MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المفتشية تحت المجهر بقلم ذ ياسين مخلي

     


ذ ياسين مخلي
رئيس نادي قضاة المغرب



المفتشية تحت المجهر بقلم ذ ياسين مخلي

يقصد بتفتيش المحاكم بصفة خاصة تقييم تسييرها وكذا تسيير المصالح التابعة لها والتنظيمات المستعملة وكيفية تأدية موظفيها من قضاة وكتاب الضبط لعملهم، ولتحقيق هذه الغاية فقد منح المشرع لوزير العدل تعيين قاض أو عدة قضاة من محكمة النقض أو ممن يزاولون عملهم بالإدارة المركزية بالوزارة للقيام بتفتيش المحاكم غير محكمة النقض ، كما منحهم سلطة عامة للتحري و البحث و استدعاء القضاة للبحث في وقائع محددة.
وإذا كان التفتيش يهدف الى تقييم تسيير المحاكم والمصالح التابعة لها باعتباره الآلية المعتبرة للرفع من النجاعة القضائية وتجاوز البطء ، فانه يجب ألا يكون مجالا للتدخل في استقلال القضاة وفي مجالات اختصاص المحاكم الأعلى درجة، اذ يجب أن يشمل جوانب الادارة القضائية ويرصد جميع اختلالاتها لتقويمها والرفع من جودة خدماتها لمرتفقي المحاكم و العدالة ، فالغاية من نظام التفتيش في أنظمة التقييم المعاصرة هي تجاوز سلبيات الادارة القضائية ورصد احتياجات المحاكم والولوجيات والأمن والنظافة بها ، وهو بذلك ليس للحلول محل الجمعيات العامة للمحاكم التي يبقى لها وحدها صلاحية توزيع الشعب والغرف على القضاة والمستشارين وتحديد مواعيد انعقاد الجلسات. و رغم أن نشاط المفتشية ظل منذ سنة 1974 بعيدا عن الشفافية فان الحراك القضائي الذي عرفه الجسم القضائي بعد تأسيس نادي قضاة المغرب كشف العديد من النواقص القانونية و الملاحظات العملية في نشاط المفتشية العامة.
فالملاحظة الأولى تتمثل في عدم خضوع محكمة النقض للتفتيش القضائي ، فهذا الأخير في اعتقادي يجب أن يقوم على مبدأ لا أحد فوق التفتيش القضائي ، و الذي يترتب عليه خضوع جميع المحاكم بغض النظر عن درجاتها و تخصصاتها له ، فمحكمة النقض بمقتضى الفصل 13 من ظهير 15 يوليوز 1974 الخاص بالتنظيم القضائي للمملكة تبقى محكمة خارج نظام التفتيش ، رغم أنه من شأن اقرار نظام يسمح بتفتيشها وتفتيش مصالحها أن تكون له لا محالة نتائج ايجابية جدا على جودة خدماتها، قلا يجب النظر الى التفتيش من منطلق السلبية بل من الرغبة في تطوير الأداء نحو الأفضل .
أما الملاحظة الثانية فهي التي ثم تسجيلها بخصوص الأبحاث التي تتولى المفتشية العامة انجازها بخصوص وقائع محددة بناء على أمر وزير العدل ، والتي اتضح أنه يجب أن تكون منظمة وتضمن بشكل كبير حقوق القضاة خلال هذه المرحلة التمهيدية التي قد تشكل قاعدة بيانات حاسمة للمتابعة التأديبية ، ولذلك يجب أن تكون أبحاثا تتسم بالشفافية و تضمن أمامها حقوق الدفاع و خاصة حق المؤازرة من طرف أحد المحامين أو أحد الزملاء أو ممثل الجمعيات المهنية للقضاة .
ان المتتبع لنشاط المفتشية خلال المرحلة الاخيرة يفاجأ بحجم التعتيم الذي يطبع أبحاثها في غياب حقوق الدفاع و التواجهية رغم تمسك القضاة أمامها بالضمانات الحقوقية و الدستورية ، اذ لا يتم تضمين موضوع البحث أو الاستماع في الاشعار الذي يوجه للقضاة ، كما يتم استدعاء العديد من القضاة أثناء يوم انعقاد الجلسات، وفي بعض الحالات لا يفصل بين تاريخ الاشعار الشفوي و تاريخ الاستماع آجالا معقولة و كافية لإعداد الوثائق أو حتى أخذ رأي واستشارة أحد الزملاء.
كما أن طلب المؤازرة بأحد المحامين أو الزملاء أو ممثلي الجمعيات المهنية لا يتم الاستجابة له من طرف المفتشية العامة في حالات عديدة ، بعلة عدم وجود نص يبيح ذلك ، رغم صراحة الفصل 30 من القانون المنظم لمهنة المحاماة على الأقل، و الذي ينص على أن للمحامين حق مؤازرة الأطراف و تمثيلهم أمام الادارات العمومية .
و فضلا عن كل ذلك لا يتم تمكين القضاة أمام المفتشية العامة من أخذ نسخ من الوثائق و التقارير أو حتى مجرد الاطلاع عليها ، كما لا يتم تسليم نسخ محاضر الاستماع المنجزة بعد التوقيع عليها من طرفهم ، وفي حالة الحفظ يتم الاعتماد على الاشعار الشفوي ليبقى الملف مفتوحا و امكانية المتابعة التأديبية قائمة في كل وقت و حين. فهل معنى هذا أن الأبحاث التي تتولى المفتشية العامة القيام بها تبقى خارج نطاق الرقابة ؟
لا شك أن المجلس الاعلى للقضاء يبقى المؤسسة الدستورية التي تملك صلاحية وسلطة الرقابة على الابحاث الادارية القبلية التي تتولى المفتشية العامة انجازها وتقدير مدى احترامها للتواجهية و حقوق الدفاع ، لأن ذلك لا يجب ان يقتصر على المحاكمة التأديبية أمامه طبقا للفصل 61 من النظام الأساسي للقضاة ، بل يجب في نظري ان يمتد أيضا الى جميع الاجراءات و الأبحاث السابقة لها ، و هو الاجتهاد الذي اعتمده المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا في قراره الصادر بتاريخ 11 يوليوز 2013  والذي جاء فيه: "أنه لتقييم مدى احترام حقوق الدفاع و مبدأ التواجهية لا يتعين الاستناد فقط على الحقوق الممنوحة للقاضي المتابع بعد الاحالة على المجلس الأعلى للقضاء و لكن أيضا –واعتبارا لدوره المحدد في جمع العناصر الواقعية الكفيلة بتبرير المتابعة التأديبية – الاستناد على الشروط التي تدير في اطارها المفتشية العامة للمصالح القضائية الاستماع الى القاضي أثناء البحث الاداري الذي تباشره ".
و الملاحظة الثالثة ترتبط بشفافية نشاط المفتشية العامة بخصوص الابحاث التي تباشرها والتقارير التي تنجزها و هو ما يستلزم نشر تقرير سنوي حول مختلف جوانب نشاطها في اطار حق المواطن في المعلومة ولحساسية مجال اشتغالها الذي يلتقي في جوانب عديدة منه باستقلال القضاة و اختصاص الجمعيات العامة ، وبالإطلاع على آخر تقرير منشور بموقع وزارة العدل و الحريات يتضح أنه غير محين ويعود لسنة  2011 كما أنه يتسم بالعمومية ويتضمن معطيات احصائية لا تبرز المؤشرات السلبية والايجابية لنشاط المحاكم وهو ما يجب تنظيمه في القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي لم تتناول مسودة مشروعه الأخيرة جوانب مهمة من نشاط مفتشية العامة للشؤون القضائية و خاصة ما يتعلق بحقوق الدفاع و شفافية الأبحاث، اذ لا يكفي أن تصبح المفتشية العامة للشؤون القضائية تابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بل يجب ان تكون اطارا يسهم في تكريس الضمانات الدستورية الممنوحة للقضاة.




الثلاثاء 6 ماي 2014

تعليق جديد
Twitter