MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



بنود المسؤولية على ضوء القانون رقم 24_09: تأملات في المادة 106_13 من قانون 24_09

     

المصطفى مروني
طالب باحث بماستر الدراسة الميتودولوجية المطبقة على قانون الالتزام التعاقدي والعقار كلية الحقوق فاس





 
فرش:

خلافا لقواعد المسؤولية التقصيرية التي تعد من النظام العام والتي  لا مجال للاتفاق على عكس ما قرره المشرع بشأنها من أحكام، فإن الوضع ليس كذلك بالنسبة لقواعد المسؤولية العقدية التي هي من حيث الأصل محكومة بسلطان الإرادة، وأن الإرادة الحرة قادرة على تحقيق مصلحتها، وقد يكون من مظان هذه المصلحة إدراج بنود للمسؤولية قد تكون مشددة أو محددة أو معفية منها مطلقا حتى.
إلا أن هذا الأصل ترد عليه مجموعة من الاستثناءات التي حد فيها المشرع من قدرة الإرادة، وهذا التصور الجديد الذي يعتبر انعكاس لواقع جديد أفرزه تطور نمط الانتاج ذي النزعة الاستهلاكية  أو المجتمع الاستهلاكي  والذي لا يمكن اعتباره الا تعبير جديد عن جملة من الافكار القديمة المتمثلة في فكر الارادية القانونية كما ظهرت  مع الفيلسوف الالماني عمانويل كانط
[1]_هذه النزعة الاستهلاكية والتي  أعادت تقسيم المجتمع إلى طبقات، مهنيين ومستهلكين، يجب توفير الحماية لهم وهو ما جعل التشريعات في جل دول العالم تصدر ترسانة قانونية في مجال حماية المستهلك.
وهو ما سار عليه المشرع المغربي بإصداره جملة من القوانين من بينها قانون 08.31 والقانون رقم 24.09 المتعلق بالمسؤولية عن المنتجات المعيبة، والذي اعتبر مكملا للتشريعات المتعلقة بحماية المستهلك. هذه الحماية تتبدى في جملة من الصور  أحد مظانها ما صرحت به المادة 106ـ13 من قانون 09ـ24 والتي بمقتضاها "يبطل كل الشروط المحددة أو الملغية أو المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط الإعفاء منها".
ومن هذا المنطلق فإن التصور الذي تم تكريسه والنابع من المرجعية الإرادية الذي يعتبر بأن العقد شريعة المتعاقدين تراجع القهقري نتيجة تدخل المشرع بقواعد آمرة تضيق من حرية الأطراف،وما هذا الفصل إلا تعبير عن هذا التصور.
فمن خلال هذا المقال سأحاول  الإجابة على جملة من الإشكالات ترتبط ببنود المسؤولية والمتمثلة في الآتي:

  • ما هو التكييف الذي يمكننا أن نصف به  هذه البنود التي سطرتها المادة 106-13؟ خصوصا وأن المادة لم تعطي وصفا صريحا لهذه البنود,
  • هل تستطيع نظرية البنود التعسفية تكريس الحماية المرجوة للطرف الضعيف، خصوصا إذا كان المتضرر غير مستهلك؟ على اعتبار أن المخاطب بهذا القانون هو المضرور، خلافا لقانون 08.31 الذي يخاطب المستهلك وحده؟ ما هو الجزاء الذي رتبه المشرع على تضمين العقد هذه البنود؟
المحور الاول التكييف القانوني لبنود المسؤولية على ضوء القانون رقم 24_09

الغالب في بنود المسؤولية أن تكون مقلصة أو محددة بل وقد تصل إلى درجة الإعفاء من المسؤولية. كما يمكن أن تكون مشددة لمسؤولية المهني، إلا أن هذه الفرضية من الندرة بمكان لاعتبارات شتى منها ما عبر عنه الفقيه "جروس Gross" بقوله أن "اعتقاد المتعاقدين بأن الضمان القانوني هو أقصى ما يمكن توفيره للطرف الدائن"
[2].
واعتبار آخر هو كيف يمكن للمستهلك أن يفرض مثل هذه البنود عندما يكون في مواجهة طرف مهني له نفوذه الاقتصادي والاجتماعي، لذلك فالواقع العملي يشهد بأن الفرضية الأولى، والتي تتمثل في أن المهني هو الذي غالبا ما يتدخل ليفرض بنودا على المستهلك، وهو ما جعل المشرع يتدخل بنصوص آمرة في غالب الأحيان مقيدا من حرية الأطراف ما دام أن هذا التقييد يخدم مصلحة الطرف الضعيف.
ويعتبر الفصل 106-13 أحد تجليات هذا التدخل، فقد نص المشرع، " تطبيقا لأحكام هذا الباب، تعتبر باطلة المحددة أو الملغية أو المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط الإعفاء منها". من خلال هذا الفصل منع المشرع كل البنود التي تمس الطرف الضعيف، أو بتعبير المادة الضحية.
فهل يمكننا اعتبار هذه البنود تعسفية إذا ما تم إدراجها في العقد؟ أم أن التكييف المعطى لها هو وصف البنود الغير مشروعة Les clauses illégales، على اعتبار أن نظرية البنود التعسفية قاصرة على توفير الحماية.

أولا: قصور نظرية الشروط التعسفية على تكريس الحماية للطرف الضعيف في الفرضية التي يكون فيها المتضرر غير مستهلك

عرف قانون 08.31 الشرط التعسفي في المادة 15 التي جاء فيها " يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك".
فالشرط التعسفي حسب مدلول هذه المادة هو كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه، على حساب المستهلك، عدم توازن مهم بين حقوق وواجبات طرفي العقد، وعلى اعتبار أن الشرط تعسفي فإن المادة 19 جاءت بجزاء البطلان حيث اعتبرت أن الشرط التعسفي الوارد في العقد والمبرم بين المورد والمستهلك باطلا ولاغيا، فأين تتجلى مظاهر القصور في نظرية البنود التعسفية؟
إن مظاهر القصور هو ما جاءت به المادة 17 من قانون 08.31 والتي أفرغت مفهوم الشرط التعسفي من محتواه، حيث بعد أن عرفه المشرع في المادة 15 بأنه كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه على حساب المستهلك، عدم توازن مهم بين حقوق وواجبات طرفي العقد، عاد في المادة 17 ليضيق من مجاله بشكل عام لكي لا يشمل تقدير الطابع التعسفي لشرط من الشروط تحديد المحل الأساسي في العقد ولا ملاءمة السعر للسلعة المبيعة أو الأجرة للخدمة ما دامت الشروط محررة بصورة واضحة ومفهومة.
ومن مظاهر قصور الشروط التعسفية على توفير الحماية المرجوة منها هو أن الطرف المهني في حالة وقوع نزاع أتاحه القانون إمكانية دفع هذه البنود إذ خولت له المادة 18 في الفقرة الأخيرة إمكانية الإدلاء بما يثبت الطابع الغير التعسفي للشرط موضوع النزاع وهو أخطر شيء، ذلك أن الطرف المستهلك عندما يكون في...

ثانيا: إلى أي حد تستطيع نظرية البنود غير المشروعة توفير الحماية للأشخاص المخاطبين بها

إذا أثيرت مسؤولية المنتج فإنها تلغي كل الشروط التي من شأنها أن تنقص من حق الضحية سواء كانت هذه البنود ناتجة عن استعمال النفوذ الاقتصادي أو الاجتماعي.
فإذا كان الأصل هو صحة العقود المعدلة لأحكام المسؤولية في النطاق التعاقدي لأنها وكأصل عام غير مرتبطة بفكرة النظام العام. إلا أن هذه البنود ما دامت تمس حقوق الضحية فإنه لا مجال لإعمالها بل قد يرتب عليها المشرع جزاء البطلان كما فعل في القانون 24.09 والذي نص من خلال مادته 106-13 تطبيقا لأحكام هذا الباب تعتبر باطلة كل الشروط المحددة أو الملغية أو المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط الإعفاء منها"، فالمشرع من خلال هذه المادة كرس حماية أكبر من الحماية التي ضمنها قانون 08.31 ذلك أن المشرع وسع من مسؤولية الأشخاص حيث استعمل المنتج وليس المورد، ومن مظاهر الحماية كذلك أن هذا القانون المخاطب به هو أيها الناس، وليس المستهلك وحده، وأهم مظهر الحماية هو إعطاء هذه البنود الواردة في المادة تسمية البنود الغير المشروعة على اعتبار أنها توفر حماية أكبر من الحماية التي تعطيها الشروط التعسفية، فالشرط غير المشروع يمنع على المعني دفعه أو مناقشته في المسؤولية هي مفترضة وما يقابل هذه المادة في القانون الفرنسي هي المادة 1386-15 مدني فرنسي والتي أضافت فقرة ثانية استثنت من خلالها المدنيين، إذ جعل من هذه المسؤولية مسؤولية مفترضة في جانب المنتج.
إن ما يمكن قوله على هذه المادة هو أن هذا التصور تم تكريسه فقهيا قبل صدور قانون 04-29 وإن كان هذا الاتجاه الفقهي أقر بنود الإعفاء أو التقليص من المسؤولية تأثرا منه بالتصور الذي يرى أن الإرادة الحرة قادرة على تحقيق مصلحتها إلا أنه ربط هذه الاتفاقات بشرطين.
أولا: أن يكون الدائن تام لمضمون الشرط، وإذا كان الدائن قد تعاقد على مسؤوليته الخاصة، فإنه يتعين على الطرف المدين أن لا يكون عالما بالمخاطر التي جعلت الدائن يتعاقد على حسابه الخاص من غير ضمان، لأن علم المدين بالسبب الموجب للضمان والمسؤولية يعد من قبيل سوء النية المسبقة التي توازي الغش والتدليس.
ثانيا: أن لا يكون في الشروط المعفية من المسؤولية والضمان مساس بالصحة العامة للمواطنين، وهكذا فإن الشروط التي يتحلل بمقتضاها المشغل من المسؤولية أثناء مزاولة العمال للشغل يكون هو البطلان، ونفس هذا الحكم هو الذي ينطبق على شروط عدم الضمان التي يدرجها منتج أو مانع المواد الاستهلاكية أو الاستشفائية حتى ولو تم إدراج هذه الشروط عن حسن النية
[3].
ذلك أن هذا الاتجاه الفقهي هو ما تبناه التشريع سواء منه المقارن أو الوطني، وهو ما عبرت عنه المادة 106-13 التي صرحت ببطلان كل الشروط المحددة أو الملغية أو المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط الإعفاء منها.
إن ما يمكن ملاحظته على هذه المادة من خلال مقارنتها مع النص الفرنسي الذي نقلت منه المادة 106-13 إلا أن ما يسترعي الانتباه هو أن المشرع المغربي اقتصر على نقل الفقرة الأولى من المادة 1386-15 مدني فرنسي
[4]. دون الفقرة الثانية، والتي يمكن ترجمتها: "البنود المشترطة بالنسبة للأضرار التي تلحق الأصول والتي لم تستخدمها الضحية الرئيسي لاستعمالها أو استهلاكها الخاص بين المهنيين تعتبر صحيحة" وذلك بعدما قررت الفقرة الأولى من هذا النص على اعتبار أن البنود التي تستهدف إلى استبعاد المسؤولية عن فعل المنتوجات المشوبة بعيب أو تحديدها تعتبر غير مشروعة وكأن لم تكن.
فالمشرع المغربي حسنا فعل باقتصاره على نقل الفقرة الأولى من المادة 1386-15 مدني فرنسي، إذ وسع من نطاق الحماية وجعل من البنود المحددة للمسؤولية باطلة سواء كانت بين مهنيين و مستهلكين، وهذا التصور له مبرراته القانونية والواقعية، إذ من باب العبث أن تتم التسوية بين المهنيين، وهذا التصور يتماشى والنظرية اللبرالية التي لا يمكن ان نتصور في ظله مهنيين على منزلة واحدة، فليس من باب العدالة أن يترك مهني يمكن وصفه بالطرف الضعيف في واجهة مهني آخر يكون له نفوذ اقتصادي واجتماعي.
إن هذا الفهم للنص 106-13 هو الذي يمكن من تكريس الحماية المرجوة من هذا القانون، وهو فهم يتماشى وحرفية النص الذي جاء بحماية أكبر والشاهد على ذلك هو استعماله عبارة ..."تجاه الضحية...." التي جاءت مطلقة غير مقيد بغض النظر عن الشخص مهني كان أو مجرد مستهلك مادي، فنزولا عند هذا الفهم فأي بنود تحدد او تقلص أو تلغي من مسؤولية المورد تعتبر غير مشروعة غير أن المفهوم المعاكس للمادة 106-13 يسمح لنا بالقول أن البنود التي م شأنها أن توسع من مسؤولية المهني تعتبر غير مشروعة ما دامت ستزيد من تكريس حماية الطرف الضعيف، إلا أنه في حالة تضمين هذه البنود في العقد بقي لنا أن نتساءل عن طبيعة الجزاء الذي رتبه المشرع؟ وهو ما سنجعل منه عنوانا للمحور الثاني.
 
المحور الثاني  الجزاء الذي رتبه المشرع في فرضية تضمين هذه البنود في العقد

 إن شخص الإنسان كما يقول الفقيه مازو يعتبر مقدسا وغير قابل للتصرف فيه وكل اتفاق بشأن الأضرار التي تصيب جسم الإنسان إلا ويكون عديم الفائدة والجدوى، وقد أكد الفقيه "سافتيه" هذا القول في مؤله حول المسؤولية المدنية:
« La personne humaine est intangible et indispensable hors du commerce juridique est qu’aucune convention n’est possible sur le dommage qui peut l’attendre »
[5].
إن هذا الاعتبار هو الذي جعل المشرع يقر جزاء البطلان في حالة تضمين تلك البنود التي من شأنها أن تحدد أو تقلص أو تعفي المورد من أي مسؤولية، وأساس هذا البطلان هو مخالفة القواعد القانونية، فالمهني لا يسوغ له أن يخالف أحكام القانون، وبناء عليه فكل تضمين لأي بند من شأنه أن يمس بحق مكتسب للمستهلك أو للطرف الضعيف
[6] يعتبر في مدلول المادة 106-13 بندا غير مشروع يترتب عليه البطلان، فإذا كان هذا البطلان لا يطال إلا البنود غير المشروعة (أولا) فكيف يتم تقرير هذا البطلان؟ (ثانيا).

أولا: بطلان شروط تحديد مسؤولية أو الإعفاء من مسؤولية المنتج أو المستورد

إن البطلان الذي رتبه المشرع والذي يطال البنود الغير مشروعة (Les clauses illicites)  في المادة 106-13، جاء من منطلق اعتبارات مرتبطة بالحجة التقليدية الخاصة بقدسية حياة الإنسان وسلامته البدنية وعدم جواز الاتفاقات عليها، بالإضافة إلى حجة ذات طابع اجتماعي مؤداها أن الضرر الذي يصيب الأشخاص ممقوت ويجب في جميع الأحوال تعويضه إرضاء للشعور العام الذي لا يقبل التسامح في مثل هذه الأضرار، أو إقرار الاتفاقات التي تحد من المسؤولية عنها
[7].
ذلك أن كل منتج أو بائع مهني تكون مسؤوليته مسؤولية مفترضة، وعلى هذا الأساس يقع عليه التزام إصلاح النتائج الضارة التي تتسبب فيها منتجاته الضارة بالرغم من كل شرط أو قيد مسبق يستبعد مقدما ضمان العيوب الدفينة أو يحدد أو يعفي من المسؤولية التي تنهض بسبب هذه المنتوجات المعيبة فالمنتج أصبح طبقا لهذا المبدأ القانوني الذي أتت به المادة 106-13 مسؤولا عن التعويض الكامل عن كافة الأضرار التي تسببها المنتجات المعيبة بالرغم من كل شرط سابق يحدد مسؤوليته أو يعفيه منها، وفي هذا الصدد قال هنري مازو " ليس بإمكان المتعاقد أن يعفي نفسه من المسؤولية التي يكون قابلا لتحملها عن الضرر الجسماني الذي يسببه للغير لأن حياة الإنسان وصحته لا يمكن أن تكون موضوع اتفاق
[8]. فالبطلان يطال البنود الغير مشروعة مع الإبقاء على القد والبطلان في هذه الحالة مقررة بنص خاص هو المادة 106-13 فذلك من منطلق اعتبارات مرتبطة بالمصلحة العامة وتكريسا لقداسة الإنسان الذي لا يمكن أن يكون محلا لاتفاق خاص.
وبوقوفنا على القضاء الفرنسي الذي عمل على ابتداع "قرينة علم المنتج بالعيوب" قبل صدور قانون المسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة
[9] إذا بابتداعه هذه القاعدة كان قد خلق تصورا جديدا جاء كنتيجة منطقية لقاعدة تشبيه المنتج بالبائع السيئ النية مفادها: إن المنتج ليس بإمكانه أن يستحضر شروط تحديد المسؤولية أو الإعفاء منها في ميدان ضمان العيوب الخفية أو المسؤولية العقدية بوجه عام، ذلك لأن المنتج بحكم مهنته أو تخصصه يشبه البائع الذي يعلم بالعيب الخفي، ولهذا السبب فهو (المنتج) لا يكون في المركز الذي يجيز له حكم المادة 1643 مدني صلاحية اشتراط عدم الضمان وإنما مركزه يشبه البائع سيئ النية الذي يحرم من استحضار هذه الشروط[10]، وعلى هذا الأساس فن ضمان المنتجين والباعة الصناع والباعة المهنيين أصبح من النظام العام بالرغم من أن أحكام المادة 1643[11] مدني فرنسي لا توجد فيها أي إشارة إلى التمييز بين الباعة المهنيين والباعة العاديين، وذبك مرده إلى الاجتهاد القضائي الذي له الجرأة الكافية لتطويع أحكام القانون وما يتماشى ودينامية الواقع الخاضع لمنطق الحركة.

ثانيا: تقرير البطلان

إن تقرير البطلان حتى يتبدى لنا بشكل جلي لا بد لنا من الوقوف على الأشخاص الذين يحق لهم رفع دعوى البطلان؟ وكيف يقرر هذا البطلان؟

  • رفع دعوى البطلان
 
إن ما يسترعي الانتباه هو أن المشرع المغربي لم يحدد من الأشخاص الذين يحق لهم رفع دعوى البطلان في القانون 09.24 مثله في ذلك مثل القسم الخاص ببطلان الالتزامات، إلا أنه بالرجوع إلى المبادئ العامة القانونية والموضوعية والمسطرية وتلك المستقرة فقها وقضاء تسمح بالقول بأن لكل ذي مصلحة أن يتقدم بدعوى البطلان[12] على شرط أن تؤسس هذه المصلحة على حق يقره القانون، ونزولا عند إملاء المادة 106-13 نجده وسعت من نطاق الحماية وجعلت لكل متضرر الحق في رفع هذه الدعوى، فالمضرور باعتبار له مصلحة تتأثر، حق له رفع هذه الدعوى المصلحة كما حددها المرحوم السنهوري: "هي كل حق يؤثر فيه صحة العقد أو بطلانه لذلك لا تكفي مجرد المصلحة دون قيام هذا الحق"[13].
ويعتبر ذو مصلحة في إثارة بطلان البنود الغير المشروعة الطرف المتضرر من هذه البنود لتأثر حقه بشكل نباشر كما يعتبر ذو مصلحة في إثارة البطلان الخلف العام والخلف الخاص.
كما يخول حق إثارة البطلان للغير المتضرر من هذه البنود وهو حسب تعبير المادة 106-13 المضرور الذي يمكن أن يكون غيرا عن العلاقة العقدية إلا أن له مصلحة تتأثر.
بل إن من حق المحكمة أن تقضي ببطلان هذه البنود من تلقاء نفسها وذلك مرده للطابع الآمر الذي جاءت به المادة 106-13 التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالنظام العام، والمحكمة تثير البطلان حتى في الحالة التي يريد فيها الأطراف الإبقاء على هذه البنود، فالقاضي لا يمكنه أن يبت فيما يعتبره القانون معدوما.
والسبب في توسيع دائرة الأشخاص الذي يحق لهم التمسك بالبطلان مرد إلى طبيعة هذه الدعوى التي الغاية منها حماية المصلحة العامة وتكريس بعدا أخلاقي للقانون.


  • كيفية تقرير البطلان
 
حتى في الحالة التي يصرح بها القانون بالبطلان كما هو الحال في المادة 106-13 والتي صرحت ببطلان ما كيفناه بالبنود اللامشروعة، فلا بد من الناحية العملية من تدخل القضاء لتقرير هذا البطلان، ولو أن هذه البنود من الناجية القانونية تعتبر عدم. والعدم لا يحتاج لحكم قضائي لتقرير انعدامه، إلا أن تدخل القضاء يقتضيه احتمال تنفيذ تلك البنود الباطلة من طرف المتعاقدين، والقضاء يكون له دور كاشف ليس إلا.
ما دام هذا البطلان من النظام العام فإن القضاء لا يملك أي سلطة تقديرية ما دام أن حالة البطلان متوفرة، كما أن القاضي لا يملك سلطة تقديرية في تعويض الإبطال بأي جزاء آخر كالتعويض النقدي.
و البطلان يعدم أي آثر قانوني للبنود ابتداء من تاريخ العقود وليس من تاريخ الحكم القضائي المقرر للبطلان على اعتبار أن الحكم ما هو إلا كاشف لإرادة المشرع التي ترتب بطلان البنود اللامشروعة في العقد.
 
خاتمة:

إن بنود المسؤولية والتي صرحت المادة 106-13 ببطلانها، لن تتبدى أهميتها إلا من خلال الأجرأة الفعلية لهذا القانون وعلى اعتبار أن هذه الأجرأة لا يمكن تصورها
إلا في ضوء العمل القضائي الذي سيكون له الدور الحاسم من خلال تكييفه لهذه البنود، هذا التكييف الذي به قد تتوفر الحماية إذا كان للقضاء الجرأة على توصيف هذه البنود بغير المشروعة نظرا لقصور نظرية البنود التعسفية على توفير الحماية اللازمة وذلك مرده لاعتبارات قد بسطنا الحديث عنها في هذه المداخلة.
 



الهوامش

[1] الارادية القانونية أو ما يعبر عنه في لغة الاقتصاد بالليبرالية وفي لغة الفلسفة بالرأسمالية
 
[2]  Gross "la notion de garantie dans le droit des contrats " Paris 1964.
[3]  مازو وجوكلار: دروس في القانون المدني الفرنسي، الجزء الثاني، بند 636 من الطبعة الخامسة، أورده الدكتور عبد القدر العرقي في كتاب: مصادر الالتزامات، الكتاب الثاني المسؤولية المدنية الطبعة 3.
[4]  ART. 1386-15: « Les clauses qui visent à écarter ou à limiter la responsabilité du fait des produits défectueux sont interdites et réputées non écrites ».
« Toutefois, pour les dommages causés aux biens qui ne sont pas utilisés par la victime principalement pour son usage ou sa consommation privée, les clauses stipulées entre les personnes agissant à titre professionnel sont valables »
[5] الدكتور الوعاري في هامش الصفحة 52.
[6] على اعتبار أنه يمكن تصور مهني طرفا ضعيفا في الفرضية التي يكون فيها مواجها بمهني أقوى منه اقتصاديا واجتماعيا.
[7] Malinvaud, la protection des consommateurs, D. 1981, ch.r P 49.
[8]  الدكتور سالم محمد رديعان العزاوي: مسؤولية المنتج في القوانين المدنية والاتفاقيات الدولية، دار الثقافة، طبعة 2008، ص 148.
[9]  La loi 98-389 du 19 mai 1998, La responsabilité du fait de produits défectueux.
[10] Glustin, La responsabilité du fabricant OP.cit. P 44 n 58. أورده الدكتورسالم محمد رديعان في هامشه، م.س ص 149.
[11] ART 1643, il est tenu des vices cachés quand même il ne les aurait pas connus à moins que, dans ce cas il n’ait stipulé qu’il ne sera obligé à aucune garantie.
[12]  الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.
[13]  محمد الشرقاني القانون المدني: العقد ـ الإرادة المنفردة ـ المسؤولية التقصيرية، الوراقة الوطنية ط 2003، ص 272.



الاثنين 26 غشت 2013

تعليق جديد
Twitter