MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




تطور الاختصاص القضائي لنزاعات الاستهلاك في التشريع المغربي

     

محمد جردوق

خريج ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة



تطور الاختصاص القضائي لنزاعات الاستهلاك في التشريع المغربي

مقدمة

يعد الاختصاص من أهم المسائل التي تجعل التداخل بين التنظيم القضائي وقانون المسطرة المدنية قائما، فهو من جهة يتعلق بتنظيم المحاكم من حيث صلاحيتها للفصل في
القضايا، ومن جهة أخرى يرتبط بالمسطرة التي يتعين الالتزام بها وإن كان ذلك في شكل قواعد ذات طابع عام(1)، ويعرف الاختصاص القضائي بأنه :" صلاحية القاضي لمباشرة الولاية القضائية في نطاق ترابي معين وفي نطاق محدد من القضايا (2)، أو بمعنى آخر السلطة التي خولها القانون لمحكمة ما للفصل في نزاع ما، وتهدف قواعد الاختصاص إلى تحديد نصيب كل جهة من جهات القضاء، ونصيب كل درجة من درجات المحاكم داخل الجهة القضائية الواحدة، ونصيب كل محكمة من محاكم الطبقة الواحدة من المنازعات التي يجوز الفصل فيها (3).

وتعتبر الحماية القضائية للمستهلك (3) من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم قوانين الاستهلاك وتطورها فكلما تضمنت هذه القوانين قواعد الحماية القضائية بأقرب الطرق وبأبسط الإجراءات وبأقل التكاليف إلا وكان القانون متقدما وحمائيا، حيث إن المركز الضعيف للمستهلك في العلاقة التعاقدية يفرض على المشرع توفير قواعد قضائية متميزة عن تلك الواردة في النصوص العامة، والتي أثبتت قصورها في تمكين المستهلك من طرق أبواب العدالة، وعن تحقيق تسوية منصفة للنزاع في مواجهة المهني (4) الطرف القوي في العلاقة التعاقدية، ومن ثم كان لابد من خلق قواعد قضائية وإجراءات مسطرية مرنة تحمل في ثناياها بعدا حمائيا لمصلحة المستهلك وتراعي خصوصيات النزاع الاستهلاكي، وذلك للحد من معيقات ممارسة المستهلكين لحقهم في التقاضي(5).

وقد أحسن صنعا القانون 31.08 (6)القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك صنعا عندما سن بعض القواعد الجديدة التي تخدم مصلحة المستهلك وتراعي ظروفه الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة على مركزه في العلاقة التعاقدية، ونخص بالذكر الاختصاص المحلي والاختصاص النوعي، فبالنسبة للأول، كانت القواعد العامة تنص على صيغة " المدعى عليه" لتحديد المحكمة المختصة محليا، جاء قانون حماية المستهلك لينص على كون الاختصاص يرجع لمحكمة موطن أو إقامة "المستهلك" أو "المقترض" سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، وبالنسبة للثاني (أي الاختصاص النوعي)، قام المشرع بخطوة حسنة تتجلى في تعديل المادة 202 (7)من قانون حماية المستهلك بموجب القانون 78.20 (8)وجعل الاختصاص النوعي يعود للمحكمة الابتدائية.

وتتجلى أهمية هذا الموضوع في ضرورة توفير الأمن القضائي في نزاعات الاستهلاك وإعطاء المستهلك الضمانات اللازمة من أجل اللجوء إلى القضاء كمؤسسة تضمن له حقوقه، ومن أجل تحقيق العدالة التعاقدية بين طرفي العقد الاستهلاكي.

إذن ما هي التطورات التي عرفها الاختصاص القضائي لنزاعات الاستهلاك في التشريع المغربي؟

تتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية أسئلة فرعية، من قبيل :

ــ ما هي المستجدات التي عرفها الاختصاص النوعي في منازعات الاستهلاك ؟
ــ وما هي المستجدات التي عرفها الاختصاص المحلي في منازعات الاستهلاك ؟

للإجابة عن الإشكالية الرئيسية والأسئلة الفرعية سنعتمد التقسيم التالي:

المحور الأول : تطور الاختصاص النوعي لنزاعات الاستهلاك في التشريع المغربي
المحور الثاني : تطور الاختصاص المحلي لنزاعات الاستهلاك في التشريع المغربي
 
المحور الأول : تطور الاختصاص النوعي لنزاعات الاستهلاك في التشريع المغربي

أولا : الاختصاص النوعي لنزاعات الاستهلاك قبل صدور القانون 78.20

الاختصاص النوعي هو الذي يمنح للمحكمة النظر في النزاع استنادا إلى نوعه (9)، أو بمعنى آخر الاختصاص النوعي هو الاختصاص الذي تحدد قواعده اختصاص كل طبقة من طبقات المحاكم داخل الجهة القضائية الواحدة وذلك على أساس نوع الدعوى (10).

إن أهمية الاختصاص النوعي في نزاعات الاستهلاك تنبع أساسا من خصوصية قانون الاستهلاك المغربي الذي يوصف بأنه قانون متعدد الأبعاد، يجمع بين عدة فروع قانونية، منها ما هو مدني، ومنها ما هو إداري، ومنها ما هو زجري (11).

لكن بالرجوع إلى مقتضيات قانون حماية المستهلك المغربي لم ينص صراحة على المحكمة المختصة نوعيا للبت في نزاعات الاستهلاك، وهو ما خلق تضاربا في العمل القضائي، الأمر الذي يؤثر سلبا على الأمن القضائي للمستهلك، لاسيما في النزاعات التي تجمع بين التجار والمستهلكين، ومن أمثلة التطبيقات القضائية التي تدل على هذا اللبس والتضارب الحاصل في وسط القضاء المغربي بشأن الاختصاص النوعي في العمل المختلط، نجد قرارا لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء (12) ذهبت فيه إلى
:" وحيث إنه من جهة وبالرجوع إلى الفصل 111 من قانون 31.08 فإنه يتحدث عن الاختصاص المكاني للمحكمة المختصة بالبت في دعاوى المطالبة بالأداء ولم تشر إلى المحكمة صاحبة الاختصاص النوعي....
وحيث إنه وبحسب الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية بأنه يمكن الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشأ بينهما من نزاع بسبب أعمال التاجر.
وحيث إنه من المقرر فقها وقضاء أن عملية البنك بمنح القروض والتسهيلات تعتبر عملا تجاريا حتى بالنسبة للمقترض أو المستفيد من هذه التسهيلات مهما كانت صفة المقترض أو الغرض الذي خصص له القرض، وأنه ما دام الطاعن يقطن بمدينة سطات التي تقع في دائرة نفوذ المحكمة التجارية بالبيضاء فإن هذا الأخير تبقى هي المختصة نوعيا ومكانيا للبت في النزاع.
وحيث إنه تبعا لذلك يكون الحكم المستأنف قد صادف الصواب فيما قضى به، مما يتعين معه رد الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وبإرجاع الملف للمحكمة التجارية بالدار البيضاء للاختصاص بدون صائر".


وفي هذا الخصوص يرى أحد الباحثين (13) أن المحكمة هنا قد حادت عن الصواب ولم تراع الغاية والأهداف والفلسفة الحمائية التي جاء بها القانون رقم 31.08، على اعتبار أن مقتضيات المادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية لا جدوى من تطبيقها على القضايا الاستهلاكية كما هو الحال في هذه النازلة، وذلك للاعتبارات التالية:

أولا: انسجاما مع الأهداف التي توخاها المشرع من وضع قواعد خاصة بالاختصاص المحلي وجعلها من النظام العام، بهدف تقريب القضاء من المستهلك وإعادة الاعتبار لحقه في الولوج إلى قضاء قريب ومنصف، فإنه يتعين السير في نفس التوجه فيما يتعلق بالاختصاص النوعي وجعله من اختصاص المحاكم الابتدائية، وذلك بغية توسيع دائرة المحاكم التي يمكنها النظر في منازعات الاستهلاك قصد إعادة التوازن لكي يتلاءم مع مبدأ عدالة القرب التي ينهجها المشرع من أجل رفع الحيف على الطرف الضعيف، ولن يتأتى ذلك إلا بمنح الاختصاص للنظر في منازعات الاستهلاك للمحاكم الأكثر قربا من موطن المستهلك، ألا وهي المحاكم الابتدائية التي تعرف انتشارا مجاليا واسعا.

ثانيا: أن المادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية، أجازت إمكانية الاتفاق بين التاجر وغيره من المتعاقدين معه على جعل الاختصاص النوعي ينعقد للمحكمة التجارية، فيما قد ينشأ بينهما من نزاعات، وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن الأصل في الاختصاص النوعي في منازعات الاستهلاك، باعتبارهما من الأعمال المختلطة لكونها تجمع بين مهني تاجر وطرف مدني مستهلك، يظل من صميم اختصاص المحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك.

ثالثا: إن المحكمة بقولها أن عمليات منح القروض والتسهيلات عملا تجاريا حتى بالنسبة للمقترض أو المستفيد مهما كانت صفته أو الغرض منه، قد تجاهلت مقتضيات المادة 2 من قانون حماية المستهلك التي عرفت المستهلك بكونه شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو ستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي.

هذا التضارب في العمل القضائي دفع المشرع المغربي إلى تعديل المادة 202 من القانون 31.08 وجعل الاختصاص النوعي لنزاعات الاستهلاك ينحصر للمحاكم الابتدائية، وهذا ما سنتحدث عنه في النقطة الموالية.

ثانيا: الاختصاص النوعي لنزاعات الاستهلاك بعد صدور القانون 78.20

تميزت هذه المرحلة بإصدار القانون رقم 78.20 القاضي بتتميم وتغيير المادة 202 من القانون 31.08 والذي حسم الأمر بخصوص الاختصاص القضائي النوعي والذي جعله ينعقد حصرا للمحكمة الابتدائية وهو ما يشكل حماية حقيقية بالنسبة للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية وهو ما يحسب للمشرع المغربي بهذا الخصوص، وهو ما تم تأكيده من خلال حكم صادر عن المحكمة التجارية بفاس (14) ذهبت فيه:
" وحيث نصت المادة الأولى من القانون رقم 78.20 القاضي بتغيير وتتميم المادة 202 من القانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك والمنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 1/12/2020 على أنه :

" في حالة نزاع بين المورد والمستهلك ورغم وجود أي شرط مخالف فإن الاختصاص القضائي النوعي ينعقد حصريا للمحكمة الابتدائية، وتعتبر المحكمة المختصة مكانيا محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير".

وحيث إن القانون المذكور دخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية أي في 21/12/2020 عملا بنص المادة الثانية منه.

وحيث عرفت المادة 2 من قانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك بأن المستهلك هو " كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي"، والمورد هو " كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري"، ولما كان طرفا النزاع ينطبق علبيهما المفهوم المذكور طالما أن المدعي البنك المغربي للتجارة الخارجية يتصرف في إطار نشاطه المهني والتجاري المنظم بمقتضى القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وأن المدعى عليه إنما تعاقد معه من أجل تمويل شراء شقة سكنية معدة لاستعماله الشخصي والعائلي حسب البين من العقد التوثيقي المدلى به والمؤرخ في 11/2/2014 رفقته، فضلا على أن العقد المذكور يعتبر عقدا استهلاكيا منظما بمقتضى القانون المشار إليه، الأمر الذي يجعل النزاع القائم بينهما من اختصاص المحكمة الابتدائية عملا بنص المادة الأولى من القانون رقم 78.20 المذكور أعلاه، ويتعين تبعا لذلك التصريح بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعيا للبت في النزاع".

 
وقد هدف المشرع بإسناد الاختصاص النوعي في المنازعات الاستهلاكية بين المورد والمستهلك حصريا إلى المحكمة الابتدائية في قانون 78.20 حسم الخلاف والتردد في العمل القضائي حول المحكمة المختصة نوعيا في منازعات عقود الاستهلاك، وكذلك لتصحيح الأوضاع المختلة التي كانت تميل لصالح المورد الذي كان بإمكانه أن يقوم بتحديد المحكمة التجارية التي تنظر في النزاعات الاستهلاكية(15).

المحور الثاني: تطور الاختصاص المحلي لنزاعات الاستهلاك في التشريع المغربي

أولا : الاختصاص المحلي في القواعد العامة

يقصد بالاختصاص المحلي أو المكاني هو الذي يعطي للمحكمة صلاحية الفصل في الدعوى بناء على أساس جغرافي تحقيقا لمصالح الخصوص ولتقريب القضاء من المتقاضين (16).

وبالرجوع إلى القواعد المنظمة للاختصاص المحلي سواء في قانون المسطرة المدنية ، أو قانون قضاء القرب (17)، أو قانون إحداث المحاكم التجارية (18)، أو قانون إحداث  المحاكم الإدارية (19). نجدها تقر مبدأ واحد وهو أن الاختصاص المحلي ينعقد للمحاكم التي توجد بدائرة نفوذها موطن المدعى عليه الحقيقي أو المختار، أو محل إقامته عند انعدام موطن لديه(20).

وهكذا يقضي الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية بأنه :" يكون الاختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي أو المحتار للمدعى عليه.

إذا لم يكن لهذا الأخير موطن في المغرب ولكن يتوفر على محل إقامة كان الاختصاص لمحكمة هذا المحل.

إذا لم يكن للمدعى عليه لا موطن ولا محل إقامة بالمغرب فيمكن تقديم الدعوى ضده أمام محكمة موطن أو إقامة المدعي أو واحد منهم عند تعددهم.

إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد منهم ".

وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض في قرار (21)لها بأنه :" لكن لما كان الاختصاص المكاني غير مرتبط بالنظام العام باعتبار أن قواعده شرعت لمصالح الأطراف الذين من حقهم الاتفاق على ما يخالفها وهو ما أقرته المادة 12 من مدونة المحاكم التجارية لذلك كانت المحكمة على صواب لما استبعدت الدفع واعتمدت الفصل 20 من عقد القرض الذي يعطي الاختصاص لمحاكم البيضاء عند وقوع نزاع بين طرفيه واعتبرت عن صواب أن الاتفاق هو الشريعة الملزمة للطرفين الأمر الذي ينتج عنه أن ما عللت به قرارها هو تعليل سليم ومطابق للقانون".


وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي أورد عدة استثناءات على اختصاص محكمة موطن المدعى عليه في الفصول من 28 إلى 30 من قانون المسطرة المدنية .

وبصدور القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك فقد سن المشرع نظاما جديدا للاختصاص المحلي، وهذا ما سنتطرق إليه في النقطة الموالية.

ثانيا: الاختصاص المحلي في ضوء قانون حماية المستهلك

تنص الفقرة الثانية من المادة 202 على أنه :" تعتبر المحكمة المختصة مكانيا، (في حال نزاع بين المورد والمستهلك) محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير"، إلا أن قانون 31.08 سلك طريقا آخر بهدف تحقيق الحماية المطلوبة للطرف الضعيف من خلال النص على نظام جديد للاختصاص المحلي في دعاوى الاستهلاك وهو ما يتبين من خلال المادة 111 من القانون 31.08 التي تنص على أنه :" يجب أن تقام دعاوى المطالبة بالأداء أمام المحكمة التابع لها موطن أو محل إقامة المقترض خلال السنتين المواليتين للحدث الذي أدى إقامتها، تحت طائلة سقوط حق المطالبة بفوائد التأخير ..."، فيتضح من خلال هذين النصين أنه تم استبدال صيغة المدعى عليه بصيغة المستهلك أو المقترض سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، كما أن المادة 202 جاءت بصيغة عامة قابلة للتطبيق على مختلف النزاعات الاستهلاكية، سواء كانت ذات طابع مدني أو مختلط أو ذات بعد إداري زجري، لذلك أصبح الاختصاص المحلي في المنازعات الاستهلاكية يكتسي صبغة النظام العام بحيث لا يمكن الاتفاق على مخالفته.

كما يمكن للأطراف التمسك بالدفع بعدم الاختصاص المحلي ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، ويتعين على المحكمة إثارته تلقائيا ولو لم يطلبه الأطراف كما على النيابة العامة أيا كان تدخلها سواء إلزامي أو اختياري إبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلي.

وعليه فالخيارات الذي أصبح يتمتع بها المستهلك في مجال الاختصاص المحلي تأخذ الشكل التالي:

ــ إما اللجوء إلى محكمة موطن المستهلك.
ــ وإما محكمة إقامة المستهلك.
ــ أو محكمة المحل الذي وقع فيه المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير.

وتجدر الإشارة لكون موطن المستهلك قد يكون حقيقيا يقيم فيه المستهلك أو يتواجد فيه بصفة دائمة سواء تعلق الأمر بالسكن أو بالعمل بحيث يمكن توجيه الخطاب إلى المستهلك في هذا المكان وقد يكون موطنا مختارا، ويعني المكان الذي يختاره الشخص لمباشرة تصرف قانوني معين، كإبرام عقد من العقود أو القيام بعمل معين كالتقاضي مثلا، غير أنه بمجرد أن ينتهي هذا التصرف أو العمل يزول معه الموطن المختار، أما محل الإقامة فهو المكان الذي يتواجد فيه الشخص بصفة عريضة ومؤقتة وعليه فتعدد هذه الخيارات يعد ضمانة قانونية في غاية الأهمية بالنسبة للمستهلك باعتباره الحلقة الأضعف في جل المنازعات الاستهلاكية(22).

ختاما ورغم المجهود التشريعي لتوفير حماية فعالة للمستهلك في الجانب الإجرائي، إلا أنه نرى حان الوقت لإحداث قضاء يختص في النزاعات التي تنشأ بين المستهلكين والموردين، فمن شأن هذه الأقسام أن تضمن حقوق المستهلكين بالشكل المطلوب من خلال البت في القضايا داخل أجل معقول، وتخيف العبء على الأقسام الأخرى، وتخليصها من بعض النزاعات البسيطة، ومن شأن ذلك أيضا أن يساهم في التطبيق الفعلي لمقتضيات قانون حماية المستهلك خاصة مع المستجدات التي تعرفها القضايا الاستهلاكية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، فبعض محاكم المملكة لا زالت تخضع هذا النوع من النزاعات للقواعد العامة. هذا فضلا عن إقرار نظام المساعدة القضائية والمسطرة الشفوية في قضايا الاستهلاك.
 
لائحة المصادر:
  1. عبد الكريم الطالب، " الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ـ دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2018ـ"، مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء، الطبعة الحادية عشر 2022، ص، 15.
  2. عبد الحميد أخريف، " محاضرات في التنظيم القضائي ـ محينة وفق إصلاحات 2011"، محاضرات ألقيت على طلبة السداسي الثاني، الموسم الجامعي 2011/2012، ص،58.
  3. أحمد السيد صاوي، " شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية"، دار النهضة العربية، طبعة 2010، ص، 387.
  4. المستهلك عرفه المشرع المغربي في الفقرة الأولى من المادة 2 من قانون 31.08 بكونه :" كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي ".
  5. المهني أو ما يصطلح عليه بالمورد حسب قانون حماية المستهلك المغربي، والذي عرفه بأنه :" كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري".
  6. اسماعيل بلفقي، " البعد التنموي لحماية المستهلك ـ الجانب الاقتصادي نموذجا ـ "، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2021/2022، ص، 12.
  7. ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، الجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 7 أبريل 2011، ص 1072.
  8. تنص المادة 202 قبل التعديل بموجب القانون 78.20 على أن :" في حال نزاع بين المورد والمستهلك، ورغم وجود أي شرط مخالف، فإن المحكمة المختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير".
  9. ظهير شريف رقم 1.20.85 صادر في 25 من ربيع الأخر 1442 (11 ديسمبر 2020) بتنفيذ القانون 78.20 بتغيير وتتميم المادة 202، الجريدة الرسمية عدد 6945 بتاريخ 21 ديسمبر 2020، ص  8465.
  10. أحمد السيد صاوي، " شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية"، مرجع سابق، ص، 388.
  11. المهدي العزوزي، " تسوية نزاعات الاستهلاك في ضوء القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك"، مطبعة المعارف الجديدة ـ الرباط، الطبعة الأولى 2013، ص،28.
  12. قرار رقم 2014/2013، بتاريخ 08/01/2013، رقمه بمحكمة الاستئناف التجارية: 5158/2012/13، (غير منشور)
أورده عبد السلام الهوى، " السلطة التقديرية للقاضي في منازعات الاستهلاك على ضوء القانون رقم 31.08 والاجتهاد القضائي"، مطبعة دار السلام الرباط، الطبعة الأولى 2019، ص، 38.
  1. عبد السلام الهوى، " السلطة التقديرية للقاضي في منازعات الاستهلاك على ضوء القانون رقم 31.08 والاجتهاد القضائي"، مطبعة دار السلام الرباط، الطبعة الأولى 2019، ص، 39 و ما بعدها.
  2. حكم المحكمة التجارية بفاس في ملف عدد 1177/8210/20 بتاريخ 19/01/2021 منشور على الموقع www.maroclaw.com تاريخ الاطلاع 23/02/2024، ساعة الاطلاع 23:44 .
  3. اسماعيل بلفقي، " البعد التنموي لحماية المستهلك ـ الجانب الاقتصادي نموذجا ـ "، مرجع سابق، ص، 321.
  4. عبد الكريم الطالب، " الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية"، مرجع سابق، ص 17.
  5. انظر المادة 5 من القانون 42.10.
  6. المادة 10 من قانون إحداث المحاكم التجارية.
  7. المادة 10 من قانون إحداث المحاكم الإدارية.
  8. المهدي العزوزي، " تسوية نزاعات المستهلك"، مرجع سابق، ص 41.
  9. قرار محكمة النقض عدد 632/2 المؤرخ في 28/11/2013 ملف تجاري عدد 654/3/2/2013. أورده عمر أزوكار في :" المسطرة المدنية في ضوء أكثر 3000 من قرار لمحكمة النقض والموضوع"، ص 110.
  10. اسماعيل بلفقي، " البعد التنموي لحماية المستهلك ـ الجانب الاقتصادي نموذجا ـ "، مرجع سابق، ص، 323.
 



الجمعة 23 فبراير 2024

تعليق جديد
Twitter