وفي هذا الصدد قالت ذة عائشة الحيان، محامية بهيئة الرباط ورئيسة اتحاد العمل النسائي، ضمن مداخلتها، الخلاصات التي سجلها الاتحاد ضمن المذكرة التقديمية التي أعدها بخصوص مدونة الأسرة، مؤكدة على أن:
“تعديل المدونة يظل شرطا أساسيا لدمقرطة المجتمع وإعادة بنائه على أسس المساواة والحرية والكرامة الاجتماعية، ذلك أن هذه الخطوة من شأنها تمكين النساء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتحريرهن من وضعية الدونية المفروضة عليهن، مع القضاء على التمييز الممارس ضدهن على أساس الجنس”.
ذة الحيان أشارت إلى أن:
“محدودية المدونة اتضحت بعد قرابة عشرين سنة على تطبيقها على مستوى الحياة الفعلية للنساء، بما يضمن حقوقهن ويحميهن من انتهاك كرامتهن ومن الحيف والتشريد والعنف، إذ لم تتمكن من وضع حد لتزويج الطفلات وتعدد الزوجات وضمان حق النساء في ممتلكات الأسرة وفي الولاية على أبنائهن؛ كما ظلت عاجزة عن حل الإشكالات المتعلقة بالنفقة وبسكن المحضون وضمان المصلحة الفضلى للأطفال في قضايا الولاية والبنوة والنسب”.
وزادت المتحدثة:
“أما نظام المواريث فنتائجه بادية للعيان من خلال دوره الأساسي في تكريس الفقر وسط النساء، وفي هزالة نسبة ولوجهن إلى الملكية، وهو ما يتعارض مع متطلبات رفع التحديات المطروحة على هؤلاء المواطنات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتفعيل النموذج التنموي وتعميم الحماية الاجتماعية؛ فبرامج وسياسات الدولة لن تؤتي ثمارها ما دامت مدونة الأسرة تفقر النساء وتحول دون ولوجهن المتكافئ إلى حقهن في الملكية والموارد، والتمتع بحقهن المشروع في ما أسهمن به من جهود لضمان العيش الكريم والرفاه للأسرة”.
وشددت المحامية بهيئة الرباط على أن:
“اتحاد العمل النسائي يؤكد على ضرورة إخراج قانون أسري يتلاءم مع المرجعية الكونية لحقوق الإنسان والحقوق الخاصة بالنساء، إلى جانب ملاءمته للمقتضيات الدستورية، خصوصا في ما يتعلق منها بالمساواة، فضلا عن قطعه مع التذبذب والتناقض في مواده، مع إلغاء الاستثناءات وأنصاف الحلول والثغرات السامحة بالالتفاف على القانون”.
“الكوطا تقصي النساء”
في قال السيد النقيب عزيز رويبح، نقيب المحامين بهيئة الرباط، إن “الهيئة تحتفي اليوم بالزميلات المحاميات وبالمرأة المغربية ككل، حيث تُعد هذه فرصة لاستعراض مجموعة من التقارير التي تم إنجازها حول مدونة الأسرة، وأيضا في ما يتعلق ببعض القضايا المتعلقة بتمثيليات النساء ومشاركتهن في القرار المهني، على اعتبار أن هنالك إيمانا بكون المرأة المغربية تظل قادرة على تقديم صورة مشرفة عن المغرب”.
وأضاف رويبح، ضمن مداخلة تقديمية، أن “هنالك فارقا ملحوظا بين التمثيليات النسائية في الهيئات المهنية، على اعتبار أن النساء يبقين معدودات داخل هياكل هذه الهيئات، وبالتالي يبقى إنصافهن مطلبا مهنيا ووطنيا يجب أن يتم الدفاع عنه من قبل المحاميات والمحاميين كذلك، حتى نصل إلى هيئات تستجيب لتطلعات مغرب الغد”، داعيا إلى “مزيد من الدعم للنساء حتى يصلن إلى مراكز عليا في صلب القرار داخل المنظمات المهنية وعلى مستوى المجتمع ككل”.
في الحاجة إلى مدونة “دستورية”
بدورها قالت جميلة السيوري، رئيسة جمعية “عدالة”، إن “التطبيقات العملية لمدونة الأسرة خلال عشرين سنة الأخيرة بينت وجود قصور واختلالات في التعاطي مع تدبير القضايا الأسرية بالشكل الذي من شأنه ضمان المساواة الفعلية بين أفراد ومكونات الأسرة الواحدة، وهو ما أدى إلى بروز اختلالات اجتماعية واقتصادية انعكست بالسلب على تماسك البنية الأسرية وعلى واقع النساء والأطفال”.
السيوري سجلت ضمن مداخلتها أن “السياسات العمومية في مجال الأسرة والقضايا المتعلقة بالنساء والأطفال لا تستند بشكل شمولي إلى المرجعية والمبادئ الواردة في الدستور وفي الاتفاقيات الدولية ذات الصلة”، إلى جانب تسجيلها “عدم إيلاء مدونة الأسرة الحالية الاهتمام الضروري بالأشخاص في وضعية إعاقة”، لافتة إلى “عدم توفير موارد بشرية كافية ومؤهلة من قضاة الموضوع وقضاة النيابة العامة وكتاب الضبط داخل أقسام الأسرة، فضلا عن ضعف ميزانية تدبير حُسن تطبيق المدونة”.
وأوصت المتحدثة، التي تحدثت باسم الجمعية التي ترأسها، بـ”ضمان حقوق وحريات الأفراد المكونين للأسرة ضمن المدونة المرتقبة، مع توطيد مفهوم المسؤولية المشتركة للزوجين، فضلا عن إقرار المصلحة الفضلى للطفل، وتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي لكل مكونات الأسرة؛ مع الاعتراف بمساهمة كل منها في إنماء ثروة الأسرة أثناء قيام العلاقة الزوجية”.
وشددت الحقوقية ذاتها على أن “أي نقاش حول تعديل المدونة يجب أن ينطلق من الصعوبات والعوائق الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تحول دون تحقيق المساواة على أرض الواقع، وتكرس أساسا نوعا من الدونية وازدواجية المعايير”، رافضة تحويل هذا الموضوع إلى “مزايدات مجانية، على اعتبار أن هناك حاجة إلى تعدد الرؤى والمقاربات والفاعلين”.
عن هسبريس بتصرف