MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



جبايات الجماعات الترابية: أزمة إصلاح أم إصلاح الأزمة

     

يونس مليح
أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس



جبايات الجماعات الترابية: أزمة إصلاح أم إصلاح الأزمة
تعد الجبايات المحلية من أهم الموارد المالية للجماعات الترابية، فهي تعكس درجة الاستقلال المالي لهذه الوحدات الترابية عن الدولة، وتعطي صورة عن هوية ودرجة تطور التجربة اللامركزية في أي بلد من البلدان. فتوفر الجماعات الترابية على موارد وسلطة جبائية مهمة هو ما يجعلها قادرة على الاضطلاع بمهامها في تدبير الشأن المحلي.

وخلال مختلف الإصلاحات التي عرفتها التجربة اللامركزية بالمغرب، شكل سؤال العلاقة المالية والجبائية على وجه الخصوص، جوهر النقاش حول طبيعة هذه العلاقة ومآلاتها وأهدافها، بالنظر لما للجبايات المحلية من أهمية في تعزيز الاستقلال المالي للجماعات الترابية، والمساهمة في الرفع من أدائها للإختصاصات الموكولة إليها.

وانطلاقا من الواقع الذي يعرفه تدبير الجبايات المحلية، عرفت هذه الأخيرة جملة من الإصلاحات، كان آخرها إصلاح 2007، والذي توج بصدور القانون رقم 47.06، والذي اعتبر حينها لحظة مهمة في إطار رسم معالم جديدة للعلاقة الجبائية بين الدولة والجماعات الترابية، إلا أن صدور دستور 2011، والتطورات التي شهدتها التجربة اللامركزية بالمغرب، دفعت العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن المحلي إلى الدعوة بتعجيل إصلاح هذه الجبايات، حتى تستجيب لمعطيات الواقع الحال.

وتأتي في هذا السياق مجموعة من التوصيات التي صدرت عن المناظرتين الوطنيتين الثانية والثالثة، والتي أكدت جميعها على ضرورة إصلاح الجبايات المحلية، وما تم تضمينه في القانون رقم 07.20 بتغيير وتتميم القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية والذي تم نشره بالجريدة الرسمية عدد 6948 بتاريخ 31 دجنبر 2020، الذي تم إعتباره بمثابة مرحلة أولية لإصلاح النظام الجبائي المحلي في انتظار صدور القانون الإطار المتعلق بالجبايات. وبعد صدور القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي الذي حدد في أهدافه بأن إصلاح الجبايات المحلية يجب أن يسير في اتجاه تبسيط وترشيد وتجميع رسوم الجماعات الترابية، وفي إطار إلتقائية قواعده وملاءمتها مع قواعد جبايات الدولة. يمكن القول، أنه بالرغم من هذه الترسانة القانونية والتضخم التشريعي المتعلق بالمجال الجبائي الترابي) القانون رقم 30.89، القانون رقم 47.06، القانون 39.07، القانون رقم 07.20، القانون رقم 97.15، القانون رقم 19.69(، فواقع الحال يؤكد على أن جبايات الجماعات الترابية تعيش أزمة على مستوى تدبيرها. فهل نحن فعلا نعيش أزمة إصلاح، أم إصلاح للأزمة على مستوى جبايات الجماعات الترابية؟

المحور الأول: دواعي الإصلاح الجبائي الترابي

تعتبر دواعي المطالبة بإصلاح قانون الجبايات المحلية 47.06 المغير والمتمم بالقانون رقم 07.20 تجد سندها في مجموعة من المبررات، فتبني هذه الدعوة ينطلق من طبيعة وعدد الثغرات التي حملها هذا القانون، وتلك التي أبان عنها عند تطبيقه على أرض الواقع منذ أربع سنوات. كما ينطلق أيضا من اعتبارات أخرى فرضت بشكل موضوعي، وذلك في اتجاه مواكبته لمناهج توسيع الجهوية، وتعميق الديمقراطية المحلية، تنزيلا لمستجدات الدستور الجديد في مجال التنظيم الترابي للمملكة، وحكامة تدبير المرافق العمومية.
ومن دون شك، فالموارد المالية وبالخصوص الجبائية تشكل أساس الجهوية المتقدمة التي نادى بها دستور2011، وهي وسيلة من وسائل تطويرها، لكن محدودية الموارد الجبائية المتاحة لها لا تساير حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الجهة، الأمر الذي قد يساهم في إفراغ هذه المسؤوليات من محتواها، فلا فائدة من جهوية ليس لها موارد مالية كافية لتغطية نفقاتها وممارسة اختصاصاتها، حيث نجد بأن المشرع المغربي من خلال القانون 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية أعطى الجهة موارد مالية هزيلة من خلال الرسوم التي منحها لهاته الوحدة الترابية.

إن أي إصلاح جديد يجب أن يتبنى خارطة طريق، أهدافها ومبادئها وإجراءاتها منضبطة لما جاء به الدستور في مجال الجماعات الترابية والجهات والحكامة، ولهذا فالحاجة ملحة في الوقت الراهن إلى إصلاح المنظومة الجبائية الترابية بالرغم من تغييرها وتتميمها بالقانون رقم 20.07 إلا أن واقع الحال يؤكد بأننا في حاجة ماسة إلى إصلاح عميق وشامل للمنظومة الجبائية الترابية، حتى ترقى لما هو منصوص عليه من مبادئ وركائز جديدة في الدستور، فالإصلاح يجب أن يأخذ بعين الإعتبار كل هذه النقط الأساسية، حتى تستطيع هذه الوحدات الترابية لعب دورها التنموي على أحسن وجه، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق تزويدها بالموارد المالية والجبائية الضرورية، كما يجب أن يتبنى كل إصلاح لنظام جبايات الجماعات الترابية أهدافا جديدا ورؤى مختلفة عما كان في السابق، وذلك من أجل خلق روح جديدة وبت دماء جديدة تنسجم وروح الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011.

إن القانون رقم 07.20 المغير والمتمم للقانون رقم 47.06 تضمن تعديلات تهدف إلى مراجعة قواعد وعاء بعض الرسوم المحلية في أفق دمج مجموعة من الرسوم ذات نفس الوعاء في إطار الرسم الترابي العقاري والرسم الترابي على الأنشطة. وتوسيع مجال تطبيق رسم السكن، رسم الخدمات الجماعية، الرسم على الاراضي الحضرية غير المبنية والرسم على عمليات تجزئة الأراضي ليشمل المناطق المشمولة بتصميم التهيئة؛ مراجعة توزيع عائد الرسم المهني ورسم السكن من خلال رفع الحصة المخصصة لفائدة ميزانيات الجماعات التي يفرض بها هذين الرسمين داخل مجالها الترابي (من % 80 إلى %87 بالنسبة للرسم المهني ومن %90 إلى %98 بالنسبة لرسم السكن).

وفي إطار تحسين عمليات تحصيل الرسوم المحلية، تم الرفع من الحد الأدنى لإصدار وأداء الرسوم من 100 إلى 200 درهم بالنسبة للرسم المهني، رسم السكن، رسم الخدمات الجماعية والرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية. كما تم إلغاء الديون المترتبة عن هذه الرسوم الموضوعة قيد التحصيل والتي يساوي أو يقل مبلغها عن مائتي (200) درهم وكذا الديون المترتبة عن هذه الرسوم والتي بوشر بشأنها تحصيل جزئي نتج عنه مبلغ متبقى غير مؤدى يساوي أو يقل عن مائتي (200) درهم.

لكن، بالرغم من المستجدات التي حملها كل من القانون 07.20 المغير والمتمم للقانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، وما جاء من أهداف ومرتكزات على مستوى القانون الإطار للإصلاح الجبائي رقم 69.19 المتعلقة بالجانب الجبائي الترابي، إلا أنه يمكن أن ندرج مجموعة من الإكراهات الجبائية الواقعية التي لاتزال الجماعات الترابية تعيشها وتحرمها من لعب دورها على أكمل وجه.

المحور الثاني: الإشكالات الواقعية والعملية للمنظومة الجبائية الترابية

يمكن أن نشير في الأول إلى مجموعة من الإكراهات الواقعية المرتبطة بالمادة الجبائية الترابية. في مستوى أول بالنسبة للمصادقة على القرار الجبائي بالنسبة للجماعات الترابية، فهذه الإمكانية قد تقترن بالتعسف من طرف أعضاء المجلس والمعارضة أيضا في بعض الحالات، فمثلا الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، لا يمكن إصدار الرسوم المحلية التي يقل مبلغها عن 200 درهم، وكما لا يخفى على أحد أن هذا الرسم يتم احتسابه بالمتر المربع والمبلغ المحدد في القانون رقم 07.20 ما بين 2 و12 بالنسبة للفيلات والسكن الفردي، بمعنى أن البقعة الأرضية في بعض الأحيان قد تصل مساحتها إلى 99 متر ستكون معفاة من أداء هذا الرسم إذا تقرر اعتماد درهمان فقط للمتر المربع في القرار الجبائي. وهذا ما ضيع على بعض الجماعات المداخيل المتأتية من هذا الرسم، حيث لم تصادق بعض المجالس على الرفع من مبلغ المتر المربع إلى 3 أو 4 دراهم بسبب تعسف بعض الأعضاء أو المعارضة في حق التصويت لتعارضها مع مصالحهم الشخصية، حيث من الممكن جدا أن تجد عضوا أو أكثر هو في نفس الوقت رئيس لودادية سكنية، سيصوت من دون أدنى شك ضد الرفع من قيمة مبلغ هذا الرسم للمتر المربع خصوصا أن مساحة البقعة لا تتجاوز في أحيان كثيرة 90 متر.
في مستوى ثاني، هناك إشكالية أخرى في غاية الأهمية، وهي غموض النقطة المتعلقة بالمراكز المحددة بنص قانوني، وهنا بعض الجماعات لا تعرف هل عي محددة أم لا، لأن الخضوع للرسوم العقارية تطبق قي الجماعات الترابية التي يتواجد نفوذها داخل المدار الحضري، والمراكز المحددة بنص تنظيمي.

كما نشير إلى كون نظام التدبير المندمج للنفقات GID-CT) نظام إدارة النفقات وتسيير ميزانية الجماعات الترابية(، والإيرادات ) GIR-CT نظام إدارة إيرادات الجماعات الترابية ( شكلت طفرة مهمة في تنفيذ وتتبع النفقات العمومية وتحديث الإدارة العمومية ببلادنا، وتعزز هذا النظام بتوسيع مجال تطبيقه ليشمل بعض الجماعات المحلية البالغ عددها الإجمالي 1503 جماعة محلية، منها 221 حضرية و1282 قروية. غير أن عملية إدماج الجماعات المحلية في هذا النظام واجهته مجموعة من المعيقات التي من شأنها أن تحول دون القضاء نهائيا على النظام التقليدي في تدبير النفقات والذي أثبت عدم شفافيته. ومن جملة هذه المشاكل، ضعف تغطية التراب الوطني بشبكة الأنترنيت التي تعد ركيزة أساسية للتفاعل عبر هذا النظام بين الجماعات الترابية والخزينة العامة للمملكة والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، خصوصا وأن الأمر يتعلق بجماعات محلية تتواجد في مناطق نائية لا تتوفر فيها خدمات الانترنيت. بالإضافة إلى عدم توفر بعض الجماعات الترابية على مهندس إعلاميات أو حتى تقني في المجال، الأمر الذي يزيد من صعوبة تطبيق الرقمنة على مستوى جبايات الجماعات الترابية.

ويمكن أن نسجل أيضا، محدودية الإجراءات المتخذة على مستوى توحيد أساليب ووسائل العمل المادية والبشرية، سواء فيما يرتبط بالموارد البشرية أو الإدارة الجبائية، وهو ما ينعكس سلبا على شفافية وتناسق النظام الجبائي المحلي، التي تبقى أحد مرتكزات التوجهات الترابية الحالية، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا باستحضار الإنجسام بين مكونات النظام الجبائي الوطني والمحلي، وتحقيق وضوح هذا الأخير سواء على مستوى السياسة الجبائية أو الإجراءات المسطرية أو الموارد البشرية أو الوسائل والأساليب التدبيرية؛ بما يمكن من وضع ضبط مرن لهذا النظام الجبائي، حيث يكون كل المتدخلين فيه في علاقات ترابط وتبادل وتنسيق بينهم.

زيادة على ضعف الموارد البشرية المؤهلة في مجال المحاسبة، والقانون الضريبي، وقانون الأعمال، وعدم كفايتها كميا لتغطية المهام المنوطة بالمصالح الجبائية للجهات والجماعات الترابية. وغياب مقتضيات قانونية تضمن لهؤلاء الموظفين تخصصهم الوظيفي واستقرارهم داخل نفس الوظيفة، وتحديد مسؤولياتهم وتوظيف مهامهم بشكل دقيق وفق الاختصاصات الممنوحة لهم، خصوصا بعد أن يكونوا قد تلقوا تكوينات متخصصة في مجال الجبايات المحلية. هذا الضعف على مستوى الموارد البشرية نجده مثلا على مستوى تدبير الوعاء، حيث نجد المسؤول عن الوعاء هو نفسه الشخص المكلف بالاستخلاص أي الجمع بين مهمتي شسيع المداخيل وفي نفس الوقت مكلف بالوعاء.

زيادة على ذلك، ومن خلال اطلاعنا على مجموعة من الملاحظات الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات، ورد فيها بأن بعض رؤساء الجماعات الترابية يقولون بأنه ليس لديهم المعلومة الكافية حول القوانين المتعلقة بالجانب الترابي، وهو عذر أقبح من زلة في ظل سهولة تحميل النصوص القانونية الموجودة بالموقع الرسمي للجماعات الترابية أو بالبوابة الرسمية لوزارة العدل، أو بموقع الجريدة الرسمية للمملكة.

كما أن هناك استمرار للعمل ببعض المقتضيات المتعلقة بالقانون رقم 30.89 الذي يحدد نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها، على سبيل المثال رسم المحجز المنصوص عليه في الباب الحادي عشر من هذا القانون. واستمرار العمل بتسمية ضرائب عوض رسوم.
 
خاتمة:

إن واقع الجبايات الترابية ما زال يعاني مجموعة من الحدود، تتمثل أولا، في غياب إدارة جائية ترابية بهيكل تنظيمي قار، يسمح بتوزيع عقلاني وشفاف لتدبير المادة الجبائية الترابية. وثانيا، في ضعف الإمكانات المادية والبشرية بالنسبة لتدبير المادة الجبائية فيمكن أن تجد موظف واحد مكلف بالوعاء والاستخلاص في نفس الوقت، فهناك اختلال واضح في توزيع الموارد البشرية بين الدولة والجماعات الترابية. وثالثا، في نقص وسائل العمل المعتمدة، إذ نسجل مثلا، قصورا واضحا في التدبير المعلوماتي على مستوى المصالح التابعة للجماعات الترابية مقارنة بما عليه الحال على المستوى الوطني.



الخميس 12 يناير 2023

تعليق جديد
Twitter