MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



مرتكزات الحق في الدفاع أمام القضايا الجنائية في ظل المواثيق الدولية و الدساتير الوطنية

     

عمر بنسعيد
طالب باحث في ماستر حقوق الإنسان



مرتكزات الحق في الدفاع أمام القضايا الجنائية في ظل المواثيق الدولية و الدساتير الوطنية
مقدمة : 

إن ما يميز الإنسان ككائن بشري هو قدرته على التحكم السليم في مختلف الأفعال و التصرفات المادية و المعنوية ، كما أن معرفة الحقوق و الواجبات التي عليه من ضمن الأساسيات لتحقيق العدالة الجنائية ، فمن دون ذلك نجد أن من ضمن الأسباب المؤثرة على فشل السياسات الجنائية هو انتشار الظلم و الإضطهاد الذي يواجهه الشخص المدان في جريمة معينة إما عن طريق عدم ملائمة التشريعات الوطنية تماشيا مع طبيعة الجريمة المستحدثة من طرف الجاني ، و إما عن طريق الخطأ في تكييف القناعات الصميمة للقضاء الجنائي الوطني ، و من هنا يأتي ضرورة تحقيق ميزان العدالة بوضع ضمانات أساسية للشخص المتهم عبر توفير أساليب مختلفة و التي تضمن له حقه في التقاضي بالشكل السليم ، و هنا يأتي دور الدفاع في تطبيق العدالة بمختلف شروطها و خصائصها ، فعندما نقول حقوق الدفاع كضمانة من الضمانات القضائية لا نعني بها توكيل المحامي للدفاع فقط بحيث يشكل ذلك جزء من أجزاء الحق في الدفاع ، و إنما قد يقتصر الأمر على توفير الظروف الملائمة لتحقيق هذا الحق بالصفة الشخصية للمتهم .

و قبل التطرق لدراسة حقوق الدفاع كضمانة أساسية للتمكين من محاكمة عادلة عبر دستور 2011 ،  وجب معرفة الأصول التشريعية التي مكنتنا من معرفة هذا الحق ، و من هنا يمكن الحديث عن قيمة الجانب الديني للمملكة المغربية الذي هو الإسلام الشريعة  باعتبارها أول مصدر أساسي لورود النصوص التشريعية ككل ، و لعل الشريعة الإسلامية قد تطرقت عبر القران و السنة في حديثها عن دور الدفاع كحق من حقوق الإنسانية ككل و ذلك عبر قوله سبحانه " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنه يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيل "   ، و قوله تعالى : " و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "  ، لنستخلص من هذه المضامين ضرورة احترام نصوص الشريعة الإسلامية كجزء من أجزاء المصادر العامة لشرعية حقوق الدفاع ، و نأتي إلى الحديث عن أهمية الإتفاقيات الدولية و تأثيرها بصفتها مصدر أساسي ثاني للمقتضيات الدستورية في مسألة لحقوق الدفاع ، فبصرف النظر عما جاء في الإعلان الفرنسي و الأمريكي و العالمي لحقوق الإنسان لأن الإعلان في صيغته العامة لا يشكل ذلك الأثر الإلزامي و إنما يضم مجموعة من المبادئ العامة لحقوق الدفاع ، و لكن اذا تمعنا النظر في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية نجد على أن المادة 14 من هذه الإتفاقية تنص : على أن" جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء، و لكل فرد الحق عند النظر في أي تهمة جنائية ضده أو في حقوقه و التزاماته في إحدى القضايا القانونية، في محاكمة عادلة وطنية بواسطة محكمة مختصة و مستقلة و حيادية قائمة استنادا إلى القانون" .

فمن هنا نستخلص مدى شرعية حقوق الدفاع عبر المصادر العامة لننتقل في موضوعنا للحديث على دراسة علاقة حق الدفاع و أهم مستجدات دستور 2011 حتى يتسنى لنا معرفة هذه الحقوق عبر أهم هرم تشريعي في المغرب .

فما هي أهم المقتضيات الدستورية التي تبلور المبادئ الأساسية لحقوق الدفاع و تؤمن للمتهم ضرورة تحقيق جزء من الضمانات الأساسية للعدالة الجنائية ؟ و ما هي الآثار السلبية التي قد تترتب عن مخالفة هذا المقتضى ؟ 

ارتأينا لمعالجة هذه الإشكاليات اتباع التقسيم التالي :

المحور الأول : إبراز القيمة الحقوقية لحق الدفاع وفق مقتضيات المواثيق الدولية و الدساتير الوطنية 
المحور الثاني : الآثار القانونية الناتجة عن مخالفة حقوق الدفاع في مختلف الإجراءات الجنائية .


المحور الأول : إبراز القيمة الحقوقية لحق الدفاع وفق مقتضيات المواثيق الدولية و الدساتير الوطنية 

يكمن  حق الدفاع  في الإمكانات المتاحة للإنسان بصفة عامة بهدف إثبات إدعاءاته أو الرد على كل دفاع مضاد، ويمكن القول بأن حقوق الدفاع  تنطلق من مرحلة البحث لتمر إلى مرحلة التحقيق ولتصل إلى مرحلة المحاكمة، كما تأخذ حقوق الدفاع  جميع أبعادها الكونية لأنها لا تقبل التجزئة و ما تتميز به من طابع العالمية الذي هو الشرط الوحيد لتجاوز الخصوصيات الوطنية وهي حجر الزاوية للديمقراطية .
وتنطلق حقوق الدفاع من مبدأ البراءة كأصل وهو ما ورد في المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 دجنبر 1948 والذي ورد فيه أن " كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا".
كما نص الإعلان الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالمادة 14 أن "من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا".
أما على مستوى التشريعات الدستورية المقارنة فنجد أن في الولايات المتحدة الأمريكية أكدت المحكمة العليا الإتحادية دستورية الحق في الإستعانة بمدافع طبقا للتعديل السادس للدستور الأمريكي ، و أكدت المحكمة العليا أن الحق في الدفاع هو حق أساسي ضروري للمحاكمة المنصفة و أجازت للمتهم أن يتنازل عن هذا الحق ، و مع ذلك فللمحكمة ألا تقبل من المتهم أن يدافع بنفسه دون الإستعانة بمدافع إذا رأت أن تنازله عن استخدامه حقه في الإستعانة بمدافع ينم عن سلوك غير قويم .
و في فرنسا أكد المجلس الدستوري في مناسبات عدة القيمة الدستورية لحق الدفاع، على أساس أن يعتمد على المبادئ الأساسية التي تعترف بها قوانين الجمهورية و التي تحوز قيمة دستورية بحكم الإشارة إليها في مقدمة الدستور، و قد عنى المجلس الدستوري بتأكيد القيمة الدستورية لحق الدفاع في مجالات متعددة و لم يقف عند مجرد مجال الإجراءات الجنائية .
و في مصر نصت المادة 69 من الدستور على أن " حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول " , و قد سبق أن نصت المادة 67 منه على أن " المتهم بريء  حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، و يعني حق الدفاع بالأصالة حق المتهم بأن يبدي في حرية كاملة وجهة نظره في شأن وقائع الدعوى و تطبيق القانون عليها ، أما حق الدفاع بالوكالة ، فيعني حق المتهم في أن يكون له المدافع الذي يعرض على سلطات الإجراءات الجنائية ، أو بصفة خاصة سلطات المحاكمة وجهة نظره في شأن وقائع الدعوى و تطبيق القانون عليها و ذلك من أجل أن تتضح أمام هذه السلطات وجهات النظر التي تحتملها الدعوى .
كما لم تتردد المحكمة الدستورية في مصر في تأكيد أن حق الدفاع اعتبره الدستور ركنا جوهريا في المحاكمة المنصفة التي تطلبها في المادة 67 منه كإطار للفصل في كل اتهام جنائي تقديرا بأن صون النظام الاجتماعي ينافيه أن تكون القواعد التي تقررها الدولة في مجال الفصل في هذا الإتهام مصادمة للمفهوم الصحيح لإرادة العدالة الجنائية إدارة فعالة، و أن إنكار ضمان الدفاع أو فرض قيود يخل بالقواعد المبدئية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة و التي تعكس نظاما متكامل الملامح يتوخى صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية، و يحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها ، كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة، ذلك أن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائما من الناحية الدستورية بوسائل إجرامية إلزامية، و تعتبر كذلك وثيقة الصلة بالحق بالدفاع و تتمثل في حق المتهم في مواجهة الأدلة التي قدمتها النيابة العامة إثباتا للجريمة، و الحق في ربطها بأدلة النفي التي يقدمها .
وقد ورد في خطاب الملك محمد السادس الذي وجهه إلى الأمة 7 يونيو 2011 بشأن الدستور الجديد أن الدستور يعد أكثر من قانون أسمى للمملكة باعتباره الأساس المتين للنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز من خلال "دسترة كافة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها ... بما فيها قرينة البراءة".
وقد نص دستور 29 يولوز 2011 في الفصل 23 (الفقرة 4) بالفعل على أن قرينة البراءة مضمونة. كما نص بالفصل 119 على أن كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب للشيء المقضي به.
ومن تم فإن الدستور المغربي الجديد وكسابقه أقر قاعدة من قواعد القانون الدولي العام الواردة في الكثير من المواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والإتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وحريته الأساسية، وهذه الضمانة الدستورية تكفل حق الإنسان في مواجهة الأدلة مع الحق في نفيها بالوسائل التي يسمح بها القانون، ويصاحب هذه القرينة " الشك الذي يفسر لصالح المتهم"
ومن المبادئ الأساسية لكفالة حقوق الدفاع كذلك المساواة  أمام القانون وهو مبدأ عالمي ورد في المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتبر أن " كل الناس سواسية أمام القانون".
وقد نص الفصل 6 من الدستور المغربي على أن " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاص ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالإمتثال له."
كما أكد الفصل 6 المذكور أعلاه على أنه من المبادئ الملزمة دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها وأنه ليس للقانون أثر رجعي. 
أما الفصل 124 من الدستور فإنه نص على أن الأحكام تصدر بإسم الملك و"طبقا للقانون". كما أن الفصل 117 يلزم القاضي بتطبيق القانون.
المساواة أمام القانون تعني الحق للجميع في الحماية القانونية دون تمييز.
ومن حقوق الدفاع كذلك الحق في التقاضي التي تضمنه كافة المواثيق الدولية والذي نص عليه الدستور الجديد بالفصل 118 حيث قال "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون"
من حقوق الدفاع التي أقرها الدستور كذلك بالفصل 23 ( الفقرة 3) إلزامية إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في التزام الصمت، وهو ما ورد بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالمادة 14 التي نصت على أن " لكل متهم بجريمة أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل وفي لغة يفهمها بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها وأن يعطى له من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللإتصال بمحام يختاره بنفسه".
كما أقر الدستور حق الإنسان في الإستفادة في أقرب وقت ممكن ، من مساعدة قانونية والتي تكمن في الحق في اختيار محام، ومن إمكانية الإتصال بأقاربه.
وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في المادة 9 على أنه " لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا"، فإن المادة 23 من الدستور تنص على أنه " لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون". 
كما ينص الدستور المغربي على أن "الإعتقال التعسفي أو السري والإختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقصى العقوبات" 
ويمكن اعتبار أهم المستجدات الدستورية في مجال حقوق الدفاع هو ضمان الدستور للحق في المحاكمة العادلة بالفقرة الرابعة من الفصل 23 منه وفي الفصل 120 الذي نص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي مجانية التقاضي في الحالات التي لا يتوفر فيها المتقاضي على موارد كافية للتقاضي (الفصل 121).
وتدخل ضمن مبادئ المحاكمة العادلة المنصوص عليها وإلى جانب الحق في اختيار محام والتخابر معه والإطلاع على الملف وأخذ صورة منه محاكمة الشخص أمام محكمة عادية أو متخصصة منشأة مسبقا والإبتعاد عن المحاكم الإستثنائية. 
وقد نص الدستور بالفصل 127 على أن المحاكم العادية والمتخصصة تصدر بمقتضى القانون وأنه يمنع إحداث محاكم استثنائية.
كما أن من بين شروط المحاكمة العادلة علانيتها والإبتعاد عن محاكمة الأشخاص في السر إلا إذا نص القانون على ذلك في بعض الحالات الخاصة مراعاة للأخلاق العامة أو النظام العام أو لحماية الأطراف أو الشهود.
وأورد الدستور بالفصل 123 على علانية الجلسات، إلا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك، إلا أن جميع الأحكام تصدر معللة وفي جلسة علنية طبقا للفصل 125.
وقد نصت المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحق في أن يحاكم الشخص دون تأخير لا مبرر له، وان يحاكم حضوريا وأن ينصب له محاميا دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر، وقد نص الدستور المغربي بالمادة 120 على حق كل شخص في حكم يصدر في أجل معقول وعلى مجانية التقاضي ضمن الشروط التي يحددها القانون (121).
ومن حقوق الدفاع كذلك والتي تدخل في إطار المحاكمة العادلة المنصوص عليها دستوريا، حق الإنسان في المجادلة ودفع التهم ومناقشة شهود الإتهام بنفسه أو من قبل غيره، وأن يزود مجانا بترجمان إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة، وألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الإعتراف بذنب، وهي المبادئ التي أقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 14المذكورة أعلاه.  
والخلاصة أن الدستور المغربي الجديد أقر الكثير من الحقوق المتعلقة بالدفاع والمنصوص، عليها بالمواثيق الدولية ويبقى تنزيل مقتضيات هته الحقوق على أرض الواقع رهين بالإرادة السياسية الحقيقية لجميع مكونات المجتمع المغربي، لإقرار مجتمع ديمقراطي حداثي يعيش فيه المواطن ويتعايش وهو مطمئن على حياته وعلى حريته وعلى شرفه وعلى ماله .

المحور الثاني : الآثار القانونية الناتجة عن مخالفة حقوق الدفاع في مختلف الإجراءات الجنائية .

إن في حديثنا عن حقوق الدفاع و الآثار القانونية التي تشوب نقص أو إلغاء هذا المقتضى لا يمكن إلا أن تشكل خللا في معالم المحاكمة العادلة و إبراز عيوب السلطة القضائية في ممارسة العدالة الجنائية ، و انطلاقا من هذا ، تجدر الإشارة إلى مضامين قانون المسطرة الجنائية لكونها تقرر حقوق دفاع المتهم أثناء مرحلة المحاكمة حيث لا تكفي وحدها للقول بتكريس هذه الحقوق وإنما يلزم فضلا عن ذلك وجود ضمانات قوية كفيلة بتفعيل هذه الحقوق على أرض الواقع ابتداءا من الحق في التمسك بقرينة البراءة في الإجراءات المسطرية ، وكل إخلال بأي حق من حقوق الدفاع يجب أن يرتب عنه المشرع الجنائي أثرا معينا لأن قانون المسطرة الجنائية عندما لا يضمن حقوق المتهم باعتباره الطرف الضعيف تصبح قواعده جامدة ونوعا من العبث. 
و مما يمكن استخلاصه ، أن مختلف الآثار المترتبة عن خرق حقوق الدفاع هي إما الحق في الطعن و إما البطلان .

أ‌-    حق المتهم في الطعن 

يكفل المشرع في قانون المسطرة الجنائية للمتهم الحق في الطعن بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 323 بقولها "يبقى حق الطعن محفوظا ليستعمل في آن واحد مع الطعن في الحكم الذي يصدر في جوهر الدعوى" ومن ثمة فإن الطعن في نظرنا ما هو إلا تلك الرخصة المقررة للمتهم ولأطراف الدعوى لاستظهار عيوب الحكم ومن هذه العيوب كل إخلال بحقوق الدفاع من طرف المحكمة وذلك إما بغرض إلغاء الحكم أو تعديله على الوجه الذي يزيل هذه العيوب ويعطي للمتهم فرصة أخرى لإظهار برائته عن طريق الحقوق والضمانات التي تم خرقها عبر مجموعة من الإجراءات التي تستهدف إعادة موضوع النازلة على القضاء وتقدير قيمة الحكم.  

مما لاشك فيه أن الطعن في الأحكام يعد ضمانة رئيسية من ضمانات حقوق الدفاع أثناء مرحلة المحاكمة، فإن افتراض إخلال قضاء الموضوع بخرق لأحد مقتضيات حقوق الدفاع هو أمر وارد مادام أن القاضي بشر وكل بني البشر خطاء لذلك تقرر الطعن في الأحكام للحصول على البراءة أو تعديل الحكم لمصلحة المتهم ومن ثمة فإن الطعن في الأحكام يوقف تنفيذ الحكم الصادر ضد المتهم في المرحلة الابتدائية لأن المتهم إلى حدود هذه اللحظة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقتضى حكم حائز لقوة الشيء المقضي والذي يستنفد جميع طرق الطعن و إذا لم يمنح المتهم هذه المكنة فإنه يعتبر مدانا بحسب حكم محكمة الدرجة الأولى المصدرة بالإدانة وهذا ما حددته المادة 597 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الثانية "يقع تنفيذ المقررات الصادرة عن هيآت الحكم بطلب من النيابة العامة عندما يصبح المقرر غير قابل لأي طريقة من طرق الطعن العادية أو للطعن بالنقض". 
ونستنتج من هذه المادة على أن الأحكام الجنائية الصادرة عن المحاكم الزجرية التي يتم الطعن فيها لا تنفذ إلا بعد اكتسابها الحجية القطعية باستنفاد طرق الطعن أو بفوات أجل الطعن. 
ونخلص للقول بأن عدم تنفيذ قرار الإدانة على المتهم إلا بعد الطعن فيه أمر يكرس حقوق الدفاع ويعطي للمتهم الذي تم الإخلال بحقوق دفاعه أن يطعن في هذا الحكم ويفند الأدلة القائمة ضده، ولعل أهمها التعرض على الأحكام الغيابية فإجراء محاكمة المتهم في غيبته يضيع ضمانات محاكمته  أما الاستئناف فيعطي للمتهم الحق في عرض قضية على هيئة قضائية أعلى درجة من أجل مناقشة النازلة من جديد بما فيها حقوق الدفاع. 

ب‌-    البطلان 

للبطلان في قانون المسطرة الجنائية أثرين أساسيين أحدهما متعلق ببطلان الإجراءات المعيبة والآخر متعلق ببطلان الأحكام. 
فبالنسبة لبطلان الإجراءات المعيبة : نميز في هذا الإطار بين البطلان العام 'أو الإنعدام كما يسطلح عليه بعض الفقه ' المنصوص عليه في المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية بقولها كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز، ومعنى ذلك أن كل إجراء فيه حق من حقوق الدفاع ولم يتم إنجازه على الوجه المنصوص عليه يعتبر وكأنه لم ينجز وعن تأصيل كلمة كأنه لم ينجز يدل معناها على العدم وغياب الوجود، ومن ثمة يتم استبعاد هذا الإجراء لأنه في نظر القانون منعدم ولا يصح لإنتاج أية آثار قانونية ضد المتهم كما لا يصح الإعتماد على ما نتج عنه من أدلة. 
وللإشارة فقط فإن هذا النوع من البطلان يسري بأثر رجعي على كل الإجراءات التي شملها القانون ولم يتم إنجازها وفق الوجه القانوني ولذلك يقال على أن للبطلان أثر كاشف وليس منشأ أي أنه موجود من اللحظة التي تم خرقه فيها أي إجراء من الإجراءات التي تنص على حماية حقوق الدفاع وهذا الإخلال يوجب البطلان. 
هذا من جانب أما من جانب آخر فإن هناك بطلان خاص ببعض الإجراءات  المعينة ونورد كمثال على ذلك إجراء الجلسات بصفة علنية فالمادة 300 من ق.م.ج تنص على أنه يجب تحت طائلة البطلان أن تتم إجراءات البحث والمناقشات في جلسة علنية، فالمشرع في هذه الحالة رتب البطلان مباشرة على عدم التقيد بهذا الإجراء لأن عدم التقيد به عبث بحقوق الدفاع من غير الاستثناءات الواردة عليه. 
أيضا هناك إجراء مرتبط بحقوق الدفاع وهو الاستعانة بمترجم تحت طائلة البطلان فحسب المادة 318 في فقرتها الثانية إذا كان المتهم يتكلم لغة أو لهجة أو لسان يصعب فهمه على القضاة أو على الأطراف أو الشهود يعين الرئيس تلقائيا ترجمانا وإلا ترتب عن ذلك الإخلال و البطلان. 
إذن يمكن أن نستنج أن البطلان العام المنصوص عليه في المادة 751 أو البطلان الخاص الذي أقره المشرع ببعض الإجراءات يشكل ضمانة أساسية لبطلان الإجراءات المعيبة وعدم الاعتداد بها لأن فيها خرقا سافرا لحقوق المتهم. 
وإذا كان البطلان ينصب على الإجراء المعيب فإنه لا يمكنه أن يتجاوزه لينصب على الإجراءات التي تم انجازها قبله لأنها مستقلة عنه وتبقى صحيحة مادام أنها احترمت وأنجزت طبقا للقانون. 
فإذا ما تم إبطال الشهادة لعدم تأدية اليمين فتبقى الإجراءات الأخرى صحيحة كالاستماع إلى الخبراء والمترجم، إلا أن الإجراءات التالية لهذا الإجراء المعيب الذي تم إبطاله يؤثر بالدرجة الأولى على الإجراءات اللاحقة له ومنها الحكم القضائي المبني على إجراءات باطلة مادام أن الإجراء التالي بني حكمه على الإجراء الأول التي تم إبطاله وعليه فالإجراءات اللاحقة للإجراء الباطل تكون صحيحة في حالة معينة وهي إذا لم تكن مترتبة عليه .

الخاتمة :

ترتكز مقومات المحاكمة العادلة على مدى التطبيق الدستوري و القانوني لحقوق الدفاع بمختلف مبادئها و خصائصها و شروطها ، بحيث أن العدالة الجنائية لا تنطلق بمجرد النطق بالحكم أو قيام الدفاع بمهامه أو بعلنية المرافعات ، بل تنطلق بمجرد البدأ في مسطرة التحقيق الجنائي مع المتهم و تطبيق الضمانات المخولة له بمختلف صورها المباشرة منها و الغير المباشرة حتى تنتهي بالقناعات الصميمة للقاضي الجنائي في تكييف الجريمة و ملابساتها و ظروف و حيثيات  إعطاء وزنها الزجري بتطبيق العقوبة الملائمة مراعية فيها الظروف الاجتماعية و الاقتصادية للمتهم ، ليبقى السؤال المطروح هو مدى تأثير القناعات الصميمة للقاضي الزجري في تطبيق الحكم القضائي الخاص بالجرائم بصفتها العامة و دوره في تحقيق المحاكمة العادلة بمختلف ضوابطها ؟ 


-    الهوامش :

  - سورة النساء ، الآية 109 .
2- سورة الإسراء الآية 15 .
3- د.خالد خالص -  الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 15:27  -المحور: دراسات وابحاث قانونية – حقوق الدفاع وفق التصور الدستوري الجديد .
4 - د. احمد فتحي سرور , الشرعية الدستورية و حقوق الانسان في الاجراءات الجنائية , دار النهضة العربية , مصر سنة 1995 , ص 213 .
5 - . محمود نجيب حسني , الدستور و القانون الجنائي , دار النهضة العربية , مصر , سنة 1996 , ص 136 و ما بعدها .

6 - د. احمد فتحي سرور , نفس المرجع السابق , ص 214 .
7 -  خالد خالص  مجلة الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 15:27 المحور: دراسات وابحاث قانونية .
8- د. حسن بشيت خوين , ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية خلال مرحلة المحاكمة , مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع , عمان , الاردن , سنة 1998 , ص 123.
9- د. ضاري خليل(محمود)، مجموعة قوانين الإجراءات الجنائية العربية، الجزء الأول، مطبعة البرموك بعداد 1984، ص 65 إلى 66.
10 - د. فخري الحديثي(عمر)، حق المتهم في محاكمة عادلة، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، طبعة 2005 ، ص 184 .
 11- د. فتحي سرور(أحمد)، القانون الجنائي الدستوري، دار الشروق، الطبعة الرابعة، القاهرة، سنة 2006 ، ص 374 .



الاثنين 7 سبتمبر 2015

تعليق جديد
Twitter