MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



كورونــــا وسلبياتهـا على بيــت الـزوجيـة

     

زهـرة لمباركــي
طالبـة باحـثــة بسلـك ماستــر المنازعات



كورونــــا وسلبياتهـا على بيــت الـزوجيـة

كما هو معروف لما يشهده العالم في هذه  الآونة الاخيرة، من ظرفية جد صعبة، إثر التفشي المفاجئ لجائحة "بفيروس كرونا" مما دفع معه مختلف الجهات المسؤولة عن سلامة الوطن ومواطنيه، بالنهوض وببذل الجهود والعناية اللازمة، وتجلت معظمها في اتخاذ عدة تدابير اجرائية و احترازية صارمة حفاظا على السلامة العامة.
   تمثلت هذه الإجراءات في فرض الحجر الصحي أو ما يطلق عليه في بلادنا بحالة الطوارئ الصحية، ذلك بتاريخ 20 مارس 2020 إلى غاية 20 ابريل من نفس السنة.
هذا الإجراء جاء حماية للبشرية جمعاء من خلال الالتزام به والامتثال لأحكامه، لان المفروض للانسان التمتع بالحقوق شيء مسلم به ومعترف به دوليا ومقابل ذلك هو ملتزم أيضا بالواجبات، هذا من جهة لكن من جهة أخرى هذا الاجراء لا يبعد كثيرا إلا ويرتب عدة آثار، ناهيك عن الايجابيات هناك عدة سلبيات متولدة عنه وعلى عدة مستويات، الاجتماعية والاقتصادية...ودون شك تمس الجانب الأسري في المجتمع.
باعتبار الاسرة المستقرة هي خلية المجتمع، وديننا الحنيف يحثنا على رعاية شؤون الاسرة والنهوض بها الى مطاف تحقيق الأمن الأسري، فالأسرة المستقرة  تأتي تحت رعاية ومسؤولية الزوجين، والحياة الزوجية في مفهومها هي اتحاد رجل وامرأة في إطار من الحقوق والواجبات يتضمن تشابههما في أشياء واختلافهما في أشياء تتغير بتغير الظروف والبيئة وغيرها، فالزوج غالبا مايقدم الحماية لاسرته واحتياجاتها المادية والمعنوية، والزوجة بدورها تحرص على الامان واستقرار بيت الزوجية، وبمفهوم المخالفة كل علاقة زواج لا تنبني على الانسجام والتعاون وتوفير الامن والاستعانة بالصبر لا تكون وليدة لعلاقة زوجية ناجحة وتؤدي في صفوفها الى عدم الاستمرار وهدم بيت الزوجية.
وهو الشيء الذي ستقود له التدابير المفروضة بسبب جائحة كرونا. 

ومما دفعنا كمهتمين لطرح الاشكالية التالية:
ما مدى تأثير فيروس كرونا على بيت الزوجية الذي في علاقة مضطربة بفرض حالة الطوارئ الصحية ؟
في ظل ما عاشه زمننا من تفشي بمثل هذه الاوبئة القاتلة دفعت السلطات العمومية الى اتخاذ القرار المذكور بشأن فرض حالة الطوارئ الصحية، هذا الاجراء الاستثنائي لحد الساعة لا وجود لمفهوم دقيق يرفع اللبس عنه، فما يسعنا القول الا انه يعتبر اجراء حمائي يقلص من حرية الفرد في التنقل خارج سكناه وليس حاد لحريته، بدليل احترام الاحكام الدستورية، التي متعت الانسان على قدم المساواة بالحقوق والحريات وفي نطاق القانون وتحت حمايته.
من مخلفات هذا الاجراء همت عدة ميادين وامتدت الى الجانب الاسري منها الذي هو تحت رعاية الزوجين، واصتصدارا للمقولة القائلة في هذا الصدد (كرونا فشارع والزوجة فدار) تم تصريح بها على ارض الواقع من طرف عدة ازواج، تدفعنا الى اعتبار وجود عدة فئات تعرف نوعا من عدم الاستقرار في العلاقة الزوجية بسبب المشاكل الزوجية المعتادة.
فانطلاقا من هذه النقطة تجعلنا على اعتقاد تام بان قرار فرض حالة طوارئ الصحية والزام الجميع احترامه تحت خضوع منافيه لمتابعات قضائية ومن بين هذا الجميع يوجد الزوج الذي في وضعية صعبة مع شريك حياته ويستيقض دائما على جو مشحون بالتوثر والمشاجرة فبمثتاله للقرار المذكور يصعب عليه اكثر وضعيته.
فما مصير هذا الشخص في ظل القرار المفروض؟ وهل توجد حلول في هذا الجانب تصدت لها السلطات العامة من خلال فرض حالة طوارئ الصحية؟
فارتئينا تناول هذا الموضوع من زاويتين:
من الناحية الشرعية أولا ثم من الناحية القانونية ثانيا
يعتبر القرار فرض حالة طوارئ الصحية إجبارية لطرفي العلاقة الزوجية باستحمال بعضهما لبعض تحت سقف واحد وطوال الوقت، الشيء الذي ستتبعه نتائج لا يحمد عقباها خصوصا العلاقة التي يطبعها االجدال اليومي والعنف الزوجي.
فكيف تصدى الشرع والقانون لهذا النوع من العلاقة الزوجية؟
أولا: من الناحية الشرعية
تحرص الشريعة الاسلامية الحفاظ على النسل وجعل المودة والمعاشرة بالمعروف هي جوهر كل أسرة، لكون الاسرة هي نواة المجتمع وبنيته الاساسية.
وبالرجوع للقراءننا الكريم، عدة آيات في هذا الجانب تتحدث عن حسن العلاقة الزوجية، 
لقوله تعالى《وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١﴾ سورة الروم 》ودليل هذه الاية لمعرفة عظمتها ووزن العلاقة الزوجية.
واستتباعا لما يعرفه العالم من تطورات ، واليوم بسبب الجائحة المذكورة (covid 19) والجهود المبذولة لمكافحتها ، ستساهم دون شك في عدم الانضباط ما ترمي إليه مقاصد الشريعة الاسلامية السمحة ، فطرفي العلاقة الزوجية التي تعيش في صراع دائم مشحون بالمشاجرات اليومية وتعدد المشاكل بيت زوجية التي يعرفها عصرنا لحالي بسبب قلة الحكمة الطرفين في التصرف والمعاملة والجهل وقلة الوعي بأهمية الحياة الزوجية، تعرض الزوج الذي كان قبل القرار المذكور لا يرتاد منزله يوميا بصفة معتادة تجنبا من الوقوع في الجدال والنقاش مع زوجه الاخر الى تحمل تبعات سلبية لهذا القرار.
لذلك إن الإجراء فرض حالة طوارئ الصحية سيزيد حتما وضعية الزوج صعوبة حيث أصبح مضطر تحت إلتزام بالمكوت داخل منزله وتحت سقف واحد مع طرفه الاخر وفي كل الاوقات. فكيف تتصورون وضعيتهم في ظل هذه الظروف !!!
فمعالجة هذه المشكلة إثر جائحة كورنا ومخلفاتها التي تنتشر يوما بعد يوم بالاحتكام لقواعد الشرعية لا تجد سبيلا في استمرار واستقرار بيت الزوجية، وبالرغم من الحرص الشديد لحماية علاقة الزوجية لا يستطاع الامر ذلك بسبب الظروف والاوضاع التي يعيشها الطرفان وما ينتج عنها من أضرار وتفاديا لهذا، فالله سبحانه يحث في القران الكريم على اجتناب الضرر خير منه لقوله عز وجل في سورة البقرة 《وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٢٣١﴾》فمضمون الاية يتماشى مع ما دعت له مدونة الاسرة في إعمال القاعدة أخف ضررين وفق المادة 70 من المدونة.
فالزوج مهدد من جهة بوباء كرونا اذ فضل تجنب زوجته داخل المنزل واعتزم الشارع ومن جهة معرض للاضطراب اليومي في منزله مع زوجته اذا أخضع لقرار الحجر الصحي، لذلك فحكمة الله عز وجل من انحلال ميثاق الزوجية (الطلاق) هو استبعاد الضرر المفترض ودرء كل ما من شأنه تسبيب الادى للآخر.

ثانيا: من الناحية القانونية
لقد أقرت السلطات العامة لجائحة فيروس كرونا على جميع المواطنين الخضوع لحالة طوارئ الصحية والركون في منازلهم وما الخروج منها إلا لضرورة وبالوثيقة المرخص بها.
فالواضع لهذا الاجراء القانوني يترجى منه عدة اجابيات وهي ضمان سلامة الاشخاص وحمايتهم من تعرضهم لهذا الوباء القاتل دون مراعاة ما يلحقه بمن فيهم في وضعية الزوج المذكور، وعليه فتحميل هذا النوع من الاشخاص الذي  في وضعية غير مستقرة أسريا ومقدم على الطلاق بارتداد محل سكناه في ظل ظرفية كرونا وتحت ظغط زوجه فهي وضعية جد صعبة في كلتا الحالتين.
كيف يتحملا المشجارة والجدال اليومي والنفور من بعضهما في كل حين وآخر؟، وتحت سقف واحد، فالدولة الحقوقية ساعية الى ضمان الحماية القانونية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للاسرة، وهو ما تؤكده مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من الدستور المملكة.
إضافة في هذا الشأن لما هو ملموس من المراجعة الجوهرية لمدونة الاحوال الشخصية، وحرص جلالة الملك محمد السادس حفظه الله على جعل المدونة الجديدة المؤرخة ب 3 فبراير 2004 المتعلقة بمدونة الاسرة معتمدة على عدة إصلاحات، توخى منها احترام خلية المجتمع وكرامته، واستقراره وعلى وجه السواء دون تفضيل فئة على أخرى والدعوة الى العدل والاخد بعقيدة الاسلام والمساواة والمعاشرة بالمعروف، واعتبارا لما دعت له هذه الجهود إلا ويكون أمام هذه الظاهرة المعنية (كرونا) بمثابة عرقلة سير للاصلاح الرصيخ الذي سعى الحفاظ على لبنة المجتمع.
وتعد التدابير المتخدة ضدها قيادة تسوق بالعلاقة الزوجية المضطربة الى الانفكاك وتمد الامور أكثر تعقيدا، وتعتبر المادة 99 من مدونة الاسرة في فقرتها الثانية واضحة في هذا المضمار بحيت يأخد من مفهومها على أن أي ضرر يتعرض له الزوج إلا ويعتبر مبررا لطلب التطليق، اذن فما يعيشه الزوج مع زوجه في هذه الوضعية إلا ويرتب أضرار لاحقة بين طرفين من خلال سلوكاتهما المنحرفة عن الصواب وقلة الاحترام المتبادل، وهو الاتجاه الذي يسير نحو الآثار الفعالة والوخيمة التي قد تخلفها جائحة فيروس كرونا والتدابير المفروضة للمحاربتها على عدة أسر من هذا القبيل.
بناء على ما تقدم ان الوباء المنتشر ببلادنا اليوم جائحة فتاكة وأثارها جلة تتمخض على عدة مستويات، وما تصدت له الجهات المسؤولة عن سلامة الوطن لمكافحتها تدعو الى اتخاد تدابير أخرى تتعلق بحماية من أثارها وإجاد سبل وحلول مناسبة للانجاد من هم في وضعية الطرد من بيت الزوجية،  لانه دون الاهتمام بالاثار السلبية يبقى دائما محل الإشكال المطروح حول مصير الزوج الذي في الوضعية المذكورة. ؟



السبت 4 أبريل 2020

تعليق جديد
Twitter