إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له العدالة أو أجهزة البحث هو التضليل أو الخداع بحيث أن المجرى العادي للامور يظهر أن الجريمة حدثث عناصرها بشكل واضح أمام ضابط الشرطة القضائية أو قاضي النيابة العامة أو قاضي التحقيق وتحت بصرهم أو معاينتهم ،لكن هذا التلبس الذي يمكن تسميته بالواقعي تمييزا له عن القانوني الذي يتوافق والنموذج القانوني للجريمة، يمكن أن يشكل في الكثير من الأحيان مظهرا خادعا لا يعكس الحقيقة القانونية من خلال فبركة المشتكون بعض الجرائم لايقاع ضحاياهم في الجريمة من خلال اسلوب الانتقام أو استغلال ذلك للبحث عن تسوية
أو ترضية مالية بالاتجار في الشكايات بسوء نية
ويزداد الأمر خطورة لما يتم استغلال السلطات الأمنية أو القضائية لضبط الكمين واعتقال المعني دون أن تعلم هذه السلطات أن الأمر دبر بليل وأن ما ستنجزه بحسن نية قد يكون مجرد وسيلة لايقاع مظلوم في تلبس واقعي مزور وخادع ،طبيعي الا يكون دائما الأمر غير حقيقي أو غير صادق،فقد يكون المشتكي ضحية فعلا لبراثن فساد المشتكى به ، لكن وجود فرضية عدم صحة الشكاية وزوريتها يتطلب حذرا شديدا وعميقا من طرف أجهزة البحث والتحقيق والمحاكمة بالوقوف على كل ظروف وملابسات الشكاية ودوافعها ليكون التحري مؤسسا على أساس صحيح من الواقع والقانون.
فلسنا هنا في واقع إدانة المشتكين أو تبرئة المشتكى بهم بل المطلوب هو إقامة توازن فريد بين حقوق الطرفين والسعي للحقيقة لبلوغ الإنصاف والعدالة
فهكذا لا يمكن قبول سعي أجهزة البحث او التحقيق وراء المشتكي لإثبات مزاعمه في غياب ولو أدنى حجة تتثبت حقيقة تورط المشتكى به في الجريمة لأن ضبط تسلم مالا معينا لا يفيد جريمة الرشوة بالقطع والمطلق ولا النصب ولا اي جريمة أخرى لذا يستحسن عدم المخاطرة بضبط تلبس واقعي لا قرينة ولا حجة على انضباطه لاحكام القانون ويزداد الامر خطورة اذا ترتب عنه توقيف المشتكى به واعتقاله في مس واضح بقرينة براءته .
ومن المهم الإشارة أنه في بعض الحالات وقفت المحاكم على انزلاقات ومخاطر التلبس الواقعي بأن برأت ساحة عدة متهمين تثبت جليا أن مسرحية التلبس الواقعي كانت من صناعة فاسدة للمشتكي ضلل فيها السلطات المختصة وبلغ عن شكاية يعلم بعدم حدوثها وقدم ادلة زائفة بشانها بغية التشهير والإساءة وتصريف الاحقاد اتجاه خصمه باستغلال حق التقاضي كحق دستوري مضمون إلى سلاح فتاك للانتقام وتسخيره للنيل من المشتكى به فينقلب المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم لذا يتعين عدم تقديم شيك على بياض للمشتكي وتصديق مزاعمه للهرولة نحو إثبات مزعوم مناف للحقيقة ،لأن للأمر خطورة بالغة على حقوق وحريات أناس مظلومين للأسف قد لا يصدقهم احد لأول وهلة أمام تلبس مصنوع ويتم الزج بهم في السجون لعدة شهور قبل أن تظهر
الحقيقة كاملة للعيان،ويكون الجمهور أو عامة الناس قد انطلى عليهم السراب الخادع
ومما لاشك به فإن احترام قرينة البراءة يتطلب حكامة وإدارة جيدة للبحث والتحقيق بعدم الإسراف في الجري واللهت وراء تلبس واقعي لا يوجد أي دليل معتبر على صحته وعدم اللجوء للاعتقال تبعا لذلك حتى لا تضار حقوق وحريات جديرة بالحماية ومن هنا استحضر بعض حسنات الرقم الأخطر من عدم المبادرة الى تسجيل حالة التلبس وضبطها الا بعد تقديم الدليل على وجود ابتزاز أو اتفاق على الرشوة حتى لا يتم تسخير أجهزة البحث وتضييع وقتها في إثبات امر خاطئ ولا حجية له ،مع ترك الإمكانية للمتابعة في حالة سراح احتراما لقرينة البراءة كلما كانت هناك شبهات قوية على وجود فرضيات تضليل العدالة أو التبليغ عن جريمة خيالية