MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



التفتيش القضائي و استقلال القضاء أية علاقة ؟

     

إدريس فجر
المستشار بمحكمة النقض
دكتور في الحقوق



التفتيش القضائي  و استقلال القضاء أية علاقة ؟
 
مقدمة:
 

التفتيش القضائي و استقلال القضاء ، أية علاقة؟
إذا كانت كلمة "قضاء" تخيف  أو تربك البعض، فان كلمة "مفتش" تحدث في نفسية البعض الآخر أكثر من الخوف ...ذعر ربما ، فكلمات مثل : مفتش شرطة، مفتش شغل، مفتش ضرائب ،مفتش أممي ،مفتش قضائي...الخ ،لكن التفتيش شيء والقضاء شيء آخر ، فالقاضي لما يرتدي  بذلته ويدخل إلى القاعة لكي يحكم بين الناس يتخيل له بأنه لا احد يمكن أن  يراقبه أو يحاسبه ماعدا ضميره  لأنه قاضي مستقل ،و لكن  لما يذهب إلى مكتبه ويجد مفتشا قضائيا ينتظره سرعان ما يتذكر بأنه هناك فعلا شيئا اسمه الرقابة أو التفتيش، و أن  استقلاله كقاضي لا يعني مطلقا انه غير مسئول، لأن الأمور نسبية ، وكل شيء نسبي في هذه الحياة ، وكلما قطعت المجتمعات أشواطا في سبيل دمقرطتها وتحضرها وتقدمها ، كلما ازداد الاهتمام بالقضاء وباستقلاله
 
وتوجد علاقة وطيدة بين موضوع استقلال القضاء، وتخليق الحياة العامة   ، فبأية وسائل سيتحقق التخليق ؟ هل بالتوقيع أو الانخراط في ميثاق الشرف أو مدونة الأخلاقيات  أو الالتزام لفظيا بالشفافية  والنزاهة ؟
أم سيتحقق ذالك بوسائل عملية  كالاستفحاص ، والتفتيش بصفة عامة ، والتفتيش القضائي بصفة خاصة  ، و تخليق القضاء، كمقدمة لتخليق باقي المرافق والحياة العامة ، ولن يتأتى ذالك  ولن يتحقق إلا بقضاء كفء ونزيه و  مستقل ، لكن  السؤال المطروح للنقاش هو أنه إلى حد يمكن القول بأن التفتيش القضائي من خلال ممارساته من  شانه أن يصون أو يمس بهذا المبدأ : استقلال القضاء ؟الجواب على هذا السؤال يقتضي منا التطرق إلى مفهوم التفتيش  بصفة عامة و في ضوء المعايير الدولية ، وفي تجربة بعض الدول ،ثم في القانون المغربي أخيرا
 
الفقرة الأولى
مفهوم الـــــتفتيش القــــــــضائي

 
ليس هناك تعريف دقيق للتفتيش القضائي سواء في القانون الوطني أو الأجنبي ولم تتناوله المعايير الدولية بشكل مباشر ومفصل كما فعلت في مجالات قضائية أخرى

أولا :
في المعايير الدولية

 
تناولت العديد من المواثيق الدولية موضوع حقوق الإنسان والمحاكمة العادلة واستقلال القضاء واستقلال هيأة الدفاع ودور النيابة العامة ، ودور هيأة تنفيذ الأحكام القضائية مع العلم أن موضوع التفتيش القضائي لا يقل أهمية عن هذه المواضيع جميعا ، فهل سيضع المنتظم الدولي يوما ما مبادئ أو إعلانا أو ميثاقا عالميا حول التفتيش القضائي على غرار  مبادئ ميلانو حول  استقلال القضاء؟
 
ثانيا :
تجارب التفتيش القضائي لدى بعض الدول


مصر:
 
في العالم العربي نجد بلدا كمصر عانى القضاء فيه خلال  عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك من تدخل السلطة التنفيذية في شؤونه بشهادة قضاته ورجال الإعلام والسياسة وان كان قضاة أرض الكنانة مشهود لهم بالنزاهة والحياد والاستقلال ، ولهذا طالب القضاة في مصر من خلال ناديهم الذي يمثلهم بإبعاد وزير العدل عن المجلس الأعلى للقضاء وبسحب التفتيش القضائي  من اختصاصاته  ونقله إلى المجلس المذكور وكانوا يبررون ذالك بان قضاة مصر مستقلون ولكن قضاءهم كمؤسسة دستورية غير مستقل ولهذا طالبو برفع يد الوزير عن التفتيش
 
هولاندا :
منذ سنة2002 انتبهت هولاندا إلى ضرورة الرفع من مستوى النجاعة القضائية ولهذا  وضعت سياسة قضائية تعتمد نظام تقييم المحاكم و القضاة والنشاط المهني لرؤساء المحاكم باعتبارهم ممارسين للإدارة القضائية وذالك تحت رقابة مجلس القضاء أو مجلس العدل ، ويعتمد التقييم على إجراء محادثة فردية  مع المعني بالأمر للوقوف على مدى احترامه للوعود أو بالأحرى العقود- الأهداف المبرمة بين محكمته ومجلس القضاء 
 
 
فرنسا :
 
التفتيش القضائي بفرنسا يشبه إلى حد ما التفتيش القضائي المغربي لغاية سنة 2005-2006، لأنه وكما هم معلوم  ولاعتبارات تاريخية فنظام التفتيش بالمغرب مأخوذ عن نظيره الفرنسي ولكن منذ سنة2005تغير التفتيش القضائي بفرنسا الذي أدخل مفهوم الافتحاص والتصديق على تقييم المحاكم و أصبحت الدولة تعطي الاعتمادات المالية للمحاكم بحسب قدرتها على تنفيذ برامجها (نظام لولفLOLF)، هذا غير موجود لدينا الآن ، ولكن فيما يخص التفتيش التأديبي لازال هناك العديد من نقط الشبه بين نظامهم وبين نظام التفتيش القضائي في المغرب
 
 
ثالثا :
التفتيش القضائي في القانون المغربي

 
يعاني التفتيش القضائي في  القانون المغربي من هشاشة في الإطار القانوني المنظم له ، إذ ليس هناك  نظام قانوني مستقل جامع مانع بل كل ما هناك مجموعة من النصوص القانونية القليلة والمتفرقة ، نجد بعضها في التنظيم القضائي أساسا ، والبعض الآخر في النظام الأساسي للقضاة وفي المرسوم المنظم لاختصاصات وزارة العدل ، وهذا على عكس المفتشيات العامة لدى بعض الوزارات التي تتوفر على إطار قانوني متكامل ، وفي عهد وزير العدل السيد عبد الواحد الراضي أعدت وزارة العدل مشروع نص قانوني لتنظيم المفتشية العامة أثيرت بشأنه عدة ملاحظات سواء في الشكل أو الموضوع ، ولهذا السبب ربما تعثر في طريقه إلى الأمانة العامة للحكومة
وبناء على الفصل 13 من قانون التنظيم القضائي المغربي :

 "  ((يقصد من تفتيش المحاكم بصفة خاصة تقييم تسييرها وكذا تسيير المصالح التابعة لها والتنظيمات المستعملة وكيفية تأدية موظفيها من قضاة وكتاب الضبط لعملهم. ولهذه الغاية يسوغ لوزير العدل أن يعين قاضيا أو عدة قضاة من محكمة النقض أو ممن يزاولون عملهم بالإدارة المركزية بالوزارة للقيام بتفتيش المحاكم غير محكمة النقض أو للبحث في وقائع محددة. يتوفر المفتشون على سلطة عامة للتحري والتحقق والمراقبة، ويمكنهم على الخصوص استدعاء القضاة وموظفي المحاكم والاستماع إليهم والإطلاع على جميع الوثائق المفيدة. غير أنه إذا كانت التحريات تتعلق بقاض وجب أن يكون المفتش من نفس الدرجة أو أعلى درجة ممن يجرى في شأنه التفتيش. ترسل تقارير التفتيش حالا إلى وزير العدل مع مستنتجات المفتشين واقتراحاتهم))  "

نستخلص من هذا الفصل وغيره إذن عدة خلاصات أهمها :
 
1- التفتيش : الهدف منه هو  تقييم تسيير المحاكم وكيفية  أداء قضاة و موظفي المحاكم لعملهم  ماعدا النقض ، وهو و ما يسمى تجاوزا بالتفتيش العام
 
2- التفتيش : المراد منه  كذالك هو  البحث في  وقائع محددة أو أفعال محددة منسوبة الى القاضي لها علاقة بسلوكه أو كفاءته أو إخلاله بواجباته المهنية ، وهو ما  يسمى كذالك تجاوزا بالتفتيش الخاص
 
3- بنية التفتيش :هناك ما يسمى  بالتفتيش التسلسلي إلى جانب  التفتيش المركزي ، في انتظار إحداث التفتيش الجهوي الذي كان يروج كفكرة منذ مدة  داخل أروقة  وزارة العدل ، وتؤطر كل هذه الأنماط من التفتيش القضائي المفتشية العامة بوزارة العدل وهي تتكون من عدد محدود من القضاة.
 
4- مسطرة تتبع الثروة : للسادة القضاة وبعض أعضاء عائلاتهم جعلها المشرع من اختصاص السيد وزير العدل ولكن تنفذ بواسطة التفتيش القضائي (الفصل 17 من النظام الأساسي للقضاة)
 
*آفاق التفتيش في الدستور الجديد: وقد جاء في الفصل 116 منه مايلي :
 
((يعقد المجلس الأعلى للسلطة القضائية دورتين في السنة على الأقل.
 
يتوفر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الاستقلال الإداري والمالي.
 
يساعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة التأديبية، قضاة مفتشون من ذوي الخبرة.
 
يُحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب.
 
يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها.))
 
 
ويطرح الفصل 116 من الدستور على بساط النقاش ما هي العلاقة القانونية التي يمكن أن توجد مابين المجلس الأعلى للسلطة القضائية و التفتيش القضائي ؟علاقة تبعية ؟ أم استقلال ؟أم علاقة تعاون ومساعدة كما جاء في النص الدستوري ؟في انتظار أن  تجيب على ذالك القانون التنظيمي المرتقب لا يمنع من تناول الإشكالية بشيء من النقاش الهاد ف، وهو ما سنتطرق إليه في الفقرة الثانية من هذا الموضوع بعد أن نفرغ من تحليل إشكالية أخرى لا تقل عن الأولى أهمية وخطورة وفي القانون النافذ حاليا ألا وهي :
 
* إلى أي حد يمكن  التفتيش أن يمس أو يصون مبدأ استقلال القضاء؟ كجواب سريع ومباشر  على هذا التساؤل في انتظار المزيد من الشروح في الفقرة الموالية ن يمكن القول بأن حسب الخبير في شؤون القضاء بفرنسا السيد فرانسوا فيلتز الذي له بحث منشور بنشرة محكمة النقض بفرنسا سنة 2000، فإن يتعين على المفتش القضائي أن يحترم القاضي ( ويفهم من ذالك أن الاحترام يجب أن يكون – أو يخصص - له بصفته كانسان وكقاضي وكزميل، وان كان بعض القضاة في وقت سابق كانت  لهم تحفظات مجريات على التفتيش ...)
 
 
 
 
الفقرة الثانية
عــــــــلاقة الــــــــــتفتيــــــــش
باستقـــــــــلال القـــــضــــــــــاء

 
 
أولا : مفهوم استقلال القضاء
 

بحكم أن القاضي يجسد القضاء فكثيرا ما يقع البعض في خلط بين استقلال القاضي كشخص واستقلال القضاء كمؤسسة دستورية  ، ويعرف فقهاء القانون الدستوري استقلال القاضي بوجوده في وضع يسمح له بالحكم بين الناس حسبما يمليه عليه ضميره ولا سلطان عليه في ذالك ما عدا سلطان القانون ،ونظمت الودادية الحسنية ندوة مهمة  بمراكش حول مدونة القيم ، يومي 27 و 28دجنبر 2009، وتناول احد أوراش هذه الندوة موضوع استقلال القضاء ، وطالب بعض القضاة بفك الارتباط بين الوزير و المجلس الأعلى للقضاء ، كما أثار البعض الآخر حالات التوتر التي يوجد عليه القضاة  عند خضوعهم للتفتيش القضائي ، فما مدى تأثير التفتيش القضائي على استقلال القاضي؟ ومشروعية هذا التساؤل تكمن في كون السلطة القضائية في جميع الدول غنية او فقيرة ، متخلفة او متقدمة كانت لها دائما و بدرجات متفاوتة بعض المشاكل مع السلطة السياسية ، الحكومة ، وزير العدل ، الإدارة المركزية ...الخ
 
ثانيا : ضمانات استقلال القاضي الخاضع للتفتيش القضائي
 
أ- ماهي هذه الضمانات ؟
هناك بداية قرار السيد وزير العدل بإجراء تفتيش ، وكذالك البرنامج المسطر للتفتيش سلفا  بمعنى أن الأمر لا يترك للصدفة أو الانتقام  ،  يضاف إلى هذه الضمانات الثنائية  في انجاز التفتيش ما لم يجر التفتيش من طرف 3 مفتشين فأكثر ، الاستماع للقضاة المعنيين بالأمر وتمكينهم من الدفاع عن وجهة نظرهم  أو تصرفهم وتبريره   ، تلقي بعثة التفتيش لبعض الإفادات من مصادر محايدة ، الاطلاع على الملفات ، تجنب المفتشين  زيارة المحكمة التي تشهد محاكمة قضائية مثيرة حتى لا يقال بأن بعثة التفتيش جاءت لتؤثر على مجريات الدعوى ،تحرير التقرير من طرف المفتشين ،مهمة المفتش التأكد من صحة الوقائع والقيام بوصفها والتكييف القانوني للوقائع، وحسب الاتجاه المتبع في فرنسا  المفتش يكتفي بنقل الوقائع و يوجه الوزير ولا يقترح عليه متابعة أو عدم متابعة القاضي أمام المجلس التأديبي لأن هذا القرار يدخل ضمن صلاحيات الوزير، قرار الوزير يكون في النهاية : أما بالحفظ أو المتابعة ضد القاضي (مالم تكن هناك مسطرة جنائية جارية ضد القاضي)
في حالة متابعة القاضي - أي إحالته على المجلس التأديبي- يعين له  مقرر، ويكون مثول القاضي أمام المجلس التأديبي آخر مرحلة في مسطرة تأديبية طويلة ومعقدة ومرهقة قد تؤثر سلبا على ترقيته ، ومما يؤاخذ على المجلس الأعلى للقضاء أو إحدى نقط ضعفه عدم نشره  لقراراته التأديبية لكي يستعين بها المفتش كاجتهادات سابقة عند تكييفه للأفعال المنسوبة للقاضي الخاضع للتفتيش
إكراهات  التفتيش القضائي :ضعف الإمكانيات ، ضعف الموارد البشرية (حوالي