MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



قراءة مختصرة في اتفاقية لاهاي الدولية المتعلقة بإلغاء إلزامية التصديق بتاريخ 5 أكتوبر 1961 - نظام الأبوستيل وأثاره على الفعالية الدولية للعقود الرسمية.

     

L’efficacité internationale des actes Notarié et la formalité d’apostille

من إعداد
الأستاذ : عثمان بنمنصور
موثق
أستاذ جامعي زائر بجامعة ابن زهر
خبير في انتقال الثروات




كما هو معلوم فقد صدر بموجب الظهير الشريف رقم 1.15.149 بتاريخ 12 يناير 2016 المنشور بالجريدة الرسمية عدد6440 المتعلق بالمصادقة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بإلغاء إلزامية التصديق على العقود العمومية الأجنبية الموقعة بلاهاي في 5 أكتوبر 1961 والمعروفة اختصارا "بنظام الأبوستيل"Régime de l’apostille .
وبدخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ يومه الأحد 14 غشت 2016 (عمليا 15 غشت 2016) فإن جميع العقود العمومية الأجنبية الصادرة بالمغرب بما فيها العقود الرسمية التي يتلقاها الموثقون والمراد الإدلاء بها لدى الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية الدولية  تخضع  بموجب هده الخيرة إلى  شكلية  الأبوستيل .formalité d’apostille
نفس الإجراء الشكلي يطبق على العقود العمومية الصادرة عن الدول التي صادقت على هذه  الاتفاقية المذكورة والمراد الإدلاء بها لدى الدولة المغربية باعتبارها دولة منضمة.
  للإحاطة بهذا الموضوع وبشكل مختصر سنحاول دراسته من خلال المحوريين التاليين :

     أولا :مفهوم شكلية الأبوستيل (notion de l’apostille)

بالرجوع إلى مقتضيات المادة الثانية من اتفاقية لاهاي بشأن إلغاء إلزامية التصديق على العقود العمومية   فإن المقصود  بشكلية الأبوستيل  أو المصادقة – شهادة الأبوستل – هو الإجراء الشكلي الذي يثبت به الأعوان الدبلوماسيون و القنصليون التابعون للدولة المراد الإدلاء فيها بالوثيقة أو صحة التوقيع أوصفة الموقع وعند الاقتضاء نوع الختم أو الطابع الذي تحمله الوثيقة.

وبهذا يمكن القول بأن شهادة الأبوستل  ماهي إلا إجراء شكلي يرمي فقط إلى التصديق على التوقيع (la véracité de la signature) وصفة الموقع  (la qualité de signataire) وكذا التعريف بالختم (identification du sceau ) دون المساس بمحتوى الوثيقة أو العقد .

وعليه لا يجب الخلط بين مؤسسة الأبوستل ومؤسسة الصيغة التنفيذية  (Exequatur) ؛ حيث أن الأولى تعتبر إجراء شكلي فقط لا دخل له في مضمون الوثيقة، بينما الثانية إجراء في الموضوع يرمي إلى النظر في مضمون ومحتوى الوثيقة أو العقد لتأكد من عدم مساس أي بند من بنودها للنظام العام الوطني طبقا لمقتضيات المادة 430 وما يليها من قانون المسطرة المدنية.

وهنا يطرح التساؤل التالي :هل يمكن الاكتفاء بإجراء الأبوستل (شهادة الأبوستيل) التي يتم إلحاقها بالعقد أو الوثيقة لكي يصبح  قابلا للإدلاء به لدى السلطات الأجنبية من أجل تنفيذه أم انه يستلزم تذييله بالصيغة التنفيذية لكي يصبح نافدا ، وبهذا فهل يمكن القول  أن قبول  وسماع دعوى تذييل العقد أو الوثيقة  بالصيغة التنفيذية سيتوقف على شرط الإدلاء بشهادة الأبوستيل التي تلحق بالعقد موضوع التذييل؟

جوابا على هذين السؤالين  يمكن القول بأن الأبوستيل بحكم طابعه الشكلي الذي يرمي إلى الإشهاد على صحة التوقيع والختم أو الطابع وعند الاقتضاء صفة الموقع لا يعفي خضوع العقود العمومية الصادرة عن الدول الأجنبية قبل الإدلاء بها وتنفيذها لإجراء التذييل بالصيغة التنفيذية كضمان لعدم مساس بنود العقد للنظام العام الوطني .

فمثلا لو افترضنا عقد شهرة بضم الشين  (Acte de Notoriété ) تم توثيقه من طرف موثق فرنسي يثبت  ويشهد بموجب هذا العقد على وفاة زوجة فرنسية غير مسلمة وتاركة أبناء من رجل  مغربي مسلم ولها عقار بالمغرب .

بموجب اتفاقية لاهاي بشأن إلغاء إلزامية التصديق يتم منح شهادة الأبوستيل من طرف السلطات الفرنسية المختصة حسب مقتضيات المادة السادسة من هذه الاتفاقية  لعقد الشهرة المراد الإدلاء به للدولة المغربية قصد تنفيذه داخل التراب المغربي، لكن رغم هذا الإجراء لا يمكن لهذا العقد تنفيذه لكونه يتنافى مع النظام العام المغربي (خصوصا مقتضيات المادة 332 من مدونة الأسرة بمثابة قانون 03-70 : لا توارث بين مسلم وغير مسلم ولا بين من نفي الشرع نسبه) وبالتالي تبقى فعالية هدا العقد معلقة (إشكالية الفعالية الدولية للعقود)

وهو نفس الاتجاه  الذي سلكته الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، عملا بالمذكرة عدد 22/2016.في شان اتفاقية  لاهاي الدولية المتعلقة بإلغاء إلزامية التصديق بتاريخ 5 أكتوبر 1961  الموجهة إلى السادة المحافظين العقاريين بكون إجراء الابوستيل لا يعفي  كإجراء شكلي من التذييل بالصيغة التنفيذية.

ثانيا: شروط ونطاق تطبيق نظام الأبوستيل

 شروط تطبيق نظام الأبوستيل
 
 
يمكن أن نستشف من بنود  اتفاقية لاهاي في شأن إلغاء إلزامية التصديق عن العقود العمومية الأجنبية  أن خضوع هذه العقود والوثائق  لنظام الأبوستيل يستدعي توفر  شرطين أساسيين:

أ-عدم التعرض على الدولة المنظمة للاتفاقية :

إن دخول الاتفافية  الدولية لاهاي لنظام الأبوستيل  بين الدولة المنضمة والدول المتعاقدة يتوقف على استكمال مسطرة إجرائية، بحيث تقوم وزارة الشؤون الخارجية الهولندية بصفتها منسقا في هذه الاتفاقية بتبليغ وثيقة الانضمام إلى الدول المتعاقدة والدول المنضمة، على أن تقوم هذه الدول باستخدام  حقها في الاعتراض عند الاقتضاء وإبلاغ الاعتراضات المحتملة إلى وزارة الشؤون الخارجية الهولندية في أجل أقصاه ستة أشهر من تلقي التبليغ بالانضمام، على أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بمرور ستين يوما الموالية لانتهاء أجل الاعتراض (Objection) .

للإشارة فإن وزارة الشؤون الخارجية الهولندية بصفتها الجهة المختصة لتلقي الاعتراضات  قد سجلت اعترض الدولة الألمانية على انضمام المملكة المغربية، وعليه فإن نظام الأبوستيل لا تسري أحكامه بين الدولة المعترضة (ألمانيا) والدولة المنضمة ( المملكة المغربية).
 
ب- عدم وجود اتفاقية ثنائية أو جماعية بين الدولة المنضمة والدول المتعاقدة
 
يشترط  لسريان اتفاقية لاهاي لنظام الأبوستيل، عدم وجود اتفاقية دولية ثنائية كانت أم جماعية بين الدول المتعاقدة والدولة المنضمة كما هو منصوص عليه في المادة الثالثة ،حيث لا يسري الإجراء الشكلي (الأبوستيل) إذا تم إلغاء، أو تبسيط ، أو إعفاء الوثيقة من المصادقة بموجب القوانين، أو الضوابط ،أو التطبيقات سارية المفعول في الدولة التي يجب الإدلاء فيها بالوثيقة ،أو في حالة اتفاق بين دولتين متعاقدتين أو أكثر.

يشترط كذلك لتطبيق هذا الإجراء الشكلي عدم التنصيص في الاتفاقية الثنائية أو الجماعية على إجراءات شكلية أكثر صرامة وتعقيد تخص المصادقة على التوقيع، أوالختم، أو عند الاقتضاء الطابع وصفة الموقع وذلك عملا بمقتضيات المادة الثامنة من اتفاقية لاهاي.

بمعنى أن الدولة المنضمة أو المتعاقدة التي وضعت شروطا خاصة وأكثر صرامة لإجراءات المصادقة (التصديق على صحة التوقيع، أو الختم، أو صفة الموقع) ضمن اتفاقية ثنائية أو جماعية، لا يسري العمل بمقتضيات اتفاقية لاهاي  في شان إلغاء إلزامية المصادقة على الوثائق العمومية الأجنبية بينهما.
 
من الأمثلة لهذا النوع من الاتفاقيات الثنائية نستحضر الأمثلة التالية: ​
 
المثال الأول: البروتوكول الإضافي لاتفاقية التعاون القضائي والملحق بهما المؤرخين ب 5 اكتوبر1957 المتعلقة بتمديد الاتفاقية إلى المنازعات الإدارية وبإحداث سلطة مركزية في ميدان المساعدة القضائية وبالتخلي عن إجراء التصديق الموقع بالرباط في 10 غشت 1981:
 
بمقتضى هذه الاتفاقية فإنه يمكن للوثائق أو العقود الصادرة عن المملكة المغربية الإدلاء بها أمام السلطات الفرنسية دون أي إجراء شكلي متمثل في التصديق، نفس الأمر بالنسبة للوثائق أو العقود الصادرة عن الدولة الفرنسية والمراد الإدلاء بها أمام السلطات المغربية .
 
المثال الثاني: الاتفاقية الثنائية بين فرنسا وألمانيا بتاريخ 13 سبتمبر 1971بشان الإعفاء من التصديق:
 
بمقتضى هذه الاتفاقية الثنائية فإن عقد الوكالة الرسمية المنجزة من طرف موثق بفرنسا  (Procuration authentique ) والمراد الإدلاء بها للسلطات الألمانية لا تخضع لإجراء الأبوستيل وذلك لوجود اتفاقية ثنائية بين الدولتين تعفي من إجراء التصديق .
 
المثال الثالث : حالة خاصة الاتفاقية الثنائية المبرمة بين فرنسا والبرتغال بتاريخ 20 يوليو 1983بشأن الإعفاء من التصديق:
 
تكمن خصوصية هذه الاتفاقية الثنائية  في كون السلطات البرتغالية ترفض تنفيذ الوثائق والعقود الصادرة عن الدولة الفرنسة، حيث تستلزم البرتغال إلحاق هذه  الوثائق أو العقود بشهادة الأبوستيل من طرف السلطات الفرنسية المختصة كشرط لتنفيذها، في حين أن السلطات الفرنسية لا تستلزم الإدلاء بشهادة الأبوستيل لتنفيذ الوثائق أو العقود الصادرة عن الدولة البرتغالية وذلك عملا بالاتفاقية الثنائية.

بمعنى أن السلطات البرتغالية تستلزم خضوع الوثائق والعقود العمومية الأجنبية لنظام الأبوستيل(اتفاقية لاهاي) كشرط للتنفيذ فوق ترابها، بينما فرنسا لا تشترط ذلك نظرا لوجود اتفاقية ثنائية تعفي من التصديق بين الدولتين.
 
نطاق تطبيق نظام الابوستيل
 

ميزت الاتفاقية موضع هذا البحث قسمين من الوثائق والعقود:
 
النوع الأول
 
تناولت المادة الأولى من اتفاقية لاهاي لنظام الأبوستيل أربعة أنواع من الوثائق أو العقود العمومية  التي تخضع لإجراء الأبوستيل وهي:
 
الوثائق الصادرة عن سلطة أو موظف تابع لمحاكم الدولة بما في ذلك الوثائق الصادرة عن النيابة العامة ،أو كتابة الضبط، أو الأعوان (المفوضين القضائيين)
ويدخل في حكم هذه الوثائق جميع الوثائق الصادرة عن السلطة أو الدولة وكذلك مختلف الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم (Les actes judicaires).
كذلك تدخل في نطاق هذا الإجراء، الوثائق الصادرة عن المفوضين القضائيين (محاضر التبليغ.....) Les actes extrajudiciaires.

 
الوثائق الإدارية  (Les actes administratifs)
 
بمعنى جميع الوثائق الصادرة عن الإدارات العمومية في حدود اختصاصها.
 
  • العقود التوثيقية ( Les actes notariés).
  • التصريحات الرسمية كبيانات التسجيل والتأشيرات محددة الأجل والمصادقات  على التوقيع ، المضمنة بالعقود العرفية .
     
ب) النوع الثاني

تم الإشارة إلى هذا النوع من الوثائق في الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من الاتفاقية وهي  حتما عقود ووثائق لا تدخل في نطاق إعمال الابوستيل.

 
  • الوثائق الصادرة عن الأعوان الدبلوماسيين.
  • الوثائق الإدارية ذات الصلة المباشرة بالمعاملات التجارية أو الجمركية.
 
وعليه،  فشهادة الأبوستيل كإجراء شكلي يرمي إلى الإشهاد بصحة التوقيع، أو الختم، أوصفة الموقع لا يشكل في حد ذاته شرط لصحة العقد، بحيث أن تخلف هذا الإجراء الشكلي لا يبطل العقد ولا يحول دون فعاليته، لكن قد يتم المساس بهذه الفعالية وتعليقها في حالة تمسك أحد طرفي العقد مثلا بعدم التنفيذ لغياب هذا الإجراء، كما يمكن للقاضي عدم سماع دعوى تذييل العقد بالصيغة التنفيذية  في حالة غياب إجراء الأبوسيل وفي هذه الحالة  يعتبر الأبوستيل شرط أساسي في البت في الصيغة التنفيذية  .

عملا بالمذكرة عدد 22/2016 فإن المحافظ على الأملاك العقارية  قد يمتنع عن تنفيذ العقد الأجنبي المدلى به  رغم وجود شهادة الأبوستيل، إلا بعد الإدلاء بالصيغة التنفيذية طبقا لمقتضيات المادة 430 وما يليه من قانون المسطرة المدنية . 

بعض المراجع المعتمدة
 
-Droit International Privé et Communautaire : Pratique notariale.- MARIEL REVILLARD ,DEFRENOIS 2016
- Manuel Apostille Manuel sur le fonctionnement pratique de la Convention Apostille( Conférence de La Haye de droit international privé 2013)
 
- مذكرة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية،   عدد22/2016
-اتفاقية لاهاي بشان إلغاء إلزامية المصادقة على الوثائق العمومية الأجنبية (5 اكتوبر1961.
-الاتفاقيات الثنائية في الميدان القضائي بين المملكة المغربية وباقي دول العالم  - إصدارات مركز الدراسات والأبحاث الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو سلسلة اتفاقيات – يناير13
 

 
قراءة مختصرة  في اتفاقية لاهاي الدولية المتعلقة بإلغاء إلزامية التصديق بتاريخ 5 أكتوبر 1961 - نظام الأبوستيل وأثاره على الفعالية الدولية للعقود الرسمية.

*نموذج من الابوستيل وفق مقتضيات المادة 04 من اتفاقية لاهاي (5 اكتوبر 1961)




الاحد 28 غشت 2016

تعليق جديد
Twitter