MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



تقرير حول مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص تقدم بها الطالب الباحث زكرياء الغزاوي، حول موضوع: "مسطرة التحكيم التجاري الدولي بين الخضوع إلى قضاء الدولة و الاستقلالية، دراسة مقارنة"، تحت اشراف الدكتور مرزوق ايت الحاج.

     



تقرير حول مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص تقدم بها الطالب الباحث زكرياء الغزاوي يوم السبت 21 يوليوز 2018 برحاب كلية الحقوق بطنجة، حول موضوع: "مسطرة التحكيم التجاري الدولي بين الخضوع إلى قضاء الدولة و الاستقلالية، دراسة مقارنة"، تحت اشراف الدكتور مرزوق ايت الحاج.
 
وقد تشكلت لجنة المناقشة من الأساتذة الأجلاء:
الدكتور  مرزوق ايت الحاج .. مشرفا و رئيسا
الدكتور أحمد الجباري عضوا
الدكتور هشام بوحوص عضوا
الدكتور أمين أعزان عضوا.
الدكتور مصطفى بونجة عضوا.

وقد قررت اللجنة قبول الأطروحة و منحها ميزة مشرف جدا مع التوصية بالنشر.

      


و ينطلق موضوع الأطروحة، من فكرة العدالة، التي احتلت على مر الأزمنة ومختلف الحضارات مكانة أساسية في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية و القانونية الرابطة بين الأشخاص، باعتبارها مبدأ عاما، فكل علاقة قانونية في حاجة إلى شخص من الغير يتكلف بمراقبة صحتها و شرعيتها، و يتمتع بالاستقلال والحياد، فالاحتكام إلى الغير يعتبر ظاهرة انسانية تلقائية.

و يعتبر التحكيم، كمظهر من مظاهر تحقيق العدالة، مؤسسة قانونية قديمة قدم الكون، وسابق في ظهوره على الدولة و القانون، فقد كان بهذه الصيغة محصورا جغرافيا، يقتصر تطبيقه في حدود التجمع الانساني، غير أن الطبيعة و الغريزة الاجتماعية للإنسان، دفعته إلى التنقل و تجاوز حدود محيطه، الأمر الذي انعكس كذلك على تجارته، و أدى إلى ظهور عقود تجارية تتسم بالطابع الدولي، تخضع إلى قواعد مستقلة وموحدة تحكم النشاط التجاري الدولي، بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي السائد في الدول، و كان مصدر هذه القواعد، الأعراف و العادات التجارية الدولية، تحت مسمى قانون التجارة الدولية، والذي كان يتضمن بين مقتضياته التحكيم.

ولم يحظ التحكيم الدولي بالاهتمام اللازم إلا بعد الحرب العالمية الثانية، نتيجة لعولمة الاقتصاد و ما ترتب عن ذلك من ارتفاع في معدل المبادلات الاقتصادية و التجارية، مما أدى إلى اعتباره أداة للتعبير عن عدم الخضوع لسلطة الدولة، و من ثمة فك الارتباط بين التحكيم الدولي و أنظمة الدولة و ارتباطه بنظام قانوني لا ينتمي إلى أي بلد.

يتبين مما سبق، أنه من غير الصواب الاعتقاد بأن أساس سلطة فض المنازعات ترجع إلى الدولة وحدها، و أن التحكيم ما هو إلا استثناء من ذلك و أنه يكتسب مشروعيته من اعتراف الدولة به، بل إن التحكيم نشأ تلقائيا كما نشأت القواعد "غير القانونية"، و بذلك يكون التحكيم مظهرا من مظاهر "التعددية القانونية"، ولا يعدو أن يكون وجوده فضلا و منة من الدولة، فهذه الأخيرة لا تستغرق الظاهرة القانونية و لا تختزلها في ذاتها، و لا تحتكر إنشاء القواعد القانونية، و هو ما يستشف من كون مفهوم الدولة -السيادة، لم يتحقق إلا في بداية القرن التاسع عشر.

و قد كان من نتائج ظهور الدولة – السيادة، تطور القانون، الذي أصبح الضابط الأساس للسلوك الاجتماعي للفرد و بالتالي تحقيق التعايش الاجتماعي، الذي يعود أمر ضمانه إلى القضاء الرسمي، بوصفه سلطة من سلطات الدولة، يختص دون سواه في جميع المنازعات التي تنشأ داخل المجتمع، مهما كان موضوعها أو أطرافها، و أضحى القضاء إحدى ركائز الدولة الحديثة، باعتباره المكلف بتطبيق القانون و دعم المؤسسات و حماية المجتمع.

و قد كان لاعتبار القضاء مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، أثر في علاقته بالتحكيم، بوصف هذا الأخير قضاءا خاصا يمارس مهامه خارج ولاية المحاكم القضائية، فهو يحتاج من أجل استكمال مسببات فاعليته و تنفيذ قراراته و أحكامه إلى تدخل قضاء الدولة باعتباره سلطة عامة تملك وحدها الزام الخصوم و من لهم صلة بالنزاع بتنفيذ قرارات المحكمين، على اعتبار أن القضاء يحتكر وحده سلطة الالزام بالتنفيذ.

و انطلاقا من ذلك فإن تدخل قضاء الدولة، بما له من سلطة عامة، أمر لا محيد عنه، إذ يتدخل عند أول صعوبة قد تعترض التحكيم سواء قبل و أثناء العملية التحكيمية.

و يعد من هذه الصعوبات اعتبار قضاء التحكيم قضاء وقتيا سريع الزوال، إذ لا يتم تشكيل هيئة التحكيم إلا عند قيام النزاع، و قد يعترض تكوينها تعنت أحد الأطراف وتخلفه عن القيام بذلك، الأمر الذي يتطلب تدخل القضاء لتقديم المساعدة من أجل تشكيل الهيئة أو استكمال تكوينها.

كما يعتبر من بين الصعوبات اعتباره قضاء خاصا لا يتمتع بسلطة الأمر و الزجر، إذ يصعب على المحكمين، في بعض الأحيان، المحافظة على حقوق الأطراف خلال سريان مسطرة التحكيم، كما لا يمكن لهيئة التحكيم استصدار أمر باتخاذ الإجراءات الوقتية أو التحفظية.

و تنقسم محددات علاقة التحكيم بالقضاء بين اتجاهين، إذ يعتبر الاتجاه الأول أن الممارسة التحكيمية تتجه نحو الانسلاخ التام عن القضاء، بينما يعتبر الاتجاه الثاني أن إخضاع التحكيم للرقابة الكاملة والشاملة له تجعله يذوب في قضاء الدولة، ويتشتت بين النظم الوطنية، الأمر الذي يفقد نظامه الوحدة والاستقلال ويفقد قضاءه التناسق و الأمن القانوني، و من ثمة فقدان مقومات "المؤسسة".

فالتساؤل المطروح حسب هذا الاتجاه أو ذاك هو هل تدخل قاضي الدولة في التحكيم أمر حتمي وضروري لاستمراره، وهل استقلال التحكيم عن القضاء ممكن التحقق.

فمن جهة، إن من شأن توسيع مجال تدخل قاضي الدولة في التحكيم التجاري الدولي أن يؤدي إلى خطر إخضاعه لسلطة القضاء، نتيجة حصر نطاق التدخل في مناقشات مسطرية لا منتهية، هذه المناقشات قد تؤدي إلى تجاهل القضية الأساسية التي هي تسوية موضوع النزاع، مما يمكن معه القول بأن التحكيم هو ضحية الانحراف المسطري، و يتحول الأمر بالتالي من اعتبار التحكيم "وسيلة" لتسوية المنازعات إلى اعتباره موضوع نقاشات فقهية قانونية، الأمر الذي يفيد أن الهدف من تدخل قاضي الدولة في التحكيم تحول من المساعدة و مد يد العون له إلى سبب لانحرافه عن هدفه إن لم نقل سبب لتشويهه، ومن هذا المنطلق فإن التحكيم في طريقه إلى التحول من "وسيلة لتحقيق العدالة" إلى "عدالة مختلطة" تجمع في طياتها بين أسوار التحكيم و دهاليز محاكم الدولة.

ومن جهة مقابلة، إن عدم التدخل التام لقضاء الدولة في التحكيم يؤدي إلى سقوطه في الصعوبات التي تعترض المسطرة، لتكون النتيجة الحتمية اللامبالاة و عدم الاكتراث به مما قد يعصف به و يضر بالهدف و الفلسفة التي على أساسهما تم اللجوء إلى التحكيم.

و يوجد بين الاتجاهين السابقين؛ أي اتجاه المغالاة في إخضاع التحكيم للقضاء واتجاه عدم تدخل القضاء التام في التحكيم، اتجاه وسط ينبني على وجود روابط و أواصر التعاون بين مؤسسة القضاء ومؤسسة التحكيم هدفها تقديم القضاء يد المساعدة للتحكيم و خلق تعاون بينهما.

و نظرا إلى أهمية التحكيم في المرحلة ما قبل صدور الحكم التحكيمي، فإن التشريعات الوطنية والدراسات الفقهية، لم تعد تنكب على تنظيم كيفية تعامل القاضي الوطني مع الحكم التحكيمي الدولي، بل امتد اهتمامها كذلك إلى تنظيم العلاقة بين القضاء الوطني والتحكيم التجاري الدولي، في مرحلة ما قبل صدور الحكم التحكيمي الدولي خاصة ما يتعلق بإتفاق التحكيم كأساس للعملية التحكيمية برمتها أو بإجراءات الخصومة التحكيمية.

أهمية الموضوع:

الأهمية القانونية: يصادف إنجاز هذا البحث مرور عشر سنوات على صدور القانون رقم 05-08، إذ يمكن اعتباره وقفة تأمل في التجربة المغربية في مادة التحكيم التجاري الدولي، سواء من خلال النصوص القانونية المنظمة له أو من خلال موقف القاضي المغربي من التحكيم الدولي، و ذلك في أفق تفسير و فهم الخطاب الدائر بين القاضي والمحكم وفك رموزه، و من هنا تظهر أهمية هذا الموضوع الذي نحاول من خلاله تحقيق الغرض الأساسي من هذه الأطروحة وهو البحث عن تأثير قضاء الدولة على التحكيم، هل يمكن اعتبار القاضي الوطني عنصرا أساسيا ومؤثرا داخل "المجتمع التحكيمي"، و إلى أي حد استطاع المساهمة في انتشار هذه الآلية كوسيلة لتسوية المنازعات التجارية الدولية،
كما تتجلى أهمية الموضوع في الخوض في الدور الذي يلعبه التشريع الوطني في التحكيم التجاري الدولي، هل النصوص القانونية تتجه نحو تقييد حرية القاضي في التعامل مع  التحكيم الدولي أم العكس تمنحه حرية التعامل و ضبط العلاقة فيما بين المؤسستين، و ألا تعتبر قلة المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم الدولي في التشريع المغربي، بالمقارنة مع التحكيم الداخلي، دليلا على توجهه نحو منح القاضي المغربي حرية أكبر في تعامله مع التحكيم الدولي، وحصر دور التشريع في سن و وضع المبادئ الأساسية، على أن يبقى للقاضي وضع أسس هذه العلاقة.
الأهمية القضائية: يأتي هذا البحث في إطار المساهمة في تحديث القضاء و الرفع من جودة اجتهاده في ميدان التحكيم التجاري الدولي باعتبارهما من زمرة المتطلبات الأساسية الرامية إلى تعزيز الأمنين القانوني والقضائي، وذلك من خلال البحث عن دعامة قضائية متناسقة و موحدة تشكل مرجعية أساسية و نواة صلبة لإرساء القواعد والمبادئ القمينة بالرقي بالتحكيم الدولي.
الأهمية الاقتصادية: تتجلى الأهمية لاقتصادية للبحث من خلال الدور الذي يمكن أن يلعبه قاضي الدولة في احتلال المملكة المغربية مكانة مرموقة في "عالم" التحكيم الدولي، من منطلق أن هذا الأخير لا يعتبر خصما للدولة وإنما مكملا لقضائها الوطني، فهو يساعد، إن لم نقل يكمل، القضاء السيادي، عندما تتجاوز المنازعات الحدود الوطنية، مع ابقائه تحت إشراف و رقابة القاضي الوطني، ما دام أن نجاح المسطرة التحكيمة يتطلب تدخل القاضي عندما تعترض ولوجها أو سريانها صعوبات.
كما نتوخى من هذه البحث، منح "المهني" في الحقل القانوني و القضائي، من محامين ومستشارين قانونيين وقضاة و محكمين، أرضية تساعدهم على فتح نقاش حول مجموعة من النقاط المتعلقة بمسطرة التحكيم التجاري الدولي، من منظور قاضي الدولة، ومن ثم يمكن إعادة صياغة مقولة "لايعذر أحد بجهله القانون" بشكل يتلاءم مع طبيعة الدراسة الحالية، و بلورة مقولة مفادها "لا يعذر المهني بجهله الاجتهاد القضائي".
 
  1. تحديد الموضوع:
نظرا إلى الطابع الاتفاقي للتحكيم و ما تشكله هذه الآلية من استثناء على ولاية القضاء العام في الدولة، ولكي يحقق التحكيم التجاري الدولي فاعليته و يؤدي دوره المنشود كطريق استثنائي أو بديل للقضاء في الفصل في المنازعات، فإن الأمر يقتضي تدخل القضاء الرسمي بما له من سلطة عامة من أجل تحقيق فعالية التحكيم التجاري الدولي، و من ثم فإن التحكيم كقضاء خاص لا يمكن أن يعمل بمعزل عن قضاء الدولة.
و التدخل القضائي في التحكيم لا يقتصر فقط على تحقيق فعالية التحكيم، و لكن كذلك من أجل استكمال أركانه، فالدولة عندما تصدر تشريعا تعترف فيه بجواز اللجوء إلى هذه الآلية و تقر بمشروعيتها، فإنها بذلك تفوض إلى المحكمين مهمة الفصل في المنازعات إلى جانب سلطتها السيادية و المتمثلة خاصة في الفصل في هذه المنازعات، إلا أن هذا التفويض لا يأتي بالضرورة كاملا، بحيث إذا كان لهيئة التحكيم حق الفصل في المنازعات، شأنها في ذلك شأن القضاء، فليس لها سلطة إلزام أطراف اتفاق التحكيم و من لهم صلة بالمنازعة باحترام قراراتها، و هذا راجع بطبيعة الحال إلى كون هؤلاء المحكمين ليسوا إلا أفرادا عاديين.
لذلك، حاولت النصوص القانونية المنظمة للتحكيم، إدراك الغاية من مبدأ تحقيق الفعالية القصوى للتحكيم سواء من خلال احترام التحكيم كاتفاق أو من خلال احترامه كمسطرة و إجراء.
و نظرا إلى ما يثيره التحكيم التجاري الدولي من أسئلة، فإن الدراسة الحالية ستنحصر، مبدئيا، على مادة التحكيم الدولي التجاري، مع إمكانية الاستئناس ببعض الأنواع الأخرى من التحكيم في إطار المقارنة.
التحكيم الدولي: سنقتصر في هذه الدراسة على علاقة قاضي الدولة بالتحكيم الدولي، الذي يقصد به، حسب مدلول الفصل 40-327 من قانون المسطرة المدنية، التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية.
التحكيم التجاري: كما سنقتصر في هذه الدراسة على التحكيم التجاري، بمفهومه الواسع، دون الخوض في التحكيم المتعلق بالقانون الدولي العام أو تحكيم الاستثمار.
مسطرة التحكيم: ينحصر هذا البحث في دراسة مرحلة سريان مسطرة التحكيم، التي تشمل مرحلة ابرام اتفاق التحكيم و كذلك مرحلة سريانه، إلى حين صدور الحكم التحكيمي، و من ثم فإننا لن نتطرق إلى دور قاضي الدولة في الحكم التحكيمي.
 
  1. إشكالية الموضوع:
مما سبق، فإن البحث الحالي صاغ إشكاليته الرئيسية المتمحورة حول علاقة قضاء الدولة بالتحكيم التجاري الدولي، من منظور الخصوصية التي تتسم بها كل من المؤسستين القضائيتين، فإذا كان أساس هذا الأخير اتفاق بمقتضاه يتفق الأطراف على تسوية المنازعات الناشئة فيما بينهم عن طريق التحكيم، و من ثم إبعاد القضاء الرسمي عن النظر في النزاع، لسلبياته، فإن القضاء بدوره يهدف إلى حماية مصالح المتعاملين في الميدان التجاري، خاصة الدولي منه.
كما أن هذا الموضوع يثير الاشكالية المتعلقة بتأثير التدخل القضائي على المبادئ الأساسية للتحكيم التجاري الدولي، التي من بينها استقلاله عن الأنظمة القانونية للدولة، التي من تجلياته، استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، بحيث ينظر في تقدير صحة الاتفاق إلى ماهيته من حيث وجوده لا من حيث وجود العقد، واستقلاليته كذلك عن القانون الذي يحكم العقد، مما يفيد أن اتفاق التحكيم الدولي يتوفر على نظامه الخاص.
و للإجابة على عناصر الإشكالية المركزية والأسئلة النظرية والوصفية المتفرعة عنها، في ضوء ما حملته القراءة الأولية لمراجع البحث و اجتهادات قضائية من تصورات وأفكار وعناصر، انطلقت هذه الدراسة من فرضيات أولية ضابطة، أبرزها تلك القائلة بحدود و مدى تأثير تدخل قضاء الدولة في مسطرة التحكيم الدولي على استقلاليته، إذ كيف يمكن، و بعد أن تم الاتفاق على التحكيم لتسوية المنازعات بعيدا عن قضاء الدولة، للأطراف أو للمحكمين، طلب تدخل المحاكم الوطنية في هذه المسطرة من أجل منح المساعدة و مد يد العون لهيئة التحكيم، فكيف يمكن لمحاكم الدولة التي تم استبعادها بإرادة من الأطراف، تطبيقا للأثر السلبي لاتفاق التحكيم، أن تضحى هي المخول لها قانونا مساعدة التحكيم على تذليل الصعوبات التي قد تعترض السير العادي له.
و مما سبق فإننا نعيد صياغة الإشكالية الرئيسية، في الاسئلة التالية، التي سنحاول من خلال هذا البحث الاجابة عنها في أفق ايجاد الوسائل القمينة بخلق جو من التكامل و التعامل بين القضاءين خدمة لفعالية التحكيم التجاري الدولي و تحقيقا لاستقلاليته.
 
  • هل تقوم علاقة قضاء الدولة بالتحكيم التجاري الدولي على أساس وجود تناقض بين مؤسستين قانونيتين أم تقوم على أساس المساعدة و التكامل فيما بينهما من أجل تحقيق العدالة المنشودة؛
  •  هل أدى تدخل القضاء الرسمي إلى تكريس مبدأ استقلالية التحكيم التجاري الدولي أو العكس من ذلك أدى إلى إخضاعه إلى قضاء الدولة.
 
  1. منهجية الموضوع:
لم ينحصر البحث على التجاذبات الفكرية والنظرية المواكبة لتطور علاقة القضاء الرسمي بالتحكيم التجاري الدولي و على المنهج الوصفي التحليلي، بل كان لزاما علينا ان نبحث في أغوار الاجتهادات القضائية سواء الصادرة عن القضاء المغربي أو المقارن و الذي لم ينحصر في المقارنات التقليدية بل تعدتها إلى التجارب الأخرى كالقضاء الصيني و الهندي و الأمريكي، و التي وصل عددها إلى أكثر من 160حكم و قرار قضائي.
و الاعتماد بالأخص في هذه الأطروحة، على التجربة القضائية الفرنسية،  كان تحت وطأة الشح النوعي للاجتهادات الصادرة عن القضاء المغربي إن لم نقل انعدامها التي تعالج مختلف نواحي مسطرة التحكيم التجاري الدولي، و ما للقضاء الفرنسي من باع طويل في هذه المادة، و دوره الانشائي الذي لعبه في التعديل الأخير الذي عرفه مرسوم التحكيم لسنة 2011.
 
كما يتعذر إنجاز هذه الأطروحة في معزل عن بعض النماذج القانونية على غرار نموذج القانون المدني و النموذج الانكلوساكسوني، لكونهما مصدرين تاريخيين للقوانين و التشريعات الكونية.
 
  1. تقسيم الموضوع:
انطلاقا مما سبق، فقد اقتضت منا مقتربات البحث وبناءاته تقسيم الموضوع إلى قسمين:
القسم الأول:
قاضي الدولة و المساعدة على الولوج إلى عدالة التحكيم التجاري الدولي
القسم الثاني:
قاضي الدولة و المساعدة على تفعيل مسطرة التحكيم التجاري الدولي
و قد خصص القسم الأول لدراسة الدور المنوط لقاضي الدولة الرامي إلى مساعدة الأطراف على الولوج إلى عدالة التحكيم التجاري الدولي، و ذلك من خلال التطرق إلى دوره في تفعيل الآثار المترتبة عن اتفاق التحكيم، حيث خصص الفصل الأول لموضوع الزامية تخلي القاضي الرسمي عن النظر في النزاع المتفق في شأنه على التحكيم، تفعيلا للأثر الايجابي للاتفاق، والتخلي لا يقتصر على موضوع النزاع فقط، بل إن هيئة التحكيم هي التي لها صلاحية البت في مسألة اختصاصها، أو ما يعرف بمبدأ الاختصاص – الاختصاص، الذي يعتبر من المبادئ الأساسية التي تروم إلى تحقيق فعالية التحكيم الدولي، و تكريسا لفعالية و استقلالية اتفاق التحكيم نصت بعض التشريعات المقارنة، كالقانون الفرنسي، على منح أولوية النظر في مسألة الاختصاص لهيئة التحكيم، أو ما يطلق عليه بالأثر السلبي للاختصاص – الاختصاص.
و تصورنا لدور القاضي الوطني في المساعدة على الولوج إلى عدالة التحكيم الدولي، استلزم التطرق، في الفصل الثاني، إلى الحالات الاستثنائية التي يمكن فيها للقاضي النظر في النزاع المتفق في شأنه على التحكيم، و ذلك متى كان اتفاق التحكيم باطلا أو غير قابل للتطبيق، غير أن قيام الاختصاص القضائي بدل الاختصاص التحكيمي يبقى رهين بالتقدير القضائي لصحة و وجود اتفاق التحكيم.
بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به القاضي الوطني من خلال أوامر الزجر الصادرة عنه Anti-suit injonctions التي ترمي إلى منع أحد أطراف نزاع دولي من اللجوء إلى قضاء دولة أخرى أو هيئة تحكيم أجنبية، من أجل النظر في النزاع المتفق في شأنه على التحكيم.
و إذا كان القسم الأول خصص لمرحلة ما قبل بدء و سريان مسطرة التحكيم التجاري الدولي، فإن القسم الثاني خصص للدور الذي يقوم به القاضي الوطني في مرحلة سريان مسطرة التحكيم، تم التطرق فيه في الفصل الأول إلى الدور المساعد للقاضي الوطني أثناء تشكيل هيئة التحكيم، سواء من حيث الجهة المكلفة بتقديم المساعدة أو نطاق التدخل القضائي.
أما الفصل الثاني فقد خصص للدور الذي يقوم به القاضي الوطني من أجل مساعدة الهيئة التحكيمية على مباشرة مهمتها، سواء من جانب الطلبات المرتبطة بالمحكم ومسؤوليته، في فرع أول، أو من جانب الطلبات المرتبطة بسريان مسطرة التحكيم في الفرع الثاني، سواء المتعلقة بالإجراءات الوقتية و التحفظية أو دور القاضي في تحقيق إجراءات المسطرة التحكيمية.
من خلال هذين القسمين وعلى امتداد أربعة فصول وثمانية فروع و سبعة عشر مبحثا و اربعين مطلبا وخمسة و أربعين فقرة، من الدراسة والتحليل خلصت الأطروحة إلى ما يلي:
 
الخلاصة الأولى: إلى جانب الدور الأساسي الذي يقوم بها القاضي الوطني و المتجلي في تسوية المنازعات، يتدخل في مجالات متعددة، من ضمنها المساعدة التي يمنحها لبعض الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، التي تقوم على أساس اتفاقي، التي من بينها التحكيم الدولي، و ذلك من أجل مدها يد العون بغية تحقيق الغاية والهدف المتوخى منها؛
الخلاصة الثانية: يعتبر القاضي المغربي من ضمن المكونات التي قد تؤدي إلى نجاح أو فشل التحكيم الدولي، و ذلك في ظل التطور الذي تعرفه المعاملات التجارية الدولية، وانخراط المملكة المغربية في عولمة الاقتصاد؛
الخلاصة الثالثة: عدم تخصص قضاة الدولة في مادة التحكيم الدولي، و هو ما يظهر جليا في مجموعة من الأحكام و القرارات القضائية، بحيث إن القاضي الوطني لا يأخذ بعين الاعتبار لخصوصية مسطرة التحكيم الدولي، و تغليب إرادة الأطراف عن التفسير الحرفي للنصوص القانونية؛
و بعد الدراسة و التحليل، فإن ضرورة البحث اقتضت طرح المقترحات التالية: 

أولا: اعتبار التحكيم قضاء موازيا لقضاء الدولة و ليس قضاء خاضعا له؛
ثانيا: دعم الاتجاه الذي ينادي باستقلالية التحكيم التجاري الدولي و إخضاعه لنظام قانوني خاص به؛
ثالثا: الغاء المواد القانونية الواردة في قانون المسطرة المدنية المغربي التي تنص على وجوب تقديم تصريح من قبل المحكم لدى مؤسسة النيابة العامة، عند ممارسته للمهمة التحكيمية؛
رابعا: احداث غرف مختصة في التحكيم على مستوى المحاكم الوطنية بمختلف درجاتها؛
خامسا: اعتماد القاضي التفسير الملائم و المرن لنصوص التحكيم الدولي و الاعتماد على حكمة التشريع من تنصيصه على هذه الآلية، أخذا بعين الاعتبار أن القانون يتميز بالحركية و الملاءمة مع مقتضيات التطور و التقدم، و هو ما من شأنه تشجيع الولوج إلى عدالة التحكيم الدولي من خلال تفعيل اتفاق التحكيم،  تحقيقا لاحتلال المملكة المغربية مكانة مرموقة في عالم التحكيم؛
سادسا: تشجيعا للتحكيم الدولي نوصي باعتماد القضاء المغربي، في تفسيره لأحكام التحكيم الدولي على إرادة الأطراف أكثر من اعتماده على التفسير الشكلي للنصوص القانونية، و تبني المنطق القانوني الموضوعي، لأن من شأن اعتماد القاضي المنطق القانون الشكلي الفصل بين القانون و المجتمع، و بالتالي إفراغ فلسفة التحكيم الدولي من محتواها، و في ذلك حصر للتطبيق الآلي للقانون و في المقابل تشجيع الدور الانشائي للقاضي، و لا سيما في حالة وجود نقص في القانون، كما هو الحال في التشريع المغربي؛
سابعا: تفعيلا لاتفاق التحكيم و تحقيقا لإرادة الأطراف في اللجوء إلى التحكيم نوصي بتبني القضاء المغربي للاستدلال القانوني الموضوعي، المبني على النص و غايته تحقيقا لفكرة المصلحة الاجتماعية، و ذلك من أجل الحد من حالات بطلان اتفاق التحكيم وعدم قابليته للتطبيق، ما لم تكن هذه الحالات مرتبطة بالنظام العام؛
ثامنا: حتى يتمكن القاضي المغربي من منح المساعدة الكافية لهيئة التحكيم أثناء سريان مسطرة التحكيم الدولي، يتعين التنصيص في التشريع المغربي على تدخله اثناء إجراءات التحقيق، و لا سيما فيما يتعلق بالأدلة؛
تاسعا: منح القاضي المغربي مكنة اصدار أوامر تقضي بمنع أحد الأطراف من اللجوء إلى هيئة تحكيم أو القضاء الأجنبي بشأن نزاع متفق في شأنه على التحكيم؛
 
 

الخميس 26 يوليوز 2018




تعليق جديد
Twitter