حظر الفصل 111 من الدستور على القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية،وترتيبا عليه يمنع عليهم ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي-المادة 97 من مشروع القانون التنظيمي للنظام الأساسي للبرلمان المصادق عليه من طرف مجلس النواب ،و هذا الأمر يعد محسوما ولا يقبل الجدل لأنه من نتائج استقلالية السلطة القضائية كمؤسسة واستقلال القاضي كفرد ليكون بعيدا عن التأثيرات والالتزامات التي يفرضها الحزب أو المنظمة ، ويجعله منحازا بعيدا عن مبادئ العدالة و ما يعد خرقا لمبادئ السلوك القضائي التي تفرض التجرد والتحفظ،لكون الفعل السياسي أو النقابي قد يؤدي إلى تطويع القضاة لرغبات ومواقف أهل السياسة الذي يضعف مناعة وتحصين العمل القضائي ويضرب استقلاليته في العمق،ويجعل المحاكم تبدو شكلية وصورية بعيدا عن العدالة والنزاهة .
وقد أكدت المواثيق الدولية الخاصة بتعزيز استقلال القضاء، هذا المبدأ بتأكيدها أن القضاء لا ينبغى أن يكون أداة فى العمل السياسى، أو يتم استخدامه لإجازة أوامر تصدرها أي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية، حتى لا تهتز ثقة الرأى العام فى حياد السلطة القضائية، ومما لا شك فيه أن انخراط القضاة فى العمل السياسى، أياً كانت صورته، يؤثر فى تجردهم ونزاهتهم واستقلالهم.
لكن ما قد يثير التساؤل والنقاش العمومي هو شمول الحظر في المادة 97 المذكورة ليس فقط بالانخراط في الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية وممارسة الانشطة السياسية والنقابية وإنما أيضا إبداء الموقف السياسي ،فما هي إذن مقومات الموقف السياسي؟
من وجهة نظرنا فإننا نعتبر أن تأثيم الموقف السياسي يعد أمرا عاديا ولا خلاف عليه من حيث المبدأ لكونه من مستلزمات ونتائج الحظر الأصلي الدستوري ،وما ينقصه فقط هو ضبط مدلوله لكي لا يتوسع في تفسيره على نحو يخنق حرية التعبير ويعدمها ،ومحاولة منا في استجلاء وضبط المفهوم يمكن تعريفه على النحو التالي :هو" كل موقف انحيازي لفائدة طرف سياسي أو نقابي واضح لذاته إما بمناصرته دفاعا عنه أو بمعاداته تبرما وحطا من شأنه "ولا يعد كذلك ممارسة النقد للأفكار والبرامج والخطط الوطنية وتقييمها بشكل علمي أو اتساق مواقف القاضي عرضيا مع مواقف فاعل حزبي أو نقابي دون تنسيق أو دعم في مجالات الشأن العام .
ويشمل الموقف السياسي أيضا ألا تشمل جلسات المحاكم ولا الأحكام الصادرة ولا الأسباب التى تبنى عليها الأحكام، إبداء رأى يتعلق بأمور السياسة .
فالقضاء محايد والسياسة منحازة ، هكذا طبائع الأمور، وعندما يتسيس القاضي لأي سبب يفقد حياده وعدله ، لأن هناك علاقة تعارضية بين السياسة والقضاء،لكن السياسة المقصود بها هنا السياسة الحزبية والمسائل الداخلية للمنظمات السياسية التي يمنع على القاضي مجرد الخوض أو الجدال فيها ،لأن حظر انتمائه إليها يعني بداهة عدم الدخول في مجالاتها ، لانه بذلك يحمي استقلاله وبه تحصن وامتنع ،ليحس المواطن بعدل القاضي وبالثقة في أحكامه وبالتزامه بقسمه بألا يحكم إلا بضميره والقانون.
غير أن المثير للجدل هو توسيع مجال الحظر ليشمل ليس فقط الموقف السياسي وإنما أيضا التصريح المعتبر سياسيا أي الذي يكتسي صبغة سياسية-المادة 97- والمعد خطأ جسيما يترتب عنه توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه والذي قد يترتب عنه عزله من سلك القضاء، مما سيعصف بشكل واضح بحرية التعبير بالنسبة للقضاة وسيجعلهم قضاة صامتين لا رأي لهم ،لأن كل تصريح أو موقف إذا لم يكن سياسيا سيعتبر كذلك من باب الاشتباه قياسا على" الظهير المنسوخ لكل ما من شأنه "للتضييق عليه ،وهذا يعد في الحقيقة مخالفة للدستور ولاسيما الفصل 111 الذي متع القضاة بحرية التعبير طالما أن التعبير متوافقا مع مبادئ التجرد والاستقلال والأخلاقيات القضائية،فضلا عن أن هذا المفهوم غير منضبط بالمرة ،ويستوعب جميع التصريحات التي يمكن الإدلاء بها من طرف القاضي بمناسبة عمله الجمعوي أو المهني أو العلمي في المنتديات العلمية والثقافية وفي وسائل الإعلام ،والهدف منه إقبار كل رأي قضائي حر مدافع عن استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ،لأنه سيؤدي إلى فتح مجالات المتابعات التأديبية الموجهة عن كل انتقاد للسلطة التشريعية أو التنفيذية أو حتى لمؤسسات السلطة القضائية ،وكأنها معصومة من الخطأ .
وهكذا لا يعد أبدا من قبيل السياسة مناقشة القضاة أو جمعياتهم المهنية للسياسات العمومية التشريعية أو التنفيذية في المجالين القانوني والقضائي أو نقدها لأنها من قبيل النقاشات المجتمعية الوطنية التي لا يحظر المشاركة فيها أو التعبير عن الرأي بخصوصها وفق منهج علمي يبعدنا عن أي شبهة لفكر الاصطفاف أو التخندق لصالح هذا الطرف أو ذاك ،بغية تحرير السلطة القضائية مِن الهيمنة الإدارية والمالية للسلطة التنفيذيَّة ،وتحرير القضاة بالمقابل أيضا من جميع المؤثرات السياسية أو من سلطة المال والإعلام،ومناطق التحكم والنفوذ ،لأن الأهم هو المساهمة في ارتقاء تشريعاتنا القانونية والقضائية وسياساتنا العمومية لما تخدم المجتمع والمواطن بعيدا عن الحساسيات الضيقة التي قد تعتبر أي رغبة في التغيير معاكسة لإرادة الإصلاح ،لأن الاصلاح لن يتقدم إلا بالمصارحة والنقد البناء ولو كان قاسيا ،لأن طريق الاصلاح شاق وصعب ويتطلب تضافر جميع الجهود والضمائر الوطنية المخلصة والوفية لمبادئ العدالة ولدور القضاء المواطن في إحقاق الحقوق وصون الحريات وضمان الامن القانوني والقضائي.
ومن المهم الإشارة أن التجريم التأديبي "لكل تصريح معتبر سياسيا" يبرز أزمة القلق التشريعي من تنامي موجة حرية التعبير وتأثيرها على أداء المؤسسات التي عوض أن تتلقف مكامن الخلل وتسعى لإصلاحها تحاول وأد مكتشفيه"الخلل" والرمي بهم في أحضان التأديب حتى يرتدع دعاة الاصلاح ويلتزمون بإخراس ألسنتهم،لأن سيف التأديب قد يسلط عليهم عاجلا أو آجلا بشكل مطاطي وبتفسير واسع لا يخضع إلا لمخيلة أصحابه ،لأنه حمال أوجه تبعا للتفسير المراد له ولاستخداماته المتعددة التي يمكن استغلالها لا قدر الله للمس باستقلال القاضي مستقبلا في أي وقت وزمن ،وفي مواجهة أي شخص، وحسب مشيئة جهة التأديب واختياراتها ومنطلقاتها وأفكارها، إن شاءت عاقبت ،وإن شاءت عفت، وإن شاءت ضيقت ،وإن شاءت وسعت،المهم أن يظل القاضي تحت رحمتها بدون حماية خاضعا لرغباتها ومتمسكا بنواهيها ،ويصعب بعدئذ دحض أي تفسير مخالف أو مناقشته بدعوى أنه مرتكز على أساس من مشروع القانون ومعبر عن اختيارات المشرع والمجتمع،لأنه الأهم بالنسبة لجهة التأديب ليس مشروعية فعل المتابعة أو عدم ملاءمتها وإنما قانونيتها أي استنادها للقانون بصرف النظر عن جدية المتابعة وحسن سير العدالة ،وثقة المواطنين في فعالية المتابعة ،مما يجعل أي رقابة على سلامة التفسير كأن لم تكن في غياب أي تحديد لعناصر التفسير ولا لخصائصه وفقا لأبجديات خاصية القاعدة القانونية،لأن التشريع علم وفن بأهداف واضحة
ووسائل محددة وليس مجرد رغبات لتضييق الحريات وخنق الحقوق .
وفي الختام نعتبر ان وأد ومناهضة هذا المقتضى غير الدستوري الماس بحرية التعبير وبحق القضاة في التنظيم صمام الأمان للفكر الديمقراطي المؤمن بتعددية الافكار وفضائل الحوار ،طالما أنه لا أحد يملك الحقيقة ،ولا يمكن إقامة محكمة تفتيش للآراء والأفكار خارج الدستور والقانون،ففتح قنوات حرية التعبير يعزز سيادة القانون واستقلال القضاء ،ويساهم في تطوير الأداء المهني والحقوقي للقضاة ،أما قمع الحريات فلا يولد إلا الشطط والتعسف والخوف وانعدام الثقة ويقوي الفساد ومنافذ التحكم .
فالأمن القانوني للقاضي منطلق للأمن القضائي للمواطن ،فالقاضي الذي لا يأمن نفسه من شر التأويلات القانونية الهاضمة لحقوقه وحق المواطن في قضاء قوي لا يأتمن على حقوق وحريات المواطنين،فكيف يدافع عن حقوق الناس من لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو على الأقل أعجزه القانون عن الدفاع عنها بتقرير العزل بمشروع "بكل ما من شأنه" أو كما يقال "مالك مزغب" دون مراعاة ملاءمة العقوبة للخطأ المعرض للغلط في التكييف والتعسف عليه ،تحت شعار اصمتو لتفوزوا ،وما فاز إلا النوام ،لأنه لا خيار للقضاة وفق هذا التصور إلا قضاة صامتين بجمعيات صامتة ؟ وأعلن في الأخير أن كل اشتباه أو تشابه في المقال أو التصريح والسياسة هو من قبيل الصدفة فقط لضرورة البحث العلمي .
وقد أكدت المواثيق الدولية الخاصة بتعزيز استقلال القضاء، هذا المبدأ بتأكيدها أن القضاء لا ينبغى أن يكون أداة فى العمل السياسى، أو يتم استخدامه لإجازة أوامر تصدرها أي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية، حتى لا تهتز ثقة الرأى العام فى حياد السلطة القضائية، ومما لا شك فيه أن انخراط القضاة فى العمل السياسى، أياً كانت صورته، يؤثر فى تجردهم ونزاهتهم واستقلالهم.
لكن ما قد يثير التساؤل والنقاش العمومي هو شمول الحظر في المادة 97 المذكورة ليس فقط بالانخراط في الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية وممارسة الانشطة السياسية والنقابية وإنما أيضا إبداء الموقف السياسي ،فما هي إذن مقومات الموقف السياسي؟
من وجهة نظرنا فإننا نعتبر أن تأثيم الموقف السياسي يعد أمرا عاديا ولا خلاف عليه من حيث المبدأ لكونه من مستلزمات ونتائج الحظر الأصلي الدستوري ،وما ينقصه فقط هو ضبط مدلوله لكي لا يتوسع في تفسيره على نحو يخنق حرية التعبير ويعدمها ،ومحاولة منا في استجلاء وضبط المفهوم يمكن تعريفه على النحو التالي :هو" كل موقف انحيازي لفائدة طرف سياسي أو نقابي واضح لذاته إما بمناصرته دفاعا عنه أو بمعاداته تبرما وحطا من شأنه "ولا يعد كذلك ممارسة النقد للأفكار والبرامج والخطط الوطنية وتقييمها بشكل علمي أو اتساق مواقف القاضي عرضيا مع مواقف فاعل حزبي أو نقابي دون تنسيق أو دعم في مجالات الشأن العام .
ويشمل الموقف السياسي أيضا ألا تشمل جلسات المحاكم ولا الأحكام الصادرة ولا الأسباب التى تبنى عليها الأحكام، إبداء رأى يتعلق بأمور السياسة .
فالقضاء محايد والسياسة منحازة ، هكذا طبائع الأمور، وعندما يتسيس القاضي لأي سبب يفقد حياده وعدله ، لأن هناك علاقة تعارضية بين السياسة والقضاء،لكن السياسة المقصود بها هنا السياسة الحزبية والمسائل الداخلية للمنظمات السياسية التي يمنع على القاضي مجرد الخوض أو الجدال فيها ،لأن حظر انتمائه إليها يعني بداهة عدم الدخول في مجالاتها ، لانه بذلك يحمي استقلاله وبه تحصن وامتنع ،ليحس المواطن بعدل القاضي وبالثقة في أحكامه وبالتزامه بقسمه بألا يحكم إلا بضميره والقانون.
غير أن المثير للجدل هو توسيع مجال الحظر ليشمل ليس فقط الموقف السياسي وإنما أيضا التصريح المعتبر سياسيا أي الذي يكتسي صبغة سياسية-المادة 97- والمعد خطأ جسيما يترتب عنه توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه والذي قد يترتب عنه عزله من سلك القضاء، مما سيعصف بشكل واضح بحرية التعبير بالنسبة للقضاة وسيجعلهم قضاة صامتين لا رأي لهم ،لأن كل تصريح أو موقف إذا لم يكن سياسيا سيعتبر كذلك من باب الاشتباه قياسا على" الظهير المنسوخ لكل ما من شأنه "للتضييق عليه ،وهذا يعد في الحقيقة مخالفة للدستور ولاسيما الفصل 111 الذي متع القضاة بحرية التعبير طالما أن التعبير متوافقا مع مبادئ التجرد والاستقلال والأخلاقيات القضائية،فضلا عن أن هذا المفهوم غير منضبط بالمرة ،ويستوعب جميع التصريحات التي يمكن الإدلاء بها من طرف القاضي بمناسبة عمله الجمعوي أو المهني أو العلمي في المنتديات العلمية والثقافية وفي وسائل الإعلام ،والهدف منه إقبار كل رأي قضائي حر مدافع عن استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ،لأنه سيؤدي إلى فتح مجالات المتابعات التأديبية الموجهة عن كل انتقاد للسلطة التشريعية أو التنفيذية أو حتى لمؤسسات السلطة القضائية ،وكأنها معصومة من الخطأ .
وهكذا لا يعد أبدا من قبيل السياسة مناقشة القضاة أو جمعياتهم المهنية للسياسات العمومية التشريعية أو التنفيذية في المجالين القانوني والقضائي أو نقدها لأنها من قبيل النقاشات المجتمعية الوطنية التي لا يحظر المشاركة فيها أو التعبير عن الرأي بخصوصها وفق منهج علمي يبعدنا عن أي شبهة لفكر الاصطفاف أو التخندق لصالح هذا الطرف أو ذاك ،بغية تحرير السلطة القضائية مِن الهيمنة الإدارية والمالية للسلطة التنفيذيَّة ،وتحرير القضاة بالمقابل أيضا من جميع المؤثرات السياسية أو من سلطة المال والإعلام،ومناطق التحكم والنفوذ ،لأن الأهم هو المساهمة في ارتقاء تشريعاتنا القانونية والقضائية وسياساتنا العمومية لما تخدم المجتمع والمواطن بعيدا عن الحساسيات الضيقة التي قد تعتبر أي رغبة في التغيير معاكسة لإرادة الإصلاح ،لأن الاصلاح لن يتقدم إلا بالمصارحة والنقد البناء ولو كان قاسيا ،لأن طريق الاصلاح شاق وصعب ويتطلب تضافر جميع الجهود والضمائر الوطنية المخلصة والوفية لمبادئ العدالة ولدور القضاء المواطن في إحقاق الحقوق وصون الحريات وضمان الامن القانوني والقضائي.
ومن المهم الإشارة أن التجريم التأديبي "لكل تصريح معتبر سياسيا" يبرز أزمة القلق التشريعي من تنامي موجة حرية التعبير وتأثيرها على أداء المؤسسات التي عوض أن تتلقف مكامن الخلل وتسعى لإصلاحها تحاول وأد مكتشفيه"الخلل" والرمي بهم في أحضان التأديب حتى يرتدع دعاة الاصلاح ويلتزمون بإخراس ألسنتهم،لأن سيف التأديب قد يسلط عليهم عاجلا أو آجلا بشكل مطاطي وبتفسير واسع لا يخضع إلا لمخيلة أصحابه ،لأنه حمال أوجه تبعا للتفسير المراد له ولاستخداماته المتعددة التي يمكن استغلالها لا قدر الله للمس باستقلال القاضي مستقبلا في أي وقت وزمن ،وفي مواجهة أي شخص، وحسب مشيئة جهة التأديب واختياراتها ومنطلقاتها وأفكارها، إن شاءت عاقبت ،وإن شاءت عفت، وإن شاءت ضيقت ،وإن شاءت وسعت،المهم أن يظل القاضي تحت رحمتها بدون حماية خاضعا لرغباتها ومتمسكا بنواهيها ،ويصعب بعدئذ دحض أي تفسير مخالف أو مناقشته بدعوى أنه مرتكز على أساس من مشروع القانون ومعبر عن اختيارات المشرع والمجتمع،لأنه الأهم بالنسبة لجهة التأديب ليس مشروعية فعل المتابعة أو عدم ملاءمتها وإنما قانونيتها أي استنادها للقانون بصرف النظر عن جدية المتابعة وحسن سير العدالة ،وثقة المواطنين في فعالية المتابعة ،مما يجعل أي رقابة على سلامة التفسير كأن لم تكن في غياب أي تحديد لعناصر التفسير ولا لخصائصه وفقا لأبجديات خاصية القاعدة القانونية،لأن التشريع علم وفن بأهداف واضحة
ووسائل محددة وليس مجرد رغبات لتضييق الحريات وخنق الحقوق .
وفي الختام نعتبر ان وأد ومناهضة هذا المقتضى غير الدستوري الماس بحرية التعبير وبحق القضاة في التنظيم صمام الأمان للفكر الديمقراطي المؤمن بتعددية الافكار وفضائل الحوار ،طالما أنه لا أحد يملك الحقيقة ،ولا يمكن إقامة محكمة تفتيش للآراء والأفكار خارج الدستور والقانون،ففتح قنوات حرية التعبير يعزز سيادة القانون واستقلال القضاء ،ويساهم في تطوير الأداء المهني والحقوقي للقضاة ،أما قمع الحريات فلا يولد إلا الشطط والتعسف والخوف وانعدام الثقة ويقوي الفساد ومنافذ التحكم .
فالأمن القانوني للقاضي منطلق للأمن القضائي للمواطن ،فالقاضي الذي لا يأمن نفسه من شر التأويلات القانونية الهاضمة لحقوقه وحق المواطن في قضاء قوي لا يأتمن على حقوق وحريات المواطنين،فكيف يدافع عن حقوق الناس من لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو على الأقل أعجزه القانون عن الدفاع عنها بتقرير العزل بمشروع "بكل ما من شأنه" أو كما يقال "مالك مزغب" دون مراعاة ملاءمة العقوبة للخطأ المعرض للغلط في التكييف والتعسف عليه ،تحت شعار اصمتو لتفوزوا ،وما فاز إلا النوام ،لأنه لا خيار للقضاة وفق هذا التصور إلا قضاة صامتين بجمعيات صامتة ؟ وأعلن في الأخير أن كل اشتباه أو تشابه في المقال أو التصريح والسياسة هو من قبيل الصدفة فقط لضرورة البحث العلمي .