MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



قراءة في قرار المحكمة الدستورية

     

حسن اوهويو



قراءة في قرار المحكمة الدستورية
أصدرت المحكمة الدستورية في فاتح مارس 2023 قرارها بشأن النظام الداخلي لمجلس النواب كما صادق عليه في جلسة عامة بتاريخ 30 يناير 2023. وقضت، تبعا له، بمطابقة ما نسبته 70% من مقتضياته للدستور. وتهم هذه النسبة 265 مادة مشمولة بحجية مطلقة مكتسبة بقرارات بشأنها، انسجاما مع الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور التي “تلزم بها كل السلطات العمومية”. وتتعلق هذه المقتضيات بـ248 مادة سبق فحص دستوريها و13 مادة عدل النواب صياغتها ملاءمة فقط لتفسير المحكمة الدستورية و4 مواد مماثلة لمواد من النظام الداخلي لمجلس المستشارين، زيادة على 117 مادة جديدة قضت بمطابقتها للدستور.
ومن جهة أخرى قضت بدستورية مقتضيات 12 مادة جديدة مع شرط التقيد بتفسير خاص بشأنها، قبل أن تقضي بعدم دستورية مقتضيات 7 مواد أخرى جديدة.
وقد اخترنا التركيز على قضايا مثيرة لجدل برلماني سياسي وقانوني حاولت المحكمة الدستورية الإسهام في معالجتها بملاحظات وتأويلات تفسيرية بشأنها (أولا) أو بترجيح عدم دستورية الاجتهاد البرلماني في نقط منها (ثانيا).

أولا: المقتضيات الجديدة المنسجمة مع الدستور والمقيدة بتفسير المحكمة الدستورية:

يمكن إجمال أهم المقتضبات المستحدثة التي قضت المحكمة الدستورية بعدم مخالفتها للدستور، مع إبداء ملاحظاتها التفسيرية بشأنها في ما يهم المجموعات النيابية (1) والتوثيق الإلكتروني لأشغال المجلس وسرية وعلنية لجانه (2) وتدخل الحكومة في نقطة نظام (3) واعتماد تصفية اختيارية لمقترحات القوانين (4) وللأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة (5) ووضع مفهوم نيابي إجرائي للسياسات العمومية وتقييمها (6) ومناقشة تقارير مؤسسات وهيئات دستورية (7).
1- بشأن حقوق المجموعات النيابية
اعتبرت المحكمة الدستورية تنصيص النظام الداخلي في 12 مادة على حقوق المجموعات النيابية إلى جانب الفرق النيابية غير مخالف للدستور، وذلك تبعا لمشروعية وجود هذه المجموعات حيث أوكلت أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 69 من الدستور للنظام الداخلي تحديد قواعد تأليفها وتسييرها، مع ترتيب الفقرة الأولى من الفصل 61 منه، التجريد من عضوية البرلمان في حالة التخلي عن المجموعة البرلمانية المنتسب إليها.
ومن جهة ثانية أوضحت المحكمة الدستورية أن حقوق المعارضة لا تقتصر على الفرق البرلمانية، بل تشمل باقي مكونات المعارضة من مجموعات برلمانية وبرلمانيين غير منتسبين، وذلك بسند “استعمال الدستور لعبارة المعارضة بصيغة الإطلاق في الفقرة الثالثة من الفصل 69 وفي الفقرة الأخيرة من الفصل 82 منه ” وعدم اقتصاره على استخدام عبارة فرق المعارضة في الفصلين 10 و69 منه “.
2- بشأن التوثيق الإلكتروني لأشغال المجلس وسرية وعلنية اللجان الدائمة
قضت المحكمة الدستورية بأن تخويل المادة 42 (مقطعها الأخير) لمكتب المجلس “السهر على التوثيق المادي والإلكتروني لأشغال المجلس” غير مخالف للدستور، مع تأكيد قيد “مراعاة خصوصية التسجيلات المتعلقة بجلسات اللجان الدائمة التي تنعقد بصفة سرية طبقا لأحكام الفصل 68 من الدستور”.
ومن جهة أخرى ارتكزت على حجة تقيد النواب بسرية اللجان كأصل عام مع إمكانية عقدها علنية في حالات محددة بإرادتهم، فقضت بعدم مخالفة ما ورد في المادة 106 (الفقرة الأولى) للدستور، حيث يمكن “… عقد اجتماعات علنية إما بمبادرة من رئيس المجلس أو بطلب من الحكومة أو بطلب من رئيس فريق نيابي أو رئيس مجموعة نيابية أو مكتب اللجنة أو من ثلث أعضائها” للدستور، مع إسنادها النظر بخصوص التراجع عن إمكانية اعتماد العلنية في مرحلتي المناقشة التفصيلية والتصويت على النصوص القانونية بحكم تغليبها سمو دستورية سرية اللجان وتعذر اعتراضها على التراجع المذكور.
3- بشأن تدخل الحكومة في إطار نقطة نظام
حرصت المحكمة الدستورية على تزكية معالجة خلل منع الحكومة من الكلام في نقط نظام وقضت بدستورية الفقرة المحدثة في المادة 169 التي نصت على أنه “يمكن لرئيس الجلسة أن يمنح الكلمة للحكومة في حال ما إذا كانت نقطة نظام تهم العلاقة بين المجلس والحكومة”. مع مراعاة التقيد بـ”منح الحكومة نفس التوقيت الزمني الممنوح لعضو المجلس بهذا الخصوص”.
وفي هذا الصدد فإن عقلنة تدبير مشهد نقط النظام يقتضي تجاوز سوء توظيف هذه التقنية، حتى لا تتحول إلى جلسة استثنائية داخل جلسة عادية تبدد الزمن الرقابي والعمومي وتنحرف عن المقصد الأصلي للجلسة العادية الرسمية بجدول أعمالها المحدد سالفا.
4- بشأن تصفية مقترحات القوانين
لم تعترض المحكمة الدستورية على المادة 191 التي فتحت لمكتب المجلس اعتماد تصفية إرادية لمقترحات القوانين بعلل عدم القبول المالي أو التشريعي شريطة موافقة أصحابها على نتائجها، بيد أن النجاعة الحقيقة لهذه التصفية تكمن في تفعيل موضوعي وجيد لهذه المادة من لدن المجلس ومكوناته، لأنه سيسهم في عقلنة الإنتاج الكمي لمقترحات القوانين (غير المصادق عليه) ويختبر غاية التوظيف البرلماني المسبق للآليتين دستوريتين بما يحجب المقترحات والتعديلات المكلفة للمالية العامة (الفصل 77) أو المنافية لمجال التشريع (الفصل 79) مع حفظ الحق الحكومي في الدفع بهما في أية مرحلة من مراحل دراسة النصوص التشريعية.
5- بشأن تصفية الأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة
قضت المحكمة الدستورية بأن المادة 314 التي تخول لمكتب المجلس التحقق من كون الأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة “تتعلق في طبيعتها ومداها بالسياسة العامة”. ليس فيها ما يخالف الدستور، مع مراعاة أن ينصرف مدلول “طبيعة ومدى الأسئلة” إلى مجرد التحقق من كون السؤال لا يندرج في فئة الأسئلة الشفوية أو الكتابية الموجهة إلى الوزراء.
ومن المعلوم أن عمق الإشكال يكمن في هشاشة تفعيل المقتضى الملتزم به من لدن المجلس وإغراق رصيد الأسئلة البرلمانية بأسئلة يعوزها التقيد بوحدة الموضوع وبأسئلة بتداخل موضوعها بين عدة وزارات وأخرى تهم بشكل أو بآخر نطاق السياسة العامة وتوجه لوزير أو عدة وزراء. علما أن نظام تصفية الأسئلة من الناحية الجوهرية يقترن بعقبة أخرى تهم استمرارية ضبابية وعمومية مفهوم “السياسة العامة” التي يساءل رئيس الحكومة عنها.
6- بشأن الجلسة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية
اعتبرت المحكمة الدستورية المفهوم النيابي “للسياسة العمومية” المحدد في الفقرتين الثانية والأخيرة من المادة 324 ذي طبيعة إجرائية يحصرها في مقاربة “تعتمد الحكامة في تدبير الشأن العام، تتخذها السلطات العمومية بهدف معالجة وحل مشكلة قائمة أو الاستجابة لتحديات راهنة أو مستقبلية”، و”تحدد في شكل مشروع أو برنامج مندمج يتضمن الإمكانيات والاعتمادات المخصصة له، والإطار التشريعي المؤطر له، والسلطات أو المؤسسات المكلفة بتنفيذه والفئات المستهدفة به، وذلك في إطار مجموعة متناسقة من التدابير والعمليات تقرن بها أهداف محددة ومؤشرات مرقمة لقياس النتائج المخطط لها”.
وقد قضت بأن هذا المفهوم النيابي الإجرائي غير مخالف للدستور لكونه استند على مجال السياسات العمومية والقطاعية التي يتداول مجلس الحكومة بشأنها، طبقا للفقرة الأولى من الفصل 92 من الدستور، كما أنه يظل ملزما فقط للمجلس ولغرض التقييم انسجاما مع الفصل 70 من الدستور الذي أسند للبرلمان تقييم السياسات العمومية.
7- بشأن مناقشة تقارير مؤسسات وهيئات دستورية
أعادت المحكمة الدستورية بيان دستورية مقتضى ورد في المادة 354 (الفقرة الأولى) يهم “عرض تقرير الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان”، وقضت بدستورية مقتضيات مستحدثة بالمادة 380 التي نصت على” دراسة ومناقشة التقرير السنوي لأنشطة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية من لدن اللجنة الدائمة المختصة” وبالمادة 382 التي تلزم الهيئات القانونية للضبط والحكامة الجيدة بتقديم تقارير سنوية عن أعمالها إلى البرلمان كلما تم إقرار ذلك في قوانين إحداثها.
بيد أنها من جهة أخرى حسمت بصفة تامة في جدل استدعاء مسؤولي مؤسسات وهيئات دستورية وقانونية، حيث استبعدت أي إمكانية لحضورهم أو حضور من يمثلونهم للمشاركة في أشغالها.

ثانيا: المقتضيات الجديدة المخالفة للدستور

تشمل المقتضبات المستحدثة التي قضت المحكمة الدستورية بعدم مطابقتها للدستور المواد التي استهدفت التراجع عن بعض حقوق ومكتسبات المعارضة (1) والسعي لفتح نافذة لحضور رؤساء مؤسسات وهيئات دستورية لأشغال المجلس (2) وإلزام الحكومة بتقديم عرض يهم إحداث حسابات خصوصية للخزينة ووقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار (3) مع محاولة ضبط الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة (4).
1- حول عدم دستورية التراجع عن حقوق ومكتسبات المعارضة
سجلت المحكمة الدستورية تراجع المادة 28 من النظام الداخلي عن مقتضى جار به العمل بموجب المادة 23 من النظام الداخلي الساري النفاذ ومتعلق بـ”تقديم فرق المعارضة أسماء مرشحيها لمنصب محاسب واحد و/أو أمين واحد والذي لا يحق الترشيح لأحدهما أو لهما إلا نائبة أو نائبا من المعارضة” وكذلك تراجع المادة 136 عن مقتضى بالمادة 122 السارية النفاذ في ضمان أن يكون رئيس أو مقرر المجموعة الموضوعاتية المؤقتة من المعارضة.
واختارت في قرارها التصدي لذلك بحجة عدم جواز تخلف النظام الداخلي في ما سبق له سنه وتحديده بشأن كيفيات ممارسة الحقوق المخولة دستوريا للمعارضة، ضمانا للمكتسب من تلك الحقوق وسعيا مطردا إلى كفالتها وضمان ممارستها في نطاق الدستور.
2- حول عدم دستورية استدعاء رؤساء مؤسسات وهيئات دستورية لأشغال اللجان الدائمة ولمناقشة تقاريرها السنوية
أكدت المحكمة الدستورية عدم مطابقة المادة 86 من النظام الداخلي للدستور فيما نصت عليه بشأن شمول اختصاصات اللجان الدائمة لـ”المجالس والمؤسسات والهيئات الدستورية”، حيث أدرج على سبيل المثال “مجلس الجالية المغربية بالخارج”، ضمن اختصاص اللجنة المعنية بالخارجية والمغاربة المقيمين في الخارج، و”المجلس الأعلى للسلطة القضائية”، و”المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، و”مؤسسة الوسيط”، ضمن اختصاص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والعدل والتشريع،
ومن الأسباب التي عللت بها المحكمة الدستورية موقفها كون اللجان الدائمة لها اختصاصات دستورية حصرية ذات طبيعة تشريعية ورقابية، وأن تقديم النصوص التشريعية والميزانيات الفرعية يعد شأنا حكوميا وبرلمانيا خالصا ولا يهم هذه المؤسسات والهيئات التي لا تخضع لسلط رئاسية أو وصاية حكومية، مما يحظر معه استدعاء رؤسائها أو مندوبين عنها، للمثول أمام اللجان الدائمة أو لمناقشة تقاريرها السنوية من قبل البرلمان.
3- حول عدم دستورية إلزام الحكومة بعرض يهم إحداث حساب خصوصي للخزينة ووقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار
بناء على ما ورد في القانون التنظيمي لقانون المالية، قضت المحكمة الدستورية بعدم مطابقة المادة 258 من النظام الداخلي للدستور لكونها نصت على أنه: “يقوم مكتب لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة ببرمجة اجتماع للجنة تقدم خلاله الحكومة عرضا بشأن إحداث كل حساب خصوصي للخزينة. أو فتح اعتمادات إضافية أو وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار”، مخالفة منها للقانون التنظيمي المذكور المكتفي بالتنصيص على شرط إخبار الحكومة للجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان مسبقا، كلما اقتضت حالة استعجال وضرورة ملحة وغير متوقعة ذات مصلحة وطنية أن تحدث خلال السنة المالية حسابات خصوصية للخزينة أو تفتح اعتمادات إضافية بموجب مراسيم أو وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار طبقا للفصل 70 من الدستور.
4- حول عدم دستورية مفهوم النواب للسياسة العامة التي تخضع لمساءلة رئيس الحكومة
قضت المحكمة الدستورية بعدم مطابقة مقتضى جديد في الفقرة الأخيرة من المادة 313 حدد مفهوم السياسة العامة في “الخيارات الاستراتيجية الكبرى للدولة، والتي تكتسي بحكم طبيعتها ومداها صفة الشمولية والعرضانية”.
ومن عناصر تعليلها كون السياسة العامة لا تخص البرلمان وحده، وتتعلق شؤون إعدادها والتداول فيها والمساهمة في تفعيلها بالدولة ومجلسي الوزراء والحكومة والجهات والجماعات الترابية الأخرى. وأنه لا يسوغ للنواب الاستئثار بوضع تعريف لها يهم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ويقترن بهذا الموضوع من ناحية أخرى، بطلان تنصيص المادة 316 على اعتماد سؤالين محوريين كحد أقصى في الجلسة الشهرية المخصصة لرئيس الحكومة، حيث استندت المحكمة الدستورية في تعليل ذلك على تأويل حرفي لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور، التي تنص على أنه: “تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر”؛ حيث اقتبست من صريح صيغة الجمع في عبارة “الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة”، أن الحد الأدنى لعدد الأسئلة يزيد من الناحية الدستورية المبدئية عن سؤالين في الجلسة الشهرية الواحدة، أي ثلاثة أسئلة على الأقل.
بيد أننا نعتقد أنه لا شيء يمنع تحقق التوافق البرلماني على الاقتصار على برمجة سؤالين محوريين في الجلسة الشهرية الواحدة، أخذا بعين الاعتبار عدم إغفال كون ذلك لا يعدم أصلا تعدد الأسئلة المدرجة في جدول أعمالها في إطار محورين يمكن أن يستغرق وعائهما الزمني الإجمالي ثلاث ساعات.
وصفوة القول، فإن قرار المحكمة الدستورية جاء مسايرا لتوجه العقلنة البرلمانية ومستوعبا لحدة الجدل حول بعض إشكاليات الممارسة البرلمانية. كما سجل استدراكا بينا عالج رفض نقط نظام حكومية، مع انحيازه لفائدة التصدي لما يمس حقوق ومكتسبات المعارضة. بيد أنه صرف النظر عن تراجع انفتاح اللجان الدائمة وتضييق انعقادها العلني، كما ظل وفيا لتوجه القضائي الدستوري لمرحلة ما قبل الدستور الحالي، رغم أن هذا الأخير عدل عن سرية اللجان كأصل مهيمن ووحيد، لفائدة المزاوجة بين السرية والعلنية، ورغم تعذر إغفال مصداقية تجربة علنية أشغال اللجان الدائمة خاصة إبان الفترة الحرجة للطوارئ الصحية بسبب كوفيد-19 أو بمناسبة دراسة مشروع قانون المالية وغالبية القوانين المهمة قبل الولاية التشريعية الحالية.
والحال أن منطق النجاعة المواطنة يستوجب تثمين مقتضيات الانفتاح والانحياز لما يكفل متابعة أداء أعضاء البرلمان ولجانه الدائمة ومعرفة قوة وضعف تمثيلية الأمة. لا سيما أن العبرة بمآلات المبادرات المنتجة وبالتجاوب الحقيقي مع قضايا المجتمع وانشغالات المواطنات والمواطنين.



الثلاثاء 14 مارس 2023

تعليق جديد
Twitter