MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





نحن ومغاربة العالم

     

ذ/ الزكري عبد الرؤوف



نحن ومغاربة العالم

تعد ظاهرة الهجرة من الظواهر القديمة قدم الإنسان نفسه، وتتحدث تقارير الأمم المتحدة عن وجود 200 مليون مهاجر في العالم. وتضطلع الهجرة بأدوار اقتصادية واجتماعية وحضارية، فهي تساهم في تنمية الأفراد كما المجتمعات ماديا ورمزيا، وعامل إثراء فكري وثقافي، وحبل تواصل متعدد الأبعاد بين الشعوب والحضارات. والمغرب بحكم موقعه الجغرافي، وانفتاحه المبكر على العالم، معني أكثر من غيره من البلدان بالهجرة تصديرا واستقبالا. لذا تجده قد بلور سياسات تهم مواطنيه المقيمين في بلدان أخرى، الذي ينص الدستور على أنهم مواطنون كاملو المواطنة. وأخرى تهم الأجانب المقيمين بيننا وخصوصا من دول جنوب الصحراء، هي اليوم مصدر إلهام
لبلدان تعاني مما عاناه المغرب منها. الشيء الذي أكسب المغاربة ثقافة أهلتهم لحسن التعامل مع الوافدين، وحسن تمثيل بلدهم وخدمته وهم مهاجرون.
 

مغاربة العالم عامل تنمية وقوة تأثير سياسية:

 

أصبح مغاربة العالم يشكلون رقما صعبا في المعادلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بالنسبة لبلدهم الأصل، كما في بلدان إقامتهم. وما فتئ دورهم يتعاظم بازديادهم كما، وتنوعهم كيفا، حيث 33,5% منهم مستواهم التعليمي عال. خلافا للفئة الأولى من المهاجرين التي انطلقت في الستينيات وما قبلها، والتي كان معظمها أياد عاملة، ساهمت في بناء وتقوية اقتصاديات الدول الأوروبية خصوصا. كما تضم أجيالا أوروبية الولادة والمنشأ، مغربية الهوى والانتماء، بالإضافة إلى أجيال الراشدين الذين اكتسبوا كامل “تمغربيت” قبل الرحيل إلى هناك والقلب أبدا معلق بأول منزل.

هذا الارتباط الوجداني بالبلد الأم، هو ما جعلهم يساهمون في تنميته اقتصاديا بتلقائية وحماس، من خلال تحويلاتهم التي تدر موارد مالية ما أحوج الأبناك إليها، كما تساهم بنصيب وافر في تدارك عجز الميزان التجاري، واستثمار أخرى في مجالات اقتصادية، وإن كان يصفها البعض بالبسيطة والتقليدية. ولهم بصمة في النشاط السياحي الذي يعول المغرب على مدخوله، حيث تشير أرقام وزارة السياحة إلى أن 600 ألف منهم توافدوا على المدن السياحية. ويراهن الكثير من مغاربة الداخل عليهم في تحريك عجلة نشاطهم المهني، وخصوصا غير المهيكل منه: كأصحاب المنازل المعدة للكراء، سواء بالمناطق الساحلية، أو بالمناطق التي تعرف ما يسمى بالسياحة الصحية، ومختلف المهن المرتبطة بهذا، من حراسة السيارات، وبيع بعض المنتوجات والأطعمة المحلية. كما يعرف القطاع العقاري رواجا يفوق كثيرا مثيله خلال أشهر السنة، لتوجه أبناء الجالية نحو امتلاك عقارات في الوطن، وما يرتبط به من تأثيث وتجهيز، يلمس عائده أصحاب هذه المهن. وتبقى تدخلاتهم الاجتماعية الأبرز في حياة العديد من الأسر المغربية، التي تعيش على ما يحوله أبناؤها من هناك، والتي تساهم في التخفيف من وطأة المعيش اليومي، بل الرفع من جودة الحياة، والإحساس بالطمأنينة تجاه نوائب الدهر.

كما يشكل مغاربة العالم قوة تأثير سياسية تعاظمت مع توالي هجرة الكفاءات، وتحسن المستوى التعليمي للأجيال المولودة هناك. التي برز علو كعبها داخل الأحزاب السياسية الأوروبية، ومختلف هيئات المجتمع المدني، الشيء الذي سمح لها بتولي مسؤوليات تدبيرية وتشريعية في المؤسسات المنتخبة، ومراكز البحث والاستشراف والتأثير. وهي مهام تسمح لأصحابها بتحقيق ذواتهم وتبوء المكانة الاجتماعية التي تقطع مع النظرة الدونية للمهاجر الذي كان يُنظر إليه كقوة يدوية فقط. وهي مواقع من خلال يمثلون بلدهم والذود عن مصالحه، في إطار الديبلوماسية الموازية أو القوة الناعمة… والتمكين له بين الأمم، بحضورهم للفعاليات السياسية والثقافية التي تقام في مختلف البلدان، من خلالها يساهمون في توجيه الرأي العام العالمي وصناعته، واتخاذ المواقف الإيجابية من قضايانا الحيوية، وعدم ترك الساحة فارغة يعيث فيها أعداء الوطن زيفا وافتراء.
 

مغاربة العالم بين الحضور القانوني غير المكتمل وتأطير ثقافي غير مستدام:

 

لكل هذا وغيره، أولى المغرب عناية خاصة لهذه الفئة من مواطنيه، وذلك باستحضار مصالحهم في الوثيقة الدستورية، وإنشاء عدة مؤسسات تسهر على خدمتهم، وتلبي حاجاتهم الإدارية والتعليمية والدينية والاستثمارية، وإبداء الرأي في مختلف المواضيع التي تهمهم، بالإضافة إلى الدفاع عن حقوقهم. ومن خلالها أيضا، يتم تصريف السياسة العمومية، أو الإجراءات والتدابير كما يسميها البعض، حيث لا تتجاوز إطارها المناسباتي، كعملية مرحبا، وبعث الأئمة والمرشدين خلال شهر رمضان، ومحدودية التظاهرات الثقافية زمنا ومكانا. ولا ترقى إلى مستوى التنصيص الدستوري، وانتظارات مغاربة العالم في المشاركة السياسية أسوة بمغاربة الداخل، للترافع عن مشاكلهم وبسطها أمام أنظار الهيئة التنفيذية لاتخاذ المواقف التي تحفظ مصالحهم، “فأهل مكة أدرى بشعابها”. وخصوصا على المستوى البرلماني الذي يسجل ضعفا في الأسئلة الشفهية والكتابية المتعلقة بشؤونهم، التي لم تمثل سوى 0,58% من مجموع الأسئلة طيلة الولاية 2011/2018.

ولعل مسألة بناء الهوية وتعزيزها، من أعز مطالب المهاجرين، خوفا على الأبناء من الذوبان في نسيج ثقافة غالبة، بتنوع منتوجاتها، وتقنية صناعتها الإبداعية، ما يجعل التحصين ضد إغرائها أكبر من حجم الفرد، وتنوء بحمله الأسر بوسائلها المحدودة. مما يجعل التفكير في إحياء واستدامة تلك المبادرات المسرحية والفنية التي أقيمت في مختلف نقط المهجر، في عهد الحكومة السابقة، أمرا لا مناص منه. بالإضافة إلى التوسيع المجالي لما سمي: “مقامات ثقافية”، التي تمنح الفرصة لأطفال المهجر بتذوق الثقافة المغربية بأبعادها العالمة والشعبية. هذا العمل الرسمي، لا تينع أزهاره وتنضج ثماره بالشكل الذي يسر الناظرين، إذا لم تتضافر جهود المجتمع المدني الموجهة لأبناء المهجر، على شاكلة تلك الجمعيات التي تخصصت في التنمية البشرية والاقتصاد الاجتماعي. فهي الموكول لها إعداد برامج ترفيهية وتربوية تناسبهم، وتروي فسائل اللغة والثقافة الإسلامية والخصوصية المغربية. مثل ما نجده في بعض المدن المغربية، لكنه يقتصر على كرة القدم، أو تنحصر في أمسية حسب إمكانية الجمعية المنظمة. لكن العمل الثقافي الموجه للجالية، يحتاج إلى تجويد ومأسسة، حتر يرقى إلى حجم انتظارتهم وآمالهم. بتسخير إمكانيات وموارد بشرية مؤهلة، وجعله ورشا سنويا يستحق الدعم وانتقاء وتكوين الكفاءات التي تؤطره، وإشراك كل المؤسسات التي تُعنى بالتنشئة الاجتماعية والمهن البيداغوجية. حتى لا ينقطع الحبل السري بين المهاجر وبلده، فما أكثر المقصات التي تعمل جاهدة على بتر أوصاله.

 



الاربعاء 2 غشت 2023

تعليق جديد
Twitter