MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



حكامة النظام السياسي المغربي

     



حكامة النظام السياسي المغربي

حكامة النظام السياسي المغربي
ذ اربيلة يونس
باحث جامعي
 نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمتل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والإختيار الديمقراطي.
التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة.
ومن منطُوق الفصل الأول من دستور المملكة المغربية يتضح أن المشرع الدستوري جعل من الوثيقة الدستورية الإطار المرجعي للإشتغال النظام السياسي عبر آليتين أساسيتين . فالآلية الأولى تعتمد على تمكين الحكماتي في حين أن الآلية الثانية فتستند على الإختيار الديمقراطي. سنحاول مناقشة هذا الموضوع في محورين أساسيين .
المحور الأول : التمكين الحكماتي للنظام السياسي المغربي .
المحور الثاني : الإختيار الديمقراطي وبناء دولة الحكامة .
المحور الأول : التمكين الحكماتي للنظام السياسي المغربي .
بعد كل تعديل أو تبني لدستور جديد، يتم طرح سؤال ماهي طبيعة النظام السياسي المراد تحقيقه؟ لا يُتَخَذُ الجواب بشكل عفوي بل هناك مؤشرات متعددة تختلف باختلاف المقاربة المعتمدة مقاربة ذات طبيعة قانونية أو سياسية أو إقتصادية، تدمج سؤال المواطنة في علاقته مع الدولة والمجتمع على حد سواء. فالمنطلق وإن كان دستوري أي مجموعة من القواعد الدستورية التي تتموقع في أعلى الهرم، أي هرم السلطة السياسية في علاقة بين الحاكم والمحكوم، بمعنى التحديد الدقيق للسلطة والحرية ومجالات تطبيقها ومن يمارسها بشكل عقلاني مع هامش كبير للحفاظ على النظام العام بكل تشكيلاته. الواقع أن النظام السياسي يسعى من خلال المنطلق الدستوري البحث في التمكين السياسي والذي من بين أهم مداخله المدخل البنيوي والقيمي .
أولا : المدخل البنيوي . مما لا شك فيه، أن طريقة اشتغال النظام السياسي تتمأسس حول مسألتين أساسيتين، فأما المسألة الأولى ذات بعد وظيفي أما الثانية فهي ذات بعد استراتيجي.
المسألة الأولى : الواضح أن النظام السياسي من بين أهم وظائفه، الوظائف الأمنية والتنموية، فإذا كانت الأولى تتعلق بالأمن الانساني والذي يتفرع إلى أمن سياسي وآخر اقتصادي واجتماعي وثقافي وبيئي ورقمي وقضائي، فإن الوظائف التنموية، تتأسس على قدرة هذا النظام السياسي على تبني البعد التنموي عبر ادماج للإتجاهات والتيارات التقليدية والحديثة للتنمية والتراكم الحاصل على مستوى النتائج بتفعيل الآليات القانونية والإدارية لتحقيق المطلوب . فالبعد الوظيفي هو في الأصل يستدعي وجود مؤسسات لها شرعيتها ومشروعيتها في البناء الحكماتي بإدماج الارادة المجتمعية مع ادارة الدولة في الفعل والتفاعل الحكماتي الترابي التراتبي بمعنى البحث عن المقاربة التشاركية التي تستمد قوتها من مشاركة المواطن مع مواطنة مسؤولة وملتزمة وفي إطار سيادة القانون .
المسألة الثانية : لما كان لزاماً على الفاعل في الشأن السياسي ادماج مقاربات متعددة تستمد شرعيتها من حقول معرفية تتوزع على مجالات منها الإجتماع والسياسة والإقتصاد، فإن المدى الزمني لا يقف عائقاً أمام تحديد دقيق للمنطلقات، بل هو حافز للبحث عن مؤشرات جديدة ترتكز على التشخيص الدقيق للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية مع تبني الأدوار والوظائف الحديثة للبنى الإجتماعية والإقتصادية الدائمة التأثر بالمحددات المادية والمعنوية والرمزية نظراً لإنفتاح النظام السياسي على مستويات خارجية أكثر مما هو داخلي، إذ أن تعقد وتعقيد العلاقات بين الأنظمة السياسية، يجعلنا واحداً بل يمنحنا القدرة على طرح أسئلة متعددة دون أن نجد المداخل الأساسية الكفيلة بالإجابة عن مجمل التحديات المستقبلية، لهذا فإن المسألة الإستراتيجية ، وإن كانت سابقة على المنطلقات فإن هذا لا يعني أنها ثابثة مع مرور الوقت بل هي متغيرة نتيجة دينامية الفعل والتفاعل في المجتمع في علاقته مع الدول .
إن طرح المسألتين لم يكن وليد اليوم بل هو تراكم لدستورانية متجدة في التاريخ السياسي والدستوري للأمة المغربية. هذه الأخيرة تستمد سيادتها من خارج وداخل الوثيقة الدستورية . إذ أنه يلاحظ أن مفهوم السيادة يرتبط ارتباطاً واضحاً للإدارة المجتمعية في الإختيار المبني على آليتين أساسيتين الأولى تتعلق بالمشاركة السياسية والانتخابية، والآلية الثانية تستند إلى دور الوظيفة المؤسسات المنتخبة في اتخاذ القرار السياسي والسيادي اللازم لكل مرحلة من مراحل تطور وتحديث النظام السياسي. المشاركة السياسية تحتاج إلى مأسسة البنى الإجتماعية والإنفتاح على توسيع البنى الإقتصادية ضماناً للإرتباط والتماسك المجتمعي المطلوب، وذلك عبر توظيف برغماتي للرأسمال المادي والمعنوي، إن الرأسمال غير المادي يتمثل أساساً في تفريز دور التواصل اللغوي في شقيه اللغة العربية والأمازيغية، في الحياة العامة والتي هي امتداد للحياة الخاصة والتي أصبحت تملأ الفضاء العام بكل تعقيداته السوسيوثقافية والسوسيواقتصادية ناهيك عن الفضاء العام الافتراضي والذي يمهد لظهور تعبيرات وتشكيلات اجتماعية افتراضية تطرح سؤال التماسك المجتمعي الافتراضي مما يستدعي البحث عن تحديث جديد متواصل لوظائف النظام السياسي . فاللغة والكلام واللسان، في علاقته مع الترسيخ الدستوري للغتين الرسميتين لا يثير فقط البعد البرغماتي للغة في المجال السياسي والحزبي والنقابي والجمعوي، بل يعد مأسسة جديدة للبعد الترابي الترائبي في إدارة الشأن الترابي بشقيه، الشأن الترابي حيث تمارس السلطة المعينة مهامها، ومن جهة في حين أن اختصاصات وصلاحيات المجالس المنتخبة الترابية التراتبية فلها من القوانين ما يخولها البحث عن الإنسجام والتواصل القانوني والإداري والفني والإجرائي من المواطن خدمة له ولأغراضه . فالحكامة المنطلق ثم تكريس جزءٍ منها في الباب الثاني عشر في دستور سنة 2011 إذ أن من بين أهم الملاحظات الأساسية التي يمكن رصدها تتعلق بالأساس حول .  الملاحظة الأولى : أن الفصل 154 من الدستور المغربي يؤسس لمفهوم جديد للمرفق العمومي الحديث، إذ أن المبادئ الأساسية التنظيم المرفق العمومي. والتي هي المساواة والاستمرارية والتكيف مع إضافة الانصاف كمبدأ رابع، والذي يجيب عن سؤال الحكامة الإدارية الترابية، هذه الأخيرة تعد رافعة أساسية وآلية تجويد الخدمات العمومية المادية والمعنوية والتي تتطلب إرادة سياسية وادارية للفاعل في تدبير الشأن العام.  الملاحظة الثانية :تنسجم مع تطلعات المواطن في التفاعل الإيجابي مع إصلاح الادارة التي هي من صلب اهتمام روية الملك محمد السادس في تمكين الإدارة من الوسائل المادية والمعنوية لخدمة المواطن. وإن كان من الأهم بمكان اعمال الرقابة الإدارية المزدوجة من الأعلى إلى الأسفل ومن الاسفل إلى الأعلى، بمعنى رقابة قانونية تستند إلى إعمال القانون وسيادته داخل الإدارة حيث أن هذه الرقابة القانونية هي حقيقة الأمر رقابة ادارية يمارسها الرئيس على المرؤس في إطار إحترام الصلاحيات والإختصاصات المتبتة في القانون .  الملاحظة الثالثة: تستدعي الحديث عن البناء الحكماتي القاعدي والذي يرتبط بميتاق للمرافق العمومية كما هو مدرج في الفصل 157 لكن هذا الميثاق يطرح سؤال الطبيعة القانونية والادارية لعناصره ومواده، والمدى الزمني والمكاني والرؤية الاستراتيجية وعلاقتها بالبرامج الحكومي وخاصة في المحور الخاص بالاصلاح الاداري. إن قواعد الحكامة الجيدة يجب أن تكون واضحة ونوعية بعيد عن العموميات والتي يمكن أن تشكل عائقاً أمام ترسيخ الحكامة الإدارية في بعدها القانوني والأخلاقي. حيث أن تخليق المرفق العام له ظوابطه وقواعده تنسجم مع المسؤولية العمومية . والتأكيد على المسؤولية العمومية يستدعي البحث عن الإمكانات المتاحة للمسؤول العمومي، خاصة القانونية والمسؤوليات ذات الطابع الاداري والجنائي في تجويد عمله مع مراعات ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس فقط للمسؤول العمومي بل حتى للمؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري. تحتاج المسؤولية العمومية للحكامة الإدارية في إطار الحرص على المصلحة العامة، وإن كان للمفهوم المصلحة العامة، يعرف تغيرات متعددة وذلك لأن زاوية تعريف وتأطير المصلحة العامة مرتبطة ارتباطاً وثيقا لمفهوم النظام العام. المحور الثاني: الاختيار الديمقراطي وبناء دولة الحكامة . الحديث عن الاختيار الديمقراطي يستدعي طرح الديمقراطية التمتيلية من جهة والبحث عن الإمكانات المتاحة للنظام السياسي وذلك من خلال وظائفه وأدواره في مأسسة الديمقراطية التشاركية من جهة ثانية. لمفهوم الديمقراطية حضور قوي وفعلي في عدد من فصول دستور 2011 مقارنة مع دساتير السابقة . فالإنتخابات الحرة النزيهة والثقافية هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي بمعنى أن الآلية الانتخابية مع تحديد دقيق لمؤشر النزاهة والتقافية يعد المدخل الرئيسي لمشروعية الفعل الديمقراطي من زاوية نظر المشرع الدستوري المغربي وهذا لا يتعارض مع رغبة الفاعل السياسي في حماية وتعزيز هذه الآلية عبر المدخل الحكماتي الذي يتأسس على النزاهة والمشاركة كمؤشرين للبعد الحكماتي التمثيلي. ولما كان لزاماً على السلطات العمومية الالتزام بالحياد التام إزاء المترشحين وبعدم التمييز بينهم. كما هو منصوص عليه في الفقرة التانية من الفصل (11). فإنه على المرشح للإنتخابات سواء التشريعية أو الجماعية أن يلتزم كذلك وفي إطار الحكامة الإنتخابية بالقواعد والمبادئ الديمقراطية والضوابط الأخلاقية في ممارسة الحق في المواطنة والذي يعد مدخلا أساسياً في تنمية المشاركة الانتخابية وذلك من خلال تأطير المواطنات والمواطنين من طرف الأحزاب السياسية . فالمواطن المسؤول يستمد شرعيته من خلال عدة مؤشرات من بينها قدرته على الانخراط في الحياة الوطنية، وإن كانت هذه الأخيرة، تُعيد فتح النقاش حول ارتباط الحياة الجمعوية مع مكونات المجتمع المدني والجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، كلها مفاهيم لها تأسيس دستوري وقانوني، يصعب معه البحث عن ماهية الديمقراطية؟ فالديمقراطية وإن تعددت دلالاتها، فإن الديمقراطية الوسيلة ترتبط بعنصر التمثيل الديمقراطي أكثر من ارتباطها بالديمقراطية التشاركية، وإن كان النقاش حول برغماتية الديمقراطية يتجسد في تحقيق الأمن الإنساني بمعناه العام. ففي الوثيقة الدستورية، نجد أن المشرع المغربي يحاول التأسيس لديمقراطية تشاركية عبر مدخلين أساسيين. المدخل الأول : يتعلق بالمدخل البنيوي، فلا وجود لديمقراطية تشاركية خارج الإطار المؤسساتي للمفهوم. يلاحظ أن تمة اقرار من طرف المشرع الدستوري في أن تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسيرها يجب أن يكون مطابقاً للمبادئ الديمقراطية . فإذا كانت هذه المبادئ هي الأساس في التمكين الديمقراطي للمجتمع المدني، فإن مسؤوليته السلطة العمومية ومسؤولية المواطن تجد مصوغاً لها كذلك في الفصل (13) و (14) و(15) من نفس الدستور، وكذلك في القانون التنظيمي فيما يخص تقديم ملتمسات التشريع وتقديم العرائض. المدخل الثاني : يتعلق بالوظائف والأدوار الجديدة التي منحها المشرع الدستوري لبعض المؤسسات الوطنية، ومنها على الخصوص مؤسسة الوسيط إذ أن دمقرطة العلاقة بين الإدارة والمرتفق، لا تتوقف على عنصر واحد فقط، وإن كان ترسيخ سيادة القانون من بين أهم العناصر فإن مأسسة التمكين الحقوقي للمواطن يعتبر آلية من آليات تحقيق الاختيار الديمقراطي وإشاعة ثقافة الحق في مقابل الواجب، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بمعنى أن حضور الحكامة التشاركية يبقى أساسياً في ممارسة الصلاحيات المنوطة بكل مؤسسة ذات الاستقلال المالي والإداري. فالرقابة الخارجية لا تكتمل إلا برقابة داخلية، أي أن الحكامة ذات الإتجاه العمودي والأفقي تتكامل بين المؤسسات رغم اختلاف الأهداف والأدوار المنصوص عليها في القانون . الواضح أن الديمقراطية التشاركية ستعزز حضور الديمقراطية التمثيلية وليس إلغاءها، فهذا التكامل يؤسس لبعدين متلازمين . البعد الأول : يتعلق برهان النظام السياسي على الانفتاح أكثر على تحديث المؤسسات المنتخبة والتي تمثل إرادة المواطنين والإمكانات المتاحة في تجويد القرار السياسي والإقتصادي، وذلك بإعمال الحكامة التمثيلية وجعلها آلية من آليات النجاعة في السياسات العمومية في مستوياتها وأبعادها وأهدافها المختلفة في إحترام تام للقواعد الدستورية والقوانين الجاري بها العمل فالبنية الفوقية للحكامة تختلف عن البنية التحتية للحكامة، الحق في المواطنة في علاقته بمفهومي الإرادة المجتمعية وإدارة الدولة يجسدها هذا التباين الواضح، بمعنى أن الديمقراطية في المستوى المحلي توفر السياق الأنسب لتحقيق الخدمة العمومية المطلوبة للمواطن، في حين أن الديمقراطية الفوقية ترتبط بالخطاب السياسي والإقتصادي والذي ينتج مجموعة من القرارات ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والتقافي في إطار سياسات عمومية مندمجة تراعي الإنصاف المجالي والعدالة الاجتماعية. وهذا من جهة، ومن جهة أخرى يتم رسم توجهات عامة وغايات ترتبط بثنائية فلسفة المجتمع وفلسفة الدولة . أما البعد الثاني " فيتمحور حول سؤال التعاقد بين النظام السياسي والمواطن، فهذا السؤال يجد مبرراً لطرحه، حتى خلال قراءة في الوثيقة الدستورية لسنة 2011، هذا الدستور الذي يؤسس لتعاقد مبني على مبدأ الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع تبني المشرع الدستوري لمبدأ التمكين الديمقراطي للمواطن عبر آليات متعددة منها الحكامة التشاركية، وتمتيع المواطن بحقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقافية والحق في التنمية والحق في الحكامة، كما هو منصوص عليه في فصول هذا الدستور. إن الحق في الحكامة لا يعيد طرح سؤال علاقة المواطن بالدولة بل يستدعي البحث عن الآليات التشريعية والقانونية والاجتماعية لمأسسة دولة الحكامة والتي تحقق رهان النظام السياسي في الإستجابة للتحديات الداخلية والخارجية في عالم معولم، يخضع للتأثير والتأتر. إن التمكين الحكماتي والديمقراطي للنظام السياسي المغربي يستدعي الإنتقال من الحكامة الوسيلة إلى الحكامة الغاية، فهذا المشروع هو مشروع مجتمعي يستمد قوته من التوجهات الملكية لبناء دولة حديثة. فعلى الفاعل في الشأن العام توفير الآليات القانونية والإدارية والإجرائية لإدماج الحكامة كآلية من آليات تحديث الدولة ومؤسساتها.
الخميس 25 يناير 2018




عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter