسيم الجماعي مفهوم يتقاطع مع كل من مفهومي التقسيم الإداري و الترابي. فلا يمكن الحديث عن الأول بإغفال للثاني والثالث، فعلاقتهم جدلية، إذ لا يمكن الحسم في إحدى هذه التقسيمات دون مراعاة للتقسيمات الأخرى.
إلا أنه و مع ذلك لا يمكن إنكار أن التقسيم الجماعي يسمو بمكانة خاصة تبزغ بوضوح خلال المواسم الانتخابية، إذ يعد التقسيم الجماعي الأداة التي تحدد حدود حلبات المنافسة في الانتخابات الجماعية، و هو بذلك يساهم بطريقة مباشرة في النتائج الانتخابية ( من خلال تشتيت أصوات الناخبين الموالين لحزب معين مثلا...) أو غير مباشرة، من خلال تحكمه في نمط الاقتراع، على اعتبار أن هذا الأخير يحدد تبعا لعدد ساكنة الجماعة التي يحددها بدوره التقسيم الجماعي و نمط الاقتراع، لا تخفى أهميته و قوة تأثيره على النتائج الانتخابية، فهذا الأخير يستجيب دائما لهدف سياسي. إذ أن عملية حسابية سبقية تمكن من معرفة نوع الأغلبية السياسية التي سيعود إليها الحكم في نهاية المسلسل الانتخابي إن لم تمكن من معرفة نتائج الانتخاب و لو بصفة تقريبية. وهنا تثار مسألة الدوافع و الأبعاد التي يتم الارتكاز عليها أثناء الإعداد لمشروع التقسيم الجماعي، إذ غالبا ما يتم إعداده وفق معايير و دوافع تخدم مصالح السلطة الوصية، مع الاستئناس بدوافع و معايير و أبعاد أخرى يتم التلويح بها لاحتضان المواطن و تلميع صورة البلد لإقناع الرأي العام بطموح الدولة في التغيير باتجاه الديمقراطية.
و لقد مر التقسيم الجماعي بأشواط عديدة تراوحت بين التقسيم الجماعي البسيط الذي تتحكم فيه روابط الدم و القرابة، في مرحلة ما قبل الحماية و ما بعدها، و التقسيم الجماعي المقنن بعد الاستقلال، لتتوالى عليه الإصلاحات بعد ذلك في فترات متواترة، واكبت في أغلبها الاستعدادات لإجراء الانتخابات المحلية.
لقد عرف المغرب منذ استقلاله إلى اليوم انتظاما في عملياته الانتخابية، حيث جرت ستة انتخابات جماعية و ستة انتخابات تشريعية. وإذا كانت استحقاقات السبعينات والثمانينات و التسعينات محل منازعة من طرف أحزاب المعارضة - والتي ظلت مواقفها تتأرجح بين الرفض القاطع للمشاركة في العملية الانتخابية بدعوى التزوير الممنهج و الشامل للنتائج، وبين المشاركة ثم رفض النتائج بدعوى الخروقات و التدخل المباشر لوزارة الداخلية لقلب النتائج للتحكم في الخريطة السياسية –. فإن الاستحقاقات الجماعية 2003 تعتبر من أهم التجارب الانتخابية على المستوى المحلي مقارنة مع كل التجارب السابقة، لأنها جرت في إطار الإصلاحات الدستورية و السياسية، وفي ظل الانفتاح و التعايش بين المؤسسة الملكية و أحزاب المعارضة.
إلا أنه و بالرغم من ذلك لا تزال شفافية الانتخابات المغربية و نزاهتها مبصومة بنقطة سوداء تعرقل مسيرة المغرب نحو تحقيق مطمح التحول الديمقراطي. فبالوقوف على مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي شهدها المغرب يتضح أنها اتسمت بميل حاد إلى التشكيك في مصداقيتها، و اتهام السلطات الإدارية من طرف الأحزاب المعارضة، بتزييفها والوقوف وراء التجاوزات المؤدية إلى الإجهاز على شرعيتها. و هو الواقع الذي اكتسى طابعا هيكليا أصبحت معه الاستحقاقات الانتخابية في حالة " حلقة مفرغة " تعيد إنتاج ذاتها وفق الضوابط ذاتها .
المغرب و بعد تخطيه لمحطات انتخابية عديدة، هو اليوم على مشارف اجتياز سابع محطة انتخابية ( الانتخابات الجماعية )، و يتم الاستعداد لانجازها تحت خطابات و شعارات عديدة تلوح بمطمح التغيير، و تراهن على تحقيق عنصري النزاهة و الشفافية، اتعاظا بنتائج الانتخابات التشريعية السابقة التي عبر فيها ما يقارب ثلثي الناخبين بصوت واحد عن موقفهم من العمل السياسي، و ذلك من خلال مقاطعتهم لصناديق الاقتراع، إذ لم يتجاوز سقف نسبة المشاركة % 37. و هو رقم فرض و يفرض على المغرب إعادة حساباته وإعادة ترتيب أوراقه تداركا للهوة التي أصبحت تزداد عمقا بين المواطنين و العمل السياسي، بل وداخل العمل السياسي نفسه.
و في هذا السياق عقدت وزارة الداخلية العزم على القيام بمجموعة من الإصلاحات والتعديلات، استهلتها بعقد مجموعة من الاجتماعات التشاورية لتعلن في النهاية عن ضرورة تكثيف الجهود من أجل تعديل التقسيم الجماعي، ومواكبة ذلك بتعديلات أخرى، ستهم الميثاق الجماعي باعتباره الإطار القانوني للتنظيم الجماعي. مع مراجعة للوائح الانتخابية. وهي إصلاحات ذات أهمية عالية، وشديدة التأثير داخل أي نظام ديمقراطي يسمو فيه القانون، وتسود فيه الحقوق و الحريات و على رأسها الحق الفعلي للمواطنين في اختيار من يمثلهم في المؤسسات السياسية .
إلا أن توفير مثل هذه الإصلاحات داخل نظام سياسي متشعب و ذو سمة خاصة كالمغرب، يثير العديد من الشكوك و المخاوف، و يحتاج إلى وقفة يتم فيها النبش في الماضي، و تحليل إفرازاته في الحاضر، لمحاولة معرفة مدى تأثير هذا الأخير على المستقبل ( الاستحقاقات الجماعية 2009 ). و هنا تطرح التساؤلات التالية :
- ما طبيعة المنطق و الهاجس المتحكم في عملية تقسيم الوحدات الجماعية من طرف الدولة عبر المسار التاريخي، هل يستمد وجوده من أسس عرقية، قبلية و أمنية، أم يراعي التحولات السوسيولوجية و الديمغرافية و الاقتصادية و التنموية للبلاد ؟
- ما هي طبيعة الإصلاحات التي شهدها المغرب على مستوى الانتخابات الجماعية منذ استقلاله حتى الآن و تحديدا التقسيم الجماعي، و ما هي حدود انعكاسات و تأثيرات هذا الأخير ؟
- إذا كانت وزارة الداخلية قد رفعت شعار الإصلاح و التعديل على مستوى التنظيم الجماعي واعترفت بكثرة الثغرات و مكامن الخلل في الإصلاحات السابقة، فما هي نسبة الموضوعية و الالتزام التي تم التعامل بها مع هذا الملف ؟
- و أخيرا، أي جماعة محلية أفرزها لنا التقسيم الجماعي السابق ؟ و ما العمل من أجل تحقيق جماعة محلية تعانق التنمية ؟

هذه التساؤلات و غيرها هي ما سنحاول الإلمام به من خلال التقسيم الآتي :

o القسم الأول : معطيات عامة حول التقسيم الجماعي و نبذة عن تجارب المغرب السابقة
 الفصل الأول : التقسيم الجماعي : السياق التاريخي و الإطار القانوني
 الفصل الثاني : التقسيمات الجماعية السابقة

o القسم الثاني : التقسيم الجماعي لاستحقاقات 2009
 الفصل الأول : مشروع التقسيم الجماعي بين الموضوعية و الواقع
 الفصل الثاني : مستجدات مشروع التقسيم الجماعي

لكن قبل ذلك، ارتأينا التوقف في فصل تمهيدي مع بعض المفاهيم – إزالة للبس - التي تتقاطع مع التقسيم الجماعي والتي يصعب الفصل بينها، كونها تتكامل من أجل إعطاء مختلف الوحدات الترابية قيمة و مكانة معينة. و هي : " التقسيم الإداري ، التقسيم الترابي " بالإضافة إلى وقفة مع التقطيع الانتخابي.

أهمية موضوع البحث:
يهدف هذا البحث النبش في معالم التقسيم الجماعي بغية رصد معالم التطور التي مر منها منذ مرحلة الاستقلال إلى الآن، و ذلك من أجل معرفة مستوى التراكمات التي سينبني عليها التقسيم الجماعي المنتظر الذي ستجرى وفقه الاستحقاقات الجماعية 2009، مع وقفة مع مشروع هذا الأخير في محاولة لاستكناه ملامح الجدية و الموضوعية و ملامح التماطل أو التخاذل في التعامل مع هذا الملف مع وضع اليد على أفق و طموحات و آمال التغيير وتجاوز ثغرات و نقائص التقسيمات الجماعية السابقة مع الخروج باقتراحات و توصيات نرى في تحقيقها ضوء أمل قد يشع حقيقة ليكسر و لو جزء من العتمة التي يقوم في ظلها العمل السياسي المغربي.

مجال و منهج البحث:
يندرج هذا البحث ضمن مجال السياسة الانتخابية، و قد اعتمدنا فيه على المقاربة التاريخية عند رصدنا للسياق التاريخي للتقسيم الجماعي و عند محاولتنا استنطاق أهم التقسيمات الجماعية السابقة، في حين اعتمدنا المقاربة التحليلية فيما يخص تعاملنا مع مشروع التقسيم الجماعي لاستحقاقات 2009 و وقوفنا على واقع الجماعات المحلية القاعدية ( الجماعات الحضرية و القروية) في المغرب.

ظروف البحث:
واجه البحث صعوبات عديدة يبقى أهمها:
- التحفظ التام فيما يخص المعلومات أو المعطيات الخاصة بمشروع التقسيم الجماعي.
- تهرب المسؤولين من الإجابة على معظم الأسئلة و التعامل بحياد سلبي في حالة الإجابة.


فصل تمهيدي : تحديد المفاهيم ( أصناف التقسيم )

 التقسيم الترابي :
إن التقسيم الترابي يكون باعتراف الجماعة الترابية الأم بالجماعة الترابية الفرعية (الجماعة المحلية) داخل في حكم القانون العام، وهو ما يستدعي تحديد المجالات الترابية لها والذي يقسم على إثره المجال الترابي الوطني إلى عدة مجالات ترابية فرعية مشكلة الحدود الترابية لسلطة الجماعة المحلية. وعلى هذا الأساس تسمى اللامركزية الجماعية باللامركزية الترابية، وهذا التقسيم يتطلب خلق الشروط المناسبة للوحدات المجالية المحلية لتنمية الشأن العام المحلي الذي تتولى تدبيره دون الإخلال بشروط تنمية الشأن العام الوطني. للتقسيم الترابي أبعاد معينة يجب أن تكون مشروعة وشرعية معا حتى تظل موضوعية وإلا فإنها ستصبح دوافع ذات حمولات قد تكون سياسية أو اقتصادية أو أمنية.
وقد تشكلت الملامح الرئيسية للتقسيم الترابي في المغرب في صيغته الحديثة مع صدور ظهير 2 دجنبر 1959 بشأن التقسيم الترابي للمملكة وظلت المكونات الرئيسية للتركيبة الإدارية الترابية على ما هي عليه حتى سنة 1981، حيث سيظهر مولود إداري ترابي جديد هو( الولاية) ثم ستغتني الخريطة الإدارية سنة 1997 بوحدة يغلب عليها الطابع الاقتصادي والتنموي هي: ( الجهة) وأخيرا في صيف 2003 ظهرت وحدة إدارية ترابية هي عمالة المقاطعة.
* أبعاد التقسيم الترابي
إن التقطيع الترابي موضوعيا يجب أن يسفر عن خلق وحدات إدارية محلية قادرة على الإسهام في تنمية الشأن العام المحلي وتجسيد مبدأ العدالة الاجتماعية ومن هذا المنطلق يجب أن يفضي التقسيم إلى تعادل بين الدوائر المحلية وإلا اعتبر حيفا في حد ذاته. إذ يجب أن يعمل على معالجة الفوارق والاختلالات، ومن الأبعاد التي يفترض أن تراعى في كل تقسيم الأبعاد الإدارية، الجغرافية، والديمغرافية والاقتصادية بالإضافة إلى الأبعاد الإيديولوجية، السياسية والاجتماعية.
• البعد الإداري :
لقد عرفت الإدارة المحلية بالمغرب في تاريخها الحديث عدة تطورات، إذ توالت مجموعة من الإصلاحات اتجهت جميعها نحو الإكثار من الوحدات الإدارية اللامركزية، وإن كانت المرحلة الأولى تميزت بقلة هذه الوحدات فإن ذلك راجع حسب أحد الباحثين إلى المرحلة السياسية التي ورثتها البلاد عن الحقبة الاستعمارية.
فالتقسيم الترابي اللامركزي يؤثر مباشرة على سياسات تدبير الشأن العام المحلي، وتزداد قيمة ذلك أهمية حينما يتعلق الأمر بالوحدات اللامركزية الصغرى أي جماعة محلية من الدرجة الأولى الحضرية منها والقروية، وذلك بحكم صلاحياتها الموسعة التي تجعل المواطن كمرتفق شبه يومي لدى مصالحها.
• البعد الجغرافي والديمغرافي :
المغرب كبلد يعرف تنوعا جغرافيا بين مناطقه وكذا تنوعا في المناخ والتضاريس (مجالات صحراوية، جبلية و ساحلية) مما يؤدي حتما إلى تنوع وتباين في المشاكل المطروحة، وإذا كان هذا المعيار صالحا لاعتماد التقسيم الترابي على المستوى الجهوي فن الأمر ليس كذلك عند اعتماد التقسيم الإداري اللامركزي بالنسبة للوحدات الترابية الأقل مساحة نظرا لضيق المجالات الجغرافية التي تؤطرها إلا أنه لا يجب أخذ هذا المعيار بعين الاعتبار لوحده دون اعتبار البعدين الاقتصادي والجغرافي رغم صعوبة التوفيق بين كل هذه المعايير، فالمناطق الساحلية مثلا متميزة بكثافتها السكانية مقابل المناطق الصحراوية و الجبلية.
• البعد الاقتصادي والاجتماعي:
تشكل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية حجر الزاوية داخل كل سياسة للتقسيم الترابي، حيث أن تأسيس وحدات ترابية جديدة يؤدي إلى إنعاش الأنشطة الاقتصادية وبالتالي تطوير مسلسل التنمية السوسيواقتصادية كما يشكل التقسيم الترابي مناسبة لإعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية في محاولة لاحتواء الاختلافات الثقافية.
- التقسيم الترابي وسيلة لتنمية الأنشطة الاقتصادية :
يعتبر التقسيم الترابي وسيلة في يد الدولة لتنمية الأنشطة الاقتصادية وتحقيق لامركزية الخدمات القائمة على سد النقص الحاصل في التجهيز وتوفير البنيات الأساسية، وبالتالي تحريك النشاط الاقتصادي بخلق أقطاب تنموية محلية، بحيث يمكن للجماعة المحلية أن تلعب هذا الدور .الأمر الذي يترتب عنه تصحيح الفوارق والاختلالات الجهوية وتهيئة المجال عن طريق ترشيد التوزيع الجغرافي للأنشطة وربط الاقتصاد القروي بالاقتصاد الحضري في علاقة ترمي إلى تنمية الوسطين وهكذا شكل إحداث أقاليم جديدة بالنسبة للدولة وسيلة لإحداث توازن اقتصادي بين مختلف جهات المملكة بغية تحقيق تنمية وطنية مندمجة.
- التقسيم الترابي وسيلة لتحقيق الاندماج الاجتماعي :
يتكون المجتمع المغربي من فسيفساء بشري، لغوي وعرقي وتاريخي متنوع. الأمر الذي يجعل مسألة الاندماج مسألة بالغة الأهمية، ومن هنا كانت إذابة الشعور بالقبلية والتعصب وخلق روح الانتماء الوطني إحدى الأبعاد الجوهرية للتقسيم الترابي بحيث عملت الدولة على خلق دوائر ترابية منسجمة ديموغرافيا تسمح بقيام وحدة اجتماعية منسجمة و متجانسة ، تمكن من فتح أبواب المشاركة والتعاون أمام الساكنة.
• البعد الإديولوجي والسياسي:
إن لجوء الدولة إلى التقسيم الترابي تحركه مجموعة من الغايات والأبعاد الإيديولوجية والسياسية والتي تتجلى في بعدها الإداري في تأطير احتياجات المدارين وكذا تأطير العمل الإداري ثم ضمان مراقبة وتحكم الدولة في المجال الترابي.


 التقسيم الإداري :
يمكن تعريف التقسيم الإداري بكونه عملية مدروسة بعناية يتم بمقتضاها استحداث وحدات إدارية ترابية تنتظم فيما بينها على عدة مستويات وهي عملية معقدة للغاية تتداخل في بلورتها اعتبارات ودوافع عدة، فمن خلال التقسيم الإداري تتعزز العلاقة بين الدولة وأحد مكوناتها الرئيسية : الإقليم أو التراب.
و التقسيم الإداري تاريخيا بالمغرب عرف تحولا كبيرا بسبب مشاكل النمو الديمغرافي والعمراني الذي بدأت تعرفه المدن الكبرى، حيث بادرت السلطات العامة إلى تهيئ سياسة قاعدتها تقسيم المجالات الحضرية الكبرى إلى عدة عمالات تشكل فيما بينها وحدة إدارية للتغلب على تلك المشاكل وتطور وسائل المراقبة و التأطير الاجتماعي والسياسي والأمني . والملاحظ في التقسيم الإداري المغربي عدم الاستقرار، حيث يكتسي طابعا كميا أكثر ما يتخذ مظهرا نوعيا. وهذا ما كان له تأثيرات سلبية كثيرة على المجالات الحضرية وعلى توزيع البنيات التحتية والمرافق العامة بين المركز والضواحي وبين الجماعات المكونة له.
*دوافع التقسيم الإداري
يعتبر التقسيم الإداري من الوسائل التي تمتلكها الدولة للتحكم في المجال واستراتيجية فعالة لتدبير الشأن العام المحلي بشكل معقلن، وللتقسيم الإداري مبدئيا دوافع مختلفة ومتعددة لعل أبرزها :
• الدوافع الإدارية :
يبقى الدافع الإداري الذي يتجلى في تقريب الإدارة من المواطنين، من بين الدوافع الوازنة لكل سياسة للتقسيم الإداري، بحيث أن زيادة الأقاليم وتضاعفها يؤدي إلى إنشاء مصالح ومرافق إدارية مهمتها الإشراف على التمثيل الإداري للحكومة المركزية على الصعيد المحلي بغية تخفيف العبئ عن السلطة المركزية من جهة، وخدمة المواطنين بالسرعة اللازمة من جهة أخرى، وبعيدا عن البيروقراطية والروتين اللذان يميزان الإدارة المركزية.
• الدوافع الجغرافية و الديمغرافية :
يشكل المجال الجغرافي إطارا للتنوع والاختلاف بين المجالات الساحلية والجبلية والصحراوية ... مما يجعل مسألة خلق التوازن بينها في الخدمات الإدارية والتجهيزات أمرا ضروريا، وإضافة إلى الإطار الجغرافي، يتحكم المتغير السكاني بدرجة عالية في هيكلة الخريطة الإدارية ويشكل في كثير من الأحيان السبب الرئيسي في إعادة النظر في التقسيمات الإدارية القائمة سواء داخل المجال الحضري أو المجال القروي .
• الدوافع السياسية والاجتماعية :
وتعتبر هذه الدوافع الأكثر حضورا في كل سياسة للتقسيم الإداري، وتتجلى في الأزمات السياسية والاجتماعية الكبرى التي هددت السلطة في عمقها، وهكذا تلجأ الدولة غالبا إلى التقسيم الإداري كوسيلة لتجاوز أزمات اجتماعية مرتبطة أساسا بالبطالة والتشغيل وتدني القدرة الشرائية، وكإجراء وقائي من أجل التحكم والضبط الأمني للمجال الترابي والحيلولة دون الانفلات.
• الدوافع الاقتصادية والتنموية :
انطلاقا من الدوافع الاقتصادية والتنموية للتقسيم الإداري تبقى مسألة تدخل الدولة لإعادة هيكلة النموذج المجالي المعتمد أمرا ضروريا بغية الحد من المشاكل التي تعمق من أزمة التباينات الجهوية، وخلق كيانات اقتصادية تقوم على توازن وتكامل وانسجام بين أقاليم الجهات المختلفة، وكذا العمل على إدماج التركيبات المحلية في السياسة التنموية مع تحقيق لامركزية إدارية وتشجيع الاستثمارت بشكل يضمن تحقيق تنمية وطنية شاملة ومتوازنة.
وينقسم المغرب إداريا إلى عدة وحدات إدارية لاممركزة موزعة على516 قيادة، و467 ملحقة إدارية، و199 باشوية، 258 دائرة، وكل قيادة إدارية بالمجال القروي تضم معدلا وطنيا يناهز ثلاث جماعات قروية، علما أن عددا مهما من القيادات تضم أزيد من هذا المعدل الوطني، الشيء الذي يستوجب مراعاة التعديلات التي سيعرفها التقسيم الجماعي.


 التقطيع الإنتخابي :
التقطيع الانتخابي أو تحديد الدوائر الانتخابية هي تلك العملية التي من خلالها يتم تقسيم البلاد إلى أقسام تسمى كل منها دائرة انتخابية تضم عدة جماعات قروية أو بلدية يكون على الناخب الموجود بها سكناه أو عمله أو يصوت في أحد المكاتب الانتخابية المخصصة لذلك ويتأثر التقطيع الانتخابي بطبيعة الانتخاب من جهة و بطريقة الاقتراع المتبعة من جهة أخرى .
و إذا كان التقطيع الانتخابي يبدو في ظاهره مجرد مسطرة تقنية فهو بالموازاة مع نمط الاقتراع يعتبر واحد من العناصر المهمة في الاستراتيجية السياسية للانتخابات حيث أن اعتماد تقسيم انتخابي على المقاس يعد حسما مسبقا للنتائج الانتخابية وبذلك يتأثر مجرى التناوب السياسي حيث يوفر التقطيع الانتخابي للجهة المشرفة عليه فرصة التدخل لصياغة الخريطة السياسية بالشكل الذي تريده.
- المعايير الواجب اعتمادها في التقطيع الانتخابي :
إن تحديد الدوائر وتغييرها تظهر أهميته في النتائج الانتخابية التي يسفر عنها التقطيع، و تبعا لذلك فتجزئة الدوائر قد يخضع لمقاييس موضوعية أو قد يأتي تبعا لأغراض سياسية ولذا يجب أن يحترم إحداث و تحديد الدوائر الانتخابية مبدأ المساواة الذي يعد مبدأ دستوريا في المغرب حيث تبنته الوثيقة الدستورية لسنة 1962 والمقصود بالمساواة، مساواة القوى السياسية أمام التنافس السياسي والذي يتحقق باحترام التوازن الديمغرافي والترابي للدوائر وسلطة مشرفة تتمتع بالمصداقية.
• التوازن الديمغرافي :
والمقصود به أن يكون هناك توازن بين عدد السكان وعدد المقاعد المخصصة لتمثيلهم ، بما يضمن احترام مبدأ المساواة في التمثيل السياسي وبناءا عليه يجب أن تقام الدوائر الانتخابية على أساس معطيات ديموغرافية، لكن هذه القاعدة الأساسية تعرف استثناءات وضعت من طرف المجلس الدستوري الفرنسي.
يذكر أن قاعدة التوازن الديمغرافي تحتاج إلى قاعدة أخرى تساندها لضمان وجود تقطيع انتخابي منصف وهي قاعدة التوازن الترابي للدوائر الانتخابية.
• التوازن الترابي للدوائر :
وتبنى على قاعدة احترام التقسيم الإداري الموجود، وعلى صحة التقطيع واستقامته من أجل تحقيق تقطيع عادل يمنح الفرص المتساوية لكل القوى السياسية والقانون الانتخابي المغربي، وإن برزت إمكانية وجود تباين نسبي بين بعض الدوائر الانتخابية من حيث عدد سكانها بالحرص على عدم المساس بحدود الوحدات الإدارية كما برز ذلك بالحرص على إحداث دوائر انتخابية متكاملة من حيث نفوذها الترابي وغير متقاطعة فيما بينها، فإن القانون الانتخابي ينص بالمقابل على التزامه بالمبادئ الدستورية وبالممارسة القانونية الوطنية ومطابقتها للمعايير المعمول بها في الدول الديمقراطية.
وخلاصة القول، أنه إذا كان احترام المساواة في التمثيل السياسي و مساواة القوى السياسية أمام التنافس السياسي يمر عبر احترام قاعدتي التوازن الديمغرافي والترابي للدوائر فإن هذه الصيغة تحتاج إلى حياد السلطة المشرفة على إجراءات التقطيع الانتخابي.
هناك دول مثل موريطانيا والجزائر ترجع التقطيع الانتخابي للسلطة التشريعية ليتم ذلك بموجب قانون.
وفي المغرب تحدث الدوائر الانتخابية بمرسوم يصدر عن الوزير الأول باقتراح من وزير الداخلية حيث لا يدرج ضمن الفصل 46 من دستور 1996 المحدد لمجال القانون سوى التشريع في النظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية في حين يترك أمر تحديد انتخاب البرلمان إلى القوانين التنظيمية ( الفصلان 37 و 38 من دستور 96 ) ولا يشكل إسناد الاختصاص في هذا المجال إلى السلطة التنظيمية تجديدا قانونيا، إذ تؤكد الممارسة أن إحداث الدوائر الانتخابية بمرسوم أصبح يشكل تقليدا في الممارسة القانونية المغربية منذ المصادقة على أول دستور سنة 1962، فجميع الدساتير التي عرفها المغرب منذ التاريخ نصت على نفس المقتضيات التي يتضمنها الفصل 37 من الدستور الحالي.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المضمار أنه يجب على التشريعات تجنب الخطر الذي ينتج عن تقطيع انتخابي غير عادل، تساوى بناءا عليه الدوائر الانتخابية الكثيفة السكان والدوائر الانتخابية الأقل كثافة من حيث المقاعد المخصصة لكل واحدة منها، حيث يكون الغرض من التقطيع هو تقليص تمثيلية قوى سياسية معينة مقابل تكبير تمثيلية قوى سياسية أخرى، وهي مساوئ لم يفلت التقطيع الانتخابي في المغرب منها، مما أدى إلى أحد الباحثين بالقول إلى أنه يتوجب على المغرب أن يتوصل إلى أن يسند اختصاص إحداث وتحديد الدوائر الانتخابية إلى اللجنة الوطنية - الدائمة – للانتخابات والتنصيص على ذلك ضمن قوانينه الانتخابية، وأن تتم استشارة المجلس الدستوري بهذا الصدد تبعا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 81 من الدستور.
- التقنيات المعتمدة في التوجيه السياسي للتقطيع الانتخابي: يتحول التقطيع الانتخابي من مجرد تقنية انتخابية إلى أداة أداء لها أغراض سياسية رغم اعتماد مبدأ التوازن الديمغرافي والتوازن الترابي.
- تمزيق الدائرة الانتخابية :
يجمع أغلب الباحثين على أن Elbridge , Gerry حاكم إحدى الولايات الأمريكية هو مكتشف تقنيات التوجيه السياسي للتقطيع الانتخابي والتي اشتهرت بحيلة Gerry mander, وهذه الحيلة تكون مفيدة في حالة الاعتماد على نتائج آخر انتخابات وكذا في حالة وجود استقرار رأي الناخب هنا تتدخل الحكومة وتعتمد إلى اقتطاع جزء من دائرة انتخابية التي يتمتع فيها مرشح المعارضة بشعبية كبيرة وضمه إلى دائرة أخرى لترجيح كفة المرشح الموالي للحكومة بهدف تشتيت الأصوات المؤيدة له وتحجيم شعبيته في هذه الدائرة الانتخابية.


- توسيع الدائرة الانتخابية:
تأتي هذه الطريقة على نقيض سابقتها فعندما يصعب اقتطاع جزء من الدائرة الموالية لمرشح المعارضة وضمه إلى دائرة المرشح الموالي للحكومة، فإن الجهة المشرفة على التقطيع الانتخابي تعمد إلى ضم جزء من الدائرة الأخرى المعارضة إلى الدائرة المساندة له لتزيد من عدد الأصوات ضده، مما يؤدي في الأخير إلى عدم حصوله على ما يكفي من الأصوات اللازمة لنجاحه في الانتخابات، ومن هنا يتضح أن للتقطيع الانتخابي دور كبير في التوجيه السياسي لنتائج الاقتراع وقد يحكم على المعارضة بعدم تجاوزها لوضعيتها كأقلية مما يجعلها غير مؤهلة للتناوب على السلطة.



 القسم الأول : معطيات عامة حول التقسيم الجماعي ونبذة عن تجارب المغرب السابقة


التقسيم الجماعي أحد المفاهيم التي يصعب تحليلها أو مناقشتها باستقلالية أو حياد، فهو مفهوم يتقاطع مع مفاهيم أخرى و يرتبط بها ارتباطا شديدا " كالتقسيم الترابي، التقسيم الإداري، وأيضا إعداد التراب ... " و هو مفهوم ذو أبعاد تاريخية ساهمت في بلورته على ما هو عليه اليوم.
فالمغرب بعراقته التاريخية انتظمت ساكنته و لمدة طويلة في وحدات قبلية عشائرية تجمعها روابط القرابة و المصاهرة في أغلب الأحيان " اجماعة "، إلا أن التطورات الدولية و ما واكبها من تطورات داخلية ساهم في البحث عن أساليب أخرى للانتظام في ظلها، بما يتناسب و خصوصيات كل مرحلة.
و إذا كان التقسيم الجماعي بالصورة التي كان عليها في الفترات السابقة و خاصة قبيل الحماية و بعدها لم يكن يستمد مقوماته من تنظيم قانوني، يحدد لكل رقعة حدودها و مجال نفوذها و سلطات مجلسها و اختصاصه فإن مرحلة ما بعد الاستقلال، تعد نقطة التحول والفترة التي سيتم فيها وضع اللبنات الأولى لبناء تقسيم جماعي و إداري يستمد مقوماته من القانون والدستور، فقد أصبحت عملية التقسيم هاته استراتيجية غير بريئة بل أصبحت سياسة بيد الدولة لها دوافع و أبعاد مختلفة، يتداخل فيها كل ما هو اقتصادي، سياسي، إداري، تنموي،... و فيما بعد الاستقلال و بعد وضع اللبنات الأولى للتقنين، ستبدأ مرحلة البناء التي ستتوالى فيها الإصلاحات و التعديلات، و التي برزت و لازالت تبرز بشكل ملح في سياق الإعداد للعمليات الانتخابية. مما يؤكد وجود علاقة وطيدة ما بين التقسيم الجماعي والانتخابات الجماعية، كل هذا سنحاول التوقف عنده بنوع من التفصيل مع الفصلين التاليين:

 الفصل الأول : التقسيم الجماعـــــــــــــــــي

 الفصل الثاني : قراءة في التقسيمات السابقة

 الفصل الأول : التقسيم الجماعـــــــــــــــــي

التقسيم الجماعي يتقاطع مع مفهوم إعداد التراب الوطني في العديد من النقط باعتباره عملية تقنية، فنية، سياسية وإدارية، الهدف منها تحقيق تنمية شمولية ومتوازنة لجميع مناطق البلد، وذلك بالقدر الذي يخدم في نفس الوقت السكان عن طريق تحقيق توزيع عادل للثروات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، والتقسيم الجماعي يقوم بناءا على نظرة مستقبلية تتوخى البحث عن نقطة التوازن بين الموارد و السكان. فإذا كان هذا التقسيم أداة لتحقيق الانسجام الاجتماعي فهو في نفس الوقت وسيلة تمكن الدولة من ضبط بنيتها الاجتماعية . فالتقسيم الترابي الجماعي يهدف إلى إعادة النظر في الإطار الترابي للجماعات: بلديات (جماعات حضرية، جماعات قروية). ولا تخفى أهمية "اجماعة" "jamaà" و"الجماعة" commun" في التاريخ السياسي والاجتماعي والديمقراطي بالمغرب نظرا للأسبقية التاريخية للتقسيم والتنظيم الجماعي على التنظيم الدستوري بالبلاد، ونظرا لاعتباره مكون قاعدي للجهة بالبلاد يهدف إلى إحداث الجماعات القروية والحضرية، ومن خلاله يتم إعادة النظر في الإطار الترابي لها وفق معايير متعددة الأهداف والأبعاد يتوخى من خلالها تحسين المجالات الترابية لمختلف أجزاء البلاد. ببواعثه الرامية إلى تحقيق توازنات سوسيواقتصادية، ومجالية، و تحقيق تنمية متناسقة، وذلك بتقليص الفوارق والاختلالات بين الجماعات .
وإذا كانت سياسة التقسيم الترابي والجماعي بالمغرب تستمد جذورها من عمق التاريخ، فإن البحث عن الجذور التاريخية المؤثرة على المجال الوطني في بعديه القروي والحضري في الوقت الراهن لا يمكن فهمها بعزلها عن مدى وجود سياسة مرافقة لإعداد التراب وتهيئته، ولا بإبعاد الماضي عن الحاضر، ومن ثم فإن السياق العام لسيرورة وتطور المجال المغربي والانعكاسات المرافقة له اقتصاديا،اجتماعيا وسياسيا، إلى وقتنا الراهن تقتضي عدم إغفال الكيانات الترابية والسلطات الفاعلة والمؤثرة على مسار التوازن المجالي، سواء قبل الاستقلال أو بعده مع ضرورة التوقف عند الوضعية الحالية التي تنتظم في ظلها أصغر الوحدات المحلية(الجماعات الحضرية، و القروية) - المبحث الأول - بالإضافة إلى ضرورة استحضار الدوافع والأبعاد التي يقوم عليها التقسيم من جهة واستحضار أسس ومرتكزات المنطق المتحكم في هذه العملية، بالإجابة على مدى استمداد وجوده من أسس عرقية قبلية أمنية سلطوية (القوة)؟ أم منطق يقوم على الوعي القانوني والتنظيمي لآليات تطوير السلطة والحكم؟ أم منطق يراعي الأسس الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية.والتنموية للمكون الترابي -المبحث الثاني-



المبحث الأول : التــقســـــيم الجمــــــــاعــــــــــــــــــــــــــي
– السياق التاريخي و الإطار القانوني –


إن الوقوف عند أهمية ظاهرة أو عملية معينة، يقتضي البحث في المسار الذي قطعته قبل التطرق إلى ما هي عليه الظاهرة أثناء القيام بالدراسة و ذلك من أجل الوقوف على التراكمات التي ساهمت في بلورة الظاهرة في الصورة الآنية لها. و التقسيم الجماعي هو إحدى تلك العمليات التي قطعت أشواطا متعددة، غنية، حبلى بالمتغيرات (المطلب الأول ) قبل أن تصل إلى مستوى تقنين الوحدات الناتجة عنها (الجماعات الحضرية و الجماعات القروية ) كما هو الحال عليه مع الميثاق الجماعي لسنة 1976 و كما تم تعديله في سنة 2003 (المطلب الثاني )

المطلب الأول : السياق التاريخي للتقسيم الجماعي ، الترابي و الإداري
عرفت عملية التقسيم الترابي، الإداري و الجماعي بالمغرب عدة مراحل تاريخية، تستمد جذورها من عمق التاريخ، حيث عرفت هذه التقنية عدة تطورات وتغيرات تمثلت على امتداد مسار التحول المجالي، قبل الحماية وأثناءها ثم مرحلة الاستقلال، إلا أن التقسيمات الترابية المتتالية التي عرفها المغرب قبل الحماية وبعدها لم تكن تستمد مقوماتها من تنظيم قانوني يعترف بها ويحدد مجال نفوذها وسلطات مجلسها واختصاصاته – الفرع الأول - ومع حصول المغرب على الاستقلال سيتم وضع اللبنات الأولى لبناء تقسيم إداري وجماعي يراعي معطيات المرحلة، و من ثم أصبحت التقسيمات الترابية الجماعية تستمد أسسها ومحدداتها من الدستور والقوانين –الفرع الثاني –

الفرع الأول : مرحلة ما قبل الاستقلال
وعندما نتحدث عن هذه المرحلة لا بد من التمييز فيها بين فترتين: فترة ما قبل الحماية وفترة ما بعدها.
أ – قبل الحماية :
لقد عرف المغرب إلى جانب الحكم المركزي أسس التنظيم الجماعي المحلي قبل الغزو الروماني بفترة طويلة، حيث كانت المجالس الجماعية مستقلة عن السلطة المركزية في تدبير الشأن المحلي، فالجماعة بالمغرب ليست وليدة فترة زمنية معينة أو مكان معين، بل إنها وجدت منذ أن وجدت الأسرة والقبيلة.
فالنواة الأولى هي الدوار أو المدشر، ثم إن هناك الفخدة والمشيخة، أما القبيلة فتضم مشيخة أو أكثر حسب الأصول. وطابعها أن أفرادها تجمعهم القرابة وروابط عرقية- سلالية- وهم متشبعون بروح تضامنية، دفاعية ويذكي في نفوسهم تلك النزعة التي تحرك الوجدان كلما أحدقت بالقبلية مخاطر خارجية.
وقد كانت القبائل تتمتع بنوع من الاستقلال في تسيير شؤونها المحلية وتوفير حاجيات السكان الضرورية بتعاون مع جماعات القرى المجاورة المنضوية تحت لواء القبيلة، وكانت القبيلة تختار على رأسها جهازا تنفيذيا حيث كان السلطان غالبا ما يوافق على الشخص الذي تختاره القبيلة كقائد لتمثيل الإدارة المركزية، ولعل ما يميز التدبير الجماعي في تلك الفترة هو روح الديمقراطية وسيادة رأي الجماعة.
وبحسب معيار الخضوع للسلطة المركزية، كان يتم تقسيم البلاد إلى قسمين :
- بلاد المخزن : يمثل فيها السلطة المركزية في المدن : العمال أو البشوات بتعاون مع المحتسبين أما في القرى فكانت ممثلة بالقواد بتعاون مع الشيوخ والمقدمين. وهي مجموع القبائل والمدن الواقعة أنذاك تحت نفوذ السلطة المركزية .
- بلاد السيبة : وهي تتكون من القبائل التي كانت ترفض الانصياع لأوامر السلطات العليا وتدبر شؤونها بواسطة مجلس يتكون من شيوخ القبيلة وأعيانها، لهم الاختصاص العام بالنظر في جميع المشاكل التي تهم الجماعة، ويوكل أمر تنفيذ أعمالها إلى عون التنفيذ أطلق عليه " أمغار"، يتم تعيينه كل سنة وتتعدد سلطاته تبعا لمدى نفوذه الشخصي داخل الجماعة. غير أن استقلالية هاته القبائل لم تكن تعني انفصالها التام عن السلطة المركزية . فاستقلال "اجماعة" كان فيما يخص تدبير شؤونها العامة إلى حد يمكن نعت ذلك التدبير الذاتي بمستوى معين من الديمقراطية المحلية، حيث كانت الهيئة المنتدبة من طرف الجماعة تفصل في كل ما يتعلق بالنشاط الاقتصادي العام للجماعة ( فخدة أو قبيلة) والإشراف على ممارسة القضاء. ارتكازا على قانون عرفي غالبا .
ويمكن القول أن المغرب عرف قبل الحماية نوعا من التوازن بين المجال والإنسان . سواء من الناحية البشرية –توزيع السكان- أو من الناحية الاقتصادية. فنجد أن النشاط الاقتصادي كان يعرف هياكل أو قطاعات ثلاث تتكامل فيما بينها، والتي هي القطاع الفلاحي وقطاع الصناعة التقليدية إلى جانب قطاع التجارة التي كانت تحقق الاكتفاء الذاتي في إطار التبادل بين القطاعات، هذا التكامل الذي ثبت أثناء هذه الفترة هو المعطى الذي سوف تعمل الحماية جاهدة على المس به ( كما سنرى). وكيفما كانت نتائج الدراسات التي حاولت الكشف عن طبيعة التنظيم الجماعي – والتقسيم الجماعي على الخصوص – بالمغرب في فترة ما قبل الحماية، فتمة إقرار بوجود تنظيم محلي في تسيير الشؤون المحلية، على الرغم من عدم خضوع الوحدات الترابية لتنظيم قانوني يعترف بوجود الجماعة ويحدد نفوذها الترابي وسلطات مجلسها ومجال نشاطها. وبالتالي فإن عدم وجود تقسيم جماعي بالمفهوم الدقيق المتعارف عليه اليوم في القوانين والدستور هو الذي كان قائما خلال تلك المرحلة، مما جعل الجماعة تستمد مقوماتها وأسس وجودها من منابيع عرقية وقبلية المتعارف عليها من قبل إجماع الجماعة، ليستمر العمل بالتقسيم ذو الأسس القبلية والعرقية من قبل سلطات الحماية لضرب الوحدة القومية وتجزيئ المجموعات الموحدة خلال مرحلة الحماية.
ب – الحماية
لقد جاءت الحماية الفرنسية سنة 1912 وضربت كل المكتسبات التاريخية، واستهدفت الجماعة في المقام الأول باعتبارها الوسيلة التنظيمية الأساسية للمغاربة القادرة على المحافظة على الهوية، وهكذا ارتكزت سياسة الاستعمار على تقسيم بلادنا إلى جهات عسكرية وأخرى مدنية*، وأنشأت بعض البلديات، ففي الأقاليم العسكرية كان الحاكم العسكري يمارس السلطتين الإدارية والسياسية، و يعين حكام هذه الجهات، كما ارتكزت سياسة الاستعمار على التقسيم العرقي للسكان وعلى المساس بالعادات والتقاليد بغية النيل من وحدة المغاربة . وهكذا ظلت السلطات الاستعمارية تعتمد على مبدأ " فرق تسد " بهدف تسهيل سيطرتها على البلاد.
وفيما يخص التقسيم الجماعي الذي سارت عليه سلطات الحماية، فقد ميزت بين التجمعات السكنية ذات الطابع الحضري والتي تتمتع بتشريع خاص من ناحية، وذلك بصدور الظهير الشريف المؤرخ في 20 جمادى 1332 الموافق ل 16 أبريل 1914بشأن تصفيف الأبنية والطرق والتصاميم الموضوعة لتهيئة المدن وتوسيع نطاقها.*
وبين المناطق القروية من ناحية ثانية ، فعرفت نماذج التنظيم بالمناطق القروية تطورات منذ صدور النصوص القانونية الأولى المنظمة لها، فظهير نوفمبر 1916 والمعدل بظهير 16 مارس 1924 أسس "الجماعة الإدارية" وذلك لتمثيل القبائل وأفخادها بصفة قانونية، مانحا إياها سلطة تدبير الموارد العقارية التي تشكل الملك الجماعي للقبيلة أو الفخدة، بعدما أصبحت هذه الأخيرة تشكل واقعيا الجماعات القروية. وأصبح في ظل هذا التشريع، القائد رئيسا لجماعة القبيلة، والشيخ رئيس جماعة الفخدة، في حين ألغيت جماعة الدوار . هذا بالإضافة إلى إصلاحات عميقة أخرى هدفت إلى تدعيم نظام المركزية. أما نظام اللامركزية فلم تكن البنيات والمرتكزات الاجتماعية قادرة على استيعابه خاصة على المستوى القروي وخلال ذلك تم القيام بتقسيم ترابي متفق عليه على أسس عسكرية وأمنية، استغلته سلطات الحماية من خلال خلق شبكة وبنية إدارية لضبط ومراقبة السكان والمجال المغربي، فكانت السيطرة للسلطة العسكرية التي سعت إلى تفكيك وتجزيء التراب الوطني معتمدة على مبادئ التقسيم القومي والأهلي القائم على أسس قبلية وعرقية. والمنظم بنصوص تشريعية وقرارات وزيرية و مقيمية، بهدف النيل من الوحدة الترابية وخلق التفرقة بين مختلف مكونات المجتمع المغربي حتى تسهل مراقبته وضبطه.
ومن بين ما هو جدير بالذكر، الانعكاسات المباشرة للتقسيم الجماعي الذي اعتمدته سلطات الحماية على الفجوة العميقة التي بدأت مظاهرها تتجلى خلال هذه المرحلة بين المجال والإنسان، حيث أنه وعلى الرغم من صدور العديد من النصوص التشريعية والقرارات الوزيرية والمقيمية، طيلة الفترة الاستعمارية، فإن التقسيمات الترابية والجماعية على وجه الخصوص ظلت خاضعة للإدارة المباشرة لسلطات الحماية من جهة، ولممثلي السلطة المركزية من جهة ثانية. وقد كان الهدف من ذلك، هو إيجاد أرضية قانونية وشرعية على الاختيارات والسياسة المحلية المتبعة، والتي كانت تفتقد إلى بعض مقومات نظام اللامركزية وبالتالي تدعيم نظام التركيز الإداري على حساب النظام اللامركزي .

حاصل القول، إن التنظيم الجماعي وفق منظور سلطات الحماية لم يكن الهدف منه إشراك المواطنين في تدبير الشأن المحلي، بقدر ما كان أداة لإخضاع البلاد للاستعمار تحقيقا للتهدئة والاحتلال التدريجي لمجموع التراب الوطني، وهو تنظيم كانت تتحكم فيه العوامل القبلية، الطائفية، والإثنية تعميقا للصراع و المنافسة بين ما كان يسمى ببلاد المخزن و بلاد السيبة، المغرب النافع والمغرب غير النافع .
فإذا كانت هذه هي أهداف سلطات الحماية من كل الإصلاحات التي قامت بها، فهل ستتغير ملامح ذلك بعد خروج سلطات الحماية وحصول المغرب على الاستقلال؟

الفرع الثاني : مرحلة ما بعد الاستقلال
قد وجد المغرب نفسه بعد الاستقلال أمام اختيار صعب، إما الاحتفاظ بالإرث الإداري والتنظيمي الاستعماري. وإما اجتثات جذوره في مقابل بناء نظام إداري وطني يستجيب لمتطلبات الواقع المغربي . وتبعا لذلك تميزت المرحلة الموالية لحصول المغرب على الاستقلال بانكباب السلطات العليا للبلاد على توطين دعائم الاستقلال واستكمال الوحدة الترابية عن طريق بناء المؤسسات، والعمل على تصفية مخلفات الحماية، وهو الشيء الذي حتم عمليا إسناد اختصاصات الجماعات الحضرية والقروية مؤقتا إلى رجال السلطة المحلية لممارستها، وبهدف تنظيم جديد لتدبير شؤون الجماعة بالشكل الملائم للمرحلة. فكان من الضروري العمل على إحداث وحدات ترابية تختلف حدودها وأسسها عن حدود وأسس الجماعة التقليدية، فلقد كان ضروريا إحداث تقسيم ترابي جديد يساير طموحات قائد البلاد - محمد الخامس – الذي عبر أنذاك في خطاب له بتاريخ 8 ماي 1959 كما يلي : " ومن جهة أخرى فإن تطور بلادنا أدى إلى تفكيك أوصال النظام القبلي فأصبح غير صالح لأن يكون أساسا لإقامة منظمات تمثيلية، لذلك رأينا من الأنسب تأسيس خلية اجتماعية وسياسية تكون قواما للنظام الجديد. وسعيا وراء هذه الغاية قد قر عزمنا على إجراء الانتخابات البلدية والقروية وعلى تحديد الاختصاصات التي سنسندها للمجالس المحلية. وذلك بمجرد ما يوضع قانون الانتخابات " . وهكذا اختار المغرب بعد حصوله على الاستقلال أن يجعل من الجماعة الخلية الأساس لتشييد صرحه السياسي والديمقراطي والإداري، ووصولا لهذه الغاية عملت الدولة على إقامة قواعد اللامركزية الإدارية تمشيا مع روح الرغبة في إرساء قواعد الحكم على أسس ديمقراطية حقة، وذلك بإنشاء مجالس جماعية وإقليمية منتخبة. وفي إطار إرساء قواعد اللامركزية الإدارية صدر ظهير 2 دجنبر 1959 والمتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة، حيث تم تقسيم البلاد إلى عمالات وأقاليم ودوائر، والدوائر إلى قيادات وجماعات، والملاحظ أن التقسيم الإداري خلال هذه الفترة ارتكز أكثر على العمالات والأقاليم، لأن الجهود كانت منصبة آنذاك على فرض و تركيز سلطة الدولة سياسيا وإداريا، وهو ما أخل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، واقتصر الاهتمام بالجانب التنموي خلال هذه الفترة على التصميم الخماسي 4619 -1960. إلا أن النتائج غير المرضية التي ترتبت عن هذا الإجراء وغيره من الإجراءات المماثلة، كانت وراء صدور الميثاق الجماعي الأول .
وفيما بعد ومع صدور ظهير 23 يونيو 1960 بدأ العمل على تفادي المنظور الاستعماري للتنظيم الجماعي وذلك بالاستناد على المقترب الجغرافي، الاقتصادي والاجتماعي، فأصبح هدف التنظيم الجماعي الدفع بالجماعات نحو الانفتاح عن طريق إعادة تنظيم التواصل بين المواطنين والبحث عن الوعي السياسي تجاوزا للمعيار القبلي والعنصري والعصبي .
إلا أنه بالرغم من كل المجهودات* التي قامت بها الدولة من أجل إعادة تنظيم الدولة بما يتناسب وخصوصيات المرحلة، فإنها لم تستطع أن تحول دون وقوع أزمات سياسية واجتماعية هددت السلطة في عمقها. بل في وجودها، نتجت عن عدم فعالية بعض البنيات الإدارية وكذلك تقلص في الميكانيزمات التقليدية للضبط الاجتماعي والمتمثلة في الزعامات المحلية. الشيء الذي دفع بالدولة إلى تبني منهجية التقسيم للتحكم بشكل أفضل في المجال الترابي للبلاد ، تقسيم تم التركيز فيه بالأساس على المناطق التي تطفو بها مشاكل أمنية وتعزيز تواجد ممثلي الدولة فيها، فالمجال له دور أساسي، لكن أيضا عنصر السكان يعتبر مهما في مادية السلطة السياسية وعليه يجب لزاما على الدولة التواجد عبر جميع التراب الوطني فحيث ما لا يوجد رجل سلطة فهناك غياب تام للدولة .
وبعد ست عشر سنة من التجربة والتعايش والاستئناس تدريجيا بالمؤسسة الجماعية بات من الضروري توسيع اختصاصات المنتخبين، والعمل في حدود معينة على التخفيف من حدة الوصاية التي كانت تمارسها الدولة، نظرا لنضج فكرة اللامركزية.وهي الغاية المزدوجة التي أوحت بالإصلاح الجماعي الذي كان قد أقره الظهير الشريف رقم 1.76.583 المعتبر بمثابة قانون المؤرخ في 5 شوال 1396 موافق 30 شتنبر 1976 .
وهكذا توالت التعديلات أو الإصلاحات بصدور مجموعة من الظهائر بهدف تجاوز ثغرات ونقائص ظهير 30شتنبر 1976 والتي بدأت تظهر- وإن اعتبر ساعتها نقلة نوعية في مجال تدبير الشأن المحلي وخطوة إيجابية في تطوير الممارسة الديمقراطية - مع تضافر أشغال المناظرات والدراسات ومواقف الهيآت السياسية. و هذه التعديلات هي كالآتي :
- تعديل ظهير 2 دجنبر المتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة بموجب مرسوم رقم 2.92.468
- بتاريخ 30 يونيو 1992 حيث أصبح عدد الجماعات الإجمالي بعد ذلك 1547 منها : 249 جماعة حضرية و 1298 جماعة قروية، مقابل 26 إقليم و 46 عمالة.

- صدور دستور 1992 الذي أدخل الجهات ضمن وحدات الجماعات المحلية بعده دستور 1996 الذي نص على تقسيم التنصيص، ليصبح عدد الجهات 16 بموجب قانون 96 – 47 المتعلق بالتنظيم الجهوي ومرسومه رقم 246 – 97 – 2 المتعلق بالتقسيم الجهوي.

- صدور الظهير الشريف رقم 31 .92. 1 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 90 – 12 المتعلق بالتعمير المعدل والمتمم لقانون 1952 وبداية الحديث عن مشروع قانون لتأهيل العمران، في أفق مدونة للتعمير تواكب المعطيات الحالية.

- انتقال الحكم إلى الملك محمد السادس، وبروز مفاهيم تهدف إلى الانتقال الديمقراطي، - تكريس مفهوم جديد للسلطة، الاهتمام بحقوق الإنسان، المرأة، الإنصاف والمصالحة، الحكامة الجيدة، التنمية البشرية...-

- انطلاق الحوار الوطني حول إعداد التراب- 26 يناير 2000 – بطرح مقاربة جديدة إعداد التراب والتعمير تهدف إلى وضع سياسة مجالية مندمجة في أفق ميثاق وطني لإعداد التراب وحسن التدبير و الحكامة الرشيدة داخل الخريطة الترابية.

- صدور القانون الجديد للتنظيم الجماعي رقم 78.00 بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.287 بتاريخ 3 أكتوبر 2002 الذي عدل بموجبه النظام الثاني للجماعات ظهير 30 شتنبر 1996.

- إعلان الملك محمد السادس عن مبادرة وطنية للتنمية يوم 18 ماي 2005 ... إلخ من الإجراءات الهادفة إلى عقلنة الخريطة الترابية وتنظيم الجماعات المحلية، وتكريس مبادئ وقيم الحكامة الجيدة .

حاصل القول، أن الجماعة إذا كانت أول تنظيم إداري، سياسي، اجتماعي... مقنن والنواة الأولى للحكم المحلي في عهد الاستقلال، فإنها لم تكن أبدا بنية جديدة أوجدها المشرع دفعة واحدة مع صدور ظهير 23 يونيو 1960. وإنما هي عبارة عن إعادة بناء مؤسسة تقليدية بالنظر إلى مجموعة من المعطيات.

المطلب الثاني: الإطار القانوني للوحدات المحلية القاعدية
التنظيم الجماعي بالمفهوم الحديث لم تعرفه بلادنا إلا إبان الإصلاحات التي عملت سلطات الحماية على إدخالها على النظام الإداري المغربي انطلاقا من 30 مارس 1912، حيث أن التنظيم الجماعي في تلك المرحلة لم يكن الهدف منه إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام المحلي، وهو تنظيم كانت تتحكم فيه العوامل القبلية والطائفية و الإثنية تعميقا للصراع والمنافسة بين ما كان يسمى ببلاد السيبة وبلاد المخزن.
وعليه سنجد أول تجربة جماعية عاشها المغرب المستقل في إطار ظهير 23 يونيو 1960 ستعمل على تفادي المنظور الاستعماري للتنظيم الجماعي مستندة على المقترب الجغرافي، الاقتصادي والاجتماعي ، وهو منظور جاء ليفتح أبواب المشاركة أمام المواطنين، فالتنظيم الجماعي أصبح هدفه الدفع بالجماعات نحو الانفتاح عن طريق إعادة تنظيم التواصل بين المواطنين والبحث عن الوعي السياسي تجاوزا للمعيار القبلي والعنصري والعصبي، وهي مسألة لم يتم تجاوزها نسبيا إلا من خلال ظهيري 30 شتنبر 1976 الأول خاص بالتنظيم الجماعي، والثاني متعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية، حيث بذل المشرع مجهودات من خلالهما عن طريق وضع الأرضية السياسية، الإدارية، الاقتصادية والمالية المناسبة لتفعيل علاقات جديدة بين المركز والمحيط وتحليل الخطوط العريضة للميثاق الجماعي لسنة 1976 وما لحقه من تعديلات في أكتوبر 2002، والتي جاء بها القانون 78.00 بمثابة ميثاق جماعي جديد حاول الإجابة عن التساؤلات القانونية الناتجة عن بعض أوجه الفراغ التي أبان عنها تطبيق ظهير 1976 .

الفرع الأول : الإطار القانوني للجماعات الحضرية والقروية
منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، اختار أن يجعل من الجماعة الخلية الأساس لتشييد صرحه السياسي والديموقراطي والإداري، حيث عملت الدولة على إقامة قواعد اللامركزية الإدارية تماشيا مع الرغبة في إرساء قواعد الحكم على أسس ديمقراطية حقه، وذلك بإنشاء مجالس جماعية وإقليمية منتخبة، ولهذه الغاية وضع ظهير الفاتح من شتنبر 1959 بشأن تنظيم الانتخابات الجماعية، وفي إطار إرساء قواعد اللامركزية الإدارية، صدر ظهير 2 دجنبر 1959 والمتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة، حيث تم تقسيم البلاد إلى عمالات وأقاليم ودوائر، والدوائر إلى قيادات وجماعات .
والملاحظ أن هذا التقسيم وكما أشار إلى ذلك العديد من الباحثين، قد حاول ولأول مرة تجاوز الأسس العرقية والقبلية التي كانت تقوم عليها الجماعة، والاعتماد على الأسس الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية..
وعلى الرغم من بعض الأخطاء التي طبعت هذا التقسيم، إلا أنه عمل على تحسيس المواطن المغربي بأن الجماعة أصبحت تكتسي مفهوما مغايرا يقوم على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية و الإدارية..
ويرى الباحثون أن التنظيم الجماعي دخل مرحلته الثانية بصدور الظهير الشريف رقم 1.59.315 الصادر في 23 يونيو 1960، والذي عرف الجماعات الحضرية والقروية في فصله الأول بكونها " وحدات ترابية معينة الحدود داخلة في حكم القانون العام وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ويسير شؤون الجماعة مجلس جماعي".
وبعد 16 سنة من التجربة والتعايش والاستئناس تدريجيا بالمؤسسة الجماعية، جاء الإصلاح مع ظهير 30 شتنبر 1976، إلا أن هذا الأخير سرعان ما أبان عن مجموعة من النقائص والثغرات، كما طرح العديد من الصعوبات على المستوى العملي، سيما وأن المغرب عرف تطورا كبيرا على امتداد ربع قرن من العمل الجماعي، وعندما تولت حكومة التناوب التوافقي المسؤولية السياسية، تعهدت في التصريح الحكومي بإصلاح هياكل ومؤسسات اللامركزية بشكل تجعل منها إطارا ملائما على المستوى المحلي لتدخلات الدولة، وخيارا تدبيريا وديمقراطيا راسخا في استراتيجية التنمية المستدامة، حيث عملت وزارة الداخلية على تجديد الميثاق المنظم للجماعات القروية والحضرية، وميثاق العمالات والأقاليم، معتمدة المشاريع التي اقترحتها المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية التي انعقدت بين 19 و 21 أكتوبر 1998 بالدار البيضاء والتي خرجت بعدة توصيات أبرزها:
- الدعوة إلى رفع مستوى مسؤولية المنتخبين.
- منح الجماعات الوسائل التي تمكن من تدبير وتسيير الشؤون المحلية.
- التخفيف من حدة الوصاية.
- منح الجماعات مسؤوليات واسعة للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- تجاوز الثغرات والنقائص التي عرفها التنظيم الجماعي السابق.
- سن نظام موحد للجماعات القروية والحضرية.
كما اعتمدت الحكومة على الخطاب الملكي، والمؤرخ في 12 أكتوبر 1999 بالدارالبيضاء، والذي أشار فيه إلى اختياره الراسخ للامركزية وعلى بعدها الجديد. وفي 27 أبريل 2001 أعدت الحكومة مشروع القانون رقم 78.00، حيث وافق عليه البرلمان وصدر الظهير الشريف رقم 1.02.297 في 3 أكتوبر 2002 بتنفيذه، ويعكس هذا القانون في خطوطه العريضة انشغالات وتطلعات الفاعلين السياسيين، ويستجيب للالتزامات التي وردت في التصريح الحكومي المؤرخ في 17 أبريل 1998، ويأخذ بعين الاعتبار الدروس والنواقص التي كشفت عنها الممارسة الديمقراطية المحلية.
ويقوم الميثاق الجماعي الجديد على أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية ترمي إلى ترسيخ استقلالية الجماعات المحلية والحريات العامة والمسؤوليات المحلية، وإلى إقرار الديمقراطية التشاركية وتثبيتها، كما يستهدف تعزيز وتوسيع دور الجماعات في إنعاش التنمية وتحفيز الاستثمارات، وتهيئة التراب والمحافظة على البيئة، والتدخل في القطاعات الاجتماعية وتأهيل الجماعات للحد من الاختلالات الترابية والفوارق الاقتصادية والاجتماعية.
كما سعى الميثاق الجديد إلى توسيع وتحديد دائرة الاختصاصات العائدة للمجالس ورؤسائها، والى تجسيد أسس الاستقلال المحلي بتوسيع مجال التقرير وتخفيف الوصاية وتقريب أجهزتها من الجماعات واختزال مددها، ودعم سلطات المكاتب الجماعية المسيرة وتقوية قدراتها التنفيذية، و إشراك المجالس في بلورة القرارات و في تشكيل المكاتب واللجان الوظيفية وتحسين شروط انتخاب وتكوين المجالس وتوضيحها وتطوير أساليب التسيير.
كما عمل الميثاق على إخضاع معظم الجماعات لنظام عام وأخضع القليل منها لنظام خاص وأحدث نظاما للمقاطعات بالمدن الكبرى تابعة لمجالسها الحضرية مع تجريدها من الشخصية المعنوية، وأحدث نظاما للتعاون فيما بين الجماعات .
يذكر أن قانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، عرف الجماعات المحلية من خلال المادة الأولى كونها " وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتنقسم الى جماعات حضرية وجماعات قروية، بحيث أن الجماعات تحدث وتحذف بمرسوم، ويحدد مركز الجماعة القروية بقرار لوزير الداخلية. أما اسم الجماعة فيغير بمرسوم باقتراح من وزير الداخلية بعد استشارة المجلس الجماعي المعني أو باقتراح من هذا الأخير ".

الفرع الثاني : نظام وحدة المدينة
جاء في التوصية المقدمة من طرف لجنة ممثلي الإدارة والأحزاب السياسية – بشأن المجموعة الحضرية- ما يلي : " إن تجربة المجموعة الحضرية المطبقة في 14 مدينة من أكبر مدن المملكة قد أدت إلى تقزيم المجال الحضري والمس بمبدأ وحدة المدينة وتضخم عدد المنتخبين والموظفين الحضريين، والارتفاع المبالغ فيه لتكاليف التسيير والتضحية بالتجهيزات الأساسية لفائدة التجهيزات الحضرية.." وفي هذا الإطار يمكن اقتراح إصلاحين اثنين:
- الأول : يتمثل في إدخال تعديلات لتوضيح وتوزيع المسؤوليات بين المجموعة والجماعات المكونة لها..
- الثاني: الأخذ بمبدأ نظام مبسط يؤسس لوحدة المدينة بإحداث مجالس للمقاطعات وذلك على منوال النموذج الفرنسي في مدن باريس وليون ومرساي.
فالمقاطعات التي تتوفر على مجلس ورئيس للمقاطعة لن يكون لها سوى نظام فروع الجماعة واختصاصات محددة في مجالات التدبير المفوض .
فإلى أي حد حاول الميثاق الجماعي إعادة إقرار وحدة المدينة وتجاوز النقائص التي أبان عنها نظام المدن المتكونة من عدة جماعات؟؟

بداية يمكن القول أن خيار وحدة المدينة ليس مطلبا اعتباطيا أو رغبة أملتها تقليد الأنظمة المقارنة في تدبير المدن الكبرى، ولكنه ضرورة فرضتها مجموعة من الاعتبارات والإكراهات التي ألزمت المشرع المغربي بأخذه بعين الاعتبار وجعله حلقة أساسية من سلسلة دمقرطة الشأن العام المحلي ببلادنا .
ولإعادة إقرار وحدة المدينة فقد أمكن في إطار الميثاق الجماعي الجديد رقم 78.00 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 والذي تم تغيير الباب الثامن منه ( أحكام الفقرة الأولى من المادة 84 و المادة 75)تأسيس نظام خاص يطبق على المدن التي يفوق عدد سكانها 500000 نسمة.
وبمقتضى هذا النظام فإن المدن سيتم تنظيمها في شكل جماعة حضرية تخضع للنظام العام المطبق على الجماعات ومقاطعات تتوفر على مجالس منتخبة واختصاصات استثنائية.

 مزايا نظام وحدة المدينة في سياق التحول:
تقول ديباجة الميثاق: لعل من مزايا هذا النظام إعادة تجميع اختصاصات المدينة، مع تقريب الخدمات الضرورية من المواطنين، وتجاوز النقائص والسلبيات التي تجلت بشكل ملفت في عدة جوانب منها : التضارب والتداخل في الاختصاص بين المجموعة الحضرية والجماعات المكونة لها، وتزايد الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والمالية داخل نفس المدينة، بالإضافة إلى ضعف التناسق الحضري مع غياب تصور شمولي للتهيئة وكثرة عدد المنتخبين، زيادة إلى ارتفاع تكاليف التسيير وتسخير موارد هامة لعدد كبير من الموظفين مع تفتيت الموارد العمومية وهيمنة المشاريع الصغرى على حساب التجهيزات الهيكلية..
 الجماعات الحضرية في سياق التحول:
نعلم بأن الجماعات المحلية، هي وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتنقسم إلى جماعات حضرية وأخرى قروية بحيث يتولى تدبير شؤون الجماعة مجلس منتخب. إلا أنه في ظل إصلاح المنظومة القانونية المتعلقة بالمجالس الجماعية نص المشرع المغربي على أن الجماعات الحضرية التي يفوق عدد سكانها 500000 نسمة يعهد بتدبير وتسيير شؤونها لمجلس جماعي منتخب، بحيث تحدث بهذه الجماعات الحضرية مقاطعات مجردة من الشخصية القانونية غير أنها تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي وتتوفر على مجلس للمقاطعات .
وقد أخذ هذا الميثاق العبرة من أزمة البنيات الجماعية حيث أحدث نظاما ينشئ علاقة أو تطابق بين الجماعة والمجموعة بالمعنى السوسيولوجي للمدينة، وهذا يكمن أساسا في التخلي عن تقنية المجموعة الحضرية لصالح نظام مبسط يعيد بناء الوحدة للمدينة. ومفهوم وحدة المدينة غير منصوص عليه بصراحة في الميثاق الجماعي الجديد، وبالتالي فإنه لا ينطوي على دلالة قانونية محددة، بحيث يمكن اعتبار وحدة المدينة مجرد مطلب سياسي كرد فعل تجاه السلبيات التي أدى إليها تطبيق نظام المجموعة الحضرية والتفتيت المجالي الذي نتج عن التنظيم الجماعي لسنة 1976.
وقد حاول المشرع أن يوحد المدينة باستعمال عوامل بنيوية وأخرى وظيفية. تمثلت العوامل البنيوية في طريقة الانتخاب بالاقتراع العام المباشر لمجلس جماعي واحد لمجموع الكتلة العمرانية التي تشكل المدينة، وتطبيق الاقتراع باللائحة.
أما العوامل الوظيفية فتتمثل في تأكيد المشرع على وحدة الاختصاصات باستعماله لمصطلح التفويض المرتبط بطبيعته بالعلاقة التسلسلية حيث ينص في المادة 101 من الميثاق الجماعي الجديد على أنه يمارس مجلس المقاطعة لحساب وتحت مسؤولية ومراقبة المجلس الجماعي .
 الإشكالات التي يطرحها تطبيق نظام وحدة المدينة:
فيما يخص الواقع الجديد والمتمثل في إقرار وحدة المدينة الذي كرسه الميثاق الجماعي كما تم تعديله 2003، والذي يمثل إطارا لتنظيم العمل بين الأطراف المتداخلة في الجماعات المحلية وجزءا من المنظومة التنفيذية في التدبير المحلي، نجد أن إقرار هذا المبدأ يهدف بالضرورة إلى إيجاد الحلول لتسوية القضايا والاشكالات التي تواجهها المدن الكبرى سيما تدارك العجز الحاصل في البنيات الأساسية وهوامش المدن، لذلك كان من الضروري تطبيق مبدأ إقرار وحدة المدينة بالعقلية الملائمة لمتطلبات المرحلة، فليس الهدف أن يصبح معيار قياس أهمية هذه المدينة محصورا في أهمية تجهيزاتها الأساسية وكثرة سكانها، لكن المبتغى هو تحقيق نوع من التكافؤ بين مختلف مكونات وأطراف المدينة وسكانها.
ومن هذا المنطلق، فإذا كان الإطار النظري للميثاق الجماعي يهدف بالأساس إلى توحيد الرؤى والتصورات والاستراتيجيات وعقلنة تدبير الموارد والإمكانيات وتركيزها داخل المدينة بيد مجلس جماعي محلي موحد حتى يتمكن من تحقيق برامجه، إضافة إلى ضمان السرعة للساكنة والحفاظ على مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين. فإن تطبيق هذا النظام على مستوى الواقع اصطدم بعدة عراقيل، فالمقاطعات في إطار هذا النظام لم تعد تتمتع بالشخصية المعنوية،وعلى المستوى المالي تخصص لها من طرف مجلس المدينة منحة سنوية لتغطية نفقات التسيير فقط، في حين أن المبالغ المالية التي يرصدها هذا الأخير والمخصصة للتجهيز هزيلة جدا ولا تستجيب لحجم تطلعات وحاجيات الساكنة، حيث أن هذه المبالغ تنهل من ميزانية عامة تعيش مأزقا ناجما بالأساس عن وجود خطاب سياسي يرمي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية..، لكن من الناحية العملية فإن هذا الخطاب يسير في الاتجاه المعاكس، بالإضافة إلى أن الانسجام بين جل مجالس المقاطعات وبين مجالس المدن " المدن الست الكبرى" بات شبه منعدم بحيث أن العلاقات الثنائية يطغى عليها نوع من عدم التفاهم والتضارب في الرؤى والتصورات والمواقف، الأمر الذي يجعل مجالس المقاطعات بين المطرقة والسندان، فوتيرة مشاكل ومتطلبات الساكنة المحلية في ازدياد مستمر، في حين يقابلها قصور في الاستجابة من طرف مجالس المقاطعات التي أصبحت لا حول لها ولا قوة سوى عقد دورات صورية وشكلية تنتهي برفع مقررات وملتمسات إلى مجالس المدن والتي يكون مصيرها دائما عدم الاهتمام بها ونسيانها من طرف هذه الأخيرة وذلك في غياب أي سند قانوني يحمي هذه المقررات، في حين يظل الخاسر الأول في ظل هذا الوضع هو المواطن مما يطرح التساؤل عن دور وموقع مجلس المقاطعة في ظل النظام الجديد؟؟
فجل مجالس المدن في المغرب لم تتعامل مع هذا النظام الجديد بالعقلية الملائمة التي تتطلبها هذه المرحلة التأسيسية، بل تم تكريس ممارسات وأساليب يطغى عليها الطابع المصلحي مما زاد من تدهور الوضع العام بسبب سوء التدبير والانفراد في اتخاذ القرارات، وكل هذه العوامل أدت إلى إفراز مجموعة من الأوضاع المتدهورة التي آلت إليها جل المقاطعات والتي يمكن اختزالها فيما يلي :
- التراجع الملحوظ للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
- تهميش دور اللجان وإقصاء الأعضاء التابعين لمجالس المقاطعات من المشاركة والمساهمة في تسيير الشأن العام بمجالس المدن، بحيث كان يجب على المشرع أن يلزم رؤساء مجالس المقاطعات في أن يكونوا ممثلين بقوة القانون داخل مكاتب المجالس الجماعية " مجالس المدن".
- التداخل بين اختصاصات رئيس مجلس المقاطعة ورئيس المجلس الجماعي "وزارة الداخلية".
- ازدواجية الوصاية على المقاطعات من طرف مجالس المدن والسلطات المركزية مما يعيق عمل مجالس المقاطعات.
- طغيان الجانب السياسي في التعامل مع النظام الجماعي الجديد بحيث أصبحت مجالس المدن هي المتحكمة في كل عمليات التسيير، وهذا الأمر أضعف الدور الفعلي للمقاطعات في تثبيت سياسة القرب من المواطنين.
- عدم وضوح بعض بنود الميثاق مما أدى إلى تداخل وتضارب الاختصاصات والتي يمكن استغلالها لصالح مجالس المدن مثل المادة39 الفصل الثاني من الباب الرابع، والمواد 84،101،110، الفصل السادس من الباب الثامن..).


المبحث الثاني: دوافع وأبعاد التقسيم الجماعي والترابي
لقد عمل المغرب منذ الاستقلال على إعادة النظر في التنظيم الإداري والاستعماري، فقامت الدولة بمحاولات كثيرة لإعادة تنظيم الإدارة الترابية على أساس إدماج الإقليمي والجماعي في النهج الوطني، و خلق وحدة وطنية عن طريق الإدماج السياسي، منذ ذلك الحين و المغرب يحاول مسك عصا التقسيم الإداري الترابي و الجماعي من وسطها للحفاظ على التوازن بين الدوافع و الأبعاد المعلن عنها والتي تصب كلها في تحقيق التنمية وخدمة الصالح العام للمواطن،و بين أبعاد وهواجس أخرى أمنية سياسية تصب كلها في ضمان بسط نفوذ السلطة المخزنية على كل منطقة في التراب الوطني. وبالتالي أمكن القول بأن سياسة التقسيم هي آلية مركزية للحفاظ على الوحدة الوطنية والنظام السياسي، تستخدمه الدولة لارتباطه الشمولي بمجموعة من المستويات السياسية، الانتخابية، الاقتصادية، الإدارية، الاجتماعية والثقافية... ذات الوظائف المرتبطة بالاندماج السياسي والاجتماعي وضبط المجتمع و المجال الترابي بخلق وحدات اللاتركيز تنوب عن السلطة المركزية في مراقبة و تأطير الوحدات المحلية.
و مع التطورات البنيوية للمجتمع والنسق السياسي العام للدولة نجد أن سياسة التقسيم تحكمها دوافع وبواعث وخلفيات متعددة منها ما هو قديم ولا زالت آثاره إلى يومنا هذا. ومنها ما هو حديث ناتج عن آليات جديدة، متطورة بتغير وتطور مخرجات ومدخلات النسق السياسي.
إذن فما هي طبيعة الدوافع ( المطلب الأول) و الأبعاد ( المطلب الثاني ) التي تقوم عليها التقسيمات الترابية الإدارية والجماعية التي عرفتها الدولة في إطار سيرورتها التاريخية والحديثة.

المطلب الأول : دوافع التقسيم الجماعي والترابي
التقسيم الجماعي سياسة بيد الدولة تحركها وفق دوافع مختلفة لتحقيق أبعاد و مرامي معينة، غالبا ما لا يتم تحقيق التوازن في اللجوء إلى هذه الدوافع بحيث يتم تغليب بعض منها على حساب الأخرى، وذلك بحسب طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع.

الفرع الأول : دوافع إدارية – سياسة القرب- .
وهي من بين الدوافع الوازنة لكل سياسات التقسيم، إذ أن أي تقسيم إلا ويؤثر بطريقة أو بأخرى على الهياكل الإدارية. وتتجلى هذه الدوافع من خلال رغبة الدولة في تقريب الإدارة من المواطنين من جهة وبالتالي تقريبها من المدارين وتوسيع مجال المشاركة السياسية في إدارة الشؤون المحلية من جهة أخرى، فتقليص الرقعة الترابية للوحدات المحلية وخلق وحدات جديدة أدى إلى تقريب الكثير من الخدمات إلى السكان وتلبية حاجياتهم الأساسية وإشراكهم بشكل أوسع في إدارة الشؤون المحلية، إذ ارتبط التقسيم الترابي بتطوير اللامركزية الإدارية وتطور اللامركزية وتفسر عادة هذه التغيرات المتلاحقة في الخريطة الإدارية برغبة الدولة الشديدة في الاقتراب أكثر ما يمكن من السكان للتعرف عن قرب عن مشاكلهم وحاجياتهم الأساسية، والمساهمة في إيجاد الحلول المناسبة لها، ويمكن اعتبار الخطاب الملكي بتاريخ 8 يوليوز 1973 نقطة الانطلاقة لسياسة جديدة في مجال تسيير وتدبير شؤون المجتمع تدعى سياسة " تقريب الإدارة من المواطنين " ويمكن القول بأن التقسيم الإداري هو وليد عجز الإدارة عن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وذلك لبعدها عن الواقع المحلي . ومهما كان وزن الدوافع الإدارية، فإنها تعترضها مشاكل لها أهميتها وتتجلى أساسا في عدم إشراك السكان في قرار التقسيم أو إحداث إقليم أو جماعة حيث : " لم نعثر مطلقا عن أية استشارة مسبقة للسكان المعنيين، بل إن أي تقطيع إداري يتم دائما بإرادة منفردة من طرف السلطة المركزية " ، مما يفسر ردود فعل المواطنين واحتجاجاتهم – خاصة في العالم القروي – بعد كل تقسيم جماعي. وكمثال على ذلك مطالبة سكان قصر المجاز وتغرمت وخميس أنجرة بعد التقسيم الحالي 2003 بإرجاعهم إداريا إلى مدينة تطوان، وقد شملت مآخذ السكان أنهم لا يبعدون عن الفنيدق وتطوان سوى ببضع كيلومترات في حين وجدوا أنفسهم ملحقين بإقليم الفحص أنجرة (طنجة) البعيد عنهم كل البعد، مما جعلهم يطالبون السلطات المعنية بإلحاقهم بإقليم المضيق – الفنيدق أو تطوان باعتباره أحسن وسيلة قرب وأنجع السبل لعودة حياتهم لطبيعتها الأولى.
وفي مثل هذه الحالات يتم استحضار أهمية التكامل بين كل الدوافع، وضرورة استحضارها في أي تقسيم.

الفرع الثاني: الدوافع الجغرافية و الديمغرافية:
إن من بين ما يجب أن يراعى في التقسيم الترابي والجماعي، هو ضمان تناسب الإطار الجغرافي للوحدات الترابية مع المعطيات الديمغرافية، فالتنوع الكبير في التضاريس والمناخ، وتباين عدد الساكنة بحسب المعطيات الجغرافية للمنطقة، يفرز تنوعا كبيرا واختلافا كبيرا على مستوى نوعية المشاكل. فإذا كانت المناطق الصحراوية تتميز بشساعتها وقلة سكانها، فإن ما يميز المناطق الجبلية، هو كثافتها العمرانية الضعيفة وتناثر وتباعد وحداتها السكنية، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية الضعيفة، وصعوبة المواصلات داخلها الناتجة عن مسالكها الجبلية الوعرة، في المقابل نجد المناطق السهلة التي تتميز بكثافة سكانية مرتفعة وتجهيزات أساسية متطورة تعكس موارد هذه المناطق.
هذا التعارض والاختلاف الواضح بين هذه المناطق يؤدي إلى توزيع غير متكافئ وغير متوازن للأنشطة وهذا ما يزيد في تعقيد الوضع، وتعميق المشاكل لتنتقل إلى مستوى التناقضات والاختلالات الجهوية، حيث أن المغرب من جهة يتوفر على واجهة ساحلية تتمركز بها أغلب الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، لكن في حين أن معظم المناطق ضعيفة على مستوى التجهيزات السوسيواقتصادية.
فالتفاوت وفق هذين المستويين حتم اللجوء إلى التقسيم الترابي، كأسلوب ناجع لتدبير شؤون هذه المناطق، وتحقيق التوازن بين الوحدات الجغرافية المتنوعة، وبالتالي تقديم نفس الخدمات وتركيز نفس التجهيزات في كل هذه الوحدات دون تمييز بينها. وإذا كان من المؤكد أن ظاهرة عدم الاستقرارية قد مست كافة التقسيمات الإدارية منذ الاستقلال وفقا للتطور الاجتماعي، السياسي والاقتصادي والعمراني والديمغرافي هذا الأخير الذي عرف تزايد مطردا فيما بين 1960و 2004، فالملاحظ هو أن التقسيم الجماعي لم يوازي هذا التطور.
تطور الجماعات الحضرية و القروية بالموازاة مع تطور سكان المغرب خلال الفترة الممتدة من سنة 1960 إلى سنة 2004
السنة سكان المغرب بالمليون نسمة المجموع معدل النمو الجماعات الحضرية الجماعات القروية المجموع

أنظر النسخة المرفقة

*المصدر:تركيب شخصي بالاستعانة بمعلومات من مركز الدراسات و الأبحاث الديمغرافية

فقد طرأت تغيرات متلاحقة على المستوى الإقليمي بينما عرف التقسيم الجماعي نوعا من الاستقرارية إلى حدود سنة 1992، فباستثناء التعديل الطفيف الذي طرأ نتيجة إحداث جماعات جديدة في الأقاليم الصحراوية وكذلك نتيجة إعادة النظر في تقسيم مدينة الدار البيضاء و الرباط وخلق عدة جماعات، فإن التقسيم الجماعي الأصلي لم يكن موضوع أي تغير جدري، ونتيجة لتطور الظروف الجغرافية، الاقتصادية والاجتماعية كان من الضروري إعادة النظر في التقسيم الجماعي المعمول به، خاصة و أن العمل استمر بهذا التقسيم أزيد من ثلاثين سنة.
وتعد الدوافع الجغرافية والديمغرافية دوافع أساسية يجب أن تشكل أثناء تطورها دافعا أساسيا للدولة لإعادة النظر في الخريطة الترابية حتى تضمن توزيع مجالي متوازن على مستوى التجهيزات والبنيات التحتية وتقليص الفوارق بين المجال الحضري والقروي على مستوى وسائل التنمية.
وإلى جانب هذه الدوافع، الإدارية، الجغرافية و الديمغرافية وبالموازاة معها يجب الأخذ بعين الاعتبار الدوافع السياسية والسوسيولوجية.

الفرع الثالث : الدوافع السياسية والاجتماعية
عرف المغرب بعد الاستقلال، أزمات سياسية واجتماعية كبرى هددت السلطة في عمقها، بل في وجودها وجعل جهاز الدولة يعرف صراعات سياسية واجتماعية نتجت عن عدم فعالية بعض البنيات الإدارية، وكذلك عن تقلص الميكانيزمات التقليدية للضبط الاجتماعي والمتمثلة في الزعامات المحلية، الشيء الذي دفع بالدولة إلى تبني منهجية التقسيم للتحكم في المجال الترابي للبلاد. وهكذا بعد حقبة الستينات وتطور النمو الديمغرافي بشكل كبير. وتضاعف السكان، وما صاحب ذلك من هجرة قروية كاسحة وأزمات اقتصادية، فعرف النسيج الاجتماعي للبلاد تقلبات كثيرة وواسعة، أدت في كثير من الأحيان إلى تصاعد موجات من الاستياء وإلى وقوع العديد من الأحداث السياسية، كانت دوافعها الاجتماعية تتمثل بالخصوص في البطالة والتشغيل الناقص في الوسطين القروي و الحضري.
وهكذا سيجد النظام نفسه في مواجهة ضرورة إثبات ذاته سواء تعلق الأمر بفرض السيطرة على المجال أو تعلق بضبط ساكنته أو بتصحيح علاقة المخزن الهشة بالمجال الترابي، وإلغاء أو تسكين الأزمات التي عرفها المغرب بالأطلس أو الريف، وإعادة تشكيل وسائطه وارتباطاته بالمجالين الحضري والقروي والقبيلة ووحداتها و الزوايا، بهدف تعميق هذه الوسائط والتي غالبا ما كانت معرضة إلى هزات عنيفة مما كان يؤدي إلى اهتزاز الحضور السياسي للمخزن نفسه، وتجديد الامتيازات والولاءات بالنسبة لزعماء الطوائف والقبائل والزوايا والشيوخ والمريدين وما يمكن الاصطلاح عليه بالرعايا فوق الامتياز وكنتيجة لذلك انصبت اهتمامات السلطات العمومية بالدرجة الأولى على توسيع نظام الأمن وتقوية المراقبة بإدخالها تغييرات هامة على البنية الإدارية للبلاد أفضت إلى زيادة مضطرة في عدد الأقاليم وفي عدد الأقاليم وفي عدد رجال السلطة المتواجدين على مستوى هاته الوحدات إذ وصل عدد رجال السلطة 1500 و 460 قيادة، وكل قيادة تراقب ما بين جماعتين إلى ثلاث جماعات، وذلك بعدما كانت سابقا تراقب أزيد من 5 جماعات فإلى حدود 1959 لم تكن الدوائر تتجاوز 14 دائرة على المستوى الوطني، و منذ سنة 1971 بدأ إحداث دائرة في كل 18 شهرا في المتوسط أما سنة 1986 فقد وصل عددها إلى حدود 13222 عون سلطوي من أصناف المقدمين و الشيوخ المتمثلة مهامهم في مساعدة رجال السلطة و مراقبة السكان والمجال.
ولعل الانتفاضات التي عرفتها المدن والقرى المغربية* في فترات متقطعة بعد الاستقلال شكلت نوعا من الاحتجاج الراجع إلى تقلص الوسائل المشروعة لممارسة الضغط على الدولة، فضلا عن تفكك الآليات التقليدية للتمثيل السياسي للطبقة الهامشية ( الفقيرة) ففي الفراغ الناجم عن انعدام الروابط السياسية وغياب الوساطة الشرعية بين محيط ومركز يشعرون ببعده عنهم، وفي ظل الأزمة التي يعيشها هذا الوسط أصبح ذلك فتيلا يؤدي إلى تفجير العنف الشعبي داخل المدن فالتحول الهائل لهذه الأخيرة وعجز الدولة عن وقف التفاوتات والحيلولة دون التراكم الاجتماعي والمكاني للصعوبات الاقتصادية كان كافيا لخلق المزيد من الاضطرابات، كل ذلك كان كافيا للدولة بأن تنهج سياسة إدارية تقوم على المزيد من مراقبة السكان عن طريق التقسيم الترابي الإداري، سواء على مستوى خلق القيادات والدوائر و الأقاليم والعمالات أو على مستوى إحداث الجماعات القروية والحضرية خاصة بالنسبة للوحدات الترابية التي كانت تعرف احتجاجات وانتفاضات ذات الطابع السياسي والقبلي ومثال ذلك تقسيم القبائل الريفية إلى عدة وحدات إدارية وتقسيم قبيلة بني مستارة على إقليمين شفشاون و سيدي قاسم أي تقسيم الوحدات الاجتماعية التي تظهر بها مشاكل أمنية وتنموية." باتباع أسلوب إداري جديد يرتكز على إيجاد آليات لمراقبة السكان عن طريق أسلوب التقسيم الإداري و الجماعي المؤدي إلى تفتيت المناطق الترابية الموجودة إلى مناطق أصغر . هذا وتحسبا لتطورات سياسية مستقبلا تفرزها التجاذبات بين المنظمات السياسية والنقابية والحقوقية و منظمات المجتمع المدني من جهة والسلطات العمومية و الإدارية من جهة أخرى، طرحت هاته الأخيرة مخططا يقضي بالقيام بتقطيع ترابي جديد كلما تطلب الأمر ذلك، يستوعب التفاعلات الحاصلة أو المنتظر حصولها لاحقا في محاولة لضبط الأمن و النظام العامين.

الفرع الرابع : الدوافع الاقتصادية
لقد نتج عن التمركز الشديد للموارد والإمكانيات الاقتصادية و الديموغرافية، بالمراكز الحضرية تزايد حدة الاختلالات بين الحواضر التي تنتعش فيها الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية وتتوفر فيها التجهيزات المتنوعة، والضواحي التي تنعدم فيها أبسط مقومات العيش الكريم ( الطرق، الإنارة، الماء ... إلخ ) و وضعية مثل هذه بعيدة كل البعد عن سياسة التقليص من الفوارق الجهوية، الأمر الذي كان له انعكاسات اقتصادية و اجتماعية شتى كانخفاض مستوى الأنشطة الاقتصادية و التنموية، وبالتالي، انخفاض نسبة العيش بالوسط القروي، تصاعد نسبة البطالة، و بالتالي الهجرة نحو المدن التي تمثل قوة جذب مهمة لسكان البوادي.
وهذه المشاكل التي تعمق من أزمة التباينات الجهوية، تجعل من تدخل الدولة أمرا ضروريا لإعادة هيكلة النموذج المجالي المعتمد، بغية خلق كيانات اقتصادية تقوم على توازن و تكامل و انسجام بين أقاليم الجهات المختلفة، و كذا العمل على إدماج التركيبات المحلية في السياسة التنموية، مع تحقيق لامركزية إدارية وتشجيع الاستثمارات بشكل يضمن تحقيق تنمية وطنية شاملة و متوازنة. و لا يخفى هنا بأن الجماعات الحضرية والقروية باعتبارها أصغر الوحدات الترابية، هي الكائن الأمثل الذي يستطيع تحقيق أعلى مستويات التنمية إذا ما كانت التقسيم الذي خضعت له يكفل له التوازن بين باقي المعطيات (الديمغرافية، الجغرافية، الإدارية ...)
وتزداد أهمية وقوة هذا الدافع خاصة مع الأرقام والإحصاءات التي أصبحت تفاجئنا بها كل يوم التقارير الدولية، والتي تعبر عن مدى تدهور الأوضاع الاجتماعية بالمغرب، فقد تراجع المغرب في التصنيف العالمي لمؤشر التنمية الاجتماعية إلى الرتبة 126 سنة 2003 إضافة إلى تراجع معدل دخل الفرد ابتداءا من منتصف التسعينات مع تحسن في السنتين الأخيرتين، أما بالنسبة للظروف المعاشية للمواطنين، فيشير التقرير المغربي للتنمية البشرية برسم سنة 2003 إلى تراجع المستوى الكمي لاستهلاك الفرد الواحد خلال التسعينات من القرن الماضي بنسبة سنوية تقدر ب %1.9 بالوسط الحضري % 1.3 بالوسط القروي ... هذا بالإضافة إلى أرقام أخرى كارثية تتعلق بنسبة البطالة و نسبة الاستفادة من باقي التجهيزات والمرافق العمومية والخدمات ... و التي تتفاوت بشكل حاد بين القرى والحواضر و حتى بين هذه الأخيرة، والنماذج على ذلك عديدة فأغلبية المدن المغربية الكبرى محاطة بضواحي هامشية فتبدو و كأنها ترسم الصورة الحقيقية التي يعيش في ظلها المغرب بلد المتناقضات.

المطلب الثاني : أبعاد التقسيم الجماعي بين ما هو سلطوي وما هو تنموي
إن لجوء الدولة إلى كل التقسيمات سواء منها " الإدارية، الترابي، الجماعية... " ليس بريئا وإنما يحمل طياته أبعادا تزاوج بين ما هو إداري اقتصادي، الهدف منه تحقيق التنمية الوطنية انطلاقا من التنمية المحلية، وتقريب الإدارة من المواطنين و بين ما هو سياسي أمني يظل الهدف منه ضبط الخريطة الترابية وتدعيم تواجد السلطة المركزية. و يمكن اعتبار هذا البعد الأخير بمثابة بعد وقائي تحسبي.
الفرع الأول : البعد الإداري
ويتمثل هذا البعد في تأطير احتياجات المدارين من جهة، و تأطير العمل الإداري من جهة أخرى

أ – تأطيراحتياجات المدارين :
يعد تأطير السكان من بين الأهداف و الأبعاد المتوخاة من وراء كل التقسيمات: الترابية، الإدارية، و الجماعية، فاستراتيجية تأطير السكان و مراقبتهم التي اعتمدتها الحماية الفرنسية تم تعميمها و تدعيمها بعد الاستقلال على كل التراب الوطني بشكل يسهل إدماج السكان في السياسة العامة للدولة.
و هكذا فإن تزايد الوحدات الإدارية الموكول لها مهمة المراقبة ( القيادة، الدائرة، الإقليم، العمالة، الولاية) يتوخى إبعاد قاعدة ترابية تشمل مختلف المصالح الحيوية. على اعتبار أن الحاجيات الأساسية و المطالب الملحة للمواطنين في تزايد مستمر ( حاجات الحصول على الوثائق و الرخص الإدارية و المواد الضرورية للاستهلاك اليومي والمعيشي...) وغير ذلك من المهام التي لا يمكن للدولة أن تقوم بها انطلاقا من المركز الشيء الذي يجعلها تحول هذه الأنشطة إلى الوحدات غير الممركزة و اللامركزية، وإلى المؤسسات العمومية المحلية، و إلى غير ذلك من الإدارات التي تسهر على تأطير احتياجات السكان و تحقيق المصالح العمومية انطلاقا من مفهوم التنمية و تقريب الإدارة من السكان والقضاء على البيروقراطية التي تلازم تركيز السلطة و بعد الإدارة. وهكذا فكلما تم تقليص مساحة وحدة ترابية قديمة بإحداث أخرى إلى جانبها كلما ساهم ذلك في الاقتراب أكثر من مشاكل السكان و قضاياهم وساهم في خلق حوار مباشر بين الإدارة و السكان المنتفعين من خدماتها الشيء الذي يكون وراء تحقيق أكبر كفاية ممكنة في أداء هذه الخدمات.
و الحاصل أن عدم الإطلاع على هموم المواطن يجعل هذا الأخير يفقد الثقة في النظام و يدفعه إلى العيش في مجال منغلق و غير مؤطر ما ينتج عنه تباعد بين المجتمع و النظام المؤسساتي، لذلك شكل التقسيم الإداري و الجماعي وسيلة لنقل الرغبات و تسهيل التبادل وتنمية الإدارة، و بالتالي تكريس علاقة تفاعلية بين الإدارة و السكان قوامها التدبير الجيد للشأن العام المحلي عن قرب " الحكامة عن قرب"

ب – تأطير النشاط الإداري:
يشكل تأطير النشاط الإداري، بعدا آخرا للتقسيم الإداري و الجماعي و يشمل هذا الجانب عدة منطلقات للتأطير أهمها :
 مراقبة نشاط المصالح الخارجية للدولة من خلال تنسيق أعمالها وانخراطها في مسار توجه معين، وهذا يتطلب وضع آليات للقيام بهذا الدور الحيوي و تحديد جهة معينة للقيام بهاته المهمة بالموازاة مع نهج سياسة ترمي إلى توسيع شبكة التمثيل الإداري على الصعيد المحلي عن طريق تعميق نظام اللامركزية الإدارية.
و يتم تأطير النشاط الإداري من قبل السلطات الإقليمية الممثلة في شخص العامل، فالعامل أصبح بمقتضى الفصل 102 من دستور 1996 مسؤولا عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارة المركزية. أو بالأحرى فقد أضحى العامل ممثلا للدولة ( الفصل 2 من دستور 1996) على مستوى العمالات و الأقاليم و الجهات.
 الوصاية على المجالس المحلية : حيث يتولى العامل مهمة التأطير على مستوى الوحدات اللامركزية من خلال سلطات الوصاية الممنوحة له على مستوى المجالس الإقليمية أو الجماعية أو الجهوية باعتباره ممثلا للسلطة المركزية التي تسلط فرض رقابتها على المجالس المحلية سواء من خلال ميثاق 30شتنبر 1976 بالوصاية على المشروعية و الملاءمة، أو من خلال التنظيم الجماعي الجديد في ظل القانون 78.00 و 79.00(2002). وذلك بهدف تأطير النشاط الإداري سواء على مستوى التنسيق و الرقابة لنشاط المصالح الخارجية للدولة بغية تأطير أعمال الوحدات اللامركزية أو على مستوى الوصاية و مراقبة نشاط المجالس الجماعية.

الفرع الثاني : البعد السياسي
مهما كان دور البعد الإداري المتحكم في التقسيم الإداري و الجماعي، فإن البعد السياسي له وزنه، و الذي يتجسد فيما يلي :

أ – المراقبة و التحكم في مجال الوحدات الترابية:
مما لا شك فيه أن سياسة التقسيم شكلت بالنسبة للدولة وسيلة فعالة للحفاظ على وحدتها الترابية، و ضمان سيطرة عامة على مجموع التراب الوطني عن طريق رجال السلطة الذين يوجدون على رأس كل التقسيمات الإدارية، و الذين يلعبون دورا أساسيا بخصوص عملية ضبط الأمن و المحافظة على النظام إلى جانب مراقبة تنفيذ السياسة الحكومية و متابعة اللامركزية عن قرب .
و هذا ما عبر عنه الراحل الحسن الثاني في إحدى خطاباته بقوله: " هذا التقسيم إن كان من نتائجه أنه قرب الإدارة من السكان، فهو عملية بسيكولوجية قربت الاطمئنان إلى الذين كانوا يريدون الاطمئنان، و قربت الأمن من الذين كانوا في حاجة إلى الأمن و جسدت إرادة الدولة".
و من تم فإن التقسيم الإداري و الجماعي يأتي استجابة لتوجهات و أبعاد الإدارة المركزية بتقديم البدائل و الخيارات الممكنة في إطار تجسيد إرادة الدولة و تدخلاتها كليا أو جزئيا من خلال توزيع الاختصاصات على رجال السلطة على مجموع التراب الوطني، لتشمل مجالات أكثر حساسية في وقتنا الراهن كالمجال الديني من خلال إعادة تأطيره وضبط هيكلته مجاليا.

ب – إعادة ضبط هيكلة المجال الديني:
إن سياسة الدولة الحالية في مجال مراقبة المجال و السكان تطورت على مستوى المجال الترابي و الديني خاصة في ظل العهد الجديد، و بملك جديد يسعى إلى تثبيت السلطة المنتقلة إليه و تكريس مشروعيته السياسية و الدينية من جهة، و إلى تشجيع مجتمع حداثي وتأسيس دولة عصرية تكرس دولة الحق و القانون.
و هذا ما عكسه خطاب الملك محمد السادس أمام المجلس العلمي الأعلى والمجالس الإقليمية العلمية في 30 أبريل 2004، من خلال إرساء الخطوط العريضة لإصلاح و إعادة هيكلة وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بقوله: " أما الركن المؤسسي فيقوم على إعادة هيكلة وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية. إدراكا منا بأن هذا الركن المؤسس لا يمكن أن يستقيم إلا بتعزيزه بالركن التأطيري الفعال...فإننا قد وضعنا طابعنا الشريف على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية في تركيبتها الجديدة مكلفين وزيرنا في الأوقاف و الشؤون الإسلامية بتنصيبها لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني بتدبير الشأن الديني عن قرب".
و الحاصل أن بعد ضبط و تأطير الأنشطة الدينية يجعل المقاربة الأمنية و التنموية للحقل الديني تطرح نفسها بقوة أمام ارتفاع نسبة الأعمال الإرهابية على المستوى الدولي والمرتبطة دائما بشكل أو بآخر بالإسلام السياسي.

ج- التحكم في الخريطة الانتخابية:
إن البعد الشمولي للسياسة الترابية لم يقتصر على المجالات السالفة الذكر فقط، بل تعداها ليشمل أيضا للتحكم في الخريطة الانتخابية من خلال الأبعاد و الضوابط القانونية والسياسية المتحكمة في العملية الانتخابية عبر آلية التقطيع الانتخابي.
و بناءا عليه فإن للتقسيم الجماعي أبعاد أخرى مرتبطة بالضوابط القانونية و السياسية للتقطيع الانتخابي الذي يهدف إلى تحديد الدوائر الانتخابية و عدد الأعضاء الواجب انتخابهم في المجالس الجماعية أو مجلس النواب، و هو تقسيم مؤقت ينتهي بانتهاء عمليات الانتخاب. إلا أن انعكاسات التقطيع على الخريطة الترابية و الانتخابية و نتائجها تظل قائمة . و من هنا تطرح عملية التقسيم الجماعي إشكالات متعددة تحركها خلفيات متشعبة، لكون عملية التقسيم وانعكاساتها السياسية و الانتخابية ليس محايدة، فالدولة عندما تقر تقسيما معينا، فهي إنما تسطر نوعا من السياسة العامة المتبعة ضمن استراتيجيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الإدارية فالتقطيع يعتبر عملية جراحية في جسم سياسي و جغرافي و في فضاء اجتماعي، و قد تكون له أبعاد سياسية خاصة على مستوى الدوائر الانتخابية، إذ يستعمل كميكانيزم لإعادة التحكم في الخريطة الانتخابية، إذا كانت إرادة السلطة السياسية تتجه إلى التأثير على تنظيم سياسي معين.
و الحاصل أن بعد التحكم في الخريطة الانتخابية يبقى بعدا لا يستهان به من الأبعاد التي توظفها السلطة المركزية بشكل أو بآخر لإدماج السلطات و التقسيمات الترابية الجماعية في السياسة العامة

 الفصل الثاني : قراءة في التقسيمات السابقة
لقد حاولنا في المبحث السابق ملامسة جوانب من السيرورة التاريخية للتقسيم الإداري والجماعي بالمغرب. وذلك قصد معرفة التراكمات التي تم بناء عليها نهج المغرب لتقسيم ترابي، إداري، جماعي معين دون آخر في كل مرحلة على حدى، وإذا كانت الظروف السياسية والاجتماعية، الديموغرافية...بالمغرب عرفت تطورات جد هامة، وخاصة في المرحلة الراهنة حيث يعرف المغرب كغيره من دول العالم انفتاحا غير مسبوق. انفتاح على المستوى الداخلي، وانفتاح على الخارج في ظل العولمة، وثورة الاتصالات، فإن إشكالية إعادة التوحيد والتنوع في إطار الوحدة، لا زالت من أهم أهداف سياسة التقسيم الترابي من جهة، إلى جانب هدف إعادة الاعتبار للتوازن المجالي بين الإنسان ومحيطه من جهة أخرى، من خلال إعداد التراب الوطني للدولة. هذا، دون أن ننسى هدف آخر جد أساسي ويتمثل في ضمان الوحدة السياسية المتنوعة من ناحية وتجسيد إرادة الدولة واستمراريتها على جميع المستويات من ناحية أخرى ، وهو الهدف الذي تبزغ ملامحه بوضوح عند اقتراب الانتخابات وخاصة الجماعية منها.
ولقد ساهمت التقطيعات الترابية المطبقة في رسم حدود الجماعات الحضرية والقروية بشكل إيجابي ( في نظر بعض الجهات)، أو سلبي ( في نظر جهات أخرى) في التأثير على النتائج الانتخابية بشكل مباشر من خلال تأثير مساحة الجماعة على اختيار نمط الاقتراع. هذا الأخير الذي لا يخفى تأثيره على النتائج الانتخابية. فبعد تجربة لابأس بها على صعيد الممارسة الانتخابية لا يزال المغرب يعيش أزمة اختيار نمط الاقتراع، إذ أن المزاوجة بين نمط الاقتراع الأحادي الاسمي ، و نمط الاقتراع باللائحة و اعتماد أحدهما تبعا لعدد سكان الجماعة يثير العديد من الانتقادات و يشعل فتيل النزاع بين مؤيدي و معارضي كل نمط . وهنا يمكن القول بأن المغرب و بعد مروره بمحطات عديدة من الانتخابات الجماعية (المبحث الأول )، لايزال يبحث عن المعادلة الصعبة " العدالة و الفعالية في نمط الاقتراع" (المبحث الثاني)


المبحث الأول : رصد أهم نقط التحول في مسار التقسيمات الجماعية إلى حدود 2003.

إذا كانت التقسيمات الإدارية، الترابية، الجماعية... من بين أهم القضايا التي تؤرق الدولة منذ الاستقلال، فإن هذا الأرق يزداد مع بدئ الاستعداد لحملة انتخابية، جماعية كانت أو تشريعية، ولعل جل الإصلاحات التي وردت على ظهير 2 دجنبر 1959 إنما يتم تفعيلها في المواسيم الانتخابية، وإذا كانت البلاد عرفت تنظيم عدة استحقاقات على المستوى المحلي، خاصة على صعيد الجماعات الحضرية والقروية – استحقاقات 25 ماي 1960، استحقاقات: 1976، استحقاقات : 1983، استحقاقات 1992، استحقاقات يونيو 1997، السادسة 12 شتنبر 2003، فإننا سنركز في بحثنا هذا على ثلاث محطات نجدها أكثر غنى وأكثر خصوصية من بين الأخرى – الأسباب سنوردها في التحليل –
- تقسيم 1959 الذي تمت وفقه انتخابات 25 ماي 1960.
- تقسيم 1992، الذي جرت في ظله انتخابات 16 أكتوبر 1992.
- تقسيم 2003 الذي جرت في ظله انتخابات 12 شتنبر 2003 .

المطلب الأول : تقسيم سنة 1959/1960 :
تنبع أهمية هذه المحطة في تاريخ التقسيم الجماعي بالمغرب من كون أنها كانت مرحلة انتقالية بعد حصول المغرب على الاستقلال. فكانت الإجراءات التي تبلور أو نتج عنها ظهير 2 دجنبر 1959 بمثابة خطوة نحو التخلص من مخلفات الحماية. ومن أهم ما وسم هذه المرحلة هو افتقاد المغرب للخبرة والتجربة التقنية، مما استدعى أن تتم عملية التقسيم الإداري الأولى من نوعها تحت إشراف قدماء المراقبين المدنيين والضباط الأحرار، ونظرا لكون أن البنية الإدارية كانت تقليدية وقبلية بالأساس فإن ظهير 1959 كان اللبنة الأولى لسياسة اللامركزية وعدم التركيز بالمغرب وخطوة أساسية نحو إعادة تشكيل البنيات الإدارية التقليدية قي قالب عصري تفرضه آنذاك ضرورة البحث عن طرق لإرساء دعائم الاستقرار السياسي و الاجتماعي.
- فتم في هذه المرحلة إصدار ظهير 1 شتنبر 1959 الخاص بتنظيم انتخابات المجالس الجماعية.
- كما تم تثبيت التقسيم الإداري وتنظيمه على أسس ترابية واتخاذ كافة الإجراءات التشريعية والتنظيمية والعلمية الضرورية لإنجازه، وهذا التقسيم يضم أربع مستويات إدارية تأخذ شكلا هرميا ويغلب عليها طابع التدرج الرئيسي، وهكذا قسمت المملكة المغربية وفق ظهير 2 دجنبر 1959 المتعلق بإحداث ورسم الحدود الترابية للجماعات بالمملكة، حيث حصر عددها في 801 جماعة " 28 بلدية، 38 مركزا مستقلا، 735 جماعة قروية " وإلى عمالات وأقاليم، وتنقسم هذه إلى دوائر، والدوائر تتألف من القيادات التي كانت تقسم بدورها إلى جماعات حضرية و قروية، وكل هذه التقسيمات كانت في بدايتها لا علاقة لها بالنظام المحلي وإنما عبارة عن قنوات إدارية متصلة بأغراض الحكومة المركزية كالأمن، التعليم، والصحة والانتخابات إلى غير ذلك من أوجه النشاط الحكومي .
وبعد ذلك تم إصدار الميثاق الجماعي المؤرخ في 23 يونيو 1960 وهو ذو طابع عام مطبق على الجماعات الحضرية والقروية، إلا أن عمل الجماعات الحضرية و القروية كما قال:Remy leveau اتسم بالحماس وقلة التجربة .
وما تجدر الإشارة إليه هو أن كلمة "جماعة" قد استعملت في مرحلة ما قبل ظهير 23 يونيو 1960 كمفهوم عام، يشمل جميع أصناف الجماعات سواء كانت جماعات قروية أم مراكز مستقلة أم بلديات . إلى أن جاء ظهير 23 يونيو 1960حيث نص في فصله الأول على أن الجماعات الحضرية والقروية وحدات ترابية معينة الحدود، داخلة في حكم القانون العام، وتتمتع بالشخصية المدنية والاستقلال المالي، وتشمل الجماعات الحضرية على البلديات والمراكز المتمتعة بالشخصية المدنية والاستقلال المالي ويسير شؤون الجماعة مجلس منتخب . إلا أن ظهير 23 يونيو لم يصمد طويلا أمام التطورات السياسية التي عرفها المغرب. خاصة بعد إعلان حالة الاستثناء عام 1965، نظرا لعدم استجابته لتطلعات السلطات الحاكمة والمجتمع السياسي بصفة عامة، فالاختصاصات التي منحها الظهير للجماعات الحضرية والقروية كانت ضعيفة أمام طموح النخب السياسية المغربية، وأمام الاهتمامات الجديدة للمغرب المستقل كمسألة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن البنيات التحتية التي وضعها المستعمر على المستوى الاقتصادي كانت تخدم فقط مصالحه كل هذه العوامل دفعت المشرع المغربي إلى التفكير في وضع إطار تنظيمي جديد للجماعات الحضرية . بعدما ركز طويلا خلال هذه الفترة على العالم القروي بالدرجة الأولى. وقد كان يشكل بعدا محوريا في الاستراتيجية الاقتصادية للنظام وذلك انطلاقا من معادلة مطروحة آنذاك وهي من يملك العالم القروي يملك المغرب. إلا أن هذا الهاجس نتج عنه اختلالات عديدة وتمايزات شتى بين الحواضر والقرى من جهة، وداخلهما من جهة أخرى، فبالرغم من الاهتمام الذي أحيطت به القرى ظل مع ذلك " الدوار" مركزا سوسيولوجيا للحياة الجماعية، وبقيت الجماعة المحدثة مجرد مقر لمزاولة بعض الأنشطة الإدارية العادية، فتبين بالملموس أن الأمر كان يتعلق بتقسيم إداري جماعي نوعي ارتكز على معايير سياسية، أمنية وقبلية . ولم يرقى إلى تحقيق واقع جماعي بالمفهوم الليبرالي يتم في ظله تحقيق توزيع عادل للخيرات في إطار سياسة ناجعة لإعداد التراب .

المطلب الثاني : تقسيم سنة 1992
تعد هذه المرحلة محطة أساسية تسترعي التوقف عندها نظرا لعمق التغيرات التي طرأت على المغرب سواء من الناحية السياسية الاقتصادية، الديمغرافية والعمرانية... حيث تضاعف عدد سكان المغرب وبرزت مؤشرات وحقائق جغرافية واقتصادية، استدعت إعادة النظر في تقسيم سنة 1959. كمنطلق لتصحيح الخلل في الإطار الترابي الجماعي وعقلنة الخريطة الترابية وتطوير نظام اللامركزية المحلية، وفقا لروح الميثاق الجماعي ومواكبة تعديلات ظهير 30 شتنبر 1976، وقد جاء هذا التقسيم بعد الإعلان الرسمي عنه كمشروع سيتم الشروع في دراسته وإعداده إبان المناظرة الوطنية الرابعة للجماعات المحلية لسنة 1989 .والتي تم من خلالها التأكيد على دراسة المعطيات والوسائل والتدابير اللازمة لإدماج أفضل للجماعات القروية من خلال إحكام التقسيم الجماعي و ملاءمته لأعمال التنمية بطرح مجموعة من الملاحظات، كما تم التأكيد على عدم ملائمة التعمير وإعداد التراب لمتطلبات التنمية، بطرح مجموعة من الوسائل الهادفة إلى تصحيح الخلل الذي يعرفه واقع التعمير وإعداد التراب الوطني والبيئة بالمجال القروي خاصة . لتلي مشروع التقسيم الجماعي دراسات أخرى خاصة به، أنجزت من طرف عدة جهات مسؤولة. انطلاقا من المستويات المحلية والوطنية السالفة الذكر. وفي مقابل ذلك تعرضت تلك الدراسات الأولية لمشروع التقسيم الجماعي لتعديلات، ثم اقتراحها من طرف اللجنة الوطنية للسهر على العمليات الانتخابية. ليتم الإعلان بعد ذلك عن القرار الذي اتخذته الحكومة في اجتماع اللجنة بتاريخ 07 غشت 1992 من طرف وزير الداخلية والذي كان على الشكل التالي :
- الإعلان الرسمي عن قرار الحكومة باتخاذ الإجراءات التشريعية والتنظيمية لحذف تسمية المراكز المستقلة والاحتفاظ فقط بالجماعات الحضرية والقروية
- تقليص عدد الجماعات بالمدن الكبرى: الدار البيضاء، سلا، فاس، مكناس، طنجة.
- صدور مرسوم 17 غشت 1992 الذي بواسطته تم الإعلان عن تعديل العدد الإجمالي للجماعات وذلك بحذف عشر جماعات، ويتجلى ذلك من خلال الجدول التالي:

أنظر النسخة المرفقة

الملاحظ أنه تم حذف المراكز المستقلة وتمت ترقيتها إلى صنف البلديات فشملت الجماعات المحذوفة جماعة قروية واحدة وتسع جماعات حضرية. كما تم رفع الجماعات القروية من 760إلى 1297 ثم رفع عدد الجماعات من 859 إلى 1544.
وقد كان لهذا التقسيم ردود فعل متباينة بين مختلف شرائح المجتمع وخاصة الأحزاب السياسية عبر صحفها الوطنية ( صحافة الكتلة وصحافة الوفاق ) فهناك من أيد المشروع بتحفظ وهناك من انتقذه ... و قد اعتبره بعض الباحثين " بادرة حسنة لكنها غير كافية. لأنها لم تأخذ برأي السكان بصفة عامة، وعلى أية حال فإن المبادرة أظهرت حسن نية السلطة المركزية في عدم الانفراد بالتقسيم الجماعي وإشراك المستشارين الجماعيين هو دليل على احترام الرأي الآخر، واحترام ممثلي السكان في هذه العملية، رغم هيمنة رجال السلطة وترأسهم لعمليات التقسيم . وبذلك يكون المغرب عرف ثاني تقسيم جماعي، الذي تمت مراجعته مرسوم رقم 2.92.468 بتاريخ 30 يونيو 1992. والذي وقع تغييره وتتميمه بمقتضى المرسوم رقم2.92.651. بتاريخ 17 غشت 1992. و هو التقسيم الذي مكن من مضاعفة عدد الجماعات حيث انتقل هذا العدد من 801 سنة 1959 إلى 1544 جماعة سنة 1992 - 246 حضرية، 1298 قروية-.

المطلب الثالث : تقسيم سنة 2003
محطة جد مهمة خاصة في مسار الإصلاحات التي واكبت العمليات الانتخابية، فقد عرف المغرب مراجعة التقسيم الإداري وإن كان هذا التقسيم لم يأتي بجديد على مستوى الرفع من عدد الجماعات الحضرية والقروية، ولكن يعطي دلالات أخرى على مستوى وحدات عدم التركيز، إذ سيتم الرفع من عدد الولايات إلى 17 ولاية، و 12 عمالة، و 49 إقليما، و 8عمالات المقاطعات، ثم المقاطعات 41، ولعل هذه الزيادة في عدد وحدات عدم التركيز لها أهميتها في تفسير سيرورة التنظيم والتقسيم الجماعي والجهوي القائم أساسا على تقسيم إداري. إذ مقابل المستوى اللامركزي بالمغرب نجد مستوى عدم التركيز، أو نظام الوصاية، وبالتالي فإن التحقيب لم يأتي اعتباطا وإنما تفرضه مجموعة من المعطيات والمؤشرات التي لها دلالة مهمة في تفسير عملية التحول والانتقال من مرحلة ذات سياقات وحمولة معينة إلى مرحلة حديثة يتطلع فيها المغرب إلى رفع التحدي و الرهان على متطلبات أخرى للمراحل المستقبلية.
وما ميز هذه المرحلة هو إدخال إصلاحات عديدة جاءت في إطار الاستعداد لقيام انتخابات تشريعية وجماعية بنفس جديد يتم من خلاله تجاوز - نوعا ما - النقائص التي تتخلل الوثائق والنصوص القانونية المقننة للانتخابات والتنظيم الجماعي . فإلى جانب تعديل مدونة الأحوال الشخصية، تعديل مدونة الانتخابات، تنظيم مراجعة استثنائية لللوائح الانتخابية العامة... ثم إصدار ميثاق جماعي جديد وإدخال تعديلات على كل من التقسيم الإداري والجماعي للمملكة.

- إصدار ميثاق جماعي جديد :
أدت التجارب السابقة لسير الجماعات انطلاقا من ميثاق 30شتنبر 1976 إلى ضرورة إدخال تعديلات أساسية على مختلف النصوص المرتبطة بهذا الميثاق وهكذا تم الإصلاح بصدور ميثاق جماعي جديد بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.271 بتاريخ3 أكتوبر 2003 المنفذ لقانون رقم 78.00. وتم إدخال تعديل عليه بمقتضى القانون رقم 01.03 المنفذ بالظهير الشريف رقم 1.03.82 بتاريخ 24 مارس 2003 وذلك لتحديد عدد سكان المدن الكبرى التي تتوفر على مقاطعات في 500 ألف نسمة فما فوق .
إدخال تعديلات على التقسيم الإداري والجماعي للمملكة:
صدرت يوم 25 مارس 2003 مجموعة من النصوص التنظيمية لتطبيق التعديلات الضرورية التي فرضها إصلاح الميثاق الجماعي، بتأكيد وحدة المدينة وإحداث مجالس المقاطعات داخل المدن الكبرى التي يتعدى عدد سكانها 500 ألف نسمة، وكذلك إحداث الدوائر الانتخابية تبعا لنمط الاقتراع المطبق، الاقتراع النسبي باللائحة أو الاقتراع الفردي.
وهكذا، نجد النصوص التالية:
1 - مرسوم رقم 2.03.148 بتاريخ 25 مارس 2003 " تغيير بموجبه المرسوم رقم 2.98.953 بتاريخ 31 ديسمبر 1998 بتجديد قائمة الدوائر والقيادات والجماعات الحضرية والقروية بالمملكة وعدد الأعضاء الواجب انتخابهم في مجلس كل جماعة ويحدد عدد المستشارين الجماعيين في الجماعات الحضرية غير المقسمة إلى مقاطعات والمحدثة طبقا للمادة -140- من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي ويلحق إداريا المقاطعات بالعمالات التابعة لها.
2 – ولقد تم تغيير هذا المرسوم الأخير قبيل الانتخابات الجماعية ليوم شتنبر 2003 بالمرسوم رقم 2.03.528 بتاريخ 10 ديسمبر 2003 ليحدد القائمة النهائية للدوائر والقيادات والجماعات الحضرية والقروية بالمملكة وعدد الأعضاء الواجب انتخابهم في مجلس كل جماعة.
3 – مرسوم رقم 2.03.136 بتاريخ 25 مارس 2003 بتحديد عدد المقاطعات وحدودها الجغرافية وأسمائها وعدد أعضاء المجلس الجماعي ومستشاري المقاطعة الواجب انتخابهم في كل مقاطعة، ويتعلق الأمر ب 41 مقاطعة الموجودة داخل المدن الست الكبرى.
4 – مرسوم رقم 2.03.527 بتاريخ 10 ديسمبر 2003 بتغيير وتتميم الظهير الشريف الأصلي رقم 1.59.03.351 بتاريخ 2 ديسمبر 1959 في شأن التقسيم الإداري للمملكة، ويعتبر هذا آخر تقسيم بعد توحيد المدن الكبرى وضم العمالات بداخلها، وتبعا للفصل الأول من هذا المرسوم: " تنقسم المملكة إلى سبع عشرة ولاية، تضم تسعة وأربعين -49- إقليما، واثني عشرة -12- عمالة، وثماني -8- عمالات المقاطعات".
5- مرسوم رقم 2.03.529 بتاريخ 10 سبتمبر 2003 بتحديد النفوذ الترابي لعمالات المقاطعات والمقاطعات التابعة لها، ويتعلق الأمر بالعمالات التي كانت داخل الدار البيضاء قبل هذا التاريخ إذ أصبحت مدينة الدار البيضاء الكبرى تشمل عمالة واحدة تتمتع بالشخصية المعنوية وبداخلها تم ضم مجموعة من المقاطعات بالدار البيضاء إلى بعضها وكونت الوحدات الترابية الجديدة بدون شخصية معنوية هي عمالات المقاطعات ويبلغ عددها ثمانية، وتضم 16 مقاطعة التي تتكون منها مدينة الدار البيضاء.
6 – ولتحديد عدد الدوائر الانتخابية التي سيطبق فيها الاقتراع الفردي أصدر وزير الداخلية القرار رقم 583.03 بتاريخ 25 مارس 2003 بإحداث دوائر انتخابية لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الحضرية والقروية التي ينتخب أعضاء مجالسها عن طريق الاقتراع الفردي ويبلغ عددها 19.450 دائرة انتخابية الذي يقابل نفس عدد المقاعد.
ونشير أن باقي الدوائر الانتخابية يطبق فيها الاقتراع النسبي باللائحة ويبلغ مجموع المقاعد بها 4238 مقعد وتضم 2978 دائرة انتخابية وتشمل الجماعات التي يتعدى سكانها 25 ألف نسمة .

فإذا كانت النصوص القانونية في هذا المجال عرفت إصلاحات متعددة فإن بعض هذه الإصلاحات تحتاج في حد ذاتها إلى إصلاح، فالملاحظ أن الميثاق الجماعي لم يصغ بالوضوح الكافي وظل ينطوي على مجموعة من الثغرات وأثار مجموعة من الإشكاليات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان للتقسيم الجماعي للانتخابات الجماعية السالفة عدة آثار سلبية تسببت في التشكيك في نزاهة هذه الأخيرة، وعبرت عن كون أن الاكتفاء بالتغني بالمصطلحات الوازنة " التدبير الديمقراطي للشؤون المحلية، الحكامة الجيدة...."، وكثرة الإصلاحات على مستوى النصوص، وتحسين جودة الخطابات، غير كافي لتحقيق خطوات نحو الأمام في سياق بناء صرح الديمقراطية، إذا لم يتم تعزيز ذلك بالأجرأة والتفعيل على مستوى الواقع والممارسة.
إذن ما هي الصعوبات التي واجهت مراجعة التقسيم الجماعي السابق ؟ وما هي أهم الثغرات التي برزت في النصوص القانونية وخاصة الميثاق الجماعي ؟ وما هي آثار التقسيم الجماعي التي عرقلت سلامة أو نزاهة الانتخابات الجماعية ؟

هذا ما سنحاول ملامسته في (المبحث الثالث)، لكن قبل ذلك لا بد من التوقف عند نمط الاقتراع وتأثيراته باعتباره أحد إفرازات التقسيم الجماعي ما دام هذا الأخير يحدد مساحة الجماعة وعدد ساكنتها و هذه الأخيرة هي التي يحدد وفقها نمط الاقتراع (المبحث الثاني) .

المبحث الثاني : تمايز أسلوب الاقتراع بين الجماعات وتأثيره على نتائج الاقتراع
تتداول بالفقه الدستوري والكتابات الخاصة بالنظم السياسية ملحوظة معروفة مفادها ما مضمونه " أعطيني النظام الانتخابي أحدد لك نوع النظام السياسي المطبق"، مما يعني أن العلاقة بين الفلسفة التي تحكم النظام الانتخابي و تؤطر مضمونه والنظام السياسي علاقة ارتباط . فالانتخاب يعد الوسيلة العملية لاختيار ممثلي السكان الذين سيتولون تدبير الشؤون المحلية، ومن ثم كان الانتخاب هو الأداة التي يتم بواسطتها تكوين المجالس المعبرة عن إدارة المواطنين، والانتخاب بوصفه تعبيرا عن الإرادة الشعبية يعد جوهر الديمقراطية. ومفتاحها و شرطا أساسيا ومبدئيا لها. إذ أن الإصلاح الانتخابي يوجد في صلب الإصلاح السياسي والدستوري إلا أن إنجاح العمليات الانتخابية لا يتوقف عند إصدار القانون الانتخابي وحسب، بل يتجاوزه إلى إيلاء كل الأعمال الممهدة للانتخاب عناية خاصة. بدءا بإشكالية تبيئة القانون الانتخابي، التسجيل في اللوائح الانتخابية مرورا بالتقطيع، وأنماط الاقتراع...
وقد طرح مشكل نمط الاقتراع في المغرب منذ الاستقلال خلال وضع الإطار القانوني للانتخابات. وقد كان هذا القانون محل صراع بين تصور يرمي إلى تجسيد نظام الاقتراع بالقائمة رغبة في الحصول على معظم المقاعد الانتخابية لشعوره بالهيمنة على الساحة السياسية، وتصور آخر مخالف يهدف إلى استعمال نظام الاقتراع الأحادي الإسمي ذو الدورة الواحدة لإشراك الهيئات السياسية الصغرى وتدعيم التعددية السياسية الحزبية، فالتصور الأول هو لحزب الاستقلال وأما الثاني فهو للملكية* .
وبالرغم من احتدام النقاش حول نمط الاقتراع منذ مناقشة أول قانون انتخابي المؤرخ في فاتح شتنبر 1959. وتشبت أحزاب الحركة الوطنية بنمط الاقتراع النسبي باللائحة فإن الأمر حسم لصالح تصور الملكية وتم إقرار نمط الاقتراع الأحادي في دورة واحدة بالأغلبية النسبية وتطبيقه لأول مرة في الانتخابات الجماعية ليوم 29 ماي 1960 والتشريعية لأول مجلس للنواب خلال ماي 1963. ومع مجيء ميثاق الجماعات لسنة 1976 كانت الآمال معقودة على إحداث تغيير، إلا أن أسلوب الاقتراع بقي على حاله، وبقي الانتخاب انتخابا اسميا أحاديا في دورة واحدة يدعو كل دائرة لتختار مرشحا واحدا .
وإلى غاية سنة 2003 وبعد مرور شريط طويل من الإصلاحات لازال نمط الاقتراع يثير العديد من الإشكالات ويثير حفيظة العديد من الفاعلين السياسيين والأكاديميين خاصة بعد أن أدت التوافقات إلى اعتماد نمطي الاقتراع كلاهما بالنسبة للانتخابات الجماعية باعتبار معيار عدد السكان ( المطلب الأول ). وعلى رأس هذه الإشكالات، تأثير نمط الاقتراع على النتائج الانتخابية (المطلب الثاني ).

المطلب الأول : التقسيم الجماعي، ونمط الاقتراع، أية علاقة ؟!
صدر بالجريدة الرسمية عدد 5093 القانون رقم 64.02 بتاريخ 24 مارس 2003 والقاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 97.9 المتعلق بمدونة الانتخابات، ولا تخفى أهمية هذا القانون الجديد انطلاقا من كون مدونة الانتخابات، هي قانون سياسي أساسا يهدف إلى وضع الآليات وضبط سبل انتخاب مختلف الهيئات والمجالس التي يتناولها تكريسا للعملية الديمقراطية. وتنص المادة 200 من مدونة الانتخابات كما تم تغييرها، على أنه ينتخب أعضاء مجالس الجماعات التي يبلغ عدد سكانها 25 ألف نسمة، أو يقل عن هذا العدد بالاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة، بينما يجري انتخاب أعضاء مجالس الجماعات التي يفوق عدد سكانها هذا العدد، وأعضاء مجالس المقاطعات عن طريق الاقتراع باللائحة في دورة واحدة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية – دون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي -.
وإذا كانت هذه المادة عملت على جعل نمط الاقتراع المعتمد عليه داخل جماعة معينة رهين بعدد ساكنتها. فإن المعادلة جد واضحة و يسيرة للتحكم في طغيان نمط اقتراع على نمط آخر، وذلك من خلال عملية التقسيم الجماعي، ولا أدل على ذلك مما يتضح من قراءة سريعة في المعطيات الخاصة بنمط الاقتراع المعتمد في أغلب الجماعات في الانتخابات السابقة، حيث أنه اعتمادا على الإحصاء العام للسكان لسنة 1994. تم اعتماد نظام الاقتراع باللائحة بالتمثيل النسبي في 159 جماعة منها 126 حضرية، و 33قروية، وفي المقابل تم الاعتماد على نظام الاقتراع الفردي في الجماعات وعددها 1388. 123 حضرية، و1265 قروية .
و من خلال هذه المعطيات، يتضح بجلاء انتصار الاقتراع الفردي على حساب الاقتراع باللائحة، ولن يكون ذلك من محاسن الصدف ما دام نمط الاقتراع الفردي هو النمط الذي تجد الملكية في تعميمه ارتياحا أكبر.
عموما يمكن اعتبار التقسيم الجماعي بمثابة عملية جراحية في جسم سياسي و جغرافي و فضاء اجتماعي، و قد تكون له في أحيان كثيرة أبعاد سياسية أخرى غير معلنة خاصة مع حضور الهاجس الأمني. إذ يستعمل كميكانيزم لإعادة التحكم في الخريطة الانتخابية إذا كانت إرادة السلطة السياسية تتجه إلى التأثير على تنظيم سياسي معين.

المطلب الثاني : تأثير نمط الاقتراع على النتائج الانتخابية
لا مناص من الإقرار بأنه لا وجود لنمط اقتراع مثالي خالي من أي عيوب، فأنماط الاقتراع و على اختلافها*، لها إيجابياها و سلبياتها، و التي تختلف لدى كل باحث أو أكاديمي أو سياسي...كل بحسب قناعاته و معتقداته و بحسب تموقعه من السلطة.
إلا أن ذلك لا يلغي وجود اتفاق نسبي حول مدى نجاعة نمط معين على حساب أنماط أخرى. وإذا كان المغرب أقر بازدواجية نمط الاقتراع فيما يخص الانتخابات الجماعية، -الاقتراع الأحادي الاسمي، الاقتراع النسبي باللائحة – و وفقهما تمت الانتخابات الجماعية 2003، فإنه لا بد من الإقرار بأنه ليس هناك طريقة اقتراع بريئة في حد ذاتها، إذ لكل طريقة/ نمط، مميزات خاصة. تساهم في التأثير بشكل معين على النتائج الانتخابية .
- أسلوب الاقتراع الفردي : أسلوب بسيط، يقوم وفقه الناخب بمنح صوته ببساطة لصالح مرشح بعينه، إلا أن أول ما يثيره هذا النمط من الاقتراع هو أنه يؤدي إلى جعل المنافسة الانتخابية قائمة بين أشخاص ذاتيين، عوض قيامها على أساس برامج ومواقف سياسية مما يؤدي إلى تهميش الفعل السياسي الجاد وترجيح العوامل القبلية والفئوية والمصلحة الشخصية، على اعتبارات المصلحة العامة، وبالتالي فهو يساعد على تكوين نخب محلية وتأهيل الأعيان وذوي الشهرة وأصحاب المال والنفوذ في حين أنه يضعف من العامل الإيديولوجي ومن الانتماءات السياسية للأحزاب، ويضعف بالتالي من نسبة تمثيليتها . ومن بين أهم سلبيات هذا الأسلوب الانتخابي، عمله على تفتيت التصورات والأفكار والبرامج التي يجب أن تعتمد وطنيا أو محليا، من جراء الطابع الانشقاقي وغير المنسجم بين المنتخبين، مما يضاعف من سيادة الطابع الفردي على أداء هؤلاء. وفي نفس السياق تعاني النتائج الانتخابية له، من غياب للثقافة السياسية المتكاملة،عن الأداء اللامركزي، حيث يعرقل كل هذا، عمل الهيئات المنتخبة، مما يفتح المجال أمام الممارسات غير القانونية وغير المشروعة في أداء المنتخب الجماعي.
- أسلوب الاقتراع باللائحة : وهو أسلوب أقل بساطة من حيث الأجرأة مقارنة بنظيره الأحادي الأحادي الإسمي، إلا أن من حسنات هذا الأسلوب دفع المواطنين للاهتمام بشؤونهم العامة على اعتبار أن التصويت عبر هذا الأسلوب يكون على البرامج والأفكار ليس على الأشخاص، فيتيح بذلك الاقتراع باللائحة للناخبين أن يختاروا اللائحة التي تضم المجموعة التي يعتبرونها تتجاوب أكثر مع رغباتهم من بين لوائح المرشحين الآخرين، وهو ما يحفز الناخبين على الإطلاع على مختلف البرامج المطروحة للمنافسة ومناقشتها من جهة ويحفز الأحزاب على أن تقدم أجود عناصرها خبرة وكفاءة من جهة أخرى مما يضع حدا للانتهازيين والوصوليين ويقطع الطريق على المتاجرين بالعمل السياسي .
و هذا النموذج الانتخابي يلقى تشجيعا من الأحزاب الأفضل تنظيما لأنه يعكس بدقة قوة الأحزاب النشطة سياسيا وانتخابيا، كما يؤدي إلى الاستقرار السياسي في الجماعة، وهو نظام يهدف إلى التأكيد على الارتباط بالحزب على حساب المرشح الفرد.
و بعد التوقف عند كل من النمطين، نلمس أن نمط الاقتراع باللائحة يبرز معه ملامح الديمقراطية والشفافية أكثر مقارنة بنمط الاقتراع الفردي الإسمي، فاعتماده يقلل حتما من هذه العوامل اللاموضوعية المتحكمة في السلوك الانتخابي ويشجع التنافس على أساس البرامج، ويفتح المجال أكثر على المحاسبة السياسية، عكس الاقتراع الفردي الذي يتخذ الناخب فيه قراره بناءا على أساس عائلي عشائري وبالتالي لن يتجرأ على المحاسبة السياسية .
إذا كانت هذه هي نتيجة المقارنة بين خصائص النمطين، فإن إسقاطها على المجتمع المغربي بتركيبته الاجتماعية، الثقافية،... المعقدة يفرز لنا وجهات نظر متعددة بل متضاربة بين الباحثين، وهنا نرى أنه من الأجدر التوقف عندها بنوع من الموضوعية والحياد لتكتمل لنا الصورة، ونستطيع الخروج بخلاصة واضحة.
- هناك من يرى بأن نظام الاقتراع اللائحي لا يتناسب والواقع المغربي وله تأثير سلبي على المشهد الانتخابي والسياسي للبلاد. و ذلك من خلال عدم إفرازه لخريطة انتخابية واضحة وذات أغلبية واضحة، مما يؤثر على التسيير الجماعي خصوصا أثناء المصادقة على الميزانيات الجماعية وعلى الحسابات الإدارية، و أيضا حسب مؤيدي هذا الطرح فإن نمط الاقتراع اللائحي يعمل على بلقنة المجالس الجماعية وهو ما يؤثر على التسيير خصوصا في ظل حضور التعاطي السياسوي للمنتخب الجماعي في التسيير الجماعي* و في المقابل يرون بأن نمط الاقتراع الفردي هو الأكثر ديمقراطية لارتباطه بالسيادة المباشرة والديمقراطية المباشرة، وهو أكثر قساوة على المنتخبين من النظام اللائحي. كما يرون بأن نمط الاقتراع الفردي في التجربة المغربية هو الأكثر تلاؤما من الناحية السوسيولوجية فما دام التصويت يكون على مرشح بعينه فسيكون هذا الأخير خاضعا لمراقبة مباشرة للسكان يعطي للمساءلة بعدا عمليا وواقعيا .
في المقابل هناك طرح آخر، يرى أنصاره بأن تبني نمط الاقتراع اللائحي وتعميمه قد يساعد على ترميم الحياة السياسية للتعددية الحزبية المغربية من صيغتها الهشة إلى صيغة أكثر انسجاما وتوحيدا، بدل الحركات الانشقاقية التي تعرفها، كما يرون فيه النموذج الذي يسهل مراقبة أداء الأغلبية داخل المجلس من جهة وضمان انضباطها وولائها الحزبي من جهة أخرى. بل يسهل عملها في تحقيق البرامج والتصورات الموضوعة مسبقا من طرف الحزب، وفق خصوصية كل جماعة، بالإضافة إلى عملها الدائم من أجل تحضير البرامج والمخططات التنموية الشاملة للجماعة. ومن جهة أخرى يساعد هذا النمط على خلق التعبئة الدائمة لدى أحزاب المعارضة، من أجل تقديمها لبدائل جيدة، وإعداد دراسات وبرامج لتدبير المجال ومرافقه في حالة فوزها في الانتخابات الموالية.
حاصل القول إن هذا التضارب في الرؤى والتصورات ليعكس بأن تخليق الحياة السياسية ونشر الوعي بأهمية الانتخابات وأبعادها بين صفوف المواطنين وخاصة في المجال القروي – حيث تزداد نسبة التصويت تبعا للمعيار العشائري والقبائلي – من جهة، وعقلنة شروط الترشيح في حدود ما يضمن تنافس مرشحين أكفاء ذو مستوى تعلمي يؤهلهم لاستيعاب الدور المنوط والقيام به على أكمل وجه خاصة ما يخص التدبير المالي والإداري...مع استحضار دائم للصالح العام من جهة أخرى، لكفيل بالارتقاء بنزاهة الانتخابات الجماعية وجعلها محطة للتنافس حول خدمة الشأن المحلي أيا كان أسلوب الاقتراع، لأن نجاعة هذا الأخير رهين بتحسن العقليات وتغيير الممارسات والإيمان الحقيقي بالديمقراطية، على اعتبار أن أي نمط للاقتراع قد يفضي إلى انعكاسات سياسية قد تصب إما في إقرار ديمقراطية حقيقية أو صورية بحسب أهداف وطموحات المسؤولين وقيادي البلاد، وبحسب نوعية الثقافة السياسية وطبيعة المشاركة السائدة.

المبحث الثالث : مكامن الخلل في الإصلاحات السابقة - الثغرات والآثار-
إن التقييم العام للتجربة الجماعية وخصوصا في جانبها القانوني، تؤكد أن ميثاق العمل الجماعي لسنة 1976 شكل نقلة نوعية، مقارنة مع ما كان الأمر عليه في سنة 1960، ولكن رغم الإصلاحات المهمة التي جاء بها هذا الإصلاح، ورغم توالي تنظيم المناظرات الوطنية تحت شعارات متعددة ، إلا أن التجربة العملية عرفت العديد من المعوقات، وأبانت عن مجموعة من الثغرات وأفرزت مجموعة من الآثار التي تعيق ترسيخ الديمقراطية المحلية.

المطلب الأول : الثغرات
إن أهم الثغرات التي يتم تسجيلها عند الوقوف على التجربة الجماعية بالمغرب، لتكون نتيجة الإصلاحات الجزئية التي تعرفها المنظومة القانونية للانتخابات الجماعية و ما يتعلق بها من الأعمال الممهدة للانتخابات. مما يفقد الإصلاح جزءا من رهاناته وذلك لغياب أو لنقص في الأرضية التي يطبق فيها، أو لعدم التقيد بالجدولة الزمنية التي تم التخطيط ليتم وفقها الإصلاح، فينتهي هذا الأخير. بنوع من العفوية والارتجالية في غياب إصلاح شامل ومتكامل ومخطط له بشكل دقيق وملزم.
ومن ملامح تلك الصعوبات التي واجهت مراجعة التقسيم الجماعي لسنة 1997. اصطدام عملية المراجعة بعدد من الإشكالات :
• إشكالية الإطار القانوني:
على مستوى الإطار القانوني يلفى أن مدونة الانتخابات لا تتضمن مقتضيات قانونية صريحة لمعالجة الوضعية التي تطرحها مراجعة التقسيم الانتخابي الجماعي، والحالات المترتبة عنها، خاصة وأن القانون لا يخول لللجان الإدارية حق نقل تسجيلات الناخبين من دائرة لأخرى. كما أن " لجنة الفصل التابعة للإدارة لا تتوفر على صلاحية التشطيب على أشخاص مقيدين بصفة قانونية بدائرة انتخابية معينة في إطار المراجعة إلا إذا أدلو بما يثبت تقييدهم بصفة قانونية أخرى. وإن سبق ربط التشطيب على شخص بمقتضى حكم لم يكن محل طعن بالدائرة موضوع النراع، يجعل تسجيله نهائيا مما يتعين معه إقرار ذلك التسجيل.
• إشكالية الإجراءات التقنية:
على مستوى الإجراءات التطبيقية والتقنية فإن عملية ضبط اللوائح الانتخابية وملاءمتها مع التعديلات التي قد تدخل على التقطيع الانتخابي تتطلب تحديد آجال خاصة لاجتماع اللجان الإدارية ثم للجان الفصل، وحصر الجداول التعديلية النهائية، وفتح آجال للطعون علاوة على إدخال التعديلات إلى الحاسوب الإقليمي والمركزي. وبالتالي فإن إخراجها إلى حيز الوجود يقتضي بالضرورة فترة زمنية .
• إشكالية الأجل المحدود :
هذه الوضعية وما أفرزته من مناقشة مستفيضة، وآراء مختلفة اقتضتها أهمية الموضوع، بحثا عن توازن في عدد من الدوائر، خاصة التي وقع بشأنها إجماع من طرف اللجان الإقليمية لإحداث تغيير حولها. فكان مبرر رفضها الآجال القصيرة وشفيعها سلوك نهج التوافق والتراضي، فأوصت اللجنة الوطنية في أول اجتماع لها باعتماد التقسيم الانتخابي المعروض عليها بدون أية تعديلات وسجلت التزام كافة الهيئات السياسية الممثلة فيها بالتقسيم المذكور، واعتباره أساسا لإجراء الانتخابات الجماعية المقررة في 13 يونيو 1997.
هذا من جانب من جانب آخر نجد أن التطور الذي عرفه التقسيم الجماعي لا تواكبه تغيرات أخرى من الأجدر أن تكون لصيقة به، من مثل :
- انتقل عدد الجماعات المحلية، بعد التقسيم الجماعي لسنة 1992 إلى 1544 جماعة، 274 منها حضرية، و 1297 قروية، في حين يتطلب هذا العدد من المؤسسات التمثيلية المحلية، ما لا يقل عن 23.000 مستشارا جماعيا، وهذا ما يأثر على القدرة التأطيرية للأحزاب، خاصة أن وثيرة التقطيع تعرف تزايدا مستمرا، لا تواكبه الأحزاب في مجالات تكوين المتحزبين والمؤهلين لتدبير الشأن الجماعي. وبذلك لم يستطع أي حزب مغربي انتقاء مرشحين لكل الدوائر الانتخابية، حيث كان من العسير إيجاد 23.000 مرشحا لتغطية الخريطة الانتخابية الوطنية سنة 1997 . وبين تعاظم صيغ التنظيم الانتخابي وضعف التأطير الحزبي، طغت ظاهرة اللامنتمين* في الانتخابات الجماعية المغربية. وإذا كان الفصل الثالث من دستور 1992 ينص على أن الأحزاب السياسية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم. وهذا التنصيص يكفي كشرط لاستبعاد ظاهرة اللامنتمين من الانتخابات الجماعية، فاللامنتمي لا يمكن أن يقوم بدور التأطير والتمثيل على غرار ما يقوم به الحزب، كما أنه يمثل نشازا على التعددية السياسية، ويفقد تنظيماتها الكثير من قدرتها التأطيرية بالإضافة إلى تغييره للنتائج الانتخابية، في اتجاه التشردم والتشتت وعدم الانسجام بين مكونات المجلس المحلي المنتخب.
- بالرغم من انخفاض عدد الجماعات في التقسيم المعمول به حاليا مع جديد وحدة المدينة حيث انخفض عدد الجماعات الحضرية من 247 إلى 205 ظلت الجماعات، كما كانت، تعاني من وضعية مالية صعبة، خاصة مع تضخم البنية الإدارية المحلية، مما يجعل مصاريف نفقات التسيير مرتفعة وفي أحيان كثيرة لا تتلائم ومداخيل الجماعة. مما يحتم إعادة النظر في الموضوع بشكل يجعل التقسيم الجماعي يتماشى والميزانية الخاصة بالجماعة.
هذا إلى جانب مجموعة من الثغرات الأخرى الناتجة عن مجموعة من الاختلالات التي بزغت من محتويات الميثاق الجماعي والتي تعرقل حسن سير المجالس الجماعية، وتشمل خمس مجالات:
- أولها يهم إشكالية الحكامة التي تشمل عدة جوانب من ضمنها توزيع الاختصاصات بين المجلس الجماعي ورئيسه، وهيمنة المهام الإدارية على حساب التدبير الاستراتيجي، والمشاكل الناجمة عن تدبير الجماعات التي يسري فيها نظام المقاطعات.
- الإشكالية الثانية فتتمثل في ضعف فعالية الإدارة المحلية وذلك بسبب افتقارها لطاقم إداري يمكن الاعتماد عليه في إعداد وتنفيذ القرارات.
- بينما تتمثل الإشكالية الثالثة في المساطر المتعلقة بممارسة الوصاية التي تتعدد مستويات تفعيلها وأجهزتها, كما يدخل في هذا الإطار الجوانب المرتبطة بتعقيد الإجراءات المسطرية التي تحول دون التعجيل باتخاذ القرارات وتنفيذها.
- أما الإشكالية الرابعة التي أفرزتها عملية التشخيص فتكمن في تدبير المرافق العمومية والنمو الحضري حيث تبين أن غياب الضوابط الضرورية لضمان حسن التنسيق بين المتدخلين في تسيير المرافق العمومية المحلية والمراقبة الفعالة لأنشطتهم من بين أهم القضايا المطروحة في هذا الباب, إضافة إلى غياب إطار قانوني مناسب لنسج شراكة مع القطاع الخاص.
- في حين تتعلق الإشكالية الخامسة بتدبير الممتلكات الجماعية التي تخضع لإطار قانوني عتيق وغير مكتمل ولا يستجيب للحاجيات الملحة لتدبير سليم لممتلكات الجماعة .

المطلب الثاني : الآثـــــــــــــــــــــــار
إن أهم الآثار السلبية التي خلفها التقسيم الجماعي الحالي و نمط الاقتراع المصاحب له، والتي أثيرت بشكل كبير عقب الانتخابات الجماعية الماضية، وتثار إلى يومنا هذا، هو أنه ساهم في تعميق وتكريس التباين بين الجماعات وخاصة بين الحضرية منها والقروية. هذا من جهة، كما أنه من جهة أخرى أفرز خريطة سياسية معقدة كانت لها انعكاسات واضحة على عملية تأليف المجالس الجماعية، حيث لم تفرز الانتخابات الجماعية ليوم 12 شتنبر 2003 عن أي أغلبية تؤشر لخريطة جماعية منسجمة ولتحالفات موضوعية ومضبوطة من شأنها تأسيس مكاتب ومجالس منسجمة في تركيبتها من أجل أداء جماعي أفضل للشأن العام، مما تسبب أثناء البحث عن التحالفات إلى اللجوء لأساليب تسئ للممارسة السياسية للبلاد. من استعمال للمال وشراء الأصوات...، وازداد الوضع تعقيدا فيما يخص رئاسة مجالس المدن الكبرى، حيث احتدم الصراع بين المرشحين الذين يطمح كل واحد منهم في تولي منصب العمدة.
ونتيجة لتأليف مجالس غير منسجمة كثرت الصراعات الداخلية والاختلاسات المالية، وحالات من العزل والتوقيف من طرف سلطة الوصاية... ومشاكل أخرى عديدة تنضاف إلى انتكاسة التدبير اليومي للأمور الجماعية في كل مجالات اختصاصها دون استثناء.
وهكذا يتضح أن مستوى تدخل الدولة في ضبط الخريطة السياسية يتم عبر مستويات، كل مستوى يحمل داخله أدوات احتياطية بإمكانها تدارك وتصحيح المستوى الذي سبقه... فالدول بإمكانياتها المباشرة وغير المباشرة، تستطيع صياغة خريطة سياسية معينة، لها أوجه عديدة، وسيناريوهات احتياطية تحت الطلب، وما لا يمكن تحقيقه في الصيغة الأولى (مستوى النتائج الانتخابية مثلا) تحققه عند تكوين مكاتب المجالس أو الفرق البرلمانية (في الصيغة الثانية) ويمكن للعبة أن تستمر إلى ما لا نهاية على مستويات أخرى مثل خلق أحزاب جديدة والترخيص أو المنع بالنسبة لأخرى.
حاصل القول، التقسيم الجماعي بالمغرب ليس وليد الدولة المعاصرة، بل قيامه نابع من الجذور التاريخية المغربية العريقة. إلا أن التطور الحالي للدولة، فرض و يفرض تقنينه و تنظيمه بشكل يتوازى و تعقد طبيعة الحياة البشرية، و تحويله إلى ميكانيزم و أداة تخدم التنمية و التقدم الديمقراطي.
إلا أن المغرب و بعد أن نص قانونيا على أول تنظيم جماعي سنة 1959، و إلى الآن لايزال متعثرا في خلق تقسيم جماعي مرضي، نتيجة سيطرة مجموعة من الأبعاد التي يمكن القول عنها أنها ترسبات من الماضي، لم تستطع عوامل التعرية و بعد مرور نصف قرن على الاستقلال من التخلص منها.


 القسم الثاني : التقسيم الجماعي للانتخابات الجماعية 2009


يعتبر التقسيم الجماعي حلقة مهمة من حلقات المسلسل الانتخابي، لأنه يحدد المعترك الذي في نطاقه تتم عملية التنافس الانتخابي بما تحمله من حساسيات وطموحات.
والهدف الذي يسعى إليه أنصار الديمقراطية هو أن يحترم هذا التقطيع مبدأين أساسيين: مساواة المواطنين في التمثيل السياسي، ومساواة القوى السياسية أمام التنافس السياسي وهما مبدآن لا ينفصلان .
فالتقسيم الجماعي أحد أهم الأعمال الممهدة للانتخابات، وهو آلية سياسية قبل أن يكون آلية تقنية، لذلك يعد من العوامل المؤثرة في النتائج الانتخابية، إذ يحدث أثرا مباشرا على نتائجها .
وأهميته هاته تفسر الضجة التي يثيرها التقسيم الجماعي الذي سيعتمد قبل إجراء أي انتخابات محلية، خاصة مع الشكوك التي لازالت تحاط بمدى نزاهة الانتخابات المغربية، فأغلب الدراسات والأبحاث، الأجنبية منها والمحلية، التي تناولت الانتخابات المغربية، تكاد تجمع على أن الطابع الغالب عليها هو أنها انتخابات غير تنافسية مزورة، وبدون أدنى تأثير في التغيير السياسي .
وبعد اجتياز ست تجارب من الانتخابات المحلية، المغرب اليوم على مشارف اجتياز سابع تجربة – استحقاقات 2009- والرهان على أن تمر في أجواء من الشفافية والنزاهة أضحى أصعب، خاصة بعد الانتخابات التشريعية الماضية وما عرفته من عزوف عن المشاركة، والذي يجد إحدى مبرراته في فقدان المواطن للثقة في العمل السياسي و التشكيك في نزاهته.
لذلك، نجد أن أغلب الاجتماعات التي تعقد بخصوص الاستحقاقات المقبلة غالبا ما يتم فيها التوقف عند المحطة الانتخابية للسابع من شتنبر الأخيرة، بكل جوانبها السياسية، القانونية والتقنية، قصد الخروج بالخلاصات والاستنتاجات التي من شأنها توفير الظروف المناسبة لإنجاح الاستحقاق الجماعي المقبل، وجعله محطة متميزة على درب دعم المسلسل اللامركزي للمملكة . وبذلك بدأ الحديث عن مجموعة من الإصلاحات من قبيل مراجعة مدونة الانتخابات، خاصة في جوانبها المرتبطة باللوائح الانتخابية ونمط الاقتراع، وتحيين الميثاق الجماعي، وملائمة التقسيم الجماعي...
هذا الأخير الذي كانت له حصة الأسد على مستوى مساحة الاهتمام ، بهدف جعله أكثر تلاؤما مع التطور الديموغرافي المجالي، السوسيواقتصادي الذي عرفته الجماعات المحلية خلال السنوات الأخيرة، فتم إعداد الخطوط العريضة للإصلاحات المزمع القيام بها في المرحلة الموالية، والتي من شأنها توفير الآليات القانونية والتنظيمية الكفيلة بضمان نجاح الانتخابات الجماعية ومعالجة الإشكاليات التي أفرزتها الممارسة الجماعية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، ماهي الضمانات التي تكفل وفاء المسؤولين بما خططوا له، وعدم بقاء كل هذه المخططات على ورق؟؟
و ما مدى جدية التعديلات و الإصلاحات التي سيتم تحقيقها بعد كل هذه الاستعدادات ؟ هل هي إصلاحات جدرية عميقة قادرة على الدفع ببلدنا نحو التغيير الحقيقي أم فقط إصلاحات ترقيعية تتقيد بمصطلح "التعديل" و لا تتجاوزه لنظيره " التغيير "؟ !

فالالتزام وحس المسؤولية وإيثار المصالح الخاصة لحساب المصالح العامة هي أهم الخصال التي يفتقدها المسؤولون المغاربة، ولا أدل على ذلك من الواقع الذي تعيشه حاليا أغلب الجماعات المحلية، والذي تحول إلى مستنقع من المشاكل، والتي لاتترك مجالا للتفكير المشاريع التنموية الحقيقية التي يمكن أن ترتقي بالساكنة وتلبي طموحاتها.
هذه الأفكار وغيرها هي ما سنحاول معالجتها في الفصلين التاليين:

 الفصل الأول : مشروع التقسيم الجماعي لانتخابات 2009 بين الموضوعية و الواقع
 الفصل الثاني : مستجدات مشروع التقسيم الجماعي

 الفصل الأول : مشروع التقسيم الجماعي بين الموضوعية و الواقع

في إطار الاهتمام المتزايد للدولة المغربية بمسألة تعزيز ركائز اللامركزية، تتوالى الإصلاحات في محاولة لسد الثغرات و تلافي مكامن الخلل في القوانين و النصوص التنظيمية الخاصة بها حتى تقوم الجماعات المحلية بمختلف كياناتها بالدور المنوط بها والذي يكمن في تحقيق التنمية على كل المستويات .
و يزداد هذا الاهتمام باقتراب الانتخابات الجماعية، حيث تتعالى الأصوات و ترتفع الشعارات المعبرة عن طموحات الحكومة الجديدة الراغبة في إصلاح ما تم إغفاله في الانتخابات السالفة و نفس الشيء يحدث مع الحكومة الجديدة " حكومة عباس الفاسي "حيث جاء على لسان الوزير الأول : " ...تحقيق المزيد من الإصلاحات السياسية، من قبيل إحاطة إحاطة الانتخابات المحلية و المهنية المقبلة و تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين بالمزيد من الضمانات التي من شأنها دعم مساهمة المواطنين و مشاركتهم في توسيع الممارسة الديمقراطية... تحيين الميثاق الجماعي لمعالجة الإشكاليات التي أفرزتها الممارسة، ومراجعة المنظومة المتعلقة بالممارسة المحلية، و مراجعة التقسيم الجماعي لجعله أكثر تلاؤما مع التطور العام الذي عرفته الجماعات المحلية ...."
و في هذا السياق بدأت بوادر الاستعدادات الخاصة بالانتخابات الجماعية التي تتوالى قصد توفير الظروف المناسبة لإنجاحها ، فتم خلال شهر يناير المنصرم- 2008- عقد مجموعة من الاجتماعات و اللقاءات التي جمعت وزير الداخلية بممثلي الأحزاب السياسية، والمركزيات النقابية الممثلة بمجلسي البرلمان. فتم التخطيط لتعديل الميثاق الجماعي، وتعديل مدونة الانتخابات، و نمط الاقتراع و اللوائح الانتخابية، بالإضافة إلى مشروع تعديل التقسيم الجماعي، هذا الأخير الذي تم بشأنه إصدار مذكرة وزارية إلى ولاة الجهات و عمال العمالات و أقاليم المملكة، بالإضافة إلى دفتر التحملات كوثيقتين تحددان الخطوط العريضة التي يجب أن يرسم وفقها مشروع تعديل التقسيم الجماعي، حتى يتم بنوع من الموضوعية والشفافية، و يحقق الأهداف الرئيسية المتوخاة منه (المبحث الأول) وإذا كانت هاتين الوثيقتين قد استوفيتا كل الشروط و المعايير الكفيلة بتحقيق التقسيم الجماعي الأمثل، فإن التقييم يبقى عملية أساسية يجب القيام بها لملامسة مدى تماشي الظروف التي ينجز وفقها المشروع واقعيا مع ما تم التخطيط له ( المبحث الثاني).

المبحث الأول : ملامح الموضوعية في مشروع تعديل التقسيم الجماعي

إذا كانت فكرة التوازن بين الجماعات، هي جوهر فلسفة التقسيم الجماعي فإن التطورات المستمرة التي يعيش قي ظلها الإنسان و ما يصاحبها من تغير في المعطيات الديمغرافية، الافتصادية، الاجتماعية، و السياسية، تفرض مراجعة هذا التقسيم و إعادة النظر فيه من آونة لأخرى تقويما و تصحيحا له بما يخدم و يحقق الهدف الأساسي الذي ترمي إليه كل سياسة التقسيم الإداري، الترابي، و الجماعي ...- باعتبارهم سياسات تكامل و تشارك – و هو القضاء على الفوارق و الاختلالات بين الجماعات الحضرية و القروية و داخلهما، و ذلك بإعادة توزيع مختلف الأنشطة البشرية توزيعا عادلا على كافة أرجاء التراب الوطني ، في إطار مترابط يصب في تحقيق الهدف الأم ،ألا و هو، تنمية المجال الوطني وفق تصور شمولي متكامل و متوازن.
و إذا كانت كل التقسيمات الإدارية و الجماعية السابقة عرفت نقائص و اختلالات ترجمت آثارها في المعاناة اليومية للمواطنين سواء على الصعيد الإداري ، السياسي، - التمثيلي -، الاقتصادي...فإنها و مع ذلك تنضاف لرصيد تجارب المغرب حتى تلغى الحجج التي كانت تستتر في ظلها عيوب التقسيمات السابقة منذ 1959 من مثل : انعدام الخبرة ، التجارب الأولى لا تخلو من عيوب .....
اليوم و بعد مرور نصف قرن على أول تقسيم إداري و جماعي بالمغرب، اتضحت الرؤيا و بزغت العيوب، وارتفع سقف التحديات خاصة في ظل هذه الفترة التي تشكل منعطفا حقيقيا في مسيرة المغرب. منعطفا محاط بالمتابعة و الترقب إن على المستوى الداخلي أو على المستوى الدولي .
فوعيا بكل هذه الظروف و غيرها، جاء التفكير بتعديل التقسيم الجماعي الحالي للمملكة وفق تصورات تنموية شاملة، ترجمت في مجموعة من المبادئ التي سطرت حتى يتم وفقها التقسيم الجماعي الجديد استعدادا للانتخابات الجماعية 2009 ( المطلب الأول ) ، كما تم تحديد المراحل الأساسية التي سيمر منها مشروع التقسيم الجماعي قبل أن تتم المصادقة عليه و يخرج للنور (المطلب الثاني) تعبيرا عن التفكير و التخطيط المتروي للمشروع و انسلاخا عن ثوب الارتجالية الذي تكتسي به في النهاية جل المشروعات أو المخططات الوطنية .

المطلب الأول : المبادئ الرئيسية لعملية تعديل التقسيم الجماعي .
إن المتصفح لكل من دفتر التحملات الخاص بتعديل التقسيم الجماعي للمملكة، والمذكرة الوزارية في الموضوع. يستشف أن أهداف تعديل التقسيم الجماعي و المبادئ الرئيسية، مسطرة بشكل واضح و مبنية على معايير جد موضوعية، توحي بأن التقسيم الجديد هو خطوة جديدة نحو إحداث وحدات محلية بإمكانيات تؤهلها لتحقيق تنمية اقتصادية و اجتماعية من جهة، و مؤهلة للدفاع عن مصالحها سياسيا و المشاركة بشكل ديمقراطي فعال في عمليات اتخاذ القرار السياسي من جهة أخرى .

الفرع الأول : أهداف مشروع تعديل التقسيم الجماعي
- ترسيخ أسس وقواعد الديمقراطية المحلية .
- تقوية سياسة القرب التي باتت اختيارا استراتيجيا من شأنه تمكين الإدارة المحلية من إسداء خدمات و مرافق عمومية جيدة.
- تعزيز دور و مكانة الإدارة كفاعل رئيسي في تدبير الشأن المحلي وكمخاطب قادر على دعم جهود المنتخبين والفاعلين المحليين داخل منظومة متجانسة ومتكاملة.
و من بين الأهداف أيضا :
- ملائمة الإطار الترابي مع التطور المتزايد للمعطيات الديموغرافية والمجالية والاجتماعية والاقتصادية.
- تقويم نقائص وعيوب التقسيم الجماعي الحالي : صعوبات تجسيد الحدود الجماعية، ضعف البنية الطرقية والمسالك، نقص المرافق، و التجهيزات الأساسية، شبه غياب للأنشطة المدرة للدخل و المحدثة لفرص الشغل، تفكك الإنتماء الاجتماعي .


الفرع الثاني : المبادئ الرئيسية لعملية تعديل التقسيم الجماعي
لقد تم التأكيد في كل من المذكرة الوزارية ودفتر التحملات على أن عملية إعداد مشروع يجب أن ترتكز على مجموعة من المبادئ تندرج بشكل عام ضمن رؤية إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة قصد الاستجابة لانتظارات وطموحات المواطنين.
ولخصت المبادئ كالآتي :
• الإمكانات الإقتصادية : المقصود بها، توفر المجال الترابي للجماعة على نشاط أو عدة أنشطة مدرة للثروات، ومحدثة لفرص الشغل. وبالتالي فإن عملية التقسيم الجماعي يجب أن تحرص على ضمان توفر مجال الجماعة على حد أدنى من التجهيزات والبنيات التحتية تضمن لها مداخيل مالية تمكنها من تحقيق تنميتها .
• القرب : والمراد منه ليس المسافة التي يجب اجتيازها ولكن التواصل وفك العزلة وذلك قصد تلبية الطلبات اليومية للمواطنين.
• ترسيخ الانتماء الاجتماعي : الذي يمكن من تقوية إحساس السكان المحليين بالانتماء لجماعاتهم وتمثيليتهم لها.وذلك بهدف ضمان انخراط اجتماعي قوي، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص المشتركة للسكان وخاصة تلك التي لها ارتباط وثيق بالقيم القبلية والتاريخية والثقافية. وكذا اعتبار المجالات التي تتميز بالتنوع الاجتماعي والتي بدأت تترسخ فيها قيم التضامن.
• المورفولوجية : حيث يجب إعادة التفكير في الحدود الجماعية، مع الأخذ في الاعتبار، كلما كان ذلك ممكنا، الحدود الطبيعية كالغابات، الأودية والتضاريس أو الحدود الاصطناعية كالطرق والسكك الحديدية، وذلك قصد تفادي كل النزاعات (الغابات والمقالع على سبيل المثال ) التي يمكن أن تنشأ بين الجماعات .

المطلب الثاني : المراحل الأساسية لوضع مشروع التقسيم :
لقد تم تحديد المراحل التي سيتم وفقها مسلسل تعديل التقسيم الجماعي. وتبعا لذلك حددت مهام كل من العامل ووالي الجهة، على اعتبار أن تفعيل هذا المشروع سيتم على مستويين : "مستوى العمالة والإقليم – مستوى الجهة " .

الفرع الأول : على مستوى العمالة والإقليم
ويمكن التمييز فيها بين مرحلتين : مرحلة التشخيص التشاركي والإستشارة، ومرحلة إعداد المشروع النهائي.
أ-التشخيص التشاركي والاستشارة :
قبل إعداد مشروع تعديل التقسيم الجماعي يجب على عمال العمالات والأقاليم القيام بتشخيص الواقع المجالي مع استخراج مختلف الإشكاليات المطروحة على مستوى المجال وفق مقاربة تشاركية وتشاورية وذلك بمساعدة لجنة تعمل على صعيد العمالة أو الإقليم وتضم في عضويتها أعضاء اللجنة التقنية الإقليمية وسلطات محلية وممثلي الوكالات والمؤسسات العمومية المعنية.
وتقتضي هذه المرحلة جميع المعلومات المتوفرة والحصول على المعطيات التكميلية اللازمة لفهم وظائف المجال المعني، وتحديد رهاناته الكبرى وذلك عبر القيام بتحليل :
- المعطيات التاريخية والجغرافية للجماعة، ونموها الديمغرافي وتوزيعها السكاني.
- التطور الحالي للمشاهد الحضرية والطبيعية، و وضعية البيئة الأصلية.
- الأنشطة الاقتصادية ودورها في تشكيل وتنمية الجماعة: تحديد الحاجيات المرتبطة باستقبال أنشطة الحرف التقليدية و الصناعية و التجارية والخدماتية.
- الإمكانيات والمعيقات المرتبطة بالتنقلات أو بشبكة الطرق ...
- الشروط الضرورية للولوج إلى الأماكن الحيوية، و التجهيزات الرئيسية و كذا إلى المؤسسات العمومية ( المستشفيات ، الإدارات....).
- الأفاق التنموية للجماعة و الحاجيات التي يجب تلبيتها و خاصة منها تلك المتعلقة بالتجهيزات الجماعية بالنظر إلى إسقاطات النمو الديموغرافي .
و يجب على هذا التشخيص أن يستند على مجموعة من المؤشرات هي كما جاءت في دفتر التحملات الخاص بالتقسيم الجماعي، كالآتي : ( مؤشرات متعلقة بالجماعة كالمساحة، الموقع، معطيات تاريخية...، مؤشرات متعلقة بالسكان، مؤشرات متعلقة بالموارد، - البشرية، المالية، والطبيعية-، مؤشرات متعلقة بالتجهيزات، مؤشرات متعلقة بالتغطية الإدارية، مؤشرات متعلقة بمعطيات سوسيواقتصادية ، ومؤشرات متعلقة بالتعمير) .
إلى جانب عملية التشخيص هاته وبالموازاة معها يجب الأخذ بعين الاعتبار المعايير التالية :
- المعايير المجالية
- المعايير الاقتصادية
- المعايير السوسيولوجية
- المعايير البيئية
وبناء على هذا التشخيص يقوم عمال العمالات والأقاليم بوضع مشروع تعديل التقسيم الجماعي الذي يجب أن يكون موضوع استشارة واسعة على الصعيد المحلي.
وفي هذا الصدد تم التأكيد على ضرورة إشراك الإدارة والمنتخبين والسلطات المحلية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين المعنيين ليساهموا في هذا المشروع بملاحظاتهم واقتراحاتهم.*
ب‌- مرحلة إعداد المشروع النهائي :
بعد دراسة الملاحظات والاقتراحات من طرف العمال بتشاور مع مختلف المتدخلين المحليين، يرسل الملف – تدون المقترحات المصادق عليها مشفوعة بالدراسات المتوفرة في جذاذات تقنية بالإضافة إلى تعليقات العامل حول إيجابياتها وسلبياتها- المتعلق بمشروع ملائمة التقسيم الجماعي إلى المصالح المركزية، من أجل استكمال الإجراءات وذلك داخل أجل 80 يوما تبتدئ من تاريخ التوقيع على دورية وزير الداخلية،كما يجب أن ترسل نسخة منه إلى والي الجهة المعني قصد إبداء الرأي .
وتمت الإشارة في المادة9 من دفتر التحملات تمثيل مختلف المقترحات في وثائق خرائطية، بواسطة نظام المعلومات الجغرافية. سيمكن من تقديم الصورة الأولية التي سيكون عليها المجال المعني بالتعديل مما سيساعد على اتخاذ القرار خلال مختلف مراحل المصادقة على مشروع تعديل التقسيم الجماعي.

الفرع الثاني : على المستوى الجهوي
يقوم والي الجهة المعني بدراسة مشروع تعديل التقسيم الذي وضع من طرف العمال ويحيل رأيه المعلل حوله على أنظار المصالح المركزية داخل أجل شهر ابتداءا من تاريخ توصله بالمشروع. وفي حالة تداخل بعض مشاريع التقسيم بين عمالتين أو اقليمين أو أكثر، فإن الوالي مدعو لدراسة مثل هذه الحالات الخاصة، وذلك بمساعدة لجنة جهوية تضم في عضويتها عمال العمالات والأقاليم المعنية.
بعد ذلك يرسل الوالي رأيه في الموضوع إلى المصالح المركزية في الأجل المحدد.
بعد قطع هذه المرحلة سيدخل مشروع تعديل التقسيم الجماعي مرحلة التنفيذ والتي تم تحديد تدابيرها في المادة 12 من دفتر التحملات وهذه التدابير التي يجب اتخاذها هي كالتالي:
- وضع التحديد للجماعات
- وضع الهياكل الوظيفية للوحدات الترابية الجديدة
- تسوية المشاكل العالقة بين الجماعات المعنية – الاتفاقيات المبرمة مع الغير، التعاقدات، الديون، النزاعات، الأحكام وغيرها-
- تقسيم الممتلكات والموارد البشرية
- التقييم الدوري للتقسيم
إذا كانت كل من دورية وزير الداخلية ودفتر التحملات قد أحاطا بتفاصيل مشروع تعديل التقسيم الجماعي فإن هناك إجراءات أخرى تم التصريح بالعمل بها كإصلاحات ضرورية يجب أن تواكب عملية مراجعة التقسيم الجماعي.

المطلب الثالث : إجراءات أخرى مواكبة لعملية ملائمة التقسيم الجماعي
إن الرغبة في إصلاح قطاع أو مجال معين. يجب أن يكون إصلاحا شاملا حتى يكون التكامل ويتحقق النجاح المبتغى. وفي سياق الاستعداد للانتخابات الجماعية 2009 وإلى جانب مشروع تعديل التقسيم الجماعي عبرت الحكومة ( وزارة الداخلية) في العديد من المناسبات، على أن التعديل والإصلاح لن يقتصر فقط على التقسيم الجماعي، بل سيطال جوانب أخرى تتعلق بتحيين الميثاق الجماعي، مراجعة مدونة الانتخابات وخاصة في جوانبها المرتبطة باللوائح الانتخابية ونمط الاقتراع . وقد كشفت الحكومة عن برنامجها هذا وتمت مناقشته في العديد من الاجتماعات حيث اتضح أن الحكومة غير مستعدة لوضع لوائح انتخابية جديدة وأنه سيتسم فقط تحيينها، كما اتضح أن هناك استعدادا لمراجعة أسلوب الاقتراع والذي يجمع بين الاقتراع الفردي في الجماعات التي يقل سكانها عن 25 ألف، وبين الاقتراع باللائحة في الجماعات التي يفوق عدد سكانها 25 ألف ، بالإضافة إلى مراجعة عدد أعضاء مجالس الجماعات الحضرية والقروية التي شهدت تغييرا مهما في عدد سكانها، قصد ملائمة عدد أعضاء المجالس المعنية، إما زيادة أو نقصانا، وهو ما يستوجب قانون ملائمة التقسيم الخاص بالدوائر الانتخابية للجماعات المعنية، أخذا بعين الاعتبار نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2004، وطبقا لأحكام مدونة الانتخابات.
وبالموازاة مع تعديل التقسيم الجماعي، عملت الوزارة على صياغة مخطط خماسي 2008-2012 يهدف إلى تأهيل الوحدات الإدارية الترابية الموجودة، بالإضافة إلى خلق وحدات إدارية جديدة وفق معايير دقيقة. ويروم هذا المخطط أيضا إقرار القيادة كوحدة أولية ومنطلقا للتأطير اعتبارا لخصائص القرب التي تميزها، وذلك استجابة لضرورة حسن تأطير السكان الحضريين منهم والقرويين من أجل عقلنة وحسن تدبير المجال والشأن المحلي، وذلك إدراكا منها لأهمية الارتباط الوظيفي الوثيق بين التقطيع الترابي والتقطيع الجماعي باعتبارهما أداة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية، وقد أوضح وزير الداخلية خلال جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب - بعدما ذكر بأن المغرب ينقسم إداريا إلى عدة وحدات إدارية لا ممركزة موزعة على 516 قيادة، و467 ملحقة إدارية، و199 باشوية، 258 دائرة- بأنه وبالنظر إلى العدد الحالي للوحدات الإدارية، فإن المعدل الوطني لتأطير السكان بالمجال الحضري يمثل 41 ألف نسمة/ ملحقة إدارية، بينما يمثل المعدل الوطني لتأطير السكان في العالم القروي 24 ألف نسمة/قيادة مبرزا ضرورة إعادة النظر في التقسيم الإداري يأخذ بعين الاعتبار الدينامية الديموغرافية الحضرية ومتطلبات الواقع. وأوضح أن كل قيادة إدارية بالمجال القروي تضم معدلا وطنيا يناهز 3 جماعات قروية، علما أن عددا مهما من القيادات تضم أزيد من هذا المعدل الوطني، الشيء الذي يستوجب مراعاة التعديلات التي سيعرفها التقسيم الجماعي. وقد سجل الوزير بأن هذه الإصلاحات مجتمعة " ترمي إلى تمكين الإدارة الترابية من تجسيد المفهوم الجديد للسلطة، المبني على رعاية المصالح العمومية، والشؤون المحلية، والحريات الفردية، وعلى تعزيز سياسة القرب والاقتراب بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وذلك بهدف تعزيز صرح الديمقراطية المحلية وفق الحكامة الجيدة".

وهكذا تكون الحكومة قد عبرت عن اهتمام كبير بمسألة التقسيم الجماعي، بهدف ملائمة الإطار الترابي مع التطور الذي عرفته المعطيات الديمغرافية والمجالية والاجتماعية والاقتصادية، تقويما لنقائص وعيوب التقسيم الجماعي الحالي. وإذا كانت كل من الدورية الوزارية ودفتر التحملات قد أحاطا بجل تفاصيل التقسيم الجماعي من معايير ومبادئ، والمراحل التي يجب أن يتم المشروع وفقها، فإن التساؤلات التي تفرض نفسها هي:
إلى أي حد سيتم التعامل بمصداقية مع هذا الملف ؟ وإلى أي حد سيتم الامتثال إلى ما جاء في الوثيقتين (دفتر التحملات، الدورية الوزارية) ؟ وما هي أهم الثغرات أو الهفوات التي تم تجاهلها أو إغفالها في سياق التخطيط للمشروع ؟!

هذا ما سنحاول التطرق إليه في المبحث الموالي كخطوة لتقييم أولي للظروف والحيثيات التي تم في ظلها الإعداد لمشروع التقسيم الجماعي.

المبحث الثاني : حيثيات وواقع مشروع التقسيم الجماعي الجديد
إن المطلوب من التقسيم الجماعي الجديد و لا شك، هو إصلاح الاختلالات التي أنتجها التقسيم السابق بعيدا عن أي منطق للإرضاء أو الإقصاء، باعتباره من أهم العمليات الممهدة للاقتراع. ويلعب دورا أساسيا في إنجاح أو إفساد العملية الانتخابية ككل. و التقسيم الجماعي هو سلاح غالبا ما يتم التلاعب به من أجل تحقيق مصالح خاصة بجهات معينة ( مصالح المؤسسة المخزنية من جهة، وإرضاء لجهات معينة بحكم مسؤوليتها الجماعية و البرلمانية حتى تضمن تواجدها في المؤسسات المنتخبة).
فإذا كان مشروع التقسيم الجماعي الحالي أحيط بهالة من الشعارات التي تصب كلها في تأكيد عزم الحكومة على تقويم نقائص التقسيم الجماعي الحالي. و ذلك بالعمل على ملائمة الإطار الترابي مع التطور الذي عرفته المعطيات الديموغرافية و المجالية و الاجتماعية والاقتصادية، في إطار تصور مبني على تثبيت واستقرار الخريطة الجماعية دون تحديد مسبق لعدد الجماعات المكونة لها. تأكيدا على الموضوعية في التعامل مع هذا الملف بعيدا عن أي تقسيم مبيت فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو:
هل يمكن أن تقوم انتخابات جماعية حقيقية انطلاقا من الشعارات التي ترفعها الجهات المسؤولة عن الإعداد لها، أو التي تروج لها الأحزاب الحكومية ؟
و هل تملك الدولة الإرادة السياسية لتحقيق المصالحة بين المواطن و المؤسسات لكون أن العملية الانتخابية – و كما قال بذلك الأستاذ ميلود بلقاضي* : " ليست فقط إجراءات تقنية، بل عملية تعبوية و ديمقراطية، خصوصا على المستوى المحلي الذي يكون فيه احتكاك مباشر بين المواطن و المؤسسات المحلية المنتخبة".
فالعبرة في الإصلاح ليست مجرد نصوص، بل بأثرها النافذ الذي لا يمكن تقييمه إلا على صعيد الممارسة من خلال الاحتكام إلى الواقع المعاش. و بالتالي، فإخضاع الانتخابات الجماعية للنقاش لا يجب الاقتصار فيه على المستوى النظري، بل يجب تعديه إلى تقييم للمستوى الواقعي( المطلب الأول) مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المرتبطة بالجوانب السياسية و القانونية إلى جانب الجوانب التنظيمية التقنية.( المطلب الثاني).

المطلب الأول : عدم التزام المسؤولين بالتوجهات الرسمية.
إن المتتبع لكيفية تعامل موظفي وزارة الداخلية مع ملف مشروع التقسيم الجماعي على أرض الواقع، يستشف ببساطة مدى مجانبتهم لما تقرر نهجه في دورية وزير الداخلية، ويتضح ذلك على الأقل من جانبين. جانب مدى إشراك كل الفاعلين –على مستوى الاقتصاد والسياسة...- و المنتخبين و ممثلي الأحزاب، و من جانب آخر و المتمثل في مدى احترامهم للجدولة الزمنية المنصوص عليها في الوثيقة سابقة الذكر.

الفرع الأول : عدم الإلتزام بإشراك كل الفاعلين
" يجب على المشروع الأولي لتعديل التقسيم الجماعي أن يكون موضوع استشارة واسعة في إطار حوار يتم تنظيمه من طرف العامل مع مختلف الفاعلين المحليين (الإدارة، المنتخبين، السلطات المحلية، ... ) قصد تمكينهم من إبداء رأيهم والإدلاء بملاحظاتهم ومقترحاتهم حول هذا المشروع..."
إذا كان هذا هو نص المادة 7 من دفتر التحملات الخاص بالتقسيم الجماعي. و هو ما تم التأكيد عليه أيضا، في المذكرة الوزارية رقم 127 .حيث تم توجيه العمال إلى ضرورة إشراك المنتخبين و السلطات المحلية و الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين.
فإن الواقع حمل في طياته تقصير كبير من هذا الجانب، إذ عبر العديد من المنتخبين أو الفاعلين السياسيين و ممثلي الأحزاب عن إقصائهم و اقتصار حضورهم للمشاورات على الحضور الرمزي دون أن تكون لهم مشاركة فعلية و مساهمة حقيقية في الإعداد للدراسات الخاصة بالمشروع و هنا أشير إلى بعض نماذج ذلك :
- ففي مدينة فاس أثير جدل واسع بخصوص التقسيم الجديد لعمالة فاس، إذ أنه خلال الاجتماع التشاوري تم عرض الدراسة الخاصة بالتقسيم الجديد على الحاضرين، و قد تمت الإشارة إلى أن الدراسة المعدة اعتمدت على المساحات الخاصة بسنة 1992، و قد تم فيها اقتراح توسيع مجال مقاطعة سايس من 20,5 كلم مربع إلى 32,5 كلم مربع، و مقاطعة جنان الورد من 16 كلم إلى 48 كلم، ومقاطعة زواغة من 27 كلم إلى 47 كلم، و مقاطعة المرينيين من 13,5 كلم مربع إلى 39 كلم مربع.
كما اقترحت هذه الدراسة توسيع المدار الحضري إلى 478 كلم مربع بالإضافة إلى هذا جاءت الدراسة باقتراح أربع جماعات حضرية و هي " جماعة اولاد الطيب، جماعة عين الشق، جماعة المشور، جماعة أكدال" بدل جماعتين حضريتين.
ما تم رصده من خلال هذا الاجتماع، هو أن هذه الدراسة تم عرضها جاهزة على المنتخبين. فقد قدم السيد اليمني رئيس مجلس عمالة فاس مداخلة عبر فيها عن وجهة نظر أخرى فيما يخص التقسيم إلا أنه في نهايتها كانت له مؤاخذة عن عدم إشراك المنتخبين بقوله : "...خصوصا وأن المنتخبين لم يساهموا في أعمال لجان الدراسة"
و نفس الشيء عبر عنه المستشار البرلماني الدكتور محمد الحطوري الذي تساءل عن مصدر الدراسة التي قدمت للحاضرين و هل هي دراسة محلية أو خارجية.
هذا بالإضافة إلى مداخلات أخرى عبر فيها المتدخلون عن عدم اتفاقهم مع محتويات الدراسة و عبروا عن مؤاخذتهم لعدم إشراكهم في أعمال لجان الدراسة كما تم التأكيد على ذلك في كل من دورية وزير الداخلية و دفتر التحملات الخاص بالتقسيم الجماعي.
- في مدينة طنجة، رفع النائب البرلماني الدكتور محمد نجيب بوليف مذكرة إلى والي جهة طنجة – أصيلة، و قد نبه فيها عن بعض النقائص و الثغرات. لكنه سجل فيها أساسا إقصاء وعدم إشراك منتخبي – نواب برلمانيين – حزب العدالة و التنمية في الاستشارة الخاصة بالتقسيم. و نفس الإقصاء عانى منه الحزب في مناطق أخرى من مثل جهتي دكالة عبدة ومراكش تانسيفت الحوز. و أيضا بفاس حيث تم إرسال رسالة احتجاج إلى السيد والي جهة فاس بولمان عامل عمالة فاس بتاريخ 17/01/2008. استنكارا للنهج الإقصائي الذي تم التعامل به مع الحزب .
من النموذجين السابقين و نماذج أخرى لا داعي للإسهاب في طرحها، تتأكد الفكرة التي عبر عنها العديد من المنتخبون و المسؤولون و التي تفيد أن اللقاءات التشاورية المنظمة من قبل وزارة الداخلية. كانت لقاءات إخبارية أكثر منها لقاءات تشاورية.
و أن أغلب التقسيمات التي اقترحت توسيع المدار الحضري، إنما هو تقطيع على المقاس يخدم بالأساس " مافيات العقار". و مدينة فاس أحد النماذج البارزة لذلك، إذ يكفي معرفة أسماء الملاكين الذين يملكون آلاف الهكتارات الموزعة على الشريط الذي سيتم توسيع المدار الحضري في اتجاهه، و ما هي الأسماء الوازنة التي يهمها الموضوع، لمعرفة سر الحرص على عملية التوسيع، ولمعرفة أن الحديث عن ترقية بعض مراكز الجماعات القروية إلى مراكز حضرية ما هو إلا عملية محاباة و خدمة لمصالح شخصية ذاتية. و تعبير عن أن هناك اعتبار آخر يحكم المشروع الجديد، اعتبار لا علاقة له بالخصائص المشتركة للسكان و المرتبط بالبعد التاريخي و الثقافي و البيئي، بل فقط بمنطق المحاباة و المحسوبة والزبونية.

الفرع الثاني : عدم الالتزام بالجدولة الزمنية
إذا كانت مذكرة وزير الداخلية أكدت على ضرورة إرسال الملف المتعلق بمشروع ملائمة التقسيم الجماعي إلى المصالح المركزية لوزارة الداخلية في أجل 80 يوما تبدأ من تاريخ التوقيع على الدورية التي أصدرت في نونبر 2007. مما يفيد بأن آخر أجل لإعداد المشروع النهائي لن يتعدى 20 فبراير 2007. فالملاحظ أن المشاورات و الاجتماعات جاءت خارج الآجال القانونية المعلنة.
- ففي طنجة خصص اللقاء التشاوري للنقاش حول المشروع بمقر الولاية يوم 28 فبراير 2008، " يعني خارج الآجال".
- ولم تعقد اللجن الإقليمية بالراشيدية اجتماعها للنقاش حول التقسيم الجماعي بالمدينة إلا يوم 22 فبراير 2007.
- و عقد اللقاء التشاوري على صعيد جهة سوس – ماسة – درعة بأكادير يوم 25 فبراير 2008.
- .......
و حول الجدولة الزمنية فقد وضعت وزارة الداخلية تصورا يقضي بأن إعداد مشاريع النصوص التشريعية و التنظيمية( التعديلات الخاصة بالمدونة و الميثاق الجماعي والنصوص الأخرى) سيتم بين أبريل و ماي 2008.
إلا أنه لم يتم احترام الجدولة الزمنية هاته، إذ و لغاية كتابة هذه السطور، و نحن في بداية يوليوز لم يتم بعد الإفراج عن الميثاق الجماعي الجديد. إلا أن ما تسرب من لقاء عقده وزير الداخلية بالرباط مع 14 رئيس جماعة من الجماعات الكبرى بالمغرب يفيد أن التعديلات التي ستطرأ على الميثاق الجماعي تتجه إلى تكريس "النظام الرئاسي في تدبير في تدبير الشأن المحلي" أي تقوية مؤسسة رئيس الجماعة و منحه صلاحيات واسعة تتمثل في تحويل ميزانية الجماعة دون الرجوع إلى المجلس. و هو ما يعتبره البعض ضربا للديمقراطية المحلية كما تقضي هذه التعديلات بالتفرغ الكامل برؤساء الجماعات من وظائفهم الأصلية في القطاع العام مقابل رواتب شهرية وفق حجم ميزانية كل جماعة.
و هنا يتم التأكيد على أن كل المعايير و المبادئ... التي تضمنتها الدورية الوزارية ودفتر التحملات، تظل حبرا على ورق و تظل شعارات خاصة بالواجهة التي يستتر خلفها جنود مجندين لخدمة مصالح خاصة وفق مبادئ أخرى يبدو أنه من الصعب استئصالها لدى بعض العقليات.
فالتقيد بالجدولة الزمنية تظل مسألة أساسية يجب مراعتها، بل و محاسبة المخلين بها، لما يمكن أن يحدث من انعكاسات في حال الإخلال بها. و على رأس هذه الانعكاسات الاصطدام بضيق الوقت و ما يتيحه من حجية للجوء إلى الارتجالية في التعامل مع الملف وتجاوز ما تم التخطيط له و التنصيص عليه بعذر عامل الوقت .

المطلب الثاني : غياب تام للحديث عن قانونية التقسيم .
يرتبط معيار نزاهة الانتخابات بعنصر الحياد الذي يجب أن تتسم به الجهة المشرفة على الانتخابات في تعاملها مع كل أطراف العملية الانتخابية من مرشحين و ناخبين و مشرفين ومراقبين و في جميع مراحلها بدءا من حق الاقتراع، مرورا بكيفية تحويل أصوات الناخبين إلى مقاعد نيابية، و كيفية ممارسة هذا الحق، و انتهاءا بكل ما يتصل بالإشراف على الانتخابات و فرز الأصوات و إعلان النتائج ، دون أن ننسى بعض الضمانات الأخرى لتحقيق معيار النزاهة و على رأسها، ضمان حماية الدوائر الانتخابية من أي تدخل من أي جهة أو هيئة ما بغرض توجيه النتائج الانتخابية نحو مسار أو نتيجة معينة.
إلا أن السؤال المطروح هل يمكن أن يتحقق الحياد عندما يكون القاضي هو نفسه الخصم ؟ فإذا كان معيار نزاهة الانتخابات يرتبط بعنصر الحياد، فما هي نسبة النزاهة التي ستحقق إذا كانت الحكومة ( وزارة الداخلية ) هي الجهة المشرفة على عملية تحديد الدوائر الانتخابية للجماعات المحلية ؟
إذا كان المغرب وضع هدف تحقيق الانتقال الديمقراطي نصب أعينه، فإن تحديد الهدف لا يكفي في غياب الإرادة الحقة، و التي تتطلب في أحيان كثيرة تقديم تنازلات أو حتى القيام بتضحيات. إلا أن الملاحظ في مسيرة التغيير و الإصلاح التي يصمم المغرب على نهجها هو تشبت بعض الجهات المسؤولة بمكتسبات لها و إن كانت لا تتماشى مع أسس ومبادئ ومعايير الديمقراطية، و كأن تلك المكتسبات إرث شرعي قد تشرك فيه معها جهات أخرى في حدود معينة دون أن يتعدى ذلك إلى تخويله لجهة أخرى. إن الحالة هاته تنطبق على وزارة الداخلية التي ما فتئت تعبر في خطاباتها عن استعدادها لتوفير الظروف المناسبة لإنجاح الاستحقاق الجماعي المقبل (2009)، وجعله محطة متميزة على درب دعم المسلسل اللامركزي للمملكة، لكنها في مقابل ذلك أغفلت أو ( تغافلت عن) مسألة قانونية التقسيم الجماعي، ففي الوقت الذي أولت فيه اهتماما كبيرا للأمور التنظيمية، لم تطرح للنقاش في أي مناسبة مسألة الاختصاص في البث النهائي في التقسيم الجماعي، ولم تلمح حتى باستعدادها لإعادة النظر في الجهة المختصة بالتقطيع.
لقد ظلت إشكالية عدم اختصاص السلطة التشريعية بالبث في التقطيع الجماعي بالمغرب محط نقاش قوي بالمغرب على اعتبار أن هناك دول مثل موريتانيا والجزائر ترجع التقطيع الانتخابي للسلطة التشريعية ليتم ذلك بموجب قانون؛ فيما يعتبر التقطيع الانتخابي في المغرب من اختصاص السلطة التنظيمية وفي حالة الجماعات المحلية يتم التقطيع بواسطة مرسوم الوزير الأول باقتراح من وزير الداخلية.
الفصل 46* من الدستور ينص على أن النظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية يكون موضوع قانون يختص به البرلمان، وبما أن التقطيع الجماعي مرتبط بالعملية الانتخابية، فكيف للنظام الانتخابي أن ينظم بقانون في حين أن التقطيع الانتخابي ينظم بمرسوم؟ فهذا مخالف لمنطق الأشياء ولما هو سائد في التشريعات المقارنة (يؤطر في موريتانيا وفرنسا بقانون).
فالتقسيم الجماعي بالمغرب يدخل ضمن المجال التنظيمي المحفوظ للحكومة، فإحداث جماعات جديدة من جراء تقسيم جماعي أو مراجعة التقسيم الجماعي القديم يتم بواسطة مرسوم يتخذه الوزير الأول ( وفق قرار الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى رقم 5 الصادر بتاريخ 9 ماي 1978) غالبا ما يوقعه بالعطف وزير الداخلية أما فيما يتعلق بتعيين حدود الجماعات القروية و الحضرية فتدخل ضمن اختصاص وزير الداخلية. و هذا ما نص عليه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي على أنه : " تحدث الجماعات و تحذف بمرسوم، ويحدد مركز الجماعة القروية بقرار لوزير الداخلية، يغير اسم الجماعة بمرسوم باقتراح من وزير الداخلية بعد استشارة المجلس المعني أو باقتراح من هذا الأخير " .
إن إشراف وزارة الداخلية على إحداث الدوائر الانتخابية ليثير العديد من الإشكاليات، فإلى جانب ما يمكن أن يحدث من تلاعب بعملية التقطيع على نحو يضمن نجاح مرشح دون آخر وذلك بتمزيق الدوائر عن طريق نقل الموالين من دائرة إلى أخرى و تشتيت ناخبي الأحزاب غير المرغوب فيها بين دوائر مختلفة ... إلخ. فإن هنالك إشكالية قانونية تستدعي التوقف عندها، و المتمثلة في كون أنه إذا كان يمكن نظريا الطعن أمام المحاكم الإدارية في كل المقررات المتعلقة بتطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالانتخابات، فإنه من الصعب جدا، الطعن مباشرة في مشروعية المرسوم المتضمن للتقطيع الانتخابي، أو اعتماد العيوب التي تشوبه كوسيلة قانونية لطلب إلغاء الانتخاب وغياب إمكانية ممارسة تظلم فعلي و فعال ليس سببه فقط الطابع التقني و المعقد للمقرر المراد الطعن فيه، و لكن يجد تفسيره أيضا، في كون المشرع، منع كافة المحاكم من أن تنظر و لو بصفة تبعية في جميع الطلبات التي من شأنها أن تعرقل عمل الإدارات العمومية للدولة أو الجماعات العمومية الأخرى أو أن تلغي إحدى قراراتها.
فالاجتهاد القضائي المغربي ممثلا في الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى و المحاكم الإدارية، لم تتح له فرصة البث في قضايا تتعلق بمنازعات التقطيع الانتخابي غير أنه عرض على المحكمة الابتدائية بالرباط طعن، و صرحت بأنه لا يمكن الاعتماد على كون التقسيم الإداري معيبا لطلب إلغاء نتيجة الانتخاب " لأن أمر التقسيم موكول إلى السلطة الإدارية، فقد يخضع إلى وسائل طعن خاصة، و الاجتهاد القضائي المغربي بذلك يخالف ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي في الأنظمة المقارنة، الذي كرس إمكانية مراقبة القاضي للتقطيع الانتخابي بمناسبة الطعن في العملية الانتخابية.
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الابتدائية بآسفي قضت ببطلان الانتخاب بعلة التقسيم الانتخابي لم يكن مناسبا لخلق مكتب واحد، و جاء في هذه العلة ما يلي : " حيث إن أسباب الطعن تمثلت في منع عدد كبير من الناخبين من التصويت باختلاق أسباب واهية، والاكتضاض المفتعل أمام المكتب، و عرقلة الناخبين من التصويت، و أن تلك الوقائع وقع تأكيدها من طرف الشهود المستمع إليهم من طرف القاضي المقرر.
و حيث إنه، إضافة إلى التفسير المعتمد من طرف الطاعنين بخصوص مجموع الأسباب المثارة، فإنه لما للمحكمة من سلطة في إعادة تكييف تلك الأسباب ( الفصل 3 من ق م م)، فإن الازدحام و حرمان عدد كبير من الناخبين من التصويت ساهم فيه بقسط كبير وجود قرارين إداريين معيبين، ذلك أن الدائرة المذكورة المحدثة بمقتضى قرار السيد وزير الداخلية المؤرخ ب 30/6/1992 و المتخذ بناء اقتراحات السلطة الإدارية الإقليمية تضمنت 1734 ناخبا أي ذات كثافة عالية مقارنة مع الدوائر (1) 659 مسجلا و(5) 617 مسجلا و(9) 567 مسجلا و (14) 809 مسجلا من نفس الجماعة، أي أن هذا التقسيم في حد ذاته أفسده انعدام التوازن في التمثيل، كما أن نفس الجهة قامت بإحداث مكتب وحيد للتصويت بخصوص الدائرة المذكورة خلاف ما كان يقتضيه الموقف من إحداث عدة مكاتب للتصويت اعتمادا على الكثافة الحالية بالدائرة المذكورة، ذلك أنه لو خصصت دقيقة واحدة لكل ناخب لتطلب الأمر بخصوص جميع المسجلين 1734 دقيقة أي 28 ساعة في حين أن الوقت المخصص للدائرة و العملية المذكورتين هو 12 ساعة فقط ".
غير أن المحكمة الابتدائية بالرباط في قرار لها، بتاريخ 11/7/1983، اعتبرت بأن أمر التقسيم موكل للسلطة الإدارية و يخضع إلى وسائل طعن خاصة و بخصوص موقف الغرفة الإدارية من هذه المسألة فليس هناك قرار قضى بإلغاء الانتخاب تأسيسا على تأثير التقطيع على نتائج الاقتراع.
لكل هذه الأسباب كان من الأجدر إعادة النظر في الجهة المشرفة بالتقسيم الانتخابي، اقتداءا بالدول الديمقراطية التي تحرص على إسناد مهمة التقطيع إلى هيئة مستقلة عن الحكومة والبرلمان مثلما هو عليه الحال في ابريطانيا، استراليا، كندا، جنوب افريقيا...
و هو الشيء الذي على ما يبدو لا يزال بعيد المنال في المغرب، خاصة و أن وزير الداخلية في كل تصريحاته، و إن كان يشير إلى كل الإجراءات و التعديلات التي ستواكب عملية تعديل الميثاق الجماعي ( تعيين الميثاق، مراجعة اللوائح...) فإنه يصر على تدويلها ب"...المصادقة على مشروع التقسيم الجماعي ستتم بواسطة مرسوم وفق التشريع الجاري به العمل ".
و هذه النقطة ( الجهة المختصة بالتقسيم ) تحد من فعالية كل الإجراءات التي نصت عليها وزارة الداخلية استعدادا لاستحقاقات 2009 ( و التي أشرنا إليها في المبحث السابق ). وهنا أستشهد بما صرح به النائب البرلماني عبد الله بوانو، بقوله : " ما لم يتم الارتقاء بالتقطيع من مستوى المراسيم إلى قانون، و بالتالي إعطاء المؤسسة التشريعية صلاحية التقطيع، ستبقى التجربة الانتخابية ببلادنا منقوصة، ورغم التشاور فسيبقى منطق الزبونية وضبط الخريطة الانتخابية حاضرا "

المطلب الثالث : التعتيم و التحفظ
إذا كانت الدورية الوزارية و دفتر التحملات قد أكدا،على أن الجهود ستكثف من أجل تقسيم جماعي موضوعي يأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطنين و تراعى فيه المعطيات السوسيولوجية، الاقتصادية، البيئية للمنطقة... فلما التعتيم على حيثيات ملفات التقسيم الجماعي؟ !
ففي محاولة الإحاطة ببعض معالم التغيير التي من المحتمل أن تطرأ على التقسيم بمدينة طنجة، كانت السرية و التكتم هي الإجابة من طرف جل المسؤولين، و إن تم الإلحاح في السؤال يتم الاكتفاء بسرد محتويات دفتر التحملات في إشارة إلى أن التقسيم الجديد سيحترم المعايير السابق ذكرها ( دفتر التحملات).
فبعد زيارات متتالية لمقر ولاية طنجة – المدينة، في محاولة لاستفسار حول بعض حيثيات ملف مشروع التقسيم الجماعي ، كانت الإجابة المتفق عليها، هي أن الملف لا يزال لدى وزارة الداخلية و أنه ملف سري لا يمكن الإفصاح عن المستجدات التي يحملها قبل أن تتم المصادقة عليه. و في هذا السياق جاءت إجابة السيد " مكرم رشيد " نائب رئيس قسم الشؤون العامة – بعد أن أرشدنا إليه مسؤولين آخرين تحفظوا عن الإدلاء بأي معلومة بخصوص الموضوع - كالآتي :
" ما أستطيع الإدلاء به في ما يخص مشروع التقسيم الجماعي بالمدينة، هو أنه تمت مراعاة المتغيرات العديدة التي طرأت على المدينة، و خاصة من جانب التعمير و الجانب الديموغرافي، كما سيتم العمل على تحقيق الملائمة بين التقسيمين الإداري و الجماعي، أخدا بعين الاعتبار البعد الإداري ( تقريب الإدارة من المواطنين ) و في هذا السياق ستتم إعادة هيكلة مقرات بعض الإٌدارات ".و بعد إلحاح في السؤال حول الخطوط العريضة للمشروع، لمح بكون أن أهم متغير سيطرأ على التقسيم الجماعي الحالي هو إلحاق الجماعة القروية للعوامة بالجماعة الحضرية لمدينة طنجة .
هنا يطرح التساؤل، لماذا كل هذا التستر حول معطيات هذا الملف مدام أن الهدف منه هو إصلاح ثغرات التقسيم السابق، و أنه سيرتكز على مجموعة من المعطيات بهدف تعزيز اللامركزية و تقوية الديمقراطية المحلية ؟؟؟


الفصل الثاني : مستجدات مشروع التقسيم الجماعي
بعد أن أخدت وزارة الداخلية و قتها الكافي للبث في التقسيم الجماعي الجديد الذي ستعتمده المملكة كتقطيع انتخابي لانتخابات 2009 ، تم الإعلان في 01 غشت 2008 عن الخريطة الجماعية الجديدة التي أسفر عنها مشروع ملائمة التقسيم الجماعي الذي اندرج في سياق مراجعة الإطار الترابي للجماعات المحلية، بالنظر للتطور المتزايد المسجل على الأصعدة الديموغرافية والمجالية والاجتماعية والاقتصادية... فجاءت الخريطة عبارة عن 1503 جماعات، موزعة على 1282 جماعة قروية، و221 جماعة حضرية.
وذلك بعد القيام بمجموعة من عمليات التعديل شملت 13 جهة من جهات المملكة .تراوحت بين حذف جماعات،إدماج بعضها و ترقية أخرى من جماعات قروية إلى جماعات حضرية...( المبحث الأول) .
و قبل ذلك و بتاريخ 14 يوليوز 2008 صادق المجلس الوزاري على مشروع قانون رقم 08.17 يغير ويتمم بموجبه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي. و تمت إحالته على مجلس النواب لبداية الاشتغال عليه. و قد تضمن هذا المشروع مجموعة من المستجدات و التعديلات بغية تجاوز نقائص الميثاق الجماعي 78.00 ( المبحث الثاني).
وفي انتظار تعديلات أخرى وعدت وزارة الداخلية بإنجازها - كإمكانية ملاءمة التقسيم الإداري للمملكة في شقه المرتبط بالعمالات والأقاليم، مع المستجدات والتطورات المجالية والسكانية المسجلة.. - سنتوقف من خلال المبحثين المواليين مع تفاصيل كل من الخريطة الجماعية الجديدة ومشروع قانون 17.08

المبحث الأول : الخريطة الجماعية الجديدة للمغرب
عرفت الخريطة الجماعية المغربية تعديلات عديدة في إطار مشروع التقسيم الجماعي الممهد لانتخابات 2009 ، و ذلك في محاولة لملائمة المجال الترابي مع التطورات التي تعرفها جل المناطق المغربية من الناحية الديمغرافية ، و الاقتصادية ... لتحقيق نوع من التوازن يكفل تحقيق مستوى معين من التنمية المحلية للوصول إلى تنمية وطنية شاملة لمواكبة التطورات الدولية . و في هذا السياق سنحاول عرض أهم التعديلات التي طرأت على الخريطة الجماعية – مطلب أول – مع قراءة بسيطة لمختلف التعديلات – مطلب ثاني - .

المطلب الأول : معلومات تقنية عن الخريطة الجماعية الجديدة
1 تعديل المجال الترابي للجماعات الحضرية :
تعديل المجال الترابي للجماعات الحضرية

أنظر النسخة المرفقة

المطلب الثاني : قراءة في الخريطة الجماعية الجديدة
أسفرت التغييرات، التي أحدثها مشروع ملاءمة التقسيم الجماعي، عن توفر الخريطة الجماعية للمغرب على 1503 جماعات، موزعة على 1282 جماعة قروية، و221 جماعة حضرية. أي بزيادة إجمالية لا تتجاوز 0,5 بالمائة.
و شملت عملية الملاءمة، التي أشرفت عليها وزارة الداخلية، 484 جماعة محلية من أصل 1497، شكل فيها العالم القروي الانشغال الأساسي والمحوري أثناء مرحلة إعداد المشروع، إذ همت هذه العملية 480 جماعة قروية من أصل 635، و119 جماعة حضرية.
كما جرى تعديل المجال الترابي، فبالإضافة إلى 119 جماعة حضرية، شهدت 8 جماعات تقليص مجالها الحضري " الجدول 1 "، وجرت أيضا 136 عملية ضم جزئي داخل الإقليم نفسه، و30 أخرى في إطار اقتطاع لفائدة إقليم مجاور أو عمالة مجاورة، فضلا عن 25 عملية ضمن الضم الجزئي داخل أقاليم مجاورة، و281 اقتطاع لفائدة الإقليم نفسه أو العمالة .
ونص مشروع التعديل، أيضا، على إحداث 14 جماعة قروية جديدة، إلى جانب جماعتين حضريتين جديدتين، كما جرى إدماج 10 جماعات في ما بينها (الجدول4)، وترقية 20 جماعة قروية إلى جماعات حضرية ( الجدول 2) ، علاوة على حذف 10 جماعات قروية منها 5 في إطار الدمج (الجدول 4) ، وجرى تعديل تصحيح الحدود ما بين 75 جماعة، منها 24 جماعة حضرية و51 جماعة قروية واقتصرت على مجالات ترابية خالية من السكان.
و قد مست مختلف هذه التعديلات 13 جهة في المغرب ( كما يتضح ذلك من الجدول 1أعلاه) ، في حين لم تسجل أية عملية ملاءمة بثلاث جهات وهي كلميم-السمارة، ووادي الذهب-الكويرة, والعيون بوجدور الساقية الحمراء، التي حافظت على عدد جماعاتها على التوالي:60جماعة،13جماعة،و14جماعة.

وأتت جهة مراكش تانسيفت الحوز في مقدمة جهات المغرب التي سجلت بها أكبر عملية ملاءمة ب71 عملية في إطار التقسيم الجماعي لسنة 2008 الذي أشرفت على إعداده وزارة الداخلية ، إذ ارتفع عدد الجماعات بجهة مراكش-تانسيفت-الحوز ((5 من العمالات والأقاليم من 213 جماعة (15 حضرية و198 قروية) إلى215 جماعة (18 حضرية و197 قروية)، بموجب71 عملية ملاءمة أسفرت، على المستوى القروي، عن إحداث جماعتي "اغواطيم" بإقليم الحوز، و"الجبيلات" بإقليم قلعة السراغنة، وترقية 3 جماعات قروية إلى جماعات حضرية وهي تحناوت وأمزميز من إقليم الحوز، وسيدي بوعثمان من إقليم قلعة السراغنة، فيما شمل التعديل (حضريا) 10 جماعات من أصل 15 جماعة .

جهة الدار البيضاء الكبرى التي تضم17 جماعة (7 حضرية و10 قروية) موزعة عبر4 من العمالات والأقاليم,عرفت 26 عملية ملاءمة ليصبح العدد الإجمالي للجماعات في إطار المشروع18جماعة (10 حضرية و8 قروية).
وقد شملت عملية الملاءمة على المستوى القروي8 جماعات قروية من أصل10، تمثلت في7 عمليات اقتطاع وعمليتي ضم بنفس الإقليم أو العمالة وإحداث جماعة "اولاد عزوز بإقليم النواصر, بينما على المستوى الحضري, هم تعديل المجال الترابي5 جماعات من أصل7، فيما تم ترقية3 جماعات قروية إلى جماعات حضرية وهي بوسكورة ودار بوعزة بإقليم النواصر، ولهراويين بإقليم مديونة .

جهة الرباط –سلا زمور زعير التي تضم50 جماعة (10 حضرية و40 قروية) موزعة عبر4 من الأقاليم والعمالات, عرفت39 عملية ملاءمة, ليصبح العدد الإجمالي للجماعات بالجهة51 جماعة (13 حضرية و38 قروية ) فعلى المستوى القروي, جرت15 عملية اقتطاع و4 عمليات ضم بنفس الإقليم أو العمالة وإحداث جماعتي "عامر بعمالة سلا، و"آيت على أولحسن بالخمسيات؛ وإدماج جماعتي سيدي بوخلخال وعين الجوهرة في جماعة واحدة بإقليم الخميسات. أما حضريا, فشمل تعديل المجال الترابي7 جماعات, فيما تم ترقية3 جماعات قروية إلى جماعات حضرية وهي عين عتيق وسيدي علال البحراوي وسيدي أبي القنادل .

وبجهة الشاوية ورديغة التي تضم117 جماعة (15 حضرية و102 قروية) موزعة على3 من الأقاليم و العمالات, فتراجع عدد جماعاتها إلى114 (19 حضرية و95 قروية) إثر64 عملية ملائمة أفضت, على المستوى القروي , إلى27 عملية اقتطاع و11 عملية ضم بنفس العمالة أو الإقليم حذفت بموجبها جماعتان قرويتان هما عين الضربان بسطات، وموالين الغابة ببن سليمان, وإحداث جماعتي"أولاد زيان و"سوالم طريفية بإقليم سطات, ودمج6 جماعات فيما بينها بإقليم سطات .
أما على المستوى الحضري, فتم تعديل المجال الترابي ل8 جماعات, بينما تم ترقية 4 جماعات قروية إلى أخرى حضرية وهي الدروة وسيدي رحال الشاطئ وحد السوالم بسطات، والمنصورية ببن سليمان

والجهة الشرقية التي تضم6 من العمالات والأقاليم سيصبح بها114 جماعة (27 حضرية و87 قروية) عوض113 حاليا (22 حضرية و91 قروية) وقد تم في إطار عمليات الملاءمة التي بلغ عددها70 عملية , على المستوى القروي ,18 عملية ضم و32 عملية اقتطاع داخل نفس العمالة أو الإقليم وإحداث جماعتي "امطالسة بإقليم الناظور، و"عين الشعير بإقليم فكيك, وحذف جماعة فرخانة التابعة لإقليم الناظور .
وتم تعديل المجال الترابي , على المستوى الحضري , ل14 جماعة, بينما تم ترقية5 جماعات قروية إلى جماعات حضرية وهي سلوان ورأس الماء وابن الطيب والدريوش وميضار

بجهة الغرب الشراردة بني حسن التي تضم 2 من العمالات والأقاليم, سجلت 37 عملية ملاءمة أفضت إلى فرز74 جماعة (11 حضرية و63 قروية) عوض72 حاليا (11 حضرية و61 قروية) وتمت في هذا الإطار , على المستوى القروي ,6 عملية ضم و21 عملية اقتطاع داخل نفس العمالة أو الإقليم وإحداث جماعتي "عامر الشمالية "وسيدي محمد بن منصور بإقليم القنيطرة, بينما شملت عمليات الملاءمة , على المستوى الحضري ,10 جماعات من أصل11 جماعة .

بجهة تادلة أزيلال (2 من العمالات والأقاليم) جرت19 عملية ملاءمة أسفرت عن الإبقاء على82 جماعة (9 حضرية و73 قروية) مع إجراء ضم واقتطاع بالجماعة القروية لسيدي جابر واقتطاعات لصالح جماعات مجاورة, فيما شمل التعديل حضريا،7جماعات من أصل 9 جماعات .

بجهة تازة الحسيمة تاونات أصبح عدد الجماعات بعد42 عملية ملاءمة, ما مجموعه 133 جماعة (15 حضرية و118 قروية) عوض132 جماعة (14 حضرية و118 قروية) بهذه الجهة التي تتشكل من3 من الأقاليم والعمالات وتمت في هذا الإطار (قرويا)11 عملية ضم و17 عملية اقتطاع داخل نفس العمالة أو الإقليم وإحداث جماعة حضرية واحدة "أجدير بإقليم الحسيمة، مع5 عمليات ضم من عمالة أو إقليم آخر و3 عمليات إلحاق لعمالة أو لإقليم آخر, بينما شملت عملية الملاءمة6 جماعات حضرية من أصل14 جماعة

بجهة دكالة عبدة (2 من العمالات والأقاليم) انتقل عدد الجماعات من87 جماعة (10 حضرية و77 قروية) حاليا إلى88 جماعة (10 حضرية و78 قروية), وذلك بعد عمليات الملاءمة التي وصلت إلى40 جرت خلالها (قرويا)22 عملية اقتطاع و10 عملية ضم بنفس الإقليم أو العمالة وإحداث جماعة جديدة "شهدة بإقليم آسفي, فيما همت الملاءمة بالمجالات الحضرية تعديل تراب8 جماعات من أصل10 , مع تقليص المدار الحضري لجماعة "جمعة سحيم التابعة لإقليم آسفي.

وبجهة سوس ماسة درعة التي تضم7 من الأقاليم والعمالات بها236 جماعة (24حضرية و212 قروية), أصبحت بها أيضا236 جماعة (26 حضرية و210 قروية) وذلك بعد70 عملية ملاءمة أثمرت , على المستوى القروي , ترقية جماعتين قرويتين إلى جماعتين حضريتين وهما لقليعة بإقليم إنزكان آيت ملول، وأولوز بإقليم تارودانت, وعلى المستوى الحضري تعديل10 جماعات من أصل24 جماعة.

بجهة طنجة-تطوان (6 من العمالات والأقاليم) تم تسجيل47 عملية ملاءمة أفضت إلى فرز99 جماعة (11 حضرية و88 قروية) عوض97 جماعة (10 حضرية و97 قروية), وذلك على المستوى القروي , بعد11 عملية ضم و21 عملية اقتطاع بنفس الإقليم أو العمالة وإحداث جماعتي "حجر النحل" بعمالة طنجة أصيلا و"بليونش" بعمالة المضيق الفنيدق، وحذف جماعة بوخالف بعمالة طنجة-أصيلا، وعمليتي ضم من عمالة أو إقليم آخر و5 عمليات إلحاق لعمالة أو لإقليم آخر, أما على المستوى الحضري, فشمل التعديل7 جماعات من أصل10 وإحداث جماعة واحدة "كزناية بعمالة طنجة أصيلا"

وبجهة فاس بولمان (2 من العمالات والأقاليم ) فسجلت بها48 عملية ملاءمة أفضت إلى الإبقاء على60 جماعة (12 حضرية و48 قروية) بعد إجراء (قرويا)15 عملية ضم و19 عملية اقتطاع وعمليتي ضم من عمالة أو إقليم آخر وثلاث عمليات إلحاق لعمالة أو لإقليم آخر, وملاءمة , على المستوى الحضري , شملت9 جماعات من أصل12 جماعة .

بجهة مكناس تافيلالت (5 من العمالات والأقاليم) تقلص عدد الجماعات من134 جماعة (23 حضرية و111 قروية) إلى132 جماعة (23 حضرية و109 قروية) بعد إجراء63 عملية ملاءمة, أفرزت , على المستوى القروي ,25 عملية اقتطاع و7 عمليات ضم بنفس الإقليم أو العمالة وإدماج جماعتي كرمة بنسالم و وليلي في جماعة واحدة بعمالة مكناس؛ وحذف جماعة عين كرمة بمكناس، أما حضريا، فشمل التعديل17 جماعة من أصل23.

المبحث الثاني : مشروع الميثاق الجماعي الجديد
في ظل المساعي المتواصلة لتقوية سياسة اللاتمركز تتواصل الإنجازات على الصعيدين القانوني والتنظيمي، الرامية إلى تجاوز نقائص و ثغرات الوثائق و النصوص القانونية المؤطرة لكل ما له علاقة بتوزيع الأدوار بين السلطة المركزية و الجماعات المحلية و داخل هذه الأخيرة.
و من الإجراءات التي واكبت الإعداد لمشروع التقسيم الجماعي، العمل على تعديل بعض مقتضيات الميثاق الجماعي 78.00 والتي جاءت – كما عبر عن ذلك وزير الداخلية - بهدف تحسين الحكامة المحلية بالعمل على خلق شروط تكوين أغلبية منسجمة داخل المجالس الجماعية، وتفعيل دور اللجان الدائمة وتحسين نظام المنتخب وتعزيز الادارة المحلية بإعادة النظر في اختصاصات الكاتب العام. و إيلاء أهمية خاصة لتدبير المدن الكبرى، وذلك بالنظر إلى دورها في إنتاج الثروات وفرص الشغل، بهدف مواجهة العجز الذي راكمته في مجال التجهيزات الأساسية بفعل التطور العمراني السريع والضغط الديمغرافي الذي تعرفه...
إذا كانت هذه هي الخطوط العريضة التي ألحت على ضرورة إعادة النظر في الميثاق الجماعي 78.00 ، فإننا سنحاول من خلال هذا المبحث رصد مدى تجسد كل هذه العناصر في مشروع تعديل الميثاق الجماعي 17.08 و ذلك من خلال قراءة بسيطة لهذا الأخير – المطلب الأول – مع إبداء بعض الملاحظات التي تفرض علينا لسبب أو لآخر التوقف عندها - المطلب الثاني -



المطلب الأول : قراءة في المقتضيات القانونية الجديدة في الميثاق الجماعي
(مشروع قانون رقم 17.08)


مشروع قانون رقم 17.08 جاء ليغير و يتمم بموجبه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي ، لكن هذا التغيير لم يطل إلا مواد محدودة و هي كالآتي :
المواد : 6 ( الفقرتين السادسة و السابعة )، 11. 12 . 14. 16. 34 . 36 . 37 . 39 . 48 . 50. 55. 69. 71 . 78 . 79 . 83 . 85 . 101 . 102 . 104 . 106 . 111 و 126.
سنحاول من خلال الفقرات الموالية جرد أهم المستجدات التي تضمنتها مختلف هاته المواد.
- انتخاب الرئيس و نوابه يتم داخل نفس الجلسة . و لايتم انتخاب الرئيس في الدور الأول للاقتراع إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء المزاولين مهامهم . و إذا لم يتم والحصول على هذه الأغلبية ، يتم إجراء دور ثاني للاقتراع بين المترشحين المرتبين بحسب عدد الأصوات المحصل عليها في الرتبتين الأولى و الثانية .و إذا لم تحصل الأغلبية المطلقة يتم انتخاب الرئيس بالأغلبية النسبية في الدور الثالث. (المادة 6 )
- دور رئيس المجلس الجماعي تعزز من خلال بعض التعديلات :
• إسناد مسؤولية إعداد الميزانية لرئيس المجلس و حذف مقرر الميزانية ( المادتين 11و 12)
• الرئيس هو الذي يعد المخطط الجماعي للتنمية طبقا لنموذج محدد من طرف الإدارة ( المادة 34)
• تخويل جميع الاختصاصات المتعلقة بالشرطة الإدارية لرئيس المجلس الجماعي ( المادة 106)
- في مجال التفويض، رئيس المجلس لا يمكنه أن يفوض في أكثر من قطاع لنائب واحد ( المادة 55)، و حصر صلاحية التفويض في الشؤون الإدارية للكاتب العام فقط .و هنا تعزز أيضا دور الكاتب العام ( المادة54 مكررة)

- تعزيز نظام المنتخب، وذلك باعتماد نظام يسمح بالتفرغ للموظفين من رؤساء المجالس الجماعية أو رؤساء مجموعة الجماعات بطلب منهم مع الاحتفاظ بوضعيتهم النظامية داخل الإدارة التي ينتمون إليها. ( المادة 16)
غير أن هذا التعديل الهام يرتبط تطبيقه بإصدار نص تنظيمي يحدد الشروط والمعايير التي يجب توفرها في الجماعات أو مجموعات الجماعات التي يمكن أن يمارس فيها هذا الحق.

- اعتماد مسطرة جديدة في التصويت على الحساب الإداري، التصويت العلني على الحساب الإداري المعروض من طرف الرئيس . إحالة الحساب الإداري على المجلس الجهوي للحسابات في حالة رفضه من طرف المجلس وتطبيق مقتضيات المادتين 143 و 144 من القانون المتعلق بمدونة المحاكم لـ 13 يونيو 2002.(المادة71)

- تقوية تقوية دور اللجان الدائمة للمجلس بإضافة لجنة دائمة رابعة بالنسبة للجماعات التي يفوق عدد سكانها 100 ألف نسمة والاقتصار على لجنتين بالنسبة لباقي الجماعات وتم تفعيل دور هذه اللجان التي تعد تقارير في المسائل التي تدخل في اختصاصاتها توجه داخل أجل 21 يوما قبل تاريخ افتتاح كل دورة الى رئيس المجلس وتعرض على المجلس إذا رغب رؤساء اللجان في ذلك حيث تسجل تلقائيا في جدول أعمال الدورة. ( المادة14)

- فيما يخص أهم المستجدات المتعلقة بوحدة المدينة :
*حصر اختصاصات رئيس مجلس المقاطعة في تسليم رخص البناء ورخص السكن المتعلقة بالسكن الفردي شريطة توفر وثائق للتعمير سارية المفعول. ( المادة 104)
وكذا تقسيم المنحة الإجمالية المخصصة للمقاطعات إلى حصتين: حصة التنشيط المحلي على أساس عدد سكان كل مقاطعة وحصة التدبير المحلي لتغطية المصاريف المتعلقة بتسيير التجهيزات والخدمات التي تهم المقاطعة وتحدد من طرف المجلس الجماعي باقتراح من رئيسه .وفي حالة عدم الاتفاق يتم إقرارها بناء على معدل الاعتمادات التي تم صرفها فعليا في إطار ميزانيات الخمس سنوات المالية الأخيرة لكل مقاطعة،كما يقترح المشروع إحداث هيئة استشارية برئاسة رئيس المجلس الجماعي ،تدعى: «ندوة رؤساء المقاطعات» الهدف منها الدراسة وإبداء الرأي في الأمور المتعلقة بالمقاطعات. ( المادة132)

• وضع جل الاختصاصات بيد المجلس الجماعي وتخويله صلاحية تفويض جزء منها إلى مجالس المقاطعات، و ممارسة هذه الأخيرة العديد من الاختصاصات لحساب وتحت مسؤولية و مراقبة المجلس الجماعي ( المواد 101،102،106)

- ومما جاء به المشروع أيضا اعتبار مجموعة التجمعات الحضرية مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي . و هي تحدث بمبادرة جماعات متجاورة تقع داخل مجال ترابي متصل يفوق عدد سكانها 200.000 نسمة، يمكن أن يشمل كذلك جماعة أو جماعات قروية ، بهدف التشارك من أجل إنجاز و تدبير مرافق ذات فائدة مشتركة . و تم تحديد مسطرة إحداثها ، و اختصاصاتها...(الفصل الثالث من الباب السابع )

- ومن التعديلات الهامة التي أتى بها المشروع الجديد تعزيز آليات تدبير المرافق العمومية الكبرى ذات النفع المشترك ومنها إطار قانوني يوفر لها آليات جديدة للتمويل وتدبير الممتلكات والموارد البشرية وكذا اعتماد نظام أساسي لشركات للتنمية المحلية يتميز باعتماد القواعد المطبقة على الشركات المجهولة الاسم مع مراعاة بعض الاستثناءات كشرط أن لا تقل مساهمة الجماعات في رأسمال هذه الشركة عن نسبة % 34 بأقلية فاعلة. (المادة 140)


المطلب الثاني : ملاحظات حول تعديلات الميثاق الجماعي الجديد

بالتوقف عند أهم المستجدات التي تضمنها مشروع قانون 17.08 .يمكن تلمس مجموعة من السلبيات التي تطفو من داخل تلك التعديلات .
فبخصوص التعديل الذي طال المادة السادسة، نجد أنه لم يستطع التغلب على أهم مشكل تعاني منه الجماعات المحلية بعد الانتخابات ألا و هو صعوبة إفراز أغلبية متجانسة ومعارضة فعالة خاصة بالنسبة للجماعات المحلية التي يتم انتخاب مجالسها الجماعية طبقا لنمط الاقتراع باللائحة.
ذلك أن تعديل هذه المادة السادسة مرتبط أساسا بإصلاح مدونة الانتخابات إذ ليس من المفيد أن ينتخب المجلس الجماعي باعتماد نظام اللائحة ويتم انتخاب الرئيس ونوابه باعتماد الاقتراع الفردي. فالأمر يتطلب تعميم نظام اللائحة على طريقة انتخاب الرئيس ونوابه، مع اعتماد آليات جديدة تضمن إفراز أغلبية منسجمة ومعارضة فعالة. و أنذاك يكون للتعديل قيمة أكبر لما سيحققه من إصلاح جدري.
وفيما يخص الجماعات ذات نظام المقاطعات يجب التفكير في فصل انتخاب أعضاء المجلس الجماعي عن انتخاب مستشاري المقاطعات باعتماد نمط الاقتراع اللائحي على مستوى المدينة تمشيا مع روح وفلسفة وحدة المدينة، واعتماد نمط الاقتراع الفردي على مستوى مجالس المقاطعات انسجاما مع طبيعة الاختصاصات المخولة لمجالس المقاطعات، اختصاصات القرب ونفس الطريقة تجري على انتخاب الأجهزة التنفيذية.
و فما يخص التعديل الذي طال المادتين 11و 12 ، و المتعلق بإسناد مسؤولية إعداد الميزانية لرئيس المجلس وحذف مقرر الميزانية الذي كان يلعب دورا في كل ما يخص الجانب المتعلقة بالتدبير المالي. نجد أن تقوية مؤسسة رئيس المجلس قد ينجم عنها ذلك من عواقب وخيمة على التدبير المالي. خاصة و أن أغلب رؤساء المجالس الجماعية لا يتوفرون على مستوى تعليمي يؤهلهم للقيام بمثل هاته المهام ذات المساطير الخاصة والتي تتطلب لإنجازها على أكمل وجه مستوى تعليمي يتعدى الشهادة الابتدائية .

و من بين السلبيات التي تتبدى من بين ثنايا تعديلات هذا المشروع نشير إلى المادة 54 مكررة. في الجانب المتعلق بمجال تفويضات الرئيس لنوابه وللكاتب العام، حيث تم إقرار أن رئيس المجلس لا يمكنه أن يفوض في أكثر من قطاع لنائب واحد. وحصر صلاحية التفويض في الشؤون الإدارية للكاتب العام فقط . إذا كان هذا التعديل يسعى إلى الرفع فعالية الإدارة المحلية في بعدها التنظيمي بتقوية مؤسسة الكاتب العام للجماعة كأداة فعالة للجهاز التنفيذي. على الرغم من أهمية هذه التعديلات، فإن ضعف فعالية الإدارة المحلية لا يعود فقط لأسباب مرتبطة بمؤسسة الكاتب العام ولكنه يرجع بالأساس إلى افتقار المجالس الجماعة لإدارة محلية مكتملة البنيات مؤهلة وقادرة على تقديم الخدمات للمواطنين بالسرعة والجودة المطلوبين، فالإدارة المحلية للجماعات تعاني في مجال الموارد البشرية من تضخم كمي وضعف نوعي وتداخل على مستوى توزيع وتسلسل المهام، وإخلال على مستوى إسناد المسؤوليات وفقر على مستوى الوسائل والحوافز. ولن يتأتى تأهيل الإدارة المحلية بدون معالجة شاملة لكل الاختلالات التي تطبع سير الإدارة المحلية، وإرساء آليات للحفز والتشجيع على التكوين والابتكار وأن تكون الحكامة الجيدة راسخة بعمق في أخلاقيات وممارسة كافة الفاعلين في التنمية المحلية.

- هناك ملاحظة أيضا تتعلق بمستجد المادة 14، و المتعلق بإضافة لجنة دائمة رابعة بالنسبة للجماعات التي يفوق عدد سكانها 100 ألف نسمة والاقتصار على لجنتين بالنسبة لباقي الجماعات. فعلى الرغم من أهمية هذا التعديل فإن تفعيل مقتضياته مرتبط برغبة رؤساء اللجان الدائمة، وليس بالقرارات الصادرة عن أغلبية أعضاء اللجنة كما أنه من نواقص هذا التعديل عدم إلزامية اجتماعات اللجان الدائمة قبل كل دورة لتدارس المسائل التي تدخل في اختصاصاتها خاصة المرتبطة بجدول أعمال الدورة.
ومن أهم الملاحظات أيضا، نجد أن مستجدات مشروع التعديل فيما يخص وحدة المدينة لم تتغلب على أهم مشكل طفا على السطح بعد الأخذ بنظام وحدة المدينة. إذ بعلم يتعامل معه بالموضوعية اللازمة، ألا و هو مشكل تداخل الاختصاصات وتضاربها بين المجلس الجماعي ومجالس المقاطعات وما تعلق بعلاقات التتبع والمراقبة أو مجال النظام المالي.
فالمواد 101/102/106 تعبر عن أن المشروع تضمن أسهل الحلول و أكثرها سذاجة، دون الدخول في أدنى تعقيد وضع جميع الاختصاصات بيد المجلس الجماعي وخوله صلاحية تفويض جزء منها إلى مجالس المقاطعات !! مما يعبر عن تقزيم كبير لمجالس المقاطعات لحساب المجالس الجماعية. و في المقابل و بالرغم من ضآلة اختصاصاتها تخضع مجالس المقاطعات لمراقبة مزدوجة. هذا إلى جانب إشكاليات أخرى تبدو بوضوح فيما يتعلق بالنظام المالي و خاصة تحديد الميزانية المخولة لكل مقاطعة.

إن ما أثرناه من ملاحظات أعلاه تدعونا إلى الحديث عن واقع و آفاق الجماعات المحلية من خلال فرعين اثنين : فرع أول سنخصصه للحديث عن واقع و أفاق الجماعات المحلية .
و فرع ثاني نتساءل فيه عن إمكانية اعتبار التقسيم الجماعي كآلية للتغيير .

الفرع الأول : واقع الجماعات المحلية
إذا كانت التقسيمات الجماعية السابقة تقوم على أساس معايير و دوافع معينة فإن معرفة مدى نجاعة تلك التقسيمات لا تتبدى و لا تتضح إلا من خلال مساءلة الواقع، و تقييم مدى تحقق الكفايات الرئيسية التي يرجى من التقسيم الجماعي تحقيقها.
و إذا كان الدور التنموي هو الدور المنوط بالجماعة سواء كانت حضرية أو قروية، فإن الواقع يعبر عن تقصير كبير في هذا الجانب .
فالجماعات المحلية تعيش في ظل أوضاع تعبر أشد التعبير عن كون أن الخطاب الرسمي يسبح في فلك غير الذي تسبح فيه واقعيا هذه الجماعات. فإذا كان هذا الأخير -الخطاب الرسمي- لا يغفل عن أي فرصة للتذكير بالدور التنموي المنوط بالجماعات المحلية تحقيقه في إطار تعزيز اللامركزية وتثبيت أسس الديمقراطية، فإن هذا الدور التنموي يظل يصطدم بمجموعة من العوائق.

- الفقرة الأولى : رصد لواقع الجماعة المحلية
بنظرة من أعلى على الجماعات المحلية يتضح بجلاء أنها أضحت ذلك المحيط الجغرافي الصغير الذي يتم في ظله تقسيم الثروات بشكل غير عادل بين المسؤولين عن الجماعة و مواطنيها .
إن التصور العام لجميع الناس عن الجماعة المحلية يفيد بأنها عبارة عن مجموعة من السكان يقنصون حدودا ترابية معينة من خريطة الدولة، يتميزون بخصائص محددة، و بقيم اجتماعية لها علاقة بالعادات و التقاليد و الأعراف التي تفرزها الوضعية الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و السياسية للجماعة التي تنتخب من بين أعضائها من يمثلها في المجلس الجماعي الذي يشرف على تنظيم الشؤون العامة للجماعة، و تساعد المواطنين على تنظيم شؤونهم الخاصة. كما يعمل على إحداث تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية من اجل النهوض بالجماعة على جميع المستويات في إطار التنسيق مع الإقليم، و مع الجهة، و على المستوى الوطني.
و هذا التصور الذي وقفتا عليه هو المفترض، إلا أنه، و لحسابات سياسية ضيقة، قد تكون الجماعة مجتزأة من عدة مكونات لا علاقة لها بالتكون الطبيعي للسكان، و بالتكون الجغرافي و التاريخي ، مما يجعل العادات، و التقاليد والأعراف متناقضة أحيانا. مما يجعل التنمية تتفاوت بين أجزاء تراب الجماعة.
و هذا الخلل قد يحصل في معظم الجماعات على المستوى الوطني، خاصة في إطار تقسيم جماعي، تلعب فيه السلطة الوصية دورا أساسيا لخدمة جهات ترضى عنها، و تحت تأثير الهاجس الأمني الذي صار غولا مرعبا في تاريخ المغرب الحديث .
و ما تقوم به السلطة الوصية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة تكمن في إنضاج شروط التزوير الذي يتمثل في شراء الضمائر، و التلاعب في محاضر مكاتب التصويت، دون أشياء أخرى. و لذلك نجد أن مفهوم الجماعة يتحدد من خلال ما ترسمه السلطة الوصية من اجل تسهيل تمرير مخطط التزوير في مختلف المحطات الانتخابية لصناعة الخريطة السياسية التي تراها مناسبة لها على المستوى الوطني، و هو أمر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعبر عن إرادة المواطنين بصفة عامة، و عن إرادة الناخبين بصفة خاصة.
و بذلك نصل إلى خلاصة أن تدخل السلطة الوصية يؤثر بشكل كبير في تحديد مفهوم الجماعة بعيدا عن التشكيل الطبيعي، و الحقيقي للجماعة نفسها.
و إذا كان هناك إقرار بتراكم إداري للتجربة اللامركزية المغربية خاصة بالنسبة لمستواها القاعدي ( المجالس الجماعية) فإن قياس هذه التجربة بمقياس مؤشر التنمية المحلية يجعلها مطبوعة بالضعف و المحدودية ذلك أن الحصيلة في هذا الجانب تبقى في أكثر من مجال قاصرة لأجل تلبية حاجيات السكان المتنامية في المجال الحضري و القروي مما أثر على التنمية الوطنية.
فالحاجيات في مجال الاستثمارات العمومية المحلية تصطدم بواقع التجهيز العمومي الذي ينطبع بالضعف في قطاعات البنيات الأساسية أو التنمية الصناعية و الفلاحية والاجتماعية و الثقافية، كما أن هذه الوضعية تنطبع من جانب ثان بالاختلال خاصة بين المجالين الحضري و القروي مما يؤثر على التنمية الوطنية. وهكذا فإن الأرقام أواخر التسعينات سجلت أن التجهيز العمومي كان كالتالي:
- 56% من المناطق القروية تعيش عزلة تامة.
- 67% من سكان هذه المناطق أميون.
- 54% من الأطفال في سن التمدرس غير متمدرسين، في حين تصل النسبة لدى الفتيات87 %.
87% من العائلات لا تتوفر على الكهرباء.
%70 على الأقل من السكان لا يتوفرون على الماء الشروب.
إن ضعف مؤشرات التنمية المحلية يمكن ردها إلى مجموعة من العوامل المتعددة والمتداخلة التأثير، و هي إما سياسية، اقتصادية، اجتماعية أو إدارية أو بشرية، و هذه العوامل تجد ترجمتها في ضعف مستوى و تأهيل المنتخبين المحليين و ثقل المساطر الإدارية وضعف ثقافة التدبير المحلي، و ضعف الموارد البشرية المالية.
و الملاحظ أن أغلب هذه العوامل إنما هي من إفرازات تحكم السلطة الوصية ومحاولتها السيطرة على كل رقعة ترابية في الدولة، و هي بذلك تعيش صراعا بين متناقضين من جهة تدعو إلى تكثيف الجهود من أجل بناء صرح الديمقراطية و تعزيز اللامركزية، و من جهة تحكم قبضتها على كل ما من شأنه أن يساهم في خلق وحدات ترابية محلية قادرة على تحقيق التنمية المحلية و المساهمة بذلك في تحقيق التنمية الوطنية، و لعل تشبت السلطة التنفيذية بالإشراف على التقسيم الجماعي، من أهم العوامل المعيقة للتنمية، ولا أدل على ذلك من الواقع الذي تقبع فيه جل الجماعات الحضرية و القروية و التي يسيرها مجلس جماعي لا يمكن وصفه إلا بكونه مجلس مفبرك حسب هوى السلطة الوصية. فتكون النتيجة هي كما يصفها الواقع و التي يمكن إجمالها فيما يلي :- سوء التدبير و التسيير –


* فعلى مستوى التدبير :
و باستقراء واقع الحال لهذه المجالس تظهر لنا عدة مشاكل على مستوى التدبير حيث يلاحظ على الخصوص :
- غياب الانسجام بين الأعضاء المنتخبة داخل المجالس الجماعية مما أدى إلى غياب الاستراتيجية في العمل أو انعدام تصور موحد
- ضعف التكوين لدى أغلبية المنتخبين و عدم إلمامهم عدم إلمامهم بالشأن المحلي مع قصر أفقهم المعرفي
- عدم التواصل فيما بين أعضاء المجلس من جهة و أعضاء المكتب من جهة ثانية وكذا
تغييب رأي المجتمع المدني المحلي و عدم إشراكه في أشغال المجالس ( رابطة جمعيات الأحياء مثلا
- استبعاد الأطر الكفاية و الملائمة عن العمل و استبدالها بأخرى تنتمي إلى أسلاك لها محلها في مواقع أخرى. وغالبا ما يكون ذلك بدافع الانتقام من هذا الموظف أو ذاك بدعوى انه كان مواليا للرئيس السابق
- سوء توزيع الموظفين- عدم تهيئ برنامج عمل واضح ينسجم و إمكانات الجماعة ومتطلبات السكان
- العشوائية في اتخاذ القرارات و المقررات و اللامبالاة في تنفيذها
- انعدام التنسيق بين مختلف المصالح التابعة للمجالس بسبب إقصاء مؤسسة الكتابة العامة عن القيام بالمهام المنوط إليها بمقتضى القانون.
- عدم التوازن في صفوف العاملين بالجماعة بين كثرة الأطر و الموظفين وقلة اليد العاملة.
- تدخل أعضاء المجالس الذين يوجدون خارج المكتب في أمور تدخل ضمن التسيير العادي للموظفين رغم أن الميثاق الجماعي الجديد رقم 78:00 ينص صراحة في مادته 23 على انه ( يمنع منعا كليا على كل عضو من المجلس الجماعي باستثناء الرئيس والنواب، أن يزاول خارج دوره التداولي داخل المجلس أو اللجان التابعة له، المهام الإدارية للجماعة أو أن يوقع على الوثائق الإدارية، أو يدير أو يتدخل في تدبير المصالح الجماعية....... .)
- غياب الجرأة في اقتحام الإشكالات الكبرى مثل مشكل المداخيل الباقي استخلاصها.
- غياب المتابعة و المراقبة و الصيانة لمختلف المشاريع الجماعية.
* على مستوى التسيير :
- مجلس جماعي يعمل على إثقال كاهل المواطنين بالضرائب المباشرة و غير المباشرة دون التفكير في البحث عن إيجاد موارد جماعية، و دون العمل على ترشيد إنفاق تلك الموارد في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و دون العمل على توفير البنيات التحتية الضرورية لسير الحياة العادية. و إذا تم ذلك، فعن طريق إغراق الجماعة بالديون التي يتم نهب جزء كبير منها لصالح المسؤولين الجماعيين، و لصالح ممثلي السلطة الوصية مع عدم التورع عن صرف جزء مهم منها في الأمور التي لا علاقة لها بالتنمية.
- التنمية الاقتصادية غير واردة، و الخدمات الاجتماعية تكون منعدمة أو شبه منعدمة أو مخوصصة. و الثقافة تكون محرفة عن مسارها الصحيح، و الجمعيات الثقافية الجادة تعجز عن الاستمرار لغياب الدعم المادي و المعنوي. فالجماعات المحلية في ظل الشروط القائمة هي من نتاج تعليمات المؤسسة المخزنية، و بالتالي فإن ما تقوم به الجماعات المحلية هو مجرد تنفيذ للتعليمات المخزنية . سواء تعلق الأمر بالاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة أو السياسية فإن قيامها بالتنمية في مختلف تلك المجالات لا يتجاوز مجرد تنفيذ التعليمات المتجسدة في خدمة المؤسسة المخزنية ولذلك نجد أنه :
1) على المستوى الاقتصادي تقضي التعليمات المخزنية بالقيام باقتصاد يرمي إلى إظهار المؤسسة المخزنية، و كأنها تحرص فعلا على إحداث تنمية اقتصادية شاملة على مستوى الجماعات المحلية، و على المستوى الوطني، و هي في الواقع لا تقوم إلا باقتصاد الواجهة المعبر عن تجسيد ديمقراطية الواجهة.
2) و على المستوى الاجتماعي، فالتنظيمات تقضي بالظهور بالحرص على إيجاد تعليم معمم، و مقرب في الوقت الذي يصبح هذا التعليم غير مستجيب لمتطلبات الحياة، و هو ما يجعله غير قادر على مواكبة التطورات في الاقتصاد و الاجتماع، و في الثقافة.
3) و على المستوى الثقافي تقضي التعليمات بتقديم الدعم للمؤسسات و الجمعيات التي تعمل على إنتاج قيم المخزنة في نسيج المجتمع، و هي في نفس الوقت تزرع وهم الحرص على دعم النشاط الثقافي.

- الفقرة الثانية : عوائق التنميـــــــــــــــــــة
إن ما جرى في مختلف المحطات الانتخابية التي عرفها المغرب، كشف عن أن العقلية المخزنية هي المتحكمة نظرا لعدم وجود ضمانات كافية لإيجاد مجالس جماعية مستقلة عن المؤسسة المخزنية.
ولذلك نجد أن مسؤولو السلطة الوصية يستغلون جميع الفرص ابتداء بصناعة الخريطة الجماعية، و مرورا بإعداد اللوائح الانتخابية، و التحكم في توجيه الناخبين، و غض الطرف عن ممارسات بعض المرشحين، و انتهاء بإعلان النتائج التي تكون موجهة لجعل مسؤولي الجماعات المحلية رهن إشارة السلطات الوصية، و في خدمتهم.
و التنمية الجماعية لا تكون إلا بتوفير شروط محددة، يأبى على رأسها أن يكون المجلس الجماعي معبرا عن إرادة الناخبين بصفة خاصة، و عن إرادة المواطنين في الدائرة الجماعية بصفة عامة، أي أن تكون هناك ديمقراطية من الشعب و إلى الشعب ديمقراطية حقيقية، وبمضمون اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و سياسي، إلى جانب المضمون الانتخابي الذي ليس إلا جزءا بسيطا جدا من الممارسة الديمقراطية، و لكنه الأكثر تأثيرا في الحياة العامة، وفي حياة الجماعة، و في الشؤون الخاصة للمواطنين، و غياب الديمقراطية بمضامينها المشار إليها. بما فيها الانتخابات يعتبر اكبر عائق في التنمية الجماعية، إذ انه بدون وجود ديمقراطية حقيقية، لا يمكن أن تكون هناك انتخابات جماعية نزيهة. و هو ما يؤدي إلى إفراز مجالس مزورة سيسعى أعضاؤها إلى نهب خيرات الجماعة بدل توظيف تلك الخبرات لصالح المواطنين، و إلى جانب غياب الديمقراطية، هناك عوائق أخرى لابد من الوقوف عندها ومن هذه العوائق نذكر :
1) الاختلال القائم في قانون تنظيم الجماعات المحلية لصالح السلطة الوطنية من جهة، ولصالح مكاتب الجماعات المحلية ، ولصالح الرئيس بالخصوص من جهة أخرى.
2) كون الأعضاء الجماعيين لا يتمتعون بالكفاءة التي تمكنهم من استيعاب العمل الجماعي على المستوى القانوني وعلى مستوى القدرة على تدبير شؤون الجماعة ، مما يؤدي إلى تبذير الإمكانيات المادية والمعنوية .
3) كون الأعضاء الجماعيين يتشبعون بالممارسة الانتهازية سواء في العلاقة مع الجماعة أو في العلاقة مع المواطنين من اجل خدمة المصالح الخاصة .
4) التحايل على القانون بمختلف الوسائل من أجل إيجاد منافذ للتلاعب بالأموال الجماعية تحت طائلة القانون الذي يحتاج في كثير إلى الدقة والوضوح لقطع الطريق أما إمكانية التلاعب بالموارد الجماعية .
5) إعطاء السلطة المطلقة للرئيس الذي يشرف على تدبير الشؤون الجماعية تحت إشراف السلطة الوصية وهو ما يؤدي على القيام بممارسات لا علاقة لها بالعمل الجماعي ولا يمكن أن تكون فيها فائدة الجماعة .
6 ) رهن أمر شؤون الجماعة بيد السلطة الوصية التي تستغل تلك الوصاية لتسخير موارد الجماعة في أمور لا علاقة لها بالعمل الجماعي .
7 ) كون الموارد الجماعية منعدمة أو غير كافية حتى لتسيير الحياة اليومية للجماعة مما يؤدي إلى فقدان إمكانية إحداث أية تنمية كيفما كان نوعها .
8 ) أثقال كاهل الجماعة بالديون المقترضة من صندوق الجماعات المحلية للقيام بأمور لا علاقة لها بتنمية الجماعة أو للتسيير العادي ، مما يدخل الجماعة في عملية خدمة الدين .
وهذه العوائق وغيرها مما لم نأت على ذكره تجعل الدور التنموي للجماعات المحلية شبه منعدم ، إن لم يكن منعدما و بالتالي فإن المجالس الجماعية لا يمكن أن تلعب إلا بدور تسيير بعض شؤون المواطنين مما يمكن أن تشرف عليه السلطة الوصية نفسها ، وبناء على ذلك يتبين أن الدور التنموي له علاقة بطبيعة المجلس هل هو منتخب انتخابا حرا و نزيها ؟ أي هل هو معبر عن إرادة المواطنين ؟ أم أنه مجلس مطرز بحسب ذوق السلطة الوصية؟
و هنا نطرح التساؤل : ما العمل من أجل اعتماد الجماعات المحلية أدواة للتنمية ؟
و هل يمكن القول بأن التقسيم الجماعي الموضوعي بوابة للتغيير ؟



الفرع الثاني : طمـــوح التغييــــر مع التقسيم الجماعي لانتخابات 2009
إن واقع الجماعات المحلية وخاصة القاعدية منها و كما توقفنا عنده يجب أن يكونا حافزا لإعادة النظر و إعادة الحسابات بأمل التغيير الحقيقي، فلا بد من وقفة لتصحيح المسار إذ لا يعقل الاستمرار بنفس النهج في التعامل مع الملفات الحساسة للبلاد، فالتقسيم الجماعي هو ملف سياسي بامتياز يجب التجند للتعامل معه، لكن هذه المرة بأسلوب جدي أكثر، خاصة بعد جرس الإنذار الذي دقه المواطنون في السابع من شتنبر الماضي. و من هذا المنطلق يجب أن يخضع التقسيم إلى دراسة عقلانية موضوعية، تأخذ بعين الاعتبار مختلف العناصر و كذلك مختلف الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية و الديمغرافية و أن تأخذ أيضا بعين الاعتبار البعد السوسيولوجي و مدى انسجام التركيبة الاجتماعية على مستوى الوحدة الترابية المحدثة وتجنب كل المصالح الشخصية من أجل أن يكون التقسيم الجماعي مدخلا أو بابا يتم من خلاله الدخول لعالم التنمية الحقيقية. هذا مع ضرورة الابتعاد عن الحلول الترقيعية التي ما تكاد تطبق حتى تطفو عيوبها على السطح و اللجوء إلى إصلاحات حقيقية على كل المستويات .

- الفقرة الأولى : التقسيم الجماعي بوابة لتحقيق التنمية
يمكن أن نعتبر الجماعات المحلية مؤسسات للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والسياسية إذا توفرت الشروط الدستورية و القانونية و توفرت الجماعة على موارد بشرية واقتصادية معينة تساعد فعلا على قيام تلك الجماعات بدورها التنموي المحلي الرائد، و يتمثل الشرط الدستوري في كون الدستور القائم مكرسا لسيادة الشعب، يعطي للجماعات المحلية سلطة القيام بالتنمية المتعددة الأوجه لصالح المواطنين. كما يتمثل الشرط القانوني في توفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة و نزيهة لإفراز مسؤولين جماعيين يعبرون قولا و فعلا عن إرادة الناخبين الذين اختاروهم للقيام بالعمل الجماعي - في ظل تقسيم جماعي يكفل حدا أدنى من التوازن بين جماعات البلد الواحد-. على أكمل وجه، في سياق التخطيط لترشيد صرف تلك الموارد في مشاريع تنموية تساعد على تشغيل العاطلين في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
إن أية تنمية لا تأخذ بمفهوم التوازن و الاندماج بين مكونات مختلف الأقاليم و النطاقات الجغرافية لأي بلد تبقى عقيمة و عرجاء. إن أية استراتيجية تنموية تغفل البادية و تهتم فقط بالحاضرة تعطي نتائج عكسية تعيق الازدهار و التطور محليا و جهويا و وطنيا. من هنا و نظرا لدور الجماعات المحلية في تدعيم الاقتصاد الوطني و الجهوي و المحلي يجب إدن مدها بالمساعدات المادية وخلق فرص الاستثمار و تمكينها من المساهمة للقيام بما هو منوط بها خاصة الجماعات القروية منها، لأنها تستحوذ على أكثرية المجال الترابي للبلاد و هكذا يجب إعادة النظر في التقسيمات الجماعية و في الاختصاصات و الموارد بما يراعي أهداف سياسة إعداد التراب و التنمية وفق ما دعا إليه جلالة الملك محمد السادس " ...و لهذا ندعو لاعتماد مقاربة جديدة لإعداد التراب و التعمير تستند على مشاركة مواطنة، و تقاسم للمسؤوليات، تحتفظ فيها الدولة بوظيفتها التنظيمية و التوجيهية و الضبطية، و يتم فيها إشراك الفاعلين، من جماعات محلية، و قطاع خاص، و ذوي الاختصاص، وكل المعنيين بهذا المجال في وضع سياسته... "
إن تأثيرات التقسيم الجماعي و انعكاساته هي جد قوية على مستقبل الجماعات المحلية و خاصة القاعدية فإلى جانب أنه أداة لتوزيع الموارد ﴿ البشرية، الطبيعية،الاقتصادية ....﴾ فهو أيضا أداة تتحكم بطريقة أو بأخرى في طبيعة المجلس الجماعي المنتخب. لذلك تبقى الآمال معقودة على التقسيم الجماعي المنتظر الحسم فيه استعدادا لانتخابات 2009. إذ أن تقسيم جماعي قائم على معايير موضوعية و المتمثلة في الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المجالية والبيئية و الجغرافية و الديموغرافية و الاقتصادية .... بعيدا عن أي حسابات سياسية تخدم مصالح جهات معينة ، لكفيل بخلق مجالس جماعية تستجيب لطموحات الساكنة، و طبعا هذا لن يتأتى إذا ما تم إغفال جوانب أخرى يجب إعادة النظر فيها و الحسم فيها بشكل جدي، ومن ذلك :
1- تقويم الاختلال القائم في الميثاق أو قانون تنظيم الجماعات المحلية حتى تملك المجالس استقلاليتها عن السلطة الوصية في تدبير الشأن الجماعي على مستوى التسيير والتقرير وعلى مستوى البحث عن موارد جديدة بعيدا عن إثقال كاهل المواطنين ، و السعى لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية لتوفير شروط حياة أحسن لمواطني الجماعة .

2- شروط الكفاءة العلمية والأدبية والقانونية في الترشيح لشغل عضوية الجماعة حتى لا تسقط الجماعة بين أيدي مجلس يتكون من أعضاء يفتقدون الكفاءة والقدرة على تدبير الشان الجماعي .مما يبرر قيام السلطة الوصية . وفرض وصايتها على العمل الجماعي . فوجود أعضاء يمتلكون الكفاءة اللازمة لتدبير الشأن الجماعي يعتبر مسألة ضرورية للترشيح لعضوية المجلس الجماعي. إذ أن المجالس المنتخبة و لغاية الآن ، لم تستطع القضاء حتى على مشاكل النظافة ، فكيف أن تقوم بتدبير المالية المحلية و الاستثمار اللذين يتطلبان عقلية المقاول القادر على التسيير و الإقناع و التفاوض و البحث عن مجالات الاستثمار .

3- وضع حد لممارسة الانتهازية التي تطبع سلوك الأعضاء الجماعيين عن طريق التتبع والمحاسبة الفردية والجماعية من قبل الهيأة الناخبة من جهة ومن قبل أعضاء المجلس الجماعي من جهة ثانية ، ومن الحزب الذي ينتمي إليه العضو الانتهازي حتى تتطهر الجماعات المحلية من كل أشكال الانتهازية التي لا تثمر إلا بورجوازية هجينة ومتخلفة .

4- وضع حد للتحايل على القانون عن طريق التدقيق في كل القوانين الجماعية لسد الطريق أمام الممارسة الانتهازية التي تمارس التحايل على القانون من جهة، ولفرض إعادة النظر في ممارسة الأعضاء الجماعيين الذين يصبحون هدفا للعقوبات الزجرية التي يجب التنصيص عليها في نفس القانون كما هو الشأن بالنسبة للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية .

5- جعل السلطة بيد المجلس واعتبار المكتب مجرد منفذ لما يفرزه المجلس تحت إشراف من يمتلك سلطة الإشراف فقط . من أجل وضع حد لكل أشكال السلطة المطلقة التي لا تنتج إلا الاستبداد الذي يتناقض جملة وتفصيلا مع الممارسة الديموقراطية الحقيقية .

6- وضع حد لسلطة الوصاية حتى تتمكن الجماعات المحلية من تقرير وتنفيذ ما تراه مناسبا لها عل جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لأن دور سلطة الوصاية بالنسبة للجماعات المحلية وهو دور معرقل و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يساعد على تسريع وتيرة التنمية .

7- العمل على أن تكون للجماعة موارد مضمونة ، وأن تنمو تلك الموارد نموا متناسبا . مع حاجيات الجماعة المتزايدة باستمرار من اجل رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للجماعة حتى تساهم في التنمية الوطنية من بابها الواسع .

8- تجنب إثقال كاهل الجماعة بالديون التي ستتحول إلى وسيلة لاستنزاف موارد الجماعة حتى تتمكن الجماعة من التغلب على الديون التي اضطرت إلى اقتراضها لضمان إيجاد بنيات تحتية تمكن المواطنين من ممارسة حياتهم العادية بشكل راق ومتطور .

وبذلك يمكن أن نقول أنه في ظل تحقق هذه الشروط فإن المجالس الجماعية المنبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة يمكن أن تقوم بدور رائد في مجالات التنمية المختلفة .
ففي حالة وجود مجلس جماعي تم انتخاب أعضائه اعتمادا على الاختيار الحر و النزيه للمواطنين. فإن هذا المجلس سيسعى إلى إحداث تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية :

أ- فعلى المستوى الاقتصادي سنجد أنه يعمل على :
- تنمية الموارد الجماعية بالشكل الذي يحافظ فيه على ممتلكات الجماعة. و جعل تلك الممتلكات اكثر مردودية مع الحرص على عدم أثقال كاهل المواطنين بالضرائب المباشرة وغير المباشرة.
- ترشيد صرف تلك الموارد لخدمة مصالح المواطنين في مجالات السكن و الصحة والتعليم و توفير البنيات التحتية الأساسية التي تعتبر ضرورية لسير الحياة العادية بالإضافة إلى استثمار المتوفر منها لإحداث مقاولات جديدة تساهم في الحد من العطالة من جهة، و في تنمية الموارد الجماعية من جهة أخرى.

ب- على المستوى الاجتماعي سيسعى المجلس إلى معرفة حاجيات السكان في التعليم والصحة و السكن و الشغل، و سيعمل على بناء المدارس و المستوصفات الكافية و إعداد البقع الأرضية لبناء السكن الاقتصادي لتمكين ذوي الدخل المحدود من التوفر على سكن لائق يتناسب مع مستوى دخلهم، مع البحث المستمر عن مناصب الشغل للمعطلين لوضع حد لآفة البطالة.

ج- و على المستوى الثقافي، سيعمل المجلس على دعم الجمعيات الثقافية الجادة عن طريق إيجاد البنيات التحتية الضرورية لقيام أنشطة ثقافية لإنتاج القيام الإيجابية التي تساعد على القضاء على مختلف الأمراض الاجتماعية بالإضافة إلى تقديم الدعم المادي و المعنوي لتلك الجمعيات حتى تستطيع التغلب على الصعوبات

- الفقرة الثانية : من أجل جماعة محلية للتنمية .

حين تقوم الجماعات المحلية بدورها التنموي في إطار التنمية الوطنية العامة، لابد من القيام بإعادة النظر في الممارسة التي ينتجها المسؤولون الجماعيون من جهة ومسؤولو السلطات الوصية من جهة ثانية. و للوصول إلى ذلك لابد من :
1) مراجعة الدستور من أجل جعل سيادة المواطنين على الجماعات المحلية مضمونة، لأنه بدون تلك السيادة لا نستطيع جعل المسؤولين ينكبون على العمل الجماعي الجاد.
2) مراجعة القوانين المنظمة للانتخابات حتى تتضمن ضمانات إجراء انتخابات حرة و نزيهة و حتى يتم وضع حد للتلاعب بالنتائج، و ارتكاب الخروقات المختلفة، سواء من طرف الجهات الوصية، أو من طرف المرشحين الذين يجب أن يخضعوا للمساءلة القانونية أثناء القيام بالحملات الانتخابية. ذلك أن القوانين الانتخابية المدققة تساعد على تجنيب الجماعات المحلية الكثير من المشاكل، و تفرز مجالس جماعية في مستوى تطلعات المواطنين.
3) مراجعة الميثاق الجماعي لإزالة كل ما يتعارض مع الممارسة الديمقراطية الحقة، و مع إعطاء الاستقلالية للمجلس الجماعي، و تمكين جميع أعضائه من ممارسة الرقابة على المكتب بصفة عامة و على الرئيس بصفة خاصة، و على السلطات المحلية التي يجب وضع حد لوصايتها حتى تصبح مجرد مساعد للمجلس على تنفيذ برامجه التنموية، و مراقب له، و محاسب قانوني. و حتى يتضمن القانون الجماعي بنودا واضحة حول التقرير و التنفيذ، و التمويل و الصرف، و التوظيف حتى لا تبقى مجالات للتلاعب بمصير الجماعة، و في أفق جعل الجماعة أداة تنموية رائدة.
4) تحريم شراء الضمائر في الانتخابات من قبل الإقطاع و البورجوازية الهجينة نظرا لما لذلك من اثر في إفساد الحياة السياسية بصفة عامة، و في التأثير على نتائج الاقتراع بصفة خاصة، و لكونه يستغل جهل الناس و فقرهم، و يكرس عادة المتاجرة بالضمائر حتى من قبل الأشخاص الذين يفترض فيهم الامتناع عن بيع ضمائرهم.
5) تجريم كل اشكال التزوير التي تعتمدها السلطات الوصية، و التي لا تتناسب ابدا مع رفع شعار الممارسة الديمقراطية. كما تتناقض مع ادعاء الحرص على اجراء انتخابات حرة و نزيهة، سواء تعلق الامر بالشوائب التي تجعل اللوائح غير صالحة، أو بتغيير النتائج، أو بالسماح بإقامة الولائم بمناسبات مختلفة، أو بدون مناسبة، أو بغض الطرف عن شراء الضمائر، أو قيام المقدمين و الشيوخ بتوجيه الناخبين.
6) تمتيع المجالس الجماعية بالاستقلالية التامة عن السلطات المحلية و الإقليمية والتنفيذية، سواء تعلق الأمر بالتقرير أو التنفيذ، مع مراعاة التنسيق الإقليمي و الجهوي والوطني حتى تتكامل التنمية مع الجهات المعنية بالمساهمة، و مع مراعاة عقد الشراكة مع تلك الجهات حتى لا تتبدد الجهود، و حتى تكون المساهمة التنموية متكاملة.
7) ضمان تمتيع الجماعات المحلية بالحد الأدنى من الموارد بما يتناسب مع حاجيات التسيير اليومي، و مع ضرورة إحداث تنمية اجتماعية أولية في مجالات التعليم والصحة و السكن و التشغيل.
8) ضمان إمكانية تطوير تلك الموارد لمواجهة الحاجيات الطارئة عن طريق البحث المستمر، و القيام باستغلال ممتلكات الجماعة، و إتاحة الفرصة لتوظيف رؤوس الأموال الأجنبية و الوطنية في تراب الجماعة.
9) إنشاء هيئة وطنية مستقلة مختصة بمحاسبة المسؤولين الجماعيين تتمتع بحق إحالة الملفات على القضاء. و مهمة هذه الهيأة هي القيام بمراقبة تنفيذ المقررات التنموية التي تقوم بتقويم التكاليف الحقيقية لانجازها حتى لا تتحول إلى مجرد وسيلة للسطو على موارد الجماعات المحلية.
10) وضع مخطط خماسي لكل جماعة محلية على حدة يتضمن خطوطا عريضة للتنمية الجماعية حتى تسترشد به المجالس الجماعية مهما كانت خصوصيتها حتى لا تبقى الجماعات المحلية رهينة بما هو آني فقط، بل ترتبط بما هو مستقبلي أيضا.
11) محاسبة الجماعات المحلية على مدى تنفيذ بنود ذلك المخطط من قبل الهيئات المحلية و الوطنية للوقوف على مدى التزامها به.
12) إشراك المواطنين من خلال لجان محلية مشكلة حسب الدوائر الانتخابية في وضع دراسة لكل جماعة على حدة تعتمد للوقوف على الحاجيات، و على الأولويات في التقرير و التنفيذ.
13) اعتبار الحاجيات الآنية في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية في عملية أجرأة تنفيذ المخطط الخماسي.
14) استهداف التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بالعمل الجماعي حتى يكون عملا فاعلا، و متفاعلا في نفس الوقت مع التنمية الإقليمية و الجهوية و الوطنية.
15) اشتراط التوفر على مستوى قانوني معين لتحمل المسؤولية الجماعية، أو لشغل وظيفة من وظائفها.
16) إنشاء هيأة جماعية للتدقيق في الحسابات الجماعية تكون مستقلة عن الجماعة، و تتمتع بصلاحية إحالة الملفات على القضاء في حالة ارتكاب خروقات معينة من قبل المسؤولين الجماعيين، أو من قبل المقاولات، أو من قبل موظفي الجماعات المحلية، وترفع هذه الهيأة تقاريرها إلى نظيرتها على المستوى الوطني.
17) سحب اختصاصات التوظيف المباشر من المسؤولين الجماعيين الرئيسين، واشتراط مبدأ تكافؤ الفرص بين ابناء الجماعة الواحدة بعد الإعلان عن الوظائف الشاغرة أو الجديدة من اجل تنظيم مباراة حولها.
18) وضع مساطر مبسطة للتعامل مع الجماعات المحلية في مجالات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية حتى تجذب إليها المشاريع التنموية. و بذلك نكون قد حاولنا الاجابة على السؤال ما العمل من أجل جماعة محلية للتنمية ؟ حتى نرسم الخطوط العريضة للحياة الجماعية، و حتى تكون تلك الحياة وسيلة لبناء الإنسان الذي هو أساس كل تنمية في هذا الواقع.


حاصل القول، إن التقسيم الجماعي يجب أن يكون عملية تشاورية تشرك جميع الفاعلين على المستوى الوطني أو المحلي و عملية تدريجه متوازنة، أي ملائمة التقطيع للحاجيات الاجتماعية و الإدارية من جهة، و توزيع معقلن للأملاك و الموارد الجماعية بين مختلف الوحدات الترابية المحدثة من جهة أخرى.
كما يجب أن يكون عملية مندمجة بمعنى ضرورة إدراجه في إطار منظور تنظيمي وتنموي شمولي مع مراعاة البعد الوطني و الجهوي و الإقليمي، من أجل إعطاء اللامركزية صبغتها و قيمتها الحقيقية من جهة، و من أجل تحقيق الديمقراطية و التنمية المحلية من جهة أخرى، تحقيقا لتنمية وطنية شاملة، بعيدا عن أي منطق آخر يستهدف مصالح خاصة أو خدمة جهة معينة.
و لن يتم ذلك إلا بعد القيام بعملية تنقيحية تستهدف العقليات أولا، قبل أن تطرأ على النصوص القانونية و التنظيمية، ثانيا.

خاتمـــــــــــــــة:

التقسيم الجماعي بالمغرب في صورته الحالية ليس وليد الدولة الحديثة بل هو امتداد وتطور للصيغة التقليدية العريقة التي انتظم وفقها سكان المغرب على مر السنين ،إذا كان التقسيم الجماعي بالصورة التي كان عليها في الفترات السابقة و خاصة قبيل الحماية وبعدها لم يكن يستمد مقوماته من تنظيم قانوني، يحدد لكل رقعة حدودها و مجال نفوذها وسلطات مجلسها واختصاصه فإن مرحلة ما بعد الاستقلال، كانت نقطة التحول والفترة التي تم فيها وضع اللبنات الأولى لبناء تقسيم جماعي و إداري يستمد مقوماته من القانون والدستور، وإذا كان قد قطع أشواطا عديدة توازت و مختلف التطورات التي عرفها المغرب سياسيا ، اقتصاديا واجتماعيا... فإنه و بالرغم من كل التطورات التي عرفها وبالرغم من التقنين الذي أصبح يخضع له منذ سنة 1959 ، لا يزال التقسيم الجماعي يعيش في ظل تعثرات عديدة تعود أسبابها للأبعاد و الخلفيات التي ظلت تحكم منطق الدولة في التعامل مع المجال، إذ ظل الهاجس الأمني و الضبطي طاغيا مما أثرعلى الجانب التنموي و عرقل مسيرة التقدم والرقي. إن تواتر عمليات التقسيم الجماعي منذ سنوات الستينات أدى إلى إفراز عدد كبير من الوحدات الترابية التي غالبا ما تفتقر للمؤهلات الضرورية لكي تتخذ كمرتكزات ناجعة لإنجاز البرامج التنموية. خاصة و أن انعكاسات التقسيم الجماعي تظل غير محدودة ذلك لكونه الأداة و الآلية التي يتم تطويعها لتخدم مصالح جهات و أطراف معينة خاصة في المواسم الانتخابية ، إذ أن عملية التقسيم وانعكاساتها السياسية و الانتخابية ليس محايدة، فالدولة عندما تقر تقسيما معينا، فهي إنما تسطر نوعا من السياسة العامة المتبعة ضمن استراتيجيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الإدارية. إذ يستعمل أساسا كميكانيزم لإعادة التحكم في الخريطة الانتخابية.
المغرب و بعد مرور أكثر من نصف قرن على استقلاله، و بعد نهجه لتقسيمات جماعية عديدة ، و بعد اجتيازه لست تجارب انتخابية جماعية مطالب بعمل تقييم موضوعي للحصيلة
الحالية التي يعيش في ظلها مغرب اليوم . و التي يعكسها واقع الجماعات المحلية، وتعكسها بوضوح المراتب المتأخرة التي يحصدها المغرب عالميا في مجال التعليم ، الصحة،.... في محاولة لإعادة الاعتبار للانتخابات المغربية و إعادة الثقة للمواطن الذي عبر عن موقفه بوضوح في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2007. التي شكلت فيها نسبة العزوف رسالة للحكومة يجب أخذها بعين الاعتبار للتعامل و الاستعداد للانتخابات الجماعية المقبلة ( 2009).
فإذا كانت الحكومة المغربية على وعي تام بكل ما سبق ذكره، و رفعت شعارات عديدة للتغيير و الدفع بالانتخابات المغربية نحو النزاهة و الشفافية. و ذلك بالعمل على تعديل التقسيم الجماعي الحالي لجعله أكثر تلاؤما مع التطورات الديمغرافية ، الجغرافية، والاقتصادية..كما أنها صاغت مشروع لتعديل الميثاق الجماعي ، ووعدت بتحيين اللوائح الانتخابية . فإن التعامل مع هذه الملفات يظل إشكالية حقيقية إذ أن التوقف عند الحيثيات والظروف و آخر التطورات التي بلغتها هذه الملفات يعبر عن نوع من التماطل و التراخي يتناقض مع الخطابات و الشعارات. و بالتالي تترسخ لنا فكرة أن المشكلة الحقيقية ليست مشكلة نصوص بقدر ماهي مشكلة عقليات .
صفوة القول ،الانتخابات في المغرب تعيش أزمة، و بالتالي لا يمكن أن تؤسس للديمقراطية الحقة كما هي متعارف عليها دوليا ما عاد إذا ارتبط إجراءها بمجموعة من الإصلاحات السياسية والدستورية و الثقافية أيضا.
ومظاهر هذه الأزمة تبرز على مستوى العمليات الانتخابية و على مستوى العمليات الممهدة للانتخاب، و هذه الأزمات هي نتيجة طبيعية لما يشوب هذه العمليات من ممارسات ماسة بالسياسة كقيمة و بالانتخاب كآلية للمحاسبة، و كتقنية لتحقيق التداول على السلطة، و لتجديد النخب، و لتغيير الخطاب و تجديد المشاريع المجتمعية.
فالتقسيم الجماعي كأحد أهم العمليات الممهدة للاقتراع – التقطيع الانتخابي- يوسم بأنه تقسيم غير نزيه و غير عادل، و أنه يأخذ بعدة حسابات سياسية غالبا ما تؤثر على التساوي في تمثيلية المناطق و في تمثيلية الشعب، هذا زيادة على أن التقسيم كثيرا ما استهدف دعم طرف سياسي ما على حساب طرف سياسي أخر، كما أنه غالبا ما استهدف الانتقاص من عدد الأصوات التي يمكن أن يفوز بها حزب سياسي معين في دائرة انتخابية معينة، و هذه الأمور كلها تجعل الانتخابات عملية متحكم في نتائجها بشكل مسبق مما يؤثر سلبا على مصداقيتها و على تمثيلية المؤسسات التي تفرزها.
و هذا الواقع يفرض على الدولة أن تغير نهجها و تراجع حساباتها، و تعمل على تنقيح العمليات الانتخابية مما يشوبها و يعرقلها .
فإذا كانت الانتخابات التشريعية الفارطة خلفت أزمة عميقة على كل المستويات، فإن الرهان معقود على الانتخابات الجماعية المنتظرة ، لكن معالم ما سينتهي به هذا الرهان ستبزغ بشكل واضح بعد المصادقة على التقسيم الجماعي الذي يجب أن يحقق أكبر قدر من التوافقات على مستوى الفاعلين السياسيين من جهة، و على مستوى باقي المواطنين من جهة أخرى . و إلا سيستمر العمل السياسي المغربي ككل داخل نفق متوالي من الأزمات، مما سيؤكد أن الديمقراطية التي يعزم المغرب تحقيقها هي ديمقراطية صورية، ديمقراطية الواجهة.

- معطيات خاصة بالجهات

أنظر النسخة المرفقة

المراجع المعتمدة :
الكتــــــــــب :

- أحمد محمد قاسمي " الميثاق الجماعي الجديد خطوة في سياق التحولات" مطبعة ، المتقي برينتر. 2002

- الحاج شكرة " القانون الإداري" الطبعة الأولى 2007

- صالح المستف " الجهة بالمغرب رهان جديد لمغرب جديد " المنشورات الجامعية المغاربية الطبعة الأولى 1993

- عبد العزيز أشرقي : " العامل والمفهوم الجديد للسلطة "، الطبعة الأولى ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2003.

- عبد العزيز النويضي : العدالة السياسية والانتخابات والقضاء الدستوري في المغرب. مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الأولى 1997.

- عبد الهادي بو طالب " المرجع في القانون الدستوري و المؤسسات السياسية" الجزء الثاني. الطبعة الأولى 1980.

- محمد اليعكوبي: " تأملات حول الديمقراطية المحلية في المغرب "، الطبعة الأولى 2003

- محمد يحيا " المغرب الإداري ". مطبعة وراقة طنجة سنة 2004


الأطروحات و الرسائل :

الأطروحات :
- المهدي بنمير " الجماعة و اشكالية التنمية المحلية بالمغرب ، دراسة تحليلية للممارسة الجماعية في ضوء ظهير 30شتنبر 1976" أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام ، جامعة الحسن الثاني . كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، الدار البيضاء 1989/1990

- الدكتور الحسن الجماعي " الضوابط الانتخابية للانتخابات التشريعية في المغرب وفرنسا" الجزء الأول .2000/2001

- نجاة خلدون " اختصاص المحاكم الإدارية في مجال الطعون الانتخابية" أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام . السنة الجامعية 2001.2002


- عبد الحق الطالبي : " مؤسسة الوالي أو العامل بين المركزية وعدم التركيز " دراسة مقارنة. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام 2003/2004.

الرسائـــــل :

- الرداد بودريكة : " وزن التقسيم الجماعي داخل الخريطة الترابية " بحث لنيل دبلوم السلك العادي للمدرسة الوطنية للإدارة ، الرباط 1995-1996،

- رشيد وعمو " دوافع وأبعاد التقسيم الترابي بالمغرب " بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الإداري والعلوم الإدارية. جامعة الحسن الثاني. كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدار البيضاء. 2000- 2001 .

- علي القلالي " إشكالية إفساد العمليات الانتخابية بالمغرب" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، القانون العام الداخلي، جامعة محمد الخامس، كلية السويسي للعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. 2000 -2001.

- جمال اعمامو: تدبير المدن الكبرى على ضوء القانون الجماعي الجديد 78.00، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، .2005/2006


- رشيد اغزييل " التقسيم الجماعي بالمغرب خيار أمني أم بعد تنموي 1959-2003." رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام السنة الجامعية 2005/2006.

- عبد المجيد مصواب " تحديث الإدارة الجماعية المغربية". رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، شعبة القانون العام جامعة الحسن الثاني- عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية الدار البيضاء.2006-2007



- فردوس المقدم " اللاتركيز الإداري والتنمية بالمغرب " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام 2006-2007 جامعة عبد الملك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة.

- محمد الصمدي " التمايز بين الجماعات الحضرية والقروية في النصوص القانونية " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة عبد الملك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة. 2006-2007




المقــــــــــــــالات :

- ابراهيم الزياني : " التقسيم الإداري، وظائفه وتطبيقاته في المغرب " المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد. عدد 23. سنة 1990.

- المهدي بنمير "الإدارة المركزية و المحلية بالمغرب " سلسلة اللامركزية و الجماعات المحلية7، مطبعة الوراقة الوطنية، 1998.

- أحمد الصايغ و عبد العزيز اليعكوبي " المناورات التدليسية و تأثيرها على نتيجة الاقتراع " القضاء الإداري و المنازعات الانتخابية، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى العدد 2004.4

- أحمد بوز" الانتخابات المغربية بين الاستمرارية والتغيير" المجلة المغربية للسياسات العمومية، العدد الأول، ربيع 2008.

- أحمد محمد قاسمي: " التنظيم الجهوي كأداة للتنمية بين مشاكل الواقع وتطلعات المستقبل"

- ادريس ابن الساهل :" الآفاق المستقبلية للجهة كجماعة محلية " المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية.سلسلة مواضيع الساعة : ملف الجهة : الجهوية والتنمية الجهوية. عدد :8. 1996

- العربي بلا " الانتخابات و الإصلاح السياسي في دولة المغرب" مجلة الديمقراطية. السنة السادسة العدد 21. يناير 2006

- المصطفى دليل " المجالس الجماعية وعلاقاتها العامة " منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. عدد 3. 1995 .

- المهدي بنمير " الإدارة المركزية و المحلية بالمغرب " سلسلة اللامركزية و الجماعات المحلية -7- المطبعة والوراقة الوطنية.مراكش 1998.

- حسن الجماعي " التقطيع الانتخابي " مجلة أنفاس حقوقية . العدد الأول شتنبر 2002

- حماد صابر "المغرب المعاصر بين تحقيق اللامركزية الإدارية وتعثر الوظيفة الانتخابية " المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 26 يناير – ماي 1999.


- عبد الفتاح ماضي " متى تكون الانتخابات ديمقراطية " المجلة العربية للعلوم السياسية العدد 16 خريف 2007

- عبد القادر باينة " العمليات الخاصة بالانتخابات الجماعية ليوم 12 شتنبر 2003 .الجمعية المغربية للبحث الإداري .أعمال الأيام الدراسية. العدد الأول. أبريل 2005.

- فؤاد القاضي " دوافع وأبعاد التقسيم الإداري " المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. عدد 10 يناير 1995.

- فؤاد مرتضى: " دوافع وأبعاد التقسيم الاداري" المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، العدد 10، سنة 1995

- محمد اليعكوبي: وحدة المدينة على ضوء الميثاق الجماعي الجديد." المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية . عدد مزدوج 62- 63/ ماي –غشت 2005

- محمد يحيا : الإدارة كطرف في العمليات الانتخابية – المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية – العدد 2002.2

- يوسف الفاسي الفهري " المجلس الدستوري و مراقبة الاستشارات الشعبية،" مجلة القانون والاقتصاد. فاس. العدد 12 – 1996

- مجلة الصحراء المغربية، يوليوز 2004.

Raquel ojedo garcia " النخب المحلية واللامركزية بالمغرب ". ترجمة : محمد العفراني وجهة نظر العدد 16. صيف 2002 السنة الرابعة






النصوص القانونية

- قانون الانتخابات الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 1.59.161 الصادر بتاريخ فاتح شتنبر 1959. المنظم للانتخابات.

- الظهير الشريف رقم 1.59.315 الصادر بتاريخ 23 يونيو 1960 بمثابة قانون متعلق بالتنظيم الجماعي – الجريدة الرسمية عدد 2487 لسنة 1970 –

- الظهير الشريف رقم 1.93.293 الصادر بتاريخ 6 أكتوبر 1993 بمثابة قانون.

- القانون التنظيمي 97.31 المتعلق بمجلس النواب الذي تم تغييره وتتميمه بالقانون رقم 06-02

- الظهير الشريف رقم 297-02-1 الصادر في 25 من رجب 1423. 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، مع ما أدخل عليه من تعديلات إلى غاية 24 مارس 2003، المادة الأولى من الظهير.

- دورية وزير الداخلية إلى ولاة جهات و عمال عمالات و أقاليم المملكة رقم 127. بتاريخ 29 نونبر 2007




وثائق أخرى :

- أشغال المناظرة الوطنية الرابعة للجماعات المحلية، الدار البيضاء يونيو 1989

- الدستور المغربي 1996

- حزب العدالة والتنمية " البرنامج الانتخابي، من أجل جماعة فاعلة وتنمية شاملة" الانتخابات الجماعية 2003

- الجريدة الرسمية عدد5093 بتاريخ 24 مارس 2003

- محمد سعيد السعيدي: " الوضعية الاقتصادية الراهنة و رهانات التنمية " تقرير الديوان السياسي للدورة 13 للجنة المركزية لحزب التقدم الاشتراكي . الرباط 14 مارس 2004

- تدخل السيد عباس الفاسي للتعقيب على مناقشة التصريح الحكومي أمام مجلس النواب، الرباط .13 أكتوبر 2007

- دفتر التحملات " تعديل التقسيم الجماعي للمملكة " 2007

- مذكرة الدكتور محمد نجيب بوليف المرفوعة لوالي جهة طنجة تطوان، عامل اقليم طنجة – أصيلة .


الجرائــــــــــد:

- جريدة بيان اليوم – 6 شتنبر2002-
- جريدة الإتحاد الاشتراكي . عدد 7525. 23 مارس 2004 .
- جريدة المساء، العدد 545 الخميس 19 يونيو 2008 .
- جريدة المساء ، العدد 533 ، الخميس 05 يونيو 2008

مواقع إلكترونية
www.ahdath.info
www.recensement.hep.ma
www.maroc.ma
www.salahws.com
www.almaghribia.ma
www.attajdid.ma
www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128809
www.misbahfes.org
http://www.saudielection.com


المراجع بالفرنسية

D.Basri « l’agent d’autorité » imprimerie royale Rabat- 1975

- A.fdil : « la regionalisation à l’heure de la décentallisation » publication de la REMALD.collection manuels et travaux universitaires .N :14 -2000.p 33


الفهـــــــــــــــرس :
كلمة شكر
إهداء
مقدمة........................................................................................................................1
فصل تمهيدي : تحديد المفاهيم "أنزاع التقسيمات "……….....................................................8
التقسيم الترابي ............................................................................................................8
التقسيم الإداري..........................................................................................................11
التقطيع الانتخابي........................................................................................................13
o القسم الأول : معطيات عامة حول التقسيم الجماعي
و نبذة عن تجارب المغرب السابقة.....................................................17
 الفصل الأول : التقسيم الجماعي ..................................18
المبحث الأول : التقسيم الجماعي- السياق التاريخي و الإطار القانوني -......................................20
المطلب الأول : السياق التاريخي للتقسيم الجماعي ..........................................................20
الفرع الأول : مرحلة ما قبل الاستقلال............................................................20
أ- قبل الحماية.....................................................................................21
ب – الحماية......................................................................................22
الفرع الثاني : مرحلة ما بعد الاستقلال..............................................................24
المطلب الثاني : الإطار القانوني للوحدات المحلية القاعدية.................................................28
الفرع الأول : الإطار القانوني للجماعات الحضرية و القروية................................29
الفرع الثاني : نظام وحدة المدينة..................................................................32
المبحث الثاني : دوافع أبعاد التقسيم الجماعي الترابي............................................................37
المطلب الأول : دوافع التقسيم الجماعي و الترابي...........................................................38
الفرع الأول : دوافع إدارية............................................................................38
الفرع الثاني : دوافع جغرافية، ديمغرافية...........................................................39
الفرع الثالث : دوافع سياسية، اجتماعية.............................................................41
الفرع الرابع : دوافع اقتصادية.......................................................................43
المطلب الثاني : أبعاد التقسيم الجماعي بين ما هو سلطوي وما هو تنموي .............................44
الفرع الأول : البعد الإداري..........................................................................45
الفرع الثاني : البعد السياسي .....................................................................47

 الفصل الثاني : قراءة في التقسيمات الجماعية السابقة.....................................................................................50
المبحث الأول : رصد أهم نقط التحول في مسار التقسيمات الجماعية ....................................51
المطلب الأول : تقسيم سنة 1959.......................................................................51
المطلب الثاني : تقسيم سنة 1992.......................................................................53
المطلب الثالث: تقسيم سنة 2003 ......................................................................56
المبحث الثاني : تمايز أسلوب الاقتراع بين الجماعات و تأثيره على نتائج الاقتراع....................60
المطلب الأول : التقسيم الجماعي و نمط الاقتراع، أية علاقة؟.....................................61
المطلب الثاني : تأثير نمط الاقتراع على النتائج الانتخابية.........................................62
المبحث الثالث : مكامن الخلل في الإصلاحات السابقة – الثغرات و الآثار- ............................67
المطلب الأول : الثغرات..................................................................................67
المطلب الثاني : الآثـــار..................................................................................70
خاتمة القسم الأول ................................................................................................72

o القسم الثاني : التقسيم الجماعي لانتخابات 2009 ............................73
 الفصل الأول : مشروع التقسيم الجماعي بين الموضوعية و الواقع...........75
المبحث الأول : ملامح الموضوعية في مشروع التقسيم الجماعي.........................................77
المطلب الأول : المبادئ الرئيسية لعملية تعديل التقسيم الجماعي..................................78
الفرع الأول : أهداف مشروع التقسيم.........................................................78
الفرع الثاني : المبادئ الرئيسية لعملية تعديل التقسيم الجماعي...........................79
المطلب الثاني : المراحل الأساسية لوضع مشروع التقسيم .........................................80
الفرع الأول : على مستوى العمالة و الإقليم................................................ 80
الفرع الثاني : على المستوى الجهوي........................................................82
المطلب الثالث : إجراءات أخرى مواكبة لعملية التقسيم الجماعي.................................83
المبحث الثاني : حيثيات و واقع مشروع التقسيم الجديد ...................................................86
المطلب الأول : عدم التزام المسؤولين بالتوجهات الرسمية.......................................87
الفرع الأول : عدم الالتزام بإشراك كل الفاعلين ...........................................87
الفرع الثاني : عدم الالتزام بالجدولة الزمنية.................................................89
المطلب الثاني : غياب تام للحديث عن قانونية التقسيم...............................................90
المطلب الثالث : التعتيم و التحفظ .......................................................................95

 الفصل الثاني : مستجدات مشروع التقسيم الجماعي .......................97
المبحث الأول :الخريطة الجماعية الجديدة للمغرب .........................................................98
المطلب الأول : معلومات تقنية عن الخريطة الجماعية الجديدة ..................................98
المطلب الثاني : قراءة للخريطة الجماعية الجديدة .................................................108
المبحث الثاني :مشروع الميثاق الجماعي الجديد..........................................................111
المطلب الأول :قراءة في المقتضيات القانونية الجديدة في الميثاق الجماعي
- مشروع قانون 17.08- ...........................................112
المطلب الثاني :ملاحظات حول تعديل الميثاق الجماعي الجديد.................................115
الفرع الأول : واقع الجماعات المحلية .......................................................117
- الفقرة الأولى : رصد لواقع الجماعات الحضرية و القروية .....................118
- الفقرة الثانية : عوائق التنمية .........................................................122
الفرع الثاني : التقسيم الجماعي كآلية للتغيير .............................................124
- الفقرة الأولى : التقسيم الجماعي بوابة للتغيير ....................................125
- الفقرة الثانية من أجل جماعة محلية للتنمية .......................................129
خاتمة القسم الثاني ..........................................................................................132

خاتمـــــــة.......................................................................................133
الملاحق .........................................................................................136
الملحق 1 : تعديل التقسيم الجماعي " دفتر التحملات"……….……………..137
الملحق 2 : مقترح تعديل التقسيم الجماعي ……………………………….138
الملحق 3 : دورية وزير الداخلية …………………………….…….…..142

المراجع المعتمدة ..............................................................................143

الفهرس .........................................................................................148
 التقسيم الجماعي المؤطر للانتخابات الجماعية 2009



الجمعة 10 ماي 2013

تعليق جديد
Twitter