MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



تعليق على قرار المحكمة الدستورية رقم 18/70 م.د المتعلق بمشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 للدفع بعدم دستورية قانون. -الجوانب المتعلقة بنظام تصفية الدفوع –

     



تعليق على قرار المحكمة الدستورية رقم 18/70 م.د المتعلق بمشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 للدفع بعدم دستورية قانون
  • الجوانب المتعلقة بنظام تصفية الدفوع
أنوار عشيبة
باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس

بتاريخ 6 مارس 2018 أصدرت المحكمة الدستورية قرارها المشار إليه أعلاه بمناسبة رقابتها القبلية على مدى دستورية القانون التنظيمي المذكور، وهي فرصة تتيح للمحكمة الدستورية فحص مختلف ثنايا القانون المذكور بجميع تفاصيله مادام الأمر يتعلق بقانون تنظيمي يوجب الدستور حسب مقتضيات فصله 132 بإحالته قبل إصدار الأمر بتنفيذه على القضاء الدستوري. وبالرجوع لهذا القرار فإن أهم ما يستوقف قارئه هبتاريخ 6 مارس 2018 أصدرت المحكمة الدستورية قرارها المشار إليه أعلاه بمناسبة رقابتها القبلية على مدى دستورية القانون التنظيمي المذكور، وهي فرصة تتيح للمحكمة الدستورية فحص مختلف ثنايا القانون المذكور بجميع تفاصيله مادام الأمر يتعلق بقانون تنظيمي يوجب الدستور حسب مقتضيات فصله 132 بإحالته قبل إصدار الأمر بتنفيذه على القضاء الدستوري.
وبالرجوع لهذا القرار فإن أهم ما يستوقف قارئه هو الجوانب المتعلقة بنظام التصفية الأولية، والتي اعتبرها مخالفة للدستور في شقها المتعلق ببعض الجوانب التي رأت المحكمة الدستورية أنها تشكل رقابة دستورية أولية من طرف محاكم التنظيم القضائي للمملكة( المواد 5 و6 و10 و11 من المشروع) ويمكن تلخيص أهم مسوغات المحكمة بهذا الخصوص في :
أولا: اختصاص المحكمة الدستورية بشكل حصري في مراقبة الدفوع المتعلقة بعدم الدستورية شكلا وموضوعا طبقا لمقتضيات الفصلين 132 و133 من الدستور الذي يمنحها هذا الاختصاص بشكل أصيل، ولم يترك للقانون التنظيمي المعني سوى الشق المتعلق بالإجراءات وشكل الدفع لا أقل ولا أكثر، وقد عددت المحكمة الدستورية بعض الأمثلة عن ذلك.
ثانيا: تحديد طبيعة المقتضيات التشريعية المطعون فيها بعدم الدستورية وما إذا كانت تندرج ضمن تلك الماسة بالحقوق والحريات الدستورية مع ما يستلزمه تحديد هاته الأخيرة، والمعتبرة اختصاصا حصريا للمحكمة الدستورية، يعد رقابة دستورية أولية.
ثالثا: الإحالة على محكمة النقض في مرحلة ثانية للتصفية(أو أولى إذا أثير الدفع أمامها لأول مرة)، لتأكدها من جدية الدفع، هذا المعيار يختلط فيه الشكلي بالموضوعي من زاوية العناصر المشكلة له وهو ما يجعل من محكمة النقض جهاز لتقدير الدستورية.
ولعل التفاعل مع هذا القرار يفرض بداية تحديد المقصود بنظام التصفية أو أنظمة التصفية الأولية مادامت متعددة وتأخذ أشكالا مختلفة حسب النظام القانوني للعديد من البلدان.
المحور الأول: أنظمة التصفية الأولية للدفع بعدم الدستورية
انطلاقا من شكل الرقابة الدستورية البعدية التي أسسها دستور 2011 والمتمثلة في الرقابة عن طريق الدفع((voie d’exception، وليس عن طريق الدعوى الأصلية((voie d’action كما هو معمول به أيضا في بعض الأنظمة الدستورية (ألمانيا والبرتغال...)، هذا النظام الشبيه بذلك المعمول به في فرنسا منذ تعديل 2008( دخل حيز التنفيذ بتاريخ  ماي 2010)(1) ، والذي تم بموجبه وضع أسس رقابة بعدية بعد نقاش عمر لسنوات وهم مقتضيات الفصل 61 من دستور الجمهورية الخامسة(2)، يمكن القول أن أهم أنظمة التصفية الأولية للدفوع المتعلقة بالمسألة الدستورية ذات الأولية تتلخص في نظامين للتصفية:
إما أن التصفية الأولية تتم عبر المحاكم المثار أمامها الدفع وصولا للمحكمة العليا(أو محكمة النقض كما هو الشأن بالنسبة للمغرب) وبعد ذلك تحال الدفوع على القضاء الدستوري ليقرر مدى دستورية القانون من عدمه(3).
وإما تحال الدفوع مباشرة دون نظام تصفية على القضاء الدستوري الذي يتوفر ببنيته على نظام تصفية فتكون قراراته إما صادرة في الشكل بعدم قبول الدفع من الناحية الشكلية والإجرائية، أو في الموضوع بالتصريح بكون المقتضى التشريعي المطعون فيه ليس فيه ما يخالف الدستور أو مخالف للدستور مع ترتيب الآثار.
وقد أثارت مسألة اعتماد هذا النموذج من التصفية أم ذاك لدى المشرع الفرنسي عدة طروحات متناقضة بهذا الخصوص أرخت بضلالها على ما يبدو على قرار المحكمة الدستورية المغربية، إذ يمكن تلخيص أهم ما أثير من نقاش  النقاش بفرنسا المنقسمة إلى أطروحتين أساسيتين:
ترى الأولى منهما أن النظام المزدوج للتصفية يشكل أولا تحقيقا لنوع من التوازن المؤسساتي واحتراما لتراتبية البنية القضائية بالدولة لأن محاكم الموضوع تظل تحت رقابة المحكمة الأعلى درجة من زاوية القانون، وهو ما يفرض ضرورة مرور نظام التصفية عبر مجلس الدولة(إذا تعلق الامر بدفع مقدم أمام القضاء الإداري)، أو أمام محكمة النقض إذا تعلق الأمر بباقي الدفوع المثارة أمام القضاء العادي، وأيضا من شأن هذا النظام ترشيد الطعون والتحكم في تدفقها على القضاء الدستوري، خاصة وأن هذا الأخير تركيبته محدودة العدد ولن يتمكن من تصفية كل الدفوع ومراقبة دستوريتها لوحده، وهنالك من أضاف أيضا أنها فرصة لإيجاد نوع من الحوار بين القضاء الدستوري والقضاء العادي مادام الأمر يهدف في الأخير إلى حماية الحقوق والحريات(4).
أما الأطروحة الثانية فترى بأن قيام القاضي العادي بعملية التصفية وفق معايير يختلط فيها الشكلي بالموضوعي تجعله مؤولا للدستور بما ينطوي عليه الأمر من تقرير ضمني بالدستورية أو بعدمها، وأيضا فإن نظام التصفية من أساسه يجعل القضاء الدستوري في وضعية تبعية للقضاء العادي، وإن كانت المحكمة الدستورية المغربية قد أخذت منحى أبعد من نظيره الفرنسي الذي أبقى على شرطي تغير الظروف وجدية الدفع، في حين اعتبرتها المحكمة الدستورية غير دستورية وأن ذلك يشكل مساسا بجوهر عملها، وبالتالي فنظام التصفية يعتبر أمرا لا محيد عنه من حيث المبدأ وتبقى فقط كيفية بث القضاء وفق نظام التصفية الأولية وهو الأمر الذي يطرح نقاشا بخصوص موقف المحكمة الدستورية من المبدأين المذكورين.
المحور الثاني: رفض شكل نظام التصفية المطروح بمشروع القانون التنظيمي، تشكك مشروع من المحكمة الدستورية أم مبالغة في التوجس؟.
وضع المشرع مجموعة من الشروط التي يلزم أن تتأكد من تحققها المحكمة لقبول الدفع قبل إحالته على محكمة النقض، سنركز على أهمها والتي كانت محل رفض من طرف المحكمة الدستورية  والتي تطرح العديد من التساؤلات، خاصة ما يتعلق منها بتحديد الحقوق والحريات الدستورية، والجهة المخولة لها تحديدها والإشكالات المطروحة بهذا الخصوص، إلى جانب شرط تغير الأسس وشرط جدية الدفع.
 
 
أولا: إشكالية تحديد ماهية الحقوق والحريات الدستورية .
ورد في قرار المحكمة الدستورية أعلاه :" ...من جهة، فإن البت في الطبيعة التشريعية للمقتضيات القانونية موضوع الدفع وتحديد ما هو مندرج في الحقوق والحريات المضمونة دستوريا من عدمه (المادة الخامسة والفقرة الثانية من المادة 10 التي تحيل عليها)، يعد توسعا في الشروط الواجب التحقق منها من قبل القاضي المثار أمامه الدفع بمناسبة قضية معروضة عليه، ومن شأنه أن يحول مرحلة التحقق من استيفاء الدفع لبعض الشروط المتمثلة، في اتصال الدفع بالدعوى الأصلية ومدى تضمينه للبيانات المتطلبة في أي دعوى وأدائه للرسم القضائي، إلى مراقب أولي للدستورية، إذ أن الحسم في الطبيعة التشريعية للمقتضى القانوني المعني، وتحديد قائمة الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، يعد من الاختصاصات التي تنفرد المحكمة الدستورية بممارستها ".
يبدو من خلال هذا التعليل أن أحد هواجس المحكمة الدستورية هو تصدي المحاكم لتحديد المقصود بالحقوق والحريات الدستورية، غير أن هذا التخوف قد يبدو مبررا إذا علمنا بكون القضاء الدستوري هو الجهاز الوحيد المكلف بتحديد منظومة الحقوق والحريات الدستورية سواء تلك المصرح بها بنص الدستور أو تلك الكامنه بكنهه أو ما يعبر عنها بروح الدستور، إضافة إلى تفسيرات هذا القضاء وهو ما يشكل الكثلة الدستورية للحقوق والحريات"bloc de constitutionnalité "، ولكن هل المعنى المقصود من وراء ما أفرده المشرع المغربي بمشروع القانون التنظيمي هو ما قصدته المحكمة الدستورية في تأويلها علما أنها استندت أيضا- وهو عمل محمود منها- على الأعمال التحضيرية؟. غير أنه بالرجوع سواء لنص المشروع أو لأعماله التحضيرية من خلال القراءة الأولى له لدى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب أو قراءته الثانية من لدن نفس اللجنة أو من خلال لجنة التشريع بمجلس المستشارين، وكذا من خلال النموذج الفرنسي الذي يعتمد نفس الأساس، نجد أن المقصود هو اعتماد محاكم الموضوع على قراءات المحكمة الدستورية وتفسيراتها مادامت قراراتها ملزمة بنص الدستور، وعمليا كما هو الأمر لدى الأنظمة المقارنة، فإن قاضي الموضوع يكتفي برقابة شكلية حول ما إذا كان الأمر يتعلق فعلا بحقوق أو حريات دستورية وذلك من خلال أمرين لا محيد عنهما : إما الرجوع للدستور مباشرة للتأكد من الأمر يتعلق فعلا بحق أو حرية منظمة دستوريا وذلك استنادا على المذكرة المقدمة من لدن الطاعن، الذي يلزمه المشرع بتعليل دفعه والمقصود التحديد الدقيد لكل من المقتضى المطعون فيه والحق أو الحرية الدستورية المستهدفة، وإما الاستناد على قرارات المحكمة الدستورية لأنها معتبرة أيضا في تحديد الحقوق والحريات الدستورية، وبالتالي يبقى عمل المحاكم المقدم أمامها الدفع إجراء شكلي أكثر ولا يمس الموضوع كما ذهبت إلى ذلك المحكمة الدستورية، هذا دون أن ننسى أن القضاء المغربي يستند أحيانا بشكل مباشر إلى الدستور في كل ما هو متعلق بالحقوق والحريات على غرار القضاء الإداري مثلا.
ثانيا: المقصود بعبارة "تغير الأسس".
ينص مشروع القانون التنظيمي بمادته الخامسة على أنه من بين شروط قبول الدفع ألا يكون قد سبق البث بمطابقة المقتضى التشريعي محل الدفع للدستور، ما لم تتغير الأسس، وعبارة "تغير الأسس" شبيهة بعبارة "تغير الظروف " المضمنة بالقانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية بفرنسا (5)إذ نص بالبند الثاني من الفصل 23-2 على أنه:
« Elle n’a pas déjà été déclarée conforme à la Constitution dans les motifs et le dispositif d’une décision du Conseil constitutionnel, sauf changement des circonstances »
ويقصد بتغير الظروف حسب الفقيه الدستوري محمد أتركين(وهو عضو حاليا بالمحكمة الدستورية)، نقلا عن Pauline Gervier:" ذلك الاستثناء من الوضعيات القانونية المكتسبة بشكل مشروع وتؤدي إلى إعادة النظر في دستورية مقتضى تشريعي سبق للمجلس الدستوري أن صرح بمطابقته للدستور"(6).
وتغير الظروف يمكن إرجاعه إما إلى القانون أو الواقع، إذ جاء في أحد قرارات المجلس الدستوري الفرنسي:" التغيرات الطارئة منذ القرار الأخير على المبادئ الدستورية المطبقة أو على ظروف القانون أو الواقع والتي تؤثر على مدى المقتضى التشريعي المنتقد"(7)، فتغير ظروف الواقع يلزم النظر إليها بشكل موضوعي منفصل عن الظروف الشخصية أو الفردية الخاصة بالمحاكمة أو مقدم الدفع وأن تؤثر في المقتضى التشريعي المطعون فيه تأثيرا كافيا للمساس بالحقوق والحريات الدستورية، أما تغير ظروف القانون فهو :"ذلك التغيير الذي يطال الأوضاع القانونية والمرتبط بأحد العناصر القانونية المحيطة بقرار المطابقة الصادر عن المجلس الدستوري، ويهم ثلاث وضعيات: الأوضاع التشريعية، الأوضاع القضائية والأوضاع الدستورية"(8).
ثالثا: شرط جدية الدفع.
هذا الشرط الذي خص به المشروع رقابة محكمة النقض المعتبرة مرحلة ثانية للتصفية والذي عرف أكبر قدر من النقاش داخل الأوساط الفرنسية التي اعتبرته يجعل من القاضي العادي قاضيا دستوريا، وإن ضمن في الأخير بقانونها التنظيمي بل ومنح لمحاكم الموضوع إمكانية التأكد من توفر هذا الشرط إذ جاء بالبند الثالث من الفصل 23-2 :
« 3° La question n’est pas dépourvue de caractère sérieux »
أي عدم خلو المسألة(الدفع) من الجدية، وذلك لتجنب الدفوع ذات الطابع التعسفي أو تلك التي تهدف فقط إلى إطالة أمد النزاع أخذا بعين الاعتبار الآجال المرتبطة بوقف البث، وقد حدد المجلس الدستوري الفرنسي في أحد قراراته المقصود بالجدية بقوله:" لا يجب أن يكون تقدير الجدية بالنظر للمقتضى التشريعي المطعون فيه، وإلا فإن كل مسألة لم تتم معالجتها من قبل المجلس الدستوري الذي يواجه به النص التشريعي مما يجعل المسألة الجديدة تنطبق فقط على المقتضيات الدستورية التي لم يسبق للمجلس الدستوري أن طبقها"(9)، وتعاد المراقبة ولنفس الشروط عند إحالتها إما على محكمة النقض أو على مجلس الدولة(إذا تعلق الأمر بدفع قدم أمام القضاء الإداري)(10) ، أي مراقبة مزدوجة-بالنسبة للنموذج الفرنسي-، أكثر من نظيرتها المغربية التي جعلت الأمر حكرا فقط على محكمة النقض ورغم ذلك اعتبرته المحكمة الدستورية مخالفا للدستور معللة ذلك بقولها:" ومن جهة أخرى، فإن تقدير الجدية الموكول للهيئة المحدثة بمحكمة النقض، يحول الهيئة المذكورة إلى مراقب سلبي للدستورية، بالنظر لصعوبة تحديد العناصر المشكلة للجدية، وارتباط تقديرها بالموضوع، وليس بالشكل".
إن عبارة مراقب سلبي للدستورية ليست من بنات أفكار المحكمة الدستورية، وإنما استلهمتها من الفقه الدستوري الفرنسي(Francis Hamon,Michel troper)، وهو ما يظهر لنا بجلاء شدة تأثرها بما واكب تنزيل الإصلاح الدستوري الفرنسي لسنة 2008، وهو نفس التخوف الذي سبق وأبداه بعض النواب البرلمانيون أثناء عرض المشروع أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان(11).
 
ورغم التخوفات التي بددها عمل المجلس الدستوري الفرنسي بعد ذلك من خلال قراراته المتواترة بهذا الخصوص، والتي يبدو أن المحكمة الدستورية المغربية لازالت تطغى عليها نقاشات الوسط الفرنسي ما قبل بداية العمل بالرقابة البعدية، خاصة وأن عمل المجلس بعد ذلك تمكن وفي ظرف وجيز في إرساء العديد من القواعد والأسس التي مكنت من تيسير الإجراءات وسهولة تعامل المحاكم مع هاته الدفوع، غير أنه يمكن إبداء نوع من المقارنة بين ما هو واقع في فرنسا وما حاولت تكريسه محكمة النقض المغربية لتبين المفارقات وتبديد الهواجس:
اعتماد النظام الفرنسي على نظام مزدوج للتصفية، شأنه في ذلك شأن نظيره المغربي، مع اختلافات في طبيعة الشروط، إذ أن ما اعتبرته المحكمة الدستورية المغربية مخالف للدستور ، يجري العمل به في فرنسا بنفس الصيغة ولم يعتبره المجلس الدستوري فيها مخالفا للدستور الفرنسي رغم أن المادة 61 من هذا الأخير كما ثم تعديلها سنة 2008 شبيهة بنص المادة 133 من الدستور المغربي، والأدهى من ذلك أن المشرع الفرنسي منح المحاكم العادية الحق في التأكد من تحقق شرط تغير الأسس(إذا تعلق الأمر بقانون سبق البث فيه)، وكذا التأكد من جدية الدفع، واقتصار النموذج المغربي فيما يخص الشرط الأخير على محكمة النقض فقط، ورغم ذلك رفضت المحكمة الدستورية الشرطين معا بدعوى أنها تجعل من محاكم التنظيم القضائي للملكة محاكم دستورية(رغم أن نص الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية واضح في منعها من ذلك)، ونيلا من اختصاص أصيل للمحكمة الدستورية، أي أن هذين الشرطين مخالفين للدستور، والتأكد من تحققهما يلزم أن يكون من صميم عمل المحكمة الدستورية.
إن المسوغات التي سقناها أعلاه تجعلنا نتساءل:
هل تحاول فعلا المحكمة الدستورية تجنب مطبات النموذج الفرنسي وتلافي سلبياته؟، أم أنها تحاول خلق نموذج مغربي بعيدا عن نظيره الفرنسي رغم شبه التطابق التشريعي بين مشروع القانون التنظيمي المطروح بالمغرب ونظيره الفرنسي المعمول به منذ 2010؟، أم أن تخوف المحكمة الدستورية مبالغ فيه إلى درجة محاولتها استدراج الدفوع إلى اختصاصها شكلا وموضوعا كما جاء في أحد تعليلاتها، رغم أن الشكل (من زاوية شرطي تغير الأسس وجدية الدفع)لا ضير في أن يخضع لرقابة المحاكم، ومن شأنه تخفيف تدفق الدفوع أمام المحكمة الدستورية، خاصة وأن عددا هائلا من النصوص التشريعية الصادرة قبل صدور دستور 2011، بل ومنها من صدر قبل قرن من الزمن، وهو ما يجعلنا نفترض توفر/توافر عدد كبير من النصوص التشريعية المخالفة للدستور على الأقل على المستوى النظري، على عكس النموذج الفرنسي إذ أن أغلب نصوصه التشريعية صدرت بعد دستور 4 أكتوبر 1958 ، كما أن العديد منها خضعت لرقابة قبلية من طرف المجلس الدستوري نظرا لقوة تفعيل الجهات المنوط بها الإحالة عليه لدورها في ذلك على النقيض تماما من النموذج المغربي؟، أم أن الأمر يتعلق بتخوف مسبق من سوء فهم شروط تطبيق القانون التنظيمي من طرف المحاكم في ظل حداثة هاته الآلية، وغياب مرجعية في الفقه أو القضاء أو القانون الدستوري في هذا السياق(وهو أمر ننزه منه محاكم المملكة في ظل كفاءة قضاتها وقدرتهم على ضبط وتطويع النصوص القانونية مستجدها وقديمها)؟، أم أن المحكمة الدستورية تحاول من خلال قرارها هذا فرض الأمر الواقع على المشرع وجعله ينصاع لتوجهها نحو فرض رقابتها شكلا وموضوعا على الدفوع المتعلقة بعدم الدستورية، إذ تكفي قراءة بسيطة للقرار أعلاه للخروج بخلاصة صغيرة مفادها أن ما حاولت المحكمة الدستورية إيصاله للمشرع هو اكتفاءه بمنح محاكم التنظيم القضائي سلطة شكلية وفقط على الدفوع من زاوية مراقبة بعض الشكليات كتوقيع المذكرة وتعليلها وأداء الرسم القضائي، وتذكير مخالفيها بإصلاح المسطرة في حالة وجود مخالفة شكلية كهاته(وهو الأمر الشبيه بذلك المنصوص عليه بالفصل 1 من قانون المسطرة المدنية)، وترك ما تبقى من رقابة شكلية حقيقة(بقوة القرار أعلاه) وموضوعية بحكم الدستور للمحكمة الدستورية.
 
 
 
 
لائحة المراجع المعتمدة بالمقال:
[1] - LOI organique n° 2009-1523 du 10 décembre 2009 relative à l’application de l’article 61-1 de la Constitution.
2 - للاطلاع على التطور التاريخي للدفع بعدم الدستورية بفرسنا يمكن الرجوع ل:
هنري روسيون، المجلس الدستوري، ترجمة محمد وطفة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،الطبعة الأولى 2001،ص 101 وما بعدها.
3- هنالك نظام وسط يقصر التصفية الأولية على محكمة النقض لوحدها وبعد ذلك تحال على القضاء الدستوري.
4 - محمد أتركين، محمد أتركين، دعوى الدفع بعدم الدستورية في التجربة الفرنسية – الإطار القانوني والممارسة القضائية-، سلسلة الدراسات الدستورية 2، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2013، ص120.
5 - Entrée en vigueur le 1er mars 2010, la question prioritaire de constitutionnalité ou QPC est, en droit français, une procédure de contrôle de constitutionnalité sur les lois déjà promulguées (dit « contrôle de constitutionnalité a posteriori.
Cette question permet, sous certaines conditions, de demander au Conseil constitutionnel de vérifier si une loi ne serait pas inconstitutionnelle en ce qu'elle « porte atteinte aux droits et libertés garantis par la Constitution ».
Elle a été introduite en droit français à l’occasion de la révision constitutionnelle du 23 juillet 2008 qui a créé l'article 61-1 de la Constitution et modifié l'article 62.
- https://fr.wikipedia.org/wiki/Question_prioritaire_de_constitutionnalit%C3%A9
 
6- محمد أتركين، دعوى الدفع بعدم الدستورية في التجربة الفرنسية – الإطار القانوني والممارسة القضائية-،م س، ص 61-62.
7 - قرار المجلس الدستوري الفرنسي عدد 595-2009، أورده محمد أتركين، م س، ص 62.
8- محمد أتركين، م س، هامش رقم 2، ص 62.
9- قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 565/2009( يلزم التنبيه هنا أن تحديد المجلس الدستوري لمعايير الجدية وتغير الظروف تم التطرق له قبل دخول القانون التنظيمي المتعلق بالمسألة الدستورية ذات الأولية حيز التطبيق وذلك بمناسبة نظرها في بعض القوانين المحالة عليها في إطارالرقابة القبلية).
10 - إذا كان المشرع الفرنسي قد بدا منسجما مع تنظيميه القضائي عندما أسند لمجلس الدولة عندما يتعلق الأمر بالدفوع المقدمة أمام القضاء الإداري باعتباره أعلى محكمة إدارية، فإن المشرع المغربي حتى وإن بدا أنه أيضا منسجم مع تنظيمنا القضائي جعل من محكمة النقض تبث بشكل عام في الدفوع المقدمة ولم يسند أي اختصاص في هذا الأمر للغرفة الإدارية بها إذا تعلق الأمر بالدفوع المقدمة أمام المحاكم الإدارية، إلا أنه بهذا الإغفال/ التغافل، يكرس ضعفا في التوجه التشريعي نحو التأسيس لمجلس دولة مستقبلا وأيضا إضعافا من أهمية وقيمة هاته الغرفة.
 11- تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، القراءة الأولى، دورة أبريل ،2017، منشور بالموقع الإلكتروني لمجلس النواب.
الاثنين 2 أبريل 2018




تعليق جديد
Twitter