MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



ماستر: قانون الأعمال مناقشة رسالة في موضوع: إشكالات الاكراه البدني بين النظرية والتطبيق تحت اشراف الدكتور عبد الرحيم بن بوعيدة تقدم بها الباحث هشام آيت الحاج

     



مواكبة لسلسلة المناقشات العلمية التي تعرفها الجامعات المغربية تزامنا مع قرب انتهاء الموسم الجامعي، شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش مؤخرا مناقشة رسالة ماستر حول موضوع: "اشكالات الاكراه البدني بين النظرية والتطبيق"، تقدم بها الطالب الباحث هشام آيت الحاج تحت اشراف الدكتور عبد الرحيم بن بوعيدة، وقد تشكلت لجنة المناقشة من نخبة من الأساتذة الأفاضل :


-الدكتور عبد الرحيم بن بوعيدة رئيسا ومشرفا.
-الدكتور محمد كرم،
-الدكتور زكريا خليل،
-الدكتور ضياء علي أحمد نعمان،
-الدكتور خالد الركيك.

وقد قررت لجنة المناقشة قبول الرسالة ومنحها علامة 18/20 مع تهنئة خاصة

وفيما يلي : تقرير حول رسالة الطالب الباحث هشام آيت الحاج.
****

مقدمة

تعد مرحلة التنفيذ هي المرحلة الأساسية والمنتهى الذي يرغب كل متقاض بلوغه، حيث حماية الحقوق لا تتعلق بصدور حكم قضائي بشأنها، بل لابد من تنفيذ هذه الأحكام بالعمل على ترجمة منطوقها على أرض الواقع.

والأصل في التنفيذ أن يبادر المدين طوعا واختيارا إلى تنفيذ التزامه، وذلك حتى تتم المحافظة على روابط التعاون بين طرفي الالتزام.

وأحيانا لا يعمل المدين على تنفيذ التزامه طوعا، حينئذ لا يبقى عند الدائن إلا اللجوء إلى وسائل التنفيذ الجبري، وذلك عن طريق اتباع الإجراءات القانونية تحت إشراف ورقابة السلطة القضائية، وذلك عندما يكون بيد المدين سند تنفيذي، يمكنه من حفظ حقه واستخلاص دينه.

والتنفيذ الجبري قد يكون تنفيذا مباشرا أو عينيا وقد يكون غير مباشر، كما يكون عن طريق الإكراه البدني، لإرغام المدين على تنفيذ التزاماته، وذلك بأن ينصب التنفيذ على شخص المدين المحكوم عليه مباشرة عن طريق الزج به في السجن.

وقد نظم المشرع المغربي الإكراه البدني في عدة نصوص أهمها قانون المسطرة الجنائية في المواد من 633 إلى 647، ومدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة من المواد 262 مكرر إلى 265 ومدونة تحصيل الديون العمومية من المواد 76 إلى 83، إضافة إلى ظهير 20 فبراير 1961 المتعلق بالإكراه البدني في المواد المدنية.

أما مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية فإنه أكد على استمرارية نظام الإكراه البدني وإن لم يكن جاء بمقتضيات مختلفة عما عليه الأمر في القانون الحالي.

والإكراه البدني له جذور قديمة ترجع إلى العهد الروماني، وكان تطبيقه يتميز بكثير من القسوة والإذلال، حيث كانت تعطى للدائن سلطة مطلقة تسمح له بهدر كرامة مدينه واستنزاف دمه، بل كان للدائن الحق في امتلاك شخص المدين وبيعه، أو قتله وتمزيقه أشلاء بمقدار الدين تطبيقا للقاعدة القائلة بأن من لم يستطع الأداء من ماله يؤدي من جلده.

وقد ساهمت التطورات الاقتصادية وتأثير الدين المسيحي على القانون الروماني في التخفيف من قسوة تطبيق الإكراه البدني بهذه الصورة، حيث تقرر للدائن الحق في طلب وضع مدينه في السجن عند عدم وفائه بدينه شريطة أن يقدم نفقات حبسه مهما طال أمد الحبس.

وإذا كان الإكراه البدني يجد أصله في القانون الروماني، فإن الشريعة الإسلامية كانت من السباقين إلى إعطاء صفة الإلزام للأحكام القضائية من خلال جعل تنفيذها مقترنا بالإلزام والقوة والطاعة والتسليم، ومن ثم فقد أقر الفقه الإسلامي مبدأ حبس المدين الممتنع عن الوفاء بديونه رغم قدرته ويسره.

وقد نظم الفقه الإسلامي هذه الوسيلة تنظيما محكما، حيث تمت الموازنة بين مصالح الطرفين من خلال مراعاة تكريم الإنسان وتحريم كل ما يمس كرامته، وفي نفس الوقت الاعتناء بالتعامل في المال سواء كان هذا التعامل تجارة أو دينا وبعد ذلك انتقل مبدأ تطبيق الإكراه البدني إلى جل التشريعات الوضعية الحديثة، ونصت عليه لإجبار المدين على الوفاء بديونه، غير أن بعض التشريعات تراجعت عن تطبيق هذا النظام رغم فعاليته، وذلك لما له من مساس بحرية المدين.

أما على مستوى التشريع المغربي يمكن التمييز بين ثلاث مراحل متباينة في تطبيق الإكراه البدني:
-مرحلة ما قبل الحماية : حيث كانت تطبق تعاليم الشريعة الإسلامية بخصوص تطبيق الإكراه البدني على المدين.

-مرحلة الحماية : التي تميزت بصدور عدة قوانين في ميادين متنوعة كان نتيجتها أن طبقت أمام المحاكم ثلاث مساطر بالنظر إلى المناطق الاستعمارية التي عرفها المغرب.

-مرحلة الاستقلال : التي تميزت بإلغاء المساطر المعمول بها في عهد الحماية بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ 10 فبراير 1959 والذي قصر مجال تطبيق الإكراه البدني على الغرامة ورد ما يلزم رده والتعويضات والمصاريف المحكوم بها لفائدة خزينة الدولة مع استثنائه في الميدان المدني.

وعندما تبين أن تطبيق نظام الإكراه البدني في الميدان الزجري قد أبان عن نجاعته في تنفيذ الأحكام
القضائية الصادرة في المادة الجنائية وحفظ هيبة مصدريها، فإن ذلك جعل المشرع المغربي يمدد تطبيقه حتى بالنسبة للقضايا المدنية، وذلك بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 20 فبراير 1961، الذي عدل بدوره سنة 2006 بمقتضى القانون رقم 06-30.

ولما كان موضوع دراستي يتعلق بالإكراه البدني سواء في الديون الخصوصية أو الديون العمومية وما يطرحه تطبيقه من إشكالات قانونية وعملية، فإن تناولي له سيكون انطلاقا من مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، وكذا مقتضيات القانون رقم 06-30 المتعلق بتطبيق الإكراه البدني في القضايا المدنية، بالإضافة إلى مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية  ومدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

دواعي اختيار الموضوع

وهي دواع قانونية، واقعية وشخصية.
 
  • الدواعي القانونية : إن الموضوع منصوص عليه في مجموعة من القوانين، قانون المسطرة الجنائية، قانون رقم 06-30 المتعلق بتطبيق الإكراه البدني في القضايا المدنية، مدونة تحصيل الديون العمومية ومدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وهذا من شأنه أن يساهم في تطوير وتعميق البحث والوصول إلى صياغة قانونية موحدة  حول
الموضوع وإيجاد مقاربة للإشكالات التي تثار حول الموضوع.
 
  • الدواعي الواقعية: إن الدراسة النظرية لأي مؤسسة قانونية تكون قاصرة إلا إذا تم تطعيمها بالجانب العملي، ولهذا فإن اهتمامي بالبحث في موضوع الإكراه البدني والرغبة في الاطلاع على القوانين المنظمة لهذه المؤسسة في شقها النظري وإيجاد مقاربة قانونية مع الشق العملي، سوف يكون له الأثر الملموس في هذه الدراسة، خاصة أن هناك قلة في
الكتابات التي عالجت هذا الموضوع بالبحث والتحليل لاسيما في جانبه العملي.
 
  • الدواعي الشخصية: إن دراستي بماستر قانون الأعمال وعلى اعتبار أن وضعية التاجر كشخص ومؤسسة قانونية قائمة بذاتها يعد أحد المحاور التي تعرضنا لها بالدراسة في هذا الماستر. فكما هو معلوم فإن التاجر قد تترتب عليه ديون خصوصية أو عمومية، وبالتالي قد يكون موضوع التنفيذ عن طريق الإكراه البدني كوسيلة للإجبار على تنفيذ
الأحكام القضائية.
 
وبناء عليه، فإن معرفتي بهذه الوسيلة الإجبارية كانت جد متواضعة، لذلك فإنه عندما سئلت من طرف الأستاذ خالد الركيك نائب أول لوكيل الملك الذي كان مشرفا على التدريب الذي تلقيناه كقضاة متمرنين، عن مدى معرفتي بنظام الإكراه البدني، هذا السؤال هو الذي أثارني ودفعني إلى اقتراح  هذا الموضوع على الأستاذ المشرف على رسالتي، وذلك من أجل توسيع مداركي بخصوصه من جهة، وليكون بحثا متخصصا في أهم الإشكالات التي تعترض إحدى أهم وسائل التنفيذ الجبري للأحكام القضائية من جهة ثانية.

أهمية الموضوع

تظهر أهمية موضوع الإكراه البدني من خلال ارتباطه بمسألة تنفيذ الأحكام وما تثيره من إشكالات على المستوى العملي، إذ لا قيمة لحكم بدون تنفيذه، وبالتالي فإن الإكراه البدني باعتباره وسيلة استثنائية للإجبار على التنفيذ لأنه يمس شخص المنفذ عليه، له أحكام خاصة ومتميزة وجديرة بالدراسة والتحليل.

إضافة إلى ذلك فإن خصوصية مسطرة الإكراه البدني جعلتها محل تضارب مختلف الاجتهادات الفقهية والقضائية بخصوص مجموعة من مقتضياتها سواء على مستوى الشروط الموضوعية والشكلية، أو على مستوى الإشكالات والنزاعات التي تثار أثناء مختلف المراحل التي تمر بها.

إشكالية الموضوع

يشكل الإكراه البدني أحد أهم الوسائل وأنجعها على مستوى التنفيذ لذلك فقد  سهر المشرع المغربي على تنظيم مقتضياته وتبيان مختلف إجراءاته المسطرية من أجل ضمان التطبيق السليم له.

وفي هذا الإطار فإن موضوع الإكراه البدني سواء في الديون الخصوصية أو الديون العمومية يطرح عدة إشكالات تتعلق أساسا بمدى فعالية الإكراه البدني في ضمان تنفيذ الأحكام القضائية واستقرار العلاقات التعاقدية والمعاملات المدنية. كل ذلك في ظل الحفاظ على مصالح الدائنين من جهة، وكذا مراعاة ظروف المدين والتقليص من إمكانية الزج به في السجن من جهة أخرى.

فهل استطاع المشرع المغربي أن يحقق حدا أدنى من التوافق الإيجابي بين أطراف الخصومة القضائية؟
ومن الإشكاليات الجانبية التي واكبت نظام الإكراه البدني، ولا سيما ما تعلق منها بالشكليات المسطرية، نجد ما يصطلح على تسميته "بالدعوى المستقلة لتحديد مدة الإكراه البدني"، وهي إشكالية تثور معالمها، سواء بخصوص الجهة القضائية المنعقد لها نوعيا أهلية البت في مقتضاها والحسم في منطوقها، والتي تتجاذبها ثلاث رؤى فقهية وقضائية متباينة بين استقرار منطوقها على إسناد هذا الاختصاص لمحاكم الموضوع، وبين قائلة يجعل نفس الاختصاص منعقدا لقاضي الأمور المستعجلة في إطار مسطرة تواجهية، في نطاق الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، بين طالب دعوى تحديد مدة الإكراه البدني وبين المطلوب فيها، وثالثة تقول بإسناد نفس الاختصاص للسيد رئيس المحكمة في إطار الأوامر المبينة على طلب، المنظم مقتضاها بموجب الفصل 148 من نفس القانون.

الإشكالات المثارة بشأن الدعوى المستقلة لتحديد الإكراه البدني، تبدو تجلياتها أيضا عند رغبة المعني بالأمر، في مباشرة وسلوك إجراءاتها المسطرية، حيث يثور التساؤل حول الشروط الجوهرية المقررة لصحتها، فهل ذات الدعوى مرتبطة بصيرورة الحكم بالأداء نهائيا، وهل هي مقيدة فعلا بإجبارية سبقية استيفاء طرق  التنفيذ العادية، وهل يقبل منطوقها الطعن عاديا كان أو استثنائيا، وما هي شروط مباشرتها متى تعلق الأمر بدعوى مدنية تابعة، إلى غير ذلك من الإشكالات المرتبطة بها أو المتفرعة عنها.

ومن جهة فإن موضوع المنازعة في صحة إجراءات الإكراه البدني في ظل العمل القضائي المغربي يفرز بدوره مجموعة من الإشكالات وخاصة ما تعلق منها بآثار التصريح ببطلان إجراءات الإكراه البدني بين الاتجاه القائل بالإفراج عن المكره بدنيا، ونظيره المؤكد على ضرورة الاكتفاء بواقعة التصريح بالبطلان مع إسناد مهمة ترتيب تبعات هذا البطلان لصالح النيابة العامة دون غيرها.

وعلى غرار نظام الإكراه البدني في الديون الخصوصية، فإن نفس النظام في الديون العمومية، ثم بشأنه ولا سيما بعد دخول قانون 97-15 حيز التنفيذ، رصد مجموعة من الإشكاليات القانونية والقضائية، كما هو الشأن بالنسبة لموضوع تنازع الاختصاص النوعي بين القضاء العادي والإداري في شأن البت في صحة إجراءات الإكراه البدني وإيقافه، وموضوع الإطار القانوني الملائم لطبيعة طلب بطلان مسطرة الإكراه البدني، أهو طلب موضوع منعقد اختصاص البت فيه لقضاء الموضوع، أم هو طلب يكتسي حجية مؤقتة ينعقد اختصاص الحسم فيه للقضاء الاستعجالي، وإشكالية تقنية تحصيل الغرامات بالإكراه البدني في ضوء التعارض القائم بين الفصل 77 من قانون 97-17 والفصل 134 من نفس القانون، وإشكالية تعدد طلبات الإكراه البدني بين قواعد الضم والإدماج، وإشكالية التسديد الجزئي للدين موضوع طلب هذا الإكراه البدني.

خطة البحث

ترتكز خطة البحث بالأساس على دراسة الفصول المنظمة لإجراءات الإكراه البدني والواردة في قانون المسطرة الجنائية وقانون رقم 06-30 المتعلق بتطبيق الإكراه البدني في القضايا المدنية بالإضافة إلى مدونة تحصيل الديون العمومية ومدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة متبعا فيها منهجا يعتمد على محاولة جمع مختلف الإشكالات التي يثيرها الموضوع وتحليلها ومناقشتها، وإبداء الرأي الشخصي بخصوصها كلما كان ذلك ضروريا.

معتمدا في ذلك على مقاربة ميدانية ترصد أهم الجوانب والإشكالات المرتبطة بالموضوع، محاولا تسليط الضوء على كيفية التصدي لها وإيجاد سبل معالجة جوانبها في ظل العمل القضائي المغربي.
وهكذا اشتملت هذه الدراسة على فصلين :

الفصل الأول : الشروط العامة لمسطرة الإكراه البدني.

الفصل الثاني : تنفيذ الإكراه البدني والمنازعة في صحته.

أما خلاصات هذه الدراسة فقد توزعت بين الخلاصات المتعلقة بالاكراه البدني في الديون الخصوصية، فضلا عن الخلاصات المتعلقة بالاكراه البدني في الديون العمومية.

خلاصات حول الإكراه البدني في الديون الخصوصية

بالرجوع إلى المقتضيات التشريعية المنظمة لمسطرة الإكراه البدني في الديون الخصوصية، سواء قانون المسطرة الجنائية الذي يعتبر هو الشريعة العامة في هذا الإطار أو القانون المتعلق بتطبيق الإكراه البدني في القضايا المدنية، خصوصا بعد تعديله، نجد أن المشرع المغربي حاول تغطية بعض العيوب التي كانت تعتري بعض النصوص السابقة، من ذلك مثلا جعله ثبوت إعسار المدين المطلوب في الإكراه موجبا للتحلل من الخضوع لنظام الإكراه البدني بعد أن كان موجبا للتخفيض من مدته فقط.

كما أن المشرع المغربي أحدث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات لإضفاء مزيد من المراقبة القضائية على تطبيق هذه المسطرة وتوفير مزيد من الحماية للمدين، هذا بالإضافة إلى استبعاده إمكانية تطبيق الإكراه البدني بخصوص الديون المدنية الناشئة عن التزام تعاقدي إذا ثبت عسر المدين.

ولكن بالرغم من هذه المزايا التي جاءت بها هذه النصوص ونجاحها في سد بعض الثغرات التي كانت موجودة، إلا أنها لا زالت تعتريها مجموعة من العيوب.

ولعل أهم الثغرات التي تعتري تطبيق مسطرة الإكراه البدني في الديون الخصوصية هي التي حاولت تلخيصها في النقط التالية، مع الإدلاء ببعض المقترحات التي أتمنى أن تساهم ولو بالقليل في  بلورة أرضية متينة لنقاشات فعالة قد تساهم في وضع نصوص قانونية دقيقة وبصياغة واضحة من أجل ضمان التطبيق السليم لهذه المسطرة الاستثنائية، وهذه النقط هي:
 
  1.  لم يحدد المشرع المغربي طبيعة القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات بخصوص الإكراه البدني، وكذا مدى إمكانية الطعن في هذه القرارات، لذلك يتعين التدخل للتنصيص صراحة على إمكانية الطعن في قرار قاضي تطبيق العقوبات القاضي بعدم تطبيق مسطرة الإكراه البدني، وذلك لخلق نوع من التوازن بين طرفي الخصومة.
  2. عدم بيان المشرع بشكل صريح لحدود اختصاص رئيس المحكمة في البت في صحة إجراءات الإكراه البدني، لذلك يتعين التنصيص على كون اختصاص رئيس المحكمة بهذا الخصوص ينحصر في القول بصحة أو عدم صحة إجراءات الإكراه البدني دون أن يتعداه إلى الأمر بإطلاق سراح المحكوم عليه.
  3. عدم تنظيم الدعوى المستقلة لتحديد مدة الإكراه البدني بالشكل المطلوب، مما جعل الكثير يخلط بينها وبين الدعوى الأصلية لتطبيق الإكراه البدني، خصوصا على مستوى الشروط المتطلبة لسلوكها  كذا اختصاص البت فيها، لذلك ينبغي تنظيم مقتضياتها بنصوص خاصة و واضحة باعتبارها دعوى قائمة بذاتها.
  4. ضرورة وضع المشرع لحد أدنى لا يمكن أن يطبق الإكراه البدني إذا لم يتجاوز مبلغ الدين ذلك الحد، لتفادي الزج بالمدين قي السجن بسبب مبالغ تافهة، وذلك على غرار ما هو منصوص عليه بخصوص الديون العمومية في المادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي لا تجيز تطبيق الإكراه البدني إذا كان مجموع الدين يقل عن 8000 درهم .
  5. ضرورة التفكير في إحداث مؤسسات خاصة لإيواء المكرهين بدنيا بسبب عدم الوفاء بالتزاماتهم المدنية، بدل الزج بهم مع المعتقلين بسبب الحق العام، وذلك على اعتبار أن الإكراه البدني وسيلة إجبارية لإرغام المدين على الوفاء بدينه وليس عقوبة بمعناها الحقيقي.
  6. ضرورة التفكير في إيجاد بدائل للإكراه البدني كفيلة بحفظ الحقوق وصون الكرامة، كمنع المدين من السفر، أو إرغامه على تقديم خدمات لفائدة المصلحة العامة... دون أن يسقط حق الدائن بسبب قيام المدين بهذه الخدمات.
خلاصات حول الإكراه البدني في الديون العمومية

بالرجوع إلى نصوص مدونة تحصيل الديون العمومية أنها نجحت في تغطية بعض العيوب والهفوات التي تضمنها ظهير 21-8-1935 السالف الذكر، كما أنها استطاعت إلى حد ما الإحاطة بالقواعد المنظمة لمسطرة الإكراه البدني وتوضيحها، واهتمت في صياغتها الجديدة بالمبررات التي تجيز للمحاسب إكراه الملزم الموسر الرافض لأداء ديونه ومفتعل العسر لإجباره على دفع ديون الدولة، على عكس المدين المعسر الذي أعفته من تطبيق الإكراه في حقه والكف عن ملاحقته، وأصبح بذلك غير جائز شرعا وقانونا وقضاء لأن من العدالة ألا يكره شخص غير قادر على الأداء .

كما وضعت حالات يعفى فيها من آثار الإكراه عندما يكون المبلغ المراد استخلاصه ضئيلا وعمر الملزم لا يصل أو يتجاوز سنا معينا، و لم تنس المرأة عندما تكون مدينة وخصوصا عندما تكون في وضعية يصعب إكراهها كأن تكون حامل أو مرضعة، كما نصت على واقعة الأداء الجزئي للديون وجعلتها سببا كافيا لإيقاف الإكراه البدني شريطة تسديد نصف المبالغ المطلوبة و التزام المدين بدفع المبلغ الباقي خلال ثلاثة أشهر الموالية وتقديمه للضمانات التي يقررها القانون .

وإجمالا ومن خلال هذه القواعد يمكن القول إنه بفضلها تحققت مجموعة من الأهداف منها:
- اعتبار مسطرة الإكراه البدني أداة تدعيم لمسطرة التنفيذ العادية المتمثلة في الحجز وبيع أموال المدين
- تجعل حدا لتصرفات بعض المدينين النابعة عن سوء النية، وذلك عن طريق اللجوء إلى إخفاء أموالهم.
 - اعتبارها من الحوافز المهمة التي تجعل المدين مهتما بتسديد ديونه في أحسن الظروف والأحوال.
 تشكل أداة تنرع الخوف في نفوس المدينين عن طريق إدخالهم السجن، ولعل هذا السبب هو الذي جعل المشرع يبقي هذه المسطرة في مدونة التحصيل، إيمانا منه بفعاليتها في الحفاظ على حقوق الخزينة وحتى لا تضيع كثيرا من الحقوق عند تحصيل المال العام الذي هو ضمانة لاستمرارية الدولة و تطورها .
وبالرغم من هذه المزايا والتغييرات التي جاءت بها هذه النصوص وإن كانت تبدو ظاهريا ومن خلال بساطة أسلوب صياغتها ومراعاتها للتطورات والمستجدات التي تشهدها الساحة القانونية والمالية للبلاد، ورغم نجاحها في حل مجموعة من الإشكالات، إلا أنها لازالت تعرف مجموعة من الثغرات المسطرية التي نتج عنها تضاربا خصوصا على مستوى القضاء .

ويمكن إبداء بعض الملاحظات فيما يخص هذه الثغرات مع إعطاء بعض المقترحات والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

1- فيما يخص إشكال تعارض الصياغة القانونية للمادتين 77 و 134 من المدونة بالنسبة للغرامة، فمناط هذا الإشكال يجد تبريره في التنصيص الوارد بالمادة 2 من المدونة التي أدرجت الغرامات والإدانات النقدية ضمن الديون العمومية المؤهلة للتحصيل، وبتمعن مقتضيات المادة 77 من ذات القانون، نستنتج أن الإكراه البدني في الديون العمومية يحظر تطبيقه فيما يخص الضرائب و الرسوم والديون العمومية الأخرى متى كان مجموع المبالغ المستحقة الأداء لفائدة الخزينة العامة يقل عن 8000 درهما ومما يساعد على تكريس معالم هذا التصور أسلوب الصياغة التي استهل بها الفصل المذكور التي تفيد شمولها لجميع أنواع الديون العمومية المشار إليها في المادة 2 رغم الاستثناء المنصوص عليه في المادة 134 التي تقضي بخضوع الإكراه البدني في ميدان تحصيل الغرامات والإدانات النقدية للفصول 633 إلى 647 من قانون المسطرة الجنائية، نقترح أن تعاد صياغة المادة 77  بأن تستثني الغرامات والإدانات النقدية وذلك بصريح العبارة:

2- فيما يخص وسائل إثبات عسر المعدين عندما يكون الملزم مدينا بدين عمومي غير الغرامات والإدانات النقدية نلاحظ أن المشرع حصرها في وسيلتين وهما:
 
  • محضر عدم وجود ما يحجز
  • شهادة العوز
أما بالنسبة إلى الغرامات والتي تطبق عليها نصوص المسطرة الجنائية بسبب الإحالة فإن وسائل الإثبات المدرجة في الفصل 636 من قانون المسطرة الجنائية  يحصرها في شهادة عوز يسلمها الوالي أو العامل أو من ينوب عنه وفي شهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن المحكوم عليه.
فهنا يلاحظ أن الوسيلة التي يشتركان فيها هي شهادة العوز أما بالنسبة لشهادة عدم الخضوع للضريبة لا تشكل وسيلة الإثبات العسر هنا نتساءل عندما يكون الملزم مدينا بدين ضريبي، إلا انه معسر وغير قادر على سداد ديونه اتجاه الخزينة، في الوقت الذي يكون مدينا بدين ناتج عن غرامة أو إدانة نقدية، فإذا أراد أن يثبت عسره في هذه الحالة استوجب عليه إن يستدل على أنه غير خاضع للضريبة مما يجعلها عائقا لإثبات العسر لا وسيلة لإثباته.

لذلك نقترح أن يتم التنصيص على وسيلة محضر عدم وجود ما يحجز بعدل شهادة عدم الخضوع للضريبة بالنسبة للوسائل المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية لتصبح الوسائل متساوية أمام مديني الخزينة سواء كان الدين كان ناتج عن ضرائب أو عن غرامات و إدانات نقدية، لأنه لا يعقل أن يحرم مدين الغرامة من وسيلة قد منحها المشرع لنظيره في الديون الضريبية و الحال أن الدينان عموميان ويؤولان إلى نفس الجهة وهي الخزينة.

3- فيما يخص تنازع الاختصاص بين المحاكم العادية و المحاكم الإدارية بسبب تطبيق مسطرة الإكراه البدني سواء عند البت فيه أو عند عدم صحة مسطرته و حتى عند إيقافه فإن هذا الإشكال يشكل عائقا كبيرا أمام القضاء وأمام المتقاضين وذلك على النحو التالي:

 بالنسبة للقضاء فقد لوحظ عليه التضارب في أحكامه مما ترتب عنه إشكال قضائي تمثل في صدور أحكام من طرف المحاكم العادية والمحاكم الإدارية وهي أحكام مختلفة وغير مستقرة على اتجاه واحد بسبب المادة 141 التي يفسرها كل قاضي حسب اجتهاده مما يجعل حكمه يذيل بعدم الاختصاص عند عدم اقتناعه بأن المشرع لا يقصد اختصاص محكمته.

بالنسبة للمتقاضين بسبب تنازع الاختصاص وخصوصا السلبي ضياع حقه في رفع الاعتقال عنه، والإشكال لم يقف هنا بل حتى في الحالة التي جعل المشرع الاختصاص للمحكمة الإدارية عند نشوء النزاع فإن ضرر المتقاضي هنا يكمن في صعوبة انتقاله من المحكمة الابتدائية إلى المحكمة الإدارية، مما يجعل مصاريف وأعباء السفر على المتقاضي تتضاعف، لذلك استوجب أن يكون الوضوح في النصوص في مسألة الجهة المختصة في مسطرة الإكراه البدني في جميع مراحله لكي لا يبقى مجزئا بين المحاكم الابتدائية والمحاكم الإدارية والحال أن القاعدة في القانون المغربي فيما يخص الاختصاص النوعي يعتبر من النظام العام .

كل هذا شفع في أن نقترح أن يكون الاختصاص للمحاكم الابتدائية في شخص قاضي المستعجلات مادام المشرع أراد ذلك دون جهة أخر ابتداء من رفع الطلب، إلى حين تنفيذه وإذا نشأ خلاف يبقى في نفس المحكمة، شأنه في ذلك شأن الإكراه البدني المنصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية، وبذلك عوض أن يكون نفس ملف الإكراه البدني موزعا بين المحكمتين، يعطى الاختصاص للمحكمة الابتدائية وتختص به لوحدها.

ويبرز جليا عدم التنسيق بين جهاز النيابة العامة و تنفيذ الأحكام الصادرة عن نفس المحكمة عند الحكم بتطبيق الإكراه البدني على الملزم، فقد أبان التطبيق العملي لهذه المسألة أنه لما يصدر الحكم فإن منطوقه يبقى في حدود الرئاسة ولا تعمل النيابة العامة على تطبيق منطوق الحكم فورا كما نصت على ذلك الفقرة الثالثة من المادة 80 بقولها "يتم تطبيق الإكراه البدني فورا ويعمل على تنفيذه بمجرد توصل وكيل الملك لدى المحكمة المختصة بالقرار المحدد لمدة الحبس".

لذلك استوجب أن تحدد الجهة التي تبلغ وكيل الملك بالقرار هل هي الجهة المصدرة للحكم أم المحاسب الذي صدر هذا الأخير لصالحه حتى لا تبقى هذه الأحكام بدون تنفيذ.

ولعل أفضل وسيلة لتخطي كل هذه الإشكالات هي أن تعتمد الدقة المتناهية للنصوص المنظمة لهذه المسطرة، مع تلافي كل ما من شأنه أن يؤثر على الصياغة القانونية الواضحة والتي تبتعد عن الغموض ولا تقع في التناقض بين مواد نفس القانون من خلال تدارك المشرع لهذه الثغرات ويسن ما يلائم هذه المسطرة وإعطائها عناية أكثر مما هي عليه حاليا نظرا لكونها تشكل أخطر الوسائل الجبرية للتحصيل وهو خطر يمس حرية الشخص وفي نفس الوقت يحرص على صيانة أموال الدولة، وحماية حقوق الأشخاص وحفظ هيبة القضاء.
 


ماستر: قانون الأعمال مناقشة رسالة في موضوع: إشكالات الاكراه البدني بين النظرية والتطبيق تحت اشراف الدكتور عبد الرحيم بن بوعيدة تقدم بها الباحث هشام آيت الحاج



الجمعة 12 يونيو 2015

تعليق جديد
Twitter