MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تقرير مفصل حول الحوار المنعقد مع الدكتور الحسين بلحساني في موضوع حدود تأثر عقود الكراء خلال فترة الطوارئ الصحية من إنجاز طلبة باحثين من ماسر قـانون العقود و العقـار و التوثيق تحت إشراف الدكتور محمد العلمي

     

ماستر قـانون العقود و العقـار و التوثيق
الفوج الثاني
الفصل الثاني
حوار أجري مع الدكتور الحسين بلحساني حول موضوع :
حدود تأثر عقود الكراء خلال فترة الطوارئ الصحية

تجميع الطلبة الباحثين:
عبد الصمد العابدة
سناء كريفي
فاتحة الكيناني
ياسين أدليمي

تحت إشراف الدكتور:
محمد العلمي



نسخة للتحميل

يعتبر عقد الكراء عنصرا أساسيا في حياة العديد من المواطنات والمواطنين، بحكم أنه وسيلة مهمة أو العاقد الذي يمنحهم إمكانية الحصول على السكن . فمن العواقب التي نتجت عن فيروس covid 19  أنه أثر على الجانب الاقتصادي والمالي إضافة إلى الجانب الاجتماعي، كما كان له تأثير مباشر على عدد من التعاقدات والالتزامات المدنية.

ومن أهم هذه التعاقدات نجد عقود الكراء، بحيث نجدها تأثرت يقينا بحكم أن أهم عنصر من عناصر عقود الكراء هو أداء الوجيبة الكرائية، سواء بالنسبة للمكتري للمساكن المعدة للسكن أو تلك المعدة للاستعمال المهني.

سؤال: فبصفة عامة، وكنتيجة لهذه الحالة التي نعشها حاليا، هل التنظيم القانوني بصفة عامة يسعف في ايجاد حلول لهاته المشاكل أم يمكن أن نتحدث
عن قصور تشريعي؟


جواب الدكتور الحسين بلحساني


 بالفعل وكما هو ملاحظ فإن الأمر يكاد يكون بديهي، فلا شك أن عقود الكراء هي من بين العقود الأكثر تأثرا بهذه الجائحة  التي أصابت المغرب كما أصابت مختلف بلدان العالم.
و مؤكد أن عقد الكراء قد تأثر بهذه الوضعية الطارئة الاستثنائية غير العادية، ووجه تأثر عقود الكراء يتأتى أساسا لكونه من العقود المستمرة، والذي يمتد مفعولها وأثارها على الزمن وفي الزمن. ولذلك من الطبيعي أن يتأثر هذا النوع من العقود من التقلبات التي يمكن أن تتعرض لها وضعية المتعاقدين، طبعا بالنظر للتقلبات التي يعرفها المجتمع عموما.
فعقود الكراء تأثرت وسيتضح ذلك في المستقبل القريب  بالتأكيد بصورة أكثر، ذلك من المتوقع ومن المحتمل أن تستقبل المحاكم المغربية على امتداد ربع الوطن قضايا متعددة مرتبطة بهذه الوضعية، والتي آلت إليها العقود نتيجة هذه الجائحة، ونتيجة فرض حالة الطوارئ، إذ يفترض أن تستقبل المحاكم المغربية عددا كبيرا مما كانت تستقبله في المعتاد، طبعا من مخلفات هذه الوضعية التي يمكن النظر إليها الأن على أنها راكدة  بفعل ركود كل المجالات، لكنها ستستيقظ حتما فور انتهاء هذه الوضعية.
عموما فإن عقود الكراء هي تمتد في الزمان و من الطبيعي أن تتأثر بمثل هذه الوضعية، لكن ما يخفف الوضع بالنسبة هذه العقود هو الأمر يتعلق بعقود عريقة  في الزمان. فعقود الكراء عرفت مند القديم ومن تم فإنها   خبرت و تعودت على مثل هذه الجوائح وعلى مثل هذه التقلبات وعلى مثل هذه الأزمات، فهي عايشت كل الأزمات التي عرفتها الانسانية مند زمان بعيد، ولذلك اكتسبت نوعا من المناعة القانونية تجاه هذه الظروف الاستثنائية.
ومن تم فإن النظام القانوني المقارن كما هو الشأن بالنسبة للنظام القانوني في المغرب توجد به قواعد وأحكام  تتيح إمكانية مواجهة مثل هذه الحالات.
طبعا هل تتم هذه المواجهة بالشكل المأمول وبالشكل المطلوب والمرغوب أم أن هناك نقائص يقتضي الأمر تعويضها؟ هذه المسألة قابلة هي الأخرى للنقاش.
فالواضح كما هو ملاحظ أنه ومنذ ظهور هذه الجائحة بدت على مستوى الفكر القانوني عموما وعلى  مستوى الفكر القانوني المغربي على وجه الخصوص بدت نظريتان لهما توجهان في مواجهة هذه الجائحة.
التوجه الأول يعتبر أن النظام القانوني المغربي على الوضع الحالي غير مؤهل لمواجهة هذه الوضعية الطارئة الاستثنائية التي لم تعرف الانسانية مثيلا ، ومن تم ارتأى هذا التوجه إلى أن هناك ما يقتضي  تدخل المشرع بشكل استعجالي واستثنائي، لإصدار قواعد و أحكام قانونية جديدة ملائمة لهذه الوضعية.
لاحظنا كيف أنه بالفعل ظهرت مشاريع و مقترحات متعددة تكشف عن تصورات طبعا مَن صدرت عنهم هذه المقترحات، تصوراتهم لكيفية معالجة هذه الوضعية بعيدا أو على الأقل مساعدة و داعمة للنظام القانوني القائم.
لكن إلى جانب هذا التوجه، هناك توجه آخر يعتبر بأن مهمة القانون ليست هي متابعة كل التقلبات الطارئة و الاستثنائية و إنما مهمة القانون هو أن يسوغ قاعدة مرنة يمكن لها- بشكل طبعا إذا أحكمت صياغتها -  بشكل يتيح إمكانية مواجهة كل الظروف المستجدة و هذه هي الوظيفة الأساسية للقضاء.
طبعا ينبغي ألا نعتقد بأن المجتمعات الإنسانية التي حكمتها قواعد قانونية ضاربة في القدم ظلت على حالها لم تتغير و لم تعرف تقلبات تقتضي تدخلا تشريعيا أو قانونيا.
ينبغي التأكيد على أن القانون المدني الفرنسي مثلا، الذي ظل على حاله أو يكاد على حاله منذ بداية القرن التاسع عشر منذ سنة 1804 و يحكم المجتمع الفرنسي و بالرغم من كل الدينامية من كل الحركية، من كل التغيرات العميقة التي عرفها المجتمع الفرنسي، من الطبيعي أن نتصور بأنه كانت هناك طبعا قوة حية متمثلة في القضاء هي التي تتولى مهمة الملاءمة بين ما يقتضيه (جمود النصوص)، عدم التغير المستمر للنصوص القانونية، و ملاءمته طبعا مع التغيرات العميقة التي تعرفها هذه المجتمعات. نفس الشيء بالنسبة للقانون المغربي، فقانون الالتزامات و العقود المغربي صدر سنة 1913 طبعا و بقي على حاله أو يكاد إلى اليوم .
لا يمكن لنا أن نتصور بأن هذا القانون كان مؤهلا لكي يحكم كل الوقائع و المستجدات و التغيرات و التقلبات و الطوارئ الاستثنائية منها أو العادية التي عرفها المجتمع المغربي طيلة هذه الفترة الطويلة لو لم يكن هذا النص مدعوما بقوة أخرى تعطي الحياة لهذه النصوص و تلائمها  مع المستجدات.

سؤال: أثرتم نقطتين في حقيقة الأمر مهمتين، الأمر الأول يتعلق بإثارتكم بضرورة إيجاد نص قانوني  يمكن أن يواكب أي تغير، بمعنى أن يكون النص القانوني ذا لبنة متغيرة لا جامدة تنكسر في أول تحد لها، و المسألة الثانية هي تفاعل القضاء. و كما تعلمون أن هناك نوعين من عقود الكراء التي يتم إبرامها في إطار السكن و الاستعمال المهني، و هناك تلك التي يتم إبرامها في إطار القانون المنظم لها القانون التجاري و الصناعي و الحرفي، و رأينا كيف أن القضاء في هذه الفترة فيما يخص العقود المتعلقة بالسكنى قد نحى نحو توجه عدم تنفيذ مقتضيات الإفراغ بشأنها كما عاينا عدد من المحاكم طبقت ذلك في المغرب. و لكن أثرتم نقطة أخرى و هي ستنفتح أو ستشهد المحاكم المغربية عددا من القضايا بعد مدة وجيزة أو كبيرة، هل هناك من القضايا التي ستستجد لم نرى لها مثيلا في السابق نتيجة هذا الآثار أم أنها قضايا عادية مما كنا نشاهده، و هل لدينا حاليا نص قانوني سيستوعب إذا ما
استجدت أنماط جديدة من المنازعات، أم أن الأمر فقط يحتاج |إلى قضاء يعرف كيف السبيل إلى تطبيق هذه المقتضيات بذكاء لمواجهة ما شهدناه ؟


جواب الفقيه د/ الحسيني بلحساني:

من حسن الحظ أن الأحكام المتعلقة بالأكرية سواء تعلق الأمر بالكراء السكني أو الكراء التجاري، هذه الأحكام عرفت في ما  مضى  نوعا من التمرد على القواعد القانونية التقليدية في مجال القانون المدني، تمردت على مبدأ سلطان الإرادة، تمردت على القوة الملزمة للعقد و سامحت منذ زمن بعيد للقضاء في أن يكون شريكا في إبرام العقود المتعلقة بالكراء و أن يكون مصاحبا لتنفيذ هذه العقود، و أن يكون ساهرا على سلامة تنفيذ هذه العقود، إذا القضاء المغربي يمتلك خبرة واسعة في التعامل مع  القضايا التي تعرفها عقود الأكرية و لكي  نحاول الإلمام بأهم القضايا التي يتصور أن تطرحها المنازعات أو الخصومات المرتبطة بهذه الأكرية.
يمكن الحديث أساسا عن مجالين اثنين، المجال المتعلق بأداء الوجيبة الكرائية و المجال المتعلق بالإفراغ و هما العنصران الأساسيان اللذان كانا على الدوام مثار خلافات بين طرفي العلاقات الكرائية، و كان أيضا موضوعا لتدخلات تشريعية متعاقبة منذ زمن بعيد قبل أن يستقر الأمر مؤخرا بعد صدور القانون المتعلق بالأكرية السكنية سنة 2013، و الأكرية التجارية سنة 2016.
القضاء كان شريكا في عملية التعاقد في مجال الكراء على الدوام، يملك القضاء المغربي استنادا إلى القواعد العامة في قانون الالتزامات و العقود المغربي المدعومة بالنصوص الخاصة  المتعلقة بالتشريعات الكرائية الخاصة يملك أن يبدع حلولا يتحقق بواسطتها أو عن طريقها العدالة المطلوبة في العلاقات التعاقدية، من دون التضحية بمصلحة أي من طرفي هذه العلاقة المكري و المكتري.
في مجال قانون الالتزامات و العقود المغربي، فهذا القانون يتشدد بشأن مطل المدين و لكن له  يربط هذا المطل بعدم وجود أسباب معقولة تبرره، لا يحق للمكتري أيا كان هذا المكتري سواء كان مكتريا لمحلات سكنية، أو مكتريا لمحلات تجارية، أن يتملص من دون أن يكون له ما يبرر هذا التملص من أداء واجباته الأساسية و يأتي على رأسها أداء الوجيبة الكرائية، ليس من حقه و إلا اعتبر  في عداد المتماطل و ترتبت عنه اثر ذلك طبعا كل الآثار التي يرتبها القانون على حالة المطل. لكن حالة التماطل لا يمكن تصورها إلا إذا كان الامتناع من دون مبرر يقتضيه.
وأمام الوضعية التي تمر بها بلادنا اليوم بصفة خاصة، والعالم بصفة عامة، فاٍن هذه الظرفية تعتبر مبرر معقول  ومصوغ  يتيح للقضاء  إمكانية  التدخل  من أجل  معالجة الوضعية من دون التضحية بمصلحة  هذا او ذاك.
و لذلك لا يحبذ  الأستاذ   تصنيف  الوضعية التي يعيشها بلادنا  إثر جائحة كوفيد 19  المستجد في إطار اعتبارها قوة قاهرة أو  ظرفا قاهرا بل يرى أنه يكفي القول على أنها  ظرف استثنائي  لم يكن متوقع، ولم يكن موضوعا في الحسبان  حين أبرام  العقد، ولم يكن لأي من المتعاقدان  دور فيما ألت  اٍليه  الأمور  بسببه، لذلك فاٍن هذه  الوضعية  يتفهمها  المتعاقدان  معا ، ومن ثمة  فاٍن  القضاء  يمكن أن يبدع  حلولا  لهذه الوضعية   من دون أن الاصتطدام بنصوص قانون الالتزامات والعقود الذي يخول إمكانية مراعاة وضعية المتعاقدين  عن طريق منح إلامهال  القضائي ، يتيح للقاضي إمكانية إعطاء المكتري أجالا وليس أجل واحدا  بشرط أن تكون هذه الآجال معقولة ومبررة، إذن يمكن استعمال  قواعد قانون الالتزامات والعقود  وحتى في مجال التشريعات الكرائية الخاصة، صحيح أن المشرع من خلال هذه المقتضيات يتشدد مع المكتري المتماطل، وبالأخص ما يهم استيفاء السومة الكرائية ، بحيث أنها  تتيح للمكري  أحقية الحصول على الوجيبة الكرائية  في ظرف زمني  وجيز  وبمجهود محدود جدا، وبدون تكاليف مرهقة، إذ يكفي فقط  توجيه إنذار  قضائي للمكتري  داخل مهلة 15 يوما  ومن ثمة يحصل المكري على الامر بالأداء في 48 ساعة بعد تمام أجل الإنذار، لكن هذا القانون  بنفسه يتيح إمكانية للقاضي إمكانية  عدم قبول  هذا الأمر بالأداء، بمعنى للقاضي سلطة تقدير هذه الأمور، بل حتى إذا صدر هذا الأمر يمكن أنداك للمحكمة  حسب الفقرة الأخيرة من المادة 29 من القانون  الكراء السكني  أن تأمر  بوقف التنفيذ .
وهناك أليات متعددة والافراغ بدوره يخضع للسلطة التقديرية أو ينبغي أن يخضع للسلطة التقديرية للقضاء، صحيح أن هناك اتجاهات فقهية وقضائية   تعتبر   أن المكتري في حالة التماطل  ليس من حقه أن يستفيد من اعمال  لسلطة تقديرية  للقضاء  تراعي  وضعيته ، وفي حقيقة الأمر إن مختلف هذه الآراء الفقهية والتوجهات القضائية  قد نوقشت  بحيث خلصت إلى أنه  ليس في القانون المغربي ما يمنع  إمكانية  إعمال القضاء  سلطته التقديرية  في مواجهة العنصرين معا، أي عنصر إستفاء الواجبة الكرائية أو فيما يخص طلبات  الافراغ.
إذا كانت الطلبات ا المتعلقة بالعنصرين معا  بالمجالين معا هناك من يبرر  رفضها وعدم قبولها. وما تشهده البلاد اليوم  طبعا لا شك  تبرر مثل هذا الرفض، اٍعمالا للسلطة التقديرية الممنوحة للقضاء.

هنا يثار التساؤل حول  ما مدى إمكانية الاعتداد بعدم الانتفاع بالعين  المكتراة  خاصة أمام تضرر شريحة واسعة من المجتمع من بينهم أصحاب المقاهي
والمطاعم من هذه الجائحة كمبرر ينصف به القضاء  المتضررين من هذه الشريحة ؟


جواب الفقيه د/ الحسين بلحساني:

الواقع  أن الأجرة  ليست مقابل للانتفاع   وانما هي مقابل التمكين من الانتفاع  مادام المكري  يمكن المكتري من الانتفاع أي يضع المكري  المحل رهن إشارة المكتري من دون أي اعتراض بحيث يتحقق  الانتفاع الهادئ و المستقر . اذن فبجرد تحقق هذه الشروط فإن على المكتري  بأداء السومة الكرائية سواء انتفع فعليا أم لم ينتفع، ولكن  مع ذلك فاٍن القضاء يملك دائما إمكانية مراعاة وضعية المتعاقدين لان تنفيذ العقود   يفترض فيها أن تتم عن حسن نية وبحسن نية، إذ ينبغي أن نستحضر  الفصل 231 من قانون الالتزامات والعقود الذي يصرح بكون تنفيذ العقود يكون بحسن نية كما تم الاتفاق عليه بالحرف من دون محاولة التهرب والتملص، لكن هذا المفهوم  ليس من الضروري أن يظل على حاله على الدوام  يمكن أن يكون  قابل لتصور  أخر مخالف ، فينظر للعقود كما ينظر للقانون  هذا الأخير كان أساسا وسيلة لمواجهة العنف ولكنه تحول بعد ذلك وسيلة لمواجهة حتى  الدهاء أو ما يسميه بعض الفقه المقارن   لمواجهة الخبث أو المكر .
إذن مهمة  مهمة القانون تنسحب أيضا على مهمة العقود لأن العقود قوانين اتفاقية يشترط  فيه أيضا ألا تكون وسيلة  للإضرار  و ألا تكون وسيلة للظلم  والتعسف والشطط.
ولذلك فالقضاء يملك استنادا لهذه المبادئ العامة ، مبادئ المصلحة العامة، و مبادئ العدالة، مبدأ حسن النية استنادا اٍليها من أجل الوصول إلى تحقيق  تنفيذ عادل للعقود، طبعا لا يمكن إخضاع هذا الأمر  إلى قاعدة نمطية رياضية واحدة، لأن  الأمر سيختلف في حقيقة الأمر من واقعة إلى أخرى ، ومن قضية إلى أخرى،  ومن  حالة الى أخرى .
والقضاء وحده هو المؤهل لكي يفرز حلولا مختلفة  بحسب اختلاف  هذه الوقائع  و هذه الحالات وكذا الملفات المعروضة عليه، لا يعني ذلك أن المنظومة القانونية لا تحتاج إلى مراجعة ، سيكون هذا قولا مغاليا وغير دقيق.
الواقع أن النظام القانوني بالأخص القوانين المؤسسة بما معناه قانون الالتزامات والعقود، هذا القانون الذي تمت صياغة نصوصه في ظروف وملبسات معروفة، وهو اليوم يحتاج إلى مراجعة، ومثل هذه الجوائح، وهذه الحوادث،  وكذا الحالات الاستثنائية المستجدة، هي التي تعطي شحنة  اضافية من أجل المطالبة بإلحاح من أجل مراجعة قانون الالتزامات والعقود  لأنه فعلا في أمس الحاجة للمراجعة.
و يأمل الأستاذ أن لا تكون المراجعة تحت  تأثير ظرف استثنائي لأن هذه المراجعة ستعطي حلولا استثنائية، بل ينبغي أن تكون حلولا تتيح إمكانية الحصول على قواعد قانونية مصاغة  بالطريقة العلمية  الصناعية الاحترافية، وهذه  ستقتضي وقتا اٍضافيا ونقاش هادئ  ورزينا  لا يمكن أن يتم تحت وطأة  ظروف استثنائية  ضاغطة وملحة.   

سؤال : كيف يمكن صياغة هذه التشريعات هل نعيد صياغتها بأي طريقة كانت ؟ قلتم أنه يجب أن لا تكون خاضعة لما هو استثنائي ويجب أن تكون بصفة عامة، لكن كيف يمكن للمشرع المغري أن يمارس حقه في إيجاد نص جديد دون استحضار ما هو استثنائي و استحضار نصوص تشريعية ترقبية
ليست مرتبطة بالاستثناء الحالي فقط بل لها رأي استشرافي ترقبي لاستثناءات أخرى ؟


جواب الدكتور الحسين بلحساني:

عندما نحصر اهتماماتنا في مجال القانون المدني، فطبعا الفكر يتجه مباشرة نحو قانون الالتزامات والعقود المغربي، هذا القانون الذي صدر سنة 1913 تحت الحماية الفرنسية وذلك بعد توحيد  ومغربة القانون المغربي.
إذن هذا القانون صدر في ظروف خاصة وفي سياق معين وهو في الواقع لا يمكن إنكار أهميته، لكن آن الأوان لكي يتجه التفكير نحو تمكين المجتمع المغربي من قانون مدني أكثر ملائمة وأكثر مناسبة لما يعيشه المجتمع، لأن القانون لم يعد مجرد مصور ومجرد ناقل للوضع الاجتماعي، و إنما أضحى خطابا محفزا على التقدم وعلى التطور.
قانون الالتزامات والعقود المغربي تبين مع الزمان أنه في حاجة إلى مراجعة، فإن كثير من أحكامه أضحت اليوم متجاوزة، ونحمد الله أن النظام القانوني المغربي قدر له أن يسهر على تطبيقه قضاة مجتهدون لامعون، أمكن لهم بفعل اجتهاداتهم أن يلائموا على الدوام بين مقتضيات نصوصه وبين ما يستجد في الواقع المغربي، لكن مع ذلك ،فقانون الالتزامات والعقود المغربي ينبغي إعادة النظر فيه إجمالا، وينبغي أن تتحدد فعلا معالم واضحة في شكل مبادئ أساسية عامة لنظرية الظروف الطارئة أي كل الظروف الطارئة كيفما كانت.
طبعا يمكن  استلهام بعض أثار كوفيد 19 ولكن ينبغي أن لا يتوقف التفكير عند هذا الحد وإنما ينبغي استحضار كل الظروف الاستثنائية، طبعا المقصود بها تحديد هذه الظروف الاستثنائية، ماهيتها وأحكامها وكيف يمكن معالجتها، ودور القضاء في هذه المعالجة،  لأن الأمن القانوني يقتضي بالضرورة عدم تشتيت النصوص المرتبطة بموضوع واحد على أكثر من موقع، لأن تشتيت هذه النصوص يصطدم مع أداء الأمن القانوني فعلا، ولكن الأمن التعاقدي في نفس الوقت يقتضي أن يكون المتعاقدين أو المقبلين على التعاقد على بينه من أمرهم مسبقاً.
ومن هنا يظهر أهمية التدخل التشريعي، صحيح أن القضاء يمكن أن يقوم بالدور بحيث يمكن له مواجهة هذه الوضعية، وحتى غير هذه الوضعية بحلول قد تكون ملائمة مناسبة، ولكن لا شيء يضمن بأن تكون هذه الحلول متوازنة بالنسبة لجميع القضايا الماثلة، لأن الأمر يتعلق في نهاية المطاف باجتهادات إنسانية ولذلك يستحسن ويفضل أن تكون هناك قواعد تشريعية هي التي يستند إليها الجميع في تعامله مع القضايا من هذا القبيل، ومن هنا أهمية التدخل التشريعي ومراجعة قانون الالتزامات والعقود المغربي بوضع إطار قانوني عام لا يصادر ولا يغل حق القضاء في التدخل نهائيا، ولكنه لا يترك المجال مفتوحا دون حدود حتى لهذا التدخل القضائي، حرصا على الأمن التعاقدي الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القانوني عموما.
    
 



الثلاثاء 21 يوليوز 2020

تعليق جديد
Twitter