MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



دور القضاء الإداري الفرنسي في نشأة وتطور واستقلال نظرية العقد الإداري

     

مراد بن عمر
ماستر "القضاء الإداري" جامعة محمد الخامس-السوسي
كلية الحقوق سلا.



دور القضاء الإداري الفرنسي في نشأة وتطور واستقلال نظرية العقد الإداري
 


مقدمة :

إن العمل الإداري يتطلب بأن تلجأ الإدارة إلى وسائل متنوعة قصد القيام بمهامها ووظائفها، وتنظيم قطاعاتها الإدارية والاقتصادية، والاجتماعية، ومن بين هذه الوسائل نجد تلك التصرفات القانونية التي تكتسي أهمية أساسية نظرا لكونها تجسد مشاريع الإدارة في إطار قانوني، ويمكن التمييز فيها بين التصرفات التي تصدر عن السلطة الإدارية بإرادتها المنفردة، ويسمى هذا النوع بالقرارات الإدارية، وبين التصرفات التي تصدر عن الإدارة باتفاق مع طرف آخر وتتجه نحو إحداث أثر قانوني معين وتسمى بعقود الإدارة.[1]
وعقود الإدارة لا يسرى عليها نظام قانوني واحد، فقد يكون عقد الإدارة عقدا من عقود القانون الخاص ويخضع لقواعد القانون الخاص، عندما تتصرف الإدارة كالأفراد العاديين دون اعتبار لما لها من سيادة أو سلطان، وقد يكون العقد من عقود القانون العام ويخضع لقواعد القانون العام عندما تتمتع فيه الإدارة بقواعد وامتيازات السلطة العامة والتي تجعلها في وضعية متميزة عن المتعاقد معها.[2] وهذا الأخير هو الذي يهمنا إذ تعتبر العقود الإدارية من بين أهم الوسائل التي تعتمد عليها الإدارة اليوم، بحيث أصبح مصطلح الإدارة المتعاقدة administration contractuelle من التعبيرات المتداولة[3] في عصرنا الحالي مما يدل على أن العقد الإداري عرف تطورات متلاحقة وصولا إلى ما هو عليه اليوم.
إن مفهوم العقد لم يكن وليد العصر الحديث بل ظهر قبل ذلك في حضارات قديمة كالحضارة الإغريقية والرومانية وكذلك في الحضارة الإسلامية، حيث استعمل الفيلسوف أرسطو هذا المفهوم من خلال تعبيرSynalagma  والمقصود به الالتزام الناجم عن تعاقد بين طرفين، وهو نفس التعبير الذي استسيغ في القانون الفرنسي Contact synallagmatique. أي العقد المبرم بين طرفين.[4] أما العقد عند الرومان فلم يكن يستند في البداية إلى مبدأ توافق إرادتين ولكن بلورت مفهوم عام ومجرد لقانون الالتزامات أضحى يستند في صحة العقد إلى توافق إرادة الطرفين، وإلغاء بعضها في غياب هذا الشرط، ومن تم أصبح قانون الالتزامات الروماني مؤثرا في أغلب القوانين المعاصرة خاصة دول شرق أوربا. وهكذا نجد قانون Romano Germanie في ألمانيا.[5]
وقد عرف النظام الإسلامي بقواعده نوعين من العقود أحدهما تحكمه قواعد العقود الخاصة كالبيوع، وأخرى لتحقيق المصلحة ففرض فيها أوضاعا غير مألوفة وقد سماها العلماء بالعقود العامة مثلا عقد التولية، وهذا الأخير من المسائل التي اجتمعت فيها المصلحتان العامة والخاصة، فالأولى باعتبار استخدام المولى في مصلحة عامة نيابة عن الكافة، والثانية لأنه مستأجر يقتضي أجرة يحقق بها مصالحه الخاصة.[6]
ويجد العقد في الإسلام أساسه الثابت في القرآن الكريم امتثالا لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود"[7] وفي السنة النبوية، ولعل خير مثال نسوقه في هذا الاتجاه ما تضمنته السنة من إشارات إلى العقود الإدارية، في العقد الذي جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال :"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر لليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها".[8] فهذا دليل على كونه عقد إداري بوصف الرسول صلى الله عليه وسلم سلطة إدارية، واليهود طرف خاص، والأرض الزراعية مرفق حيوي يأخذ بالمنفعة العامة، وقد اشترطت فيه السلطة الادارية شرطا غير مألوف في العقود العادية حيث نصت في العقد أن لها الحق في أن تفسخ العقد متى شأت ، وهذا ما يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: " نقركم بها على ذلك ما شئنا".[9]
إن دراسة هذا الموضوع تكتسي أهمية نظرية، وعملية، وهي السبيل الأول لفهم نظرية العقد الإداري، بحيث ستمكننا من الإطلاع على موقف الفقه، واجتهادات القضاء الإداري الفرنسي فيما يخص نشأة وتطور واستقلالية العقد الإداري.
إذا إلى أي حد ساهم القضاء الإداري الفرنسي في نشأة وتطور، واستقلالية نظرية العقد الإداري؟
للإجابة على هذه الإشكالية سنتولى دراسة هذا الموضوع وفق التقسيم التالي:
 

  • المبحث الأول : نشأة وتطور نظرية العقد الإداري.
 
  1. المطلب الأول : نشأة نظرية العقد الإداري.
  2. المطلب الثاني : تطور نظرية العقد الإداري.
 
  • المبحث الثاني : استقلالية نظرية العقد الإداري.
 
  1. المطلب الأول : موقف الفقه من استقلالية العقد الإداري.
  2. المطلب الثاني : دور القضاء في استقلالية العقد الإداري.
 
 
 
 
  • المبحث الأول : نشأة وتطور نظرية العقد الإداري.
  •  
     مما لا شك فيه أن هناك معيارين تم اعتمادهما في مراحل تاريخية مختلفة بفرنسا  لتميز العقود الإدارية عما عداها من عقود الإدارة، وبالتالي تحديد الجهة المختصة بنظر كل نوع من هذه العقود، وتلاحقت التطورات الفقهية والقضائية في الموضوع، لدرجة أنه لا يمكن الحديث عن معيار قيل به منذ أن عكف الفقهاء على دراسة العقود الإدارية واستمر الأخذ به إلى الآن والسبب في ذلك راجع إلى ما يعرفه القضاء الإداري من تطورات تبعا للمتغيرات التي تعرفها الحياة الاجتماعية والقانونية وانعكاس ذلك على تكون المفاهيم القانونية[10].
  1. المطلب الأول : نشأة نظرية العقد الإداري.
    اعتمد الفقه والقضاء الإداري الفرنسي في نشأة النظرية العامة للعقود الإدارية معيارين في توزيع الاختصاص بين المحاكم القضائية من ناحية والقضاء الإداري من ناحية أخرى،[11] وذلك عبر مراحل مختلفة يرتكز المعيار الأول على فكرة السيادة أو السلطة العامة، (الفقرة الأولى) إلا أن هذا المعيار تم العدول عنه من طرف الفقه والقضاء في اتجاه اعتماد معيارا آخر تمثل في معيار المرفق العام وذلك لعدة أسباب(الفقرة الثانية).
  • الفقرة الأولى: معيار السلطة العامة
      تجدر الإشارة إلى أن نظرية العقد الإدارية، لم تنشأ في القانون الإداري الفرنسي إلا في تاريخ متأخر، لا يكاد يتجاوز مطلع القرن العشرين، بحيث كان معيار السيادة أو السلطة العامة هو المعتمد بداية في توزيع الاختصاصات بين المحاكم القضائية العادية والقضاء الإداري، ومفاد ذلك أن المنازعات التي تتعلق بأعمال السلطة « les actes d’autorité » هي وحدها التي يختص بها القضاء الإداري، فأما التصرفات العادية « les actes de gestion » التي تنزل فيها الإدارة إلى مرتبة الأفراد، العاديين فتتبع أو تشترى أو تستأجر... الخ فإنها تترك لاختصاص المحاكم العادية، لأن التصرفات الأولى، التي تنطوي على عنصر السلطة العامة، لا نظير لها في القانون الخاص، ومن تم فإنها تخضع لاختصاص المحاكم الإدارية دون حاجة إلى نص صريح، ووفقا لهذه النظرية التي سادت حتى مطلع القرن العشرين، كانت العقود التي تبرمها الإدارة تعتبر من قبيل التصرفات العادية التي تندرج في اختصاص المحاكم العادية، وكانت هذه المحاكم تطبق عليها قواعد القانون الخاص.[12]
  ولكن استثناء من القاعدة السابقة والتي تعتبر بمقتضاها عقود الإدارة من قبيل التصرفات العادية التي تخضع لاختصاص المحاكم القضائية العادية، فإن المشرع الفرنسي لأسباب خاصة[13] نص على اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة ببعض العقود التي تبرمها الإدارة، وعلى هذا الأساس نص قانون بليفيوز للسنة الثامنة من الثورة في مادته الثانية على اختصاص مجالس الأقاليم بالنزاعات "التي تنشأ بين مقاول الأشغال العامة والإدارة، والمتعلقة بتنفيذ شروط العقد المبرم بينهما، وكذلك عقود بيع أملاك الدولة" وطبقا للمادة الرابعة من هذا القانون تكون إدارية بتحديد القانون عقود الأشغال العامة[14]، كما نص مرسوم 11/06/1806 في مادته الثالثة عشر على اختصاص مجلس الدولة الفرنسي بهيئة قضاء إداري بالنظر في المنازعات المتعلقة بعقود التوريد التي تبرمها الدولة، ثم نص القانون الصادر في 17/01/1790 و 26/09/1793 على جعل الاختصاص ينظر المنازعات الناتجة عن عقود القرض العام التي تبرمها الدولة لمجلس الدولة، وتعتبر كذلك العقود التي تتضمن شغلا للدومين العام، عقود إدارية بتحديد القانون استنادا إلى نص مرسوم قانون الصادر في 17/06/1938، فتخضع المنازعات الناتجة عن إبرامها لاختصاص القضاء الإداري[15].
والفقهاء هم الذين أطلقوا هذه التسمية على هذا النوع من العقود (العقود الإدارية بتحديد القانون) « les contrats administratif par détermination de la loi » لأن اختصاص القضاء الإداري بتلك العقود لم يكن يستند إلى خصائص ذاتية وإنما يرجع إلى إرادة المشرع.[16]
والملاحظ أن القضاء الإداري الفرنسي وخصوصا مجلس الدولة لم يعد يقتصر في اختصاصه على العقود المحددة بقانون، بل بذل جهدا كبيرا في سبيل توسيع اختصاصه فقاس على العقود المنصوص عليها عقودا أخرى لم يرد بشأنها نص، وعلى هذا الأساس قام بتوسيع اختصاصه عن طريق قياس عقد الأشغال العامة إلى عقود طلب المعاونة، وعقود الإضاءة، وتوزيع المياه، وغاز الاستصباح في المدن، وكنس الشوارع استنادا إلى أن تلك العقود تحتوي على عنصر الأشغال العامة.
ولما كان المسلك السابق يستند إلى معيار السلطة العام في توزيع الاختصاص بين القضاء العادي، والقضاء الإداري، فإن هذا المعيار تعرض لجملة من الانتقادات من جانب الفقه، من بينها أنه معيار غامض لا يقدم تفصيلا دقيقا بين أعمال السلطة العامة والتصرفات العادية،كما أنه يضيق مجال القانون الإداري إلى حد كبير إذ يخرج من نطاقه كل تصرف إداري لا يكون مطبوعا بخصائص السلطة العامة، إضافة إلى أنه يتجاهل مستلزمات الحياة الإدارية الحديثة، ذلك أن الإدارة في خارج نطاق فكرة السلطة العامة قد تحتاج إلى قواعد خاصة لتسهيل مهمتها في تحقيق النفع العام. الشيء الذي جعل الفقه والقضاء يعدل عنه واعتماد معيار آخر في أوائل العشرينات، وهو معيار المرفق العام « le critère du service public » .[17]
  • الفقرة الثانية: معيار المرفق العام
ظهرت نظرية المرفق العام شأنها شأن نظرية السلطة العامة بفرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتميزت بالدقة والوضوح كمعيار لتحديد اختصاص القضاء الإداري، وتطبيق قواعد القانون الإداري، ومن أنصار هذه النظرية نجد "دوكي" و"جيز" و"بونار" وتستند هذه النظرية إلى أن الدولة ليست شخصا يتمتع بالسيادة والسلطان لها إرادة ذاتية أعلى من إرادة الأفراد، ولكنها مجموعة مرافق عام تعمل لخدمة المجتمع وتساهم في توفير المقومات الأساسية لحياة اجتماعية، واقتصادية سليمة، فالقانون لا يستمد قوته الملزمة والمجردة من سلطان الدولة وإراداتها العليا حسب هذه النظرية، وإنما يستمدها من طبيعة القاعدة القانونية ذاتها ومدى موافقتها مع حاجات المجتمع، ومن تم حاجات المرافق العامة. على هذا الأساس أهمل مجلس الدولة الفرنسي المعيار المستمد من فكرة السلطة العامة، واستبدل به معيار المرفق العام، كما صوره حكم "Terrier" الصادر بتاريخ 06/02/1903،[18] فقد أوضح المفوض "روميو" في تقريره الذي قدمه في هذا الحكم أن اختصاص القضاء الإداري يتناول كل ما يتعلق بتنظيم وسير المرافق العامة وطنية كانت أو محلية، سواء أكانت وسيلة الإدارة في ذلك عمل من أعمال السلطة أو تصرفا عاديا، فالعقود التي تبرمها الإدارة بهذا الخصوص هي أعمال إدارية بطبيعتها، وبالتالي يجب أن يختص القضاء الإداري بالفصل في كل ما ينجم عنها من منازعات.
وإذا كان هذا التصور من شأنه أن يجعل علاقة القانون الإداري بالمرفق العام علاقة حتمية، فإن المفوض روميو قد حرص في تقريره على أن يبرز أن فكرة المرفق وإن كانت ضرورية لكي يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بأعمال الإدارة، فإن الإدارة حرة في أن تلجأ إلى وسائل القانون الخاص إذا رأت أن تلك الوسائل أنجع في تسيير المرافق العامة.
 وبناء على هذا الحكم فإن عقود الإدارة تكتسب الصبغة الإدارية لا بناء على إرادة المشرع، ولكن استنادا إلى خصائصها الذاتية كما أنه لا يكفي أن ينص المشرع على أن المنازعات المتعلقة بعقد معين تدخل في اختصاص المحاكم الإدارية للقول بإخضاعه لقواعد القانون العام، بل يجب أن يحتوي العقد الذي تبرمه الإدارة على خصائص ذاتية تجعل خضوعه لقواعد القانون العام أمرا حتميا.
 ويترتب على هذا المسلك أيضا مرونة العقود الإدارية، فهي ليست محصورة سلفا في عدد معين من العقود، ولكن مجالها يمتد على كل اتفاق تبرمه الإدارة مع الأفراد وتتصرف فيها على أن تسبغ عليه الصفة السابقة.[19]
  1. المطلب الثاني : تطور نظرية العقد الإداري.
    لقد عمل القضاء الإداري الفرنسي من خلال مجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة عنه، على إرساء قواعد نظرية العقد الإداري بما يتضمنه دائما من مبادئ قانونية تتفق وطبيعة الدور الإنشائي لهذا القضاء في مجال القانون الإداري، فالتنصيص على الطبيعة القانونية للعقود الإدارية يعتبر في الواقع حالة استثنائية، لهذا نجد أن تحديد العقود الإدارية لا يتم إلا بالرجوع إلى الأحكام القضائية، وكذلك الى المعايير التي ابتكرها الفقه والقضاء في هذا المجال.
ويرجع الفضل إلى القضاء الإداري الفرنسي وخصوصا مجلس الدولة، في تطور نظرية العقد الإداري، فدور مجلس الدولة ومحكمة التنازع كان واضحا ودقيقا في بلورة معيار العقد الإداري حتى يتفق مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لذا لا يمكن إنكار دور القضاء الإداري الفرنسي في تأصيل معيار تمييز العقد الإداري مستهديا في ذلك بتعليقات وملاحظات الفقهاء ومفوضي الحكومة الفرنسيين[20].
ففي البداية كان القضاء الإداري الفرنسي يتقيد في تحديد اختصاصه بمنازعات العقود بنص القانون، فكان يتحايل على النصوص التشريعية ليوسع اختصاصه ببعض عقود الإدارة، إلا أن مشكلة تمييز العقد الإداري تجد أساسها في القضاء، ويتضح ذلك من خلال قضية حكم "بلا نكو" بتاريخ 1873، فصدور هذا الحكم قضى على نظرية أعمال السلطة وأعمال الإدارة العادية، وأصبح المرفق العام كأساس للقانون الإداري، واختصاص القضاء الإداري.[21]
ويظهر أول تطبيق لفكرة المرفق العام في مجال العقود الإدارية في حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضيةTerrier  سنة 1903 وتتخلص وقائع هذه النازلة في أن المجلس البلدي Soane et Loire اتخذ قرار يمنع بموجبه مكافأة مالية لكل شخص ثبت أنه قتل أفعى، فحصل أن نفدت المبالغ المخصصة لهذه المكافأة، وعندما تقدم السيد تيري لطلب مكافأته فوجئ برفض المحافظة وعلى إثر ذلك تقدم بدعوى أمام مجلس الدولة مدعيا فيها أن الإدارة قد خالفت بنود العقد الذي أبرمته مع صياد الأفاعي. وقد أقر مجلس الدولة باختصاصه على أساس غامض وغير واضح إذ قال: "إن رفض المحافظ دفع مستحقات تيري قد أنشأ نزاعا يدخل في اختصاص مجلس الدولة". لقد أرسى هذا الحكم مبدأ جديد يتجلى في عدم التمييز بين قضاء مجلس الدولة وقضاء الجماعات المحلية لأن الطرح الذي كان سائدا هو أن العقود المبرمة من قبل الجماعات المحلية كانت تخضع للقانون الخاص في منازعات المتعلقة بها كان يتم الفصل فيها من قبل المحاكم العادية وقد أكد ذلك المفوض روميو بقوله أن كل ما يتعلق بتنظيم وتسيير مرفق عام من اختصاص القضاء الإداري.[22]
وفي نفس الاتجاه ذهب موقف مجلس الدولة في قرار Thérond الصادر في 4 مارس 1910، والذي تتلخص وقائعه كالتالي: "أبرمت مدينة Montpellier عقدا مع شخص خاص قصد القبض على الكلاب الضالة ودفع الحيوانات الميتة من الشوارع، لكن المدينة المذكورة لم تلتزم بمقتضيات العقد فرفع السيد Thérond   دعوى أمام مجلس الدولة، الذي أكد فيه تطبيق المرفق العام على المرافق المحلية".[23]
والملاحظ من خلال هذا الحكم أن موقف القضاء الإداري كان واضحا في اعتماد معيار المرفق العام وحده لتحديد الطبيعة الإدارية للعقد، وهذا ما يستخلص مما جاء في حيثيات الحكم حيث "إن مدينة Montpellier تصرفت من أجل صحة وسلامة المواطنين، وكان هدفها تسيير مرفق عام، بالتالي فإن الصعوبات التي يمكن أن تترتب عن عدم تنفيذ أو سوء تنفيذ هذا المرفق، تدخل في اختصاص مجلس الدولة، ما لم يكن هناك نص يمنح هذا الاختصاص لجهة قضائية أخرى". 
وتجدر الاشارة الى أن حكمي Terrier و Thérond كانا بصدد عقود أشخاص عامة محلية، وبالتالي صارت عقود الجماعات المحلية من اختصاص القضاء الإداري بعد أن كانت تدخل في اختصاص المحاكم العادية، وأيضا كان معيار المرفق العام هو المأخوذ به أساسا، وكان كافيا لتحديد الطبيعة الإدارية للعقد.[24]
إلا أن موقف القضاء سرعان ما تطور، حيث لم يعد يكتفي باتصال العقد بتسيير مرفق عام كمعيار وحيد لتحديد الطبيعة الإدارية للعقد، بل أصبح يتطلب إضافة إلى ذلك أن تتبع الإدارة بشأن العقد أسلوب القانون العام، بمعنى ينبغي أن يتضمن العقد شروط استثنائية من القانون الخاص،[25] ويعتبر حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية شركة "كرانيت الفوج" [26]granites des vosges الصادر بتاريخ 31/07/1912 المنطلق الأساسي لظهور نظرية الشروط الاستثنائية في العقد الإداري، ومما ورد في هذا الحكم المتعلق بعقد مبرم بين مدينة "Lille" وشركة كرانيت الفوج أن " العقد المبرم بين المدينة والشركة كان موضوعه الوحيد التوريد طبقا لقواعد وشروط العقود المبرمة بين الأفراد، وإنه بهذا يثير الطلب منازعة لا يختص القضاء الإداري بنظرها"، ويتضح من موقف القضاء الإداري في هذا الحكم أن فكرة المرفق العام وإن كانت ضرورية لتمييز العقد الإداري فهي غير كافية، وبالتالي لابد أن يتضمن العقد شروط استثنائية غير مألوفة في عقود الأفراد.[27]
ويعود الفضل إلى المفوض L . Blum في الإشارة من خلال تعليقه على حكم مجلس الدولة في قضية شركة "كرانيت" إلى معيار الشروط الاستثنائية، وعلى هذا الأساس وابتدءا من حكم شركة كرانيت الفوج سنة 1912 إلى غاية سنة 1956 أخذ القضاء الإداري الفرنسي بالفكرتين معا لتمييز العقد الإداري وهكذا برز المعيار المختلط القائم على المزج بين المعيارين السابقين، وبالتالي يعتبر العقد بطبعه إداريا إذا كانت الإدارة طرفا فيه، واتصل العقد بتسيير مرفق عام، واتجهت نية الإدارة فيه إلى اعتماد أساليب وامتيازات القانون العام[28].
إلا أنه وابتدءا من سنة 1956 حصل تطور من نوع أخر لتمييز العقد الإداري ، وكان ذلك بصدور حكم مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 20/04/1956 في قضية الزوجين Bertin[29] حيث بدأ الفقهاء يتحدثون عن عودة المعيار المستمد من المرفق العام ، وبالتالي شكلا هذين الحكمين منعطفا جديدا في تاريخ المعيار القضائي للعقد الإداري،[30] بحيث أصبح المعيار المأخوذ من نظرية المرفق العام كافيا بذاته من خلال وجود علاقة واضحة بين العقد والمرفق العام، وتتلخص وقائع هذا الحكم الذي سمي بحكم الزوجين بريتان Epoux Bertin أنه[31] عندما انتهت الحرب العالمية الثانية وضع الرعايا الروس الموجودين في فرنسا في مراكز الإيواء تمهيدا إلى ترحيلهم إلى بلادهم وفي تاريخ 24/11/1944 أبرم عقد شفوي بين رئيس احد هذه المراكز والزوجان Bertin يلتزم فيه هذان الزوجان بتغذية اللاجئين مقابل مبلغ محدد من المال عن كل فرد في اليوم ، وفي سنة 1945 ادعى الزوجان أن المبلغ المستحق لهما قد زاد مقداره نتيجة لزيادة كميات الأغذية التي قدمت للاجئين بأمر من المركز، فطلبا صرف المقابل لهذه الزيادة ، إلا أن الوزارة المشرفة على المعسكرات رفضت الدفع، فرفع الزوجان الدعوى أمام مجلس الدولة.
إلا أن الوزارة دفعت بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر النزاع مستندة أن العقد لم يتضمن شروطا استثنائية ولذلك فهو لا يعد عقدا إداريا ، ولكن مجلس الدولة رفض هذا الدفع فحكم في هذا الصدد بأن العقد يمكن أن يكون إداريا إذا كان هدفه أن يعهد الى المتعاقد مع الإدارة بالتنفيذ ذاته للمرفق العام L’exécution même du service public دون حاجة لبحث ما إذا كان العقد المذكور يتضمن شروطا غير مألوفة في القواعد العامة.
  وبعد هذا الحكم بعشرين يوما أصدر مجلس الدولة حكما أخر في قضية  الإخوان Gondrand[32] أكد نفس المبدأ السابق، وهو شرط مشاركة المتعاقد مع الإدارة في تنفيذ العقد ذاته، هذا المبدأ لقي صدى لدى محكمة التنازع وأيضا محكمة النقض في فرنسا، فأقرت محكمة التنازع هذا المبدأ في حكمها الصادر بتاريخ  23/11/5919 في قضية Delle Santelli ، وكذلك الحكم الصادر بتاريخ 12/06/1978 في قضية Houend حيث اعتبرت المحكمة في هذه القضية  عمل الموظفة في مدرسة للفتيات تقوم بمراقبة نوم الفتيات اشتراكا بصورة مباشرة في تنفيذ خدمة عامة تخص التعليم، وكذلك حكمها الصادر بتاريخ 71/10/9197 في قضية Dem le cachey et autres[33] حيث اعتبرت محكمة التنازع الفنانين الذين يعملون في المسرح البلدي كالمغنيين أو العازفين مشتركين في تنفيذ المرفق العام ، وفي نفس الاتجاه ذهب مجلس الدولة في حكم صادر بتاريخ 26/09/1984 في قضية Cornetto حيث جاء في حيثياته أن "عندما يشرك العقد المتعاقد في تنفيذ المرفق العام ذاته، يكون هذا العقد إداريا"[34].
لكن هذا لا يعني أن القضاء الإداري الفرنسي هدف من خلال اعتماده على هذا المبدأ باعتباره معيارا وحيدا كافي لتمييز العقد الإداري، وإنما لازلت الشروط الاستثنائية تتمتع بأهمية كبيرة في هذا المجال وتحظى بتأييد جانب كبير من الفقهاء.[35]
وعليه فإن القضاء الفرنسي عمل على تطوير العقد وتوسيع قائمة العقود الإدارية على حساب عقود الإدارة الخاصة وذلك باعتماده على المعيار التناوبي أو الاختياري لتمييز العقد الإداري،[36] فلم يكتفي بصبغة العقد الإداري على العقود التي نص عليها المشرع صراحة وإنما عمل على إيجاد خصائص ذاتية للعقد تجعل منه عقدا إداريا.
ومما سبق يتضح لنا جليا أن القضاء الفرنسي عمل منذ نشأته على تطور نظرية العقد الإداري، من خلال مجموعة من المعايير وعبر مراحل مختلفة لتمييز العقد الإداري، الشيء الذي يؤكد موقف القضاء الإداري الفرنسي في توسيع قائمة العقود الإدارية، وبالتالي تحديد اختصاصات القضاء الإداري وكذلك تطبيق قواعد القانون الإداري.
 من هذا المنطلق يمكن التساؤل: كيف ساهم الفقه والقضاء الإداري الفرنسي بدوره في استقلالية نظرية العقد الإداري؟ وهل ارتبطت هذه الاستقلالية بتطور معايير تمييز العقد الإداري ؟ ذلك ما سنراه من خلال تطرقنا للمبحث الثاني.
  • المبحث الثاني : استقلال نظرية العقد الإداري.
    نظرا لأهمية العقد الإداري فقد اهتمت به مختلف النظم الحديثة، حيث حاول كل من الفقه والقضاء الفرنسي احتوائه وتطويره، فالمسلم به أن تحديد العقود الإدارية إنما يكون بالرجوع إلى أحكام القضاء وآراء الفقهاء في تمييز العقد الإداري فالقضاء يعاونه الفقه، وهذا الأخير هو أهم مصدر للمبادئ والقواعد المتعلقة بالعقود الإدارية، ولا شك أن كل من الفقه والقضاء كان لهما الدور الكبير في استقلالية هذا النوع من العقود.  
  1. المطلب الأول : موقف الفقه من استقلالية العقد الإداري.
    اختلف فقهاء القانون الإداري في فرنسا حول المعيار المميز للعقد الإداري ومدى استقلاليته عما عداه من عقود الإدارة العادية، حيث برز اتجاه نفى عن العقد الإداري فكرة الاستقلالية، في حين أكد اتجاه آخر استقلالية العقد الإداري وبالتالي خضوعه لاختصاص القضاء الإداري.
  • الاتجاه الأول: [37]
     ذهب فيه العميد Duguit إلى أنه لا يوجد فرق أساسي بين العقد الإداري والعقد في القانون الخاص، لأنهما حسب رأيه متفقان في عناصرها الجوهرية، بحيث يجب توفر في العقد عنصر الرضا وأن يكون صحيحا وصادرا عن الجهة الإدارية المختصة، ويجب أن يكون سليما من العيوب ويتوفر فيه السبب، وأن يكون مشروعا ومحددا أو قابلا لتحديد، وهي نفس الخصائص التي يتمتع بها العقد الإداري، ونفس الآثار المترتبة عليه.
وعلى هذا الأساس لا يوجد عقد إداري متميز عن العقود التي تبرم بين الأفراد، ولكن الاختلاف يوجد على مستوى الاختصاص القضائي فقط ، بحيث يرفع النزاع أمام القضاء الإداري لأن الإدارة تظهر في العقد بصفتها سلطة عامة، وبقصد تسيير مرفق عام وإدارته، والفرق هنا يشبه تماما الفرق بين العقد المدني والعقود التجارية التي تخضع منازعاتها للمحاكم التجارية لاستهدافها أغراضا تجارية.
  • الاتجاه الثاني:   [38]
    يمثل هذا الإتجاه الذي يختلف عن السابق مجموعة من الفقهاء نذكر منهم JEZE و A. DE LAUBADERE ذهب هؤلاء الفقهاء إلى أن النظام القضائي في القانون الإداري نظام خاص ومستقل عن نظام القانون الخاص، لاختلاف مصادرهما القانونية، وتبعا لهذه الخصوصية فالعقود الإدارية هي أيضا تختلف عن عقود القانون الخاص من حيث نظام منازعاتها، وذلك راجع إلى متطلبات المصلحة العامة التي تهدف العقود الإدارية إلى تحقيقها، والحق أنه لا يمكن التسليم بما ذهب إليه الاتجاه الأول وإن كان ينطوي على حقيقة مفادها وجود نقاط توافق كبيرة بين العقود الإدارية وعقود القانون الخاص.
 إلا أن هذا التوافق لا ينفي وجود نظام قانوني متميز يخضع له العقد الإداري، ففي الوقت الذي تكون فيه المصالح متكافئة والمتعاقدان متساويان في عقود القانون الخاص، نجد أن المصلحة العامة في ظل عقود القانون العام تتميز بالأولوية إذ تقدم المصلحة العامة للإدارة على المصلحة الخاصة للأفراد.
والإدارة بهذا الحال وبوصفها قائمة على تحقيق المصلحة العامة، تتمتع بحقوق وامتيازات لا مثيل لها في نطاق القانون الخاص، وهذه المصلحة تخول الإدارة حق مراقبة تنفيذ العقد، وتوجيه المتعاقد نحو الأسلوب الأفضل في التسيير والتدبير وتنفيذ العقد، إضافة إلى سلطة تعديل العقد بإرادتها المنفردة دون حاجة إلى نص صريح وبدون تمسك المتعاقد بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، لكن شريطة ألا تمس سلطة التعديل هذه البنود التعاقدية المنظمة للروابط المالية للعقد، الشيء الذي تضمن معه حقوق وامتيازات المتعاقد ولا تهدر مصالحه التي تعتبر ثانوية بالنسبة للمصلحة العامة، وهذا لا مثيل له في عقود القانون الخاص.
  1. المطلب الثاني : دور القضاء في استقلالية العقد الإداري.
      إن تطور معايير تمييز العقد الإداري في القضاء الفرنسي وتتابعها في التسلسل، وإن كانت توحي بالانفصال والانقطاع فإنها في مضمونها تعني التطور والاستمرارية،[39]  وهكذا فإن استقلالية العقد الإداري ارتبطت بتطور هذه المعايير في تحديد الطبيعة الإدارية للعقد.
ولا شك أن نشأة نظرية الظروف الطارئة كان لها وقع كبير في استقلالية العقد الإداري، من خلال إعادة التوازن بين المصلحة الخاصة للمتعاقد والمصلحة العامة للإدارة أثناء تنفيذ العقد،
وهذا ما أكذه القضاء الإداري الفرنسي في حكمه الصادر بتاريخ 30 مارس 1916 والمتعلق بشركة الإضاءة بمدينة BORDEAUX وتتلخص وقائع هذه القضية أن " بلدية بوردو كلفت بمقتضى عقد امتياز شركة الإضاءة بهذه المدينة بتوزيع الغاز والكهرباء وذلك لمدة ثلاثين سنة، إلا أنه عقب نشوب الحرب العالمية الأولى ارتفعت أسعار الفحم ارتفاعا باهضا الشيء الذي ترتب عنه ارتفاع في تكاليف انتاج الشركة ومردوديتها، وتبعا لهذا تقدمت الشركة بطلب لهذه البلدية يقضي بترخيص لها للزيادة في أسعار الفحم، إلا أن هذه الأخيرة رفضت طلبها بحجة أن العقد شريعة المتعاقدين وأن تنفيذ إلتزام الشركة لم يصبح مستحيلا لأن الفحم موجود رغم أن أسعاره قد ارتفعت، فالتجأت الشركة إلى القضاء للدفاع عن حقوقها مطالبة بتعديل الشروط المتعلقة بالأسعار، وبمنحها تعويضات عن الأضرار التي تكبدتها بسبب عدم الاستجابة لطلبها، اعتمادا على أنها تقوم بإدارة مرفق عام، فقضى مجلس الدولة بالتعويض لأن المشكلة تتعلق بإدارة مرفق عام يتطلب الاستمرارية في القيام بمهامه، وقضى كذلك بمساعدة الشركة من طرف البلدية وذلك لتمكينها من مواجهة الصعوبات الناتجة عن ارتفاع أسعار الفحم نظرا لكون هذه الظروف لم تكن في الحسبان أثناء إبرام العقد"[40].
من خلال هذا الحكم يتضح لنا أن نظرية الظروف الطارئة نشأت لمواجهة أزمة مؤقتة ناتجة عن أحداث اقتصادية أو قانونية تكون خارجة عن إرادة الطرفين وقت ابرام العقد ، أدت إلى الإخلال بالتوازن المالي للعقد مما يصبح معه استمرارية الملتزم في تنفيذ التزاماته مرهقة وصعبة، الشيء الذي ينبغي على الإدارة أن تتدخل في هذه الظرفية لحماية الملتزم من الأزمة، وذلك بتحملها جزءا من الخسائر. 
كما عمل القضاء الفرنسي على استقلالية العقد الإداري من خلال معيار توفر العقد الإداري على شروط استثنائية غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، وهذا ما أكذه مجلس الدولة الفرنسي في قضية شركة "كرانيت الفوج" الصادر بتاريخ 31/07/1912 (سبقت الإشارة إليه) إذ وضع مفوض الدولة LEON BLUM مبدأ عاما يتعلق بمعيار تمييز العقود الإدارية وعقود القانون الخاص، فبين في تقريره:" أنه إذا تعلق الأمر بعقد يجب البحث في طبيعة العقد ذاته، استقلالا عن الشخص الذي عقده والغاية التي أبرم من أجلها"، وهذا لا يعني إهدار الشرط الأخر أي هدف المرفق العام، وإنما المقصود هنا أن هذا الأخير لم يعد كافيا لكي يكتسب العقد الصفة الإدارية، بل أصبح ملزما على الإدارة بأن تكشف عن نيتها في الأخذ بأسلوب القانون العام ، والوسيلة في ذلك أن يتضمن العقد شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.
ورغم ما آثاره هذا المعيار من جدل في فقه القانون الإداري، وأحكام القضاء التي لم توضح بصورة قاطعة مضمون هذا الشرط، فإن أهميته كبيرة في تحديد الطبيعة الإدارية للعقود التي تبرمها الإدارة بصفتها سلطة عامة تتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الفرد العادي، كحق الرقابة والتوجيه وسلطتها في تعديل بنود التعاقد بإرادتها المنفردة وسلطتها في إنهاء أو فسخ العقد.
وفي هذا الاتجاه اعتبر VEDEL معيار الشروط الاستثنائية هو الوحيد الذي يكشف عن إرادة المتعاقدين في إتباع أسلوب القانون العام، وفي الإتجاه نفسه يذهب Chapus إلى القول أن معيار الشرط الاستثنائي غير المألوف يستطيع بمفرده إعطاء الصفة الإدارية للعقد.[41]
وتجدر الإشارة إلى أن نظرية العقد الإداري عرفت مجموعة من التطورات، ساهم فيها القضاء الإداري الفرنسي بشكل مستفيض وصولا إلى ما هي عليه اليوم.

خاتمـــــــــة:

    لكل ما سبق يمكن القول أن العقود الإدارية تبقى خاضعة للتطور لتساير المتغيرات التي تعرفها الدولة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو النظام القانوني، كما أن هذا النوع من العقود أصبحت مدعوة لتساير التحولات التي يعرفها العالم خصوصا في الوقت الراهن، كما أن العقد الإداري خضع لتطور مهم كان لكل من الفقه والتشريع والقضاء دور في هذا التطور، حيث كلما اشتدت أزمة هذا العقد بادر هؤلاء بالعمل إلى إيجاد حلول بهدف المصلحة العامة، وهذا ما يفسر التحول الذي عرفه العقد الإداري فيما يخص نظريتي السلطة العامة والمرفق العام، وقد عرف بعض الفقهاء العقود الإدارية بأنها "تلك العقود التي تبرم بين الإدارة كسلطة عامة قائمة على تحقيق المصلحة العامة، وبين الأفراد أو الشركات الخاصة من أجل انجاز عمل معين يحقق المنفعة العامة بشكل مباشر، مثل إدارة احد المرافق العامة، أو توريد سلعة أو خدمة معينة أو تنفيذ احد الأشغال العامة أو نقل البضائع والأفراد والمساهمة في بعض أنواع النفقات العامة أو إقراض الأموال مع تضمين الاتفاق أهم شروط وقواعد  تنفيذ العمل المطلوب وأهم حقوق وواجبات كل من الطرفين المتعاقدين لدى تنفيذ ذلك العمل".[42]
ورغم وضوح هذا التعريف فإن واقع العقد الإداري يفصح عن غموض كبير في كل محاولة لتحديده، ومن تم فالوقوف على التعريف الشامل الذي يمكن إعطائه للعقد الإداري يقتضي تمييزه عن العقد الذي يبرم في مجال علاقات التعاقدية بين الخواص.
هكذا وطبقا لاتجاه القضاء الفرنسي هناك مجموعتان من المعايير لتمييز العقد الإداري عن العقود الخاصة، وكل معيار كافي بذاته لإعطاء العقد الطابع الإداري، وبالتالي يكون إداريا العقد المبرم من قبل شخص عام، سواء لأنه يعهد إلى المتعاقد مع الإدارة بتسيير مرفق عام ذاته، أو لأنه يتضمن شروطا استثنائية غير مألوفة في نطاق القانون الخاص. [43]
من هنا يمكن التساؤل إذا كان القضاء الإداري الفرنسي يأخذ بأحد المعيارين إلى جانب المعيار الموضوعي في تمييز العقد الإداري، فكيف هو الحال في القضاء الإداري المغربي؟
 

لائحة المراجـــــع

المراجع باللغة العربية:
1- د - أحمد بوعشيق : " المرافق العامة الكبرى"  دار النشر المغربية، طبعة 2004
2-  دة- ثورية لعيوني: " القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة" دار النشر الجسور وجدة، الطبعة الأولى 2005
3- د. رضوان بوجمعة : " المقتضب في القانون الإداري المغربي " مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1999
4- د-  سليمان محمد الطماوي: "الأسس العامة للعقود الإدارية" دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، مطبعة الاعتماد بمصر القاهرة طبعة  1975، وكذلك: " مبادئ القانون الإداري" دار النهضة العربية، القاهرة طبعة 1979 *
5- د- مازن ليلو راضي: " الوجيز في القانون الإداري " دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،  طبعة 2005
6- د – محمد عبدالحميد أبو زيد : " القانون الإداري" الطبعة الثانية، 2007
7- دة .  مليكة الصروخ: " القانون الإداري – دراسة مقارنة " مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء طبعة نونبر 2006
8- د- ندير بن محمد الطيب أوهاب: " نظرية العقود الإدارية – دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون" مركز البحوث، طبعة 2006
9- دة- ثورية العيوني: "موقف القضاء الإداري من المرفق العام كمعيار للعقد الإداري" المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة "مواضيع الساعة" عدد 35- طبعة 2002
المراجع باللغة الفرنسية:
1- A. de laubadere , franck moderne et pierre delvolvé, « Traité des contrats administratifs, 2eme édition, 1983
2- A. DE LAUBADERE : « Traite élémentaire de droit administrative » 6eme édition, parais 1973
 3- Nadine poul ,et gbot le clerc : «  droit administratif, source, moyens contrôles » imp 1995
الأحكام:
1- C. E 06/02/1903, TERRIER, R P 94, CONCL. ROMIEU
2- C. E. 31/Juillet/1912 , GRANITES DES VOSGES, N° 30701
3- C.E 20/Avril/1956, EPOUX BERTIN D. n° 98637
4- C.E 11/05/1956, STE DES TRANSPORTS GONDRAND FRERES D. 1956 J. 433 NOT A DE LAUBADERE
5- C. E. 30/03/1916 : SOCIETE D’ECLERAGE DE BORDEAUX
مواقع الأنترنيت:
 
منتدى القانون الإداري www.omanlegal.net مأخوذ يوم 20 نونبر 2011 على الساعة 17 :30
www.wikipedia.org/wiki/droit_romain   مأخوذ يوم 20 نونبر 2011 على الساعة 17 :45
 
 
 
 
 
 
الهوامش

[1]  - د. رضوان بوجمعة : " المقتضب في القانون الإداري المغربي " مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1999- ص ، 173.
[2]  - دة .  مليكة الصروخ: " القانون الإداري – دراسة مقارنة " مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء طبعة نونبر 2006 ص 480
[3]  دة- ثورية لعيوني: " القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة" دار النشر الجسور وجدة، الطبعة الأولى 2005، ص 229
 [4] منتدى القانون الإداري www.omanlegal.net مأخوذ يوم 20 نونبر 2011 على الساعة 17 :30
 [5] www.wikipedia.org/wiki/droit_romain   مأخوذ يوم 20 نونبر 2011 على الساعة 17 :45
[6] د- ندير بن محمد الطيب أوهاب: " نظرية العقود الإدارية – دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون" مركز البحوث، طبعة 2006 ص، 29
 سورة المائدة، الآية 2 [7]
 حديث رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، 137 على 3 باب المزرعة بالشطر من كتاب الحرث[8]
 حديث رواه إمام مسلم في صحيحه، 188 على 3 باب المساقاة والمعاملة بجزء من التمر والزرع [9]
[10]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق، ص 232
[11] - Nadine poul ,et gbot le clerc : «  droit administratif, source, moyens contrôles » imp 1995- p131.
[12]  د-  سليمان محمد الطماوي: "الأسس العامة للعقود الإدارية" دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، مطبعة الاعتماد بمصر القاهرة طبعة  1975، ص 32
 د-  سليمان محمد الطماوي:المرجع نفسه، ص 33[13]
[14]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق، ص 237
[15]  المرجع نفسه ، 238 - 239
[16]  د – محمد عبدالحميد أبو زيد : " القانون الإداري" الطبعة الثانية، 2007 ص 399
[17]  د-  سليمان محمد الطماوي: المرجع السابق، ص 33
[18] C. E 06/02/1903, TERRIER, R P 94, CONCL. ROMIEU
[19]  د-  سليمان محمد الطماوي: المرجع السابق، ص 34
انظر لنفس الكاتب كذلك: " مبادئ اقانون الإداري" دار النهضة العربية، القاهرة طبعة 1979
 [20]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق ، ص 243 - 244
[21]  A. de laubadere , franck moderne et pierre delvolvé, « Traité des contrats administratifs, 2eme édition, 1983 , p 145.
[22]  د - أحمد بوعشيق : " المرافق العامة الكبرى"  دار النشر المغربية، طبعة 2004- ص 46-47
[23]  المرجع نفسه ص 47
[24]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق ، ص 245
[25]  دة- ثورية لعيوني: "موقف القضاء الإداري من المرفق العام كمعيار للعقد الإداري" المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة "مواضيع الساعة" عدد 35- طبعة 2002- ص 100
[26] C. E. 31/Juillet/1912 , GRANITES DES VOSGES, N° 30701
[27]  د- مازن ليلو راضي: " الوجيز في القانون الإداري " دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،  طبعة 2005 ص 437- 438
[28]  دة- ثورية العيوني: المرجع السابق ، ص 246
[29]  C.E 20/Avril/1956, EPOUX BERTIN D. n° 98637
[30]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق ، ص 247
[31]  د- مازن ليلو راضي: المرجع السابق، ص 439
[32]  C.E 11/05/1956, STE DES TRANSPORTS GONDRAND FRERES D. 1956 J. 433 NOT A DE LAUBADERE
[33]   RENE CHAPUS «DROIT ADMINISTRATIVE GENERAL » RIEN EDITION P- 501
[34]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق ، ص 247
[35]  د- مازن ليلو راضي: المرجع السابق، ص 442
[36]  دة- ثورية لعيوني: المقال السابق ، ص 106
[37]  د- مازن ليلو راضي: المرجع السابق، ص 423
انضر كذلك في هذا الصدد:Léon Duguit : «  trait de droit constitutionnel » 3 eme édition , IMP 1928 P . 44 
[38]  د- مازن ليلو راضي: المرجع السابق، ص 423 – 424
انظر في هذا الصدد كذلك:             G. GEZE : « principales généraux du droit administratif » IMP 1934 P. 299
انظر كذلك: A. DE LAUBADERE : « Traite elementaire de droit administrative » 6eme édition, parais 1973, p 999 
[39]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق ، ص 244
[40]  د. رضوان بوجمعة : المرجع السابق، ص 228
C. E. 30/03/1916 : SOCIETE D’ECLERAGE DE BORDEAUX
[41] د- مازن ليلو راضي: المرجع السابق، ص 444 – 445
 
[42]  دة -  مليكة الصروخ: المرجع السابق، ص 439
[43]  دة- ثورية لعيوني: المرجع السابق ، ص 248



الخميس 31 يناير 2013

تعليق جديد
Twitter