MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



هيئة التشاور والمصالحة في اليمن: المسار، التحديات والآفاق

     

القاضي. طارق عبداللطيف القبلي نمران
قاض في دولة اليمن
باحث في العدالة الانتقالية



هيئة التشاور والمصالحة في اليمن: المسار، التحديات والآفاق
تمهيد

تُشكّل هيئة التشاور والمصالحة إحدى الآليات المؤسسية المستحدثة بموجب الإعلان الرئاسي في إطار المرحلة الانتقالية في اليمن، وقد خُصّت بأدوار محورية في دعم جهود السلام وبناء التوافق الوطني، وتأتي هذه الورقة القانونية لتسلط الضوء على الإطار التنظيمي للهيئة، وتُحلل وظائفها، وهيكلها، وآفاق تطويرها، في ضوء القواعد المنظمة الصادرة سنة 2025.

أولاً: الإطار القانوني والمؤسسي

أُنشئت هيئة التشاور والمصالحة بموجب الإعلان الرئاسي الصادر في 7 أبريل 2022، باعتبارها هيئة سياسية مساندة لمجلس القيادة الرئاسي، تناط بها مهمة تعزيز التوافق الوطني، وتهيئة الظروف المواتية لاستعادة مؤسسات الدولة، ودعم جهود المصالحة الشاملة بين مختلف القوى والمكونات.
وفي هذا السياق، صدر القرار الرئاسي رقم 119 لسنة 2025، الذي نص على القواعد المنظمة لعمل مجلس القيادة الرئاسي وهيئاته المساندة، ومن بينها الهيئة، محدداً اختصاصاتها الإجرائية والسياسية، ومبيناً هيكلها التنظيمي، ودورها في الدفع بمسار المصالحة الوطنية وتعزيز مقومات السلم الأهلي، ضمن نهج مؤسسي تكاملي.
 
ثانياً: الوظائف والمهام

أوردت المادة 32 من القواعد المنظمة مجموعة من المهام النوعية الموكلة إلى الهيئة، من أبرزها: تشخيص الواقع السياسي والاجتماعي والإعلامي، وتحديد بؤر التوتر والصراعات، واقتراح حلول متوازنة لها، والمساهمة في بناء رؤية وطنية للمصالحة والعدالة الانتقالية، تستند إلى مبادئ المواطنة والدستور.

كما تساهم الهيئة في إعداد ميثاق شرف للعمل السياسي، وتعزيز التواصل مع الكفاءات الوطنية في الداخل والخارج، والعمل على بلورة توافق وطني واسع يساند مؤسسات الدولة؛ وقد شرعت الهيئة منذ إقرار لائحتها الداخلية في مارس 2023 في إعداد وثائق مرجعية استراتيجية، من أبرزها "وثيقة مبادئ المصالحة" و "الإطار العام للرؤية السياسية لعملية السلام"، بالتوازي مع جهودها في بناء قاعدة بيانات تستوعب المظالم والرؤى السياسية من مختلف الجهات.
 
ثالثاً: الهيكل التنظيمي

ينص القرار المنظم على أن الهيئة تتألف من ثلاثة مستويات تنظيمية: الهيئة العامة، والرئاسة التنفيذية، واللجان المتخصصة، وفقاً لما ورد في المادة 33، وتتولى الهيئة العامة أعلى الصلاحيات، حيث تنتخب رئاسة الهيئة وتقر خطط عملها، بينما تضطلع الرئاسة التنفيذية بمهام الإدارة والتنسيق، وتمثل الهيئة أمام الجهات المختلفة.

أما اللجان المتخصصة، التي تم تشكيلها مطلع عام 2024، فتؤدي دوراً محورياً في تفعيل المهام الفنية والميدانية للهيئة، وتُعد لجنة المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية من أبرز هذه اللجان، إذ تشرف على جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالانتهاكات والمظالم، وصياغة مقترحات تشريعية داعمة لمسار العدالة والمصالحة، بما يضمن التراكم المعرفي والمؤسسي في هذا المجال.
 
رابعاً: مجالات التطوير المؤسسي

تواصل الهيئة العمل على تعزيز قدراتها المؤسسية، وتطوير أدواتها التنظيمية والإجرائية، بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة الانتقالية ومتطلباتها، ويُعد الإطار التنظيمي الذي حدّدته المواد 34 و36 من القواعد المنظمة - والذي يشمل آلية الاجتماعات، وإعداد اللائحة الداخلية بالتنسيق مع الفريق القانوني- خطوة إيجابية نحو ترسيخ قواعد الحوكمة الداخلية وبناء منظومة عمل مرنة وفعالة.
كما تسعى الهيئة إلى تكثيف التنسيق مع الجهات الرسمية والمكونات المجتمعية، من أجل تكامل الأدوار، وتوسيع دائرة الشراكة، وتبادل الخبرات بما يخدم الغايات الوطنية العليا.
 
خامساً: الآفاق والتوصيات

في ظل التحديات المتعددة التي تواكب المرحلة الانتقالية، تبرز أهمية تمكين الهيئة من كافة مقومات العمل المؤسسي المستدام، من خلال دعمها مالياً وفنياً، وتوسيع قاعدة المشاركة ضمنها لتشمل النساء، والشباب، والمجتمعات المهمشة، بما يُعزز الطابع الجامع لأدوارها.
وتُعد الشراكة مع الجهات الوطنية والدولية الفاعلة في مجالات المصالحة وبناء السلام ركيزة أساسية لتطوير أداء الهيئة، والاستفادة من التجارب المقارنة، وتكريس نهج مرن يستوعب التعدد السياسي والاجتماعي، ويُسهم في بناء توافقات وطنية متقدمة.
 
وتبقى هيئة التشاور والمصالحة إحدى الآليات المؤسسية المحورية الداعمة لمسار الانتقال السياسي، بما تبذله من جهود حثيثة، وما تمتلكه من صلاحيات تنظيمية، وما يمكن أن تضطلع به من أدوار مستقبلية في دعم الاستقرار وتعزيز السلم الاجتماعي في اليمن.



الجمعة 23 ماي 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter