MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



ممارسة حق الأولوية في إطار مشروع مدونة التعمير

     



ممارسة حق الأولوية في إطار مشروع مدونة التعمير
ذ.الفقير عبدالإلاه

مقدمة

لقد عرف المغرب كغيره من البلدان خلال النصف الأخير من القرن الماضي تطورا عمرانيا كبيرا و توسعا حضريا ينعكس بشكل أو بأخر على التركيبة الاجتماعية وعلى نمط عيش السكان(1)، وقد نتج عن هذه الظاهرة أن ازداد الاهتمام بموضوع التعمير في المجالات الحضرية والتفكير في إيجاد سياسة تعميرية تواكب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن التوسع والنمو الديموغرافي السريع، وذلك من أجل ضبط وتأطير هذا النمو الحضري وتحقيق التوازن في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وإنجاز مختلف التجهيزات اللازمة للتطور العمراني.

فالسياسة العقارية في بلادنا باتت تحتاج إلى تطوير مفاهيمها و تصوراتها بموازاة ما عرفته سياسة التعمير الحديثة من تطور في مجال التخطيط و التشريع، فمفهوم السياسة لا يقتصر على الآنية وعلى التدخلات الإرتجالية بقدر ما يحتاج إلى نظرة تقديرية تتوقع المستقبل وتخطط له، وفي هذا السياق بادرت السلطات العامة إلى فتح ورش كبير ترمي من خلاله إلى تحديث المقتضيات القانونية المنظمة لقطاع التعمير والإسكان لجعلها أداة لاستقطاب الاستثمارات ومسايرة تطور العمران ببلادنا، وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية فقد تم تنظيم ملتقى وطني يوم 13 أكتوبر 2005 حول مدونة التعمير ومن خلاله تم تحديد التوجهات الكبرى و آليات التشاور لإنجاز هذا المشروع الضخم(2).

و من بين المستجدات التي جائت بها المدونة الجديدة حق الأسبقية في الإقتناء المخول للدولة شراء عقارات في المناطق ذات الأولوية ، و يعتبر هذا الحق من أهم الآليات القانونية في السياسة العقارية التي تسمح للسلطات العمومية بتعيين المناطق الحساسة في مجال التعمير التي يجب أن تتمتع فيها بحق الأولوية في اقتناء الأراضي المعروضة في السوق العقارية. فكيف تم تنظيم هذا الحق؟ و ما هو تأثيره على سياسة التعمير في بلادنا؟

للإجابة على هذه الأسئلة سيتم تقسيم الموضوع إلى مبحثين، نتعرض في المبحث الأول للتنظيم القانوني لحق الأولوية في الإقتناء، ثم نتناول في المبحث الثاني الإجراءات العملية لممارسة حق الأولوية في الإقتناء.

المبحث الأول: التنظيم القانوني لحق الأولوية في الإقتناءإن حق الأولوية في الإقتناء المخول لمصلحة الدولة كمؤسسة قانونية حديثة يرجع تاريخ ظهورها إلى العشرتين الأخيرتين فقط ولا زالت في مراحلها الأولى(3)، وتنظيمها في المغرب جاء في شكل مشاريع قوانين لم ترى النور بعد آخرها مشروع مدونة التعمير لسنة 2005. لتفصيل الموضوع سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين.

المطلب الأول. مفهوم حق الأولوية ومجال تطبيقه
حق الأولوية في الإقتناء هو ذلك الحق الذي تتمتع به السلطة العمومية أو الجماعات المحلية أو من يفوض له ممارسة هذا الحق في أولوية اقتناء الأراضي التي تكون موضوع تفويتات للغير، ويصبح المفوت للملكية العقارية التي تسري عليها مقتضيات حق الأسبقية ملزما تحت طائلة بطلان البيع بإخبار الإدارة المعنية، هذه الأخيرة تكون ملزمة أيضا بالجواب داخل أجل معين لسلوك مسطرة الإقتناء بالأسبقية أو التخلي عنها(4).

ولم يسبق للمشرع المغربي أن نص على استفادة الإدارة من حق الأولوية في الإقتناء باستثناء ما جاء به الفصل 32 من القانون المالي لسنة 1973(5) حيث استحدث حقا خاصا لفائدة إدارة التسجيل التابعة لوزارة المالية سماه"بحق الشفعة"(6) قصد محاربة التصريحات الصورية بمناسبة التفويتات الواقعة على الملكية العقارية(7).


لكن استعمال عبارة حق الشفعة أثارت جدلا داخل البرلمان بمناسبة مناقشة قانون المحافظة على المباني التاريخية، فنادى البعض بالحفاظ على هذا المصطلح تجنب الإلتباس في المفاهيم المتفق عليها كما أن الإعتماد على هذا المفهوم فيه حماية لمصالح الدولة حيث أن حق الشفعة لا يمارس إلا حين يبرم العقد ويكون الثمن والأطراف محددين، ثم إن القضاء درج على استعمال نفس المفهوم في كثير من قراراته وأحكامه(8)، و الأمر في هذه الحالة ليس ترديد لترجمة غير دقيقة بل هو تكييف مبني على تصور خاص حول "حق الشفعة".(9)

غير أن كثير من الفقهاء انتقد الإتجاه السابق وأكد على أن الحق الممنوح للدولة ليس بحق الشفعة لإعتبارات كثيرة منها أن الدولة ليست شريكا للبائع مما يسقط حقها في المطالبة بالشفعة طبقا للقواعد العامة للشفعة، وتمارس الشفعة بالنسبة للدولة حتى ولو كان العقد تبرعيا بإستثناء الهبات بين الأقارب المباشرين، بينما الشفعة في إطار قواعدها العامة لا تمارس إلا في عقود المعاوضة، ثم إن إدارة التسجيل لا تقوم بالعرض العيني للثمن والمصاريف كما تنص على ذلك المبادئ العامة وإنما يتم ذلك وفق إجراءات أخرى.

ثم إن الشفعة تمارس داخل آجال محددة مسبقا بحسب النظام القانوني للعقار بينما الشفعة الممارسة من طرف الدولة محددة في ستة أشهر وغالبا ما لا تحترم للأسباب مسطرية تعجز الإدارة عن احترامها(10).

مما سبق يتبين أن ما سمي بحق الشفعة لفائدة الدولة ليس شفعة وإنما حق أفضلية من نوع خاص وحلول جبري للدولة محل المفوت إليه بعيدا عن القواعد العامة للشفعة، وبذلك يكون أقرب إلى النزع الجبري للملكية رغم الفوارق الموجودة بين نزع الملكية وشفعة الدولة.
نظام حق الأولوية في الإقتناء غير مقنن داخل التشريع المغربي وإنما تم التنصيص عليه في مشاريع قوانين(11) لم ترى النور بعد آخرها مشروع مدونة التعمير لسنة 2005، والنظام مستوحى من قانون التعمير الفرنسي إبتداءا من سنة 1958 في إطار أحداث ما سمي بالمناطق ذات الأسبقية في التعمير وثم تكريسه ضمن أدوات السياسة العقارية المعتمدة عليها في مجال التعمير.

ويختلف عن نظام الشفعة الممارسة من طرف الدولة في كثير من النقط حيث أن حق الأولوية في الإقتناء محددة مناطقه مسبقا(12) بمقتضى وثائق التعمير، أو تعين بمقتضى قرارات إدارية حيث أن هناك مناطق تتطلب تدخل الدولة لممارسة حقها في إقتناء الأراضي لما في ذلك من مصلحة عامة يجب أن تسبق منفعة الخواص، أما الشفعة الممارسة من طرف الدولة فلا يميز فيها بين المناطق وتمارس أينما وجدت الصورية في البيوع العقارية و تعتمد على الآنية وإرادة موظف إدارةالتسجيل ويكون هدفه استرجاع أموال الخزينة الضائعة نتيجة التهرب الضريبي.

كما أن نظام حق الأولوية وقائي بالدرجة الأولى ويتدخل قبل إتمام عملية التعاقد، إذ يستوجب الأمر تصريح مسبق على خلاف نظام الشفعة المخول لإدارة التسجيل الذي يمارس بعد إبرام العقد وفي هذا مساس خطير بإستقرار المعاملات.

مما سبق يتضح أن نظام حق الأولوية في الإقتناء من شأنه أن يساعد الدولة في تكوين احتياطات عقارية استراتيجية على عكس نظام حق الشفعة الذي يعتبر قاصرا على تحقيق هذا المبتغى.

أما فيما يخص مجال تطبيق حق الأولوية في الإقتناء وبالرجوع إلى مشروع مدونة التعمير فقد نصت المادة 333 على أنه يمكن ممارسة حق الأولوية في المناطق التالية:

- مناطق المشاريع العملياتية المحددة في المادة 156 أعلاه.
- مناطق الإحتياطات العقارية.
- المناطق المخصصة لإنشاء التجهيزات الكبرى، كما هي محددة في مخططات توجيه التجمعات العمرانية وتصاميم التهيئة.

ولا يمنع المشروع إحداث مناطق جديدة لممارسة حق الأولوية كلما دعت إلى ذلك ضرورة التوسع العمراني لمجال معين، وللسلطات العمرانية سلطة تقديرية واسعة في تطبيق هذا المبدأ(13).

كما لا يجوز ممارسة حق الأولوية في الإقتناء إلا إبتداءا من تاريخ نشر النص التنظيمي المحدد بموجبه المناطق التي يمارس بداخلها هذا الحق كما أن هذا النص يحدد أيضا مدة ممارسة هذا الحق(14).

ولتمكين العموم من الإطلاع على هذه المناطق فقد نص المشروع على إخضاع تحديد المناطق التي يجوز ممارسة حق الأولوية داخل نطاقها لتدابير إشهار رسمية تتمثل في الجريدة الرسمية أو عدة جرائد مأذون لها بتلقى الإعلانات القانونية، ويتم لصق هذا الإعلان من داخل مقرات الجماعات والبلديات المعنية مع إخبار مصلحة المحافظة العقارية وكذا مصلحة التسجيل والمحكمة الابتدائية قصد إعلام العدول والموثقين، وهذا الإشهار ضروري للأجل تبصير مستهلك العقار ليكون على بينة في أن العقار المراد اقتناءه خاضع لقيد الموافقة المسبقة للشخص المخول له ممارسة حق الأسبقية في الاقتناء أو على الأقل إخباره.

المطلب الثاني. الأشخاص المخول لهم ممارسة حق الأولوية في الاقتناء
بالرجوع إلى مشروع مدونة التعمير وخاصة المادة 331 نجدها تنص على أن حق الأولوية يحدث لفائدة الدولة فالمشرع أعطى لها حق الاستئثار لاقتناء الأراضي التي تعرض للبيع في المناطق المحددة مسبقا، و الهدف هو تمكين الجماعة من محاربة المضاربات العقارية في المناطق التي تحتوي مشارع كبرى بالنسبة للمجتمع أو لمجرد تكوين رصيد عقاري للمستقبل.

أما في التجربة الفرنسية فهذا الحق يخول أساسا للجماعات المحلية بالنظر إلى اختصاصاتها في مجال التعمير وإلى المؤسسات العمومية المتخصصة في مجال التهيئة والبناء وكذا شركات الاقتصاد المختلط المكلفة ببعض المشاريع ذات العلاقة المباشرة بقطاع التعمير(15).

ويجوز للدولة أن تفوض ممارسة حق الأولوية في الاقتناء للجماعات المحلية أو المؤسسات العامة وشركات القانون الخاص التي يكون رأسمالها في أغلبه مملوكا للأشخاص العموميين، ويحدد نص تنظيمي مساحة المناطق والعمليات التي فوض هذا الحق من أجلها(16)

وبهذا فحق الأولوية في الاقتناء يفوض بالدرجة الأولى للجماعات المحلية باعتبارها الممثل الأول للدولة في مجال التنمة المحلية وكذا قربها من السكان لمعرفة الحاجيات الأساسية، فهي تحتاج إلى رصيد عقاري يمكنها من إنجاز مختلف المشاريع المسطرة ضمن وثائق التعمير وبهذا التفويض ستتمكن من الاستفادة بآلية مهمة في مجال تكوين الاحتياطات العقارية.

ثم تأتي في الدرجة الثانية المؤسسات العمومية التي تنشؤها الدولة بهدف التفرغ لقطاع معين ويتم التفويض لها ممارسة حق الأولوية في الاقتناء بهدف تسهيل مهمتها للإنجاز المشاريع الموكولة لها، وأخيرا هناك شركات الاقتصاد المختلط التي يكون رأسمالها في أغلبه مملوكا للأشخاص العموميين، وهذا النوع من الشركات يراد منه استثمار رؤوس أموال في إحدى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ذات مصلحة عامة وتدبير هذا المرفق يحتاج إلى رصيد عقاري يمكن الحصول عليه عبر التفويض لها لممارسة حق الأولوية في الاقتناء(17).

المبحث الثاني: إجراءات ممارسة حق الأولوية في الاقتناءلقد حدد المشروع كيفية سريان حق الأولوية وكيفية إقراره بإحدى المناطق التي يحددها القانون، هذا بالإضافة إلى أن حق الأولوية يمنح بعض الامتيازات للإدارة العمومية مثلما يفرض عليها مقابل ذلك مجموعة من الالتزامات بهدف حماية حقوق الخواص، و بهذا سيتم مناقشة الموضوع في مطلبين وفق ما يلي.

المطلب الأول. مسطرة ممارسة حق الأولوية
ابتداء من نشر النص التنظيمي المشار إليه في المادة 336(18) من المشروع يخضع كل مشروع تفويت ملكية يقع داخل مناطق حق الأولوية لوجوب تصريح مسبق من قبل المالك يوجهه للمستفدين من حق الأولوية عن طريق المصالح الجماعية مقابل وصل لذلك، ويجب أن يتضمن هذا التصريح جميع البيانات التي تمكن من التعرف على العقار والثمن وشروط انتقال الملكية(19)في أجل 60 يوما ابتداءا من يوم تسلم التصريح، ويلزم المستفيد من حق الأولوية في الاقتناء تبليغ المصرح إما قبوله بالشروط أو رغبته بالاقتناء كما يمكن له اقتراح ثمن آخر وإما بتخليه عن ممارسة حق الأولوية في الاقتناء و ذلك بواسطة البريد مع إشعار بالتسلم.
ويعتبر عدم الإجابة داخل الأجل المحدد بمثابة تخلي عن ممارسة حق الأولوية و يمكن للمصرح من أن يحصل على شهادة من المصالح الجماعية تثبت هذا التخلي "الضمني"(20) و تكون صالحة لمدة سنة.

ولقد أتاح المشرع للجهة صاحبة حق الأولوية اقتراح ثمن للملكية غير الثمن الذي يقترحه صاحبها داخل الأجل الممنوح لها، في مقابل ذلك خول المصرح رفض الاقتراح داخل أجل 60 يوما ابتدءا من تاريخ تسلمه لقرار السلطة العمومية، كما يمكن للمستفيد من حق الأولوية في حالة رفض المصرح عرض القضية على المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة اختصاصها العقار المراد اقتناءه داخل أجل 30 يوما من تاريخ رد المالك وذلك قصد تحديد الثمن، و يعتبر عدم رفع القضية أمام المحكمة داخل الأجل المشار إليه بمثابة تخلي عن ممارسة حق الأولوية(21)

ولهذا الإجراء أهمية كبرى في تحقيق الأهداف التي ترجى من ممارسة حق الأولوية؛ أولها تكوين احتياطات عقارية إستراتيجية بالنسبة لتطور المجال ومن ثم التحكم في السطح و تطويع تطور العمران ثم مراقبة السوق العقارية و القضاء على المضاربات العقارية، كما أن من شأن اللجوء إلى السلطة القضائية الحد من الارتفاع المهول في أثمنة العقارات بالمناطق الحساسة المحددة بمقتضى قرار إداري، كما أنه يرغم المضاربين والملاكيين العقاريين على وضع أثمنة معقولة لأراضيهم بعيدا عن المضاربة(22)

ولقد خول المشرع للمصرح أن يتراجع عن رغبته في التفويت شرط توجيه إخبار للمستفيد من حق الأولوية بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل عن طريق المصالح الجماعية، وإذا أراد المصرح بيع عقاره أو حقوقه العينية فيجب عليه القيام بتصريح جديد يخضع بدوره لمقتضيات حق الأولوية في الاقتناء.

وإذا ما تم البيع بالمزاد العلني فإن المفوت ملزم بإخبار المستفيد من حق الأولوية بآخر مزايدة برسالة مضمونة ونفس الالتزام ملقى على عاتق كاتب الضبط في المحكمة في حالة البيع عن طريق القضاء، ولا يصبح البيع نهائيا لفائدة المستفيد من المزاد إلا بعد إشعار كاتب الضبط بالتخلي بشكل صريح عن ممارسة حق الأولوية أو بمرور أجل الثلاثين يوما حالة عدم الجواب(23)
وإذا ما قرر المستفيد من حق الأولوية الحصول على العقار فإنه ملزم بالأداء داخل الثلاثة أشهر الموالية لاتفاق الطرفين أو للقرار النهائي للمحكمة المختصة، ويعتبر عدم دفع الثمن أو إيداعه داخل الأجل المحدد تخليا من قبل المستفيد من حق الأولوية عن ممارسة هذا الحق، من نتائج ذلك استرجاع المالك حقه في التصرف في عقاره بكل حرية، ولا يمكن للمستفيد من حق الأولوية أن يمارس هذا الحق اتجاه نفس المالك خلال مدة خمس سنوات ابتداءا من تاريخ اتفاق الطرفين أو من تاريخ الحكم النهائي(24)

المطلب الثاني . ضمانات ممارسة حق الأولوية في الاقتناء
إن أهم الضمانات الممنوحة للملاك العقاريين هو منحهم حرية الاختيار في بيع أراضيهم أو الأحجام عن ذلك، وإذا اختار بيعها فإن الدولة باعتبارها الراعية الأولى للمصلحة العامة تكون أولى بالحصول على هذه العقارات من الخواص للأسباب كثيرة قد تكون احتياجها إلى هذا الرصيد للإنجاز مشاريع ذات منفعة عامة أو محاولة التأثير على الأسعار ومنع المضاربين من الهيمنة على السوق العقارية أو لمجرد تكوين احتياط عقاري غير محدد الاستعمال بشكل أو بآخر.

وبهذا فالملاك لا يحرمون إلا من إمكانية اختيار من يتعاقدون معه و بهذا يعتبر حق الأسبقية الاقتناء وسيلة للتملك العمومي أقل أذى من نزع الملكية للأجل المنفعة العامة(25)

من بين الضمانات القانونية أيضا إلزام السلطة العامة بالجواب على طلب المصرح داخل أجل 60 يوما وسكوتها عن الإجابة يعتبر تخليا ضمنيا عن ممارسة هذا الحق، كما أن المشرع مكن المالك من مناقشة الثمن بكل حرية مع المستفيد من حق الأولوية وإذا اختلف الطرفان يمكن لهما اللجوء إلى القضاء لتحديد الثمن الذي يستحقه العقار و للمالك أيضا أن يتراجع عن بيع أملاكه في أي وقت يشاء شرط إعلام السلطات العمومية برسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل.

إن الرغبة في إعطاء الفعالية و السرعة لتقنية حق الأولوية تم إلزام الإدارة أو الجهة المستفيدة بأداء ثمن العقار داخل أجل ثلاثة أشهر الموالية لحصول الاتفاق أو صدور حكم قضائي نهائي، ويحتفظ المالك خلال هذه المدة بحق الانتفاع بعقاره إلى أن يتم الأداء الكامل للثمن أو إيداعه، واعتبر المشرع عدم دفع الثمن داخل الأجل المحدد بمثابة تخلي من قبل المستفيد عن ممارسة هذا الحق وبذلك يستعيد المالك حرية التصرف في عقاره كما يشاء خلال مدة 4 سنوات.

لكن رغم كل هذه الضمانات فإن المشروع يثير بعض الملاحظات حيث أنه لم يوضح الآثار الناجمة عن هذا الحق رغم أنها منصوص عليها في كل القوانين المقارنة، كالقانون الفرنسي الذي بين تلك النتائج بالنسبة للمالك، المكتري أو المستغلين له إن وجدوا و أيضا بالنسبة لصاحب حق الأولوية، ثم إن المشروع لم يتعرض للضمانات التي يجب توفيرها للملاك في مقابل التعسف الذي قد تمارسه السلطة العامة عند ممارستها لحق الأولوية وخاصة منها القضائية، كما أن تطبيق هذا الحق قد يجعل الملاك يحجمون عن بيع أراضيهم من منطلق تفضيلهم الاحتفاظ بالملكية بدل تسليمها للسلطة، ماداموا ليسوا أحرارا في اختيار من يتعاقدون معهم وأيضا لعدم حريتهم في تحديد الثمن ولن يكون خاضعا لقانون العرض والطلب مما يخلق نوعا من اللامساواة بين الملاك المتواجدون في منطق حق الأولوية ونظارائهم من نفس المنطقة الغير خاضعين لهذا الحق(26)

ورغم ذلك يبقى حق الأولوية في الاقتناء أن تم اعتماده آلية مهمة في تنفيذ سياسة عقارية محكمة حيث سيمكن السلطات العمومية من تكوين احتياطات عقارية مهمة دون المساس بحق الملكية ولا بحرية التعاقد، فالمالك يبقى سيد الموقف إذ بإمكانه التراجع عن التفويت إذا ما قررت الإدارة استعمال حقها في ممارسة الأولوية في الاقتناء، لتظهر ميزة اعتباره وسيلة غير قهرية وبالتالي فإن هذا الأجراء بسيط ولكن النتائج المتوخاة منه تتوقف على قدرة بإمكانيات الإدارة التي تستعملها وعلى الوسائل المخولة لها.


الخاتمةيلاحظ أن السياسة العقارية في المغرب لا تعرف تطبيق حق الأولوية في الاقتناء، و هو حق أثبتت التجارب الأجنبية أهميته كأداة تعطي الأسبقية للدولة في الاقتناء و تساعدها على تحديد الأولويات من خلال تعيين المناطق الحساسة التي تستدعي تدخل مستعجل، و تكمن أهمية الأداة في طابعها الغير إلزامي لا بالنسبة للخواص ولا الدولة. والأمل معقود على خروج مدونة التعمير إلى الوجود ليتم إقرار هذا الحق الذي سيمكن الدولة من تكوين احتياطات عقارية مهمة، ونجاح استعمالها سيتوقف على الإمكانات المخولة للإدارة المستفيدة من الحق.

وقد بينت مجمل الدراسات التي تناولت الموضوع أن تدخل الدولة في ميدان التعمير يفتقد إلى نهج سياسة عقارية ناجعة يكون الهدف منها تكوين إحتياطات عقارية يمكن استعمالها في المدى المتوسط و البعيد، فأغلب تدخلات الدولة آنية وتتحرك عندما تكون في حاجة معينة، لكن و من المتوقع فإن مدونة التعمير في حالة إقرارها ستضع الأسس الضرورية لتلك النظرة المستقبلية لتكوين الإحتياطات العقارية في مجال التعمير.

ومن التوصيات التي يمكن الخروج بها في هذا الإطار نذكر:

 الإسراع في إخراج مدونة التعمير إلى حيز الوجود.
 استحداث قضاء عقاري متخصص بالبت في جميع المنازعات العقارية.
 اعتماد آليات تدبير جديدة في ميدان التعمير مثل حق الأولوية و سياسة الاحتياطات العقارية.
 خلق مؤسسة قانونية قادرة على حسن تدبير الرصيد العقاري العمومي و تجديده باستمرار.

----

الهوامش
(1) ذ.عبد الرحمان بو لهريس، دور الدولة من التدبير المباشر إلى التأطير و التوجيه والتشارك، "العقار والإسكان " أعمل اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية مراكش و بلدية المنارة جليز يوم 24 أبريل2003 ، الطبعة الأولى، سنة 2003 ص 183.
(2) نص تقرير حول نتائج المشاورات الجهوية والمحلية حول مدونة التعمير منشور في موقع www.codeurbainisme.ma تمت زيارة الموقع بتاريخ: 2008/12/21
(3) ذ.الحبيب الشطي، حق الأولوية في الشراء مجلة القضاء والتشريع العدد السادس سنة 1993 ص 34.
(4) Raymond Guillien, Jan vincent, lexique des termes juridique, 15 eme édition 2005 dalloz, p : 480
(5) القانون المالي رقم 1-72-532 بتاريخ 8 يناير 1973 الجريدة الرسمية عدد 3143 بتاريخ 24 يناير 1973.
(6) نصت المادة 25 من ظهير 2 يونيو 1915 في شأن تنظيم العقارات المحفظة على أن "الشفعة هي الحق الذي يتمتع به كل مالك على الشياع في اقتناء الجزء الذي تم تفويته للغير عن طريق الحلول محل هذا الأخير واسترجاعه لمجموع النفقات والتحسينات التي قام بها من أجل شراء العقار".
(7)ذ.محمد خيري، حق الشفعة لفائدة الدولة، مجلة المحاكم المغربية عدد 112 سنة 2008، ص 13 .
(8) منها القرار رقم 383 الصادر في 8 شتنبر 1978 ملف إداري عدد 46759، المنشور في مجلة المحاكم المغربية، عدد112 سنة 2008، ص: 13.
(9) ذ.محمد بادن، الشفعة الممارسة من طرف الدولة، مطبعة دار القلم الطبعة الأولى سنة 2005، ص 16 وما يليها.
(10) ذ.زهير بونعامية، حق الشفعة المقررة لفائدة الدولة بين التكييف والممارسة، المجلة المغربية للقانون الإقتصادي، العدد الثاني سنة 2009، ص 125.
(11) نذكر منها على سبيل المثال: مشروع ظهير يتعلق بقانون الإطار للتهيئة الحضرية والقروية المعد سنة 1970، ومشروع إدارة التعمير لسنة 1997 ثم أخيرا مشروع مدونة التعمير لسنة 2005.
(12) فقد نصت المادة 331 من مشروع مدونة التعمير على أنه" يحدث لفائدة الدولة في مناطق معينة حق الأولوية عند تفويت عقارات أو حقوق عينية عقارية مقابل أداء الثمن نقدا أو عينا".
(13) المادتين 335و 162 من مشروع مدونة التعمير.
(14) المادة 334 من نفس المشروع.
(15) ذ. الهادي مقداد، السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، مرجع سابق، ص:216.
(16) المادة 232 من مشروع مدونة التعمير.
(17) ذ. عبدا لرحمان الجوهري، تقنيات تدبير الملك الخاص الجماعي، رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في التدبير الإداري، المدرسة الوطنية للإدارة، السنة الدراسية 2002/2003، ص:129.
(18) نصت المادة 336 على أنه "يحدد نص تنظيمي المحدث للمناطق التي يمارس داخلها حق الأولوية طبقا للمادة 335 أعلاه المدة التي يمكن خلالها ممارسة هذا الحق".
(19) المادة 339 من مشروع مدونة التعمير.
(20) المادة 340 من مشروع مدونة التعمير.
(21) المادة 342 من مشروع مدونة التعمير.
(22) ذ. الهادي مقداد، السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، مرجع سابق، ص:220.
(23) المادة 344 من مشروع مدونة التعمير.
(24) المادة 347 من مشروع مدونة التعمير.
(25) - J.P LEBERTON « Droit de l’urbanisme » P.U.F 1993, p :316.
(26) ذ. محمد بادن، مرجع سابق، ص:97.









الثلاثاء 20 أبريل 2010

تعليق جديد
Twitter