MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المغارسة صيغة مميزة للتمويل المتوسط في الاقتصاد الموصوف بالإسلامي

     



بقلم الباحث: محسن جبيلو
كلية الحقوق ظهر المهراز- فاس



المغارسة صيغة مميزة للتمويل المتوسط في  الاقتصاد الموصوف بالإسلامي
فرش:

الفقه الإسلامي فلذة نيرة في تاريخنا الحضاري وبحر يحوي في لججه وأعماقه جواهرا وكنوزا لا حصر لها، لكن الغوص في ثنايا هذا البحر وسبر أغواره يحتاج إلى سباح ماهر، سباح له من الأدوات ما يؤهله لخوض رحلة ذات نفس طويل، رحلة تجعل من أولوية أهدافها تحديد الثابت الذي لا يمكن أن يتحرك والمتحرك الذي لا يمكن أن يكون ثابتا . وتلك لعمري أصعب الرحلات.
إن هذا الفقه يختزن بين جوانبه أرقى صور تنظيم الحياة في مختلف جوانبها، بما في ذلك الجانب الاقتصادي، حيث أن الدارس للاقتصاد الموصوف بالإسلامي يقف على هذه الحقيقة.
ومساهمة منا في الكشف عن هذه الحقيقة والتأكيد على صحتها، اخترنا أن نعالج من خلال هذا المقال موضوع المغارسة باعتبارها صيغة من صيغ التمويل المتوسط في الاقتصاد الموصوف بالإسلامي.
والحقيقة التي لا بد أن نشير إليها بداية هي أن لفظة المغارسة لا توجد بعينها في معاجم اللغة العربية، ولكن يوجد الفعل الذي اشتقت منه فهي مفاعلة من الغرس.
جاء في القاموس المحيط:"الشجر يغرسه يثبته في الأرض"
قال القرافي :" لفظ المغارسة : وهي مفاعلة، وأصلها أن تكون لصدور الفعل من اثنين نحو المناظرة، والمدافعة فمقتضاها أن يكون كل واحد منهما يغرس لصاحبه وليس كذلك، بل أحدهما الغارس، فيتعين أن يجاب مما تقدم في المساقاة والمغارسة فيطالع من هناك ." -
واصطلاحا : عرفه ابن رشد (الحفيد)كما يلي :"وهي عند مالك أن يعطي الرجل أرضه لرجل على أن يغرس فيه عددا من الثمار معلوما، فإذا استحق الثمر كان للغارس جزء من الأرض متفق عليه." أي أن المغارسة تكون في الأشجار حيث يقوم العامل بغراسة أرض بيضاء لحساب صاحبها ، حتى إذا أصبح ذلك الشجر منتجا أخذ العامل جزءا من الأرض والشجر كأجرة له على ذلك العمل.
وجاء في القوانين الفقهية : " المغارسة هي أن يدفع الرجل أرضه لمن يغرس فيها شجرا ".
ولم يعرفها ابن عرفة بل ذكر صورها وأنواعها بقوله : "المغارسة جعل وإجارة وذات شركة"
وعرفها الإمام البرزلي في جامع مسائل الأحكام : "اسم المغارسة العام : معاملة على مؤنة الشجر. والخاصة : معاملة على مؤنة الشجر والثمرة والأرض ."
وورد في جامع ابن يونس وغيره ، تعريف المغارسة بأنها هي : "أن يعطيه أرض يغرسها صنفا من الشجر أو أصنافا يسميها له ، فإذا بلغت شبابا سمياه أو حدا يشبه الشرط في انبساطها وارتفاعها كانت الأرض والشجر بينهما على النصف أو الثلث، أو الثلثين أو جزء مسمى "
وعرفها الشيخ عليش بقوله :"المغارسة هي العقد على غرس شجر في أرض بعوض معلوم من غيرها إجارة ، أو جعالة، أو بجزء منهما شركة ."
وفي نظرنا المتواضع نعتقد أن أحسن تعاريف المالكية للمغارسة هو تعريف الشيخ عليش، لأنه تعريف جامع مانع واضح وسليم من الثغرات ، يتجلى ذلك من خلال ما يلي :

أولا : أنه يجعل من المغارسة عقد ، والعقد في تعريف الشيخ يشمل المعرف : أي المغارسة وسائر العقود.
ثانيا : أن عبارة : " على غرس الشجر " الواردة في التعريف خصصت موضوع عقد المغارسة ، حيث بقصد بالشجر فيها الأشجار ذلت الأصول الثابتة كالتين والزيتون والنخل ونحوهما مما يطول مكثه سنين ، كقطن وزعفران - في بعض الأرضيين – لا ما لا يطول مكثه : كزرع وبقل ، فإن المغارسة فيه لا تجوز.
ثالثا : وعبارة "بعوض معلوم " الواردة في التعريف، يحدد الحصة المعلومة في العقد
رابعا : عبارة " من غيرها " تبين أن العوض يمكن أن يكون من غير موضوع المغارسة أي من غير الأرض و الشجر، وهذا يخالف ما نصت عليه المادة 265 من مدونة الحقوق العينية التي ألزمت أن يكون العوض من الأرض والشجر.
خامسا : عبارة "أو جزء شائع منها " يستفاد منها أنه يجوز أن يكون العوض فيها عبارة عن جزء شائع من الأرض والشجر على وجه الشركة.

أما مدونة الحقوق العينية فقد عرفت المغارسة من خلال المادة 265/1 بكونها :"عقد يعطي بموجبه مالك أرضه لآخر ليغرس فيها على نفقته شجرا مقابل حصة معلومة من الأرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ الشجر حد الإطعام "
على أنه ينبغي أن نشير إلى أن المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية نصت على الرجوع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل في المذهب المالكي في ما لم يرد به نص في المدونة بعد ق.ل.ع.م.من حيث التراتبية، فما دامت المغارسة مستمدة من الفقه المالكي فإنه يجب الرجوع في كل التفاصيل التي لم تتعرض لها نصوص المدونة إلى قواعد الفقه المالكي .
وفيما يرجع إلى القوانين المقارنة نجد أن معظم الدول العربية والإسلامية أغفلت تنظيم عقد المغارسة، باستثناء عدد قليل من الأنظمة كالعراق وليبيا والكويت والإمارات والأردن...، لكن هذا لا يعني أن القوانين التي لم تنظم عقد المغارسة لا تعمل بأحكامها في المعاملات الزراعية، بل نجد أن أحكام المغارسة حاضرة في أعراف هذه الدول . والمغارسة من المعاملات الزراعية التي يراد بها غراسه الأرض وإعمارها بأنواع الأشجار المثمرة، تتخذ صورا متعددة لعل أبرزها أن يكون لأحد الناس أراض زراعية لكنه لا يستطيع زراعتها والقيام عليها واستثمارها ويكون عند الآخر القدرة على العمل ولكنه لا يملك الأرض ، فيتفقان على أن يقوم هذا الأخير بغرس الأرض بأشجار معينة على أن يكون له نصيب من الشجر والأرض عند الإطعام.وذلك بشروط اختلف الفقهاء في تحديدها.
ومهما يكن من أمر، فبمقتضى عقد مغارسة، فإن المالك العقاري ( أو وكيله) يقدم قطعة الأرض التي يرغب في غراستها إلى عامل مغارس لمدة معينة تنتهي "مع بداية الإطعام"، أي عندما تظهر الثمرات الأولى. وقد تنتهي قبل ذلك، أي عندما تبلغ الأشجار المغروسة مستوى الشباب. وهو مستوى معروف في الأوساط المهتمة بالزراعة عموما وغراسة الأشجار بوجه خاص. ويستفاد من بعض النوازل التي أفتى فيها ابن رشد أن عملية المغارسة إذا ما حدث أن استوفت مدتها، فإنها تستغرق بين سبع سنوات وعشر سنوات.
والمغارسة بهذه الصيغة جربها المسلمون ردحا طويلا من الزمن ، يتبين ذلك من خلال الثروة الفقهية التي عالجت مختلف النوازل الناتجة عن الإشكالات المترتبة عن التعامل بهذه الصيغة ،نذكر على سبيل المثال لا الحصر مؤلف " النوازل" للشيخ عيسى بن علي الحسيني العلمي ومؤلف " الذخيرة في فروع المالكية" للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي ،و"شرح ميارة الفاسي على تحفة الحكام" للإمام محمد بن أحمد ميارة الفاسي ، ومؤلف "مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء خليل " لأبي عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الرحمان ، ومؤلف " منح الجليل شرح على مختصر سيدي خليل" للشيخ محمد عليش.
لقد تعامل المغاربة بهذه الصيغة لمدة طويلة من الزمن، ساعد على ذلك انتشار المذهب المالكي في المغرب والذي يعتبر من بين المذاهب التي تجيز التعامل بصيغة المغارسة على خلاف معظم المذاهب الأخرى التي حرمت التعامل بها، إلا أن تعرض المغرب للاستعمار وفرض الحماية الفرنسية عليه سنة 1912أثر سلبا على تطبيق الفقه المالكي نتيجة الترسانة التشريعية التي أتى بها المستعمر ضدا على مصالح المغاربة وخدمة لمصالحه الاستعمارية، لذلك نجد مثلا أن ظهير 2 يونيو 1915المتعلق بالحقوق العينية أقصى العديد من العقود التي تنظم الجانب المعاملاتي في الفقه الإسلامي، خاصة المالكي منه. كما أن إصدار ظهير 19 رجب 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كان الهدف منه استئصال مؤسسة القضاء الشرعي التي كانت تفصل في النزاعات استنادا إلى الفقه الإسلامي.
وبعد انتظار دام حوالي قرنا من الزمن، وفي إطار التعديلات التي همت الميدان العقاري في المغرب ألغى المشرع ظهير 2 يونيو 1915 الذي كان ينظم الحقوق العينية واستعاض عنه بالقانون رقم 08.39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتاريخ 25 من ذي الحجة (22 نونبر 2001) الذي حمل بين طياته العديد من المستجدات ،من بينها تنظيم مؤسسة المغارسة من خلال الباب الثاني من الكتاب الثاني المتعلق بأسباب كسب الملكية (المواد من 265 إلى 272 من المدونة) وذلك إلى جانب الهبة والصدقة والشفعة.
وبناء على هذا الفرش ستكون معالجتنا للموضوع من خلال مبحثين اثنين:

المبحث الأول : تكوين عقد المغارسة ومشروعيته:
المبحث الثاني : كيف يمكن أن تكون المغارسة صيغة من صيغ التمويل المتوسط:
إذن فلنبدأ على بركة الله:

المبحث الأول : تكوين عقد المغارسة ومشروعيته:


يعد عقد المغارسة من العقود المشاكلة للبيوع، ولذلك وجب أن تتوافر فيه عناصر تكوين العقد من أهلية وتراضي ومحل وسبب، فضلا عن عناصر أخرى خاصة بعقد المغارسة (المطلب الأول )،على أن نتطرق من خلال (مطلب ثان) إلى الأساس الشرعي للمغارسة في الفقه الإسلامي، من حيث جوازها من عدمه.

المطلب الأول : تكوين عقد المغارسة :

لإبرام عقد المغارسة لا بد أن تتوفر فيه الشروط العامة لإبرام العقود، ذلك ما سنحاول بيانه من خلال ثلاث فروع ،نتطرق في( الفرع الأول ) إلى طرفي عقد المغارسة وصيغة إبرامه ، ونتطرق في (الفرع الثاني )إلى موضوع عقد المغارسة (الأرض والشجر)، على أن نتطرق في ( الفرع الثالث)إلى العمل ومدته .
الفرع الأول : طرفا المغارسة و صيغتها :


عقد المغارسة كباقي العقود يحتاج إلى عاقد يتولى إبرامه، كما يحتاج إلى صيغة لإفراغه فيها :

الفقرة الأولى : طرفا المغارسة :


العاقدان في المغارسة هما صاحب الأرض من جهة ، والعامل من جهة أخرى،وجملة الشروط التي يجب أن تتوفر في طرفا المغارسة هي :
- أن يكونا جائزي التصرف، لأن المغارسة كالبيع من حيث التصرف، ومن ثم لاتصح من المعتوه والمجنون والصبي المميز المأذون من وصيه .
- يشترط فيهما أهلية الشركة و الإجارة، فإن المغارسة مركبة منهما فأهلية الشركة بأن يكونا من أهل التوكيل والتوكل، وأهلية الإجارة بأن يكونا من أهل التملك والتمليك.
وبلغة القانون الوضعي فإنه يشترط في طرفي المغارسة أهلية الأداء والتصرف، لأن المغارسة كالبيع أو بتعبير أدق هي من العقود المشاكلة للبيوع ، وذلك نظرا للآثار التي تترتب عليها والمتمثلة بالأساس في انتقال الملكية موضوع المغارسة من المالك إلى العامل حسب ما اتفقا عليه .

الفقرة الثانية : صيغة عقد المغارسة :


بالرجوع إلى مقتضيات المادة 268 من مدونة الحقوق العينية نجد أنها تنص على أنه :" يجب أن يبرم عقد المغارسة في محرر رسمي..."، مما يعني أن الصيغة التي يجب أن يتخذها عقد المغارسة هي الكتابة في ورقة رسمية كما حددها الفصل 417 وما بعده من ق.ل.ع.م.
وهنا نسجل مدى حرص المشرع المغربي على الشكلية في العقود ذات الصبغة المالية وإن كان الفقه المالكي الذي استمد ت منه المغارسة يحارب الشكلية بكل ضروبها، لكن الشكلية في هذا المقام لها ما يبررها نظرا لتطور طرق الاستثمار الزراعي وتعقدها في الوقت الراهن، خصوصا إذا استحضرنا اقتحام الآلة ميدان الزراعة، وارتفاع أثمنة المواد الكيماوية المستعملة للرفع من جودة الإنتاج الزراعي .
فكان لزاما إفراغ عقد المغارسة في وثيقة تحدد كل ما يتعلق به تجنبا للنزاعات التي يمكن أن تثار بخصوص الأرض أو الشجر المغروس.
وبخصوص ألفاظ هذه الصيغة، فالمالكية لا يشترطون ألفاظا معينة، فالمغارسة تنعقد بكل ما يدل عليها ، لأنها نوع من الإجارة التي هي كالبيع تنعقد بكل ما يدل على الرضا وإن بمعطاة .
ومن الصيغ التي يمكن أن يتخذها عقد المغارسة ما ذكره الشيخ عليش : مثل أن يقول له اغرسها شجرا أو نخلا، فإذا بلغت كذا وكذا سعفة والشجر كذا وكذا ، فالأرض والشجر بيننا نصفين ،أو استأجرتك على أن تغرس لي هذه الأرض نخلا أو شجرا بطائفة أخرى من الأرض، أو جاعلتك على غرس أرضي هذه بكذا درهما، أو بكذامترا من الأرض .

الفرع الثاني : أرض المغارسة والشجر المراد غرسه فيها :


ليس كل أرض صالحة لكي تكون محلا للمغارسة ، بل يجب أن تتوفر فيها جملة من الشروط (الفقرة الأولى)، كما ليس كل شجر يصح مغارسته ، بل لا بد من توفر شروط حددها القانون والفقه (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى :شروط أرض المغارسة :


يمكن حصر هذه الشروط فيما يلي :

- الشرط الأول : أن تكون الأرض مملوكة لصاحبها :

وذلك لأن المغارسة بيع بعض الأرض ببعض الشجر المغروس، ولا يملك غير المالك للأرض أن يبيع ما ليس ملكا له ، وهذا الشرط لا يشير إليه الفقهاء ولكنه مفهوم بالنظر إلى الطبيعة الخاصة للمغارسة ، وعلى هذا لا تجوز المغارسة في الأرض المكتراة، لأن المكتري لا يملك التصرف في رقبة الأرض، ولا تجوز المغارسة في الأرض المغصوبة لأن الغاصب لا يملك الأرض .

- الشرط الثاني : ألا تكون أرض المغارسة محبسة :

وذلك لأن المغارسة في الأرض المحبسة تؤدي إلى بيع بعضها وذلك لا يجوز وبناء عليه إذا بنى أو غرس محبس أو أجنبي في أرض الوقف ، فإن بين أن ما غرسه وقف كان الغرس والبناء وقفا، وكذلك إن لم يبين قبل موته بأنه وقف ، أما إذا بين أنه ملك له ، كان له أو لوارثه ، فيؤمر بنقضه أو يأخذ قيمته منقوضا بعد إسقاط كلفة من يتولها، حيث قال النّوويّ‏:‏ ينبغي أن لا تغرس الأشجار في المسجد وفي موضع آخر قال‏:‏ يكره غرس الشّجر في المسجد، فإن غرس قطعه الإمام‏.‏
وقد قضى المجلس الأعلى في قرار صادر عنه بتاريخ 25/07/2007 بمنع المغارسة في الأراضي الحبسية استنادا إلى الفصلين 11و13 من ظهير 22/05/1917 المتعلق بالأملاك الحبسية ، حيث يلزم المغارس بإفراغ الأرض المكتراة بجميع مشتملاتها ، واستنادا إلى قواعد الفقه المالكي أيضا التي تمنع المغارسة في الأراضي الحبسية لأنها من قبيل البيع الذي لا يجوز في الحبس ، على اعتبار أن هذه القواعد تعتبر بمثابة قانون يسري على العقارات الحبسية سواء كانت محفظة أو غير محفظة.
هذا مع العلم أن مدونة الأوقاف قد تدخلت بموجب نص صريح ، لمنع المغارسة في الأراضي الموقوفة حيث ورد في المادة 102 ما يلي : " لا يجوز إعطاء أرض الوقف مغارسة ".
الشرط الثالث : أن تكون الأرض التي يراد مغارستها بيضاء خالية من شجر أو غيره : من الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في الأرض حتى تصلح محلا لعقد المغارسة أن تكون خالية من الشجر وغيره ، وبلغة الفقهاء المسلمون يجب أن تكون الأرض غير مشعرة أي غير كثيرة الشجر.
ولعل السبب الرئيس الذي دفع الفقهاء إلى اشتراط هذا الشرط هو رفع المشقة على العامل لأن تواجد الأشجار أو غيرها يف الأرض محل المغارسة سيكلف العامل عناء تنقيتها ، وفي ذلك يقول ابن عاصم :
وشرط ما يثقل كالجدار ممتنع والعكس أمر جار.
مما يعني أن اشتراط رب الأرض على العامل ما يثقل عمله ويحتاج إلى كثير من العمل لا يجوز ، وعكسه وهو اشتراط مالا يثقل عمل العامل .
الفقرة الثانية : الشجر المراد غرسه وشروطه :
ليس كل الشجر يصلح أن يكون محلا للمغارسة، بل لا بد أن تتوفر جملة من الشروط حتى يصح الشجر محلا للمغارسة ، يمكن حصرها في ما يلي :
الشرط الأول : أن يكون الشجر مما يطول مكثه في الأرض سنين وتجنى ثمرته مع بقاء أصله :
وذلك مثل التين والزيتون، حيث قال ابن جزي في القوانين الفقهية :" يشترط في أشجار المغارسة أن تكون ثابتة الأصول دون الزرع والمقاثي والبقول " كما يجب أن يكون مما يطول مكثه في الأرض سنين ، بحيث لا تجوز المغارسة في زرع أو خضر...
الشرط الثاني : أن يتفقا طرفا المغارسة على نوع الشجر المراد غرسه :
يجب أن يكون الشجر الذي سيغرس في تلك الأرض معينا ، بحيث ينص على أن الأرض ستغرس بالزيتون أو التفاح...في وثيقة العقد ، فيكتب مثلا : " دفع فلان إلى فلان أرضه ليغرسها كذا وكذا من زيتون ، أو رمان حلو أو حامض أو مر".
وفي ذلك نصت المادة 268 من مدونة الحقوق العينية على أنه : " يجب أن يبرم عقد المغارسة في محرر رسمي ، ويشترط لصحته أن يعين نوع الشجر المراد غرسه ويبين حصة الغارس في الأرض وفي الشجر."
الشرط الثالث : أن تتفق أصناف الشجر أو تتقارب في مدة إطعامها فإن اختلفت اختلافا متباينا لم تجز المغارسة ،حيث نقل في هذا الشأن عن الفقيه المفتي أبي عمر أحمد بن إبراهيم المعروف بابن الهندي (توفي سنة 399 هـ) قوله في فتوى لم يورد سؤالها "وإن غارسه في أشجار مختلفة كالتفاح والإجاص وما أشبههما مما يعرف أن بعضها يحمل قبل بعض بمدة فذلك لا يجوز، وإنما يجوز فيها حينئذ أن يغارسه في جنس واحد منها".
هذه جملة الشروط التي اشترط المالكية في الشجر المراد غرسه حتى يجوز أن يكون محلا لعقد المغارسة ، والمتأمل في هذه الشروط يلاحظ أنها تنطبق على الأشجار ذات الأصول الثابتة التي تحتاج في مجملها إلى بضع سنين بعد غراستها لتصبح منتجة ، مما يعني أن المغارسة صيغة من صيغ التمويل المتوسط الأجل ، وتختلف مدتها اختلافا صغيرا باختلاف نوعية الشجر المغروس .

الفرع الثالث : العمل في المغارسة ومدته:


يعد العمل من العناصر الهامة في نظام المغارسة، حيث يختص به العامل وحده في مقابل ما يحصل عليه من الأرض والشجر عند انتهاء المدة، فما المقصود بالعمل في هذا المقام ؟ وما هي مدته ؟

الفقرة الأولى : العمل في المغارسة :


العمل ركن أساسي في عقد المغارسة، لذلك نجد أن فقهاء المالكية قد حددوه في تعهد الأشجار بالحفر والسقي والتنقية حتى تبلغ الإطعام أو تبلغ كل شجرة منها قامة أو نحوها . ولا يجوز اشتراط رب الأرض على العامل ما يثقل عمله، كأن يكلف ببناء حظيرة أو بتنقية أرض محجرة قبل غرسها. أما ما خف عمله فيجوز وهذا ما أشار إليه ابن عاصم بقوله :
وشرط ما يثقل كالجدار ممتنع والعكس أمر جار
ونظرا لأهمية العمل في عقود المعاملات الزراعية وخطورته، ولكونه ما يجر غالبا ما يجر إلى التنازع والخصام عندما تضطرب الأعراف، أو عندما لا يتم التطرق إلى وصفه في العقد ، فقد قال المتيطي :" ونزل العامل فلان في الأرض المذكورة ليتولى غراستها والعمل فيها بتعهد غرسها كله والحفر والسقي والتنقية والعمل فيها على ما وصف، وعليه ما خف من زرب حولها، وتنقية مجاريها وحفر شرباتها "
وبالرجوع إلى مدونة الحقوق العينية المغربية نجد أن المشرع سكت عن تحديد هذا العمل، حيث اكتفى بعبارة "التزامته (العامل ) الخاصة " من خلال المادة 269 مما يعني أنه على العامل أن يبذل من الجهد ما يبذله في خدمة ماله الخاص، فإن فرط فيها حتى أصابها ما أهلكها بسبب تفريطه فيضمن لرب الأرض نصيبه منها .
وتجدر الإشارة إلى أنه من حق العامل أن يستعين بأجراء في أداء العمل محل المغارسة وكل ذلك على نفقته كما نصت على ذلك المادة 265 من مدونة الحقوق العينية المغربية ، ونفس المقتضى نص عليه المقنن العراقي في المادة 828 من القانون المدني العراقي التي جاء فيها : "يلتزم الغارس بجميع المصاريف والأعمال اللازمة للغارس وصيانته طول المدة ما لم يتفق على غير ذلك ".


الفقرة الثانية : مدة العمل في المغارسة:

يجب أن تحدد المدة التي ينجز المغارس عمله خلالها، وهذا التحديد يكون إما :
أ‌- بمدة معينة، كأن يتفق على أن المغارس يعمل في الأرض خمسة أعوام أو أربع سنوات ، ونحوها من المدة التي لا يطعم الشجر عادة قبلها.
ب- بلوغ الأشجار إلى علو معين .كأن يتفقا على أن المغارس لا يستحق شيئا إلا إذا بلغ علو الأشجار مترين أو غير ذلك مما لا يطعم الشجر عادة إلا إذا بلغها.
ج- بالإطعام . كأن يتفقا على أن المغارس لا يصبح شريكا بالجزء المعين إلا إذا نجح غرسه وأطعمت الأشجار التي غرسها وأثمرت ثمارها.
وقد اشترط المالكية لجواز التوقيت بلوغ الشجر حد الإطعام حيث جاء في المتيطية :" يجوز للرجل أن يدفع أرضه إلى من يغرسها نخلا، أو شجرا يسمي أصنافه له، فإذا بلغت النخل أو الشجر قدر كذا في ارتفاعها وانبساطها مما لا تثمر النخل والشجر قبل ذلك...وإن جعلا ذلك إلى قدر سمياه تثمر الشجر قبله لم يجز."
وبالرجوع إلى مدونة الحقوق العينية نجد أنها تنص في المادة 266 على أنه :" لا يجوز في عقد المغارسة اشتراط أجل يقل عن حد الإطعام كما لا يجوز اشتراط أجل يتجاوز تمام الإطعام وكل شرط مخالف يعتبر باطلا".
مما يعني أن المشرع المغربي أخذ بموقف الفقه المالكي إلا أنه ربط الأجل بحد الإطعام ورتب عن عدم احترام هذا الأجل زيادة أو نقصانا جزاء البطلان، والسر في هذا الجزاء هو الدورالذي يلعبه الأجل في تنفيذ عقد المغارسة ، حيث يعتبر أجل الإطعام الفيصل في انتقال ملكية الشجر والأرض إلى الغارس ، فضلا على أنه في حالة اشتراط أجل يقل عن حد الإطعام مثلا، فإن العامل حينئذ يكون قد قبل على إجارة نفسه بثمرة لم يبدها صلاحها وبنصف الأرض وبما تنبت وكل ذلك لا يجوز في الفقه المالكي.
ومما يزيد من أهمية حد الإطعام كونه السبب المعقول لانقضاء عقد المغارسة ، يتبين ذلك من خلال ما نصت عليه المادة 267 من مدونة الحقوق العينية، والتي جاء فيها :
" إذا بلغ الشجر حد الإطعام اكتسب الغارس حقه العيني وتصير الأرض والشجر ملكا شائعا بين مالك الأرض والغارس بحسب الحصة التي وقع الاتفاق عليها في عقد المغارسة.

الواضح من كل ما تقدم أن تكوين عقد المغارسة لا يختلف كثيرا عن تكوين باقي عقود البيوع ، إذ لا بد لانعقاده صحيحا أن تتوفر فيه الأركان العامة لأي عقد والمنصوص عليها في الفصل الثاني من قانون الالتزامات والعقود المغربي، بحيث لا أن يكونا طرفيه يتمتعان بأهلية الأداء والتصرف ما دام عقد المغارسة من العقود الناقلة للملكية ، كما أوجب المشرع أن يفرغ عقد المغارسة في محرر رسمي .
والملاحظ أيضا أن فقهاء المالكية قد شددوا كثيرا على احترام شروط المغارسة ، نتلمس ذلك من خلال النوازل التي عرضت عليهم ، فنقرأ مثلا في نوازل العلمي بخصوص الأرض غير الخالية أو المغروسة :
سئل سيدي علي بن سيدي أبي القاسم بن خجو عن رجل أعطى لآخر جنة مبورة مشعرة عدا دواليها باقية يحييها ويخدمها ويزينها بالحرث وغير ذلك .والجنة المذكورة معروفة حدودها على المناصفة فيها ، غير أنه لم يعين له ما يأخذ فيها من الجهة وجعل لذاك أجلا معلوما فأخذ الرجل المذكور جادا في خدمتها مجتهدا فيها بالحرث وطلب من يعينه على ذلك مدة من سنتين وبعض أقارب معطي الجنة المذكورة هم حاضرون عالمون بما فعل المعطي والمعطى له ولم يغيروا ولم ينكروا حتى الآن قاموا زاعمين أن لهم نصيبا في الجنة المذكورة وتنازعوا مع قريبهم المعطي المذكور وأزالوا الجنة المذكورة من يد مخدمها المذكور فقام هذا المخدم منازعا لهم قائلا لهم : ما أسكتكم مع كونكم حاضرين لم تنكروا علينا بشيء ؟ ما تقول أعانكم الله في النازلة؟
هل له حق في الأصول أو الصفقة فاسدة ويكون له أجرة خدمة الجنة وإحيائها.
فأجاب : ومن خطه نقلت :
الحمد لله .الجواب .والله الموفق للإصابة بمنه :
هذه عقدة فاسدة لأن المغارسة لا تكون في المغروس ولا في الشعرى .وليست بأجرة صحيحة للجهل ،ولا بمساقاة .وهي إلى الإجارة الفاسدة أقرب .فيكون للعامل أجر عمله على مايقومه به أهل المعرفة .والله سبحانه أعلم وبه التوفيق.

المطلب الثاني :مشروعية عقد المغارسة:


منع جمهور الفقهاء المغارسة وأجازها المالكية والظاهرية، وكذلك الإباضية. فبالنسبة للمالكية أجازوها على أن يكون للغارس نصيب من الأرض والشجر والثمر.
كما أن الغرس مندوب لما ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة إلى يوم القيامة ".
ومن الأحاديث الدالة على مشروعية المغارسة كذلك ما رواه البخاري وغيره أن النبي (صلى الله عليه وسلم) :" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر "
وقد أثنى النبي (صلى الله عليه وسلم) على بعض المغروسات، فقال :" نعم المال النخل،الراسخات في الوحل المطعمات في المحل ".
وقوله (صلى الله عليه وسلم ):" من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء أوغرس غرسا في غير ظلم ولااعتداء كان له أجره جاريا ." الذخيرة .
وقد قيل لعثمان رضي الله عنه : " تغرس بعد الكبر "، فقال : لا توافيني الساعة وأنا من المصلحين، خير من أن توافيني وأنا من المفسدين ."
وقيل لأحد الصالحين وهو يغرس جوزة :" أتغرس وأنت شيخ وهي لا تطعم إلا بعد عشرين سنة، فقال:" لا علي أن يكون الأجر لي "
والمغارسة جائزة من مالك الأرض وفي هذا قال ابن عاصم :
الاغتراس جائز لمن فعل ممن له البقعة أو له العمل
وجاء في شرح هذا البيت : المغارسة جائزة لمن فعلها من مالك البقعة من الأرض أو من العامل وهوالغارس فيها ولا بد فيها من ضرب الأجل كالإطعام أو غيره مما يذكر بعد.فإذا أطعمت الأشجار وكان الجعل جزء من الأرض فلهما أن يقسما البقعة من الأرض إن شاآ ولهما البقاء على الشركة مشاعة .
أما الحنفية لم يقبلوها، ولكن صححوها إما بالاشتراك في الشجر والثمر فقط دون الأرض، أو أن يبيع المالك نصف الأرض بنصف الغراس (الشجر )، ويستأجر رب الأرض العامل ثلاث سنين مثلا بشيء قليل ليعمل في نصيبه . كما أن المغارسة تصح عند الحنابلة إذا كان للعامل جزء معين من الثمرة فقط كالمساقاة .وأبطلها الشافعية لعدم الحاجة إليها . ، حيث قالوا أنه لا يجوز العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها، ولأن الغرس ليس من عمل المساقاة ، فضمه إليها يفسد، ويمكن للمالك أن يحقق ما يريد عن طريق الإجارة
وقد استدل الإمام ابن حزم الظاهري على مشروعية المغارسة بدليل مشروعية المزارعة وقال : " وبرهان ذلك ما ذكرناه في أول كلامنا في المزارعة من إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود على أن يعملوها بأنفسهم وأموالهم ولهم نصف ما يخرج منها من زرع أو ثمر، ونصف ما يخرج منها هكذا مطلقا ". ويرى ابن حزم أن هذا اللفظ مطلق وعام يشمل ما يخرج من الأرض بالعمل من شجر وزرع وأي شيء
وقد أجاز فقهاء الشيعة المغارسة وجعلوا الأصل في جوازها هو تقريره صلى الله عليه وسلم عمل أهل الحجاز في النخيل، فقيس عليها كل ذي أصل يقصد به الثمر. وما دام الفقه المالكي قد أجاز المغارسة، فحسنا فعل المشرع المغربي عندما نظم أحكامها في مدونة الحقوق العينية، نظرا لقيمتها العملية في مغربنا الذي يحتاج كثيرا لمثل هذه االعقود خصوصا إذا استحضرنا حجم الأراضي الصالحة للغرس في وطننا الجميل .

المبحث الثاني : كيف يمكن أن تكون المغارسة صيغة من صيغ التمويل المتوسط؟


إذا ثبت ما تقدم من خلال المبحث الأول، من كون أن المغارسة لها سندها الشرعي خصوصا عند المالكية، جاز لنا أن نتساءل عن الكيفية التي تمكن هذا العقد من الحياة على أرض الواقع؟ خصوصا إذا استحضرنا أن مختلف صيغ التمويل التي أنجبتها الأنظمة الاقتصادية التي جربتها البشرية قد باءت بالفشل، ولعل أكبر دليل على ذلك الأزمات التي شهدها العالم والتي كان آ خرها أزمة 2008 التي كشفت وبالملموس مدى هشاشة النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على الاحتكار والربا والحيل الاقتصادية لا على التخطيط الواقعي.
فبعد أن أصيب العالم بأزمة غدائية استمرت لسنوات أعقبتها أزمة أخرى وهي الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي حدثت في أكتوبر 2008 وما ترتب عليها من انهيار لكيانات اقتصادية عملاقة من بنوك وشركات تأمين وبورصات وغيرها من مؤسسات النظام الاقتصادي العالمي، دفع ذلك العديد من الباحثين والكتاب السياسيين والاقتصاديون إلى إعادة التفكير في الأسس التي يقوم عليها النظام الرأسمالي ذاته، والاجتهاد في طرح تفسيرات وحلول لهذه الأزمة ، ما بين محاولات لترميم وإصلاح ما أصابه من عيوب وما بين مناداة للعودة إلى النظام الاشتراكي القائم على التدخل الكامل للدولة في الاقتصاد والأسواق ، كذلك ظهرت بعض الأصوات الإسلامية التي تنادي بالأخذ بالنظام الاقتصادي الإسلامي من منطلق أنه الوحيد الذي يتلافى عيوب النظامين الرأسمالي والاشتراكي في الاقتصاد ، ومن هنا أصبح من اللازم التفكير في نظام اقتصادي بديل عن النظام الرأسمالي الذي ولى زمنه وتبين فشله بشكل فاضح ، بل تبينت نيته السيئة في تدمير الإنسان وتجويعه وتفقيره عبر مخططاته الإقصائية .
ولذلك تحتم التأسيس لاقتصاد إسلامي مستقل ينهي التبعية المهينة التي تعاني منها معظم البلدان العربية الإسلامية، والتي تؤثر على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي لهذه البلدان، وذلك لن يتأتى إلا بالاهتمام بقطاع الزراعة خصوصا في ظل الارتفاع المستمر لواردات الدول العربية والإسلامية من المنتجات الغذائية، وعلى ضوء ما تعانيه الأراضي الصالحة للزراعة فيهما من إهمال وتعرض لمختلف المخاطر كالتصحر والجفاف والانجراف.
بناء على كل ذلك نقترح أن يتم تطبيق المغارسة عبر مخططات تعدها الحكومات والدول والبنوك الموصوفة بالإسلامية حتى تأخذ المغارسة صيغة تمويل مميزة، هكذا نوضح من خلال (مطلب أول)،كيف يمكن تطبيق المغارسة من طرف الدول والحكومات على أن نتطرق من خلال (المطلب الثاني) إلى كيفية تطبيق المغارسة من طرف البنوك الإسلامية؟
المطلب الأول : كيف يمكن تطبيق المغارسة من طرف الدول والحكومات؟
الوطن العربي جنة تحتاج إلى بستاني يتعهدها بالغرس والعناية حتى تزدهر أشجارها وتثمر أشجارها أزكى الثمار، يتبين ذلك من خلال موقعه الاستراتيجي الممتد من المحيط الأطلسي غربا حتى الخليج العربي ومن بحر العرب جنوبا حتى تركيا والبحر الأبيض المتوسط، تبلغ مساحته حوالي 13 مليونا و487 ألفا و814 كلم مربع، تقع 22في المائة من هذه المساحة في آسيا، و78 في المائة في إفريقيا .
فإذا أخذنا المساحة الجغرافية للوطن العربي بالهكتار لوجدنا حوالي 1402.45 مليونا، تبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة منها، 198.20 مليون هكتار، أي حوالي 14في المائة من المساحة الكلية.
بينما تبلغ مساحة الأراضي المزروعة فعلا 69.24 مليون هكتار، أي حوالي 5في المائة فقط من مساحة الوطن العربي، وحوالي 35 في المائة من المساحة القابلة للزراعة.
وتبلغ مساحة الأراضي الغابية 74.31مليون هكتار، وهي تشكل أيضا حوالي 5في المائة من الرقعة الجغرافية للوطن العربي ، حيث يلعب الغطاء الغابي دورا إيجابيا في تلطيف المناخ وجذب الأمطار ومقاومة لكل انجراف للتربة بفعل السيول والتصحر، وإحداث توازن عام في المجتمع.كان من الضروري على الحكومات في الدول العربية أن تسعى إلى مضاعفة ا الغطاء وتنميته، ثم صيانته بعد ذلك من كل ما يمكن أن يضربه.
هذا بالنسبة للأشجار العادية وغير بالمثمرة، فكيف بالأشجار المثمرة، والتي من شأنها أن تحقق هدفين معا، التوازن البيئي للمجتمع، والمساهمة في رفع الإنتاج .
لذا يمكن الاستفادة من صيغة المغارسة في تعمير مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي، وتطبيق المغارسة بالصيغة التي ذكرنا آنفا يحتاج إلى مباركة شعبية، وهذا لا يطرح مشكل بالنسبة للوطن العربي الذي يسود معظم بلدانه المذهب المالكي.
المطلب الثاني : كيف يمكن تطبيق المغارسة م طرف البنوك الإسلامية؟
يبدو واضحا من خلال تعريف المغارسة ومن خلال شروطها أنها عقد ينتهي بين الطرفين عندما تؤتي الأشجار ثمارها وعندما يستحق العامل أجرته التي تتمثل في نصيب من الأرض و الأشجار.
يمكن للبنوك الإسلامية أن تطبق هذه الصيغة بأن يشتري البنك أراضي من أمواله الخاصة ثم يمنحها لمن يعمرها على سبيل المغارسة ، وبعد أن تصل الأشجار إلى مرحلة الإنتاج يأخذ العامل نصيبه من الأرض في نهاية العقد، ثم يمنح البنك نصيبه أي ما بقي له من أراضي إلى العامل أو إلى غيره على سبيل المساقاة.
كما يمكن للبنك الإسلامي أيضا أن يقوم في هذه الصيغة بدور العامل إذ يقوم بتعمير أراض لأصحابها على سبيل المغارسة، وذاك باستخدام عمال أجراء يوفر لهم البنك التمويل اللازم، وبعد تملك البنك لنصيبه من تلك الأراضي يطبق عليها المساقاة.، مع نفس العاملين أو مع غيرهم

قفل:


لقد تبين لنا من خلال هذا البحث المزايا التي تتسم بها صيغة المغارسة سواء من حيث أنها صيغة إسلامية يمكن أن تحول مساحات شاسعة من الأراضي البور إلى أراضي منتجة أو من حيث أنها تشكل دافعا قويا للعامل على العمل لأنها تحوله بعد فترة من أجير إلى مالك وهذا ما يبين وبالملموس مدى نجاعة الفقه الإسلامي المستنير الذي يحارب الإقطاعية ويؤسس لاقتصاد تحكمه العدالة والاشتراكية بمعناها الشبه آسياوي.
- لو تأملنا أنواع الأشجار ذات الأصول الثابتة لوجدنا أنها في مجملها تحتاج إلى بضع سنين بعد غراستها لتصبح منتجة ، فالمغارسة إذن هي صيغة من صيغ التمويل متوسط الأجل، وتختلف مدتها اختلافا صغيرا باختلاف نوعية الشجر المغروس.
- تعتبر المغارسة صيغة مثلى لإعمار الأراضي الصالحة للزراعة بالأشجار المثمرة ، وهي تمكن الأجير من أن يتحول إلى مالك وبالتالي فهي استثناء من مبدأ أساسيا للتمويل الإسلامي وهو " استمرار الملك لصاحبه" .
- تعتبر الظروف مواتية تماما لتطبيق صيغة المغارسة في إعمار الأراضي البور في المغرب ، خصوصا وأن المذهب المالكي يجوز العمل بها.
- معظم الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي متواجدة في بلدان المغرب العربي وكذلك السودان، ويسود فيهما المذهب المالكي، ويعد عاملا مساعدا على تطبيق المغارسة في إعمار الأراضي الزراعية فيهما بالأشجار المثمرة وتقنينها بقوانين.
هذا من الناحية العملية ، أما من الناحية النظرية ، فيمكن أن نسجل العديد من الملاحظات أهمها :
- أن المغارسة عند المالكية عقد مستقل عن المزارعة والمساقاة ، وإن كانت العديد من
الأحكام مشتركة بينهم .
- أن المشرع المغربي قد أحسن صنعا عندما نظم عقد المغارسة ضمن مدونة الحقوق العينية الجديدة .

**نستعمل مفهوم الاقتصاد الموصوف بالإسلامي ليس من باب الخروج عن المألوف، ولكن للتنبيه وفقط. لأن مقولة الاقتصاد الإسلامي فيها نظر يجب أن لا يهمل حتى وإن كانت الأسلمة في أوجها.




النسخة الحاملة للهوامش سيتم إدراجها لاحقا




الخميس 8 نونبر 2012

تعليق جديد
Twitter