MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




استراتيجيات إصلاح وتنمية الجهاز الإداري

     


الطالب الباحث :بليغ بشر
إشراف الدكتور :محمد يحيا



استراتيجيات إصلاح وتنمية الجهاز الإداري
إن التنمية الإدارية ليست ترفا فكريا، أو مجرد نزوة متحررة من رق وعبودية الوضع الاجتماعي والاقتصادي، أو هروبا إلى الأمام من أوجه التخلف الإداري، إنما دعوة حقيقية نابعة من هذا الوضع وموجهة إليه بالتنمية والتغير والتطوير الهادف في المجتمع المعني.
ومن هنا، فإن الجهود الرامية إلى تنمية إدارية حقيقية، لم تأت من فراغ، ولا تقتصر على جوانب تقنية بحتة، إذ لا وجود للإدارة خارج إطار النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أنها تتغلغل في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني الذي بدونه لا يمكن أن تعبر عن ذاتها، ومادامت الإدارة نشاطا قياديا، فإن النظام الإداري لكل منظمة هو الذي يحكم ويوجه نشاطها نحو الأهداف التي وجدت من أجلها وهذا يستوجب الاهتمام بعدد من استراتيجيات إصلاح وتنمية الجهاز الحكومي، أهمها إستراتيجية التركيز على النواحي الهيكلية والرقابية (الفقرة الأولى)، إستراتيجية الوضوح والشفافية وتكامل البرامج الإصلاحية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إستراتيجية التركيز على النواحي الهيكلية والرقابية

أولا: إستراتيجية التركيز على النواحي الهيكلية والتنظيمية

تنطلق هذه الفكرة من افتراض الثقة بالإدارة وقدرتها على التحسين والإصلاح، وتهدف جهود الإصلاح الإداري وفق هذه الإستراتيجية إلى تحقيق الكفاية في عمل الأجهزة الحكومية وتقليل النفقات التي تتكبدها أثناء عملية تقديم السلع الخدمات المختلفة[[1]]url:#_ftn1 .
وكذلك فإنه يلزم لتحقيق الكفاية الإدارية المطلوبة تقليل عدد الأجهزة المتشابهة في العمل والاختصاصات وتجميع المتشابهة منها تحت مظلة واحدة، لأن ذلك يقلل من النفقات الإدارية التي تتزايد بسبب زيادة عدد المديرين والمستشارين والأقسام الشعب، إذ أن تجميع مثل هذه الوحدات المتناثرة يمكن أن تحقق وفورات الإنتاج الكبير،بدل الهدر الناتج عن تكرار الأجهزة التي تعمل في نفس القطاع ويستتبع ذلك الجهد جهود إضافية لمنع التكرار الذي يمكن أن تقوم به الأجهزة الإدارية المتعددة[[2]]url:#_ftn2 . 
إن الأجهزة الإدارية الموجودة في دولة ما تمثل العنصر المسئول عن تنفيذ مهام ومسؤوليات هذه الدولة تجاه المجتمع، لذلك لكي تستطيع الدولة النهوض بأعبائها ومسؤولياتها يجب أن يكون لها جهاز كفء وهذا الجهاز هو القلب الأساسي النابض للأجهزة الإدارية وهو الوحدة الأساسية التي يرتكز عليها التنظيم الإداري والذي يتكون منها الهيكل التنظيمي لأي جهاز إداري[[3]]url:#_ftn3 .  
لذلك فإن التركيز وفق هذه الإستراتيجية الإصلاحية يكون زيادة الكفاية الإدارية، وينطلق من افتراض الثقة بالحكومة وموظفيها وبقدرة الجهاز الإداري على إصلاح نفسه، وذلك بتطبيق ومراعاة المبادئ الإدارية العلمية وصناعة هياكل تنظيمية جديدة وقواعد وإجراءات عمل جديدة، وهذا الإستراتيجية تستلزم الاستعانة بالمتخصصين والخبراء في العلوم الإدارية لدراسة التنظيمات الموجودة وتقديم آرائهم للوصول إلى البدائل الأفضل للعمل.

ثانيا: إستراتيجية الإصلاح من خلال إنشاء أجهزة التفتيش والرقابة

تركز هذه الإستراتيجية على التقليل من نفقات الأجهزة الإدارية، من خلال زيادة الرقابة على الجهاز الإداري عن طريق إنشاء أجهزة الرقابة المختلفة للحد من الهدر والإسراف، والحيلولة دون استغلال الوظيفة العامة لأغراض خاصة، سواء ما قبل الموظفين أو الجهات المنتفعة من خدمات البرامج الحكومية[[4]]url:#_ftn4 .
وتنطلق هذه الإستراتيجية في الإصلاح من موقع أقل ثقة بالجهاز الإداري من الإستراتيجية السابقة التي ترى أن المشكلة تكمن في الهياكل الإدارية، أكثر منها في سلوك العاملين، إذ يؤكد هذه الإستراتيجية على ضرورة إيجاد التوازن بين السلطات التقديرية التي يتمتع بها المديرون وبين توقعات ومطالب الجمهور[[5]]url:#_ftn5 .
وغالبا ما يؤدي السلطة التشريعية وأجهزة الإعلام هذا الأسلوب في الإصلاح من خلال المطالبة بالتعرف على مجريات العمل في الأجهزة الحكومية وكشف المخالفات ومحاسبة المسئولين عنها.

الفقرة الثانية: الوضوح والشفافية وتكامل البرامج

أولا: الوضوح والشفافية الإدارية[[6]]url:#_ftn6

تؤكد هذه الإستراتيجية على أهمية التأكيد من أن ممارسات العاملين في الأجهزة الإدارية تتفق مع الأعراف المهنية، ومع معايير السلوك العام، من خلال إتاحة المجال والفرص للجمهور ووسائل لإعلام وجماعات المصالح المختلفة للإطلاع على سير العمل في الأجهزة المختلفة والحصول على المعلومات التي يرغبون الإطلاع عليها[[7]]url:#_ftn7 .
إن توفر الشفافية الإدارية يعتبر من أهم متطلبات مكافحة الفساد الإداري، وإحدى أهم الاستراتيجيات الهامة التي تتبعها الدول لمكافحة الفساد بأشكاله المختلفة، فزيادة الشفافية تساهم إلى حد بعيد في زيادة درجة الثقة التي يمنحها المواطنون للأفراد العاملين في القطاع الحكومي.
كما أن زيادة مستوى الشفافية في العمليات الإدارية يعني وضوح إجراءات العمل والابتعاد عن الروتين وتعقيد الإجراءات، إضافة إلى أنها تساعد على تسهيل حصول المواطنين على الخدمات والمعلومات التي يريدونها، مما يترتب عليه إشباع الحاجات وتحقيق الرضاء وزيادة الانتاجية[[8]]url:#_ftn8 .
فالشفافية الإدارية هي الوضوح التام في اتخاذ القرارات ورسم الخطط والسياسات وعرضها على الجهات المعنية بمراقبة أداء الحكومة نيابة عن الشعب وخضوع الممارسات الإدارية والسياسية للمحاسبة والمراقبة والمسألة[[9]]url:#_ftn9 . 
إن من شأن هذه الإستراتيجية يعزز الثقة بالجهاز الإداري وتعرف المواطنين بحقوقهم ويعتبر وسائل الإعلام وجماعات الضغط وأفراد الجمهور والبرلمان والقضاء من أهم المشاركون في هذه الإستراتيجية للتنمية الإدارية. 
 
ثانيا: الإستراتيجية المتكاملة للإصلاح الإداري

إن الاستراتيجيات السابق ذكرها ليس استراتيجيات ثابتة ولا منفصلة عن بعضها، بل هي أشبه ما تكون بالتيارات البحرية تشهد حركات مد وجزر، وحسب درجة الثقة الحكومة، كما أنها ليست بالضرورة تيارات معاكسة بل هي أقرب ما تكون حلقات في سلسلة.
إن الحركة الحديثة للإصلاح في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال طبقت لاستراتيجيات الثلاث[[10]]url:#_ftn10 .
حيث بدأت حركة الإصلاح في مراحلها الأولى: انطلاقا من الثقة بالجهاز الإداري على تصحيح أوضاعه بنفسه وذلك من خلال عملية إعادة التنظيم والتي تمثلت على تصحيح أوضاعه بنفسه ، والتي تمثلت بإعادة النظر في اختصاصات الأجهزة الإدارية لمنع الازدواجية، أو دمج أو إلغاء أو استحداث أجهزة جديدة.
أما المرحلة الثانية: تميزت بتدني الثقة بالحكومة وبأدائها وبقدرتها الذاتية على التصويب الذاتي، فتم خلالها تطبيق إستراتيجية الرقابة والتفتيش على الجهاز الإداري لوقف الإنفاق الزائد، والعمل على تقليص فرص استغلال الوظائف العامة.
أما المرحلة الثالثة: في الإصلاح الإداري فتميزت بإتباع إستراتيجية الثقة والوضوح في عمليات الأجهزة الإدارية لوقف الهدر وتفعيل وسائل الرقابة العامة على الإدارة.
إن المهم هنا الإشارة إلى أن الإستراتيجية المثلى للإصلاح يجب أن تكون إستراتيجية شمولية تقوم على فهم الترابط الضروري بين العوامل المختلفة المؤثرة على عمل الأجهزة الإدارية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، إذ لا يمكن أن تنجح جهود الإصلاح إذا فقدت هذا الترابط.
 
الهوامش

[[1]]url:#_ftnref1 - راجع سابقا النظريات الحديثة في التطور التنمية الإدارية الفصل الأول المبحث الأول من هذا القسم.
    - راجع حسن اللوزاي التنمية الإدارية، المفاهيم، الأسس، التطبيقات"، مرجع سابق، ص 71.
[[2]]url:#_ftnref2 - فلو أخذنا مثلا دولة بمساحة الولايات المتحدة الأمريكية التي تزيد عدد سكانها على 250 مليون نسمة، فإننا نجد أن فيها 11 وزارة فقط، وأن هناك وزارة واحدة كانت يوما مسئولة عن مهام ثلاث وزارات وهما وزارة الصحة والتربية والرفاهة الاجتماعي، أن تكاثر الأجهزة أمر مكلف وقد يكون مصدر للهدر والإرباك في عمل لأجهزة ليس سببا لزيادة الكفاءة.
     راجع محمد الصيرفي، مرجع سابق، ص 92.
[[3]]url:#_ftnref3 - رعد حسن الصرن: "صناعة التنمية الإدارية في القرن الواحد والعشرين"، مرجع سابق، ص 114.
[[4]]url:#_ftnref4 - محمد الصيرفي، مرجع سابق، ص 54.
[[5]]url:#_ftnref5 - للمزيد من الإطلاع حول الرقابة على الأداء الحكومي، راجع محمد شوقي أحمد شوقي: "الإدارة الحكومية الجديدة"، مرجع سابق، ص 121.راجع ياسر العدوان،دور الإدارة في نمط علاقتها مع المواطنين وأثرها على الاستجابة الإدارية،مجلة الاقتصاد والعلوم الإدارية،جامعة اليرموك الأردن،مجلة الشئون الإدارية العدد7-أبحاث ودراسات.
[[6]]url:#_ftnref6 - تعتبر الشفافية الإدارية من المفاهيم الحديثة والمتطورة التي يتوجب على الإدارات العامة والادارت الفرعية ضرورة الأخذ بها، لما لها من أهمية في إحداث التنمية الإدارية الناجحة، إضافة إلى مساهمتها في تنمية التنظيمات الإدارية والوصول إلى بناء تنظيمي سليم قادر على مواجهات التحديات الجديدة والمتغيرات المحيطة، وقد دعا الكثير من رواد الفكر الإداري إلى ضرورة بذل الجهود لمعالجة المشاكل الإدارية والتعرف على المعوقات التي تواجه التنمية الإدارية، كالفساد الإداري والروتين، والملل والغموض في أساليب العمل وإجرائه، فكانت تطبيق الشفافية الإدارية من الأمور الهامة الواجب مراعاتها في الممارسات الإدارية في أجهزة الإدارة العامة.  
[[7]]url:#_ftnref7 - محمد الصيرفي، مرجع سابق، ص 55.
[[8]]url:#_ftnref8 - موسى اللوزي، مرجع سابق، ص 148.
[[9]]url:#_ftnref9 - للمزيد ن الإطلاع راجع: عزيز ادريس: "إشكالية الشفافية داخل الإدارة العمومية المغربية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الحقوق، أكدال- الرباط، 1996- 1997.
[[10]]url:#_ftnref10 - محمد الصيرفي، مرجع سابق، ص 58.



السبت 9 مارس 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter