MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



معالجة تنازع الـمـصـالـح وإشكالية تنزيل الفصل 36 من الدستور المغربي.

     

ذ/ بدر اسريفي
دكتور في القانون الخاص
أستاذ زائر بكلية الحقوق أكدال - الرباط



معالجة تنازع الـمـصـالـح  وإشكالية تنزيل الفصل 36 من الدستور المغربي.

مقدمة:

يبقى رهان مكافحة الفساد الإداري تحديا حقيقيا يعيق تقدم الدول قاطبة، خاصة الدول النامية. إن تجويد وتطوير أداء الإدارات العمومية يعتبر عاملا محددا وأساسيا في تقدمها، ولن يتحقق هذا إلا في ضل نظام يضمن حدا أدنى من النزاهة والشفافية. والفساد فالإداري باعتباره إساءة لاستعمال السلطة من أجل تحقيق فائدة شخصية[1]، أنواع مختلفة يبدأ في الغالب بتضارب أو تنازع المصالح ليترتب عليه باقي الأشكال الأخرى كالرشوة أو استغلال النفوذ أو العذر، غسل الأموال... وصولا لتحقق الإثراء غير المشروع، من هنا تبرز أهمية مكافحة - تضارب المصالح- كنقطة انطلاق في مكافحة الفساد الإداري. إن بنية المجتمعات البشرية عموما تقوم على أساس تبادل المصالح، لكن هذا التبادل لا يكتسي دائما طابع الشرعية، بل قد يكون متأثرا بعوامل تحقيق المصلحة الشخصية الناتجة عن المحاباة والمحسوبية، أو العلاقات العائلية، أو السياسية، أو الاقتصادية...، وهذا ما قد ينطبق على الموظف العمومي أو من في حكمه، الذي قد تتضارب مصالحه الشخصية مع ما يفرضه عليه واجبه الوظيفي، فتتأثر قراراته وفقا لهذا التضارب.
وبالرجوع إلى الترسانة التشريعية الوطنية[2] نجدها قد عملت في مجموعة من نصوصها على منع ومكافحة بعض مظاهر تنازع المصالح عبر تحديد حالات المنع والتنافي والزجر في بعض الحالات، وقد نص دستور 2011م بشكل صريح على مكافحة هذا الشكل من أشكال الفساد الإداري[3]، وان كانت الصيغة التي جاء بها حسب الفصل 36 تثير جملة من الإشكالات المرتبطة بمكافحة تنازع المصالح، فهل استعمال المشرع الدستوري لكلمة المخالفات يقصد من خلالها ضرورة تجريم تنازع المصالح؟ وإن كان الجواب بالإيجاب، ألا يمكن اعتبار أن خطورة هذا الفعل تستلزم اعتباره أكثر من مخالفة بمنطق القانون الجنائي وبالتالي ضرورة اعتباره جنحة أو جناية؟ ألا يتعارض تجريم تنازع المصالح مع مبدأ الشرعية الجنائية لصعوبة التحديد الدقيق لمختلف لحالاته ووضعياته؟
آم أن هذه الصيغة تبقى عامة تاركة المجال للتشريع العادي للحسم في تبني المقاربة الوقائية أو الزجرية لمكافحة تنازع المصالح؟  
للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها سأعتمد التقسيم التالي:  
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي والمرجعي لمكافحة تنازع المصالح.
       المبحث الثاني: وضعيات تضارب المصالح واليات مكافحته.

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي والمرجعي لمكافحة تنازع المصالح.

في إطار هذا المبحث سيتم تناول الإطار المفاهيمي لتضارب المصالح (المطلب الأول)، وكذلك تحديد إطاره المرجعي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الإطار المفاهيمي       

الفقرة الأولى:  تعريف

لا يوجد هناك تعريف موحد ومتفق عليه لتضارب المصالح، وبالتالي يختلف هذا التعريف حسب خصوصيات النظام القانوني لكل دولة، وذلك راجع بالأساس لصعوبة تحديد حالاته بدقة. هكذا يعرفه المجلس الأوروبي بأنه: "... وضعية يكون فيها للعون العمومي مصلحة شخصية من شأنها أن تؤثر بطبيعتها أو يظهر تأثيرها في التنفيذ المحايد والموضوعي لمهامه الرسمية"([4])، أما منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية فتعرفه على انه: "أي تضارب بين المهمة العمومية والمصالح الخاصة لعون عمومي والتي يحصل فيها على منافع شخصية من شأنها أن تؤثر، دون وجه حق، على الطريقة التي ينفذ بها التزاماته ومسؤوليته المهنية"([5])، كما تعرفه المصلحة المركزية للوقاية من الفساد بفرنسا بأنه: "كل تضارب ينتج عن وضعية يحصل فيها المستخدم في مؤسسة عمومية أو خاصة بصفة شخصية على المصالح التي من شأنها أن تؤثر أو يظهر أنها قد تؤثر على كيفية مزاولة مهامه ومسؤولياته المنوطة به"([6]).
وقد عرفه التشريع الكندي لسنة 2006م بأنه: "الوضعية التي يتولى فيها المكلف بمهمة عمومية أو سلطة عمومية من شأنها أن توفر له إمكانية تفضيل مصلحته الشخصية أو مصلحة أحد أقاربه أو أصدقائه أو تفضيل لمصلحة شخص آخر بطريقة غير قانونية"([7]).
ويعتبر تعريف الذي اعتمدته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأكثر شمولا واتساعا لتضارب المصالح، إذ يشمل هذا التعريف الحالات التي يكون فيها تعارض المصالح فعليا، وكذلك حالات تعارض المصالح الظاهري أو الاحتمالي([8]):
فالتعارض المصالح الفعلي: هو الذي يكون في الحالة التي يتأكد معها أن المصلحة الخاصة للشخص المسؤول كانت مؤثرة، وهذا النوع من تعارض المصالح حسب منظمة التعاون والتنمية يجب أن يكون مجرما([9]) حيث تتعارض مصلحة المسؤول العمومي بصفته مواطن عادي مع مصلحته بصفته مسؤول عمومي([10]).
أما التعارض الظاهري للمصالح فيقصد به الوضعية التي يجد فيها الغير مبرر منطقيا لظنهم بان المصالح الشخصية للمسؤول العمومي قد تؤثر على أدائه لمسؤولياته حتى ولو لم يكن هناك مبررا لهذا التأثير أو قد لا يوجد أصلا([11]).
وقد يكون تضارب المصالح احتماليا عندما تكون للمسؤول العمومي مصالح خاصة قد ينتج عنها في المستقبل تعارض للمصالح([12])، فالتضارب المحتمل يجعل مزاولة خدمة عمومية معينة في وضعية تضارب مع مصالح خاصة للمسؤول عن تلك الخدمة([13]) في وقت ما في المستقبل.

الفقرة الثانية: الفساد وتضارب المصالح:

لقد عددت الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد أشكاله، وبالتالي فتحديد مضمون الفساد يتحقق باستغلال الثقة المخولة، سواء في القطاع العام أو الخاص، لتحقيق منافع شخصية مادية أو معنوية، التي تأخذ أشكالا متعددة ومختلفة كالرشوة، الاختلاس أو التبديد
أو تهريب الممتلكات، التجارة بالنفوذ، إساءة استغلال الوظائف، الإثراء غير المشروع، غسل العائدات الإجرامية وإعاقة سير العدالة([14]) وقد اختلفت الآراء في تحديدها لمفهوم الفساد، لكنها تتفق على أنه يقوم على استغلال السلطة من أجل المصلحة الشخصية لصاحب السلطة، وبالتالي فتعارض المصالح يختلف عن الفساد حيث قد نتصور وجود تعارض المصالح في ظل غياب الفساد والعكس صحيح([15])
لكن وفي غالب الحالات يتحقق الفساد عندما تؤثر المصالح الشخصية للموظف العمومي أو من في حكمه بشكل غير سليم على أدائه، وهذا ما يستلزم اعتماد سياسات خاصة لمنع وقوع تعارض المصالح كجزء من سياسات ذات نطاق أوسع لمنع الفساد الاداري ومكافحته([16])، وهذا ما يؤكد صحة القول أن تضارب المصالح ينتج عنه باقي أشكال الفساد الأخرى ويكون نقطة الانطلاق في حلقة الفساد الإداري، وبالتالي فمكافحته تعتبر أساسية لمكافحة هذا الأخير.  

المطلب الثاني: الإطار المرجعي

إن معالجة تضارب المصالح على المستوى الوطني أمر ضروري يجد سنده في تنفيذ المغرب لالتزاماته الدولية (الفقرة الأولى)، وخاصة الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. كما أن الدستور باعتباره أسمى القوانين نص على ذلك صراحة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: على المستوى الدولي

لقد اهتمت الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد بمسألة تضارب المصالح وبالرجوع إلى مقتضياتها نجدها تناولته في مجموعة من موادها إذ تنص في مادتها 7 "...... 4- تسعى كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح".
وكذلك المادة 8 "..... 5- تسعى كل دولة طرف، عند الاقتضاء ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، إلى وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلى تضارب المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين". 
كما أشارت المادة 12 إلى تضارب المصالح في القطاع الخاص حيث تنص على "... ب- العمل على وضع معايير وإجراءات تستهدف صون نزاهة كيانات القطاع الخاص ذات الصلة، بما في ذلك وضع مدونات قواعد سلوك من أجل قيام المنشآت التجارية وجميع المهن ذات الصلة بممارسة أنشطتها على وجه صحيح ومشرف وسليم ومنع تضارب المصالح من أجل ترويج استخدام الممارسات التجارية الحسنة بين المنشآت التجارية وفي العلاقات التعاقدية بين تلك المنشآت والدولة".
كما أوصت المادتين 18 و19 من هذه الاتفاقية بتجريم المتاجرة بالنفوذ عبر استغلاله الفعلي أو المفترض لغاية من سلطة عمومية لصالح المحرض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح أي شخص آخر، وتجريم إساءة استغلال الوظيفة من طرف الموظف العمومي بهدف حصوله على مزايا له أو لغيره.

الفقرة الثانية: على المستوى الوطني.

انسجاما مع التزاماته الدولية في إطار محاربة الفساد، نجد الفصل 36 من الدستور المغربي، بشكل صريح ومباشر يفرض منع تضارب المصالح، بالإضافة إلى مجموعة من الفصول التي تشير إليه بطريقة غير مباشرة.
 وهكذا نجد الفصل 36 من دستور المملكة ينص على أنه: " يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي. على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيآت العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات.
يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية. تحدث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها".
على مستوى هذا الفصل يمكن إبداء ملاحظة الأساسية، تتجسد كونه شكل استثناءا من القاعدة العامة المتمثلة في كون المشرع الدستوري يقوم فقط بتحديد الحقوق والحريات والمبادئ العامة، نجده هنا جرم تنازع المصالح، وهذا يفهم منه الرغبة الحثيثة على المستوى الوطني في مكافحة كل أشكال الفساد الإداري. يطرح هذا الفصل إشكال حول طبيعة هذه الجريمة،  ألزم المشرع العادي باعتبارها مخالفة في إطار احترام تراتبية هرمية القوانين، مع العلم أن جل جرائم الفساد الإداري هي جنح أو جنايات.  
      كما أشارت مجموعة من الفصول وبشكل غير مباشر إلى الحد من بعض الوضعيات التي من شأنها أن يترتب عليها تضارب المصالح، وذلك كالتنصيص على شروط القابلية للانتخابات، وبالنسبة لأعضاء البرلمان، وتحديد حالات التنافي، وقواعد الجمع بين الانتدابات[17].
وتحديد حالات التنافي بالنسبة لأعضاء الحكومة وذلك عبر قواعد الحد من الجمع بين المناصب([18])، بالإضافة إلى منع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، سواء في شكل أوامر أو تعليمات أو ضغوط، كما أن إخلال القاضي بواجبات الاستقلال والتجرد يدخل في خانة الخطأ المهني الجسيم، بالإضافة إلى التنصيص على معاقبة كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة([19])، وتحديد حالات التنافي بالنسبة لأعضاء المحكمة الدستورية([20]) وهيآت حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة[21].
وبالتالي فمكافحة تضارب المصالح تنبني على مرجعية دولية ودستورية أشارت لذلك بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تحديد مجموعة من حالات التنافي التي قد يترتب عليها تضارب المصالح، وذلك بغية تحجيمه قدر المستطاع والحد من أثاره الوخيمة.
 
المبحث الثاني: وضعيات تضارب المصالح واليات مكافحته.

تقوم بنية المجتمعات الإنسانية على أساس تبادل المصالح، لكن هذا التبادل لا يكتسي دائما طابع الشرعية، بل قد يكون متأثرا بعوامل تحقيق المصلحة الشخصية أو بناء على المحاباة والمحسوبية، أو العلاقات العائلية...، وهذا ما قد ينطبق على الموظف العمومي
أو من في حكمه (المطلب الأول)، قبل الوقوف على الآليات الأساسية لمكافحة تضارب المصالح (المطلب الثاني).

المطلب الأول: حالات تضارب المصالح

لا يمكن حصر الحالات التي يجد فيها الموظف العمومي أو من في حكمه نفسه في تعارض للمصالح، بناء على تعدد الروابط والعلاقات التفاعلية داخل الجماعة التي ينتمي إليها سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، وتبقى أكثر حالات تعارض المصالح شيوعا هي([22]):

الفقرة الأولى: على مستوى اتخاذ القرارات والتوظيف والتعيين.

قد تثور حالات تضارب المصالح التي يقع فيها الموظف العمومي أثناء اتخاذه للقرارات سواء كانت قرارات إدارية أو مالية وتتحقق هذه الحالة في الوضعيات التالية:
- أن يكون الموضوع الذي سيقرر فيه، بمفرده أو بمعية آخرين له فيه مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، مالية أو غير مالية، تؤثر في تجرده وموضوعيته أثناء اتخاذه لهذا القرار.
- استغلال منصبه الرسمي لتحقيق مزايا وامتيازات غير مبررة له أو لغيره.
- قيامه بأعمال أو ممارسته لمهنة أو تجارة تخضع للترخيص من قبل الجهة التي هو مسؤول فيها أو تحت رقابتها، دون تقديم لإشعار لها.
- مشاركته في الأعمال التجارية أو المهنية التي يكون فيها تعارض المصالح بينه وبين الجهة التي هو مسؤول فيها المر الذي يؤثر حتما في أدائه لواجباته العامة.
أما على مستوى التوظيف والتعين فيتحقق تنازع المصالح في الحالة التي يكون الموظف العمومي أو من في حكمه هو المختص بالتوظيف أو التعيين ويتعلق هذا الأمر بأحد من أقاربه، وتتحقق هذه الحالة أيضا في الترقيات ومنع العلاوات....، والمقصود بالأقارب هنا من تربطهم بالموظف العمومي صلة حتى أقاربه من الدراجة الرابعة وكذلك صلة النسب. وعلى هذا المستوى يجب على التشريعات وضع معايير أوسع قد تشمل حتى المصالح التي تحرك هذا الموظف العمومي في عمليات التوظيف والتعيين والترقية...، والمبنية على إرضاء الأغراض السياسية أو الاقتصادية الخاصة به.

الفقرة الثانية:  على مستوى عمليات الشراء والتعاقد.

وتتحقق هذه الوضعية بأن يقوم الموظف العمومي أو من في حكمه بعمليات الشراء أو التعاقد مع طرف له فيه مصلحة لنفسه أو لشراكة له فيها مصلحة.
ويتحقق كذلك فيما يتعلق بتعاقد الموظف أو من في حكمه بالتعاقد مع نفسه، لتحل فيها إرادة النائب محل إرادة الأصيل، وهي الحالة التي يكون فيها الشخص نائبا عن غيره وأصيلا عن نفسه أو يكون نائبا عن طرفي العقد ليجمع في طرفي العقد في شخصه، حيث هنا تكون إرادة واحدة وهي إرادة هذا النائب التي حلت محل الإرادتين ففي الصورتين معا، يكون تضارب المصالح بارزا حيث في الحالة التي يكون فيها شخص نائبا عن طرفي العقد فهو إما أن يغلب مصالح طرف عن آخر أو يحاول التوفيق بين المصلحتين المتعارضتين، أما في الحالة التي يتعاقد فيها لنفسه أي أن يكون نائب عن الغير وأصيلا عن نفسه فالتعارض هنا سيكون بين مصلحته الشخصية ومصلحة الموكل. ومع تطور النشاط الإداري ومجالات تدخل الإدارة العمومية يمكن تصور الموظف العمومي أو من في حكمه في أحد الصورتين في مجال العقود الإدارية.
أما فيما يتعلق بالتعامل مع الذات ففي هذه الحالة يكون الموظف العمومي أو من في حكمه هو المسؤول عن إدارة مؤسسة ما ويدفعها لإبرام صفقات معه أو مع مؤسسة يحصل منها هذا المسؤول على منافع، أي أن المسؤول هنا يحتل طرفي الصفقة.

الفقرة الثالثة: على مستوى المصالح التشريعية

يختص أعضاء البرلمان بالقيام بعمليات التشريع عبر وضع قوانين حيث قد يعمد بعض الأعضاء إلى تقديم مقترحات أو التصويت أو الرفض مقترحات أو المشاريع القوانين التي لهم فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، حيث تتأثر هنا عملية التشريع بمصالح هذا العضو، وهو ما ينطبق حتى على أعضاء هيئات الجماعات الترابية فيما يتعلق بوضع اللوائح التنظيمية.

الفقرة الرابعة: على مستوى التحول من القطاع العام إلى الخاص

من بين الحالات التي يمكن أن تتعلق بمجالات تضارب المصالح ما قد يترتب عن انتقال الموظف العمومي للاشتغال من القطاع العام إلى القطاع الخاص، خاصة بالنسبة لموظفين المحتلين لمراكز سامية، وذلك لما لهم من سلطة الاطلاع على معلومات وقرارات من شأنها أن تستفيد منها شركات القطاع الخاص التي سيشغل لحسابها
أو استثمار ذلك المعلومات بما قد يضر المصلحة العامة، كما لموظفي الدولة من علاقات مع زملاء العمل داخل الإدارة التي كانوا يشتغلون بها والتي تبقى حتى ما بعد مصادر الوظيفة وهو ما قد يترتب عليه استغلال تلك المصالح بشكل سيء فيه تضارب للمصالح. اتخاذ الموظف العمومي لقرارات ستستفيد منها الشركات التي سيشتغل بها مستقبلا بالإضافة إلى مجموعة الحالات التي يكون فيها تضارب المصالح حاضر وبشكل قوي في حالة انتقال الموظف العمومي للاشتغال في القطاع الخاص.

الفقرة الخامسة: المحاباة والمحسوبية

وتسمى أيضا بأعمال الوساطة فهي لا تقوم إلا بتواجد ثلاثة أطراف، الطرف الذي يريد الاستفادة من خدمة عمومية معينة، والمسؤول عن هذه الخدمة الذي يقدمها أو قد يغض النظر عن تطبيق القانون، ويجمع الطرفين الوسيط والذي غالبا ما يتأتى له الحصول على مصلحة – بمفهومها الواسع- كتلقي مقابل مادي، أو استثمار هذه الوساطة انتخابيا أو سياسيا...  
تبقى هذه إذن ابرز الحالات والوضعيات التي قد يتحقق فيها تنازع المصالح، والتي تتميز بتعددها وعدم القدرة على حصرها، وهذا ما يبرر صعوبة تجريمها في إطار احترام تام لمبدأ الشرعية الجنائية.

المطلب الثاني: مكافحة تضارب المصالح

تتطلب إجراءات منع ومكافحة تضارب المصالح، إقرار إجراءات خاصة بتعزيز الشفافية في الإدارات العمومية، وأيضا اعتماد مدونات خاصة بقواعد سلوك الموظفين، بالإضافة إلى آلية الإفصاح عن حالات تضارب المصالح:

الفقرة الأولى: تعزيز الشفافية

بالرجوع إلى الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد خاصة المادتين 10([23]) و13 نجدها قد ألزمت الدول الأطراف بسن تشريعات تعزز الشفافية في القطاع العام، وذلك عبر تشريعات تنص على حرية الوصول والولوج إلى المعلومات، واتخاذ قرارات بكل شفافية، بالإضافة باعتماد على أنشطة إعلامية تساهم في ترويج ثقافة عدم التسامح مع الفساد وتوعية عامة تشمل المناهج المدرسة والجامعية، تعزيز آليات الرامية إلى الوصول إلى المعلومات الخاصة بالفساد وتلقيها ونشرها دون إخضاع ذلك لقيود مع مراعاة حقوق الآخرين... بالإضافة إلى رزمة أخرى من إجراءات تعزيز الشفافية في المجال العام([24]).

الفقرة الثانية: المدونات الخاصة بقواعد سلوك الموظفين العموميين

تساهم المدونة الخاصة بقواعد سلوك الموظفين العموميين وبشكل فعال في محاصرة الحالات المتعلقة بتضارب المصالح، وتحديدها ما ينبغي على الأطراف فعله إذا كانت قواعد السلوك تسمح بهذا التعارض في المصالح وذلك كالإجراءات المتعلقة بالإفصاح، الاعتذار عن المشاركة... كما أنها تقوض ادعاء الموظفين العموميين أو المهنيين بالتذرع بجهلهم لكون ما قاموا به من "تضارب المصالح" أمر محضور، فهذه القواعد توضح كل حالات تضارب المصالح التي يجب على الموظف العمومي أو عموما المعني بهذه القواعد تجنبها وعدم إتيانها، وهذا ما أوصت الاتفاقية الأممية به الدول الأطراف([25])

الفقرة الثالثة: الإفصاح عن حالات تعارض المصالح[26]

يعتبر إجراء الإفصاح عن تضارب المصالح من أبرز الطرق التي يجب اعتمادها جزاءات، فهذا الإجراء يتجسد في قيام الموظف العمومي أو من في حكمه بالكشف عن حالة تعارض المصالح التي يوجد فيها وذلك لسلطة الرئاسية، وذلك لغاية إبعاده عن القرار في الحالة التي توافر فيها تضارب لمصالحه الشخصية وواجباته العمومية، وما يترتب عن ذلك من خلق لجو الثقة في المجال العمومي.
كما يفرض هذا الإجراء على كل شخص تولي مهام نيابية ذات طابع سياسي قيامه بجملة من الإجراءات التي تجعل من ممارسته لهذه المهام النيابية بعيدة كل البعد عن حالات تضارب المصالح.

خاتمة

وانطلاقا من كل ما سبق يمكن القول أنه على المستوى الوطني وإن كانت هنا مجموعة من الآليات التي تحد نسبيا من تنازع المصالح وذلك من خلال عدة أنظمة للمنع، حيث هناك مقتضيات لحالات التنافي كآلية وقائية في قوانين متفرقة وذات طبيعة مختلفة، كالمنع من الترشح في القوانين الانتخابية مثلا، بالإضافة إلى تبنى المقاربة الزجرية عبر ما قد يطال بعض المسؤولين العموميين حيث يخضعون لعقوبات التجريد والإعفاء من المهام والعزل والمسائلة الجنائية مع التركيز على تجريم تحصيل منافع غير قانونية.
فرغم هذا كله يبقى المغرب في حاجة إلى بذل مجهودات كبيرة في مكافحة تنازع المصالح انطلاقا من التزاماته الدولية ومن التنزيل السليم للدستور الأخير للمملكة،
  1. إصدار قانون خاص بتنازع المصالح، يحدد بشكل دقيق مفهوم تنازع المصالح، ويجرم وضعيات تنازع المصالح الفعلي.
  2. اعتماد وتعميم مدونات قواعد السلوك والأخلاقيات.
  3. تبني استراتجيات كبرى تتغيى الوقاية من تنازع المصالح.
المراجع:

الكتب:
  1. احمد محمود نهار أبو سويلم، مكافحة الفساد، دار الفكر ناشرون موزعون، الطبعة الأولى، سنة 2010م.
 
التقارير والمقالات:
  1. تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، أرضية أولية لمعالجة تضارب المصالح، دجنبر 2012.
  2. المجلس الأوروبي: مدونة سلوك الموظفين العموميين، بتاريخ 11 ماي 2000م.
  3. تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الخطوط التوجيهية لتضارب المصالح، 2005م.
  4. التقرير السنوي للمصلحة المركزية للوقاية من الرشوة، فرنسا 2004م.
  5. مانويل فيلوريا - ميندياتا، سياسات وممارسات تتعلق بتعارض المصالح في تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي دراسة مقارنة، سيجما: ورقة بحث رقم 36/2006، ديسمبر 2005م.
  6. الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، أرضية أولية لمعالجة تضارب المصالح، دجنبر 2012.
 
النصوص القانونية:
  1. الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد
  1. دستور المملكة لسنة 2011م.
  2. القانون الكندي المتعلق بتضارب المصالح، الصادر بتاريخ 12 دجنبر 2006م.
المواقع الالكترونية:
صالح حسن كاضم، تعارض المصالح، دراسة منشورة على الرابط التالي:www.nazaha.iq
   
الهوامش
[1]   للمزيد من التفصيل حول مفهوم الفساد راجع احمد محمود نهار أبو سويلم، مكافحة الفساد، دار الفكر ناشرون موزعون، الطبعة الأولى، سنة 2010م، ص 13 وما يليها.
[2]   راجع بخصوص جرد مفصل لتضارب المصالح في التشريع المغربي في القطاعين العام والخاص: تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، أرضية أولية لمعالجة تضارب المصالح، دجنبر 2012، ص 16 وما يليها.
[3] ينص الفصل 36 على أنه: "يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي. على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيآت العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات.....".
([4]) مدونة سلوك الموظفين العموميين، بتاريخ 11 ماي 2000م.
([5]) تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الخطوط التوجيهية لتضارب المصالح، 2005م.
([6]) التقرير السنوي للمصلحة المركزية للوقاية من الرشوة، فرنسا 2004م.
([7]) القانون الكندي المتعلق بتضارب المصالح، الصادر بتاريخ 12 دجنبر 2006م.
([8]) مانويل فيلوريا - ميندياتا، سياسات وممارسات تتعلق بتعارض المصالح في تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي دراسة مقارنة، سيجما: ورقة بحث رقم 36/2006، ديسمبر 2005م، ص8.
([9]) الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، أرضية أولية لمعالجة تضارب المصالح، دجنبر 2012، ص8.
([10]) إمانويل فيلوريا - مبندياتا، م.س، ص8.
([11]) نفس المرجع السابق.
([12]) نفس المرجع السابق.
([13]) الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، م.س، ص8.
([14]) الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، أرضية لمعالجة تضارب المصالح، م.س، ص3.
([15]) إمانويل – فيلوريا – ميندياتا، م.س، ص8.
([16]) نفس المرجع السابق.
[17]   الفصلين 62 و63 من دستور المملكة لسنة 2011م.
([18])  الفصل 87 من دستور المملكة لسنة 2011م.
([19])  الفصل 109 من دستور المملكة لسنة 2011م.
([20])  الفصل 131 من دستور المملكة لسنة 2011م.
[21]   الفصل 171 من دستور المملكة لسنة 2011م.
([22])  للمزيد من التفصيل في هذه الوضعيات يرجى مراجعة: صالح حسن كاضم، تعارض المصالح، دراسة منشورة على الرابط التالي:www.nazaha.iq
   
([23]) المادة 10 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد: "تتخذ كل دولة طرف وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ومع مراعاة ضرورة مكافحة الفساد ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية بما في ذلك ما يتعلق بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها عند الاقتضاء ويجوز أن يشمل هذه التدابير ما يلي:
1- اعتماد إجراءات أو لوائح تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها وعن القرارات والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس مع إيلاء المراعاة الواجبة لصون حرمتهم وبياناتهم الشخصية.
2- تبسيط الإجراءات الإدارية عند الاقتضاء من اجل تيسير وصول  الناس إلى السلطات المختصة التي تتخذ القرارات.
3- نشر معلومات يمكن أن تضم تقارير دورية عن مخاطر الفساد في إدارتها العمومية.
([24]) تنص المادة 13 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد على:
"1- تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة ضمن حدود إمكاناتها ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام، مثل المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المحلي، على الماركة النشيطة في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر، وينبغي تدعيم هذه المشاركة بتدابير مثل:
أ- تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها.
ب- ضمان تيسير حصول الناس فعليا على المعلومات.
ت- القيام بأنشطة إعلامية تسهم في التسامح مع الفساد، وكذلك برامج توعية عامة وتشمل المناهج المدرسية والجامعية.
ث- احترام وتعزيز وحماة التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها ويجوز إخضاع تلك الحرية لقيود معينة شريطة أن تقتصر هذه القيود على ما ينص عليه القانون وما هو ضروري لمراعاة حقوق الآخرين
أو سمعتهم – لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو لصون صحة الناس وأخلاقهم".
2- على كل دولة طرف أن تتخذ التدابير المناسبة لضمان تعريف الناس بهيئات مكافحة الفساد ذات الصلة المشار إليها في هذه الاتفاقية وأن توفر لهم حسب الاقتضاء سبل الاتصال تلك الهيئات لكي يلغونها بما في ذلك بيان هوياتهم عن أي حوادث قد يرى أنها تشكل فعلا مجرما وفقا لهذه الاتفاقية".
([25]) تنص المادة 8 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد "1- من أجل مكافحة الفساد، تعمل كل دولة طرف، ضمن جملة أمور، على تعزيز النزاهة والأمانة والمسؤولية بين موظفيها العموميين، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني.
2- على وجه الخصوص، تسعى كل دولة طرف إلى أن تطبق، ضمن نطاق نظمها المؤسسية والقانونية، مدونات
أو معايير سلوكية من أجل الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية.
3- لأغراض تنفيذ أحكام هذه المادة، على كل دولة طرف، حيثما اقتضى الأمر ووفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، أن تحيط علما بالمبادرات ذات الصلة التي اتخذتها المنظمات الإقليمية والأقاليمية والمتعددة الأطراف، ومنها المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين الواردة في مرفق الجمعية العامة 51/59 المؤرخ 12 كانون الأول/ديسمبر 1996...". 
[26]   للتفصيل راجع: صالح حسن كاضم، م.س، ص 39 وما يليها.
 



الاثنين 21 نونبر 2016

تعليق جديد
Twitter