MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



قضية المرأة بين الخصوصية والكونية

     

محمد لكموش
باحث في العلوم السياسية



قضية المرأة بين الخصوصية والكونية
 
يشكل اليوم العالمي للمرأة والذي يصادف اليوم الثامن من شهر مارس من كل سنة، مناسبة لإبراز مختلف إنجازات المرأة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهو دلالة للاحترام الهام والتقدير الواجب لعنصر يعتبر نصف المجتمع أو هو المجتمع بأكمله؛
يعتبر موضوع المرأة من أقدم المواضيع التي عاشتها البشرية، خاصة في علاقتها بالظروف التاريخية والثقافية والدينية والاجتماعية والسوسيواقتصادية. لكن تظل البصمة المهيمنة على علاقة المرأة بالتاريخ هو الظلم الذي مورس عليها أحيانا باسم الدين أو باسم التقاليد الاجتماعية أو الثقافية؛ وهو في جزء منه نتيجة سوء الفهم الكبير الذي أعطي لدورها في علاقته بالتركيبة النفسية والفزيولوجية التي يؤهل النوع الاجتماعي ممارسته في ظل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية؛
ولعل ظاهرة النسوية تعتبر أكبر ثورة وتمرد عاشته المرأة في القرن العشرين في علاقتها بالرجل، وهي فلسفة هدفها هو تحررها من القيود الاجتماعية وتحقيق المساواة الكاملة تجاه الرجل في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية والفكرية ومماثلته في كل شيء؛
إلا أن المجتمعات المحافظة أو التي تنهل من المرجعية الإسلامية تتحفظ وتتخوف من النزعة النسوية لكونها تعتبرها تهديدا لمؤسسة الاسرة (المرأة والرجل) باعتبارها تبشيرا للانحلال والتشكيك في الثوابت الدينية وهجوما على القدوات الحسنة في المجتمع الإسلامي؛
إلا أنه رغم المجهودات المبذولة من طرف علماء المسلمين لإبراز حقوق المرأة المسلمة وفي ظل ثقافة دينية محافظة، يدافع أنصار الحداثة على المرجعية الكونية وهو جدل قديم جديد تتجدد مظاهره من خلال مجموعة من القضايا منها: الأصالة والمعاصر، الحجاب، المساواة في الإرث...؛ وهو جدل لن يحسم على المستوى النظري والفكري وإنما على مستوى تناقظات واقع الاجتماع البشري مع النص الديني، هل هذا الأخير قادر على تحمل تغيرات الواقع وحركيته المستمرة، ومدى قدرة النظام الديني على استيعاب تناقضات الواقع الاجتماعي من خلال الاجتهاد الفقهي أو ما يسميه الفقهاء بفقه الضرورة، وفي حالة عدم استيعاب هذه المتغيرات من قبل النظام الديني يحدث الصدام بينه والنظام الاجتماعي لعدم قدرته على إشباع حاجاته بسبب إكراهاته وإلزاماته؛
إن خطاب النسوية ونظرا لكونه خطابا يرتكز على المرأة حصرا ، وهي دعوة مبهمة إلى عالم أحادي الجنس والنوع، أي نزعة نحو هيمنة النساء على العالم، وهي دعوة تنتهي إلى الشيء نفسه الذي رفضته النسويات وهو هيمنة الذكورية على العالم؛ وهنا لا بد من القول أن تطور المجتمعات البشرية لم يكن ليتحقق لولا وجود تقسيم للعمل الاجتماعي في المجال العام وفي المجال الخاص(الاسرة)؛
إلا أن السؤال الذي يطرح: هل من سبيل لحل هذا لصراع بين الجنسين؟ هل من خلال معرفة أدوار كل واحد منهما الفردية والاجتماعية، والذي ينتهي إلى التكامل بينهما؟ أم من خلال تبادل أدوارهما وبالتالي خلخلة النظام الاجتماعي والطبيعي، والذي تبرز بعض تجلياته في المثلية، من خلال حق الفرد في تغيير هويته الجنسية البيولوجية والأدوار الاجتماعية المترتبة على جنسه، وهو ما أسهم في ظهور "نظرية الكويرية" التي تهاجم مفهوم الجنس باعتباره قائما على التمايز البيولوجي والاجتماعي بين الرجل والمرأة، وتطالب بإلغاء فئتي الجنس (ذكر-أنثى) من أجل إيجاد هوية بديلة تطالب الاعتراف بالوجود الأخلاقي والقانوني لفئات أخرى تملك رغبات وميولات جنسية مغايرة؛
إن مرحلة ما بعد الحداثة هو عصر موت اليقينيات لتبنى على أنقاضه مشروعا بديلا ينقض ويكسر كل الحقائق والقيم الثابتة والقيم الخاصة، والنزعة النسبية للقيم الدينية والأخلاقية؛
لقد دخل العالم إلى "مجتمع المخاطر " حسب تعبير أورليش بيك وهذه المخاطر تهدد  تنوعه، رغبة منه في فرض نموذج أوحد وواحد، إنه عالم يريد أن يسجن العالم في قفص حديدي؛
فهل من مساحة مشتركة بين الخصوصية والكونية يمكن أن يعيش فيها الجميع بعيدا عن الإقصاء، وستظل قضية المرأة من التمارين التي يجب أن تشتغل عليها البشرية؛
فالطريق إلى الحداثة كما يقول برهان غليون ليس له طريقا واحدا، بل يمكن لكل نموذج أن يحقق حداثته بطريقته وسرعته التي تناسب تطور مجتمعه ثقافيا ودينيا واجتماعيا.
                                                                         محمد لكموش
                                                                    باحث في العلوم السياسية
 
الاربعاء 8 مارس 2023




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter