MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مشاكل تطبيق مدونة الاسرة المغربية بالخارج: اسبانيا نموذجا

     


الدكتور ادريس جدي
محام بهيئة مدريد

مقدمة:
مدونة الاسرة المغربية تنص على ان مقتضيات هذا القانون تطبق على جميع المغاربة ولو كانوا حاملون لجنسية أخرى. المشكلة تتجلى في تطبيق كل دولة لقانونها الداخلي و تشبث كل دولة بسيادتها واحيانا وجود صعوبات ترتبط بالبحث في القواعد العامة للإسناد المضمنة في القانون الأوروبي، كلها عوامل الى جانب عراقيل أخرى تحول دون تطبيق مدونة الاسرة بالخارج بالشكل المطلوب، واذا كان القانون الذي تعينه قاعدة الاسناد هوالقانون المغربي، فاالقاضي الاروبي يتمتع بسلطة واسعة في التعامل مع هذا القانون، اذ يمكنه استبعاد القانون المغربي وتطبيق محله قانونه الاروبي المتعلق بالاسرة على المغاربة المقيمين بالخارج.


لجأ المغرب إلى التفكير في صياغة قواعد وضوابط إسناد أكثر مرونة، من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا، بلجيكا، اسبانيا في مجال الأحوال الشخصية، صحيح، معظم الدول الأوربية تأخذ بمبدأ شخصية القوانين في مجال الأحوال الشخصية ، القانون المدني الإسباني مثلا ، الفقرة الثامنة من الفصل التاسع تنص على ان الميراث يخضع للقانون الوطني للهالك وقت الوفاة بغض النظر عن طبيعة الممتلكات والدولة التي توجد بها، و الفقرة الثانية من الفصل السابع بعد المائة والذي كانت تقضي بامكانية إخضاع الطلاق للقانون الوطني المشترك للزوجين وقت ابرام عقد الزواج( تم تعديل واصبح ينص ان الطلاق والفصل الجسماني يخضعان للقانون الاروبي او الاسباني وفق قواعد القانون الدولي الخاص.


سنقف على بعض المشاكل العملية المتعلقة بتطبيق مدونة الاسرة باسبانيا فيما يخص الزواج، الطلاق، النفقة، الارث...


1ـ الزواج:


ـ بالنسبة للزواج، يعتبر القانون الاسباني المغاربة الحاملين للجنسية الاسبانية اسبان، وبالتالي لا يمكن ابرام عقد زواجهم وفق القانون المغربي لان الزواج الحاصل امام العدول وفق القانون المغربي غير معترف به من طرف السلطات الاسبانية، اللهم اذا طلب المعني بالأمر ترخيص Capacidad matrimonial
هناك من مغاربة العالم من يحمل اكثر من جنيسة وبالتالي كيف سيتم تطبيق مدونة الاسرة على الشخص الحاصل على اكثر من جنسية؟، من هو القانون الوطني الواجب التطيق؟ ، فهنا يستحسن اختيار و التنصيص على القانون الواجب التطبيق في عقد الزواج.
ـ المغاربة الحاصلين على جنسية بلد الاقامة قد لا يسمح لهم بالتعدد، الذي تسمح به مدونة الاسرة المغربية ـ بعد الحصول على الاذن بالتعدد طبعاـ هناك دول أروبية تعتبر تعدد الزوجات جريمة معاقب عليها مثل القانون الاسباني 217 ق.ج, والقانون الفرنسي 433 ق.ج.
ـ نسبة مهمة من الزواج المختلط المبرم بالخارج يكون هدفه هو تسوية الوضعية القانونية للمهاجر الموجود في وضعية غير قانونيةـ الزواج الابيض ـ ، اذا ما ثبت ان هذا الزواج هو زواج غير قانوني ، تم اعتباره عمل جرمي، معاقب عليها مثلا القانون الاسباني 217 ق.ج اسباني و بالتالي لا يكن رفع دعوى الطلاق أمام محكمة الاسرة الا بعد ان يبث القاضي الجنائي في جريمة الزواج الغير القانوني.
ـ عند ابرام عقد الزواج تسلم عقد لكل من الزوج والزوجة، وفي حالة الضياع تسلم لأحدهما نسخة من عقد الزواج فقط، وعند تترجم كلمة نسخة الى اللغة الاسبانية تعني "كوبيا" مما يجعل القضاة الاسبان احيانا يطالبون الادلاء بالعقد الاصلي معتبرين ان النسخة ليست هي عقد الزواج الاصلي،هنا يتحسن استبذال كلمة نسخة بكلمة نظير.


2ـ الطلاق:


ـ الطلاق المرفوع من طرف مغاربة اسبانيا امام المحاكم المغربية لا يخلوا من عراقيل، مثلا مغربي يعيش باسبانيا ويرفع دعوى الطلاق امام المحاكم المغربية، كيف سيتم تنفيذ نظام الزيارات؟، كيف يتم استفاء النفقة اذاكان الاب يشتغل بالخارج وكل ممتلكاته بالخارج؟، كيف سيتم معرفة الوضع المادي للزوج او الزوجة المقيمين بالخارج؟، ليس من الاولى رفع دعوى الطلاق امام محكمة السكن الاعتيادي للزوجين؟. نعتقد انه يستحسن تخويل الاختصاص الدولي للمحاكم المغربية في حالة الطلاق الاتفاقي وتخويل الاختصاص لمحكمة السكن الاعتيادي الفعلي للزوجين في حالة الطلاق الغير الاتفاقي.
ـ احيانا تطلق المراة طبقا لقانون بلد الإقامة وتتزوج من جديد برجل آخر؛ و لما تدخل إلى المغرب يتم مطالبتها بالرجوع إلى بيت الزوجية من طرف الزوج الأول لأنها حسب القانون المغربي لازلت في عصمة الزوج الاول.
ـ أحيانا ترفع دعوى الزوجة المغربية دعوى الطلاق امام المحاكم الاسبانية وأثناء الجلسة نتفاجئ بأن الزوج ذهب الى المغرب وحصل على حكم الطلاق من المغرب ومبلغ نفقة الابن زهيد جداـ 300 درهم شهرياـ علما أن الزوج يعمل باسبانيا واجرته الشهرية تناهز 1500 يورو، حكم ابتدائية طنجة، طلاق رقم 2555 بتاريخ 24 دجنبر 2014.
ـ هناك حالات ترفع الزوجة دعوى الطلاق امام المحكمة الاسبانية وامام المحكمة المغربية في نفس الوقت دون انتظار صدور الحكم من احدى محاكم البلدين لتذييله بالصيغة التنفيدية كما هو منصوص عليه في الاتفاقية المبرمة بين المغرب واسبانيا بتاريخ 30 ماي 1997 المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ الاحكام القضائية.
ـ عندما يرفع المغربي المقيم باسبانيا دعوى الطلاق امام محاكم الاسبانية يتم تحديد نفقة الابناء بطريقة أكثر موضوعية، لان القاضي الاسباني يطلب من الادارات الحصول على جميع المعلومات تمكنه من تحديد الوضعية المادية للزوج ( ممتلكات الزوج و الارصدة البنكية، السيارات...)، لكن اذا تم الطلاق امام المحاكم المغربية، يصعب على القاضى المغربي ان يعرف الوضعية المادية الحقيقية للزوج اذا كان هذا الزوج قاطنا بالخارج، الادارة الاسبانية لا تسلم اي معلومة حول الوضعية المادية للزوج للادلاء بها في المغرب نظرا لوجود قانون متعلق بحماية المعلومة.
ـ هناك صعوبة في تنفيد الاحكام الصادرة عن المحاكم المغربية المتعلقة بالنفقة بالنسبة للمغاربة المقمين بالخارج ولهذا تضطر الزوجة تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية وفتح مسطرة التنفيذ في المغرب وبلاد الاقامة.
ـ المغاربة المقيمين باسبانيا، المتابعين بجريمة اهمال الاسرة بالمغرب يتعذر عليهم دخول المغرب، وأحيانا ترفع الزوجة دعوى اهمل الاسرة امام محاكم بلد الاقامة وامام المحاكم المغربية في نفس الوقت.
التنظيم الاروربي رقم 1259ـ2010 هو الذي يحدد الاختصاص والقانون الواجب التطبيق في دعاوي الطلاق في حالة تنازع القوانين، اي عندما تطرح امام المحاكم الاسبانية دعوى الطلاق وأحد الأطراف أجنبي، فان الاختصاص يكون من نصيب المحاكم الاسبانية، وهذا ما اكدته المحكمة الاقليمية ببرشلونة بتاريخ 20 اكتوبر 2015 التي بثت في طلاق زوج و زوجة مغربيين ونصت على ان القانون المنصوص عليه في التنظيم الاروربي له تطبيق شامل من أجل الامن القانوني وحماية الاشخاص بصرف النظر عن الدولة التي ينتميا اليها الزوجين.


3 ـ النفقة:


ـ هناك صعوبة في تنفيد الاحكام الصادرة عن المحاكم المغربية ، كيف سيتم تنفيذ نظام الزيارة، كيف يتم استفاء النفقة اذاكان الاب يشتغل بالخارج وكل ممتلكاته بالخارج؟
بالنسبة للنفقة، تحدد المحاكم الاسبانية النفقة للابناء وفق القانون المدني الاسباني، والزوج ملزم بالنفقة على الابناء حتى تحقيق الاستقلال المادي، وكل من الزوج والزوجة باسبانيا ملزم بالانفاق على الابناء، و دعوى النفقة باسبانيا تتقادم بمرور 5 سنوات ويحكم بها من تاريخ الطلب ، وان الابن الطبيعي والمزداد خارج مِؤسسة الزواج، يستحق النفقة شأنه في ذلك الابن الشرعي، ولا فرق بينهما حسب الفقرة الثالثة من الفصل 39 من الدستور الاسباني.


4 ـ بيت الزوجية:


ـ عند رفع دعوى الطلاق باسبانيا غالبا ما يسند بيت الزوجية للاطفال القاصرين تحت رعاية الزوجة الحاضنة الى ان يبلغون سن الرشد او الحصول على استقلال المالي، بينما الطلاق امام المحاكم المغربية يحرم القاصر من هذا الحق.
ـ الزوج لا يحق له بيع منزله الذي يسكن فيه هو وزوجته ولوكان مسجل باسمه الخاص الا بموافقة الزوجة أو ترخيص قضائي طبقا لروح الفصل 1320 ق.م.ا ، عى اعتبار ان المنزل يشكل بيت الزوجية.


5 ـ تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية:


ـ بعض الأحكام القضائية الصادرة عن الحاكم الاجنبية تبقى بدون تنفيذ بالمغرب بسبب تعارضها مع النظام العام مثلا الاحكام القضائية الاجنبية التي تقضي بالنفقة للاطفال خارج مؤسسة الزواج، فحفاظا على مصلحة المغاربة المقمين بالخارج، وحفاظا على مصلحة الابناء نلتمس من السادة القضاة ان يكونوا اكثر مرونة في مسألة النطام العام و رأفة بمصلحة الابناء لان الفصل 156 من مدونة الاسرة يغلق الباب في وجه الابن المزداد خلال الخطبة وخارج مؤسسة الزواج.
ـ كما حكم الطلاق الذي يقضي بالتعويض للزوجة بسبب الضرر المادي الذي لحق بها من جراء الطلاق ( بسبب للاتوازن المالي ) والذي تقدره المحكمة حسب سن الزوجة ، مدة الزواج، عمل الزوجة ... والذي هو تعويض شهري محدد المدة او تعويض شهري مدى الحياة، يصعب تذييله في المغرب ( الفصل 97 من القانون المدني الاسباني)
ـ المادة 431 م.م. التي تقضي الحصول شهادة كاتب الضبط المحكمة بعدم الطعن من المحكمة الاجنبية من أجل تذييل الحكم الأجنبي، نأكد هنا ان المحاكم الاسبانية لا تسلم هذه الشهادة لان الطلاق تم بارادة الطرفين، ومن تم يكتسب الصيغ التنفيدية بمجرد المصادقة عليه، ولا يبقي مجال للطعن فيه.


6 ـ النظام المالي للزوجين:


ـ اذا لم يتم التنصيص اثناء العقد او بعده، على نظام المالي للزوجين فالنظام المالي هو نطام الاموال المشتركة، وكل ما يمتلكه الزوجين اثناء الحياة الزوجية يتم قسمته مناصفة ما لم توجد ما يتبث عكس ذلك.
بالنسبة للمغاربة المقيميبن باسبانيا و الحاصلين على الجنسية الاسبانية، فيما يخص تصفية النظام المالي للزوجين يطبق القانون الوطني للزوجين أثناء ابرام العقد، اذا كان الزوجين معا أو أحدهما حاصل على الجنسية الاسبانية وقت ابرام العقد يطبق القانون الاسباني أما اذا كان الزوجان مغربيين يطبق القانون المغربي وما يطرح ذلك من اشكالية الاثبات ( الفقرة الثانية من الفصل التاسع من القانون المدني الاسباني)
بالنسبة لعقود الزواج التي تم ابرامها ابتداء من تاريخ 29 يناير 2019، القانون الواجب التطبيق على النظام المالي للزوجين هو التنظيم الاروبي رقم 1103/ 2006 الذي يشكل القانون الواجب التطبيق على المغاربة القاطنين باسبانيا و الحاملين للجنسية الاسبانية.



7ـ الارث:


فيما يخص الارث لا يفوتني ان اشير لمسألة مهمة جدا تتعلق بالارث، فالفقرة الثامنة من الفصل 9 من القانون المدني الاسباني( تم الغاؤها) ، كانت تنص على تطبيق القانون الوطني للاجنبي فيما يخص الارث، اي يتم تطبيق مدونة الاسرة على المغاربة المقيمين باسبانيا ، فمثلا اذ توفي مغربي باسبانيا وترك خليلة و ابن طبيعي، فالقانون الواجب التطبيق هو مدونة الاسرة ، وبالتالي لا يرث لا الابن ولا خليلة الهالك حسب مدونة الاسرة المغربية، على اعتبار ان عقد الزواج غير موجود والابن غير شرعي، بالرغم من ان القانون الاسباني يسمح بحق الابن الطبيعي في الميراث.
التنظيم الأروبي رقم 650ـ2012 المتعلق بالارث الذي دخل حيز التنفيد في شهر غشت 2015 أصبح يشمل تطبيقه دول الاتحاد الاروبي، و مفاده ان القانون الواجب التطبيق بشكل عام على الميراث هو قانون بلد الاقامة الاعتيادية والسكنى الاعتيادية للهالك وقت الوفاة، مقتضات هذا القرار تطبق على ميراث الاشخاص المتوفون ابتداء من 17 غشت 2015 .
وبمقتصي هذا القرار الاروبي تم الغاء الفصل 9 من القانون المدني الاسباني، الذي كان ينص على تطبيق القانون الوطني للاجنبي فيما يخص الارث، اي يتم تطبيق مدونة الاسرة على المغاربة المقيمين باسبانيا.
يبقى الحل الانسب، توجيه المغاربة لتحديد القانون الواجب التطبيق، عن طريق الوصية، وتحديد مدونة الاسرة كقانون الواجب التطبيق على تركة الهالك بعد وفاته كتعبير عن ارادته.


خلاصة:


يبقى تطبيق القانون المغربي للأسرة بالخارج متوقفا على مطالبة الأطراف الذين لهم مصلحة في تطبيقه، إذ عليهم إثبات مضمونه وكونه ساري المفعول أمام القاضي الأوروبي ، وعليهم تحمل نتائج عدم قيامهم بذلك، وهذا ما نص عليه قانون المسطرة المدنية الاسباني في الفقرة الثانية من المادة 281 التي تؤكد على انه من يتشبث بالقانون الاجنبي عليه اثبات مضمونه وسريان مفعوله.
رغم إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا، بلجيكا، اسبانيا في المجال الأحوال الشخصية وخاصة تلك التي تتوفر على جالية مغربية مهمة، من أجل تطبيق قانون الأسرة على جميع المغاربة، فتارة يطبق القاضي الاروبي القانون المغربي للأسرة طبقا لقواعد الإسناد الواردة في الاتفاقية، وتارة أخرى يتجاهل وجود الاتفاقية وينتصر لقانون وطنه..
يجب العمل على استيعاب الوضعيات القانونية للمغاربة المقيمين بالخارج، و تطبيق مدونة الاسرة يصطدم بتمسك كل دولة بسيادتها و بتطبيق قانونها الداخلي،كما أن غياب مستشارين قانونين في القنصليات المغربية بالخارج يزيد من عدم الفهم الجيد لنصوص المدونة الاسرة.
يجب تفعيل وتعميم دور قضاة الاتصال ، كما ان منح المغاربة المقيمين بالخارج صفة مواطن ـ جنسيةـ يقلص من تطبيق مدونة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج ، خاصة و أن القاضي الاجنبي غير ملزم بمعرفة قانون الاسرة المغربي ولهذا يجب على الاطراف اثارة واثباث مدونة الاسرة المغربية.



نقلا من الصفحة الرسمية للدكتور ادريس جدي على الفايسبوك

 



الجمعة 16 فبراير 2024

تعليق جديد
Twitter