مـقــــدمة:
مما لا شك فيه أن الأحكام القضائية من حيث المبدأ القانوني تنفذ داخل البلد محل صدورها غير أنه استثناء يمكن أن تنفذ أيضا في غير البلد الذي صدرت فيه، وهو ما دفع جل التشريعات إلى التدخل من اجل تنظيم قواعد هذا التنفيذ بشكل لا يؤثر على الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لبلد التنفيذ احتراما لمبدأ سيادة الدولة.
إن تنظيم تنفيذ الأحكام في البلدان الغير الصادرة فيها بكل تأكيد لا يعتبر من قبيل الترف التشريعي، بل إنه يعتبر ضرورة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولعل ما يبرر هذا هو تداخل العلاقات بين الأفراد والمجتمعات سواء كان هذا في إطار قوانين الأحوال الشخصية أو إطار المعاملات المدنية أو المعاملات التجارية وما إلى ذلك من المعاملات التي تحمل طابع القانون الخاص.
ولقد جاءت جل التشريعات بمجموعة من الضوابط تسمح بموجبها للأطراف بتنفيذ الحكم الصادر في بلد أجنبي داخل بلد آخر، بحيث أن السهر على تنفيذ الحكم لا يقل أهمية عن السعي إلى الحكم بالحق طالما أن تنفيذ الأحكام القضائية هو الغاية المنشودة من طرق باب القضاء ولذلك يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مما جاء في كتابه في القضاء إلى عامله على البصرة أبي موسى الأشعري أنه قال " لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له .... " وذلك لأن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما بالمنفذ له مما يؤثر تبعا على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في الجهاز القضائي ككل .
وفي هذا الإطار فقد تم تنظيم تنفيذ الأحكام الأجنبية من خلال عدة نصوص تشريعية، فقد كان تنفيذ الأحكام الأجنبية منظما في إطار الفصل 290 ق.م.م خلال سنة 1913 الذي كان ينص على أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية لا تنفذ داخل نفوذ المحاكم المغربية بمنطقة الحماية الفرنسية بالإيالة الشريفة إلا إذا ذيلت بالصيغة التنفيذية من طرف إحدى المحاكم الفرنسية المنشأة بها مع عدم المساس بالمقتضيات المخالفة التي نظمتها الاتفاقيات الدبلوماسية والفصل 19 من الظهير المتعلقة بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، وبعد الإصلاح القضائي الذي عرفه المغرب سنة 1974 أصبح تنفيذ الأحكام الأجنبية في المغرب يخضع لمقتضيات الفصول 430 إلى 432 من ق.م.م، هذه الفصول بينت شروط منح الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي، وكذلك الوثائق التي يجب أن ترفق بطلب التنفيذ، وإذا كان القانون المختص بتحديد شروط الحصول على أمر التنفيذ هو قانون بلد التنفيذ فإن على القضاء المغربي أن يرجع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وإلى القواعد الخاصة في حالة وجودها .
وتبرز أهمية موضوع تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب على مستويين:
أما على المستوى النظري فتتجلى أهميته من خلال حجم الكتابات الفقهية الذي حضي به، إذ بالإضافة إلى الرسائل الجامعية نجد عددا من المقالات التي تناولت بعض جزئياته فقط وهي تلك المتعلقة بمفهوم النظام العام وتطبيقاته ، أما أهميته على المستوى العملي فتتمثل من خلال القرارات القضائية القاضية بتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية أو برفض تذييلها ، بل إن ما يثير النقاش على هذا المستوى هو السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء في إطار تكييف الحكم الأجنبي ومن ثم الإجابة عن سؤال مهم وهو ما مدى مساس تنفيذ الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي؟
ولا يسعنا بعد إبراز أهمية الموضوع إلا أن نطرح الإشكاليات الآتية: إلى أي حد يشكل النظام العام عائقا في وجه تنفيذ الحكم الأجنبي في المغرب؟ و كيف تعاملت مدونة الأسرة باعتبارها نصا خاصا مع آلية تنفيذ الأحكام الأجنبية؟ وما هي الإجراءات اللازمة لمباشرة عملية التنفيذ؟ وأخيرا ما هي الآثار المترتبة عن هذا التنفيذ؟
وفي سبيل الإجابة عن هذه الإشكاليات وغيرها من التساؤلات ذات الصلة ارتأينا مقاربة الموضوع وفق التصميم الآتي :
المبحث الأول: شروط تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب.
المبحث الثاني: مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي وآثارها.
المبحث الأول: شروط تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب
فبالرجوع إلى الفصل 430 من ق.م.م نجده ينص في فقرته الثانية على ما يلي "يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي".
ومن هذا المنطلق وتأسيسا على ما قد سبق سنحاول أن نميز في إطار دراستنا لشروط تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب بين الشروط الخاصة بالحكم الأجنبي موضوع التنفيذ (كمطلب أول) وبين الشروط المتعلقة بسيادة البلد محل التنفيذ ونظامه العام (كمطلب ثاني ).
المطلب الأول: الشروط الخاصة بالحكم الأجنبي موضوع التنفيذ
ينص الفصل 430 من ق.م.م أنه "يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته " فعلى ضوء هذا المقتضى اشترط المشرع في الحكم الأجنبي أن يكون حكما صحيحا (فقرة أولى) ثم أن يكون صادرا عن محكمة مختصة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : أن يكون الحكم الأجنبي حكما صحيحا
لقد اختلف الفقه في تحديد صحة الحكم الأجنبي بين من يرى أنه على المحكمة التي تنظر في أمر تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من صحة الحكم من الناحية الشكلية والموضوعية ([1])، وبين من يرى اقتصار صحة الحكم من الناحية الشكلية فقط ([2]).
- فالاتجاه الأول يمثله أستاذنا إبراهيم بحماني، إذ يرى أن المقصود بهذا الشرط هو صحة الحكم الأجنبي شكلا وجوهرا([3])، ومقتضاه من حيث المسطرة أن يكون الأطراف كاملي الأهلية ووجوب احترام حقوق الدفاع من خلال استدعاء الأطراف بصفة قانونية والتبليغ وفق الطرق التي ينص عليها قانون المسطرة للبلد الذي صدر فيه الحكم، ويرى هذا الاتجاه أن مخالفة القواعد المسطرية التي لا تعتبر أساسية لا تؤثر في صحة الحكم ومن تم لا تفقد الحكم قيمته ([4]).
أما مقتضاه من حيث الجوهر، فإنه يجوز مثلا التمسك بالبطلان أمام المحكمة الوطنية كلما تعلق الأمر بأسباب البطلان في القانون الأجنبي الذي طبقته المحكمة مصدرة الحكم ([5]).
أما الاتجاه الثاني ويمثله الأستاذ موسى عبود، والذي يرى أن صحة الحكم تعني أن تكون المحكمة الأجنبية قد طبقت المسطرة تطبيقا صحيحا، وقواعد المسطرة هنا هي مسطرة قانون القاضي، وما على القاضي المغربي إلا أن يبحث عما إذا كانت قواعد المسطرة قد طبقت بكيفية سليمة من عدمه .
وهناك مجموعة من الاجتهادات القضائية التي استقرت على النظر بشكل أساسي في صحة الحكم من حيث الشكل، وهذا ما قضت به محكمة النقض لما استلزمت من المحكمة المقدم إليها طلب التذييل بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من صحة الحكم الأجنبي المغربي دون مناقشة موضوعه واستدعاء الأطراف ومدى جدية الطلب )([6]).
وفي نفس السياق نقضت محكمة النقض في قرار آخر صادر بتاريخ 28/02/2001 قرار محكمة الاستئناف بالناظور الصادر بتاريخ 29/02/2000 القاضي برفض تذييل الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق بالتراضي بالصيغة التنفيذية بعلة أنه لا يتضمن الجهة التي صدر باسمها هل صدر باسم جلالة الملك أم باسم الشعب([7]) .
الفقرة الثانية : صدور الحكم الأجنبي عن محكمة مختصة
تشترط كل من المادة 128 من مدونة الأسرة والفصل 430 من قانون المسطرة المدنية، بأن الحكم الأجنبي القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية يجب أن يكون صادرا عن محكمة أجنبية مختصة.
إلا أن الإشكال المطروح على هذا المستوى، هو ماهو نوع الاختصاص المقصود ؟ فهل يعني أن تكون المحكمة الأجنبية مختصة نوعيا ومكانيا وفق قواعد الاختصاص المنصوص عليها في قانونها الوطني؟
إن الجواب بنعم بطبيعة الحال سيصعب من مهمة المحكمة المعروض عليها أمر التذييل، ذلك أن الإلمام بالاختصاص الأجنبي والإحاطة بجميع جوانبه وتتبع جميع التعديلات التي قد تطاله أمر في غاية الصعوبة والتعقيد والحال أن الهدف الأساسي هو المرونة في تنفيذ الأحكام تسهيلا على المهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج، وبالإضافة إلى ذلك هو أن الرأي الغالب في الفقه يرى بعدم جدوى التأكد من توفر الاختصاص النوعي والمحلي للمحكمة الأجنبية المصدرة للحكم، بحيث يمكن إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي حتى ولو كان هذا الاختصاص غير متوفر لدى المحكمة الأجنبية، إلا إذا كان عدم توافر هذا الاختصاص من شأنه أن يجعل الحكم باطلا لدى الدولة التي صدر من محاكمها([8])، كأن يصدر حكم أجنبي عن محكمة تجارية في نزاع شخصي ناتج عن إحدى الروابط الأسرية، لأن هذا النوع من الأحكام لا تكون له أي حجية في البلد الذي صدر فيه([9]).
إن محكمة التذييل ليس من صلاحيتها مراقبة مدى احترام المحكمة الأجنبية لقوانينها، وإنما تراقب فقط مدى مساسها بقواعد القانون الدولي الخاص المغربي([10]).
وبذلك يكون المقصود بالاختصاص هنا هو الاختصاص الدولي لمحاكم الدول الأجنبية، وفي هذا الإطار هناك من التشريعات من تميز بين نوعين من الاختصاص في حالة تنازع الاختصاص الدولي:
وفي هذا السياق نقضت محكمة النقض في قرارها الصادر تحت عدد 616 بتاريخ 22/12/2000 قرار استئنافية الناظور لعلة أن الحكم جاء مخالفا لمقتضيات الفصل 430 ق.م.م لأنه صدر غيابيا عن قاضي المستعجلات ببروكسيل دون أن يتم استدعاء الطاعن أو تبليغه بالحكم بصفة قانونية، ومن جملة الدفوع التي أثارها الطاعن أنه صدر الحكم ضده غيابيا مع أنه مواطن مغربي ولا يقيم ببلجيكا بلد صدور الحكم ولا نعلم ما إذا كان قرار محكمة النقض قد اعتمد هذا الدفع لنقض القرار لأن مخالفة مقتضيات الفصل 430 ق.م.م أعلاه تشمل مخالفة قواعد الاختصاص وقاعدة النظام العام وشرط صحة الحكم([12]).
المطلب الثاني: الشروط الخاصة بالبلد محل تنفيذ الحكم الأجنبي
بالإضافة إلى الشروط المنصوص عليها في الفصل 430 من ق.م.م والتي تخص الحكم الأجنبي موضوع التنفيذ والتي أسلفنا الحديث عنها أعلاه دخلت مدونة الأسرة على الخط من خلال مقتضيات جديدة تراعي في غايتها الخصوصية التي تميز القضايا الأسرية عن باقي القضايا بحيث أن هذه المقتضيات الجديدة تهدف في مجملها إلى حفظ سيادة المملكة المغربية باعتبارها البلد محل التنفيذ وصون نظامه العام.
وانطلاقا من هذه النصوص سنحاول قدر الإمكان إبراز مدى تعلق هذه المقتضيات بالنظام العام المغربي، ومدى قدرة مقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة على تليين قاعدة الإسناد المغربية وإضفاء نوع من المرونة في التعامل مع قضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج استجابة للفلسفة التشريعية التي تحكم مدونة الأسرة , وعليه فإن الشروط المتعلقة بالبلد محل تنفيذ الحكم الأجنبي منها ما تم التنصيص عليه في الفصل 430 من ق.م.م كشرط عدم المساس بالنظام العام المغربي (فقرة أولى) ومنها ما ورد في قوانين خاصة ويتعلق الأمر هنا بشرط عدم مخالفة الحكم الأجنبي لمقتضيات مدونة الأسرة في قضايا إنهاء العلاقة الزوجية ( فقرة ثانية ) مراعاة لخصوصيات البلد محل التنفيذ في قضايا أحواله الشخصية.
الفقرة الأولى : عدم المساس بالنظام العام المغربي
لقد أجمع جل الفقه المغربي أن النظام العام المغربي([13]) يستمد أسسه من قواعد الشريعة الإسلامية ومن تعاليمها ([14]) والواقع أنه لا يوجد تحديد واضح للنظام العام لأن الفكرة تختلف باختلاف البلدان والأزمان فما يعتبر داخلا في النظام العام في زمن معين قد لا يعتبر كذلك في زمن آخر، ولو تعلق الأمر بنفس البلد.
إلا أنه يمكن التمييز في هذا الإطار بين نظام عام داخلي ونظام عام دولي([15])، من حيث أن الأول هو مجموعة من القواعد القانونية التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، بينما الثاني يتجسد في الشعور بالانتماء الديني أو السياسي أو الاجتماعي الذي يتجاوز حدود القطر الواحد([16])([17]).
وقد عمل الاجتهاد القضائي المغربي في العقود الأخيرة، على بلورة مفهوم النظام العام المغربي وتأكيد استناد أسسه على الشريعة الإسلامية، وقد كان لمحكمة النقض الدور الريادي في ذلك، وعليه لا يمكن لدولة أن تنفذ في بلدها حكما أجنبيا مخالفا لنظامها العام وهذا ما قضت به محكمة النقض لما استلزمت من المحكمة المقدم إليها طلب التذييل بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي...)([18]).
ففي المغرب مثلا لا يمكن إعطاء الصيغة التنفيذية لحكم أجنبي صدر بمنح الخليلة مبلغا من المال بسبب وفاة خليلها، أو تنفيذ حكم أجنبي قضى لأجنبية بصحة هبتها سببها علاقة غير مشروعة مع الواهب أو الاعتراف بحق الإرث لابن غير شرعي أو لابن متبنى([19]).
إن عدم المساس بالنظام العام تؤكده حتى الاتفاقيات الدولية، فقد نص الفصل 4 من الاتفاقية الثنائية بين المغرب وفرنسا المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي الموقعة في 10/8/1981 على أنه "لا يمكن العدول عن تطبيق قانون إحدى الدولتين المحدد بمقتضى هذه الاتفاقية من طرف محاكم الدول الأخرى إلا إذا كان منافيا بصورة واضحة للنظام العام".
كما يجب أن لا يتعارض الحكم الأجنبي مع حكم صدر عن المحاكم المغربية واكتسب قوة الشيء المقضي به وهو ما نصت عليه المادة 23 من الاتفاقية الثنائية بين المغرب وإسبانيا بشأن التعاون القضائي في المواد المدنية والتجارية والإدارية الموقعة في 30/8/1997 " ينبغي أن لا يتضمن المقرر ما يخالف النظام العام للبلد الذي طلب فيه التنفيذ ولا بمبادئ القانون الدولي الجاري به العمل بالبلد المطلوب كما لا يمكنه أن يتعارض مع مقرر قضائي صدر بهذا البلد واكتسب فيه حجية الشيء المقضي به"([20]).
وفي هذا الإطار، نود الوقوف قليلا عند قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 24-1-2001 والذي جاء فيه " إن الحكم الأجنبي المذيل بالصيغة التنفيذية فصل في موضوع له علاقة بالنظام العام المغربي هو الطلاق الذي أوجب المشرع الإشهاد به أمام عدلين لا أن يقضي به قاضي أجنبي غير مسلم"([21]).
إن هذا القرار صدر قبل مدونة الأسرة، أما في إطار المادة 128 من مدونة الأسرة التي تسعى إلى إيجاد حلول لمشاكل الجالية المغربية المقيمة بالخارج فإن الأحكام الأجنبية بالطلاق أصبحت بشكل صريح قابلة للتذييل بالصيغة التنفيذية.
إلا أن الملاحظ أن القرار أعلاه أورد عبارة من شأنها أن تثير إشكالات وتنطوي على التباس وغموض وهي "لا أن يقضي به قاض غير مسلم" فهذا الاتجاه لا يستقيم والتحليل القانوني السليم، ولا يتجاوب مع الطابع الاستثنائي لتنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب فهل يعني أن الطلاق لو كان صادرا عن قاضي أجنبي مسلم لما كان فيه مساس بالنظام العام المغربي رغم أن الطلاق في قانون الأحوال الشخصية الملغى كان مرتبطا بالإشهاد أمام عدلين؟
إن السير في هذا الاتجاه حسب الأستاذ سفيان ادرويش سيؤدي لا محالة إلى رفض أغلب طلبات تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية المقدمة من طرف أفراد الجالية المغربية المقيمين بالدول الأوروبية، وهو ما سيفرغ المقتضيات الاستثنائية للفصلين 430 و431 من ق.م.م. من أي محتوى.
فالعبرة إذن في المساس بالنظام العام ليس بصدور الحكم الأجنبي من قاض مسلم أو غير مسلم، وإنما بمدى مخالفة مضمون الحكم المذكور للقواعد القانونية الشرعية لمؤسسة انحلال ميثاق الزوجية، فقواعد القانون الدولي الخاص والمادة 128 من مدونة الأسرة وجدت لحل المشاكل العملية الناتجة عن خصوصية قانون كل دولة على حدة([22]).
وفي سياق تطرقنا لشرط عدم المساس بالنظام العام يثار إشكال عملي فيما يخص تطبيق المادة 128 من مدونة الأسرة، حيث يكون الحكم الأجنبي في شقه المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية لا يخالف النظام العام بينما في شقه المتعلق بوجوب اقتسام الأموال بين الزوجين مخالفا للنظام العام، ليثار التساؤل: عن مدى إمكانية تذييل الحكم الأجنبي المذكور بالصيغة التنفيذية تذييلا جزئيا ([23])؟
وفي هذا الإطار ذهبت المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالناظور في بعض الأحكام إلى جواز تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية تذييلا جزئيا في شقه غير المخالف للنظام العام كما ذهب بعض الفقه المغربي إلى جواز ذلك، إذ يرى ذ الطيب برادة أنه " إذا تحققت المحكمة من توفر الشروط التي يتطلبها القانون فإنها تحكم بإعطاء الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي، وطبيعي أن للقاضي أن يحكم بالتنفيذ الجزئي أو في شق منه دون شق آخر" ويدعم هذا الاتجاه ذ الصديقي بلعربي إذ يرى أنه عندما يتعلق الآمر بإنهاء العلاقة الزوجية فإنه مادامت أن المادة 128 من مدونة الأسرة قد لطفت من حدة النظام العام المطلق ، فإنه قياسا على المادة 47 من مدونة الأسرة والمتعلقة بالشروط الإرادية لعقد الزواج التي تجعل تلك الشروط ملزمة وما خالف منها للقواعد الآمرة للقانون يعتبر باطلا والعقد صحيحا، يمكن التذييل الجزئي للحكم الأجنبي فيما إذا كانت أسبابه غير منافية لما قررته المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية([24]).
غير أن هذا الاتجاه حسب أستاذنا المعزوز البكاي وكذا الأستاذ سفيان ادرويش يبقى محل نظر، لأنه يعد اجتهادا مع وجود النص الصريح إذ ينص الفصل 430 من ق.م.م الذي تحيل عليه المادة 128 من مدونة الأسرة أن المحكمة يجب أن تتحقق من عدم مساس أي محتوى من محتويات الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي، لدى نخلص أن مساس شق معين من الحكم الأجنبي كاف لرفض تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية كليا، فلا يجوز تجزئة الحكم المذكور فإما أن ينفذ برمته أو يرفض تنفيذه كليا.
ويضيف هذا الاتجاه في إطار دحض الاتجاه الأول، في كونه لا يتعارض فقط مع صراحة النص وإنما قد يولد إشكالات عملية، فتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية يعني قانونا وعمليا وضع الصيغة التنفيذية بصفة جزئية على أصل الحكم الأجنبي وليس على الحكم الصادر بالتذييل، إذ كيف يمكن وضع الصيغة التنفيذية بصفة جزئية على الحكم الأجنبي من الناحية العملية([25])؟
الفقرة الثانية : تأسيس الحكم الأجنبي على أسباب لا تتنافى مع تلك المقررة في مدونة الأسرة المغربية
تنص المادة 128 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية على أن " الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة، لإنهاء العلاقة الزوجية، وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية، طبقا لأحكام المواد 430 و431 و432 من قانون المسطرة المدنية".
يعتبر هذا السبب الذي جاءت به مدونة الأسرة في مادتها 128 سببا خاصا لتعلقه بحالات إنهاء العلاقة الزوجية دون غيرها من المشاكل الأسرية الأخرى([26]).
ولقد جاء هذا المقتضى من أجل التلطيف من قاعدة الإسناد المغربية بحيث لا تشترط المادة 128 من مدونة الأسرة تطبيق القانون المغربي من طرف القضاء الأجنبي انطلاقا من القاعدة الشرعية القائلة بأن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وذلك خلافا لما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بتطوان حين رفضت تذييل حكم المحكمة الابتدائية بهارلم بهولندا بالصيغة التنفيذية لأنه قضى في منطوقه بفسخ المعاشرة الرسمية بين الطرفين، لأنه مخالف للنظام العام المغربي الذي لا يعترف بنظام المعاشرة الرسمية كطريقة لإنهاء العلاقة الزوجية ([27]).
غير أنه وبقراءة المادة 128 من مدونة الأسرة منذ دخولها حيز التطبيق تؤكد أن الأمر يتعلق بمقتضيات قانونية فعالة لاحتواء أزمة ومأزق قاعدة الإسناد الوطنية، ومن مظاهر هذه الأزمة هو أنه يوجد من بين أفراد الجالية المغربية بالخارج من يتمتع بجنسية مزدوجة أجنبية ومغربية، مما يؤدي إلى التنازع الإيجابي بين قوانين الدولتين التي يحمل الفرد جنسيتها في آن واحد، هذا التنازع الإيجابي هو ما سعت المادة 128 من مدونة الأسرة لإيجاد حلول قانونية وعملية له، فعلى سبيل المثال الشخص الذي يحمل جنسية مغربية وإسبانية ويرفع دعوى إنهاء العلاقة الزوجية أمام القضاء الإسباني رغم أن قاعدة الإسناد المغربية تقضي بتطبيق القانون الوطني على المغاربة المسلمين، وأساس تطبيق القانون الإسباني من طرف القضاء الإسباني هو أن قانون الجنسية بإسبانيا ينص على أن الجنسية الإسبانية تفضل عن الجنسية الأجنبية، ومادام الوضع القانوني والاتجاه القضائي قبل المادة 128 المذكورة كان يرفض تذييل الحكم الأجنبي الذي خرق قاعدة الإسناد المغربية في مادة الأحوال الشخصية فإن الحكم الإسباني لن ينفذ أبدا بالمغرب حتى وإن لم يكن يمس في مضمنه بالنظام العام المغربي([28]).
فإذا كان هذا أبرز ما يتعلق بالشروط الواجب توافرها في الحكم الأجنبي من أجل تذييله بالصيغة التنفيذية وبالتالي يصير قابلا للتنفيذ في المغرب، فما هي الإجراءات المسطرية الكفيلة بتفعيل هذا التنفيذ؟ وما هي الآثار المترتبة عن تنفيذ الحكم الأجنبي داخل التراب المغربي ؟
المبحث الثاني: مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي وآثارها
إن دراسة إجراءات وآثار تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب لمن الأهمية بمكان لأنها اعتراف بحقوق مكتسبة بالخارج ومظهر من مظاهر سيادة الدولة وترجمة لمبدأ دستوري هام وهو حماية النظام العام.
فحماية النظام العام ليس بالأمر الهين قانونا لاسيما مع اختلاف دساتير العالم والقوانين والمواثيق الدولية وطبيعة العلاقات التي تربط بين الدول ومن ثم فإن نطاق النظام العام ومبدأ سيادة الدولة يزيد وينقص، فهل استطاع المشرع المغربي من خلال آلياته القانونية حماية النظام العام المغربي في إطار تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب؟ هذا ما سنحاول مقاربته قدر الإمكان على مستوى مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي (المطلب الأول)، وعلى مستوى آثاره تنفيذه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مسطرة تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب
فانطلاقا من الفصلين 430 و 431 من ق.م.م فإن الحكم الأجنبي ينفذ بالمغرب بعد تذييله بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودها، ويجب على المحكمة وهي تبت أن تتأكد من صحة الحكم الأجنبي واختصاص المحكمة الأجنبية وأن تتحقق من عدم مساس الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي.
الفقرة الأولى: تقديم مقال دعوى التذييل مرفقا بالوثائق المطلوبة
فعلى ضوء مقتضيات الفصلين أعلاه يقدم طلب التذييل، مرفقا بالوثائق التالية ما لم تكن هناك اتفاقية دولية تنص على خلاف ذلك وهذه الوثائق هي كالآتي:
1- نسخة رسمية من الحكم الأجنبي موضوع التنفيذ .
2- أصل التبليغ أو ما يقوم مقامه.
3- شهادة من كتابة الضبط تفيد عدم الطعن بالتعرض أو الاستئناف، وأشير هنا أن بعض الدول تخالف شهادة عدم الطعن في الحكم الأجنبي رغم إجماع كافة الاتفاقيات الدولية على ضرورة الإدلاء بها، حيث وباطلاعنا على بعض الأحكام وجدنا أنها تكتفي بالإشارة إلى عبارة (عدم الطعن) كالحكم الألماني الذي أشار إلى ذلك بالعبارة التالية (أصبح هذا الحكم نافذا غير قابل للطعن بالنقض والاستئناف).
4- ترجمة هذه الوثائق عند الاقتضاء إلى اللغة العربية مصادق على صحتها من طرف ترجمان محلف ثم يصدر الحكم في جلسة علنية :
إذ يجب ترجمتها إلى اللغة العربية وأن تصادق عليها السفارة أو القنصلية المغربية على إمضاء السلطات الأجنبية ثم تصادق عليه وزارة الخارجية المغربية، على إمضاء الممثل الدبلوماسي المغربي ما لم تكن اتفاقية بين المغرب ودولة أخرى حيث تعطى لها الأولوية في التطبيق مع مراعاة شروط تطبيق الاتفاقيات الدولية وهي:
*المصادقة عليها بشكل يحدده الدستور.
*نشرها بالجريدة الرسمية وتاريخ سريانها.
*معرفة ما إذا لحقها تعديل أو إضافة.
والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب هي عديدة من أهمها:
*اتفاقية نيويورك 1956 (الخاصة باستيفاء النفقة بالخارج).
*اتفاقية بولونيا 1979 (الخاصة بالتعاون المدني والجنائي).
*اتفاقية تونس 1964 (الخاصة بتبليغ الحكم القاضي بالتذييل).
*اتفاقية إسبانيا (مدريد) 1997 (الخاصة بالتعاون القضائي المدني والتجاري والإداري).
*اتفاقية فرنسا 1881 (الخاصة بحالة الأشخاص والأسرة والتعاون القضائي).
الفقرة الثانية: المحكمة المختصة في دعوى تذييل الحكم الأجنبي
يجب تقديم الطلب للمحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو مكان التنفيذ، ومعلوم انه عند تقديم الطلب فإنه يكون مصحوبا بأداء الرسوم القضائية وإتباع الإجراءات العادية سواء كان الحكم الأجنبي ابتدائيا أو استئنافيا أو استعجاليا([29]).
والمقصود بالمحكمة الابتدائية حسب ما استقر عليه الاجتهاد القضائي هي محكمة الموضوع وليس قاضي المستعجلات، وإن كان بعض الفقه ([30]) من يرى أن منح الاختصاص لقضاء الموضوع لا يتماشى مع تعديل ف 430 من ق.م.م والمادة 128 من مدونة الأسرة اللذين يحكمهما هاجس تبسيط الإجراءات وسرعة البت ومن ثم فإنه يصبح من باب العبث وإهدار الوقت عرض النزاع من جديد أمام قضاء الموضوع علما أن الحكم الأجنبي سبق أن قطع أشواطا كبيرة ([31]).
ورغم أن اختصاص المحكمة في هذا الفصل 430 ق.م.م. هو من النظام العام كما أقر ذ. درميش فإنه يتعين احترام اتفاق الأطراف إن وجد (كأن يختاروا رئيس المحكمة بدل محكمة الموضوع).
أما بخصوص التمييز بين الموطن أو محل الإقامة فيمكن الرجوع للفصلين 519 و522 من ق.م.م.
وعموما فإن أطراف الحكم الأجنبي لن يتسنى لهم تنفيذه بالمغرب، إلا بطرق باب القضاء المغربي، وذلك بتقديم مقال دعوى التذييل، الواجب أن يتضمن منطوق الحكم الأجنبي وطلب تذييله وأسماء أطرافه الذين يتم استدعاؤهم لعرض أوجه دفاعهم.
الفقرة الثالثة: شكلية استدعاء أطراف دعوى تذييل الحكم الأجنبي
تعتبر شكلية استدعاء أطراف دعوى تذييل الحكم الأجنبي من أبرز الإشكاليات الإجرائية بحكم تعلقها بحق من حقوق الدفاع من جهة ولارتباطها بسلطة المحكمة في تجهيز القضية واحترام القانون المسطري من جهة وأخرى وقد اختلف الاجتهاد القضائي في مدى إلزامية استدعاء أطراف دعوى التذييل بين اتجاهين اثنين
الاتجاه الأول وهو الاتجاه القائل باختيارية استدعاء الأطراف وهو التوجه الذي تسير على هديه أغلب محاكم المملكة بحيث لا يتم استدعائهم إلا بطلب من رافع الدعوى أو عند وجود منازعة جدية على اعتبار أن حكم التذييل هو حكم كاشف و يسري بأثر رجعي ([32]) وهذا ما قضت به محكمة النقض لما استلزمت من المحكمة المقدم إليها طلب التذييل بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من صحة الحكم الأجنبي المغربي دون مناقشة موضوعه واستدعاء الأطراف ومدى جدية الطلب )([33]).
أما الاتجاه الثاني فهو القائل بإلزامية استدعاء أطراف الدعوى وذلك بقصد تمكينهم من إبداء أوجه دفاعهم وهذا التوجه سبق لمحكمة النقض أن تبنته لما نقضت قرار استئنافيا بعلة أنه قضى بتذييل الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق بين الطرفين بالصيغة التنفيذية دون استدعاء الزوج المدعى عليه وتمكينه من عرض جوابه الأمر الذي يعتبر خرقا للفصلين 32 و 36 من ق م م و ما بعدها ([34]).
وعموما فإننا نساير التوجه القضائي الأول بحكم أنه التوجه الأكثر وجاهة ورجاحة وينسجم وغايات المشرع من دعاوى التذييل وروح الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي هي غاية رقابية على الحكم الأجنبي موضوع التنفيذ من جهة وحمائية للنظام العام المغربي من جهة أخرى.
ويطرح الإشكال فيما إذا كان موطن أحد الطرفين بالخارج والآخر بالمغرب أو كلاهما بالخارج ويطلب أحدهما تذييل حكم أجنبي وهذا غالبا ما يطرح في قضايا الأحوال الشخصية ومثال ذلك (أن يصدر حكم أجنبي بالطلاق ويطلب أحد الزوجين تذييله ويكون الطرف الآخر قد غير سكناه بالخارج فيتطلب استدعاؤه وعند عدم توصله يعين في قيم حقه ، وهذا يستغرق وقتا طويلا، و يلحق ضررا بالزوج المعني).
وهنا يمكن للمحكمة أن تطلع على الحكم وإذا تبين لها انه يتضمن اتفاق الزوجين على الطلاق، فإنها تحيل الملف على النيابة العامة لتقدم مستنتجاتها وبعد ذلك تتحقق من شروط تذييل الحكم الأجنبي وتبت في الطلب بناء على قناعتها، أما إذا تبين لها أن أحد الزوجين يعارض في الطلاق فإنه لا بد من استدعائه ثم تسلك نفس الإجراءات([35]).
ولابد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن المادة 128 من مدونة الأسرة عملت على تليين قاعدة الإسناد الكلاسيكية، حيث أصبح الحكم الأجنبي في قضايا إنهاء الزواج بسبب الطلاق وما في حكمه ( كالتطليق أو الفسخ، أو الخلع)، يكون قابلا للتنفيذ بالرغم من كون المحكمة الأجنبية لم تشر في حيثياته لقانون الأسرة المغربي، رغم أن قاعدة الإسناد المغربية تقضي بتطبيق القانون الوطني على المغاربة المسلمين خلافا لما كان في قانون الأحوال الشخصية حيث كان يرفض تذييل الحكم الأجنبي الذي لا يراعي قانون الأحوال الشخصية المغربي هذا في الوقت الذي نجد فيه القانون الإسباني مثلا مصرا على تطبيق القانون الإسباني فمثلا (شخص يحمل جنسيتن إسبانية ومغربية وقام برفع دعوى إنهاء الزواج أمام القضاء الإسباني فهنا يطبق عليه القانون الإسباني كون قانون الجنسية ينص كون الجنسية الإسبانية تفضل على الجنسية الأجنبية([36]).
عموما فإن ما جاءت به مدونة الأسرة في مادتها 128 غايته هو تبسيط الإجراءات للرعايا المغاربة خصوصا لحل مشاكل الزواج المختلط.
أما الأحكام الصادرة في القضايا المالية أو غيرها، فتطرح الإشكال إذا لم يكن موطن أو محل إقامة المدعى عليه هو مكان التنفيذ.
الفقرة الثالثة: إشكالية تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية
أما مسطرة تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية فاختلف بشأنها الفقه بين قائل باتباع نفس مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي ( الفصلين 430 و431 من ق.م.م) على غرار القانون المصري (م 299) والقانون الليبي (م 406) ومن أنصار هذا الاتجاه ذ درميش أما الاتجاه الآخر فيرى بأنه يجب تنفيذها وفق نفس المسطرة المطبقة على أحكام التحكيم الوطنية ومن ثم يكون رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص ومن أنصار هذا الاتجاه ذ موسى عبود مستندا في ذلك على قرار سابق لمحكمة النقض سنة 1986 الذي قضت فيه بأنه (ليس في الفصل 430 من ق م م ما يفيد أن التحكيم الأجنبي يسري عليه ما يسري على الأحكام الأجنبية بخصوص دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية) ، وفضلا عن هذا فإن معاهدة نيويورك لسنة 1956 تنص أن رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص بتذييل حكم التحكيم الأجنبي على غرار اختصاصه بالتحكيم الوطني، وهو نفس التوجه الذي سارت عليه استئنافية الدار البيضاء في قرارها 98/1141.
ولا تفوتنا الإشارة إلى استقلال الدعوى الأصلية (موضوع الحكم الأجنبي) عن دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية ( التي تركز على مدى مخالفة أو مطابقة الحكم الأجنبي للنظام العام المغربي) ، كما قضت بذلك محكمة النقض في قرارها عدد 03/114 القاضي بأن الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق يثبته ولا ينفذ بالمغرب.
فإذا كانت هذه هي أبرز إجراءات تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب فما هي آثاره تنفيذه .
المطلب الثاني: آثار تنفيذ الحكم الأجنبي
بعد استنفاذ المحكمة للإجراءات السابقة، ينتج تنفيذ الحكم الأجنبي آثاره والحكم الأجنبي لا يمكن أن يرتب آثارا تفوق الحكم الوطني على حد تعبير الفقه المهتم ومما يجب الإشارة إليه هي الصفة التي يطبق بها الحكم الأجنبي حيث اختلف الفقه، حيث هناك من ذهب (كالأستاذ عزالدين عبد الله) إلى أنه يظل بصفته هاته وهو ما سار عليه الفقه الفرنسي، أما الفقه الإيطالي فانقسم لاتجاهين: اتجاه يرى بأن الحكم الأجنبي يصير حكما وطنيا فيما اعتبره الجانب الآخر حكما مركبا، في حين أجمع الفقه المغربي أنه يدخل في حكم الأحكام الوطنية دون فقدانه لصفته.
ونميز في إطار آثار تنفيذ الحكم الأجنبي بين الآثار المرتبطة بالأمر بالتنفيذ وهي الآثار المباشرة (فقرة أولى) وبين الآثار المستقلة عن الأمر بالتنفيذ وهي الآثار غير المباشرة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الآثار المباشرة
هي الأخرى سنميز في إطارها بين أثرين اثنين وهما كالآتي:
أولا: تمتع الحكم الأجنبي بقوة الشيء المقضي به
فحسب ف 418 من ق.ل.ع فإن الحكم الأجنبي بمجرد صدوره عن القضاء الأجنبي فهو يكون حائزا لقوة الشيء المقضي به مما يجعله قرينة قاطعة على ما يثبته، وأن ما يقضي به هو الحق بعينه وهذا يعني أنه أصبح نهائيا لا يقبل الطعن بأية وسيلة وهذا ما يجعل من المستحيل عرض النزاع من جديد أمام القضاء طبقا لما ينص عليه الفصل 450 من ق.ل.ع وفي هذا السياق قضت محكمة النقض في قرارها عدد 06/452 باعتبار (الحكم الأجنبي القاضي بأداء النفقة هو حجة على الوقائع التي تضمنها والمبالغ التي حكم بها وإن كان مجردا من قوته التنفيذية) ([37]).
و من جهة أخرى فإنه واستنادا إلى الفقرة الأخيرة من الفصل 431 من ق م م فإن الحكم القضائي القاضي بالتذييل يتمتع بقوة الشيء المقضي به بحيث يكون غير قابل للطعن في قضايا الطلاق، ماعدا من لدن النيابة العامة حسب التعديل الوارد بموجب القانون رقم 33.11 ([38]) وهذا ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها لما اعتبرت أنه ( يكون الحكم القاضي بمنح الصيغة التنفيذية في قضايا انحلال ميثاق الزوجية غير قابل للطعن ماعدا من لدن النيابة العامة ولما كان المطعون فيه قد قضى بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية فإن الطعن فيه من غير النيابة العامة يجعل الطعن المقدم من طرف الطالبة غير مقبول طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 431 من ق.م.م )([39]).
وفي نفس السياق قضت المحكمة الاستئنافية بالرباط بإلغاء حكم ابتدائي قضى بعدم قبول دعوى تذييل حكم أجنبي قضى بالطلاق الاتفاقي لعدم إرفاق المقال برسم الزواج وذلك بعلة أن محكمة النقض دأبت على اعتبار الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق الاتفاقي يعد وثيقة رسمية طبقا للفصل 418 من ق ل ع ولا تملك المحكمة استبعاده دون أن ترتب عليه الآثار القانونية معللة قرارها بكون الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق الاتفاقي هو صادر عن محكمة مختصة و مؤسس على أسباب لا تتنافى والنظام العام المغربي وأنه وبغض النظر عن شرعية الزواج فالطلاق الرضائي يضع حدا للزواج السابق([40]) .
وإذا كانت هذه القوة تعد نسبية في المادة المدنية فإنها على خلاف ذلك في المادة الجنائية كما ذهب إلى ذلك جانب من الفقه ذ.المسعودي العياشي.
وقوة الأمر المقضي به ترد على منطوق الحكم من تاريخ صدور الأمر بالتنفيذ وليس من تاريخ صدوره عن المحكمة الأجنبية.
وفي هذا الإطار يجب التمييز بين الحكم الأجنبي الحائز لقوة الشيء المقضي به، وبين الحكم الأجنبي الحائز لنفس القوة أيضا ولكنه مانح للأمر بالتنفيذ من حيث الأشخاص لا من حيث الحق موضوع الدعوى، وذا كان الغير نفسه لا يمكنه الطعن في الحكم الأجنبي بواسطة تعرض الغير الخارج عن الخصومة حسب الفصلين 303 و305 من ق.م.م لأن ذلك من شأنه خلق دعوى جديدة لكن القضاء غالبا ما يقبل هذا التعرض في المادة الأسرية كما قضت به استئنافية البيضاء في قرارها 90/1193، حينما قبلت تعرض الزوج الأول في النازلة موضوع الدعوى، مما أرغم الزوجة المستأنفة على تقديم طلب التذييل من جديد.
وفي إطار التمييز بين حجية الحكم الأجنبي الحاصل على الأمر بالتنفيذ وبين الحكم المغربي الذي منحه قوة التنفيذ، فإن حجية الحكم الأجنبي محددة وفق القانون الأجنبي ويسري على الأطراف والأغيار أما الحكم المغربي المانح له أمر التنفيذ فمحصور فقط بين أطراف الحكم الأجنبي.
ثانيا: تمتع الحكم الأجنبي بالقوة التنفيذية
إذا كان الهدف من تمتيع الحكم الأجنبي بالقوة التنفيذية هو وضعه في قالب شرعي ومنحه الطابع الإلزامي، فإن العبرة بتمتعه بهذه القوة التنفيذية هو وقت صدور الأمر بالتنفيذ مما يؤكد أن هذا الأمر هو منشئ للقوة التنفيذية ومبينا للحق.
بالقوة التنفيذية يرقى الحكم الأجنبي لمصاف الحكم الوطني حيث يستقيها من القانون آو من حكم قضائي أما الصيغة التنفيذية من المنظور الفقهي فهي تلك (العبارة التي تضعها المحكمة على الحكم الأجنبي حتى يصير قابلا للتنفيذ).
ويمكن للمحكمة المانحة للصيغة التنفيذية أن تأمر بنشر الحكم الأجنبي كما هو الحال في قضايا الحالة المدنية لأن تسجيل الحكم الأجنبي القاضي بإنهاء الزواج غير كافي بل على ضابط الحالة المدنية أن يشير في هامش سجلاته إلى الحكم المانح للأمر بالتنفيذ.
أما طرق التنفيذ فهي عديدة منها الحجز التحفظي والتنفيذي والإكراه البدني وإن كان هذا الأخير لا يعمل به في الديون المدنية بفرنسا لانتفائه مع مبادئ حقوق الإنسان.
وحتى وإن كانت للقوة التنفيذية وللقوة الثبوتية للحكم الأجنبي أثرين مستقلين عن بعضهما فإنه يصعب التمييز بينهما ذلك أن الحكم الأجنبي ولو قبل تذييله فهو يبقى حائز لقوة ثبوتية وهو ما تؤكده المادة 14 من الاتفاقية الفرنسية لسنة 1981 عندما أتاحت نشر وتسجيل الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به بسجل الحالة المدنية ولو كان مفهوم هذا الحكم الأجنبي مخالف للنظام العام، طالما أن النظام العام لا يمنع من استعمال حق مكتسب بالخارج بقدر ما يمنح اكتسابه ببلد التنفيذ كما ذهب لذلك ذ. موسى عبود.
ومثال القوة الثبوتية للحكم الأجنبي كالحكم القاضي بالطلاق الذي يمكن تسجيله كما قلنا دون إمكانية أن تطالب الزوجة أو الزوج من خلاله إلا بإدلاء إذن التعدد بالنسبة للزوج وطلب التطليق بالنسبة للزوجة والحكم بالتذييل بالنسبة لهما معا.
ومن هذا المنطلق وتأسيسا على ما قد سبق يتبين أن القوة التنفيذية تبدأ حيث تنتهي القوة الثبوتية ([41]).
الفقرة الثانية: الآثار غير المباشرة
هذه الآثار يرتبها الحكم الأجنبي قبل تذييله وهي آثار على القاضي أن يأخذها بعين الاعتبار ونميز في إطارها بين ثلاث آثار وهي كالآتي:
أولا: أثره كواقعة موضوعية
إن اعتبار الحكم الأجنبي كواقعة يجعله سببا لإنشاء حقوق أخرى (فمثلا شخص اشترى منزلا بفرنسا وتم نزع الحيازة من يده بحكم قضائي فرنسي هنا يحق للمتضرر رفع دعوى ضمان الاستحقاق بالمغرب، كون الحكم القضائي الأجنبي يعد سندا قويا لرفع الدعوى ضد البائع).
لذلك يكون من الصعب على القضاء المغربي إنكار هذه الواقعة عملا بالقاعدة القائلة (الحكم القضائي يفرض نفسه على الأغيار كواقعة موضوعية وإن كان أثره نسبي).
ويعد الفقيه الفرنسي Bartin هو أول من لفت الانتباه لهذا الأثر من خلال تعليقه على حكم صادر عن محكمة فرنسية حيث تتلخص وقائع الحكم في أن عاملا بلجيكي أصيب بحادثة شغل في فرنسا وبعد لجوئه للقضاء للمطالبة بالتعويض تبين للمحكمة أنه سبق له الحصول على تعويض من محاكم لوكسمبورغ عن نفس الإصابة فقررت المحكمة التنزيل من قدر التعويض دون حاجة لتذييل الحكم الأجنبي).
وعموما فإن اعتبار الحكم الأجنبي كواقعة موضوعية هو في صالح التعاون الدولي القضائي.
ثانيا: الحكم الأجنبي كسند للإثبات
فالحكم الأجنبي، كما سبقت الإشارة، يدخل في حكم الورقة الرسمية، كما هو وارد في ق.ل.ع في الفصول 404 (الحجة الكتابية) والفصل 419 (الورقة الرسمية حجة قاطعة) والفصل 418 (الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية).
والحكم الأجنبي وإن كان لا ينفذ إلا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية إلا أن ذلك لا يمنع من الاحتجاج بالوقائع التي يثبتها([42]) استنادا للفقرة الثانية من الفصل 418 من ق.ل.ع التي تنص على ( أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية و المحاكم الأجنبية يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها) وهو ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها لما اعتبرت أن ( الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية تكون حجة على الوقائع التي تثبتها حتى قبل صيرورتها قابلة للتنفيذ([43]).
وكذلك كل من القضاء المصري، والفرنسي يسيران في نفس الاتجاه فالقضاء المصري استقر على أن (للحكم الأجنبي قوة إثبات قبل تذييله) والقضاء الفرنسي استقر (على جواز استعمال الحكم الأجنبي لتوقيع حجز مال المدين لدى الغير).
وفي نفس السياق نصت المادة 14 من الاتفاقية المغربية الفرنسية على أنه (يمكن نشر الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقضي به المتعلقة بحالة الأشخاص وتسجيلها في سجلات الحالة المدنية دون حاجة إلى تذييلها بالصيغة التنفيذية )([44])
لكن وبالرغم من ذلك فإننا نرى بأن السلطة التقديرية في تقدير الحجج تبقى للقاضي في اعتماد الحكم الأجنبي أو استبعاده حسب موضوع وظروف كل نازلة على حدة.
ثالثا: الأحكام التأسيسية والأحكام المتعلقة بالحالة والأهلية
فمعلوم لأنه لكل قاعدة استثناء واستثناء هذه القاعدة هو ما أورده القضاء الفرنسي (محكمة النقض الفرنسية سنة 1860)، في القضية الشهيرة بولاي حيث قضت بأنه( يكفي الاحتجاج بالحكم الأجنبي القاضي بالتطليق دون تذييله ) وهو ما سار عليه حتى القضاء اللبناني، ومن هنا يحق للشخص الصادر له حكم بطلاق من إنجلترا أن يتزوج من خلاله بفرنسا دون تذييله)([45]).
وقد أخذ المشرع المغربي بهذا الاستثناء سابقا في الفصل 20 من ظهير الوضعية المدنية للأجانب والفرنسيين، والتي تخص (حالة الإفلاس المصرح به خارج منطقة الحماية، حيث كان يسمح للمقيم اتخاذ التدابير الاحتياطية دون ضرورة تنفيذه).
ولا تفوتنا الإشارة إلى آثار الحكم الأجنبي الجنائي فحسب المادة 751 ق.م.ج فإن كل شخص ارتكب جنائية خارج المغرب يمكن متابعته بالمغرب إذا رجع الجاني إلى المغرب، ولم يدلي بما يثبت قضاؤه للعقوبة أو أنها تقادمت أو صدر العفو عليه.
وهناك المادة 763 ق.م.ج. الخاصة بتنفيذ العقوبات المدنية الصادرة عن محكمة جنائية وهو ما يحيل على التنفيذ وفق ق.م.م.
ولقد أصبحت الدول حديثا تبرم عدة اتفاقيات بهدف التعاون الدولي في عدة ميادين من جملتها مجال محاربة الإرهاب، وكذا في ميدان المالية والضرائب تجنبا لما يسمى بالازدواج الضريبي.
ومادمنا بصدد الحديث عن آثار تنفيذ الحكم الأجنبي فلابد من استحضار المشكل الذي تطرحه المادة 128 من مدونة الأسرة على مستوى طبيعة هذه الآثار هل هي رجعية أم فورية، وأمام غياب نص صريح في هذا الإطار فقد تباينت أراء الفقه :
الاتجاه الأول: والذي يمثله ذ إبراهيم باحماني والذي يرى بأن الحكم الأجنبي المذيل هو منشأ للحق فيما يعتبر أنصار الاتجاه الثاني سليمان ذ ادرويش أن الحكم الأجنبي المذيل كاشفا للحق وأمام هذا وذلك، ذهب جل الفقه إلى أن له أثر رجعي لأن القول بفورية أثره سيخلق مشاكل واقعية فمثلا (زوجة حصلت على طلاق بالخارج وقدمت طلبا لتذييله بالمغرب غير أنها تزوجت في الفترة الفاصلة بين تقديمها للطلب وبين الحكم بتذييله)، فهنا لو قلنا بأنه ذو أثر فوري لتم اعتبار زواجها باطلا لكن القول برجعيته يجعله صحيحا وهذا هو الأسلم من الناحية القانونية ([46]).
خـــاـتمة
ونحن نضع اللمسة الأخيرة لمقالنا نخلص إلى أن موضوع تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب من أكثر المواضيع تشعبا وتعقيدا وتكمن صعوبته في تعدد وتنوع زوايا دراسته وهي قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة والقانون الدولي الخاص والقانون الجنائي...
وإذا كان المغرب كغيره من البلدان أصبح مطالبا بمواكبة ما تستحدثه دول العالم من مواثيق ومعاهدات في مختلف الميادين والمجالات خصوصا وانه في الغالب ما تستضيء القوانين الداخلية بالاتفاقيات الدولية بل تعطي لها الأولوية في التطبيق.
ولهذا فالمشرع المغربي أصبح الآن يأخذ بنظام المراقبة بدل نظام المراجعة وأصبح يراعي شرط المعاملة بالمثل (عنصر التبادل) ومهما يكن فإن أهم الخلاصات والملاحظات التي توصلنا إليها في هذه الدراسة هي كالآتي :
- أن المادة 128 من مدونة الأسرة تبقى غير كافية لوحدها لحل مشاكل الجالية المغربية في دعاوى التذييل بالصيغة التنفيذية.
- ضرورة إعادة النظر في صياغة الفصول من 430 إلى 432 من ق م م وذلك من خلال تدقيق شروط تنفيذ الحكم الأجنبي خاصة شرط اختصاص المحكمة الأجنبية لما يطرحه من مشاكل جمة أمام القضاء المغربي، وكذا إعادة النظر في المسطرة المتبعة في دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية أخدا بعين الاعتبار خصوصيات هذه الدعوى والحكمة التشريعية منها.
- ضرورة إعادة النظر في ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب الصادر في 12 غشت 1913 ليتماشى والسيادة الوطنية للمغرب علما أنه قد مرت أكثر من 60 سنة على تاريخ الاستقلال.
- ضرورة توحيد القواعد التشريعية الخاصة بتنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب لتدليل الصعاب على القضاء مع العلم أن العمل القضائي المغربي وعلى مختلف درجات محاكم المملكة قد كرس عددا كبيرا من الاجتهادات القضائية في هذا الموضوع ولا زال العديد منها قيد النشر.
- ضرورة انفتاح القضاء المغربي أكثر على التجارب المقارنة من دول العالم وخاصة محكمة النقض من خلال إضفاء نوع من المرونة على قراراتها مع سرعة البت في دعاوى التذييل بالصيغة التنفيذية.
تم بحمد الله وعونه
مما لا شك فيه أن الأحكام القضائية من حيث المبدأ القانوني تنفذ داخل البلد محل صدورها غير أنه استثناء يمكن أن تنفذ أيضا في غير البلد الذي صدرت فيه، وهو ما دفع جل التشريعات إلى التدخل من اجل تنظيم قواعد هذا التنفيذ بشكل لا يؤثر على الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لبلد التنفيذ احتراما لمبدأ سيادة الدولة.
إن تنظيم تنفيذ الأحكام في البلدان الغير الصادرة فيها بكل تأكيد لا يعتبر من قبيل الترف التشريعي، بل إنه يعتبر ضرورة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولعل ما يبرر هذا هو تداخل العلاقات بين الأفراد والمجتمعات سواء كان هذا في إطار قوانين الأحوال الشخصية أو إطار المعاملات المدنية أو المعاملات التجارية وما إلى ذلك من المعاملات التي تحمل طابع القانون الخاص.
ولقد جاءت جل التشريعات بمجموعة من الضوابط تسمح بموجبها للأطراف بتنفيذ الحكم الصادر في بلد أجنبي داخل بلد آخر، بحيث أن السهر على تنفيذ الحكم لا يقل أهمية عن السعي إلى الحكم بالحق طالما أن تنفيذ الأحكام القضائية هو الغاية المنشودة من طرق باب القضاء ولذلك يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مما جاء في كتابه في القضاء إلى عامله على البصرة أبي موسى الأشعري أنه قال " لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له .... " وذلك لأن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما بالمنفذ له مما يؤثر تبعا على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في الجهاز القضائي ككل .
وفي هذا الإطار فقد تم تنظيم تنفيذ الأحكام الأجنبية من خلال عدة نصوص تشريعية، فقد كان تنفيذ الأحكام الأجنبية منظما في إطار الفصل 290 ق.م.م خلال سنة 1913 الذي كان ينص على أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية لا تنفذ داخل نفوذ المحاكم المغربية بمنطقة الحماية الفرنسية بالإيالة الشريفة إلا إذا ذيلت بالصيغة التنفيذية من طرف إحدى المحاكم الفرنسية المنشأة بها مع عدم المساس بالمقتضيات المخالفة التي نظمتها الاتفاقيات الدبلوماسية والفصل 19 من الظهير المتعلقة بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، وبعد الإصلاح القضائي الذي عرفه المغرب سنة 1974 أصبح تنفيذ الأحكام الأجنبية في المغرب يخضع لمقتضيات الفصول 430 إلى 432 من ق.م.م، هذه الفصول بينت شروط منح الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي، وكذلك الوثائق التي يجب أن ترفق بطلب التنفيذ، وإذا كان القانون المختص بتحديد شروط الحصول على أمر التنفيذ هو قانون بلد التنفيذ فإن على القضاء المغربي أن يرجع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وإلى القواعد الخاصة في حالة وجودها .
وتبرز أهمية موضوع تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب على مستويين:
أما على المستوى النظري فتتجلى أهميته من خلال حجم الكتابات الفقهية الذي حضي به، إذ بالإضافة إلى الرسائل الجامعية نجد عددا من المقالات التي تناولت بعض جزئياته فقط وهي تلك المتعلقة بمفهوم النظام العام وتطبيقاته ، أما أهميته على المستوى العملي فتتمثل من خلال القرارات القضائية القاضية بتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية أو برفض تذييلها ، بل إن ما يثير النقاش على هذا المستوى هو السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء في إطار تكييف الحكم الأجنبي ومن ثم الإجابة عن سؤال مهم وهو ما مدى مساس تنفيذ الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي؟
ولا يسعنا بعد إبراز أهمية الموضوع إلا أن نطرح الإشكاليات الآتية: إلى أي حد يشكل النظام العام عائقا في وجه تنفيذ الحكم الأجنبي في المغرب؟ و كيف تعاملت مدونة الأسرة باعتبارها نصا خاصا مع آلية تنفيذ الأحكام الأجنبية؟ وما هي الإجراءات اللازمة لمباشرة عملية التنفيذ؟ وأخيرا ما هي الآثار المترتبة عن هذا التنفيذ؟
وفي سبيل الإجابة عن هذه الإشكاليات وغيرها من التساؤلات ذات الصلة ارتأينا مقاربة الموضوع وفق التصميم الآتي :
المبحث الأول: شروط تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب.
المبحث الثاني: مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي وآثارها.
المبحث الأول: شروط تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب
فبالرجوع إلى الفصل 430 من ق.م.م نجده ينص في فقرته الثانية على ما يلي "يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي".
ومن هذا المنطلق وتأسيسا على ما قد سبق سنحاول أن نميز في إطار دراستنا لشروط تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب بين الشروط الخاصة بالحكم الأجنبي موضوع التنفيذ (كمطلب أول) وبين الشروط المتعلقة بسيادة البلد محل التنفيذ ونظامه العام (كمطلب ثاني ).
المطلب الأول: الشروط الخاصة بالحكم الأجنبي موضوع التنفيذ
ينص الفصل 430 من ق.م.م أنه "يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته " فعلى ضوء هذا المقتضى اشترط المشرع في الحكم الأجنبي أن يكون حكما صحيحا (فقرة أولى) ثم أن يكون صادرا عن محكمة مختصة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : أن يكون الحكم الأجنبي حكما صحيحا
لقد اختلف الفقه في تحديد صحة الحكم الأجنبي بين من يرى أنه على المحكمة التي تنظر في أمر تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من صحة الحكم من الناحية الشكلية والموضوعية ([1])، وبين من يرى اقتصار صحة الحكم من الناحية الشكلية فقط ([2]).
- فالاتجاه الأول يمثله أستاذنا إبراهيم بحماني، إذ يرى أن المقصود بهذا الشرط هو صحة الحكم الأجنبي شكلا وجوهرا([3])، ومقتضاه من حيث المسطرة أن يكون الأطراف كاملي الأهلية ووجوب احترام حقوق الدفاع من خلال استدعاء الأطراف بصفة قانونية والتبليغ وفق الطرق التي ينص عليها قانون المسطرة للبلد الذي صدر فيه الحكم، ويرى هذا الاتجاه أن مخالفة القواعد المسطرية التي لا تعتبر أساسية لا تؤثر في صحة الحكم ومن تم لا تفقد الحكم قيمته ([4]).
أما مقتضاه من حيث الجوهر، فإنه يجوز مثلا التمسك بالبطلان أمام المحكمة الوطنية كلما تعلق الأمر بأسباب البطلان في القانون الأجنبي الذي طبقته المحكمة مصدرة الحكم ([5]).
أما الاتجاه الثاني ويمثله الأستاذ موسى عبود، والذي يرى أن صحة الحكم تعني أن تكون المحكمة الأجنبية قد طبقت المسطرة تطبيقا صحيحا، وقواعد المسطرة هنا هي مسطرة قانون القاضي، وما على القاضي المغربي إلا أن يبحث عما إذا كانت قواعد المسطرة قد طبقت بكيفية سليمة من عدمه .
وهناك مجموعة من الاجتهادات القضائية التي استقرت على النظر بشكل أساسي في صحة الحكم من حيث الشكل، وهذا ما قضت به محكمة النقض لما استلزمت من المحكمة المقدم إليها طلب التذييل بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من صحة الحكم الأجنبي المغربي دون مناقشة موضوعه واستدعاء الأطراف ومدى جدية الطلب )([6]).
وفي نفس السياق نقضت محكمة النقض في قرار آخر صادر بتاريخ 28/02/2001 قرار محكمة الاستئناف بالناظور الصادر بتاريخ 29/02/2000 القاضي برفض تذييل الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق بالتراضي بالصيغة التنفيذية بعلة أنه لا يتضمن الجهة التي صدر باسمها هل صدر باسم جلالة الملك أم باسم الشعب([7]) .
الفقرة الثانية : صدور الحكم الأجنبي عن محكمة مختصة
تشترط كل من المادة 128 من مدونة الأسرة والفصل 430 من قانون المسطرة المدنية، بأن الحكم الأجنبي القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية يجب أن يكون صادرا عن محكمة أجنبية مختصة.
إلا أن الإشكال المطروح على هذا المستوى، هو ماهو نوع الاختصاص المقصود ؟ فهل يعني أن تكون المحكمة الأجنبية مختصة نوعيا ومكانيا وفق قواعد الاختصاص المنصوص عليها في قانونها الوطني؟
إن الجواب بنعم بطبيعة الحال سيصعب من مهمة المحكمة المعروض عليها أمر التذييل، ذلك أن الإلمام بالاختصاص الأجنبي والإحاطة بجميع جوانبه وتتبع جميع التعديلات التي قد تطاله أمر في غاية الصعوبة والتعقيد والحال أن الهدف الأساسي هو المرونة في تنفيذ الأحكام تسهيلا على المهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج، وبالإضافة إلى ذلك هو أن الرأي الغالب في الفقه يرى بعدم جدوى التأكد من توفر الاختصاص النوعي والمحلي للمحكمة الأجنبية المصدرة للحكم، بحيث يمكن إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي حتى ولو كان هذا الاختصاص غير متوفر لدى المحكمة الأجنبية، إلا إذا كان عدم توافر هذا الاختصاص من شأنه أن يجعل الحكم باطلا لدى الدولة التي صدر من محاكمها([8])، كأن يصدر حكم أجنبي عن محكمة تجارية في نزاع شخصي ناتج عن إحدى الروابط الأسرية، لأن هذا النوع من الأحكام لا تكون له أي حجية في البلد الذي صدر فيه([9]).
إن محكمة التذييل ليس من صلاحيتها مراقبة مدى احترام المحكمة الأجنبية لقوانينها، وإنما تراقب فقط مدى مساسها بقواعد القانون الدولي الخاص المغربي([10]).
وبذلك يكون المقصود بالاختصاص هنا هو الاختصاص الدولي لمحاكم الدول الأجنبية، وفي هذا الإطار هناك من التشريعات من تميز بين نوعين من الاختصاص في حالة تنازع الاختصاص الدولي:
- الاختصاص المانع والذي بموجبه يمنع على المحكمة الأجنبية البت في نزاع يدخل ضمن صميم اختصاص المحكمة الوطنية والعكس صحيح وبالتالي يتعذر تنفيذ الحكم الأجنبي كلما توفرت هذه الحالة.
- والاختصاص المشترك وعنصر الاشتراك في هذا النوع من الاختصاص يخول إمكانية تنفيذ الحكم الأجنبي.
وفي هذا السياق نقضت محكمة النقض في قرارها الصادر تحت عدد 616 بتاريخ 22/12/2000 قرار استئنافية الناظور لعلة أن الحكم جاء مخالفا لمقتضيات الفصل 430 ق.م.م لأنه صدر غيابيا عن قاضي المستعجلات ببروكسيل دون أن يتم استدعاء الطاعن أو تبليغه بالحكم بصفة قانونية، ومن جملة الدفوع التي أثارها الطاعن أنه صدر الحكم ضده غيابيا مع أنه مواطن مغربي ولا يقيم ببلجيكا بلد صدور الحكم ولا نعلم ما إذا كان قرار محكمة النقض قد اعتمد هذا الدفع لنقض القرار لأن مخالفة مقتضيات الفصل 430 ق.م.م أعلاه تشمل مخالفة قواعد الاختصاص وقاعدة النظام العام وشرط صحة الحكم([12]).
المطلب الثاني: الشروط الخاصة بالبلد محل تنفيذ الحكم الأجنبي
بالإضافة إلى الشروط المنصوص عليها في الفصل 430 من ق.م.م والتي تخص الحكم الأجنبي موضوع التنفيذ والتي أسلفنا الحديث عنها أعلاه دخلت مدونة الأسرة على الخط من خلال مقتضيات جديدة تراعي في غايتها الخصوصية التي تميز القضايا الأسرية عن باقي القضايا بحيث أن هذه المقتضيات الجديدة تهدف في مجملها إلى حفظ سيادة المملكة المغربية باعتبارها البلد محل التنفيذ وصون نظامه العام.
وانطلاقا من هذه النصوص سنحاول قدر الإمكان إبراز مدى تعلق هذه المقتضيات بالنظام العام المغربي، ومدى قدرة مقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة على تليين قاعدة الإسناد المغربية وإضفاء نوع من المرونة في التعامل مع قضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج استجابة للفلسفة التشريعية التي تحكم مدونة الأسرة , وعليه فإن الشروط المتعلقة بالبلد محل تنفيذ الحكم الأجنبي منها ما تم التنصيص عليه في الفصل 430 من ق.م.م كشرط عدم المساس بالنظام العام المغربي (فقرة أولى) ومنها ما ورد في قوانين خاصة ويتعلق الأمر هنا بشرط عدم مخالفة الحكم الأجنبي لمقتضيات مدونة الأسرة في قضايا إنهاء العلاقة الزوجية ( فقرة ثانية ) مراعاة لخصوصيات البلد محل التنفيذ في قضايا أحواله الشخصية.
الفقرة الأولى : عدم المساس بالنظام العام المغربي
لقد أجمع جل الفقه المغربي أن النظام العام المغربي([13]) يستمد أسسه من قواعد الشريعة الإسلامية ومن تعاليمها ([14]) والواقع أنه لا يوجد تحديد واضح للنظام العام لأن الفكرة تختلف باختلاف البلدان والأزمان فما يعتبر داخلا في النظام العام في زمن معين قد لا يعتبر كذلك في زمن آخر، ولو تعلق الأمر بنفس البلد.
إلا أنه يمكن التمييز في هذا الإطار بين نظام عام داخلي ونظام عام دولي([15])، من حيث أن الأول هو مجموعة من القواعد القانونية التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، بينما الثاني يتجسد في الشعور بالانتماء الديني أو السياسي أو الاجتماعي الذي يتجاوز حدود القطر الواحد([16])([17]).
وقد عمل الاجتهاد القضائي المغربي في العقود الأخيرة، على بلورة مفهوم النظام العام المغربي وتأكيد استناد أسسه على الشريعة الإسلامية، وقد كان لمحكمة النقض الدور الريادي في ذلك، وعليه لا يمكن لدولة أن تنفذ في بلدها حكما أجنبيا مخالفا لنظامها العام وهذا ما قضت به محكمة النقض لما استلزمت من المحكمة المقدم إليها طلب التذييل بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي...)([18]).
ففي المغرب مثلا لا يمكن إعطاء الصيغة التنفيذية لحكم أجنبي صدر بمنح الخليلة مبلغا من المال بسبب وفاة خليلها، أو تنفيذ حكم أجنبي قضى لأجنبية بصحة هبتها سببها علاقة غير مشروعة مع الواهب أو الاعتراف بحق الإرث لابن غير شرعي أو لابن متبنى([19]).
إن عدم المساس بالنظام العام تؤكده حتى الاتفاقيات الدولية، فقد نص الفصل 4 من الاتفاقية الثنائية بين المغرب وفرنسا المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي الموقعة في 10/8/1981 على أنه "لا يمكن العدول عن تطبيق قانون إحدى الدولتين المحدد بمقتضى هذه الاتفاقية من طرف محاكم الدول الأخرى إلا إذا كان منافيا بصورة واضحة للنظام العام".
كما يجب أن لا يتعارض الحكم الأجنبي مع حكم صدر عن المحاكم المغربية واكتسب قوة الشيء المقضي به وهو ما نصت عليه المادة 23 من الاتفاقية الثنائية بين المغرب وإسبانيا بشأن التعاون القضائي في المواد المدنية والتجارية والإدارية الموقعة في 30/8/1997 " ينبغي أن لا يتضمن المقرر ما يخالف النظام العام للبلد الذي طلب فيه التنفيذ ولا بمبادئ القانون الدولي الجاري به العمل بالبلد المطلوب كما لا يمكنه أن يتعارض مع مقرر قضائي صدر بهذا البلد واكتسب فيه حجية الشيء المقضي به"([20]).
وفي هذا الإطار، نود الوقوف قليلا عند قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 24-1-2001 والذي جاء فيه " إن الحكم الأجنبي المذيل بالصيغة التنفيذية فصل في موضوع له علاقة بالنظام العام المغربي هو الطلاق الذي أوجب المشرع الإشهاد به أمام عدلين لا أن يقضي به قاضي أجنبي غير مسلم"([21]).
إن هذا القرار صدر قبل مدونة الأسرة، أما في إطار المادة 128 من مدونة الأسرة التي تسعى إلى إيجاد حلول لمشاكل الجالية المغربية المقيمة بالخارج فإن الأحكام الأجنبية بالطلاق أصبحت بشكل صريح قابلة للتذييل بالصيغة التنفيذية.
إلا أن الملاحظ أن القرار أعلاه أورد عبارة من شأنها أن تثير إشكالات وتنطوي على التباس وغموض وهي "لا أن يقضي به قاض غير مسلم" فهذا الاتجاه لا يستقيم والتحليل القانوني السليم، ولا يتجاوب مع الطابع الاستثنائي لتنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب فهل يعني أن الطلاق لو كان صادرا عن قاضي أجنبي مسلم لما كان فيه مساس بالنظام العام المغربي رغم أن الطلاق في قانون الأحوال الشخصية الملغى كان مرتبطا بالإشهاد أمام عدلين؟
إن السير في هذا الاتجاه حسب الأستاذ سفيان ادرويش سيؤدي لا محالة إلى رفض أغلب طلبات تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية المقدمة من طرف أفراد الجالية المغربية المقيمين بالدول الأوروبية، وهو ما سيفرغ المقتضيات الاستثنائية للفصلين 430 و431 من ق.م.م. من أي محتوى.
فالعبرة إذن في المساس بالنظام العام ليس بصدور الحكم الأجنبي من قاض مسلم أو غير مسلم، وإنما بمدى مخالفة مضمون الحكم المذكور للقواعد القانونية الشرعية لمؤسسة انحلال ميثاق الزوجية، فقواعد القانون الدولي الخاص والمادة 128 من مدونة الأسرة وجدت لحل المشاكل العملية الناتجة عن خصوصية قانون كل دولة على حدة([22]).
وفي سياق تطرقنا لشرط عدم المساس بالنظام العام يثار إشكال عملي فيما يخص تطبيق المادة 128 من مدونة الأسرة، حيث يكون الحكم الأجنبي في شقه المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية لا يخالف النظام العام بينما في شقه المتعلق بوجوب اقتسام الأموال بين الزوجين مخالفا للنظام العام، ليثار التساؤل: عن مدى إمكانية تذييل الحكم الأجنبي المذكور بالصيغة التنفيذية تذييلا جزئيا ([23])؟
وفي هذا الإطار ذهبت المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالناظور في بعض الأحكام إلى جواز تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية تذييلا جزئيا في شقه غير المخالف للنظام العام كما ذهب بعض الفقه المغربي إلى جواز ذلك، إذ يرى ذ الطيب برادة أنه " إذا تحققت المحكمة من توفر الشروط التي يتطلبها القانون فإنها تحكم بإعطاء الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي، وطبيعي أن للقاضي أن يحكم بالتنفيذ الجزئي أو في شق منه دون شق آخر" ويدعم هذا الاتجاه ذ الصديقي بلعربي إذ يرى أنه عندما يتعلق الآمر بإنهاء العلاقة الزوجية فإنه مادامت أن المادة 128 من مدونة الأسرة قد لطفت من حدة النظام العام المطلق ، فإنه قياسا على المادة 47 من مدونة الأسرة والمتعلقة بالشروط الإرادية لعقد الزواج التي تجعل تلك الشروط ملزمة وما خالف منها للقواعد الآمرة للقانون يعتبر باطلا والعقد صحيحا، يمكن التذييل الجزئي للحكم الأجنبي فيما إذا كانت أسبابه غير منافية لما قررته المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية([24]).
غير أن هذا الاتجاه حسب أستاذنا المعزوز البكاي وكذا الأستاذ سفيان ادرويش يبقى محل نظر، لأنه يعد اجتهادا مع وجود النص الصريح إذ ينص الفصل 430 من ق.م.م الذي تحيل عليه المادة 128 من مدونة الأسرة أن المحكمة يجب أن تتحقق من عدم مساس أي محتوى من محتويات الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي، لدى نخلص أن مساس شق معين من الحكم الأجنبي كاف لرفض تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية كليا، فلا يجوز تجزئة الحكم المذكور فإما أن ينفذ برمته أو يرفض تنفيذه كليا.
ويضيف هذا الاتجاه في إطار دحض الاتجاه الأول، في كونه لا يتعارض فقط مع صراحة النص وإنما قد يولد إشكالات عملية، فتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية يعني قانونا وعمليا وضع الصيغة التنفيذية بصفة جزئية على أصل الحكم الأجنبي وليس على الحكم الصادر بالتذييل، إذ كيف يمكن وضع الصيغة التنفيذية بصفة جزئية على الحكم الأجنبي من الناحية العملية([25])؟
الفقرة الثانية : تأسيس الحكم الأجنبي على أسباب لا تتنافى مع تلك المقررة في مدونة الأسرة المغربية
تنص المادة 128 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية على أن " الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة، لإنهاء العلاقة الزوجية، وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية، طبقا لأحكام المواد 430 و431 و432 من قانون المسطرة المدنية".
يعتبر هذا السبب الذي جاءت به مدونة الأسرة في مادتها 128 سببا خاصا لتعلقه بحالات إنهاء العلاقة الزوجية دون غيرها من المشاكل الأسرية الأخرى([26]).
ولقد جاء هذا المقتضى من أجل التلطيف من قاعدة الإسناد المغربية بحيث لا تشترط المادة 128 من مدونة الأسرة تطبيق القانون المغربي من طرف القضاء الأجنبي انطلاقا من القاعدة الشرعية القائلة بأن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وذلك خلافا لما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بتطوان حين رفضت تذييل حكم المحكمة الابتدائية بهارلم بهولندا بالصيغة التنفيذية لأنه قضى في منطوقه بفسخ المعاشرة الرسمية بين الطرفين، لأنه مخالف للنظام العام المغربي الذي لا يعترف بنظام المعاشرة الرسمية كطريقة لإنهاء العلاقة الزوجية ([27]).
غير أنه وبقراءة المادة 128 من مدونة الأسرة منذ دخولها حيز التطبيق تؤكد أن الأمر يتعلق بمقتضيات قانونية فعالة لاحتواء أزمة ومأزق قاعدة الإسناد الوطنية، ومن مظاهر هذه الأزمة هو أنه يوجد من بين أفراد الجالية المغربية بالخارج من يتمتع بجنسية مزدوجة أجنبية ومغربية، مما يؤدي إلى التنازع الإيجابي بين قوانين الدولتين التي يحمل الفرد جنسيتها في آن واحد، هذا التنازع الإيجابي هو ما سعت المادة 128 من مدونة الأسرة لإيجاد حلول قانونية وعملية له، فعلى سبيل المثال الشخص الذي يحمل جنسية مغربية وإسبانية ويرفع دعوى إنهاء العلاقة الزوجية أمام القضاء الإسباني رغم أن قاعدة الإسناد المغربية تقضي بتطبيق القانون الوطني على المغاربة المسلمين، وأساس تطبيق القانون الإسباني من طرف القضاء الإسباني هو أن قانون الجنسية بإسبانيا ينص على أن الجنسية الإسبانية تفضل عن الجنسية الأجنبية، ومادام الوضع القانوني والاتجاه القضائي قبل المادة 128 المذكورة كان يرفض تذييل الحكم الأجنبي الذي خرق قاعدة الإسناد المغربية في مادة الأحوال الشخصية فإن الحكم الإسباني لن ينفذ أبدا بالمغرب حتى وإن لم يكن يمس في مضمنه بالنظام العام المغربي([28]).
فإذا كان هذا أبرز ما يتعلق بالشروط الواجب توافرها في الحكم الأجنبي من أجل تذييله بالصيغة التنفيذية وبالتالي يصير قابلا للتنفيذ في المغرب، فما هي الإجراءات المسطرية الكفيلة بتفعيل هذا التنفيذ؟ وما هي الآثار المترتبة عن تنفيذ الحكم الأجنبي داخل التراب المغربي ؟
المبحث الثاني: مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي وآثارها
إن دراسة إجراءات وآثار تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب لمن الأهمية بمكان لأنها اعتراف بحقوق مكتسبة بالخارج ومظهر من مظاهر سيادة الدولة وترجمة لمبدأ دستوري هام وهو حماية النظام العام.
فحماية النظام العام ليس بالأمر الهين قانونا لاسيما مع اختلاف دساتير العالم والقوانين والمواثيق الدولية وطبيعة العلاقات التي تربط بين الدول ومن ثم فإن نطاق النظام العام ومبدأ سيادة الدولة يزيد وينقص، فهل استطاع المشرع المغربي من خلال آلياته القانونية حماية النظام العام المغربي في إطار تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب؟ هذا ما سنحاول مقاربته قدر الإمكان على مستوى مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي (المطلب الأول)، وعلى مستوى آثاره تنفيذه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مسطرة تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب
فانطلاقا من الفصلين 430 و 431 من ق.م.م فإن الحكم الأجنبي ينفذ بالمغرب بعد تذييله بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودها، ويجب على المحكمة وهي تبت أن تتأكد من صحة الحكم الأجنبي واختصاص المحكمة الأجنبية وأن تتحقق من عدم مساس الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي.
الفقرة الأولى: تقديم مقال دعوى التذييل مرفقا بالوثائق المطلوبة
فعلى ضوء مقتضيات الفصلين أعلاه يقدم طلب التذييل، مرفقا بالوثائق التالية ما لم تكن هناك اتفاقية دولية تنص على خلاف ذلك وهذه الوثائق هي كالآتي:
1- نسخة رسمية من الحكم الأجنبي موضوع التنفيذ .
2- أصل التبليغ أو ما يقوم مقامه.
3- شهادة من كتابة الضبط تفيد عدم الطعن بالتعرض أو الاستئناف، وأشير هنا أن بعض الدول تخالف شهادة عدم الطعن في الحكم الأجنبي رغم إجماع كافة الاتفاقيات الدولية على ضرورة الإدلاء بها، حيث وباطلاعنا على بعض الأحكام وجدنا أنها تكتفي بالإشارة إلى عبارة (عدم الطعن) كالحكم الألماني الذي أشار إلى ذلك بالعبارة التالية (أصبح هذا الحكم نافذا غير قابل للطعن بالنقض والاستئناف).
4- ترجمة هذه الوثائق عند الاقتضاء إلى اللغة العربية مصادق على صحتها من طرف ترجمان محلف ثم يصدر الحكم في جلسة علنية :
إذ يجب ترجمتها إلى اللغة العربية وأن تصادق عليها السفارة أو القنصلية المغربية على إمضاء السلطات الأجنبية ثم تصادق عليه وزارة الخارجية المغربية، على إمضاء الممثل الدبلوماسي المغربي ما لم تكن اتفاقية بين المغرب ودولة أخرى حيث تعطى لها الأولوية في التطبيق مع مراعاة شروط تطبيق الاتفاقيات الدولية وهي:
*المصادقة عليها بشكل يحدده الدستور.
*نشرها بالجريدة الرسمية وتاريخ سريانها.
*معرفة ما إذا لحقها تعديل أو إضافة.
والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب هي عديدة من أهمها:
*اتفاقية نيويورك 1956 (الخاصة باستيفاء النفقة بالخارج).
*اتفاقية بولونيا 1979 (الخاصة بالتعاون المدني والجنائي).
*اتفاقية تونس 1964 (الخاصة بتبليغ الحكم القاضي بالتذييل).
*اتفاقية إسبانيا (مدريد) 1997 (الخاصة بالتعاون القضائي المدني والتجاري والإداري).
*اتفاقية فرنسا 1881 (الخاصة بحالة الأشخاص والأسرة والتعاون القضائي).
الفقرة الثانية: المحكمة المختصة في دعوى تذييل الحكم الأجنبي
يجب تقديم الطلب للمحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو مكان التنفيذ، ومعلوم انه عند تقديم الطلب فإنه يكون مصحوبا بأداء الرسوم القضائية وإتباع الإجراءات العادية سواء كان الحكم الأجنبي ابتدائيا أو استئنافيا أو استعجاليا([29]).
والمقصود بالمحكمة الابتدائية حسب ما استقر عليه الاجتهاد القضائي هي محكمة الموضوع وليس قاضي المستعجلات، وإن كان بعض الفقه ([30]) من يرى أن منح الاختصاص لقضاء الموضوع لا يتماشى مع تعديل ف 430 من ق.م.م والمادة 128 من مدونة الأسرة اللذين يحكمهما هاجس تبسيط الإجراءات وسرعة البت ومن ثم فإنه يصبح من باب العبث وإهدار الوقت عرض النزاع من جديد أمام قضاء الموضوع علما أن الحكم الأجنبي سبق أن قطع أشواطا كبيرة ([31]).
ورغم أن اختصاص المحكمة في هذا الفصل 430 ق.م.م. هو من النظام العام كما أقر ذ. درميش فإنه يتعين احترام اتفاق الأطراف إن وجد (كأن يختاروا رئيس المحكمة بدل محكمة الموضوع).
أما بخصوص التمييز بين الموطن أو محل الإقامة فيمكن الرجوع للفصلين 519 و522 من ق.م.م.
وعموما فإن أطراف الحكم الأجنبي لن يتسنى لهم تنفيذه بالمغرب، إلا بطرق باب القضاء المغربي، وذلك بتقديم مقال دعوى التذييل، الواجب أن يتضمن منطوق الحكم الأجنبي وطلب تذييله وأسماء أطرافه الذين يتم استدعاؤهم لعرض أوجه دفاعهم.
الفقرة الثالثة: شكلية استدعاء أطراف دعوى تذييل الحكم الأجنبي
تعتبر شكلية استدعاء أطراف دعوى تذييل الحكم الأجنبي من أبرز الإشكاليات الإجرائية بحكم تعلقها بحق من حقوق الدفاع من جهة ولارتباطها بسلطة المحكمة في تجهيز القضية واحترام القانون المسطري من جهة وأخرى وقد اختلف الاجتهاد القضائي في مدى إلزامية استدعاء أطراف دعوى التذييل بين اتجاهين اثنين
الاتجاه الأول وهو الاتجاه القائل باختيارية استدعاء الأطراف وهو التوجه الذي تسير على هديه أغلب محاكم المملكة بحيث لا يتم استدعائهم إلا بطلب من رافع الدعوى أو عند وجود منازعة جدية على اعتبار أن حكم التذييل هو حكم كاشف و يسري بأثر رجعي ([32]) وهذا ما قضت به محكمة النقض لما استلزمت من المحكمة المقدم إليها طلب التذييل بالصيغة التنفيذية أن تتأكد من صحة الحكم الأجنبي المغربي دون مناقشة موضوعه واستدعاء الأطراف ومدى جدية الطلب )([33]).
أما الاتجاه الثاني فهو القائل بإلزامية استدعاء أطراف الدعوى وذلك بقصد تمكينهم من إبداء أوجه دفاعهم وهذا التوجه سبق لمحكمة النقض أن تبنته لما نقضت قرار استئنافيا بعلة أنه قضى بتذييل الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق بين الطرفين بالصيغة التنفيذية دون استدعاء الزوج المدعى عليه وتمكينه من عرض جوابه الأمر الذي يعتبر خرقا للفصلين 32 و 36 من ق م م و ما بعدها ([34]).
وعموما فإننا نساير التوجه القضائي الأول بحكم أنه التوجه الأكثر وجاهة ورجاحة وينسجم وغايات المشرع من دعاوى التذييل وروح الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي هي غاية رقابية على الحكم الأجنبي موضوع التنفيذ من جهة وحمائية للنظام العام المغربي من جهة أخرى.
ويطرح الإشكال فيما إذا كان موطن أحد الطرفين بالخارج والآخر بالمغرب أو كلاهما بالخارج ويطلب أحدهما تذييل حكم أجنبي وهذا غالبا ما يطرح في قضايا الأحوال الشخصية ومثال ذلك (أن يصدر حكم أجنبي بالطلاق ويطلب أحد الزوجين تذييله ويكون الطرف الآخر قد غير سكناه بالخارج فيتطلب استدعاؤه وعند عدم توصله يعين في قيم حقه ، وهذا يستغرق وقتا طويلا، و يلحق ضررا بالزوج المعني).
وهنا يمكن للمحكمة أن تطلع على الحكم وإذا تبين لها انه يتضمن اتفاق الزوجين على الطلاق، فإنها تحيل الملف على النيابة العامة لتقدم مستنتجاتها وبعد ذلك تتحقق من شروط تذييل الحكم الأجنبي وتبت في الطلب بناء على قناعتها، أما إذا تبين لها أن أحد الزوجين يعارض في الطلاق فإنه لا بد من استدعائه ثم تسلك نفس الإجراءات([35]).
ولابد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن المادة 128 من مدونة الأسرة عملت على تليين قاعدة الإسناد الكلاسيكية، حيث أصبح الحكم الأجنبي في قضايا إنهاء الزواج بسبب الطلاق وما في حكمه ( كالتطليق أو الفسخ، أو الخلع)، يكون قابلا للتنفيذ بالرغم من كون المحكمة الأجنبية لم تشر في حيثياته لقانون الأسرة المغربي، رغم أن قاعدة الإسناد المغربية تقضي بتطبيق القانون الوطني على المغاربة المسلمين خلافا لما كان في قانون الأحوال الشخصية حيث كان يرفض تذييل الحكم الأجنبي الذي لا يراعي قانون الأحوال الشخصية المغربي هذا في الوقت الذي نجد فيه القانون الإسباني مثلا مصرا على تطبيق القانون الإسباني فمثلا (شخص يحمل جنسيتن إسبانية ومغربية وقام برفع دعوى إنهاء الزواج أمام القضاء الإسباني فهنا يطبق عليه القانون الإسباني كون قانون الجنسية ينص كون الجنسية الإسبانية تفضل على الجنسية الأجنبية([36]).
عموما فإن ما جاءت به مدونة الأسرة في مادتها 128 غايته هو تبسيط الإجراءات للرعايا المغاربة خصوصا لحل مشاكل الزواج المختلط.
أما الأحكام الصادرة في القضايا المالية أو غيرها، فتطرح الإشكال إذا لم يكن موطن أو محل إقامة المدعى عليه هو مكان التنفيذ.
الفقرة الثالثة: إشكالية تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية
أما مسطرة تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية فاختلف بشأنها الفقه بين قائل باتباع نفس مسطرة تنفيذ الحكم الأجنبي ( الفصلين 430 و431 من ق.م.م) على غرار القانون المصري (م 299) والقانون الليبي (م 406) ومن أنصار هذا الاتجاه ذ درميش أما الاتجاه الآخر فيرى بأنه يجب تنفيذها وفق نفس المسطرة المطبقة على أحكام التحكيم الوطنية ومن ثم يكون رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص ومن أنصار هذا الاتجاه ذ موسى عبود مستندا في ذلك على قرار سابق لمحكمة النقض سنة 1986 الذي قضت فيه بأنه (ليس في الفصل 430 من ق م م ما يفيد أن التحكيم الأجنبي يسري عليه ما يسري على الأحكام الأجنبية بخصوص دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية) ، وفضلا عن هذا فإن معاهدة نيويورك لسنة 1956 تنص أن رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص بتذييل حكم التحكيم الأجنبي على غرار اختصاصه بالتحكيم الوطني، وهو نفس التوجه الذي سارت عليه استئنافية الدار البيضاء في قرارها 98/1141.
ولا تفوتنا الإشارة إلى استقلال الدعوى الأصلية (موضوع الحكم الأجنبي) عن دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية ( التي تركز على مدى مخالفة أو مطابقة الحكم الأجنبي للنظام العام المغربي) ، كما قضت بذلك محكمة النقض في قرارها عدد 03/114 القاضي بأن الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق يثبته ولا ينفذ بالمغرب.
فإذا كانت هذه هي أبرز إجراءات تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب فما هي آثاره تنفيذه .
المطلب الثاني: آثار تنفيذ الحكم الأجنبي
بعد استنفاذ المحكمة للإجراءات السابقة، ينتج تنفيذ الحكم الأجنبي آثاره والحكم الأجنبي لا يمكن أن يرتب آثارا تفوق الحكم الوطني على حد تعبير الفقه المهتم ومما يجب الإشارة إليه هي الصفة التي يطبق بها الحكم الأجنبي حيث اختلف الفقه، حيث هناك من ذهب (كالأستاذ عزالدين عبد الله) إلى أنه يظل بصفته هاته وهو ما سار عليه الفقه الفرنسي، أما الفقه الإيطالي فانقسم لاتجاهين: اتجاه يرى بأن الحكم الأجنبي يصير حكما وطنيا فيما اعتبره الجانب الآخر حكما مركبا، في حين أجمع الفقه المغربي أنه يدخل في حكم الأحكام الوطنية دون فقدانه لصفته.
ونميز في إطار آثار تنفيذ الحكم الأجنبي بين الآثار المرتبطة بالأمر بالتنفيذ وهي الآثار المباشرة (فقرة أولى) وبين الآثار المستقلة عن الأمر بالتنفيذ وهي الآثار غير المباشرة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الآثار المباشرة
هي الأخرى سنميز في إطارها بين أثرين اثنين وهما كالآتي:
أولا: تمتع الحكم الأجنبي بقوة الشيء المقضي به
فحسب ف 418 من ق.ل.ع فإن الحكم الأجنبي بمجرد صدوره عن القضاء الأجنبي فهو يكون حائزا لقوة الشيء المقضي به مما يجعله قرينة قاطعة على ما يثبته، وأن ما يقضي به هو الحق بعينه وهذا يعني أنه أصبح نهائيا لا يقبل الطعن بأية وسيلة وهذا ما يجعل من المستحيل عرض النزاع من جديد أمام القضاء طبقا لما ينص عليه الفصل 450 من ق.ل.ع وفي هذا السياق قضت محكمة النقض في قرارها عدد 06/452 باعتبار (الحكم الأجنبي القاضي بأداء النفقة هو حجة على الوقائع التي تضمنها والمبالغ التي حكم بها وإن كان مجردا من قوته التنفيذية) ([37]).
و من جهة أخرى فإنه واستنادا إلى الفقرة الأخيرة من الفصل 431 من ق م م فإن الحكم القضائي القاضي بالتذييل يتمتع بقوة الشيء المقضي به بحيث يكون غير قابل للطعن في قضايا الطلاق، ماعدا من لدن النيابة العامة حسب التعديل الوارد بموجب القانون رقم 33.11 ([38]) وهذا ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها لما اعتبرت أنه ( يكون الحكم القاضي بمنح الصيغة التنفيذية في قضايا انحلال ميثاق الزوجية غير قابل للطعن ماعدا من لدن النيابة العامة ولما كان المطعون فيه قد قضى بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية فإن الطعن فيه من غير النيابة العامة يجعل الطعن المقدم من طرف الطالبة غير مقبول طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 431 من ق.م.م )([39]).
وفي نفس السياق قضت المحكمة الاستئنافية بالرباط بإلغاء حكم ابتدائي قضى بعدم قبول دعوى تذييل حكم أجنبي قضى بالطلاق الاتفاقي لعدم إرفاق المقال برسم الزواج وذلك بعلة أن محكمة النقض دأبت على اعتبار الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق الاتفاقي يعد وثيقة رسمية طبقا للفصل 418 من ق ل ع ولا تملك المحكمة استبعاده دون أن ترتب عليه الآثار القانونية معللة قرارها بكون الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق الاتفاقي هو صادر عن محكمة مختصة و مؤسس على أسباب لا تتنافى والنظام العام المغربي وأنه وبغض النظر عن شرعية الزواج فالطلاق الرضائي يضع حدا للزواج السابق([40]) .
وإذا كانت هذه القوة تعد نسبية في المادة المدنية فإنها على خلاف ذلك في المادة الجنائية كما ذهب إلى ذلك جانب من الفقه ذ.المسعودي العياشي.
وقوة الأمر المقضي به ترد على منطوق الحكم من تاريخ صدور الأمر بالتنفيذ وليس من تاريخ صدوره عن المحكمة الأجنبية.
وفي هذا الإطار يجب التمييز بين الحكم الأجنبي الحائز لقوة الشيء المقضي به، وبين الحكم الأجنبي الحائز لنفس القوة أيضا ولكنه مانح للأمر بالتنفيذ من حيث الأشخاص لا من حيث الحق موضوع الدعوى، وذا كان الغير نفسه لا يمكنه الطعن في الحكم الأجنبي بواسطة تعرض الغير الخارج عن الخصومة حسب الفصلين 303 و305 من ق.م.م لأن ذلك من شأنه خلق دعوى جديدة لكن القضاء غالبا ما يقبل هذا التعرض في المادة الأسرية كما قضت به استئنافية البيضاء في قرارها 90/1193، حينما قبلت تعرض الزوج الأول في النازلة موضوع الدعوى، مما أرغم الزوجة المستأنفة على تقديم طلب التذييل من جديد.
وفي إطار التمييز بين حجية الحكم الأجنبي الحاصل على الأمر بالتنفيذ وبين الحكم المغربي الذي منحه قوة التنفيذ، فإن حجية الحكم الأجنبي محددة وفق القانون الأجنبي ويسري على الأطراف والأغيار أما الحكم المغربي المانح له أمر التنفيذ فمحصور فقط بين أطراف الحكم الأجنبي.
ثانيا: تمتع الحكم الأجنبي بالقوة التنفيذية
إذا كان الهدف من تمتيع الحكم الأجنبي بالقوة التنفيذية هو وضعه في قالب شرعي ومنحه الطابع الإلزامي، فإن العبرة بتمتعه بهذه القوة التنفيذية هو وقت صدور الأمر بالتنفيذ مما يؤكد أن هذا الأمر هو منشئ للقوة التنفيذية ومبينا للحق.
بالقوة التنفيذية يرقى الحكم الأجنبي لمصاف الحكم الوطني حيث يستقيها من القانون آو من حكم قضائي أما الصيغة التنفيذية من المنظور الفقهي فهي تلك (العبارة التي تضعها المحكمة على الحكم الأجنبي حتى يصير قابلا للتنفيذ).
ويمكن للمحكمة المانحة للصيغة التنفيذية أن تأمر بنشر الحكم الأجنبي كما هو الحال في قضايا الحالة المدنية لأن تسجيل الحكم الأجنبي القاضي بإنهاء الزواج غير كافي بل على ضابط الحالة المدنية أن يشير في هامش سجلاته إلى الحكم المانح للأمر بالتنفيذ.
أما طرق التنفيذ فهي عديدة منها الحجز التحفظي والتنفيذي والإكراه البدني وإن كان هذا الأخير لا يعمل به في الديون المدنية بفرنسا لانتفائه مع مبادئ حقوق الإنسان.
وحتى وإن كانت للقوة التنفيذية وللقوة الثبوتية للحكم الأجنبي أثرين مستقلين عن بعضهما فإنه يصعب التمييز بينهما ذلك أن الحكم الأجنبي ولو قبل تذييله فهو يبقى حائز لقوة ثبوتية وهو ما تؤكده المادة 14 من الاتفاقية الفرنسية لسنة 1981 عندما أتاحت نشر وتسجيل الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به بسجل الحالة المدنية ولو كان مفهوم هذا الحكم الأجنبي مخالف للنظام العام، طالما أن النظام العام لا يمنع من استعمال حق مكتسب بالخارج بقدر ما يمنح اكتسابه ببلد التنفيذ كما ذهب لذلك ذ. موسى عبود.
ومثال القوة الثبوتية للحكم الأجنبي كالحكم القاضي بالطلاق الذي يمكن تسجيله كما قلنا دون إمكانية أن تطالب الزوجة أو الزوج من خلاله إلا بإدلاء إذن التعدد بالنسبة للزوج وطلب التطليق بالنسبة للزوجة والحكم بالتذييل بالنسبة لهما معا.
ومن هذا المنطلق وتأسيسا على ما قد سبق يتبين أن القوة التنفيذية تبدأ حيث تنتهي القوة الثبوتية ([41]).
الفقرة الثانية: الآثار غير المباشرة
هذه الآثار يرتبها الحكم الأجنبي قبل تذييله وهي آثار على القاضي أن يأخذها بعين الاعتبار ونميز في إطارها بين ثلاث آثار وهي كالآتي:
أولا: أثره كواقعة موضوعية
إن اعتبار الحكم الأجنبي كواقعة يجعله سببا لإنشاء حقوق أخرى (فمثلا شخص اشترى منزلا بفرنسا وتم نزع الحيازة من يده بحكم قضائي فرنسي هنا يحق للمتضرر رفع دعوى ضمان الاستحقاق بالمغرب، كون الحكم القضائي الأجنبي يعد سندا قويا لرفع الدعوى ضد البائع).
لذلك يكون من الصعب على القضاء المغربي إنكار هذه الواقعة عملا بالقاعدة القائلة (الحكم القضائي يفرض نفسه على الأغيار كواقعة موضوعية وإن كان أثره نسبي).
ويعد الفقيه الفرنسي Bartin هو أول من لفت الانتباه لهذا الأثر من خلال تعليقه على حكم صادر عن محكمة فرنسية حيث تتلخص وقائع الحكم في أن عاملا بلجيكي أصيب بحادثة شغل في فرنسا وبعد لجوئه للقضاء للمطالبة بالتعويض تبين للمحكمة أنه سبق له الحصول على تعويض من محاكم لوكسمبورغ عن نفس الإصابة فقررت المحكمة التنزيل من قدر التعويض دون حاجة لتذييل الحكم الأجنبي).
وعموما فإن اعتبار الحكم الأجنبي كواقعة موضوعية هو في صالح التعاون الدولي القضائي.
ثانيا: الحكم الأجنبي كسند للإثبات
فالحكم الأجنبي، كما سبقت الإشارة، يدخل في حكم الورقة الرسمية، كما هو وارد في ق.ل.ع في الفصول 404 (الحجة الكتابية) والفصل 419 (الورقة الرسمية حجة قاطعة) والفصل 418 (الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية).
والحكم الأجنبي وإن كان لا ينفذ إلا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية إلا أن ذلك لا يمنع من الاحتجاج بالوقائع التي يثبتها([42]) استنادا للفقرة الثانية من الفصل 418 من ق.ل.ع التي تنص على ( أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية و المحاكم الأجنبية يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها) وهو ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها لما اعتبرت أن ( الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية تكون حجة على الوقائع التي تثبتها حتى قبل صيرورتها قابلة للتنفيذ([43]).
وكذلك كل من القضاء المصري، والفرنسي يسيران في نفس الاتجاه فالقضاء المصري استقر على أن (للحكم الأجنبي قوة إثبات قبل تذييله) والقضاء الفرنسي استقر (على جواز استعمال الحكم الأجنبي لتوقيع حجز مال المدين لدى الغير).
وفي نفس السياق نصت المادة 14 من الاتفاقية المغربية الفرنسية على أنه (يمكن نشر الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقضي به المتعلقة بحالة الأشخاص وتسجيلها في سجلات الحالة المدنية دون حاجة إلى تذييلها بالصيغة التنفيذية )([44])
لكن وبالرغم من ذلك فإننا نرى بأن السلطة التقديرية في تقدير الحجج تبقى للقاضي في اعتماد الحكم الأجنبي أو استبعاده حسب موضوع وظروف كل نازلة على حدة.
ثالثا: الأحكام التأسيسية والأحكام المتعلقة بالحالة والأهلية
فمعلوم لأنه لكل قاعدة استثناء واستثناء هذه القاعدة هو ما أورده القضاء الفرنسي (محكمة النقض الفرنسية سنة 1860)، في القضية الشهيرة بولاي حيث قضت بأنه( يكفي الاحتجاج بالحكم الأجنبي القاضي بالتطليق دون تذييله ) وهو ما سار عليه حتى القضاء اللبناني، ومن هنا يحق للشخص الصادر له حكم بطلاق من إنجلترا أن يتزوج من خلاله بفرنسا دون تذييله)([45]).
وقد أخذ المشرع المغربي بهذا الاستثناء سابقا في الفصل 20 من ظهير الوضعية المدنية للأجانب والفرنسيين، والتي تخص (حالة الإفلاس المصرح به خارج منطقة الحماية، حيث كان يسمح للمقيم اتخاذ التدابير الاحتياطية دون ضرورة تنفيذه).
ولا تفوتنا الإشارة إلى آثار الحكم الأجنبي الجنائي فحسب المادة 751 ق.م.ج فإن كل شخص ارتكب جنائية خارج المغرب يمكن متابعته بالمغرب إذا رجع الجاني إلى المغرب، ولم يدلي بما يثبت قضاؤه للعقوبة أو أنها تقادمت أو صدر العفو عليه.
وهناك المادة 763 ق.م.ج. الخاصة بتنفيذ العقوبات المدنية الصادرة عن محكمة جنائية وهو ما يحيل على التنفيذ وفق ق.م.م.
ولقد أصبحت الدول حديثا تبرم عدة اتفاقيات بهدف التعاون الدولي في عدة ميادين من جملتها مجال محاربة الإرهاب، وكذا في ميدان المالية والضرائب تجنبا لما يسمى بالازدواج الضريبي.
ومادمنا بصدد الحديث عن آثار تنفيذ الحكم الأجنبي فلابد من استحضار المشكل الذي تطرحه المادة 128 من مدونة الأسرة على مستوى طبيعة هذه الآثار هل هي رجعية أم فورية، وأمام غياب نص صريح في هذا الإطار فقد تباينت أراء الفقه :
الاتجاه الأول: والذي يمثله ذ إبراهيم باحماني والذي يرى بأن الحكم الأجنبي المذيل هو منشأ للحق فيما يعتبر أنصار الاتجاه الثاني سليمان ذ ادرويش أن الحكم الأجنبي المذيل كاشفا للحق وأمام هذا وذلك، ذهب جل الفقه إلى أن له أثر رجعي لأن القول بفورية أثره سيخلق مشاكل واقعية فمثلا (زوجة حصلت على طلاق بالخارج وقدمت طلبا لتذييله بالمغرب غير أنها تزوجت في الفترة الفاصلة بين تقديمها للطلب وبين الحكم بتذييله)، فهنا لو قلنا بأنه ذو أثر فوري لتم اعتبار زواجها باطلا لكن القول برجعيته يجعله صحيحا وهذا هو الأسلم من الناحية القانونية ([46]).
خـــاـتمة
ونحن نضع اللمسة الأخيرة لمقالنا نخلص إلى أن موضوع تنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب من أكثر المواضيع تشعبا وتعقيدا وتكمن صعوبته في تعدد وتنوع زوايا دراسته وهي قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة والقانون الدولي الخاص والقانون الجنائي...
وإذا كان المغرب كغيره من البلدان أصبح مطالبا بمواكبة ما تستحدثه دول العالم من مواثيق ومعاهدات في مختلف الميادين والمجالات خصوصا وانه في الغالب ما تستضيء القوانين الداخلية بالاتفاقيات الدولية بل تعطي لها الأولوية في التطبيق.
ولهذا فالمشرع المغربي أصبح الآن يأخذ بنظام المراقبة بدل نظام المراجعة وأصبح يراعي شرط المعاملة بالمثل (عنصر التبادل) ومهما يكن فإن أهم الخلاصات والملاحظات التي توصلنا إليها في هذه الدراسة هي كالآتي :
- أن المادة 128 من مدونة الأسرة تبقى غير كافية لوحدها لحل مشاكل الجالية المغربية في دعاوى التذييل بالصيغة التنفيذية.
- ضرورة إعادة النظر في صياغة الفصول من 430 إلى 432 من ق م م وذلك من خلال تدقيق شروط تنفيذ الحكم الأجنبي خاصة شرط اختصاص المحكمة الأجنبية لما يطرحه من مشاكل جمة أمام القضاء المغربي، وكذا إعادة النظر في المسطرة المتبعة في دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية أخدا بعين الاعتبار خصوصيات هذه الدعوى والحكمة التشريعية منها.
- ضرورة إعادة النظر في ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب الصادر في 12 غشت 1913 ليتماشى والسيادة الوطنية للمغرب علما أنه قد مرت أكثر من 60 سنة على تاريخ الاستقلال.
- ضرورة توحيد القواعد التشريعية الخاصة بتنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب لتدليل الصعاب على القضاء مع العلم أن العمل القضائي المغربي وعلى مختلف درجات محاكم المملكة قد كرس عددا كبيرا من الاجتهادات القضائية في هذا الموضوع ولا زال العديد منها قيد النشر.
- ضرورة انفتاح القضاء المغربي أكثر على التجارب المقارنة من دول العالم وخاصة محكمة النقض من خلال إضفاء نوع من المرونة على قراراتها مع سرعة البت في دعاوى التذييل بالصيغة التنفيذية.
تم بحمد الله وعونه
[1] - عبد الرحيم حاوض: تنفيذ الأحكام الأجنبية وأثرها على الروابط الأسرية"، مجلة قضايا الأسرة من خلال اجتهادات المجلس الأعلى سنة 2007، ص 233.
[2] - سفيان ادريوش: كيف نقرأ مقتضيات الأحكام الأجنبية على ضوء المادة 128 من مدونة الأسرة"، مجلة القصر عدد 13، يناير 2006، ص 41.
[3] - عدنان المتفوق: تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في ضوء المادة 128-2 من مدونة الأسرة"، مقال وارد بموقع العدالة التابع لوزارة العدل.
[4] - محمد بحماني:"تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب"، مجلة القضاء والقانون، العدد 148.
[5] - عبد الرحيم حاوض، مرجع سابق، ص 233.
[6] - قرار محكمة النقض عدد 12 الصادر بتاريخ 04/01/2011 في ملف عدد 1705/1/2009، منشور بمجلة التقرير السنوي لمحكمة النقض سنة 2011، ص 95.
[7] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 43.
[8] - إبراهيم بحماني، مرجع سابق، ص 80.
[9] - عبد الرحيم حاوض، مرجع سابق، ص 235.
[10] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 43.
[11] - عبد الرحيم حاوض، مرجع سابق، ص 235.
[12] - عبد الرحيم حاوض، مرجع سابق، ص 238.
[13] - لقد ظهرت عبارة النظام العام لأول مرة في فرنسا في الفصل 6 من المدونة المدنية الفرنسية حينما نصت على أنه "لا يسوغ باتفاقيات خاصة مخالفة القوانين التي تتعلق بالنظام العام والأخلاق الحميدة"، وبذلك نشأ وتوسع كقيد على مبدأ سلطان الإرادة وأصبح مرافقا للقوانين الأخرى التي لا يجوز للأطراف مخالفتها.
[14] - موسى عبود:الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي الطبعة الأولى أكتوبر 1994 ص 337 .
[15] - موسى عبود:"الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي"، الطبعة الأولى، أكتوبر، 1994، ص 337.
[16] - فؤاد كحيحلي:"النظام العام المغربي وتنفيذ الأحكام الأجنبية"، مجلة القصر العدد السادس، 2003، ص 71.
[17] - الصديق بلعربي:"إشكالية مفهوم النظام العام في تذييل الأحكام والعقود الأجنبية بإنهاء العلاقة الزوجية بالصيغة التنفيذية"، مجلة المرافعة، عدد مزدوج 18-19، ص 81.
[18] - قرار محكمة النقض عدد 12 الصادر بتاريخ 04/01/2011 في ملف عدد 1705/1/2009، منشور بمجلة التقرير السنوي لمحكمة النقض سنة 2011، ص 95.
[19] - عدنان المتفوق:"تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في ضوء المادة 128-2 من مدونة الأسرة"، مأخوذ من موقع العدالة التابع لوزارة العدل.
[20] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 44-45.
[21] - قرار منشور بمجلة المجلس الأعلى، عدد مزدوج 59-60، مطبعة الأمنية، الرباط.
[22] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 44.
[23] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 46.
[24] - الصديق بلعربي، مرجع سابق، ص 81.
[25] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 46.
[26] - عبد الرحيم حاوض، مرجع سابق، ص 238.
[27] - حكم صادر بتاريخ 27/11/2006، في الملف رقم 1423/06/13 منشور أشار إليه الأستاذ عبد السلام زوير في مقاله تحت عنوان:"تذييل الأحكام والعقود الأجنبية الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية بالصيغة التنفيذية"، موقع العدالة لوزارة العدل المغربية بتاريخ 14/06/2009.
[28] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 45.
[29] - إبراهيم باحماني:"مقال تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب"، منشور في مجلة القانون والقضاء، رقم 148، ص 94 سنة 31.
[30] - ذ. عدنان متفوق، مقال تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، مرجع سابق.
[31] - ذ. عدنان متفوق، مقال تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، مرجع سابق .
[32] - قرار محكمة النقض في ملف شرعي عدد 163 الصادر بتاريخ 02/01/2005، منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 66، ص 131 و134.
[33] - قرار محكمة النقض عدد 12 الصادر بتاريخ 04/01/2011 في ملف عدد 1705/1/2009، منشور بمجلة التقرير السنوي لمحكمة النقض سنة 2011، ص 95.
[34] - قرار محكمة النقض عدد 211 الصادر بتاريخ 21/04/2004 في ملف أحوال شخصية عدد 75/2/1/2004 غير منشور.
[35] - ذ. إبراهيم باحماني، مرجع سابق.
[36] - ذ. عدنان متفوق، مرجع سابق.
[37] - مقال تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب، ذ. عبد الرحيم حاوض، ص 246.
[38] - سفيان ادرويش، مرجع سابق، ص 44-45.
[39] - قرار محكمة النقض عدد 34 الصادر بتاريخ 27/01/2015 في الملف الشرعي عدد 423/2/1/2014 منشور في مجلة محكمة النقض عدد 79 سنة 2015.
[40] - قرار عدد 106 الصادر بتاريخ 17/04/2006 عم محكمة الاستئناف بالرباط في الملف عدد 30/2006/10 منشور بمجلة قضاء الأسرة عدد 3 دجنبر 2006 ص 127- 128 .
[41] - ذ. سفيان ادرويش مقال "الأحكام الأجنبية على مدونة الأسرة"، مجلة القصر، عدد 13، يناير 2006 ص 48-49.
[42] - سفيان ادريوش مرجع سابق ص 228.
[43] - قرار محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا) عدد 432 الصادر بتاريخ 16/07/2006 في الملف الشرعي عدد 260/2005 غير منشور.
[44] - الاتفاقية الثنائية بين المغرب وفرنسا 1881 المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة والتعاون القضائي مرجع سابق ص 1025.
[45] - ذ. عبد الرحيم حاوض، مرجع سابق.
[46] - سفيان ادرويش: مقال تنفيذ الأحكام الأجنبية، الأحكام الأجنبية على ضوء مادة 128 من مدونة الأسرة مرجع سابق.