MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



حماية المستهلك في العقود المبرمة عن البعد على ضوء القانون رقم 08-31

     

من إنجاز: الدكتور عمر انجوم



حماية المستهلك  في العقود المبرمة عن البعد  على ضوء القانون رقم  08-31
مقدمــــة:

في إطار استكمال بناء المنظومة التشريعية المغربية المستجيبة لمتطلبات الانفتاح الاقتصادي، ومستلزمات اقتصاد السوق الذي تشكل الدولة فاعلا أساسيا فيه من حيث السهر على تنظيمه بما يكفل التوازن وعدم السيطرة والاستحواذ من قبل طرف دون آخر، وخاصة الجانب الضعيف في المعاملات عملا بما هو جاري في المحيط الإقليمي والدولي، فقد ارتأى المشرع المغربي إقرار تشريع خاصة بحماية المستهلك من خلال القانون رقم 08-31 الصادر بتاريخ 18 فبراير 2011.
وربطا لهذا القانون بمتطلبات مجتمع الإعلام والتواصل، بما يزخر به من معاملات على الخط والتي تغاير كثيرا من حيث الطبيعة والتكوين والآثار مثيلتها من معاملات مدنية وتجارية بالمفهوم التقليدي، فقد ضمن هذا القانون بابا خاصا بالعقود المبرمة عن البعد، والتي سبق تنظيمها من حيث الأصل من خلال القانون 05-53 الخاص بالتبادل الإليكتروني للبيانات القانونية والصادر في 11 نوفمبر 2007. هدا الأخير الدي يعتبر حجز الزاوية للاستراتيجية الوطنية من أجل مجتمع الإعلام و الاقتصاد الرقمي المعروفة اختصارا ب"استراتيجية المغرب الرقمي2013" ، و التي تهدف إلى خلق الأجواء المناسبة و الشروط الضرورية من أجل بث الثقة لدى المتعاملين و الفاعلين الاقتصاديين قصد انخراطهم في الاقتصاد الرقمي. و إلى جانب هدا القانون فإنه قد سبقته قوانين و تلته أخرى في انتظار مواصلة المشرع سن القوانين دات الصلة أو تعديل تلك الجاري بها العمل لجعلها أكثر ملاءمة لهده الاستراتيجة، و هده القوانين الجديدة بالخصوص:
 المرسوم رقم 2-08-518 بتطبيق المواد 13-14-15-21 و 23 من القانون 05-53 و المنشور بالجريدة الرسيمة عدد 5744 بتاريخ 18 يونيو 2009.
 القانون رقم 08-31 بتاريخ 18 فبراير 2011 الخاص بحماية المستهلك، و هو موضوع دراستنا في شقه المتعلق بحماية المستهلك في العقود المبرمة عن بعد.
 القانون رقم 08-09 بتاريخ 18 فبراير 2009 الخاص بحماية المعطيات الشخصية، و المرسوم التطبيقي له رقم 165-09-2 بتاريخ 12 ماي 2009.
 القانون رقم 00-02 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق الأخرى المجاورة الصادر بتاريخ 15 فبراير 2000 بخصوص الحماية الجنائية للمصنفات الرقمية، و المعدل و المتمم بالقانون رقم 05-34 بتاريخ 14 فبراير 2006 المتعلق بوضع مقتضيات جنائية خاصة في القانون المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة،
 القانون رقم 03-07 بتاريخ 11 نوفمبر 2003 المتمم لمدونة القانون الجنائي و الخاص بزجر الإخلال بسير نظم المعالجة الآلية للمعطيات.
وعليه، ومن جانبنا و مواصلة منا لمعالجة و دراسة جانب من القوانين التي تسير في منحى الاستراتيجة المشار إليها أعلاه، فإننا سنعالج في هدا الموضوع حماية المستهلك في إطار العقود المبرمة عن بعد على ضوء القانون رقم 08-31، و بالتالي سنتناول ضمنه مسألتين أساسيتين تتعلقان بالتقاء طرف المستهلك بمفهومه القانوني و الاقتصادي من جهة، و عنصر العقود المبرمة عن بعد كمفهوم قانوني و كمستجد تكنلوجي من جهة أخرى. و هكدا فإننا سنقوم بمعالجة تركيبية لكليهما على ضوء هدا القانون فيما يتعلق بحماية المستهلك عموما وما ارتبط منه بالعقود المبرمة عن بعد على وجه الخصوص، ثم بناءً على القواعد العامة الوارد النص عليها في قانون الالتزامات و العقود على ضوء ما عرفه من تعديلات بمقتضى قانون التبادل الإليكتروني للبيانات القانونية و دلك إلى جانب البعض من القوانين الأخرى التي سبق سردها.
وتبعا لما سلف فقد آثرنا تقسيم هذا الموضوع إلى فصلين رئيسيين نعالج ضمنهما حماية المستهلك من زاوية تحقق تلك الحماية قبل أو بعد إبرام العقد عن بعد. لكن قبل ذلك سنستهل موضوعنا بفصل تمهيدي نحاول من خلاله الإحاطة بالمفاهيم الأساسية لهذه الدراسة، و التي تتمحور أساسا حول مفهوم أطراف عقد الاٍستهلاك المبرم عن بعد، وكذلك مفهوم هذا العقد.

الفصل التمهيدي: ماهية عقد الاستهلاك المبرم عن بعد.

كما سبق التطرق إلى ذلك، فإنه للوقوف على ماهية عقد الاٍستهلاك المبرم عن بعد، فإن الأمر يتطلب أولا الحديث عن مفهوم التعاقد عن بعد في إطار عقد الاستهلاك أولا، ثم البحث في مفهوم أطراف هذا العقد اللذان هما المستهلك من جهة والمورد أو المهني.

المبحث الأول: تعريف العقد المبرم عن بعد.

تجدر الإشارة بدءًا أن المشرع المغربي في الأصل لم يعط تعريفا لمفهوم العقد ضمن قانون الإلتزامات و العقود، وهو الشيء نفسه تكرر حينما تغاضى عن إعطاء تعريف للعقد المبرم عن بعد سواء بمناسبة القانون رقم 05-53 الخاص بالتبادل الإليكتروني للبيانات القانونية أو من خلال القانون رقم 08-31 الخاص بحماية المستهلك، وبالتالي واستنادا لما درج عليه الفقه في تعريفه للعقد باعتبار أنه في الأعم توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني بإنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه، فإنه و ربطا لهذا التعريف للعقد في شكله التقليدي بخاصية التعاقد عن بعد والذي أكثر ما يكون في شكل صيغة إليكترونية، فإنه يمكن تعريف العقد المبرم عن بعد كونه لا يخرج عن التعريف العام للعقد، باعتباره توافق إرادتين أو أكثر عن طريق وسيلة اتصال عن بعد على إحداث أثر قانوني على نحو ما سلف إيراده، لكن و من جهة أخرى و إن كان المشرع المغربي لم يعط تعريفا لهذا العقد، فإنه بادر إلى إعطاء تعريف لوسيلة أو تقنية الاٍتصال عن بعد التي ينسج في وعائها هدا العقد من خلال الفقرة الأولى من المادة 25 من القانون 08-31 باعتبار أن المقصود بها هو" كل وسيلة تستعمل لإبرام العقد بين المورد والمستهلك بدون حضورهما شخصيا في آن واحد"، وبالنتيجة فإن عقد الاستهلاك المبرم عن بعد هو اتفاق إرادتي المستهلك والمورد على إحداث أثر قانوني متمثل في بيع منتوج أو سلعة أو خدمة دون حضورهما شخصيا وفي آن واحد، و باستعمال على وجه خاص واحد أو أكثر من تقنيات الاٍتصال عن بعد ولاسيما التقنيات الإليكترونية من أجل إبرام هذا العقد.
وفي نفس الإطار، وإن كان التركيز يجري على الشكل أو الوسيلة الإليكترونية في الغالب الأعم، إلا أنه مبدئيا فإن إبرام العقد عن بعد لا يقصرها حصرا على هذه الوسيلة، ذلك أن وسيلة الاتصال عن بعد الواردة ضمن المادة السالفة الذكر قد جاء واسعا، و بالتالي فهو يشمل جميع وسائل الاٍتصال المعروفة من قبيل المراسلات البريدية والمخاطبات الهاتفية وكذلك المراسلات التفاعلية عبر شبكات الإنترنيت. و يبقى المعيار المعتمد لاعتبار العقد مبرما عن بعد هو عدم الحضور الشخصي وفي آن واحد للأطراف. وعليه، فإن المشرع من خلال المادة 25 السالفة الذكر في فقرتها الثانية اعتبر عقد البيع عن بعد بوسيلة إليكترونية صحيحا إذا أبرم طبقا للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإليكتروني للمعطيات القانونية، والذي كما نعلم أن المادة 3 منه تلغي تطبيق المواد من 21 إلى 30 و32 من ق.ل.ع على العقد المبرم في شكل إليكتروني. وبالتالي و بالمفهوم الشامل و تبعا للمعيار السالف، فإن العقد المبرم عن بعد والذي لم يتم بوسيلة إليكترونية بل بوسيلة أخرى تفي بهدا المعيار ألا وهو عدم الحضور الشخصي للأطراف وفي آن واحد كالتعاقد بالهاتف أو بواسطة رسول ما لم يكن هدا الأخير قد لجأ إلى وسيلة إليكترونية في تعاقده، فإنه كمحصلة يبرم وفق القواعد العامة الوارد عليها النص في ق.ل.ع وخصوصا تلك المستثناة من الاٍنطباق وفق المادة الثالثة من القانون رقم 05-53، أي أنه تبقى سارية الفصول من 21 إلى 30 والمادة 32 الخاصة بمكان وزمان إبرام العقد.
لكن تجدر الإشارة أيضا أن المشرع المغربي لم يترك الباب مفتوحا أمام جميع العقود لكي تبرم عن بعد، و دلك إما بالنظر إلى طبيعة هذه العقود، أو نظرا لشكل انعقادها أو للطبيعة الخاصة للمجال الذي تنشأ فيه، وهو ما يظهر جليا من خلال المادة 28 من قانون رقم 08-31 التي تستثني انطباق أحكام الباب الثاني من هذا القانون، والمعنون بالعقود المبرمة عن بعد في الحالات التالية:
 العقود المبرمة بواسطة موزعين آليين أو محلات آلية مجهزة بالآلات وذلك لاٍنتفاء التدخل الشخصي المباشر،
 العقود المبرمة مع المتعهد في مجال الاتصالات لأجل استخدام مخادع هاتفية عمومية نظرا لاٍرتباط مفهوم الخدمة العامة service universel في هذا المجال والمنظم بمقتضى قانون رقم 96-24 الخاص بتحرير قطاع الاٍتصالات بتاريخ07 غشت 1997،
 العقود المبرمة أثناء البيع بالمزاد العلني والذي يشمل إجراءات ومساطر منظمة وفق إجراءات خاصة من سماتها الرئيسية الحضور التوافقي la présence effective وليس الاٍفتراضي،
 و أخيرا إبرام عقود لأجل بناء وبيع العقارات، أو المتعلقة بحقوق أخرى خاصة بالعقارات ما عدا الإيجار، حيث أن الطبيعة الخاصة لهذه العقود والمرتبطة بشكلية الانعقاد لا تسمح بإبرامها عن بعد.

المبحث الثـــاني: تعريف أطراف عقد الاٍستهلاك المبرم عن بعد.

إن طرفي عقد الاستهلاك عن بعد هما المستهلك من جهة، ثم المورد أو المهني من جهة أخرى.

أولا- تعريف المستهلك المتعاقد عن بعد.

بدءا تجدر الإشارة هنا أيضا أن المشرع المغربي لم يتطرق من قريب أو بعيد لتعريف المستهلك قبل صدور قانون رقم 08-31، مما جعل الأمر بين يدي الفقه الذي لم يوفق بدوره في إعطاء تعريف موحد، بحيث انقسم إلى فريقين تبعا لما هو عليه الأمر في النظم القانونية المقارنة، دلك أن هناك من الفقه من يأخد بمفهوم ضيق للمستهلك، وآخر يأخد بمفهوم أكثر اتساعا.
وعليه و بحسب الاتجاه الدي يأخد بالمفهوم الضيق، يعد مستهلكا كل شخص يتعاقد بهدف إشباع حاجاته الشخصية أو العائلية ، و بالتالي لا يكتسب صفة المستهلك من يتعاقد لأغراض مهنته أو مشروعه، و لذلك فاٍن هذا التعريف يستثني فئة التجار والمهنيين الذين يتعاقدون لأغراض تجارتهم ومهنتهم من الاٍستفادة من المزايا الحمائية المرتبطة بصفة المستهلك، بل أن هذا الاستثناء يشمل كذلك السلع والخدمات ذات الاستعمال المزدوج من قبل المهني، و التي تسخر لغرضه المهني وغرضه الآخر غير المهني. وأمام هذا المفهوم الضيق، ذهب قسم آخر من الفقه لإعطاء مفهوم واسع للمستهلك حيث أن هذا الأخير هو "كل شخص يتعاقد بهدف الاستهلاك"، وبالتالي تظهر إمكانية استفادة المهني الذي يتعاقد خارج نطاق تخصصه من التدابير الحمائية المخولة لحامل صفة مستهلك، مادام أن السلع أو الخدمات التي سيحصل عليها تكون لغرضه الشخصي وليس لأجل تجارته.
وبعيدا عن الغوص في مرتكزات كلا الاتجاهين، يمكننا القول أن المشرع المغربي من خلال القانون رقم 08-31 قد أخذ بالمفهوم الواسع في تعريفه للمستهلك بنصه في الفقرة 2 من المادة الثانية منه على أنه "يقصد بالمستهلك كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لحاجياته غير المهنية منتوجا أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي"، وبالتالي فإن المعيار الذي يرتكز عليه هذا المفهوم هو اقتناء أو استعمال منتوج أو سلعة أو خدمات لغرض شخصي أو عائلي، وبالتبعية انصراف ذلك إلى الشخص الطبيعي أو المعنوي لتلبية حاجياته غير المهنية.

ثانيا- تعريف المهني كطرف ثان في عقد الاٍستهلاك عن بعد.

إن المهني في أي مجال يعتبر ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي من القطاع الخاص أو العام الذي يمارس باسمه أو لحساب الغير نشاطا يتمثل في توزيع السلع أو بيعها أو تأجيرها أو تقديم الخدمات. كما يعتبر مهنيا كل شخص يقوم باستيراد سلعة بهدف بيعها أو تأجيرها أو توزيعها، و ذلك في إطار ممارسته لنشاطه المهني.
و تجدر الإشارة أيضا أنه ليس هناك تلازم بالضرورة بين صفة المهني والتاجر، إذ أن المهني في هذه الحالة هو من يتعاقد من خلال ممارسة مهنة وليس بالضرورة أن تكون له صفة تاجر، كالصيدلي مثلا أو المدرس بالقطاع الخاص.
هذا و يعد التعريف الذي خصت به لجنة تنقيح قانون الاستهلاك الفرنسي أبرز تعريف للشخص المهني، حيث أوردت هذه اللجنة أن المهنيين هم الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون عموميون أو خواص الذين يعرضون الأموال أو الخدمات أثناء مزاولتهم لنشاط اعتيادي. و بمناسبة القانون رقم 08-31 فإن المشرع المغربي وكما هو الأمر بالنسبة لتعريفه الطرف المستهلك، فإنه خص المهني أو بحسب ما أسماه المورد بالتعريف من خلال الفقرة 2 من المادة الثانية بنصه أنه هو "كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار مهني أو تجاري". و ارتباطا بما سبق من إحاطة بمفهوم المهني، فإنه يمكن القول و بحسب هدا التعريف أن مفهوم المورد كشخص معنوي ينصرف إلى الأشخاص العامة أو الخاصة، لذلك فإن المؤسسات العامة التي تدير احتكارات تابعة للدولة، كمزودي الماء والكهرباء مثلا ينطبق عليهم وصف المورد بحسب القانون رقم 08-31.
و تبعا لما سلف، و بعد محاولتنا في هدا الفصل التمهيدي تحديد المفاهيم بخصوص عقد الاستهلاك المبرم عن بعد، فإننا فيما سيلي من فصول سنعالج الحماية التي أقرها المشرع لفائدة المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في عقود الاستهلاك عامة، و في تلك المبرمة عن بعد على الخصوص قبل إبرامه ثم بعد إبرامه.

الفصــل الأول: حماية المستهلك قبل إبرام عقد الاستهلاك عن بعد.

من المعلوم أن عقد الاستهلاك المبرم عن بعد هو من العقود التي تتخد شكل عقد الإدعان في الظاهر أو على الأقل تتخد شكل العقود النمطية، و بالتالي يمكن اعتباره اتفاق يقدم من خلاله شخص مهني لفائدة مستهلك سلعا أو منتوجات أو خدمات، و تخضع قواعد إنشاء هدا العقد و تنفيده من حيث المبدأ لتلك القواعد التي ينظمها القانون المدني باعتباره الشريعة العامة التي تطبق على كافة العقود، لكن بقراءة القانون الجديد رقم 08-31 فإنه يبدو أن قانون حماية المستهلك يحيد عن المبادئ العامة لإنشاء العقود من خلال تبنيه آجالا للتفكير délai de réflexion و حق العدول أو الرجوع droit de repentir ، و كدلك فرضه لالتزام بالإعلام و وضعة لإجراءات مراقبة المحتوى من خلال تطبيق قواعد مقيدة للشروط التعسفية، أو من خلال إدماجه للاتزام عام بالحماية ضمن بنود عقد الاستهلاك بصفة عامة .
و عليه، و من خلال هدا الفصل فإننا سنتناول مختلف الالتزامات الملقاة على عاتق المهني في عقد الاستهلاك المبرم عن بعد و هي: الالتزام بإعلام المستهلك، الالتزام بالإعلام بآجال التسليم وما يترتب عن الإخلال به، و كدلك حق الرجوع أو العدول.

المبحث الأول: الالتزام بإعلام المستهلك و نطاقه.

إن التزام المهني أو المورد بضرورة الإعلام يعد من أهم التدابير الحمائية المقررة لفائدة المستهلك بصفة عامة، و في مجال التعاقد عن بعد بصفة خاصة، بل و يكون له طابعا مميزا ضمنه لكون هذا النوع من التعاقد يتم من خلال التقاء افتراضي بين طرفيه أي المستهلك والمورد، أو من خلال وسيلة أو أكثر من وسائل الاٍتصال عن بعد، وليس بلقاء شخصي وحضوري، و هذا الالتزام بطبيعته يبدأ في المرحلة السابقة على إبرام العقد ويمكن أن يستمر حتى بعد إبرامه، وكذلك فإٍنه يعد أحد المرتكزات التي يقوم عليها قانون 08-31، بل إنه بعد أن عالجه المشرع المغربي بقليل من الدقة من خلال القانون رقم 05-53 الخاص بالتبادل الإليكتروني للبيانات القانونية، و دلك في إطار تزويد الطرف الآخر المقبل على التعاقد عن بعد بكافة المعلومات اللازمة حتى يتمكن من تكوين رضائه التام وفقا للمبادئ والقواعد العامة الخاصة بعنصر الرضا كركن أساسي لانعقاد العقد، و الدي بتخلفه يبطل هدا الأخير، فإنه في إطار القانون رقم 08-31 قد عالجه بشكل مستفيض كما سنرى فيما بعد. و نفس الشأن يقال بخصوص نطاق الالتزام بالإعلام. و قد أورد المشرع المغربي حق الالتزام بالإعلام ضمن ديباجة القانون رقم 08-31 باعتباره أول حق أساسي في مجال حماية المستهلك، إد نص على أنه يعتبر هذا القانون إطارا مكملا للمنظومة القانونية في مجال حماية المستهلك ومن خلاله يتم تعزيز حقوقه الأساسية ولاسيما منها:
الحق في الإعلام - الحق في حماية حقوقه الاٍقتصادية - الحق في التمثيلية - الحق في التراجع - الحق في الاختيار- الحق في الإصغاء إليه.
بل لقد اعتبره هدفا أوليا من إقراره لهذا القانون، من خلال إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها بحسب المادة الأولى من نفس القانون، وكذلك تخصيصه مجموع القسم الثاني لإعلام المستهلك، وتبويبه إلى بابين الأول منهما خاص بالاٍلتزام العام بالإعلام فيما الثاني عالج ضمنه الإعلام بآجال التسليم.
وعليه فإن إعلام المستهلك يقوم أولا كالتزام عام على عاتق المورد، بحيث أن كل نقص أو عيب يشوب عملية الإعلام إلا وتنعكس سلبا على عنصر الرضا مما قد يجعل العقد معرضا للبطلان
وبالتالي فإن المورد في نطاق التزامه بالإعلام يسعى إلى إحاطة المستهلك وقبل إبرام العقد بالخصائص الأساسية للسلعة أو المنتوج أو الخدمة محل العقد، وكذا بعناصر الاٍلتزام وشروطه، إذ أوردت المادة الثالثة من القانون رقم 08-31 " يجب على المورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة ،وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته".
أما الاٍلتزام المتعلق بالإعلام بالأثمان و شروط البيع، فقد عالجتها الفقرة الثانية من المادة الثالثة السالفة الذكر بنصها على أنه " ولهذه الغاية يجب على المورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى، بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات والقيود المحتملة للمسؤولية التعاقدية، عند الاقتضاء، والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة".
و كدلك اوجبت المادة الخامسة من نفس القانون أن يشمل البيان المتعلق بالسعر أو التعريفة التي يكون الإعلام بهما إجباريا تطبيقا للمادة الثالثة، الثمن أو التعريفة الإجمالية التي يتعين على المستهلك دفعها بما في دلك الضريبة على القيمة المضافة و جميع الرسوم الأخرى، و كدا التكلفة الإضافية لجميع الخدمات التي يلزم المستهلك بأدائها.
وتبعا لما سبق، و نظرا للطبيعة الخاصة للعقد المبرم عن بعد، فقد أضاف المشرع المغربي من خلال المادة 29 من نفس القانون، مجموعة بيانات يجب أن يتضمنها العرض المتعلق بعقد البيع المبرم عن بعد، وذلك من دون الإخلال بالمعلومات المنصوص عليها في المادتين الثالثة والخامسة وهذه البيانات هي:
1- التعريف بالمميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة محل العرض،
2- اسم المورد و تسميته التجارية و المعطيات الهاتفية التي تمكن من التواصل الفعلي معه و بريده الإليكتروني و عنوانه، و إدا تعلق الأمر بشخص معنوي فمقره الإجتماعي، و إدا تعلق الأمر بغير المورد فعنوان المؤسسة المسؤولة عن العرض،
بالنسبة للتاجر السيبرنيتي: إدا كان خاضعا لشكليات القيد في السجل التجاري، فرقم تسجيله و رأسمال الشركة، و إدا كان خاضعا للضريبة على القيمة المضافة، فرقم تعريفه الضريبي، و إدا كان خاضعا لنظام الترخيص، فرقم الرخصة و تاريخها و السلطة التي سلمتها، و إدا كان منتميا لمهنة منظمة، فمرجع القواعد المهنية المطبقة، و صفته المهنية، و البلد الدي حصل فيه على هده الصفة، و كدا إسم الهيئة أو التنظيم المهني الدي سجل فيه،
3- أجل التسليم و مصاريفه إن اقتضى الحال،
4- وجود حق التراجع المنصوص عليه في المادة 36 ما عدا في الحالات التي تستثني فيها أحكام هدا الباب ممارسة الحق المدكور،
5- كيفيا ت الأداء و التسليم أو التنفيد،
6- مدة صلاحية العرض،
7- تكلفة استعمال تقنيات الاتصال عن بعد،
8- المدة الدنيا للعقد المقترح، إن اقتضى الحال،عندما يتعلق الأمر بتزويد مستمرأو دوري لمنتوج أو سلعة أو خدمة.
كدلك نصت المادة 12 بخصوص آجال التسليم على أنه " في كل عقد يكون موضوعه بيع منتوجات أو سلع أو تقديم خدمات إلى المستهلك، إدا تجاوز الثمن أو التعريفة المتفق عليها الحد المقرر بنص تنظيمي، و كان تسليم المنتوجات أوالسلع أو تقديم الخدمات غير فوري، يجب على المورد أن يحدد كتابة في العقد أو الفاتورة أو تدكرة الصندوق أو المخالصة أو أي وثيقة أخرى تسلم للمستهلك، الأجل الدي يتعهد فيه بتسليم المنتوجات أوالسلع أو تقديم الخدمات".
و أيضا فإن المادة 30 قد أوجبت على المورد أن يمكن المستهلك من الولوج بسهولة، و الإطلاع على الشروط التعاقدية المطبقة على توريد المنتوجات أوالسلع أوعلى تقديم الخدمات عن بعد، و دلك على صفحة الاستقبال في الموقع الإليكتروني لمورد السلعة أو مقدم الخدمة، أو على أي دعامة اتصال تتضمن عرضا للمورد، كما يجب أن تكون هده الشروط موضوع قبول من طرف المستهلك و دلك قبل تأكيد قبول العرض.
و لقد أضافت المادة 31 أنه " و من دون الإخلال بمقتضيات المادة 29، يجب على المورد إدا تعلق الأمرببيع عن بعد باستعمال الهاتف أو أي تقنية أخرى للاتصال عن بعد، أن يشير صراحة في بداية المحادثة مع المستهلك إلى هويته و الغرض التجاري من الاتصال.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنه في حالة وقوع نزاع بين المورد والمستهلك حول عدم تقديم المورد مسبقا للمعلومات الواردة في المادة 29، فإن عبء الاٍثبات يقع على عاتق هدا الأخير بحسب المادة 34، بل ينصرف دلك حتى إلى تاكيدها و احترام الآجال و قبول المستهلك أيضا.
و في جانب آخر، فقد اعتبر بعض رجال القانون أن الالتزامات الملقاة على المورد أو المهني بخصوص مسألة الإخبار، تبرز نوعا من الشكلية المرتبطة بالإعلام formalisme informatif قد لا تكون في حقيقة الأمر دات فعالية، ما دام أن الإكثار من وضع المعلومات و جعلها في متناول المستهلك يمكن أن يجهض في المهد عنصر الاختيار لديه، حيث أن المستهلك و الحال هكدا سيجد نفسه محبطا أما الكم الهائل من المعلومات الموضعة رهن إشارته إلى المدى الدي يجعله يتغاضى عنها.

المبحث الثاني: الإعلام بآجال التسليم والإخلال به.

يعد الإعلام بآجال التسليم من السمات الأساسية التي يؤكد عليها عنصر الإعلام في حد ذاته، ولذلك فإن المشرع المغربي درءا لما قد يجعل المستهلك على غير بينة من مقتضى أجل التسليم، وهو ما ينعكس سلبا على حقه في الحصول على المنتوج أو السلعة أو الخدمة المرجوة من إبرامه للعقد استجابة لحاجاته الماسة وضمن أجل معين، فإنه قد ألزم المورد في المادة 12 من القانون رقم 08-31 أن يحدد كتابة في العقد أو الفاتورة أو تذكرة الصندوق أو المخالصة أو أي وثيقة أخرى تسلم للمستهلك، الأجل الذي يتعهد فيه بتسليمه المنتوجات أو السلع أو تقديم الخدمات. ولعل إيراد المشرع لمصطلح أي وثيقة أخرى تسلم للمستهلك هو من حيث الشمول ليقوم مقام أي سند ولو في شكل إليكتروني، عبر الشبكات الاٍفتراضية مادامت تفي بقواعد الأمان التقني والقانوني وفق المقتضيات المنصوص عليها في القانون رقم 03-53.
وفي حالة الإخلال بهذا الأجل لمدة تتجاوز سبعة أيام ولم يعز ذلك إلى قوة قاهرة، فإنه بحسب المادة 13 من القانون رقم 08-31 جاز للمستهلك ومن دون اللجوء إلى مقاضاة المورد أن يفسخ الالتزام المتعلق بالسلعة غير المسلمة أو الخدمة غير المقدمة بأية وسيلة تثبت التوصل. ومنها ضمنا أي وسيلة تستجيب للمادة 417-1 من ق.ل.ع المعدلة بمقتضى القانون رقم 05-53 التي تنص على أنه تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إليكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الورقة المحررة على الورق.
وبحسب المادة 13 من القانون رقم 08-31 دائما يمارس المستهلك حقه المذكور داخل أجل أقصاه 5 أيام بعد انصرام أجل السبعة أيام السالفة الذكر. وعلى هذا النحو وفي حالة فسخ الالتزام من جانب المستهلك، يجب على المورد بحسب منطوق المادة 14 من نفس القانون أن يرد المبالغ المسبقة من لذن المستهلك، داخل أجل لا يتجاوز 7 أيام ابتداء من اليوم الثامن لصالح المستهلك، و ذلك دون المساس بحق هذا الأخير في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به.

المبحث الثـالث: حق الرجوع أو العدول.

إن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين المنصوص عليه في المادة 230 من ق.ل.ع والذي يفرض للعقد قوته الملزمة، يصطدم بداهة وحق الرجوع أو العدول الوارد عليه النص صراحة في قانون حماية المستهلك، والذي ينطلق من فرضية عدم وجود توازن واقعي بين مورد ذي تجربة في مجال نشاطه ومستهلك فاقد لها من حيث الأصل، لكن هذا الحق في مفهومه العام غير غريب عن القواعد العامة للالتزام التي تتضمن حقوقا لأحد طرفي العقد، متمثلة في ضمان العيوب وضمان الاستحقاق للسلعة أو المنتوج موضوع البيع أو الإيجار مثلا.
وبخصوص هذا الحق بالدات، فإنه يعد رخصة للمستهلك، و ضمن أجل معين، يستطيع من خلاله التراجع عن رضائه بدون أن يكون ملزما بتبرير ذلك ودون ترتيب جزاء عليه. و قد خول القانون هذا الحق لفائدة المستهلك في ثلاث حالات تخص جميع عقود الاستهلاك و هي: - عند البيع عن بعد، - و البيع خارج المحلات التجارية، - ثم في حالة البيع بالقرض.
أما عن دلك المتعلق بالبيع عن بعد، و هو موضوع دراستنا، فإن المادة 36 من القانون رقم 08-31 تنص على أن للمستهلك أجل سبعة أيام كاملة لممارسة حقه في التراجع، وينتقل هذا الأجل إلى ثلاثين يوما في الحالة التي لا يفي فيها المورد بالتزامه بالتأكيد الكتابي للمعلومات المنصوص عليها في المادتين 29 و 32 من نفس القانون، وذلك من دون حاجة المستهلك لتبرير استعماله لهذا الحق، و من دون دفع لأية غرامة نتيجة ذلك باستثناء مصاريف الإرجاع إن اقتضى الحال. ويجري سريان هذه الآجال ابتداء من تسلم السلعة أو قبول العرض فيما يتعلق بتقديم الخدمات.
إلا أنه لابد من الإشارة أن استعمال المستهلك لحقه في الرجوع لا يكون مطلقا، بحيث توجد حالات معينة على سبيل الحصر أوردتها المادة 38 من القانون رقم 08-31 لا يمكن للمستهلك خلالها ممارسة هذا الحق إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك. وهذه الحالات هي الخاصة بالعقود التالية:
1- الخدمات التي شرع في تنفيدها بموافقة المستهلك قبل انتهاء أجل سبعة أيام كاملة،
2- التزويد بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يكون ثمنها أو تعرفيتها رهينا بتقلبات الأسعار،
3- التزويد بالسلع المصنوعة حسب مواصفات المستهلك أو المعدة له خصيصا، أو التي لا يمكن بحكم طبيعتها إعادة إرسالها أو تكون معرضة للفساد أو سريعة التلف،
4- التزويد بتسجيلات سمعية أو بصرية أو برامج معلوماتية عندما يطلع عليها المستهلك،
5- التزويد بالجرائد أو الدوريات أو الجرائد.
وفي غير هذه الحالات، فإنه يستتبع إعمال حق التراجع من قبل المستهلك، أن يقوم المورد بإرجاع المبالغ التي سبق له تلقيها من المستهلك في أجل لا يتجاوز 15 يوما من وقت تلقيه عدول المستهلك عن العقد، و دلك تحت غرامة من 1200 إلى 50000 درهم بحسب المادة 178 من نفس القانون، والتي تضاعف في حالة العود خلال 5 سنوات الموالية لصدور حكم حائز لقوة الشيء المقضى به من أجل أفعال مماثلة.
و حق العدول هنا يجد سببه بحسب البعض في كون المستهلك لا يرى المنتوج من واقعيا عند الشراء على الخط، و لا يلمسه إلا حين تسلمه إياه، و حينها لربما يصاب بالانزعاج لكون دلك المنتوج ليس كما اعتقد. لدا فإن خصوصية العملية التي تم بها التعاقد هي التي تؤسس لهدا الحق لفائدة المستهلك، و الدي يعترف له به أيضا عند البيع خارج المحلات التجاريةvente à domicile ، نظرا لكون البيع في هده الحالة لا يتم لدى مؤسسة تجارية و لكن في مكان تواجد المستهلك، و الدي لا يكون مستعدا من حيث المبدأ في هده الحالة لإقامة رابطة أو علاقة تجارية، و بالتالي يكون أقل قدرة أو جاهزية لحماية مصالحه .
أما في حالة عدم ممارسة المستهلك حقه في التراجع، فإن العقد بخصوص هده المسالة يكون صحيحا، ما لم يكن معيبا لسبب آخر غير إعمال الحق في التراجع، كما لو كان يرجع لعيب آخر من عيوب الرضا، وبالتالي يكون مرتبا لكافة آثاره والتي من بينها تنفيذ المورد لالتزامه المتمثل إما في تسليم الشيء المبيع، أو التزويد بالخدمة حسب طبيعة العقد، وذلك في أجل معقول لا ينبغي أن يتعدى 30 يوما إلا إذا اتفق الطرفان على خلافه، و يسري هذا الأجل من اليوم الذي أكد فيه المورد تسلم طلبية المستهلك، ما لم يتم الاتفاق أيضا على خلافه وذلك بحسب المادة 39 دائما. وفي حالة عدم تنفيذ المورد هاته الطلبية فإنه يعاقب بغرامة من 2000 إلى 20000 درهم بحسب منطوق المادة 179 دائما.

الفصل الثـاني: حماية المستهلك عند تنفيذ العقد المبرم عن بعد.

لا تكتمل الحماية القانونية المقررة للمستهلك قبل إبرام العقد من خلال شرط الإعلام المسبق، وتقرير حقه في التراجع بدءا، دون إضافة حماية أخرى تمتد إلى ما بعد تنفيذ العقد، و هده الحماية يتم تفعيلها من خلال العقد داته حين تضمينه شروطا تعسفية تكون تجسيدا واقعيا لاختلال التوازن العقدي بين الأطراف، خصوصا في العقود النمطية حيث لا يكون المستهلك قادرا على رفض ما تتضمنه من شروط تعسفية نظرا لوضعية المهني المتميزة، أو من خارج العقد حيث تضمن قانون حماية المستهلك تفعيل الحماية من خلال هيئات جمعوية أو جهات دات صبغة رسمية.

المبحث االأول: تفعيل الحماية من خلال العقد داته عند اختلال التوازن بين طرفيه

نظرا لوضعية المهني المتميزة سواء الاقتصادية أو القانونية، وبالتالي تغييب إرادة المستهلك، هذه الإرادة التي تعد مناط الالتزام، فإنه من هنا يبرز بجلاء اختلال التوازن العقدي بين أطراف العقد، و الدي يتجسد أساسا في تضمين العقد شرطا أو شروطا تعسفية.
و لقد أحيط تعريف الشروط التعسفية باهتمام كبير من قبل الفقهاء حيث عرفه البعض بأنه الشرط الذي يعرض على غير المهني أو على المستهلك من قبل المهني نتيجة التعسف في استعمال هذا الأخير لسلطته الاٍقتصادية بغرض الحصول على ميزة مجحفة، ويرى آخرون على أن المقصود بالشرط التعسفي في مفهوم القانون ذلك الشرط الذي ينشأ بسبب التعسف ويسمح بوقوع هذا التعسف، وللتبسيط يمكننا القول أن الشروط التعسفية ترد خاصة في عقود الإذعان أو العقود النمطية، يتولى إعدادها مسبقا مختصون يتمتعون بالتفوق الاٍقتصادي والكفاءة الفنية، تبدو وفقا للقواعد العامة شروطا عادية لا تنال من سلامة الرضا، ولكنها في حقيقتها مجحفة ظالمة، ترهق المتعاقد وتتقل من التزامه. فإذا كانت جل القوانين الحالية تهدف إلى حماية المستهلك من الشروط التعسفية أو للتخفيف من حدة وطأتها، فإنها تواجه صعوبة في تحديدها ورصد مختلف مظاهرها وتجلياتها.
وفي هذا السياق نجد المادة 15 من القانون رقم 08-31 تنص على أنه يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك، كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك.
ويطبق هذا المقتضى كيفما كان شكل أو وسيلة إبرام العقد، أي سواء تعلق الأمر بالعقد المبرم في مجلسه، أو بين غائبين أو بالمراسلة أو عن بعد أو في العقود الإليكترونية و دون مساس في الظاهر بالقواعد العامة الخاصة بعيوب الرضا وفق ق.ل.ع.
و هدا الاختلال بين الحقوق و الواجبات في العقد يكون في صالح المهني دائما لما له من تفوق فني و الذي يمكنه من فرض شروط تعسفية، لأنه متعود على إبرام العقود والصفقات، ويعرف جيدا الاٍلتزامات والحقوق الناشئة عن العقد، ويعرف ما يرجى به العمل في مهنته ويمتلك من الوسائل ما يمكنه من تحديد الاٍلتزامات التي يستطيع تنفيذها ويفرض الشروط التي يراها مناسبة على المتعاقد معه، مما يمكنه بالتالي من الحصول على ميزة مفرطة و مجحفة بحق المستهلك.
و بخصوص هده الميزة المفرطة والتي يحصل عليها المهني بمناسبة التعاقد، فهي عنصر موضوعي يتعلق بتوفير مزايا مبالغ فيها للمهني، كيفما كان نوع هذه المزايا مادامت المادة 15 من قانون المستهلك المغربي لم تُشر إلى أي نوع من أنواع المزايا نقدية أو غير نقدية، لذلك يجب التأكيد بأن معنى الميزة المفرطة التي يحصل عليها المهني لا تتعلق فقط بثمن السلعة بل إنها تعني الاٍلتزامات الملقاة على عاتق المستهلك، أو عن طريق التخفيف من التزامات المهني.
و من جانب آخر فقد يقال أن الميزة المفرطة قد تعني انعدام سبب العقد ولو جزئيا، وأنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار المنفعة التي حصل عليها المهني نتيجة للشرط الوارد بالعقد.
وتوجد في الواقع صعوبة في تحديد العنصر الذي يعد نقطة الانطلاق في تحديد أو تقدير الميزة المفرطة، بيد أنه لا يجب في رأي البعض تقدير المنفعة التي حصل عليها المهني والوضع المتميز له دون مراعاة مضمون العقد الذي تضمن الشرط الذي نص على هذه المنفعة، وغيره من العقود الأخرى المرتبطة بذلك العقد، فقد يبدو الشرط تعسفيا ولكنه يكون مبررا إذا نظرنا إليه في ضوء مجموع العمليات التي ظهر بمناسبتها، فمثلا قد يترتب على شرط تحديد مسؤولية المهني، تخفيض ثمن السلعة وسعرها المعروض على المستهلك.
وعليه، فإن لاحظ المستهلك وجود شرط تعسفي في العقد المبرم، يمكنه أن يرفع الأمر إلى القضاء وفي هذه الحالة يقع على المورد إثبات الطابع غير التعسفي لذلك الشرط. و إذا ما اعتبر القاضي أن الشرط يعد فعلا شرطا تعسفيا تطبق أحكام المادة 19 بحيث يعتبر هذا الشرط باطلا. غير أن بطلان الشرط لا يؤدي إلى بطلان الاٍلتزام ككل إلا إذا لم يكن بإمكان العقد أن يبقى قائما بدون الشرط المذكور إعمالا لنظرية إنقاص العقد ، حيث أنه ما لا يدرك كله لا يترك كله بحسب القاعدة الفقهية المعروفة، وذلك لأن مصلحة المستهلك قد تقتضي بطلان الشرط التعسفي فقط و بقاء العقد قائما، لأن البطلان الكلي يمنع المستهلك من الحصول على سلعة أو خدمة هو في حاجة إليها، لدلك فقد نصت هده المادة بالحرف "يعتبر باطلا و لاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين المورد و المستهلك. تطبق باقي مقتضيات العقد الأخرى إدا أمكن أن يبقى العقد قائما بدون الشرط التعسفي المدكور.


المبحث الثاني: تفعيل الحماية من خلال هيئات حماية المستهلك

لقد شملت المقتضيات الواردة في القانون رقم 08-31 بخصوص حماية المستهلك أيضا هيئات تشتغل في مجال هده الحماية، دلك أنه تم التنصيص على إمكانية الدفاع عن حقوق المستهلكين بشكل جماعي من طرف جمعيات المستهلكين، و التي يتمثل دورها في إعلام المستهلكين و الدفاع عن مصالحهم و المساعدة على فرض تطبيق و احترام مقتضيات القانون الجديد .
لكن هده الإمكانية لم يتم ترك بابها مفتوحا أمام جميع الجمعيات المشتغلة في هدا الميدان، بل إن المادة 153 قد استثنت البعض منها و دلك بنصها على أنه" لا تعتبر جمعية لحماية المستهلك، حسب مدلول هدا القانون، الجمعية التي:
- تضم بين أعضائها أشخاصا معنويين يزاولون نشاطا يهدف الحصول على ربح،
- تتلقى مساعدات أو إعانات من مقاولات أو مجموعة مقاولات تزود المستهلك بسلع أو منتوجات أو تقديم خدمات،
- تقوم بالاشهار التجاري أو بإشهار لا يكتسي طابعا إعلاميا صرفا فيما يخص السلع أو المنتوجات أو الخدمات،
- تتولى القيام بأنشطة أخرى غير حماية مصالح المستهلك،
- تهدف إلى تحقيق غرض يكتسي طابعا سياسيا.
ثم من جهة أخرى لابد لهده الحمعيات من استيفائها لشرط عام ألا و هو ضرورة أن يكون معترفا لها بصفة المنفعة العامة من قبل السلطات العمومية، و هو الشأن نفسة بالنسبة لتكتل هده الجمعيات في هيئة الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، و التي يمكنها مند استيفائها للشروط المقررة قانونا أن تتدخل كطرف مطلب بالحق المدني في الدعوى المقامة لفائدة المصلحة العامة للمستهلكين، أو من أجل المطالبة بإلغاء الشروط التعسفية المضمنة في عقد ما. و يمكنها أيضا إقامة الدعوى أمام القضاء بشكل مباشر و مشترك إدا فوضت بدلك من قبل مستهلكين بصفتهم الشخصية متى كانوا قد تعرضوا لضرر ناتج عن تصرف صادر من قبل نفس المورد.
أما بخصوص الجمعيات غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة و التي يكون الهدف الرئيس من تأسيسها حماية المستهلك، فلا يمكنها ممارسة الدعاوى بهدا الشأن إلا بحصولها على ترخيص خاص وفق شروط يتم تحديدها في نص تنظيمي، مع عدم خضوعها لحالات التنافي المنصوص عليها في المادة 153 السالفة الدكر طبعا.
و في نفس الإطار فقد أتى القانون رقم 08-31 بمستجد آخر و هو المتمثل في إحداث هيئة عليا خاصة بحماية المستهلك ألا وهي المجلس الاستشاري الأعلى للاستهلاك. إد نصت المادة 203 من هدا القانون على أنه" يحدث مجلس استشاري أعلى للاستهلاك مستقل تناط به على الخصوص مهمة اقتراح و إبداء الرأي حول التدابير المتعلقة بإنعاش ثقافة الاستهلاك و الرفع من مستوى حماية المستهلك". و غني عن البيان أن هده المقتضيات الواردة عليها النص تخص جميع العقود المبرمة من قبل المستهلك سواء كانت عن بعد أو في الشكل التقليدي المتعارف عليه.

خاتمة:

في ختام هدا البحث، فإنه لا يسعنا إلا أن ننوه بالمجهودات الجبارة التي بدلها المشرع المغربي بشكل عام في هدا العقد الأول من الألفية الثالثة و دلك من خلال تمكين الترسانة القانونية الوطنية من ولوج العصر الرقمي على نحو ما هو عليه الشأن بالنسبة للأنظمة المقارنة، و هو الأمر الدي لمسناه بشكل جلي من خلال مجموع القوانين التي ورد عليها الدكر خلال مقدمة هدا البحث و التي قمنا بدراسة بعضها طيلته. بحيث أنه فعلا تم تحقيق طفرة نوعية على مستوى التشريع المغربي بخصوص تنظيم العقود المبرمة عن بعد و ما صاحب دلك من إعطاء نفس القوة التبوثية التي تحضى بها الدعامات المادية لإبرام العقود لتلك المبرمة في شكل إليكترونية، و ايضا الاعتراف بالتوقيع الإليكتروني و معاملته نفس المعاملة التي يتمتع بها التوقيع اليدوي و توفير الحماية القانونية له و للمتعاملين به عبر العقود المبرمة عن بعد، و كدلك و على الخصوص حماية الطرف الضعيف في هده الأخيرة من خلال مقتضيات خاصة أتى بها القانون الجديد المتعلق بحماية المستهلك، و الدي درسناه بشكل عام مع التركيز طبعا على شقه المتعلق بالعقود المبرمة عن بعد، ليبقى الدور على رجال القانون، كل في موقع من باحثين و أساتدة ورجال القضاء، قصد العمل المكثف على تفعيل هده النصوص القانونية و تنزيلها على أرض الواقع تنزيلا سليما، يأخد بعين الاعتبار مستجدات العصر و ضرورة المضي قدما في الانخراط في الاقتصاد الرقمي لما يوفره من قيم مضافة كثيرة، و دون إغفال ضرورة الحفاظ على التوازن العقدي و الدي كثيرا ما يختل في مجال التجارة الإليكترونية، لدلك كان تخصيص باب متعلق بالعقود المبرمة عن بعد من قبل المشرع ضمن القانون رقم 08-31 رسالة واضحة تسير في اتجاه التأمين التام لسلامة المعاملات على الخط، و التي يشكل عنصر حماية المستهلك أحد ركائزها الأساسية.

النسخة الحاملة للهوامش سيتم إدراجها لاحقا





السبت 3 نونبر 2012

تعليق جديد
Twitter