حول المؤلف الصادر تحت عنوان 20 فبراير ومآلات التحوّل الديمقراطي في المغرب عن سلسلة "دراسات التحول الديمقراطي"
غلاف كتاب: 20 فبراير ومآلات التحوّل الديمقراطي في المغرب
صدر حديثًا عن سلسلة "دراسات التحول الديمقراطي" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب 20 فبراير ومآلات التحول الديمقراطي في المغرب (مجموعة مؤلفين)، وهو يُعنى بدراسة التجربة المغربية في عُقب الحراك الشبابي والشعبي في عام 2011 وتحليلها، على نحوٍ موصول بالفترة التي سبقتها والفترة التي تليها، من دون أن يروم مقارنةً للانتقال الديمقراطي، ولا سيما بالنسبة إلى التجارب الدولية المعاصرة الرائدة في مجال التحول الديمقراطي.
في تقديمٍ للكتاب عنوانه 20 فبراير، أو معضلة التحوّل الديمقراطي "اللامتناهي" في المغرب، يقيم محرّره مراد دياني تماثلًا بين الربيع المغربي الذي انبثق بداية عام 2011 وما جرى غداة عام 1999 مع تولّي الملك محمد السادس الحكم؛ إذ رافق الفترتين تفاؤلٌ واسع وآمال عريضة بالتغيير وبتحسين الأوضاع العامة، في ظلّ إجماعٍ وطني بضرورة التحوّل السلمي المتدرّج نحو الديمقراطية بأقلّ التكاليف، ومن دون المسّ بأُسس السلم الأهلي أو بشروط "التسوية المؤقّتة للعيش المشترك" (Modus vivendi). بيد أنّ دياني يؤكّد أنّ عام 2013 شهد تغيّرًا ملموسًا في مسلسل التحوّل الديمقراطي الذي جرى التعبير عنه بداية عام 2011، سواءٌ بتراجع وتيرته أو بتراجع مضامينه؛ وهي انتكاسة أضحت صريحةً في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر، في تموز/ يوليو 2013، لتعود البلاد شيئًا فشيئًا إلى سابق عهدها من حالة الانتظار والسعي الحثيث للحفاظ على الوضع الراهن عوضًا عن التغيير، وعودة النموذج التونسي "البنعلي"، وهيمنة "الملكية التنفيذية" على سائر مناحي الحياة السياسية وانفرادها بتدبير الشأن السياسي بعيدًا عن منطق الشراكة، وعن روح الدستور، وعن خطاب 9 آذار/ مارس 2011؛ ومن ثمّ انفتاح مآلات التحوّل الديمقراطي بالمغرب أمام مستقبلات متعددة، يؤكّد فيها دياني أهمية بُعدين أساسيين هُما: البُعد الديموغرافي المتمثل ببروز جيلٍ من الشباب يختلف كثيرًا عن أسلافه، ثمّ الطفرة التكنولوجية المتمثلة، على وجه الخصوص، بالتشبيك الاجتماعي والدور المتزايد لشبكات التواصل الاجتماعي.
ثمّ يقدم جون واتربوري تمهيدًا بعنوان المغرب 2011-2018: المضيُّ قُدُمًا أم في حلقة مفرغة؟، فيضع التحولات المعاصرة في المغرب ضمن إطار العالم العربي الأشمل وتحولاته في أعقاب الانتفاضات العربية التي اندلعت في عام 2011، ويقول إنّ الانتقال الديمقراطي في المغرب لا يمضي قُدمًا، بل يدور في حلقات مفرغة.
مقدمات الربيع المغربي
يقع الكتاب (832 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) في ستة أقسام، يشمل القسم الأول منها، 20 فبراير: مقدمات الربيع المغربي وتجاذباته، أربعة فصول. في الفصل الأول، النظام السياسي المغربي وحراك 2011: الاستقرار الهشّ بديلًا من الديمقراطية، يعود محمد الساسي إلى بدايات الحراك المغربي في مستهلّ عام 2011، ليعرض مسار تجربة "التناوب الثاني" ويحلل حدودها، وليدرس شعار "الاستثناء المغربي" الذي قول إن فكرته بُنيت على قاعدة وجود استقرار في البلد، وفوضى في بلدان المنطقة، في حين أن القاعدة هي "وجود الديمقراطية".
يرى المعطي منجب في الفصل الثاني، الربيع المغربي: الجذور والسياقات التاريخية، أنه سيكون صعبًا فهم خصوصيات الربيع المغربي من دون استعراض أسسه التاريخية الحديثة، في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بوصفها عوامل للتعبئة، وعقبات في وجه الديمقراطية.
في الفصل الثالث، حركة 20 فبراير: تتويجٌ للاحتجاجات في المغرب، يعود عبد الرحمن رشيق على عملية الإرساء التدريجي لتقليد الاحتجاج الاجتماعي في الفضاء العام في المغرب، من خلال المرور من ظاهرة الاضطرابات الشعبية خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى الفعل التظاهري في التسعينيات، بصفتها عمليةً تسم الانتقال من زمن العنف العسكري إلى زمن عنف الشرطة، ومن زمن المساومات والترهيب إلى زمن التفاوض والتنازل والحوار.
في الفصل الرابع، تحدي الحريات الفردية في المغرب: نشأة حركة اجتماعية في بيئة مناوئة، يبحث أحمد بنشمسي في النقاش الدائر في المغرب بشأن الحريات الفردية في جوانبه القانونية المناهضة للحريات، وفي التسوية الاجتماعية وخصوصًا منها المحفوفة بالمخاطر، وفي وضعها الديني الملتبس، بالعودة إلى جذور حركة الحريات الفردية في بداية ستينيات القرن الماضي، وصولًا إلى حركة 20 فبراير.
الأرومة الدستورية
في القسم الثاني، التحوّل الديمقراطي في المغرب: الأرومة الدستورية، أربعة فصول. تلاحظ رقية المصدق في الفصل الخامس، ملكية دستورية أم ملكية تقديرية؟، انحراف السلطة التأسيسية الفرعية التي تُعدّ المَلَكية المالكة الفعلية لها، من سلطة لتعديل الدستور إلى سلطة تأسيسية أصلية مكتسحة. وتخلص إلى أن الدستور الجديد تحوّل إلى مجال تقديري يؤسّس لملكية تقديرية لا تستمدّ صلاحياتها من وثيقة سامية وملزمة، وإنما من دستور تقديري، ما يبتعد عن الملكية الدستورية.
في الفصل السادس، حركة 20 فبراير والنظام الدستوري المغربي: آثار هزّة غير متوقعة، يستجلي محمد مدني آثار هزّة حركة 20 فبراير المباغتة في النظام الدستوري المغربي، بعيدًا عن فرضية اعتناق الملكية المغربية المفاجئ مبدأ الديمقراطية الدستورية، بما يهدف إلى تجديد الدستورانية المغربية أو إدخال ثقافة دستورية جديدة في المشهد السياسي.
ينطلق عبد العلي حامي الدين في الفصل السابع، بين التأويل الديمقراطي للدستور وواقع الممارسة: عن الأساس الديمقراطي للسلطة التنفيذية في ظلّ دستور 2011، من التفاعل الإيجابي مع المراجعة التي خضع لها الدستور غداة حراك 20 فبراير، فيرى أن الوثيقة الدستورية الجديدة لعام 2011 تتضمن الكثير من عناصر التطور مقارنةً بدستور 1996، في حين أن الانتقال من النص إلى الممارسة يتطلب، في ظلّ "متحوّل" النص و"ثابت" الممارسة، إعمال أدوات التأويل الديمقراطي للدستور.
في الفصل الثامن، هيئات الحكامة في الدستور المغربي: الحكامة أم الديمقراطية؟، يتناول حسن طارق موضوع دسترة المؤسسات الوطنية والمجالس الاستشارية من أربعة مسارات: التأمل في الممارسة الاستشارية داخل التجربة الإدارية والدستورية المغربية منذ الاستقلال؛ وتحليل ظهور تقاليد الضبط والتقنين وترسّخها داخل البنية المؤسساتية؛ وقراءة تجربة المؤسّسات الوطنية العاملة في مجالات حقوق الإنسان؛ واستحضار الأنموذج القانوني للسلطات الإدارية المستقلة.
المنطلقات والعوائق
في القسم الثالث، التحوّل الديمقراطي في المغرب: المنطلقات والعوائق، أربعة فصول. ينطلق حسن أوريد في الفصل التاسع، بيان وضع انتقال ديمقراطي مجهض، من التناوب السياسي الذي بدأ مع حكومة عبد الرحمن اليوسفي (1998)، والذي أُريد له أن يكون حجر الزاوية للانتقال الديمقراطي، ليُبرز الانتهاكات التي تعرّض لها هذا التناوب، أو ما عدّه بعضهم "فرصةً ضائعة في ورش الدمقرطة".
في الفصل العاشر، الانتقال العسير إلى الديمقراطية: دراسة للتجربة المغربية، يتناول عمر إحرشان مصير التحول الديمقراطي في المغرب، متسائلًا عن نجاحه وفشله، وإن كان قد بدأ أصلًا، وعن تقدمه وتراجعه، وتباين إيقاعاته.
يتساءل محمد المرواني في الفصل الحادي عشر، المسار الإصلاحي بالمغرب: انتقال ديمقراطي أم انفتاح سياسي؟، إن كنّا بصدد انتقال ديمقراطي في المغرب، أم بصدد مسار من الإصلاحات يوصف بمسار الانفتاح السياسي؛ أي إن كانت التجربة المغربية تستجيب لشروط الانتقال الديمقراطي ومتطلباته ومعاييره، أم تفيد تكيّفًا سياسيًا فحسب للسلطة السياسية القائمة؟
في الفصل الثاني عشر، مسارات التحول الديمقراطي بالمغرب: محاولات وعوائق، يعرض محمد حفيظ إشكالية تعثّر الانتقال الديمقراطي بالمغرب، مؤكّدًا أن من أجل فهم المحاولة الأخيرة لإقرار نظام ديمقراطي بالمواصفات المتعارف عليها، خصوصًا في ما يتعلق بمسألة الحكم وسيادة الشعب، والتي انطلقت تحت ضغط الشارع في عام 2011، من الضروري النظر في المحاولات السابقة التي رفعت مطلب الدولة الديمقراطية أو وعدت بها.
السياقات المحدّدة
في القسم الرابع، الانتقال الديمقراطي في المغرب: السياقات المحدّدة، أربعة فصول. في الفصل الثالث عشر، الاقتصاد المغربي عقب 2011: بين عجز الاقتصاد الكلي وعجز الديمقراطية، يفكك نجيب أقصبي البنية العميقة للمخزن الاقتصادي وأسسه من خلال دراسة موضوعية دقيقة لحصيلة حكومة عبد الإله بنكيران على مدى خمس سنوات (2012 – 2016)، معتمدًا في ذلك على منهجية الأهداف المعلنة/المنجزة.
يتناول إدريس كسيكس في الفصل الرابع عشر، الحصيلة الثقافية لـ "20 فبراير": المكوّنات والامتدادات الإعلامية والثقافية لحركة ذات حمولة سياسية، الصّدى الثقافي لحركة 20 فبراير، ويعرض المشهد العام لثقافة الأداء الفني العفوي والتواصل التحريضي والاحتجاجي، ومظاهر فن الشارع، وبروز الدينامية الإعلامية الموازية الجديدة غداة إغلاق القوس الليبرالي وعودة الرقابة والرقابة الذاتية.
في الفصل الخامس عشر، السؤال اللغوي في سياق التحول الدستوري بالمغرب، يعتقد فؤاد بوعلي أن من الضروري النظر في قضية المرجعيات والثوابت التي فقدت عنصر التوافق بعد عقود من سيادة الأنموذج الأحادي الشمولي في التدبير السياسي والثقافي وتلازمهما في المخيال الجماعي. ويفتح مسألة انفتاح النص الدستوري الجديد على مجموعة من المكونات الهوياتية، بينما يظلّ التجاذب بين الفاعلين المجتمعيين والسياسيين عنوان مرحلة ما بعد دستور 2011.
في الفصل السادس عشر، الحراك القضائي المغربي زمن "الربيع العربي": قراءة في الأسباب والمآلات، يبحث عبد اللطيف الشنتوف في قدرة جزء من الجسم القضائي على إحداث فعل التغيير زمن الحراك، وما حقق هذا الحراك للقضاء المغربي. يسأل: هل استطاع التعايش مع مرحلة ما بعد الحراك التي تتسم ببطء تنزيل مبادئ الوثيقة الدستورية، وأحيانًا الانتظارية، وتكريس بعض الممارسات التي تعود بالقضاء ومؤسساته إلى ما قبل دستور 2011؟ أم هل بدأ الحراك في الانحسار؟
الملكية والأحزاب والمجتمع
في القسم الخامس، التحوّل الديمقراطي في المغرب: إشكالية العلاقة بين الملكية والأحزاب والمجتمع، أربعة فصول. في الفصل السابع عشر، التحكم بين عهدين، أو الملكية والانتقال الديمقراطي من الممانعة إلى الرعاية: بإشارة خاصة إلى حزب العدالة والتنمية، يدرس امحمد جبرون مفهوم التحكّم في السياسية المغربية بعد حراك 2011، ووصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة، منطلقًا من أن ظاهرة التحكّم في المشهد السياسي المغربي معقّدة تعكس عسر التحول الديمقراطي في هذا البلد، وأنّ التسوية السياسية التي جسّدها دستور 2011 لا تعكس انتقالًا إستراتيجيًا نحو الديمقراطية.
في الفصل الثامن عشر، الملكية والشأن الديني بالمغرب: بين الاحتكار والتوظيف، يتناول أحمد بن الصديق موضوع الشرعيات المؤسّسة لنظام الحكم وبيان مدى اتّساقها مع الشرعية الديمقراطية المركزية في كلّ مسلسل للانتقال الديمقراطي. خصوصًا إشكالية الشرعية السياسية القائمة على أساس ديني التي تكتسي أهميةً مركزية في المغرب.
في الفصل التاسع عشر، جدلية الدين والعلمانية في الحراك الاجتماعي المغربي: حركة 20 فبراير أنموذجًا، يقول محمد همام إن الاختلاف الواسع بين مكونات حركة 20 فبراير من الوجهة المرجعية والفكرية كان عنصرًا حاسمًا في تفكّكها وضمور أدائها.
يتوقف عبد الرحيم العلام في الفصل العشرين، بين خطاب 9 آذار/مارس 2011 وبلاغ 15 آذار/مارس 2017: إغلاقٌ لقوس التغيير أم تغيير في ظلّ الاستمرارية؟، عند تاريخين أساسيين: خطاب 9 آذار/مارس 2011 الملكي الذي جاء بروح حوارية لطيّ صفحة الماضي والانفتاح على مستقبل ينقل المغرب من طور الحكم المطلق إلى الحكم المقيّد بالدستور؛ وبلاغ الديوان الملكي في 15 آذار/مارس 2017 الذي وضع حدًّا لانحباس سياسي أعقب انتخابات 2016 التشريعية.
شهادات ورؤى
في القسم السادس، 20 فبراير: شهادات ورؤى حول الربيع المغربي، أربعة فصول. يربط عبد الله حموّدي في الفصل الحادي والعشرين، عن الربيع المغربي، هذا الربيع بالإطار العام الذي اندرج فيه، مع تولّي محمد السادس سدّة الملك في أثناء حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، والذي أزاح قبضة الرّصاص المستحكمة التي أقامها الحسن الثاني سنوات طويلة، إلى حين إحداث قطيعة مع العُرف الديمقراطي في عام 2002.
في الفصل الثاني والعشرين، "الربيع المغربي"... رؤية من الداخل، يرصد علي أنوزلا معالم الحراك المغربي من الداخل، مستندًا إلى تجربته الشخصية، وإلى منهجية الملاحظة بالمشاركة المنبثقة من الانغماس في موضوع الدراسة، وأداء دور حقيقي وفاعل في حقلها.
يرى توفيق بوعشرين في الفصل الثالث والعشرين، 20 شباط/فبراير 2011 - 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016: قراءات في الربيع المغربي، أن الأصوات التي كانت تصدح بالتغيير قد اختفت، لكن الذاكرة تبقى شاهدةً على أكبر حركة احتجاجية في تاريخ المغرب المعاصر، استطاعت أن تحقّق مكتسبات عجزت عن تحقيقها أحزاب عريقة، وأنها غابت لتظهر في أشكال احتجاجية وتعبيرية وسياسية وفنية وأدبية أخرى.
في الفصل الرابع والعشرين والأخير، "الربيع المغربي"؛ أيّ ربيع؟، يُبدي جاكوب كوهين نظرة قاتمة إلى مآلات الربيع المغربي والعربي عمومًا، وآفاق التحوّل السياسي، قبل حراك 2011 وبعده. ويرى أن كون المغرب قد استطاع تجنّب الهزات الربيعية العنيفة الآتية من الخارج لا يعني أن المجتمع المغربي لا يحتاج إلى تغيير جذري، بل يجد نفسه مشدودًا بجمود اجتماعي - ثقافي يمنعه من أن يتحوّل، أو حتى أن يعي هذا التحوّل ويتحقّق من ضرورته.
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"