MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



قراءة في دورية المحافظة العامة المتعلقة بتطبيق غرامة التأخير عن تقييد الإراثات والوصايا د / العربي محمد مياد

     



 أثار انتباهي عند الاطلاع على الدورية  رقم 390 الصادرة عن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية فقرة ورد فيها " إن الإراثات والوصايا تدخل في نطاق العمليات المعنية بتطبيق غرامة التأخير ، ما دام أنها من الوقائع التي ترمي إلى نقل حق عيني وفقا لما ينص عليه الفصل 65 مكرر المذكور "

   وهذا يعني أن كل من انتقل إليه حقا من الحقوق العينية عن طريق الإراثة أو الوصية ولم يبادر بتقييد هذه الإراثة أو الوصية خلال أجل محدد  أي 3 أشهر ، يعتبر قد ارتكب خطأ قانونيا مفترضا وبالتالي تطبق في حقه عقوبة مالية تتمثل في غرامة التأخير .

    وقبل إبداء الرأي حول هذا الاتجاه الفقهي الإداري، نرى من اللازم بسط موقف المشرع من هذه الحالة ، ومطابقة هذا الموقف مع ما سار عليه المحافظ العام .

   بداية لا بد من التذكير بأن الفصل الذي تحيل عليه الدورية موضوع النقاش هو الفصل 65 مكرر من قانون التحفيظ العقاري الذي ينص حرفيا على أنه "يحدد أجل إنجاز التقييد المنصوص عليه في الفصل 65 في ثلاثة أشهر ويسري هذا الأجل بالنسبة:

1- للقرارات القضائية ابتداء من تاريخ حيازتها لقوة الشيء المقضي به؛

2- للعقود الرسمية ابتداء من تاريخ تحريرها؛

3- للعقود العرفية ابتداء من تاريخ آخر تصحيح إمضاء عليها.

 غير أن هذا الأجل لا يسري على العقود المشار إليها في البندين 2 و3 أعلاه إذا:

- كانت موضوع تقييد احتياطي طبقا للفصل 85؛

- تعلقت بالأكرية أو الإبراء أو الحوالة المنصوص عليها في الفصل 65 من هذا القانون.

إذا لم يطلب التقييد بالرسم العقاري ولم تؤد رسوم المحافظة العقارية داخل الأجل المقرر أعلاه، فإن طالب التقييد يلزم بأداء غرامة تساوي خمسة في المائة من مبلغ الرسوم المستحقة، وذلك عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل المذكور و0,5 في المائة عن كل شهر أو جزء من الشهر الموالي له.

      يمكن لمدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، في حالة القوة القاهرة، أن يمنح الإعفاء من الغرامة المنصوص عليها أعلاه بعد الإدلاء بأي وثيقة تفيد ذلك."

      لكن عند الرجوع إلى الفصل 65 الذي أحال عليه الفصل 65 مكرر يجد الباحث أنه ينص على أنه "يجب أن تشهر بواسطة تقييد في الرسم العقاري، جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، وكذا جميع عقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات، وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء أو الإبراء منه"

     والمتمعن في هذا الفصل يستنبط بأن المعني بمقتضيات الفصل 65 مكرر من قانون التحفيظ العقاري ، هي المعاملات العقارية التالية :

_ المعاملات الناشئة بين الأحياء ، ويقصد بها العقود  موضوع الحقوق العينية الأصلية وبعض أسباب كسب الملكية كالهبات والصدقة والمغارسة وغيرها ؛

 _ المحاضر والأوامر القضائية  المتعلقة بالحجوزات العقارية ؛

_ الأحكام والقرارات القضائية  النهائية؛

_ عقود الأكرية التي تتجاوز مدتها  3 سنوات ؛

 _ كل حوالة لقدر مالي كما هو وارد في الفصل المذكور أعلاه.

    وبمفهوم المخالفة فإن العقوبة المالية لا تطبق في حق من اكتسب حقوقا عينيا أو مكسبة للملكية  سواء عن طريق الوصية أو الميراث .

     وقد عرفت المادة 277 من مدونة الأسرة الوصية بأنها " عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلوم بموته ."

  والوصية طبقا للمادة 284 من نفس القانون تنعقد بإيجاب من طرف الوصي ، أي أنها  من حيث النشأة  لا تتطلب تحقق إرادتين وإنما يكفي  لصدورها  الإرادة المنفردة للموصي . 

   والتساؤل المطروح   فهل يطلب والحالة هذه من الموصى له تقييد هذا الوصية بمجرد تحريرها تحت طائلة الغرامة المالية ، والحال أن المستفيد يوجد في وضعية الغرر بحيث يمكن أن يحصل على كامل الوصية أو جزء منها في حالة ما إذا تجاوزت الثلث ولم يجزها الورثة الرشداء ، أو ضاق الثلث عن الوصايا المتساوية رتبة .

      أما بخصوص الميراث  ، فلا ينفذ في تركة استغرقها الدين إلا بإجازة الدائن الكامل الأهلية أو بسقوط الدين .  ويعرف الميراث بأنه  انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة .

     وبناء عليه فإن التركة لا تنتقل إلى الورثة إلا بعد  باستحقاق الإرث نتيجة موت المورث حقيقة أو حكما وبتحقق الورثة بعده .

     ويصدق الأمر كذلك على الدولة الممثلة في مديرية أملاك الدولة بحيث تكون هذه الأخيرة مؤهلة عند انعدام وارث معروف للإرث.

     والحاصل أن مقتضيات الفصل 65 من قانون التحفيظ لا تعني لا الوصية ولا الإرث سواء كان طبيعيا  أو نتيجة شغور التركة  طبقا لمقتضيات الفصل 267 من قانون المسطرة المدنية ، لأن  مدخل الموصى لهم أو الورثة ليس المعاملات والتصرفات بين الأحياء وإنما  تلك القائمة بين هؤلاء ومن فقد أهلية الوجوب ، على اعتبار أن هذه الأهلية تخول الشخص اكتساب الحقوق وتحمله الواجبات مادام على قيد الحياة .

      وصفوة القول فإن الاتجاه الذي سارت الدورية رقم 390 المذكورة أعلاه مخالفة لنص الفصل 65 مكرر الذي  أضيف إلى  ظهير 12 غشت 1913 بمقتضى  المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 68.08 الصادر بتاريخ 5 غشت 1968 وعدل بالفصل 16 من قانون المالية لسنة 1985 ونسخ وعوض بمقتضى القانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 2 نونبر 2011 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 نونبر 2011 . ذلك أن  هذا الفصل سواء في أصله أو بعد تعديله لم يشر لا صراحة ولا تلميحا إلى التصرفات والاتفاقات التي يكون أحد أطرافها قد  فقد الحياة  وإنما اقتصرت على التصرفات الناشئة بين الأحياء  فيما بينهم لا فرق بين أن تكون  هذه التصرفات بعوض أو مجانية.

    ومن تم ، فإنه في الوقت الذي تقوم الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بمجهود  لا ينكره إلا جاحد  من أجل تبسيط مسطرة التعامل مع المرتفقين أو بالمفهوم التجاري مع زبنائها ،  سواء عن طريق الوصلات الاشهارية  المكتوبة والمرئية والمسموعة أو المنطويات التي تصدرها أو من خلال جملة من المعلومات التي تضعها على موقعها الالكتروني ، تصدر بعض الأحيان بعض الدوريات أو المناشير غير المبنية على أساس قانوني سليم ، والتي تؤول النصوص القانونية الصريحة والواضحة المبنى والمعنى وتحمل النص أكثر من معناه ، مع العلم أنه طبقا للقواعد العامة للتأويل  فإنه في الحالة التي تكون الألفاظ صريحة يمنع البحث عن قصد صاحبها ، أي المشرع ، كما أنه في حالة الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم . والملتزم هنا هو المواطن عامة والمستهلك على الخصوص .

   ولسنا في حاجة إلى التذكير هنا بمقتضيات الفصل 243 من القانون الجنائي الذي نص على أنه يعد مرتكبا للغدر، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس(5) سنوات  وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم، كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق، سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة. وتضاعف العقوبة إذا كان المبلغ يفوق مائة ألف ( 100.000) درهم.

 وهذا يعني بكل بساطة بأنه يمنع على المحافظين تطبيق غرامة التأخير عن جميع المعاملات والتصرفات التي لم ترد صراحة في المادة 65 من قانون التحفيظ ، لأن ذلك يعد خرقا للقانون أي ارادة المشرع التي لا يمكن تعطيلها بدورية أو مذكرة إدارية .

   بل إنه طبقا للدستور فإن القاضي ملزم بحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون . وهذه المقتضيات الواردة في الفصل 117 تعني قضاة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات باعتباره محكمة أموال ، أكثر من قضاة الحكم الذين لا يحكمون  بعلمهم ولا أكثر مما طلب منهم .

    لذا ، نرى من الضروري تدخل المحافظ العام وقبله مدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري  من أجل إلغاء الفقرة الواردة في  الدورية عدد 390 بتاريخ 20 دجنبر 2011 في شأن تطبيق مقتضيات الفصل 65 مكرر من ظهير 1é غشت 1913 كما وقع تعديله وتتميمه ، التي تعمم غرامة التأخير على كل المعاملات والتصرفات العقارية رغم أن المشرع خص بعض هذه المعاملات دون غيرها ولاسيما التي المعاملات بين الأحياء سواء كانت مجانية أو بعوض .

     ومن باب تنوير المستهلك  نذكر بأن أساس احتساب غرامة التأخير هو وجيبات المحافظة

 العقارية المستحقة على العملية الطبوغرافية أي مجموع المبلغ الواجب أداؤه لو قدم طلب التقييد قبل انصرام أجل تطبيق الغرامة ، ويساوي مبلغ الغرامة 5 في المئة من المبلغ المستحق عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انتهاء أجل ثلاثة أشهر ، و 5، 0 في المئة من نفس المبلغ المستحق عن كل شهر أو جزء من الشهر الموالي له .
الاربعاء 3 أكتوبر 2018




تعليق جديد
Twitter