MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



موضوع و آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني

     

ذ. الحبيب استاتي
باحث في السياسات العمومية
أستاذ الفلسفة بثانوية الحسن الثاني التأهيلية



موضوع و آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني
 
 
       لقد سبق أن رأينا أن القانون الإنساني فرع من فروع القانون الدولي العام، و هو مجموعة من القواعد الرامية إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية [1]، أي أن هذه القواعد التي تستمد من العرف أو بمقتضى التراضي و الاتفاق الدولي تهدف إلى حماية الأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة و ما سببته من آلام  لهم، و حماية المدنيين الذين ليس لهم علاقة مباشرة بتلك النزاعات [2]، بمعنى أنه يحمي الأشــــخاص الذين لا يشاركون في القتال ، أو كفـــــــوا عـــــن المشاركة  فيه ، كما يقيد حـــــق اختيار الوسائل و الأساليب المستعملة في الحرب.
   فهو يدين حسب الأستاذ جان بكتيه بوجوده للإحساس بالإنسانية ،إذ يركز على حماية الفرد  ويستهدف التخفيف من معاناة الضحايا بسب الصراعات المسلحة ممن هم تحت رحمة أعدائهم، سواء كانوا جرحى أم مرضى أم غرقى أم أسرى أم مدنيين[3].
      في هذه المساهمة، سنستعرض موضوع القانون الدولي الإنساني (المبحث الأول) وآليات تطبيقه (المبحث الثاني).
 
 
المـبحث الأول: موضوع القانون الدولي الإنساني

 
       يهدف القانون الدولي الإنساني إلى إيجاد حل وسط بين اعتبارين متناقضين بخصوص العلاقات العسكرية. أولهما ، و بما أن النتيجة التي يهدف إليها كل محارب هي تحقيق النصر على الآخر وجب إعطاؤه كل الإمكانيات الكفيلة بتحقيقه لمبتغاه. وثانيهما، الحرص على احترام الحياة الإنسانية، بما تقتضيه الاعتبارات الإنسانية، و ذلك بتجنيبها لكل أنواع المعاناة غير المطلوبة. لذلك، فالنزاع المسلح يحتم ضرورة التوفيق بين الضـرورات الحربية و المقتضيات الإنسانية.
     فكـيف إذن حـاولت اتفاقيات القانون الدولي الإنـساني تقييد العمـليات الحـربية  و تكييفها مع المبادئ الإنسانية ؟ و ما هي الفئات التي حظيت بالحماية في القانون الدولي الإنساني ؟
 
المطلب الأول: النطاق الشخصي لتطبيق القانون الدولي الإنساني
 
     بالرجوع إلى اتفاقيات جنيف لسنة 1949، نجد أن القانون الدولي الإنساني حدد أربع فئات و كفل لها حقوقا، ينبغي على أطراف النزاع مراعاتها أثناء العمليات العسكرية. و تتمثل هذه الفئات في:
 
  • الجرحى و المرضى في القوات المسلحة في الميدان؛
  • الغرقى و الجرحى من القوات المسلحة في البحار؛
  • أسرى الحرب؛
  • المدنيين.
     تنتمي الفئات الثلاث الأولى إلى المقاتلين قبـل أن تتوقـف عـن القتال اضـطرارا أو اختيارا، بينما الفئة الرابعة، فهي بحكم طبيعتها، لا تشارك في القتال. و بهذا يمكن تقسيم الفئات المستهدفة بالحماية القانونية من قبل القانون الدولي الإنساني إلى ضحايا النزاعات المسلحة في ميادين القتال و المدنيين، علاوة على الأشخاص الذين يتولون أعباء المهام الإنسانية الموكلة إليهم.
 
الفقرة الأولى: ضحايا النزعات المسلحة في ميادين القتال
 

     لقد منح القانون الدولي الإنساني لهذه الفئة حقوقا لتخفيف معاناتها، و لحماية إنسانيتها ، إذ طالب جل دول الأطراف بمراعاة هذه الحقوق، و يدخل ضمن هذه الفئة:
 
 
  • حماية الجرحى و المرضى و الغرقى :
 
     تنص اتفاقية لاهاي العاشرة لسنة 1909 في المادتين (11 – 14 ) ، و كذلك اتفاقية جنيف لعام 1949 على المعاملة الواجبة للجرحى و المرضى و الغرقى في البحار، إذ تفرض على الدول المحاربة أن تقدم لهم العناية اللازمة، شأنهم شأن الجرحى و المرضى في الحرب البرية، وأن تعمـل ما في وسعها لإنقاذ الغرقى وإسعافهم أيا كـانت جنسيتهم أو صفتهم[4]. وللدولة المحاربة بعد ذلك أن تحجز منهم المقاتلين التابعيين للعدو كأسرى حرب، كما لها أن ترسلهم إلى دولتهم على أن لا يعودوا إلى الخدمة العسكرية طوال مدة الحرب القائمة .
    لكن، منهم الجرحى و المرضى ؟ وكيف يمكن تحديدهم ؟ و ما هو وضعهم القانوني ؟
     يعـرف البـرتوكول الأول لسنـة 1977 في المادة الثامنة الفقرة -أ- الجـرحـى و المـرضى بأنهم: "الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجـون إلى المساعـدة أو رعـاية طبية بسـبب الصـدمة أو المرض أو أي اضطراب أو عجز بدنيا كان أم عقليا. الذين يحجمـون عن أي عمل عدائي و يشـمل هذا التعبير أيضا حالات الرضـع و الأطفال حديثي الولادة. و الأشخاص الآخرين الذين قد يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية عاجلة، مثل ذوي العاهات و أولاة الأحمال الذين يحجمون عن أي عمل عدائي.
    أما المنكوبون في البحار، فتعرفهم الفقرة "ب" من نفس المادة بأنهم:"الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يتعرضون إلى الخطر في البحار أو أية مياه أخرى نتيجة لما يصيبهم أو يصيب السفينة أو الطائرة التي تقلهم من النكبات، والذين يحجمون عن أي عمل عدائي، ويستمر اعتبار هؤلاء الأشخاص منكوبين في البحار أثناء إنقاذهم إلى أن يحصلوا على وضع آخر بمقتضى الاتفاقيات أو هذا الملحق "البرتوكول " لكن بشرط أن يستمرا في الإحجام عن أي عمل عدائي"[5].
    و نستشف من هذين التعريفين أن البروتوكول يعطي الحماية للجـرحى و المـرضى و المنكوبين في البحار ، سواء أكانوا عسكريين أو مدنيين في المعاملة الطبية ، رغم أن الوضع القانوني لكل فئة يختلف عن الأخرى[6].
     فالمادة "11" من البروتوكول الأول توجب احترام هذه الفئة و حمايتها في جميع الأحوال، بحيث تحرم قتلهم أو تعذيبهم أو أخدهم كرهائن أو تعريض أي واحد منهم لأي إجراء طبي لا تقتضيه حالتهم الصحية، أو لا يتفق مع المعايير الطبية المرعية. كما يتعين على أطراف النزاع تدبير الهدنة، أو وقف إطلاق النيران أو وضع ترتيبات محلية لإمكانية جمع و تبادل ونقل الجرحى المتروكين في ميدان القتال .
    كما يجب على أطراف النزاع أن تسجل ما أمكن جميع البيانات التي تساعد على التحقق من هوية الجرحى و المرضى و الموتى الذين يقعون في قبضتها و ينتمون إلى الطرف الخصم[7].
   و تقدم هذه الامتيازات التي منحها القانون الدولي الإنساني لكل المتضررين، ودون أي تمييز مجحف يتأسس على العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المـولد أو أي و ضع آخر أو أي معايير مماثلة[8]. كما يجب على السكان المدنيين رعاية الجرحى و المـرضى و المنكوبين في البحار حتى ولو كانوا ينتمون إلى الخصم.
 
  • أسرى الحرب :       
 
    يعتبر أفراد القوات المسلحة التابعة لأي طرف من أطراف النزاع باستثناء أفراد الخدمات الطبية و الدينية مقاتلين، ويعتبر كل مقاتل يقع في أيدي الطرف الخصم أسير الحرب[9].فما هو إذن الوضع القانوني لأسرى الحرب ؟ و ما هي الحماية الممنوحة إليهم ؟
    فقد تطور نظام أسرى الحرب تطورا ملحوظا عبر التاريخ، فهو ظاهرة ملازمة لجميع الحروب القديمة والحديثة. و في القانون الدولي الحديث يرتبط الوضع القانوني لأسرى الحرب بوضع المقاتل نفسه، لأن هذا الأخير يجب أن تتوفر فيه شروط معينة حتى يحق له أن يشارك في العمليات الحربية و بالتالي يعامل كأسير حرب عند وقوعه في قبضة العدو.
     فمنذ بداية تدوين القانون الدولي الإنساني حاول هذا الأخير التوفيق بين نظريتين كانتا محور تجاذب المجتمع الدولي. الأولى كانت تمثلها الدول الكبرى و تحصر المقاتلين في أفراد القوات المسلحة النظامية، و بالتالي هم من يطلق عليهم صفة الأسرى فقط. وثانية تمثلها الدول الصغرى التي كانت تأمل في توسيع النطاق القانوني حتى يشمل جميع أفراد المقاومة أيضا، وكان هذا التعارض سبب فشل المحاولات الأولى لتدوين القانون الدولي الإنساني في إدراج قضية الأسرى[10]. قبل أن يأتي قانون جنيف و بالأخص الاتفاقية الثالثة التي وسعت نطاق الحماية ليشمل:
  • أفراد القوات النظامية بما فيها أعضاء الميليشيات و الفرق المتطوعين المنتمين لهذه القوات المسلحة.
  • و كذلك الميليشيات و الوحدات المتطوعة بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة المنتمية لطرف في النزاع، و العاملين في داخل أو خارج أراضيهم حتى لو كانت هذه الأراضي محتلة بشرط أن تكون هذه الفرق مستوفية للشروط التالية:
    • أن تكون تحت قيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
    • أن يكون لها علامة مميزة يمكن تميزها عن بعد.
    • أن تحمل أسلحتها بشكل ظاهر.
    • أن تقوم بعملياتها وفقا للقوانين و تقاليد الحرب.
   و تطبق نفس الأحكام على سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح باختيارهم تلقائيا عند اقتراب العدو في شكل هبة جماهيرية أو نفير عام، إذ لهم صفة المقاتل أيضا مع توفر شرطين:
  • أن يحملوا السلاح بشكل ظاهر.
  • أن يحترموا قواعد الحرب و أعرافها.
    أمـا غـير المقاتلين الذيـن ينتمون إلى القوات المسلحـة، مثـل مراسلـي الحـرب و القائمين  بالتموين، الذين يقعون في قبضة العدو فإنهم يعتبرون أسرى حرب بشرط أن تكون لهم بطاقة شخصية مسلمة من السلطة العسكرية التي يتبعونها[11].
   و قد عملت اتفاقية جنيف الثالثة على توسيع تنفيذ هذه الاتفاقية لتشمل جميع الحروب المسلحة التي قد تنشب بين دولتين أو أكثر من الدول الموقعة على الاتفاقية ولو لم تعترف إحدى تلك الدول بوجود حالة حرب. كما تطبـق على جمـيع حالات الاحتلال الجـزئي أو الكلي لأراضي دولة طرف في الاتفاقية، حتى و لو لم يواجه هذا الاحتلال بمقاومة مسلحة[12]. علاوة على هذا سعت هذه الاتفاقية أيضا إلى توسيع مفهوم المقاتل ليشمل عدة فئات أخرى، فبالإضافة إلى ما نصت عليه لائحة لاهاي السابقة،أضافت هذه الاتفاقية في مادتها الرابعة :
      * الأشخاص الذين أعادت سلطة الاحتلال اعتقالهم " بعد أن كانت أفرجت عنهم" بينما لا تزال العمليات الحربية متواصلة خارج الأرض المحتلة.
      * الأشخاص المذكورين في المادة الرابعة آنفا و الذين يلتحقون بأرض طرف محايد أو غير محارب، ويتم إيواؤهم من طرفه وفق القانون الدولي .
   وأمام المعاملة القاسية التي تعرضت لها عناصر المقاومة المسلحة في الحرب العالمية الثانية، فقد خصصت لهم اتفاقية جنيف الثانية وضعا قانونيا محددا، شأنهم شأن العناصر التابعة لحكومة أو سلطة، حتى وإن كانت الدولة الحاجزة لا تعترف بها[13]. و يستثنى من الاستفادة من صفة أسير حرب كل من المرتزقة و الجواسيس.
   بعدما حددنا الفئة المشمولة بالحماية و المستفيدة من صفة أسير حرب فإن التساؤل الذي يطرح هو : ما هو نوع هذه الحماية؟ وما هي أهم القواعد القانونية في هذا المجال؟
     فبما أن مبتغى القانون الدولي الإنساني هو صيانة الحياة البشرية، و الحد من معانات الفئة العاجزة أو غير المشاركة في القتال، فإنه يضع الهدف من حجز الأسرى هو منعهم من المشاركة في القتال و الاستمرار فيه توصلا إلى إضعاف قوة العدو وليس توقيع الجزاء عليهم و الثأر منهم . فالواجب أن تتفق معاملة الأسرى مع هذا الغرض، أي معاملتهم وفق المبادئ الإنسانية المتعارف عليها، باحترام ما جاء في المواثيق الدولية و التي من أهمها اتفاقية جنيف الثالثة، التي خصصت للأسرى مجموعة من الحقوق منها:
- عدم قتل الأسرى مند لحظة وقوعهم في قبضة العدو.
- حق احتفاظ أسرى الحرب بجميع الأشياء و الأدوات الخاصة باستعمالهم الشخصي
و لا يجوز أن يكون الأسرى بدون وثائق تثبت هويتهم، وعلى الدولة الحاجزة أن تزود بها الأسرى الدين لا يحملونها.
- و لا يجوز تجريد أسرى الحرب من شارات رتبهم و جنسيتهم.
- لا يجوز أن تؤخذ منهم النقود و الأدوات ذات القيمة التي معهم إلا مقابل إيصال، باستثناء الأسلحة.
    و على الدولة الآسرة أن تقوم بترحيل الأسرى بأسرع ما يمكن و نقلهم إلى معسكرات بعيدة بعـدا كافيا عن منطقة القتال، حـتى يكونوا في مأمن عن الخطـر. و يستثنى من ذلك الأسرى الذين قد يتعرضون بسبب جرحهم أو مرضهم لخطر لو تم نقلهم[14]، و على الدولة الحاجزة  أن تعاملهم على قدر المساواة، إلا إذا كان التمييز على حسب الرتب العسكرية للأسرى.
      وقد خصصت الاتفاقية حقوقا أخرى للأسرى أثناء فترة الأسر ، وهي:
- الحق في المعاملة الإنسانية: فمن واجب الدولة المحتجزة معاملة الأسرى معاملة إنسانية في جميع الأوقات، فلا يجب أن تقترف أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت الأسير في عهدتها. فهذا يعتبر انتهاكا جسيما لنصوص هذه الاتفاقية طبقا للمادة "13"، كما لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو إقامة أي تجارب طبية أو علمية من أي نوع كان عليه ، مما لا تبرره المعاملة الطبية للأسير المعني أو لا يكون ذلك في مصلحته[15].        
- الحق في احترام الشخصية و الشرف: يوجب مبدأ المعاملة الإنسانية على الدولة الحاجزة عدم تجريد الأسير من أهليته القانونية حتى لا يحول ذلك دون ممارسة الحقوق التي تتلاءم و حالة الأسير سواء داخل تراب الدولة الحاجزة أو خارجه[16]. كما يجب احترام أشخاصهم و شرفهم في جميع الأحوال، فمعاملة النساء الأسيرات مثلا  يجب أن تحترم كل الاعتبارات الواجبة لجنسهم [17]
- الحق في الرعاية الطبية و الصحية: فالدولة الحاجزة تتكفل بالقيام بشؤون الأسير بدون مقابل بما في ذلك العناية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية، المادة 15. كما تلتزم الدولة الحاجزة باتخاذ كافة الإجراءات الصحية اللازمة لتأمين نظافة المعسكرات و الحفاظ على ملاءمتها الصحية .
- الحق في ممارسة الشعائر الدينية : و ذلك تطبيقا للمادة 24 من اتفاقية جنيف الثالثة التي تنص أن على الدولة الحاجزة أن تترك الحرية الكاملة للأسرى لممارسة شعائرهم الدينية وعليها أن تعد الأماكن المناسبة لإقامتها.
- الحق في ممارسة الأنشطة الذهنية و التعليمية: وفقا للمادة 83 تلتزم الدولة الحاجزة باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لضمان ممارستها .
- الحـق في المأوى و الغذاء والملبس : بحيث عـلى الدولة الآسـرة أن توفر للأسرى
ظروفا ملائمة ومماثلة لما يوفر لقواتها في المنطقة ذاتها مع مراعاة عادات و تقاليد الأسرى (المادة 25). أما الغذاء فيجب أن تكون وجبات الطعام الأساسية كافية من حيث كميتها و نوعيتها و تنـوعها، لكي تكـفل المحافظة على صحـة الأسير في حالة جيـدة. و بخصوص الملبس فيجب تزويدهم بكميات كافية وملائمة لمناخ المنطقة التي يحتجزون فيها (المادة27) [18].
     كما للأسرى الحق في الاتصال بالخارج خاصة بأهلهم و ذويهم، أو بعض الجهات الأخرى كالمنظمات الإنسانية، و يتم ذلك عبر الطرود و الرسائل البريدية.
    وينتهي الأسر بالوفاة أو الهرب الناجح، أو يتم الإفراج تحت شرط يلتزم به الأسرى الذين يطلق سراحهم، و يكون عبارة عن وعد أو تعهد يتوافق مع القـوانين و اللوائح المبلغة على هذا النحو. و قد يتم إعادتهم إلى أوطانهم مباشرة بعد الانتهاء من العمليات العسكرية[19]. كما يمكن إنهاء الأسر عن طريق تبادل الأسرى بين الطرفين.
 
 
 
الفقرة الثانية: حماية المدنيين

  
    سنحاول في هذه الفقرة رصد مختلف أوجه الحماية التي نص عليها القانون الدولي الإنساني لفائدة الفئات غير المشاركة في القتال كالسكان المدنيين و الصحفيين و القائمين بالخدمات الإنسانية وأفراد الحماية المدنية.
  • السكان المدنيين :
     لقد أصبح من العسير في الحروب الحديثة احترام مبدأ جان جاك روسو القائل بأن الحرب علاقة دولة بدولة و ليست علاقة شعب بشعب، بحيث برزت اليوم حقيقة تفيد أن الحرب ظاهرة اجتماعية بشرية تصيب الشعب بأهوالها. فلم يعد من الممكن، التصور بأن آثارها ستكون قاصرة على الدول، أو المقاتلين دون سواهم من غير المقاتلين.
     فالشعوب أصبحت أطرافا في الحروب الحديثة، فلم يعد ذلك التميز بين المقاتل وغير المقاتل بسبب ازدياد عـدد المقاتلين و كذلك تـطور أساليب الحرب وفنونها، و اللجوء إلى استخدام الحرب الاقتصادية [20].
   وقد تكشف هذا الوضع بشكل واضح في الحرب العالمية الثانية مما دفع المجتمع الدولي إلى العمل على سد هذا الفراغ، فتم التوصل إلى تخصيص الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين، وتممت بالباب الرابع من البرتوكول الأول لسنة 1977 .
    و قد عرفت المادة 4 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الأشخاص المحميين "المدنيين" بقولها: "الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما و بأي شكل في حالة قيام نزاع أو احتلال تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياه"[21]. إلا أنه و رغم هذه المحاولة لإعطاء تعريف للمدنيين فإن الغموض ظل يلف التحديد القانوني لهذا المفهوم ، مما جعل هذه الفئة تتعرض للانتهاك في حقوقها حيث تعرضت لأبشع صور المعاناة و الجرائم والإبادة الجماعية. و قد كان ذلك دافعا للجان الحقوقية الدولية، و الهيئات العالمية إلى الدعوة لإجراء تعديل يعطي تعريفا كاملا للمدنيين[22]. وهذا ما تضمنته المادة 50 من البرتوكول الإضافي الأول لعام1977، و التي نصت على أن المدني هو: "أي شخص لا ينتمي إلى فئة من فئات الأشخاص المشار إليها في البنود الأول و الثاني و الثالث و السادس من الفقرة –أ- من المادة الرابعة من الاتفاقية الثالثة و المادة 43 من هذا البرتوكول ".
   و جملة القول أن المدني هو أي شخص لا ينتمي إلى فئة المقاتلين الذين يرد تحديدهم بأقصى قدر ممكن من الدقة في تلك المواد المذكورة. و إذا ثار شك حول إذا كان شخص ما مدنيا أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعتبر مدنيا حسب المادة 50 من نفس البروتوكول.
و يندرج في السكان المدنيين كافة الأشخاص المدنيين غير المشاركين في العمليات العسكرية، كما لا يجرد السكان المدنيين من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف السكان المدنيين[23].
   أما الأشخاص الذين لا تشملهم الاتفاقية الرابعة فهم:
-  رعايا الدول غير الطرف فيها.
-  رعايا دولة محايدة أو متحاربة ما دام لها تمثيل دبلوماسي لدى الدولة المتحاربة التي يوجدون تحت سلطتها.
- الأشخاص الذين تطبق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة[24].
 كما تنص المادة 5 على استثناءين لا تطبق عليهما الاتفاقية و هما :
- إذا اقتنع أحد أطراف النزاع بوجود شبهات قاطعة بشأن قيام شخص بنشاط يضر بأمن الدولة، أو إذا تبين أنه يقوم بهذا النشاط، فإن مثل هذا الشخص يحرم من الانتفاع بالحقوق التي تمنحها الاتفاقية.
-  إذا اعتقل شخص في أرض محتلة بتهمة الجاسوسية أو التخريب أو وجود شبهات جدية بشأن قيامه بنشاط يضر بأمن دولة الاحتلال، فإنه يمكن حرمانه من حقوق الاتصال المنصوص عليها في الاتفاقية[25].
     و بهذا نكون قد عددنا الفئات المتمتعة بالصفة المدنية والمشمولة بالحماية  القانونية. فأين تتجلى هذه الحماية ؟
      لقد كرست قواعد القانون الدولي الإنساني مبدأ عاما مفاده أن التنظيم الدولي يحرم توجيه العمليات العسكرية ضد السكان المدنيين طالما أن المقاتلين هم الذين يقاومون و هم الهدف الواضح للعمليات العسكرية. و بالتالي فإن غير المقاتلين و منهم المدنيون يجب ألا يكونوا هدفا للهجوم كما يجب ألا يشاركوا في القتال.[26] و يمكن تلخيص حقوق السـكان المدنيين أثناء النزاع المسلح بالتزام أطراف النزاع بالقيـود و الضوابط التالية:
- تحظر جميع أعمال الإكراه و التعذيب و العقاب الجماعي و الانتقام و احتجاز الرهـائن و ترحيل السكان[27].
- إنشاء مناطق صحيـة ومواقع أمنة لحماية الجرحى و المرضى و العجزة و المسنيـن و الأطفال دون 15 سنة و الحوامل.
- لا يجوز الهجوم على و سائل النقل البري أو البحري أو الجوي التي تستخدم لنقل الجرحى و المرضى المدنيين، بل الالتزام بتسهيل نقلهم .
- لا يجوز تجويع المدنيين كسلاح في الحرب.
- يجب إطلاق سراح المدنيين بأقصى سرعة بعد انتهاء الأعمال العدائية[28].
- تسهيل الاتصال بين السكان المدنيين و الخارج و تيسير جمع شتات العائلات التي فرقتها الحرب .
وقد أضاف البرتوكول الأول لسنة 1977 عدة حقوق أخرى :
- عدم جواز أن يكون السكان المدنيون محلا للهجوم و تحظر أعمال العنف و التهديد به، الرامية أساسا إلى بث الرعب بين السكان المدنيين.
- حظر الهجمات العشوائية التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلى هدف عسكري محدد، أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها على النحو الذي يتطلبه هذا الملحق"البرتوكول". 
- تحظر هجمات الردع ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين.
- التزام الأطراف المتحاربة باتخاذ كافة الاحتياطات ضد آثار الهجوم من خلال السعي إلى نقل ما تحت سيطرتها من السكان المدنيين و الأفراد المدنيين و الأعيان المدينة بعيدا عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية. و كذلك تجنب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها[29].
    و تضيف قواعد القانون الدولي الإنساني و بالأخص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة قواعد أخرى تخص وضع المدنيين داخل المناطق المحتلة، إذ تنص على أنه "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة أيا كانت دواعيه إلا إذا تطلب ذلك أمن السكان أو أسباب عـسكرية قهـرية، و يجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى موطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في المنطقة التي نقل منها هؤلاء الأشخاص. و كذلك لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".
        كما يحظر على سلطات الاحتلال أي تدمير للعقارات و الممتلكات الشخصية المملوكة للأشخاص العاديين، ملكية فردية أو جماعية أو المملوكة للدولة أو ولاية سلطة عامة و غيرها .و تلتزم دول الاحتلال أيضا باحترام شرف الأسرة و حـقوقها و حياة الأشخاص و الملكية الخاصة، بالإضافة إلى المعتقدات و الممارسات الدينية[30].
    فهذه القواعد تشكل أهم الحقوق التي تم تخصيصها لحماية فئة السكان المدنيين من ويلات الحروب و آثارها و التي تتخذ صفة العمومية في مختلف الحالات. فيما خصص القانون الدولي الإنساني بعض القواعد المحددة لبعض الفئات إذ كفل لهم حماية خاصة نظرا لحالتهم أو بسبب نوعية العمل الذي يقومون به. فطبقا لمعيار حالة الشخص من حيث السن أو الجنس أو العـجز أو الحالة الصحيـة،شملت الحمـاية الخاصة النساء و الأطفال و الجرحى و المرضى والعجزة و المسنين، بالإضافة إلى فئات أخرى تؤدي مهام إنسانية لمعاونة و مساعدة الفئات السابقة، مما يستوجب منحهم الحق في حماية خاصة ومن هؤلاء العاملون المدنيون في المجال الطبي، ورجال الدفاع المدني حتى يتمكنوا من القيام بعملهم على الوجه الأكمل. علاوة على الفئات التي تفرض ظروف عملهم منحهم حماية خاصة مثل رجال الصحافة.
  • الحماية الخاصة بالنساء:
  تعتبر المرأة من أكثر الفئات تحملا لأعباء الحرب و ذلك للمخاطر التي تعترض شخصيتها، من امتهان و اغتصاب و ما قد يحدث لها من نبذ من طرف أهلها. لذا خصص لها القانون الدولي و ضعا خاصا ،فحدد لها مجموعة من الحقوق :
-- حمايتها ضد كل صور الإعانة الشخصية، بما في ذلك الاغتصاب أو أي صورة تخدش بالحياء[31].
- كما تحتجز النساء وفقا للمادة 75 من البرتوكول الأول في أماكن منفصلة عن أماكن الرجال، و يوكل الإشراف المباشر عليهن إلى النساء.
- و لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام على أولاة الأحمال و أمهات الأطفال[32].       
  • الحماية الخاصة للأطفال :
   فقد فرضت الاحتياجات الخاصة للأطفال، و التي تختلف عن باقي الفئات و جود قواعد قانونية خاصة بحماية هذه الفئة، بحيث بدأت هذه الرعاية من الحرب العالمية الأولى إذ تبنت عصبة الأمم إعلان جنيف و الذي كفل للأطفال حق الرعاية بصرف النظر عن أجناسهم أو جنسياتهم. وقد تكـرست هـذه الحقـوق بشكل موسـع في اتـفاقية جنيـف و البروتوكولين الإضافيين . فالمادة 77 من البرتوكول الأول لعام 1977 تقرر مبدأ الحماية الخاصة للأطفال أي: "أن يكون للأطفال موضع احترام خاص. وأن تكفل لهم الحماية ضد أي صورة من صور خدش  الحياء، ويجب أن تعبأ لهم أطراف النزاع العناية و العون اللذان يحتاجون إليهما، سواء بسبب سنهم أو لأي سبب أخر"[33]
وقد منح البرتوكول الأول في مادته 8 الفقرة – أ- الأطفال المولودين حديثا نفس الحماية التي تعطى للمرضى و الجرحى. و يعتبر الطفل الذي لم يبلغ الخامسة عشر من عمره من السكان المدنيين الذين يمكن إدخالهم في المستشفيات و المناطق الآمنة بحيث لا يجوز تجنيدهم أو اعتبارهم مقاتلين. كما لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام على الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن 18 وفقا للمادة 68 من الاتفاقية الرابعة لعام 1949[34].
  • الحماية الخاصة لأفراد الخدمات الإنسانية :
    يعتبر موظفو  الخدمات الإنسانية من أكثر الأفراد تعرضا للخطر وذلك راجع إلى طبيعة المهام الموكولة لهم و التي تقتضي الدخول إلى أرض المعركة لإنقاذ أرواح الجرحى و المرضى و المدنيين المحاصرين. لذلك فهم يتعرضون لمخاطر كبيرة، مما فرض إقرار حماية كافية لهم ضد مخاطر العمليات العسكرية. و يمكن تقسيم هذه الفئات حسب الخدمات التي يؤدونها إلى ثلاث فئات :
   * موظفـو الخدمات الطبية: و هم المتفـرغون للبحث عـن الجـرحى و المـرضى و الغرقى و نقلهم أو معالجتهم. المتفرغون تماما لإدارة الوحدات و المنشآت الطبية. العسكريون المدربون بالخصوص للعمل عند الحاجة كممرضين أو حاملين مساعدين للناقلات و القيام بالبحث عن الجرحى و المرضى والغرقى أو نقلهم أو معالجتهم[35].
     و قد وضع القانون الدولي الإنساني حقوقا وضمانات لهذه الفئة تتمثل في :
- حق الاحترام و الحماية، أي عدم مهاجمتهم و الدفاع عنهم و تقديم المساعدة إليهم .
- عدم جواز التنازل عن الحقوق الممنوحة لهم بأي حال من الأحوال جزئيا أو كليا للحفاظ على مبدأ الحماية الممنوحة لهم.
- حظر الأعمال الانتقامية ضد أفرادهم .
- حـق القائمين بالخدمات الطبيـة التوجه إلى أي مكـان لتقـديم المـساعدة للجـرحى و المرضى بصفة فعالة.
- لا يجوز إرغامهم على القيام بأعمال تتنافى مع شرف المهنة .
-لا يجوز إرغامهم على الإدلاء بمعلومات عن الجرحى و المرضى الذين يعتنون بهم إذا بدا أن من شأنها إلحاق الضرر بهم .
- حصانة أصحاب الخدمات الطبية ضد الأسر. فأفراد الخدمات الطبية المتفرغين تماما للخدمات أو الإدارة الصحية لا يعتبرون أسرى حرب إذا وقعوا في قبضة العدو و يمكن استبقاؤهم لديه للقيام بمساعدة أسرى الحرب صحيا[36].
- حق العودة إلى الطرف الذي ينتمون إليه، أو كانوا في خدمته.
    وقد وضع القانون الدولي الإنساني قواعد أخرى تحمي أفراد الخدمات الطبية في الأراضي المحتلة، ومنها:
- حماية المهام الطبية: أي عدم عرقلة الخدمات الطبية التي يستفيد منها السكان من مدنيين و جرحى و مرضى.
- رعاية الشؤون الصحية: العمل على صيانة المنشآت و عدم الإضرار بها.
- تسهيل عمليات الغوث : فإذا كان سكان الأراضي المحتلة  أو قسم منهم تنقصهم المؤن، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعملية الإغاثة لمصلحة السكان، وأن توفر لهم التسهيلات بقدر ما تسمح به و سائلها[37]
   * بالإضافة إلى موظفي الخدمات الطبية فقد تم تخصيص عمال الإغاثة "جمعيات الهلال الحمر و الصليب الأحمر على سبيل المثال" هم أيضا بامتيازات الحماية. شرط أن يكون لهم اعتراف من الحكومة الوطنية و يكون لهم إذن حكومي بالعمل أثناء الحرب.
  * و كذلك جمعيات الإغاثة التابعة لبلد محايد و يقومون بخدمات إنسانية إلى جانب أحد أطراف النزاع، فهم يتمتعون بالحصانات التي يتمتع بها زملاءهم  التابعين لذلك الطرف، أي الحماية الكاملة من طرف القانون الدولي الإنساني شأنهم شأن موظفي الخدمات الطبية، إذ لا يعتبرون أسرى إذا وقعوا في يد العدو، و يمكن استبقائهم لديه لمساعدة أسرى الحرب صحيا و روحيا ، و يلزم معاملتهم على الأقل وفق الاتفاقية الثالثة لسنة 1949[38].
  • الحماية الخاصة للصحفيين:
    تم ذكر مراسيلي الصحف في اللوائح الخاصة بقوانين و أعراف الحرب الملحقة باتفاقية لاهاي لعام 1899 و 1907 حيث نصت المادة 13 على أنه: " يعامل الأشخاص الذين يرافقون الجيش دون أن يكونوا في الواقع جزءا منه كالمراسلين الصحفيين و متعهدي التموين، الذين يقعون في قبضة العدو كأسيري حرب شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذي يرافقونه. إلا أن تطور المجال الصحفي و ظهور الصحافة المستقلة جعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة تهتم بوضع هذه الفئة ،و تجلى ذلك في قرارها الموجه إلى الأمين العام في الثاني من نونبر1973 و القاضي بإدراج هذه الفئة في المؤتمر الدبلوماسي المرتقب بجنيف. فجاءت المادة 79 من البروتوكول الأول ،و التي تفيد بأن "الصحفي شخص مـدني"، و عليه حمل بطاقة هوية مسـلمة من الدولة التي هو من رعاياها أو التي يقـيم بها أو التي يقع فيها جهاز الأنباء الذي يستخدمه،وأن تشهد الوثيقة على صفته كصحافي[39]. و تتجلى الحماية القانونية للصحافيين في:
- الحصانة من الأعمال الحربية باعتباره مدنيا، والمدنيون ليسوا أهدافا عسكرية.
- على الأطراف المتحاربة أن يفعلوا كل ما في وسعهم لحماية الصحفيين،وذلك بتحذيرهم حتى يبتعدوا عن مناطق الخطر، ومعاملتهم في حالة اعتقالهم معاملة مطابقة لما تقتضيه اتفاقية جنيف الرابعة (75-135)، و تقديم معلومات عنهم في حالة الوفاة أو الاختفاء أو السجن.
- يتمتع الصحفيون الذين يقومون بمهام خطرة باحترام ممتلكاتهم بكاملها شرط ألا تكون ذات طبيعة عسكرية. و أي هجوم متعمد يتسبب في قتل أو جرح صحفي ما، يعد جريمة حرب حسب المادة 85 من البروتوكول الأول لسنة 1977.
   و يفقد الصحفيون حقهـم في الحماية كمدنيين إذا قاموا بدور نشيط في الأعمال العدائية و شاركوا في الأعمال الحربية[40]. إذ يجب عليهم الاحتفاظ بصفتهم المهنية التي تخول لهم الحماية شأنهم شأن باقي الفئات الأخرى التي كفل لها القانون الدولي الإنساني حقوقا وضمانات من شأنها التخفيف من ويلات الحروب التي تعاني منها البشرية منذ القدم.
    هذه المعاناة التي لا تتـوقف في حدود الإضـرار بالإنسان فقط وممتلكاته الشخصيـة و ممتلكات الدولة و مرافقه الحيوية، بل تمتد إلى التراث الثقافي و الحضاري للشعـوب، و الذي ترتبط و تتميز به،مما جعل نظرة المجتمع الدولي تتغير إلى ضرورة حماية الأعيان التي تشكل الأساس الروحي للأمم؛ 
   فما هي أهم التدابير التي نص عليها القانون الدولي الإنساني لحماية هذه الأعيان على اختلاف أنواعها ؟ و ما هي التقييدات التي و ضعها أمام و سائل الحرب للحد من آثارها تجاه المدنيين من جهة، و للحفاظ على الموروث الحضاري و الثقافي للبشرية من جهة ثانية ؟
 
المطلب الثاني: حماية الأعيان و تقييد وسائل الحرب
 
      لقـد عمـدت الحملات الاستعمارية و الحـروب العدوانية إلى صـب كل عنفـها و جبروتها على الممتلكات الثقافية للخصم بغية طمس حضارته و العمل على تخلفه، حتى تسهل السيطرة و الهيمنة عليه، و بالتالي فرض ثقافة الغازي. و لم تتوقف أضرار هذه الحروب عند هذا الحد بل امتدت لتنال من توازن البيئة و سلامتها[41]. و قد ساهم في تزايد قدرتها التدميرية التطور المذهل الذي شهده مجال الأسلحة.

الفقرة الأولى: حماية الأعيان المدنية

   يقصد بالأعيان المدنية، المنشآت التي ليست أهدافا عسكرية. أي أنها ليست أعيانا تسهم في طبيعتها وموقعها أو غرضها أو استخدامها مساهمة فعالة في العمل العسكري مثل المدارس ودور العبادة و المستشفيات و الجسور و المزارع و المنشآت الهندسية و المصانع و بصفة عامة كل ما هو مدني مكرس لأغراض المدنية.
  و عليه فإن القاعدة العامة و فق البروتوكول الأول لعام 1977 توجب على الأطراف المتحاربة أن تميز بين الأعيان المدنية و الأهداف العسكرية بحيث توجه عمليتها العسكرية ضد الأهداف العسكرية دون سواها[42]. أي أن أي عمل من شأنه تدمير و اغتصاب الممتلكات على نحو لا تثيره ضرورات حربية  يعتبر حسب المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة  انتهاكا جسيما لأحكام الاتفاقية[43]. و تشمل هذه الممتلكات:
  • الأعيان الثقافية:
      خصت المجتمع الدولي سنة 1954 هذا النوع من الأعيان بأول اتفاق دولي شامل لحمايتها نظرا لما تتعرض له من تخريب و نهب زمن النزاعات المــسلحة، إذ وضعت اتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية، عدة قواعد يتعين مراعاتها، و هي:
  - الوقاية و الاحترام : فالحماية حسب المادة 2 من الاتفاقية المذكورة، تشمل وقاية الممتلكات الثقافية و احترامها، و أوضحت المادة 3 أن الوقاية المطلوبة تتعهد بها الدول الأطراف تجاه الممتلكات الثقافية الكائنة في أراضيها من الأضرار التي قد تنجم عن نزاع مسلح و ذلك باتحاد  التدابير التي تراها مناسبة منذ وقت السلم. كما تعهدت الدول الأطرف بحماية الممتلكات الثقافية في أراضيها و أراضي غيرها من الأطراف، وذلك باتخاذ كافة إجراءات و تدابير الحماية، و منع أي تعرض ضار بها   وقت النزاع المسلح و الاحتلال. و هذا ما أوضحته المادة 4 من الاتفاقية بتقريرها أن على الدول أن تمتنع عن استعمال الممتلكات الثقافية أو الوسائل المخصصة لحمايتها أو الأماكن المجاورة لها مباشرة لأغراض قد تعرضها للتدمير أو التلف في حالة نزاع مسلح، وأن تمتنع عن أي عمل عدائي إزاءها. لكن احتفظت الاتفاقية باستثناء الضرورات العسكرية مثلها مثل باقي الاتفاقيات الأخرى، غير أنه لم يدم طويلا إذ تم تضييقه ببروتوكول لاهاي 1999 الذي نص على أنه: لا يجوز التضرع بالضرورات العسكرية القهرية للتخلي عن الالتزامات التي قررتها اتفاقية 1954 [44].
  كما تلتزم الأطراف أن تمنع سرقة أو نهب أو تبديد الممتلكات الثقافية و أن تقيها من هذه الأعمال وأن توقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها. وتتعهد بعدم الاستيلاء على ممتلكات ثقافية منقولة كائنة في أراضي أي دولة طرف . 
   - عدم تعريض الممتلكات الثقافية للهجوم أثناء نزاع المسلح: وهذا ما تم التعبير عنه في اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، التي تم إقرارها في اتفاقية لاهاي 1907 في المادة 28 . و تم تأكيد نفس الأمر في المادة 4 من اتفاقية 1954 أي عدم توجيه أي عمل عدائي تجاه الممتلكات الثقافية. وقد أكد بروتوكول 1999 على وجوب اتخاذ كافة الاحتياطات المستطاعة عند اختيار وسائل و أساليب الهجوم بهدف تجنيب الإضرار العرضي بالممتلكات الثقافية المحمية[45].
    وهذا ما أكدته المادة 16 من البروتوكول الثاني 1977 " حظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي  للشعوب"[46].  
   ويجـب تمييز الممتلكات الثقافية بعلامات مميزة، لكي تتحقق فعالية الـحماية لها ولإسقاط الحجج على أطراف النزاع. و يجب أيضا عدم التمييز بين الممتلكات في إجراءات الحماية .كما يتوجب رد الممتلكات الثقافية إلى مصدرها فور انتهاء النزاع المسلح.
    أما في حالة الاحتلال الحربي و الذي يفيد السيطرة الفعلية لسلطة العدو على إقليم ما مع القدرة على تسييره بمقتضى سلطاته و أجهزته،فإنه يترتب عن هذا عدة آثار قانونية منها وجوب حماية المدنيين و توفير الظروف المناسبة لهم من الأمان،وكذلك حماية الأعيان و الممتلكات المدنية. فالمادة 56 من لائحة الحرب البرية لاتفاقية لاهاي 1907 تـعتبر أن أملاك المجالس البلدية و المنشآت المخصصة للعبادة و البر و التعليم و الفنون، لها حمايتها و لـو كانت مملوكة لدولة العـدو. و كـل حجـز أو تخريب متعمد لمثل هذه المنشآت محرم و يجب أن يحكم فيه. و هذا ما أكده القسم الخاص بالاحتلال الحربي في اتفاقية جنيف الرابعة من خلال المادة 53 أنه محظور على دولـة الاحـتلال أن تدمـر أي متعـلقات ثابتة أو منقـولة، خاصة بالأفـراد أو الجماعات أو للحكومة أو غيرها. أما المادة 4 من اتفاقية لاهاي لسنة 1954 فحظرت المساس بحرمة هذه الممتلكات[47].
  • الحماية الخاصة للأهداف و الموارد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين :
    مع انتشار الحروب الاقتصادية على نطاق واسع، اتجهت قواعد القانون الدولي إلى إلـزام الدول المتحاربة بحماية الأعيان و الموارد التي لا غنى عنها لبـقاء السكان المدنيين ،و ذلك على النحو التالي :
  • يحظر اللجوء إلى تجويع السكان المدنيين كوسيلة من وسائل القتال.
  • يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان و المواد التي لا غنى عنها لبقاء السـكان المدنيين ،ومثال ذلك المـواد الغذائية و المناطق الزراعية التـي تنتجـها و الماشية و مرافق مياه الشرب و شبكاتها و أشكال الري و محطات توليد الطاقة الكهربائية.
  • لا تكون هذه الأعيان و المواد محلا لهجمات الردع[48].
    •  حماية البيئة :
    لقد تعددت اهتمامات القانون الدولي الإنساني بهدف توفير أسمى حق للإنسان وهو حق الحياة وذلك بحمايته في المنازعات المسلحة و حماية ممتلكاته و أيضا مقدساته غير أن هذا الحق لن يستمر دون حماية البيئة أو المحيط الخارجي الذي يعيش فيه. فأمام تزايد المشاكل البيئية و تفاقم مخاطرها بسبب تعسف الإنسان و سوء تصرفاته ،و أيضا بسبب التقدم التقني و الصناعي الذي ساهم في صنع أسلحة متطورة قادرة ليس فقط على تلويث البيئة بل و تدمير كل الكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض. أمام هذا الخطر المتزايد جاء تحرك المجتمع الدولي لوضع قواعد قانونية لحماية هذا الملك الجماعي من تعسف الإنسان على مختلف مظاهره بما في ذلك النزاعات المسلحة إذ تم إصدار اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى في 10 دجنبر 1976 .
و يقصد بعبارة " تقنيات التغيير في البيئة" أية تقنية لإحداث تغيير عن طريق التأثير المعتمد في العمليات الطبيعية،بما في ذلك مجموعات أحيائها المحلية و غلافها الصخـري و غلافـها المائي و غلافـها الجـوي أو في دينامكية الفضـاء الخـارجي أو تركيبـه أو تشكيله[49].
وقد تضمنت هذه الاتفاقية عدة مبادئ تعهدت من خلالها الدول بمراعاة: 
-  عدم استخدام تقنيات التغيير في البيئة ذات الآثار الواسعة في الانتشار أو طويلة البقاء أو الشديدة، لأغراض عسكـرية أو لأية أغراض عدائية أخرى كوسيلة لإلحاق الخـسائر أو الأضرار بطرف أخرى.
- عدم مساعدة أو تشجيع أو تحريض أية دولة أو مجموعة من الدول أو أية منظمة دولية على القيام بأنشطة منافية للتعهد السابق.
- اتخاذ التدابير اللازمة من أجل حظر و منع أي نشاط مخالف في أي مكان يخضع لولاية الدولة أو لسيطرتها[50]. هذا و قد نصت المادة 55 من نفس البروتوكول على أنه:
- تراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية مـن الأضرار البالغة واسـعة الانتــشار و طويلة الأمد .و تتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار البيئية ومن ثمة الإضرار بصحة أو بقاء السكان. 
 
 - يحظر هجمات الردع التي تشن ضد البيئة الطبيعية[51].
    كما ساهمت عدة اتفاقيات أخرى في حماية البيئة وقت النزاع المسلح، و تخص بالتحديد تقييد أو حظر استخدام بعض و سائل القتال كالبروتوكول المتعلق بحظر استعمال الغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها و الوسائل  البكتريولوجية في الحرب المعتمدة في جنيف 17 يونيو 1925، و كذلك اتفاقية حظر استخدام أو إنتاج أو تخزين الأسلحة البكترولوجية، المعتمدة في 1 يونيو 1972 واتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها  مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، المعتمدة في 10 أكتوبر 1980.
    فهذه الصكوك و غيرها لا تساهم فقط في حماية البيئة من آثار النزاعات المسلحة بل تساهم في حماية الإنسان من ويلات الحرب بصفة عامة و تخفيف معاناته، و هذا يفرض أيضا تقييد وسائل الحرب و تليينها لتكون أكثر ملاءمة مع الضرورة العسكرية.
 
الفقرة الثانية: حظر أو تقييد بعض أنواع الأسلحة
 
     عـرف القانون الدولي الإنساني في إطـار مواكبتـه للتطور التكنولوجي و العلمي  - و تأثير ذلك على الأسلحة نوعا و كيفا- نقلة نوعية اتجه فيها نحو تقنين و تنظيم هذا المجال حتى يساير الضرورة العسكرية و يحترم المبادئ الإنسانية. إذ عقدت في هذا المجال عدة اتفاقيات دولية بعضها يحظر استعمال أنواع معينة من الأسلحة بصورة مطلقة و البعض قيد استعمال أسلحة أخرى.
  • تقييد استخدام بعض الأسلحة :
     في هـذا الإطار نجد اتفـاقية  1980 المتعلقـة بحـظر بعض الأسلحة التقلـيدية. و التي  صاغت مجموعة من القواعد، تقيد استعمال بعض أنواع الأسلحة كتلك التي أشار لها البرتوكول الثاني لهذه الاتفاقية "حظـر أو تقييد استعمال الألغام و الأشراك و النبائط الأخرى"،بينما تضمن البرتوكول الثالث حظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرقة. لكن هذه الاتفاقية رغم النقلة النوعية التي تميزت بها باعتبارها انتقلت بالقانون الدولي الإنساني إلى الاهتمام بمجال الأسلحة، فإنها تبقى ناقصة في معالجة مجموعة من الإشكالات .و هذا ما دفع المجتمع الدولي إلى القيام بعدة جهود مضنية لأجل تعديل البروتوكول الثالث لاتفاقية سنة 1986. وقد عكست التعديلات الاهتمام بالألغام المضادة للأفراد، كما أصبح البروتوكول الثاني شاملا للنزاعات غير الدولية أيضا. كما أسند البروتوكول المعدل مسؤولية نزع الألغام إلى الطرف الذي يزرعها.
 
ب – حظر بعض الأسلحة :

    عمل المجتمع الدولي على حظر بعض الأسلحة منذ أواخر القرن 19 إذ كان أولها إعلان سان بيترسبورغ لعام 1868 بشأن حظر استعمال بعض القذائف زمن الحرب، و تحديدا القذائف التي يقل وزنها عن 400 غرام، و تكون متفجرة أو مشحونة بمواد قابلة للانفجار أو الاشتعال، و أصدر مؤتمر لاهاي الأول للسلام عام 1899  إعلانا بحظر استعمال الرصاص القابل للانتشار أو التمدد في الجسم بسهولة كقنابل " دمدم".
     و قبل ظهور الحرب الجوية حظر إعلان ﺁخر صدر عن مؤتمر لاهاي 1899 القصف بالقذائف و المتفجرات بواسطة المناطيد الذي تم تجديده في مؤتمر لاهاي 1907. أما الأسلحة الكيماوية التي ظهرت آفاتها خلال معارك الحرب العالمية الأولى فقد حظر بروتـوكول جنيف 1925 استعمالها. بالإضافة إلى استعـمال الغازات الخانقة و السامـة و كذلك و سائل الحرب الجرثومية.  وقد جاءت اتفاقية باريس الموقعة في 13 ينايـر1993 لتقنين تحـريم الأسلحة الكيماوية بصورة شاملة، أي منع تصنيعها و تخزينها و استعمالها .كما نصت الاتفاقية على تدمير تلك الأسلحة، و على تكوين منظمة لحظر الأسلحة الكيماوية يكون مقرها لاهاي، و عضويتها مفتوحة لجميع الأطراف المتعاقدة. و قد تضمنت الاتفاقية ثلاثة ملاحق؛ الأول يتعلق بالمواد الكيماوية و الثاني بالتفتيش و الثالث بسرية المعلومات.
  و إلى جانب هذه الاتفاقيات نجد اتفاقية بشأن الذخائر العنقودية و التي تهدف إلى وضع حد للمعاناة التي تتسبب بها الذخائر العنقودية التي أودت بحياة أو أصابت الآلاف من المدنيين في البلدان التي استخدمت فيها. ففي أيار/مايو 2008 ،  وقعت107 دولة على معاهدة دولية تحظر هذه الأسلحة. وكانت المفاوضات التي أدت إلى تلك المعاهدة جزءًا من "عملية أوسلو"،وهي مبادرة نرويجية توخت التوصل إلى معاهدة بشأن الذخائر العنقودية بحلول عام 2008 . واستناداً إلى هذه الاتفاقية، سينظر إلى الذخائر العنقودية على أنها أسلحة يحظرها القانون الدولي الإنساني، على غرار الرصاص المتفجر و المتمدد والأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية والألغام المضادة للأفراد والأسلحة التي تستخدم شظايا غير قابلة للكشف[52].
     و قد اهتم البروتوكول الأول 1977 أيضا بهذا المجال و نلاحظ ذلك من خلال المادة 36 التي نصت على التزام الأطراف المتعاقدة بملاءمة الأسلحة و الأساليب الجديدة لمقتضيات القانون الدولي[53]. و نشير في هذا الإطار أيضا إلى مؤتمر  فينا لسنة 1995 المتعلق باستعراض اتفاقية 1980، الذي أقر في دورته الأولى بروتوكولا رابعا أضيف إلى تلك الاتفاقية و يتعلق ب :" أسلحة اللازر المعمية" إذ منع هذا النوع من الأسلحة الفتاكة التي تسبب العمى الدائم.
    إلا أن الملاحظ في مجال تقييد الأسلحة هو أن الأسلحة النووية لا تزال مثار جدل كبير بين الأوساط القانونية.
 
المبحث الثاني: آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني
 
    يبدو أن المشكلة التي يعاني منها القانون الدولي بشكل عام هي عدم فعاليته على مستوى الواقع العملي، و ذلك راجع حسب الكثير إلى عدم وجود سلطة عليا تتولى مسألة تطبيق القانون الدولي و فرض الجزاء بحق الدولة التي تنتهك قواعده كما هو الشأن بالنسبة للقانون الداخلي. فمبدأ سيادة الدولة و استقلالها يعد حاجزا أمام إجبار الدول على تطبيق قواعد القانون الدولي، إذ تعتبر الكثير من الدول أن ذلك تدخلا في شؤونها الداخلية و خرقا لسيادتها.
     إلا أن تطور المفاهيم الإنسانية في المجتمع الدولي و ظهور العديد من المنظمات الدولية الإنسانية أحيا مسألة مهمة هي ضرورة العمل على إعطاء القانون الدولي الإنساني قدرا من الاحترام وقت المنازعات المسلحة[54]، بل ومتابعة من لم يحترمه قضائيا. و في هذا الإطار وضعت اتفاقيات جنيف الأربعة و البروتوكوليين الإضافيين 1977 مجموعة من الآليات لتطبيق القانون الدولي الإنساني. و نقصد بالتطبيق " تلك العمليات الشاملة وقت السلم و أثناء النزاعات المسلحة التي تهدف إلى و ضع جميع الوسائل المنصوص عليها في ذلك القانون بهدف تطبيقه و احترامه، بجعله موضع التنفيذ في جميع الحالات" [55].
 
المطلب الأول: و سائل التطبيق غير القضائية
 
    أملا في احترام القانون الدولي الإنساني نصت مجموعة من الاتفاقيات على بعض الوسائل التي بإمكانها نشر الوعي بأهمية هذا القانون، و مراقبة مدى تنفيذه في النزعات المسلحة  و نذكر منها :
  • التزام الدول باحترام القانون الدولي الإنساني :
    يعتبر الالتزام أمرا جوهريا لفرض احترام القانون الدولي الإنساني، إذ لا يمكن أن تتحقق الفعالية لقاعدة قانونية دولية أيا كانت إلا إذا ارتضت الدول الالتزام بها ورغبت في تنفيذها. ولذا نصت المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف و كذلك المادة الأولى من البروتوكول الإضافي 1977 على أن تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية و تكفل احترامها في جميع الأحوال[56].
   و يتخذ هذا الالتزام شقين الأول يقع على عاتق الدولة نفسها باحترامها لقواعد القانون الدولي الإنساني طول مدة ارتباطها به. و الشق الثاني أن تتخذ الدول جميع الإجراءات الداخلية لضمان احترام قواعد  القانون الدولي الإنساني، و في حالة وجود انتهاك لقواعد هذا القانون و جب على الدولة إجراء تحقيق بخصوصه.  و إذا أثبت الانتهاك فيجب إنهاؤه و المعاقبة عليه، و فق ما نصت عليه اتفاقيات جنيف لعام 1949 في المواد 52 – 53 – 132- 139 [57].
    و بموجب الالتزام بالعمل على احترام القانون الدولي الإنساني، يحق لدولة متعاقدة أن تطالب طرفا آخر بالكف عن خرق القانون الإنساني. و يمكن أن تتخذ في ذلك بعض التدابير تتراوح بين الوسائل اللينة و الوسائل الصارمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن العمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني، لا يمكن أن يكون مبررا للقيام بأعمال تؤول بدورها إلى انتهاكات للقانون نفسه، أو توفر ذريعة لطرف ما حتى يحقق غايات هي أبعد ما تكون من غايات المحافظة على احترام القانون الدولي الإنساني[58].
  • التعريف بالقانون الدولي الإنساني :
     من الواضح أن معرفة القواعد القانونية واجبة التطبيق تعد من أهم عوامل تحقيق فعاليتها،و هنا تأتي أهمية نشر قواعد القانون الدولي الإنساني و تدريسها.
    فرغم أن أغلب الأنظمة تتفق على القاعدة القائلة "لا عذر لأي أحد بجهل القانون " فإن اتفاقيات القانون الدولي الإنساني تنص على نشر أحكامها على أوسع نطاق ممكن في وقت السلم وفي زمن الحرب. وأن تدرج  دراستها ضمن برا مج التعليم العسكري و المدني إذا أمكن حتى تكون معروفة عند جميع السكان وخصوصا القوات المسلحة و أفراد الخدمات الطبية و الدينية. كما نصت المادة 99 من الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف على ضرورة إعلان نص الاتفاقية داخل المعتقل بلغة يفهمها المعتقلون بالإضافة إلى تلقين الموظفين المختصين بمراقبة المعتقل أحكام الاتفاقية، و التعليمات الخاصة بتطبيقها[59].
  •    الأشخاص المؤهلون و المستشارون القانونيون لدى القوات المسلحة :
   لقد نص البرتوكول الثاني لعام 1977 على إحداث مجموعة من الأجهزة الجديدة، لضمان احترام القوات المسلحة لقواعد القانون الدولي الإنساني في الميدان عن طريق تقديم الاستشارة لهم، وتوضيح القواعد القانونية.
  • الأشخاص المؤهلون : الغرض من هؤلاء الأشخاص هو إيجاد كوادر عالمة بقواعد تطبيق القانون الدولي الإنساني. الأمر الذي من شأنه كفالة حسن تطبيقها،إذ نصت المادة 6 من البروتوكول الأول على أن :
* تسعـى الدول الأطـراف المتعاقدة لإعداد عاملـين مؤهـلين بغية تسهـيل الاتفاقيات و البروتوكول خاصة فيما يتعلق بنشاط الدول الحامية. *يدخل هذا الإعداد في صميم الولاية الوطنية لكل دولة. * يكون استخدام هؤلاء الأشخاص خارج إقليم الدولة محل اتفاقيات خاصة بين الأطراف المعنية[60]. ويكون هؤلاء الأشخاص على أهبة لتقديم المشـورة للسـلطات، و إعلامها بجوانب تطبيق قانون النزاعات المسلحة.
  • المستشارون القانونيون لدى القوات المسلحة : لاشك أن لهم دور كبير في كفالة تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني . فالمادة 82 من البروتوكول الأول نصت على أن مهمة المستشارين تتجلى في تقديم المشورة للقادة العسكـريين حسب الدرجـة المـلائمة بشأن تطبيـق أحـكام الاتـفاقيات و البروتوكول و تقديم التعليم المناسب للعسكريين في هذا المجال.
فتشعب قانون النزعات المسلحة و اتصاله بحقول أخرى من المعرفة و العلوم، يحتمان الاستعانة بآراء المختصين عند الحاجة، وهو اتجاه سلكته عدة دول من قبل، لأن في ذلك تسهيل لعمل القيادة العسكرية التي من واجبها أيضا معرفة تلك الأحكام.
  • نظام الدولة  الحامية :
    الدولة الحامية هي عموما تلك التي تتولى رعاية مصالح ما و مصالح دولة طرف في النزاع لدى الدولة الأخرى، بموافقة هاتين الدولتين. و تنص الاتفاقيات الأربع لسنة 1949 على أن أحكامها تطبق بمساعدة الدولة الحامية[61].
   و يجب على هذه الدولة أن تكون محايدة و ليست طرفا في النزاع، كما يلزم البدء في عملها قبول أطراف النزاع بذلك. و تقوم الدولة الحامية بمهامها من خلال تعيين مندوبين من رعاياها أو رعايا دول أخرى محايدة. و يخضع تعيين هؤلاء  لموافقة الدولة التي سيؤدون واجبهم لديها، وعلى أطراف النزاع تسـهيل مهمـة ممــثلي أو مندوبي الدولة الحامية إلى أقصى حد ممكن. كما لا يجوز أن يتجاوز ممثلو الدول الحامية و مندوبوها في أي حال من الأحوال حدود مهمتهم، وعليهم بصفة خاصة مراعاة مقتضيات و أمن الدولة التي يقومون فيها بواجباتهم. كما لا يجوز تقييد نشاطهم، إلا إذا استدعت الضرورة الحربية ذلك.
    و تأخذ الدولة الحامية شكل وسيط إذ تقدم مساعيها الحميدة من أجل تسوية الخلافات في جميع الحالات التي ترى فيها مصلحة الأشخاص المحميين، و على الأخص في حالات عدم اتفاق أطراف النزاع على تطبيق أو تفسير أحكام اتفاقيات جنيف. كما للدولة الحامية أن تنظم عمليات الإنقاذ و تقديم المساعدة للمدنيين في الأقاليم المحتلة[62].
    و قيام الدولة الحامية يتطلب مجموعة من الشروط أولها أن تـكون الدولة محايدة و أن تقبل بها أطراف النزاع، إلا أن الملاحظ من خلال السوابق الدولية أن نظام الدولة الحامية لم يعمل به إلا في حالات محدودة إذ قلما تقبل الدول القيام بهذه المهمة ، كما أن تعاون المتحاربين أمر مشكوك فيه دائما علاوة على الصعوبات العملية التي تواجهها الدولة الحامية أثناء تأديتها لمهمتها.
  • اللجنة الدولة للصليب الأحمر :
    تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر و الهلال الأحمر طبقا لاتفاقيات جنيف الأربع على مراقبة تطبيـق القانون الدولـي الإنساني و تلقي أي شكاوى تتعلق بانتهـاكات و مخالفات هذا القانون. كما أن عملها لا يقتصر على دولة أو دول معينة، و لا على فترة محددة من الزمن بل تقوم بعمل مستمر و دؤوب حسب ما عبر عنه الدكتور عامر الزمالي الذي يحـدد نشاطها في: "النشـريات المختصة و الدوريات العـلمية و كذلك استقبال المتدربين و تكوينهم و التعاون مع الجمعيات الوطنية و المؤسسات العلمية أو المشاورات مع الخبراء ...كما أن لها دور أثناء القيام بمهام المساعدة المادية و الحماية القانونية لأنها على اتصال بالضحايا و أطراف النزاع و تعمل على لفت نظر السلطات المختصة عبر مندوبيها عن أي انتهاك يقع، و تقوم بالدور الوقائي اللازم حتى لا تتكرر الانتهاكات"[63].
   و تمنح المادة 126 من الاتفاقية الثالثة ، والمادة 143 من الاتفاقية الرابعة الحق لمندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الذهاب إلى جميع الأماكن التي بها أشخاص محميون  أو أسرى حرب أو معتقلون مدنيون" كالمعسكرات و المستشفيات و أماكن الحجز و السجن و العمل " و مقابلة المعتقلين على انفراد .
  و لا يجوز منع تلك الزيارات إلا لأسباب تقتضيها الضرورة العسكرية القهرية و لا يكون هذا الإجراء إلا استثناءا مؤقتا[64].
      ويخول النظام الأساسي للجنة الدولية للصليب الأحمر و الهلال الأحمر، الحق بتلقي شكاوى حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني، والقيام بالمساعي اللازمة لدى السلطات المعنية، تكون سرية مبدئيا لكن قد تخرج إلى العلن إذا كانت الانتهاكات خطيرة و متكررة أو إذا فشلت الخطوات السرية في وضع حد لها.
   ورغم الدور المهم الذي تقوم به هذه اللجنة إلا أن ذلك يبقى محدودا أمام خطورة الجرائم التي ترتكب و كذلك وزن الأطراف التي تنسب إليها، فمهمة مراقبة التطبيق الفعلي للقانون الدولي الإنساني تعتبر من أصعب المهام؛ فكثيرا ما تقع الانتهاكات بحضور مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، بل في كثير من الأحيان كانوا هم أنفسهم ضحايا تلك الانتهاكات.
  • اللجنة الدولية لتقصي الحقائق :
    حرصا عل معالجة نقائص الوسائل المذكورة في الاتفاقيات الأربع لجنيف خاصة بعد الأحداث التي عرفها العالم بعد هذه الاتفاقيات[65]، والتي تكشف من خلالها واقع العلاقات بين أطراف النزاع، حاول المؤتمر الدبلوماسي بعث جهاز تحقيق من أجل ضمان تطبيق الالتزامات الدولية بعدم ضرب المدن و السكان المدنين والأهداف المدنية. و نجح في ذلك من خلال المادة 90 من البروتوكول الأول التي نصت على مهام اللجنة و كيفية تشكيلها إذ تتكون من 15 عضوا يتم اختيارهم بناءا على مؤهلاتهم الشخصية و حسب التوزيع الجغرافي، و تصبح اللجنة قائمة قانونيا عند موافقة ما لا يقل عن عشرين دولة على قبول اختصاصها، و هذا ما تأتى لها سنة 1990 إذ دعت الحكومة السويسرية إلى عقد اجتماع في 25-6 -1995 في العاصمة جون لتأسيس اللجنة[66]. و التي تختص في:
* القيام بالتحقيـق عنـد اتهام طـرف لـطـرف آخـر بانتهاك لاتفـاقيات جنيـف أو البروتوكول الإضافي فيما يتعلق بضرب المدن و السكان المدنين و الأهداف المدنية.
* القيام بالمسـاعي الحمـيدة بيـن الأطـراف المتنازعة لإعـادة احتـرام الاتفاقيات و البروتوكول الدول .
   و تقوم اللجنة بتنفيذ المهام المذكورة دون الحاجة لموافقة الأطراف المتنازعة، أما بالنسبة للحالات الأخرى فإنه ينبغي موافقة الأطراف المتنازعة عليها. وتصدر اللجنة تقريرا بعد انتهاء التحقيق تبين فيه النتائج التي توصلت إليها مع التوصيات التي تراها مناسبة.
  ولا يعد التقرير الذي تصدره اللجنة حكما بإدانة الطرف المنتهك لاتفاقيات جنيف و البروتوكول، إذ أن التقرير يقدم للأطراف المتنازعة و يقتصر على التحقيق في الوقائع فقط و لا تبدي اللجنة أي رأي قانوني[67]، و بهذا تكون وظيفتها التحقيق فقط في انتظار ظهور الجهة القضائية التي تحدد المسؤوليات و تقدر مقدار العقوبة مادية كانت كالتعويض أو جنائية كمحاكمة مجرمي الحرب .
   إن عدم وجود محكمة جنائية دولية تتولى محاكمة الأشخاص المتهمين بانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني وارتكاب أبشع الجرائم الدولية، كان عائقا حقيقيا يحول دون الالتزام الجـدي و الفعال بقواعد القانون. فـما فائدة كل نصـوص القانـون و مبـادئه و قواعده إذ لم تعزز بمؤيد جزائي يكفل الاحترام الحقيقي له سواء عن طريق الردع السابق أو القمع اللاحق؟ [68] بالمقابل ألا يعتبر خروج المحكمة الجنائية الدولية المنظمة بمقتضى اتفاقية روما 1998 إلى حيز الوجود انتصارا لكل ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني؟ أم أنها مجرد تكتيك ضمن خطط الدول الامبريالية في العالم؟
 
المطلب الثاني: الوسائل القضائية لتطبيق القانون الدولي الإنساني
 
      إن مفهوم الجريمة في المجال الدولي لا يختلف عن مفهومها في المجال الداخلي، فالجريمة بشكل عام تتحقق نتيجة الاعتداء الواقع على مصلحة يحميها القانون، ويتعرض الفرد بسببه لإجراء عقابي يفرضه المجتمع.
    فالـدولة تحدد مجموعة من المصالـح الأساسية المهمة للمحافظة على كيان المجتمع و بقائه ، وتعتبر أي سلوك يقوم به الفرد فيه إخلال بهذه المصالح جريمة يتعرض الشخص بناء عليها للعقاب، و كذا الحال في المجال الدولي . فأي اعتداء يقع على مصلحة يحميها القانون الدولي يعد جريمة دولية يتعرض صاحبها للمساءلة عنها[69]؛ فوضع القواعد القانونية لمنع ارتكاب الجرائم لا قيمة لها من الناحية الواقعية إن لم تقترن بعقوبة توقع بالأشخاص الذين ارتكبوها أو أمروا بارتكابها. ويوقع العقاب من قبل هيئة قضائية لها صلاحية النظر في هذه الجرائم[70].
  و قد أظهرت التطبيقات الدولية نوعين من المحاكمة التي تختص بالنظر في الجرائم الدولية، و هي المحاكم الوطنية و المحاكم الدولية، وهذا ما سنتناوله في الفقرتين التاليتين.
 
الفقرة الأولى :  القـضاء الوطــني
 
   لقد نصت اتفاقيات جنيف كما رأينا سابقا على ضرورة اتخاذ الإجراءات من طرف الدول بهدف تضمين مقتضياتها في القوانين الوطنية و معاقبة كل مخالف لهذه القواعد .فمن هنا يتضح أن القانون الدولي  الإنساني جعل من القضاء الوطني أولى الأجهزة الراعية لتطبيقه.
     إن الجرائم التي ترتكب ضد دولة معينة من طرف أجانب أو أحد رعاياها تخضع لمحاكم هذه الدولة؛فألمانيا قامت عام 1921 بمحاكمة 45 شخصا من مجرمي الحرب أمام المحـكمة العليا الألمانية، و قـد تـولت المحاكـم البريطانية و الفرنسية و الألمانية محاكمة مجرمي الحرب في الحرب العالمية الثانية بتهمة مخالفة القانون الدولي الإنساني ، وقد استمرت هذه المحاكمات حتى عام 1964[71].
    وقد أجازت اتفاقيات جنيف لعام 1949 بشأن ضحايا الحرب، للدول الأطراف معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم حرب أمام محاكمها[72].
    فالمحاكم الوطنية في كل دولة لها اختصاص عام بالنسبة لجميع الجرائم التي لها صلة مباشرة بالقانون الدولي كما هو الحال بالقانون الداخلي، حيث كان هناك التزام على عاتق الدول بأن تقوم بهذا العمل من خلال اختصاص محاكمها القضائية بشأن الأفعال المحرمة دوليا، وفقا لضوابط معينة تكفل عدم هروب المجرم من العقاب.
     لكن هذه الأجهزة تبقى قاصرة على المستوى الدولي في معالجة الجرائم التي ترتكب، وهذا ما كشفه الواقع العملي بدليل أنه من الحرب العالمية الثانية و عقب انتهاء المحاكمات التي عقبتها ، حدثت نزاعات مسلحة عديدة ارتكبت فيها الكثير من الجرائم الدولية دون أن تنشأ بالمناسبة أي محاكمة لمرتكبيها لا على المستوى الوطني  و لا الدولي ، وهذا ما أدى إلى إفلات العـديد من المجرمين من المحاكمة و العقاب، لأن من يرتكب هذه الجرائم لن تتم محاكمته  أمام محاكمه الوطنية. فمن ارتكب هذه الجرائم ، لن يكون بالتأكيد قد ارتكب فعلا محرما وفقا لمفاهيم ذات البلد المعتدي، و إنمـا سيكون قد مارس واجبا وطنيا ، و حقا قانونيا و دفاعا شـرعيا، و غير ذلك من المصطلحات التي تشرع مثل هذه الجرائم، و تنفي عنها الصفة الإجرامية، بل تسبغ على من يرتكبها أسمى مراتب البطولة و الشجاعة، وهذا كله سيشكل عقبة أمام محاكمة المجرمين أمام المحاكم الوطنية،مما جعل المجتمع الدولي يتجه نحو القضاء التكميلي و الذي  تجلى في المحكمة الجنائية الدولية.
 
الفقرة الثانية :  القــضاء الـدولـي
 
     لقد اتسم الربع الأخير من القرن العشرين ، سيما السنوات العشر التي جاءت في ختامه، بارتفاع في معدل حدوث النزاعات المسلحة و اشتداد ضراوة العنف فيها أحيانا، حيث ضرب جميع الأطراف عرض الحائط بكثير من القواعد والمبادئ المستقرة للقانون الدولي الإنساني.و كان من المفـارقات أن انتقل المجتـمع الدولي من مـوقـف التنديد و الإعراب عن القلق إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة بإنشائه للمحكمتين المخصصتين ليوغسلافيا 1993 و رواندا 1994 [73]، والتي ينص نظامها الأساسي من خلال المادة الثانية على أن لها سلطة النظر في الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، لكن هاتين المحكمتين ظل يحـكمها الاختصاص المكاني، أي الجـرائم التي ارتكبت في يوغسلافيا و رواندا فقط، و كذلك الاختصاص الزماني أي الجرائم التي ارتكبت منذ بـداية التسعينيات فقط. وهذا يعـني انتهاء المحكمتين بانتهاء مهمتهما و بالتالي استمرار الفراغ القضائي على المستوى الدولي، و الذي ستعمل لجنة القانون الدولي على سده، إذ استطاعت أن تعد نظاما أساسيا لمحكمة جنائية دولية، وهو عمل كان قد شرعت فيه منذ السنوات الباكرة في حياة الأمم المتحدة. ففي عام 1994 قدمت مشروع النظام الأساسي للمحكمة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قامت بدورها بتشكيل لجنة لإعداد نص يحظى بقبول واسع النطاق لعرضه على مؤتمر دبلوماسي، و الذي دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة إذ عقد ما بين 15 يونيو و 17 يوليوز 1998 و اعتمد المؤتمر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، و الذي و قع عليه ممثلو 133 دولة [74].فما هي الأجهزة الأساسية للمحكمة و ما هي اختصاصاتها ؟ وماذا عن علاقتها بالقضاء الوطني ؟
   تتكون المحكمة الجنائية من رئاسة المحكمة و تضم الرئيس و نائبان له، و كذلك دائرة الاستئناف ودائرة للمحاكمة بالإضافة إلى مكتب المدعي العام الذي يختص بتلقي البلاغات و المعلومات الخاصة بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة.كما تضـم المحكمة السجل، و يـرأسه شخـص يسمى مسجل المحكمة، و يختص بالجوانب غير القضائية الخاصة بالمحكمة و إدارتها. و يصل عدد قضاة المحكمة إلى 18 قاضيا يتم اختيارهم من أفضل العناصر التي تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة لتلك المهمة[75]. ويقتصر اختصاص المحكمة على أشـد الجرائم خطورة ، والتي هي موضع الاهتمام الدولي. وقد حددها النظام الأساسي للمحكمة في المادة 5 كالتالي : جرائم الحرب ، و الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ، و جريمة الإبادة الجماعية ( إبادة الجنس البشري )، و جريمة العدوان[76].
1- جـريمة الإبادة الجماعية : تتمثل فـي ارتكاب أفعال لتدميـر مجمـوعة وطنيـة أو عرقية أو دينية معينة، عن طريق القتل أو إحداث أدى جسماني أو عقلي جسيم لأعضاء المجموعة أو اتخاذ إجراءات تمنع تناسلها أو نقل أطفال المجموعة إلى مجموعة أخرى أو إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشة يقصد منها إهلاكها الفعلي أو جزئيا.
2- الجرائم ضد الإنسانية : تعني الجرائم التي ترتكب على نطاق واسع و دائم، ضـد السـكان المـدنيين مثـل القتـل والإبادة و النقـل الإجـباري للسـكان و التعـذيـب و الاغتصاب و الاختفاءات القسرية و الاختفاء الجبري للأشخاص.
3- جــرائم الحـرب: يكـون للمـحكمة اختـصاص فيما يتعلق بجـرائم الحـرب، و خصوصا عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة، أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم. و تعني جرائم الحرب حسب المادة الثامنة من نظام روما الإنساني الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949، و أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخـاص أو الممتلكات الـذين تحميهم اتفاقيات جنيـف ذات الصلـة لعـام 1949 أو البروتوكول الأول و الثاني المكملين لها لعام 1977 .
  • القتل العمد.
  • التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية.
  • القيام عمدا بإحداث معاناة شديدة أو إصابات خطيرة للجسم أو بالصحة.
  • إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات و الاستيلاء عليها دون أن تكون ضرورة عسكرية تبرر ذلك و بمخالفة القانون بطريقة عابثة.
  • تعمد توجيه هجمات ضد السكان بصفتهم تلك. و كذلك ضد الأفراد الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.
  • تعمد توجيه هجمات ضد منشآت مدنية لا تشكل أهدافا عسكرية...[77].
4- جريمة العدوان : تمارس المحكمة اختصاصها تجاه هذه الجريمة، حينما يتم إقرار تعريف لها و الشروط اللازمة لممارسة المحكمة لهذا الاختصاص [78].
     و تمارس المحكمة اختصاصا تكميليا للقضاء الوطني و لا تعد بديلا له، و قد ورد هذا المبدأ في عدة مواضع من النظام الأساسي للمحكمة، ففي الديباجة ورد: "أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للاختصاصات القضائية الجنائية الوطنية"، وذلك بهدف الحيلولة دون إفلات مرتكبي الجرائم من العقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة باعتبار هذه الجرائم أشد خطورة في نظر المجتمع الدولي.
    و يفعل الاختصاص التكميلي للمحكمة، للنظر في إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 5 من نظامها الأساسي، في حالتين جاءتا في المادة 18 وهما:
- عند انهيار النظام القضائي الوطني.
 
- عند رفض أو فشل النظام القضائي الوطني في القيام بالتزاماته القانونية بالتحقيق ومحاكمة المتهمين[79].
   ففي مثل هذه الحالات يحق للمحكمة الجنائية الدولية أن تتدخل لمحاكمة المجرمين، متجاوزة بذلك القضاء الوطني من أجل الحفاظ على هيبة القانون الدولي الإنساني. فمن الثابت أن أي نظام قانوني و حتى يضمن فعاليته و إلزاميته، لا بد أن يستهدف كل من يخالف أحكامه بالجزاء و العقاب. و قد أرسى قضاء نورمبرغ هذا المبدأ حين أكد المسؤولية الفردية عن ارتكاب الجرائم الدولية  عندما أشار إلى أن: "كل شخص يرتكب فعلا يشكل جريمة حسب القانون الدولي يسأل عن فعله و يوقع عليه العقاب"[80]
   ووفقا لهذا المبدأ فقد بات الفرد الذي يرتكب عملا مخالفا لأحكام القانون الدولي بصفة عامة و القانون الدولي الإنساني على وجه الخصوص مسؤولا مسؤولية شخصية و مباشرة أمام القضاء الدولي، و رغـم أهمية هذا المبدأ فإنه ظل معـطلا و غير قابل للتنفيذ لأن المجتمع الدولي كان يفتقد إلى الآلية القضائية التي تضمن محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الدولية.
  فعلى امتداد سنوات طويلة و برغم ارتكاب العديد من الجرائم بل و ابتكار المزيد منها، إلا أن الأفراد كانوا يفلتون من الملاحقة و العقاب لأن دولهم لا تحاكمهم عادة ما دام الفعل أو الجريمة قد ارتكبت باسم الدولة و لحسابها، وقد دفع هذا المجتمع الدولي إلى العمل لتجاوز هذا النقص،و هو ما تم بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي سطر لها كفالة الاحترام التام لقواعد القانون الدولي الإنساني و معاقبة من يخرق أحكامه.
     وهنا ينبع تساؤل مهم ، نصوغه على النحو التالي : هل نجحت المحكمة الجنائية الدولية ، منذ تأسيسها، في كفالة احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، وبالتالي تحقيق الغاية التي أنشئت من أجلها ؟ أم أنها أبصرت ما تشاء من الانتهاكات و أغفلت حقوق الشعوب الضعيفة ، ومن ثمة يحق عليها قول: » لا أحد أشد عمىً من أولئك الذين لا يريدون أن يبصروا« !  
     لن تتحقق الإجابة عن هذا التساؤل إلا من خلال زاويتين ، أولاهما تحليل بعض نماذج الأحكام التي قضت بها المحكمة بين أطراف النزاع، و ثانيهما الوقوف على أحداث واقع الحياة الدولية ، وهو أمر نتركه للمهتمين و  الباحثين في القانون الدولي بشكل عام و القانون الدولي الإنساني بشكل خاص قصد تعميق البحث فيه وإثرائه بدراساتهم واستنتاجاتهم، لاسيما بعد عرضنا في المساهمتين معا الأرضية النظرية التي تتيح للباحث مقارعة النص بالممارسة إزاء تنزيل مقتضيات القانون الدولي الإنساني فيما يستجد من نزاعات مسلحة على المستوى الدولي. 
 
 
لائحة المراجع ( مرتبة ترتيبا أبجديا) :
 
  • إبراهيم أحمد الخليفة ، مساهمة  في كتاب : " القانون الدولي الإنساني آفاق و تحديات" ، مـنشـورات الحبلى الحقوقية، الجزء الأول، 2005  .
  • إبراهيم محمد العناني، مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تحديات"، منشورات الحبلى الحقوقية. الجزء الثاني،2005.
  • اتفاقيات جنيف المؤرخة  في 12 أغسطس 1949 و بروتوكوليهما الإضافيين، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الطبعة الخامسة ،1993.
  • اتفاقية بشأن الذخائر العنقودية www.icrc.org
  • اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية 1976. 
  • أحمد أبو الوفا :" القانون الدولي الإنساني" ، المجلس الأعلى للثقافة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2006 ،ص 121.
  • أحمد أبو الوفا، مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تحديات" ، منـشورات الحـبلى الحقوقية، الجزء الأول، 2005 .
  •  آمال اليازجي،  مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تـحديات"، مـنشـورات الحبلى الحقوقية، الجزء الأول، 2005.
  • حسين الفتلاوي ، "الوسيط في القانون الدولي العام"، دار الفكر العربى للطباعة والنشر، 1998.
  • دراسات في القانون الدولي الإنساني"، دار المستقبل العربي، القاهرة، 2000. 
  • السعدية بن هاشـم: "القانون الدولي الإنساني أصـوله و أحكامه و تطبيقات المعلومة القانونية و القضائية. سلسـلة الدراسات و الأبحاث. العدد: 3 دجنبر 2005 .
  • عامر الزمالي، "مدخل إلى القانون الدولي الإنساني" ، منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان و اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الطبعة الثانية، 2002 .
  •   عبد الحسين شعبان: الإنسان هو الأصل: "مدخل إلى القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان" مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان , 2005 .
  • عبد الحق بن ميمونة، "الاختصاص التكميلي للمحكمة الجنائية الدولية وعلاقته بالاختصاص المحاكم الوطنية"، مجلة المستقبل العربي، العدد 363، 2009.
  • فريتس كالسهوفن، ترجمة: أحمد عبد العليم: " ضوابط تحكم الحرب : مدخل للقانون الدولي الإنساني"،اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2004
  • محمد عزيز شكري،  مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني : آفاق  وتحديات" ، مـنشـورات الحبلى الحقوقية، الجزء الأول، 2005.
  • محمد فهاد الشلالدة،" القانون الدولي الإنساني " ، منشأة المعارف،الإسكندرية، 2005.
  • مصطفى أحمد فؤاد، مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تحديات"، مـنشـورات الحبلى الحقوقية، الجزء الأول، 2005


[1]   السعدية بن هاشـم: "القانون الدولي الإنساني أصـوله و أحكامه و تطبيقات المعلومة القانونية و القضائية. سلسـلة الدراسات و الأبحاث. العدد: 3 دجنبر 2005 ص: 15. 
[2]  عبد الحسين شعبان: الإنسان هو الأصل: "مدخل إلى القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان" مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان , 2005 ص31 . دراسات في القانون الدولي الإنساني"  دار المستقبل العربي ،2000 القاهرة ص: 24.  [3
   [4] فريتس كالسهوفن، ترجمة: أحمد عبد العليم: " ضوابط تحكم الحرب : مدخل للقانون الدولي الإنساني"،اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2004 ،  ص : 63.    
  المادة 8 من البرتوكول الأول لعام 1977. [5
[6]  عامر الزمالي ، "مدخل إلى القانون الدولي الإنساني" ، منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان و اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الطبعة الثانية، 2002 ، ص : 42.
  محمد فهاد الشلالدة ،" القانون الدولي الإنساني " ، منشأة المعارف،الإسكندرية، 2005 ، ص   88.  [7
 عامر الزمالي ، مرجع سابق، ص 43 .[8]
[9]  "ملخض اتفاقيات جنيف المؤرخة  في 12 أغسطس 1949 و بروتوكوليهما الإضافيين"، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الطبعة الخامسة،1993 ، ص9.
  محمد فهاد الشلالدة ، مرجع سابق، ص  99 .[10]
 محمد فهاد الشلالدة ، مرجع سابق، ص 100. [11]
 محمد فهاد الشلالدة ،مرجع السابق، ص 101.[12]
 عامر الزمالي  ، مرجع السابق، ص45 و ما بعدها. [13]
 محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق، ص 122 .[14]
 فريتس كالسهوفن،مرجع سابق، ص 67 وما بعدها. [15]
 عامر الزمالي ،مرجع سابق، ص47.[16]
 محمد فهد الشلالدة ،مرجع سابق، ص 125.[17]
 محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق،ص127 -128 -129.[18]
 عامر الزمالي ،مرجع سابق، ص50. [19]
 محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق، ص 156 -157.[20]
[21] أحمد أبو الوفا، مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تحديات" ، منـشورات الحـبلى الحقوقية، الجزء الأول، 2005 ، ص 196 .
 محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق ،  ص 160. [22]
 فريتس كالسهوفن، مرجع سابق ، ص 115 وما بعدها.[23]
 عامر الزمالي ،مرجع سابق ،  ص 58.[24]
  أحمد أبو الوفا ،مرجع سابق ،  ص 197.   [25]
محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق ، ص 166.  [26]
عامر الزمالي ،مرجع سابق ،  ص 58. [27]
أحمد أبو الوفا  ،مرجع سابق،  198 – 199.  [28]
 محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق ،  ص 175-176-177.[29]
 أحمد أبو الوفا ،مرجع سابق ،  ص 200. [30]
 أحمد أبو الوفا ،مرجع سابق ،  ص 205 . [31]
 البرتوكول الثاني 1977،  المادة 6.[32]
  محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق ،  ص 185.[33]
[34]   آمال اليازجي،  مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تـحديات"، مـنشـورات الحبلى الحقوقية، الجزء الأول، 2005 ، ص  287.
  عامر الزمالي ،مرجع سابق، ص 60.[35]
  محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق، ص 209 -210 -211. [36]
 محمد فهاد الشلالدة ،مرجع سابق، ص214. [37]
عامر الزمالي  ،مرجع سابق، ص61.[38]
 عامر الزمالي ،مرجع سابق، ص 59.[39]
 محمد فهاد الشلالدة ، مرجع سابق ، ص 223.[40]
[41]  إبراهيم محمد العناني،مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تحديات"، منشورات الحبلى الحقوقية. الجزء الثاني،2005 ، ص 25 .
 إبراهيم محمد العناني، مرجع سابق، ص 25. [42]
 محمد فهاد الشلالدة  ،مرجع سابق، ص 263.[43]
 إبراهيم محمد العناني، مرجع سابق، ص 29.[44]
 إبراهيم محمد العناني، مرجع سابق، ص 32.  [45]
 البروتوكول الثاني 1977لعام، المادة 16.[46]
[47]   مصطفى أحمد فؤاد، مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني: آفاق و تحديات"،مرجع سابق، ص  15 .  
 محمد فهاد الشلالدة  ، مرجع سابق ، ص 274- 275. [48]
 المادة 2 من اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية 1976.  [49]
 إبراهيم محمد العناني، مرجع سابق، ص 53. [50]
 عامر الزمالي ، مرجع سابق ، ص 81. [51]
[52] اتفاقية بشأن الذخائر العنقودية www.icrc.org
 عامر الزمالي ، مرجع سابق ، ص 82.[53]
 حسين الفتلاوي ، الوسيط في القانون الدولي العام، دار الفكر العربى للطباعة والنشر، 1998، ص 183. [54]
 عامر الزمالي ، مرجع سابق ، ص 87.   [55]
[56]  إبراهيم أحمد الخليفة ، مساهمة  في كتاب : " القانون الدولي الإنساني آفاق و تحديات" ،مشار إليه،ص 103 .
 أحمد أبو الوفا :" القانون الدولي الإنساني" ، المجلس الأعلى للثقافة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2006 ،ص 121. [57]
عامر الزمالي ، مرجع سابق ، ص 87. [58]
[59] المادة 47 من اتفاقية جنيف الأولى ، المادة 48 من اتفاقية جنيف الثانية و المادة 127 من اتفاقية جنيف الرابعة و المادة (1-83 -87) من البروتوكول  الأول .       
 أحمد أبو الوفا ، مرجع سابق ، ص 122. [60]
[61] محمد عزيز شكري،  مساهمة في كتاب "القانون الدولي الإنساني : آفاق  وتحديات" ، مرجع سابق ، ص100.
[62] إبراهيم أحمد الخليفة، مرجع سابق، ص 60 – 61 – 62. استشهد بالمادتين 23 و 74 من اتفاقية جنيف الرابعة.
  عامر الزملالي ، مرجع سابق ، ص89.   [63]
 أحمد أبو الوفا ، مرجع سابق ، ص 125.  [64]
 ظهور عدة نزاعات في نواحي مختلفة من العالم كحرب الفيتنام ، حرب الكوريتين و الحروب العربية-الإسرائيلية .[65]
  عامر الزمالي، مرجع سابق ، ص 92. [66]
 حسين الفتلاوي، مرجع سابق ، ص  195 و ما بعدها. [67]
 محمد عزيز الشكري ، مرجع سابق ، ص 107. [68]
[69] عبد الحق بن ميمونة، "الاختصاص التكميلي للمحكمة الجنائية الدولية وعلاقته بالاختصاص المحاكم الوطنية" ، مجلة المستقبل العربي، العدد 363، 2009 ، ص50 .
[70]  الفتلاوي سهيل حسين، مرجع سابق ، ص 197.
 الفتلاوي سهيل، مرجع سابق ، ص 197. [71]
[72] المادة 129 من اتفاقية جنيف الثالثة.
[73]  فريتس كالسهوفن، مرجع سابق ، ص217.
نفس المرجع السابق، ص 221.    [74]
 أحمد أبو الوفا ، مرجع سابق ، ص 137.[75]
[76]  عبد الحق بن ميمونة، مرجع سابق، ص 54.
   محمد عزيز الشكري ، مرجع سابق ، ص 120- 121  [77]
 أحمد أبو الوفا ، مرجع سابق ،ص 139.[78]
 عبد الحق بن ميمونة، مرجع سابق، ص 52 و ما بعدها.[79]
[80]   محمد عزيز الشكري ، مرجع سابق ، ص139.



الاحد 23 ديسمبر 2012

تعليق جديد
Twitter