MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مدى إمكانية إثبات وفاء الالتزامات بالشيك

     

أبرغ محمد

ماستر: المقاولة والقانون
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكادير



مدى إمكانية إثبات وفاء الالتزامات بالشيك
مقدمة

اختلف المؤرخون على تحديد المكان الجغرافي الذي ظهر فيه الشيك ، بيد أن أغلب الفقه يرجح ظهور هذه الورقة التجارية في إنجلترا ، أما الشيك بمعناه الحديث فلم يظهر إلا في النصف الأخير من القرن السابع عشر، وذلك بعد تأسيس بنك انجلترا سنة 1694 الذي احتكر العملة الورقية ، ولما انتشر استعمال الشيك في إنجلترا انتقل بعد ذلك لمختلف بلدان أوروبا ، ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم، وبالعودة إلى المغرب فإنه لم يعرف الشيك إلا في ظل الحماية ، ليتطور بعد حصول المغرب على الاستقلال.
ومن الناحية التشريعية فإن المغرب لم يشر للشيك في القانون التجاري القديم ، إلا أنه أشار إليه في قانون الالتزامات والعقود في إطار مواد قليلة تقع تحت الحصر ، وكان أول تنظيم للشيك بالمغرب سنة 1939 ثم تلته عدة تعديلات بعد ذلك ، وبصدور مدونة التجارة الجديدة نظم المشرع المغربي الشيك في إطار المواد من 239 إلى 328 في إطار القسم الثالث من الكتاب الثالث المتعلق بالأوراق التجارية .
هذا فإذا كان الشيك ورقة تجارية تؤدي عدة وظائف باعتباره أداة وفاء وغيرها ، فإن السؤال المطروح هو هل يمكن إثبات وفاء الالتزامات بمقتضى الشيك؟
للإجابة على هذه الإشكالية سنتناول هذا الموضوع في مطلبين كما يلي:

• المطلب الأول: مدى إمكانية إثبات وفاء الالتزامات بالشيك في المعاملات التجارية.
• المطلب الثاني: أية مكانة للشيك في إثبات وفاء الالتزامات المدنية.

المطلب الأول: مدى إمكانية إثبات وفاء الالتزامات بالشيك في المعاملات التجارية


تعتبر المعاملات التجارية أكثر المعاملات الإنسانية شيوعا بين البشر، ويرجع السبب في ذلك إلى أن المعاملات التجارية ركيزة أساسية في بناء اقتصاد قوي ومتين ، لأن بذلك تزدهر المجتمعات وتتطور في جميع الميادين الأخرى، ويرجع ذلك إلى أن بناء اقتصاد قوي يؤدي لفك كافة المعضلات الأخرى المرتبطة بالدولة ، وعلى اعتبار المعاملات التجارية كذلك، فإنها تحتاج للسرعة والليونة في القيام بها، ولذلك استقر العرف التجاري منذ أمد بعيد على أن المعاملات التجارية بين التجار يتم إثباتها بكافة الوسائل الممكنة ، وعلى الدرب ذاته سارت مختلف التشريعات بعد أن ازداد تقنين الأنشطة التجارية وازدهاره.
ويعتبر نوع الإثبات في المعاملات الجارية أحد أهم الأسس التي ينبني عليها ازدهار عالم التجارة خاصة والأعمال عامة، وما من شك أن الإثبات تتوزعه ثلاث مذاهب أساسية هي الإثبات الحر ، الإثبات المقيد ، ثم الإثبات المختلط ، ومن هنا نتساءل ما موقف المشرع التجاري المغربي من هذه المذاهب؟ وأي مذهب انتهجه التشريع المغربي في المعاملات التجارية،
إن الجواب على هذا السؤال في الفقرة الأولى من هذا المطلب، سيفيدنا في تحديد موقع الشيك في إثبات الوفاء في الالتزامات بين التجار، وهذا ما سنتناوله في الفقرة الثانية من هذه الدراسة.
وعليه سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين كما يلي:

• الفقرة الأولى: موقف المشرع التجاري المغربي من مذاهب الإثبات.
• الفقرة الثانية: موقع الشيك في إثبات الوفاء بالالتزامات التجارية في ظل الموقف المغربي من مذاهب الإثبات.

الفقرة الأولى: موقف المشرع التجاري المغربي من مذاهب الإثبات

عمد المشرع المغربي في إطار مدونة التجارة الجديدة التنصيص على مبدأ حرية الإثبات في المعاملات التجارية، ولقد جاء ذلك صريحا في المادة 334 التي جاء فيها:" تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات، غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك".
وبتأملنا للنص أعلاه نطرح الإشكالية التالية، هل المشرع هنا اعتمد نظام الإثبات الحر أم المختلط؟ أم أن النص جعل الإثبات مقيدا في حالات استثنائية؟
إن الجواب على هذه الإشكالية يقودنا إلى أن المشرع المغربي اعتمد على اتباع المذهب الحر في الإثبات فيما يخص المعاملات التجارية، كما أن الإثبات مقيدا في حالتين فقط الأولى هي تنصيص القانون على الإثبات بالكتابة، وهذا في نظرنا لا يعني اعتماد المشرع المغربي المذهب المختلط في الإثبات بل جاء النص ليستثني من حرية الإثبات تلك المعاملات التي تطلب فيها المشرع المغربي الكتابة، وهي حالات جد قليلة، ومنها مثلا ضرورة إثبات عقد الوكالة التجارية بالكتابة ، والحالة الثانية هي اتفاق الطرفين على إثبات معاملتهم التجارية بالكتابة، ونرى أن هذه الحالة لا تخرج عن حرية الإثبات ما دام المشرع أعطى إمكانية للأطراف لإقرار الإثبات الكتابة من عدمه .
وخلاصة القول أن المشرع المغربي اعتمد في المعاملات التجارية على مذهب الإثبات الحر وهذا ما أكده رجال الفقه القانوني المغربي ، كما أقره القضاء المغربي في العديد من المناسبات منها مثلا قرار للمجلس الأعلى جاء فيه:" أن المحكمة اعتبرت شهادة الشاهدين المستمع إليهما في المرحلة الابتدائية غير كافية لإثبات مديونية المطلوب بالنقض باعتبار أن المبلغ المدعى عليه يفوق 250 درهما على الرغم من أن المعاملة حسب ما وقع التمسك به بين تاجرين بصدد معاملات تجارية ويمكن الاعتماد فيها على شهادة الشهود استثناءا من القاعدة العامة كما تقضي بذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود، مما يكون معه القرار المطعون فيه اعتمد الفصل 444 من قانون الالتزامات والعقود دون الثبت من صفة الدين والطرفين خرقا لمقتضيات الفصلين المذكورين".

الفقرة الثانية: موقع الشيك في إثبات الوفاء بالالتزامات التجارية في ظل الموقف المغربي من مذاهب الإثبات


بعد تحديدنا لموقف المشرع المغربي من المذاهب الثلاث للإثبات في المعاملات التجارية، ولما تبين من ذلك أن المشرع المغربي نهج السير على مذهب الإثبات الحر في المعاملات التجارية، فإن السؤال المطروح يفيد ما مدى إمكانية إثبات الوفاء بالالتزامات بالشيك في المعاملات التجارية؟
نجيب على هذا التساؤل انطلاقا من كون الإثبات في الميدان التجاري يخضع لحرية الإثبات لنقول أن إثبات الوفاء بالالتزامات في المعاملات بالشيك أمر ممكن، بل يجوز ونستند في ذلك إلى أنه إذا كان الشيك يحمل توقيع الملتزم وهذا التوقيع له نموذج عند البنك، وهذا الأخير يتأكد من تطابقهما، فعندما يتبين تطابق التوقيعين، فإن البنك يؤدي مبلغ الشيك ثم يحتفظ بهذا الأخير ، وعليه يمكن للمدين إثبات الوفاء بالالتزام عن طريق الشيك.

المطلب الثاني: أية مكانة للشيك في إثبات وفاء الالتزامات المدنية


تعتبر المعاملات المدنية بين بني البشر من الأمور الموازية له منذ نشأته، والمعملات المدنية هي تلك التي غير التجارية، والمشرع المغربي نظم المعاملات المدنية بمقتضى ظهير غشت 1913 المتعلق بالعقود والالتزامات، والذي غير وتمم بمقتضى القانون رقم 53.05، أما من قبل وضع ظهير 1913 كانت المعاملات المدنية لا يؤطرها أي قانون، فكان حينذاك التعامل بمقتضى الأعراف والعادات والشريعة الإسلامية.
والمعاملات المدنية بعكس المعاملات التجارية، فإن المشرع المغربي اعتمد في المعاملات المدنية على مذهب الإثبات المقيد، وهذا ما يتضح من خلال الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه:" الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شانها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي تتجاوز مبلغها وقيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية".
وانطلاقا من النص أعلاه سنجيب على ما مدى إمكانية إثبات الوفاء الالتزامات المدنية بالشيك؟، وذلك انطلاقا من فقريتن كما يلي:

• الفقرة الأولى: مدى إثبات التزام قيمته أقل من 10.000 درهم بالشيك.
• الفقرة الثانية: مدى إثبات التزام قيمته أكثر من 10.000 درهم بالشيك.

الفقرة الأولى: مدى إثبات التزام قيمته أقل من 10.000 درهم بالشيك


نص المشرع المغربي في إطار الفصل 443 المذكور آنفا أن الاتفاقات وغيرها بين الأطراف يجب أن تحرر كتابة، مما يعني أن الاتفاقات وغيرها التي تكون قيمتها أقل من ذلك لا يستوجب المشرع الكتابة فيها مما يعني أن إثباتها يتم بسائر الطرق التي أقرها القانون المدني .
وعليه بما أن المشرع جعل الكتابة إحدى أهم هذه وسائل الإثبات في القانون المدني، فإن إثبات الوفاء بالالتزامات في المعاملات المدنية التي تقل قيمتها عن 10.000 آلاف درهم بالشيك آمر ممكن باعتبار الشيك محرر مكتوب يتضمن مجموعة من البيانات ، بحيث يعرف الشيك بأنه:" ويعرف الشيك بأنه تصرف قانوني يحرر على ورقة أو صك وفقا لإجراءات وبيانات حددها القانون، ويتضمن أمرا يصدر عن شخص يسمى الساحب ويوجه إلى مؤسسة بنكية أو هيأة مماثلة لديها رصيد قابل للتصرف فيه تدعى المسحوب عليه لأن تفي بمجرد الإطلاع لإذن شخص ثالث يطلق عليه المستفيد أو الحامل ".

الفقرة الثانية: مدى إثبات التزام قيمته أكثر من 10.000 درهم بالشيك


أوجب المشرع المغربي في إطار الفصل 443 أن تحرر ورقة رسمية أو عرفية في الالتزامات التي تفوق قيمتها 10.000 آلاف درهم، وهنا يثور السؤال عن ما مدى إمكانية إثبات الوفاء بالالتزامات في الشيك؟
نشير إلى أن إثبات الوفاء بالالتزام عن طريق الشيك آمر ممكن في حالة قيام الأطراف بإبراء ذمة المدين التي يتضمنها السند المحرر عن طريق فسخ هذا الأخير، أما إذا تم الوفاء بالشيك لكن دون فسخ المحرر الذي يتضمن الإقرار بالدين فإن إثبات الوفاء بالشيك في ظل وجود ذلك السند أمر غير ممكن، ونستند في ذلك إلى أن الدائن قد يتمسك بسند إقرار الدين لإثبات عدم الوفاء، ما دام المشرع أقر ذلك صراحة .
بقي أن نشير في ختام هذه النقطة إلى أن الطرف المدني يستفيد من حرية الإثبات في مواجهة التاجر بدليل المادة الرابعة من مدونة التجارة .

خاتمة


إذا كان إثبات الوفاء الالتزامات بالشيك في المعاملات المدنية والتجارية آمر ممكن في الحالات التي رأيناها سابقا، فإن السؤال المطروح هو هل يمكن اعتبار حيازة الشيك من طرف الدائن أن يثبت إقرار المدين بدينه؟


لائحة المراجع



- - البوابة الالكترونية لوزارة العدل http://adala.justice.gov.ma.
- أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأوراق التجارية، دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد وفي اتفاقية جنيف للقانون الموحد وفي القانون المقارن، الجزء الثاني، في آليات أو أدوات الوفاء، الشيك ووسائل الأداء الأخرى، الطبعة الأولى، سنة 1998، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.
- أحمد شكري السباعي، الوسيط في الوراق التجارية، الجزء الثاني، في آليات وأدوات الوفاء، الشيك ووسائل الأداء الأخرى، طبعة 2010، مطبعة المعارف الجديدة، الدار البيضاء.
- البخاري عبد الله الجعلي، قانون الإثبات تشريعاً وقضاءً، الطبعة الثالثة، سنة 1996، مطبعة جامعة النيلين.
- ثروت عبد الرحيم، القانون التجاري المصري، طبعة 1981، دار النهضة العربية، القاهرة.
- عبد المعطي محمد حشاد، الشيك رؤية مصرفية وقانونية، دراسة مقارنة طبقا لقانون التجارة المصري الجديد ل 17 سنة 1999، والتشريعات العربية واتفاقية جنيف الدولية المتعلقة بالشيك، الجزء الأول، الطبعة الأولى، سنة 2004، نشر دار الكتب الحديثة، بيروت.
- علي سليمان العبيدي، الأوراق التجارية في التشريع المغربي، الطبعة الأولى، سنة 1970، طبع وتوزيع مكتبة التومي، الرباط.
- محمد مسعودي، بحث لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص تحت عنوان:" الحماية الصرفية لحامل الشيك"، السنة الجامعية 2006- 2007، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط.

نسخة الهوامش و التحميل




الخميس 19 يوليوز 2012

تعليق جديد
Twitter