MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المساعدات الخارجية للمغرب: المحددات والأهداف

     

مريم الخياري : باحثة في القانون الدولي
والعلاقات الدولية كلية الحقوق، فاس



 
         تقوم المعونات الخارجية سواء منها الثنائية أو المتعددة الأطراف بدور مفصلي لمعالجة النقص الحاصل في المدخرات والنقد الأجنبي في الاقتصاد القومي، فهي تعمل على توفير التمويل اللازم إلى جانب المصادر الأخرى، لتنفيذ الاستثمارات المطلوبة وكذلك توفير النقد الأجنبي لشراء مستلزمات الإنتاج المستوردة، فضلا عن الآثار الأخرى المباشرة، التي تمارسها تلك التدفقات على الاقتصاد القومي، الأمر الذي يساهم في دفع عجلة التنمية والرفاهية الاقتصادية.[1]

         ويقصد بالمساعدات الخارجية مجموع تدفقات رؤوس الأموال التي توجه إلى الدول النامية، خاصة غير النفطية، وما يميز هذه التدفقات أنها تمنح بشروط ميسرة للدول التي تعجز عن تحقيق تراكمات مالية كافية عن طريق تجارتها الخارجية، نتيجة المشاكل العديدة التي تجابهها.[2]

         فتدفقات رؤوس الأموال الموجهة إلى الدول النامية، ترتبط بصفة عامة بشروط تتمثل أساسا في سعر الفائدة وفترة السماح ومدة الإقراض. ولكي تأخذ التدفقات شكل المساعدات الإنمائية الميسرة يتعين أن تتضمن عنصرا للمنحة، تعارف على أنه لا يقل عن 25%.[3]

         وعنصر المنحة هو الفرق بين القيمة الإسمية ومجموع القيم المالية لمبالغ خدمة القرض (الأقساط والفوائد)، التي تدفع منذ بدء عقد القرض حتى انتهاء أجل السداد مخصومة على أساس سعر خصم معين، منسوبة إلى القيمة الإسمية للقرض.[4]

         علما أن سعر الخصم الذي تستخدمه (OECD) المنظمة الأوربية للتنمية والتعاون، في حساب القيم الحالية لمبلغ خدمة القرض هو 10%، ويستخدم عنصر المنحة لمقارنة درجة اليسر في المساعدات المقدمة بموجب مختلف شروط الإقراض سالف الذكر. وبذلك يمكن تلخيص عنصر المنحة أنه الفرق بين القيمة الإسمية الأصلية للقرض والقيمة الحالية المخصومة لخدمة الدين كنسبة مئوية من القيمة الإسمية الأصلية. وتجدر الإشارة إلى أن سعر الخصم المشار إليه أصبح غير عملي ومرتفعا مقارنة بمتوسط أسعار الفائدة السائدة في الأسواق العالمية في السنوات الأخيرة، حيث اتجه سعر الفائدة إلى الانخفاض بدرجة كبيرة، وهو ما دفع بعض المؤسسات الدولية (مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير) والإقليمية إلى احتساب سعر خصم أقل، قد يتراوح بين 6 – 8% حسب متوسطات أسعار الإقراض السائدة تجاريا.

         وتنقسم المساعدات الرسمية الإنمائية إلى قسمين : ثنائية الجانب، وتتم بين حكومتين أو أجهزة تابعة لها، ومتعددة الأطراف، كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.[5] وتختلف دوافع الحصول على هذه المساعدات بين الدول المانحة والدول الممنوحة،       وللاقتراب من حجم المساعدات التي تلقاها المغرب من مصادر مختلفة سوف أقسم هذه الدراسة إلى مبحثين، أتناول من خلاله حجم هذه المساعدات مع إبراز مصادرها، وتأثيرها في التنمية في المغرب.

المبحث الأول : المساعدات الثنائية الأطراف

         يقصد بالمساعدات الثنائية تلك التي تقدمها حكومة دولة أو جهاز تابع لها إلى دولة ثانية، حيث أنشأت الدول الصناعية الكبرى عدد من الوكالات التي تهتم بمنح مساعدات للدول النامية لإنجاز مشاريعها التنموية كما هو الشأن بالنسبة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أو الوكالة الفرنسية للتنمية، كما قامت الدول العربية المنتجة للنفط، نتيجة التراكمات المالية التي حصدتها من مبيعات النفط بإنشاء صناديق للتمويل حصرت مهمتها الأساسية في تقديم مساعدات للدول العربية.
         تبعا لذلك، سوف أتطرق من خلال فقرة أولى إلى المساعدات الفرنسية، على اعتبار أن فرنسا تربطها بالمغرب علاقات تاريخية، وتمثل الشريك التجاري الأول لبلادنا، كما سأتناول في نفس الفقرة المساعدات الأمريكية والاعتبارات التي تتحكم فيها، على أن أخصص الفقرة الثانية للمساعدات التي يتحصل عليها المغرب من الصناديق العربية التي أنشأتها بعض الدول الخليجية.

المطلب الأول : المساعدات الغربية (حالتي فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية)

الفقرة الأولى : المساعدات الفرنسية

         تربط المغرب بفرنسا علاقات متميزة، فبالإضافة إلى الإرث الحضاري والتاريخي والثقافي المتجدر، هناك تفاهم سياسي وشراكة اقتصادية بلغت مستوى عال بغض النظر عن التغيرات التي تحصل على رأس الحكومات في البلدين.
         ويمكن تلمس هذا المستوى من التقارب من خلال مستوى العلاقات الاقتصادية، حيث تدل المعطيات الرسمية أن حوالي 750 شركة فرنسية تعمل بالمغرب وتوظف أكثر من 120 ألف شخص، كما أن هناك زهاء 7500 فرع لمقاولات فرنسية تنشط في مجالات شتى، منها 40 مسجلة في البورصة (رونو، سويز، أودي إف، طوطال، بونفرسال، فيفاندي...) مما جعل حجم المبادلات في ارتفاع مستمر بلغ 8 ملايين أورو عام 2012.[6]
         وتأتي فرنسا على رأس الدول الغربية في منح المساعدات للمغرب، حيث تؤمن 54% من مجموع المساعدات التي يتلقاها المغرب، متبوعة بالولايات المتحدة الأمريكية ب 26%،[7] كما يتصدر المغرب اليوم قائمة المستفيدين من مساعدات وكالة التنمية الفرنسية، فحسب وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية الفرنسية، فقد وصلت هذه المساعدات 1,7% مليار أورو، وفي المقابل تستحوذ فرنسا على ما يقارب 40% من مجموع المساعدات الإنمائية الدولية التي يتلقاها المغرب من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.[8] وقد انتقلت المساعدات العمومية الفرنسية للمغرب بين سنتي 2000 و2010 من 100 مليون أورو إلى 363 مليون أورو، لتسجل سنة 2011، 541 مليون أورو (كما يوضح ذلك الجدول أسفله)، وقد سخر جزء مهم منها لتكوين الموارد البشرية.[9]

تطور المساعدات الفرنسية للمغرب خلال الفترة الممتدة بين سنة 1960 و 2012
 
السنة حجم الإعانة بمليون دولار
1960 -0,1
1965 40,50
1970 19,20
1975 108,11
1980 134,65
1985 158,03
1990 217,45
1995 195,11
2000 154,69
2005 196,98
2006 301,41
2007 218,77
2008 163,21
2009 238,10
2010 254,43
2011 523,85
2012 507,31
 
                   المصدر : البنك الدولي

         وفي هذا الإطار، تجب الإشارة إلى ميزة خاصة لهذه المساعدات، فبالإضافة إلى حرصها على تمويل المشاريع بشكل دوري ومنتظم، تعمل الوكالة الفرنسية للتنمية على مصاحبة الاختيارات المالية والمخططات القطاعية للبلاد، خصوصا في الصناعة والفلاحة، وتمنح قروضا للدولة المغربية والفاعلين العموميين كذلك.[10]
         وقد وجهت انتقادات لهذه المساعدات من طرف محكمة الحسابات الفرنسية، والتي اعتبرت أنها لا توزع بالشكل الصحيح،[11] حيث ينتقد القضاة الأجهزة المحلية الساهرة على تنفيذ مشاريع المساعدات التنموية العمومية والتي تصفها بالتعقيد والغموض، وقد سلط تقرير صادر عن نفس المحكمة الضوء على المغرب لكونه يتلقى مساعدات من قسم التعاون والعمل الثقافي للسفارة الفرنسية SCAC ومن الوكالة الفرنسية للتنمية AFD، بالإضافة إلى المصلحة الاقتصادية الجهوية، دون أن ننسى يضيف التقرير "الموظفين المنتدبين للتعاون في المجالات الثقافية، المالية، الأمنية، القضائية، الاجتماعية والعسكرية"، حيث يبقى التعاون حسب نفس التقرير على أرض الواقع هشا خصوصا بين قسم التعاون الثقافي للسفارة والوكالة الفرنسية للتنمية.

الفقرة الثانية : المساعدات الأمريكية

         كما هو معلوم فقد تحدد دور المساعدات الخارجية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على إعادة تعمير ما دمرته الحرب في أوربا وتثبيت الواقع الجديد وبناء الحدود الفاصلة لمرحلة الصراع الدولي، والذي مهد لفترة الحرب الباردة الممتدة، وقد بدا جليا أن التوجه نحو الدول النامية لم يكن يجد أسبقية في سياسات الدول المانحة في ذلك الوقت، ولم تكتسب المساعدات الدولية ملامحها البارزة في الدول النامية عموما إلا منذ بداية عقد الستينات وما أعقبها من تحول، حيث شهد هذا العقد موجة التحرر من الاستعمار الغربي وتميز باندفاع حركة الانعتاق والتحرر السياسي والاقتصادي.[12] وقد أدت هذه الأوضاع المستجدة إلى تعديل ملحوظ في سياسات المساعدات الخارجية، وبدا ذلك جليا في أكثر من موقع، حيث شهدت فترة الستينات تعديلات جوهرية في إدارة المساعدات الخارجية في الولايات المتحدة، حيث تم إنشاء الوكالة الدولية للتنمية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي "جون كيندي" في عام 1961، وأصبحت الجهة الوحيدة في الولايات المتحدة لتنسيق كل أشكال المساعدات الخارجية الاقتصادية والعسكرية، علما بأن إدارة المساعدات الخارجية كانت موزعة سابقا بين وزارة الدفاع الأمريكية وأجهزة أخرى.
         ويعتبر المغرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية عاملا مهما في شمال إفريقيا، وذلك بالنظر لموقعه الاستراتيجي الذي يتميز به، وانفتاحه على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط الذي يعتبر بوابة مرور السفن الأمريكية سواء الحربية منها أو التجارية إلى منطقة الشرق الأوسط والخليج، بالإضافة إلى ذلك فهو يعتبر أكثر قربا من أوربا، وكذلك من منطقة القرن الأفريقي التي يرى بعض المحللين الاقتصاديين أنها غنية بمصادر الطاقة وخاصة الطاقة البترولية.[13]
         نظرا لهذه الأهمية الاستراتيجية التي يحتلها المغرب في السياسة الخارجية الأمريكية، فقد حصل خلال 50 سنة على ملياري دولار في إطار المساعدة المقدمة للتنمية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وهذا يعني أنه منذ أبريل 1957، التاريخ الذي قررت فيه الولايات المتحدة وضع برنامج للمساعدة الاقتصادية والتقنية بالمغرب، فقد تم تخصيص 40 مليون دولار كمتوسط سنوي كما يوضح ذلك الجدول التالي :[14]

    تطور المساعدات الأمريكية للمغرب ما بين 1960 و 2012
 
السنة حجم الإعانة بمليون دولار
1960 60,00
1965 51,42
1970 33,00
1975 14,00
1980 19,00
1985 96,00
1990 57,00
1995 21,00
2000 14,00
2005 14,91
2006 6,53
2007 5,49
2008 5,68
2009 31,60
2010 47,70
2011 125,86
2012 167,23
 
                        المصدر : البنك الدولي                 

         ومن حيث توجيه هذه المساعدات، فيلاحظ أنها تتركز على القطاع الفلاحي، حيث حظي هذا القطاع بنصف المساعدات تقريبا وهمت إقامة شبكات للسقي، تكوين أساتذة في التقنيات الفلاحية الجديدة، ومساعدة الفلاحين المهمشين، وتشجيع صادرات الزيوت الممتازة نحو الولايات المتحدة الأمريكية. كما شملت هذه المساعدات مجالات أخرى كالصحة والتعليم والحكامة، وقد استهدفت استراتيجية المساعدة المعتمدة للفترة 2009 - 2013، دعم الشباب وإدماجه في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد.
         ويتبين أن هذه المساعدات غير كافية، كما أنها لا تستهدف إقامة تنمية حقيقية كتشجيع الصناعة والتجارة، حيث تضل المبادلات التجارية بين البلدين جد ضعيفة، كما أن تدخلها في القطاع الفلاحي لا يستهدف تطوير هذا القطاع ليرقى إلى مستوى القطاعات التنافسية كما هو الشأن في أوربا، فرغم توقيع اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية سنة 2004 فإنها لم تمثل مكاسب حقيقية للمغرب، ففي واقع الأمر هذه الاتفاقية ما هي إلا آلية أمريكية لفرض المشروع الأمريكي في المنطقة.
         فالمساعدات الاقتصادية والعسكرية هي واحدة من أكثر الأدوات فعالية في نشر النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية، وقد استعملت الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات الخارجية كأداة للتأثير في السياسات الداخلية والمحلية للدول، وهو ما يؤكده "دين راسك" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق  بقوله : "إن المساعدات هي طريق ذات اتجاهين، فهي تفتح للدولة المستلمة لها أبواب منتجات المتبرع واستثماراته، وقبولها هو تنازل جزئي عن السيادة، فهي منفعة يمكن تطويرها بمرور الزمن لتصبح نفوذا رئيسيا".[15]
         لقد كانت المساعدات الأمنية أحد العناصر المغرية على الوجود العسكري الأمريكي في الدول العربية من بينها المغرب، ولا شك أن الرغبة في الحصول على هذه المساعدات كانت وراء القبول بوجود عسكري أجنبي لدى دول عربية تعاني أزمات اقتصادية كما هو شأن المغرب، حيث يشكل المغرب نقطة عبور مهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بنشر قواعدها العسكرية في المنطقة، فقد وقع البلدان سنة 1982 اتفاقية سمح بموجبها المغرب للولايات المتحدة استخدام المطارات العسكرية المغربية من قبل القوات الأمريكية مقابل تقديم مساعدات مالية لتطوير تلك المطارات،[16] كما قامت الولايات المتحدة بإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع المغرب خصوصا بمنطقة الجنوب بطانطان كانت آخرها مناورة عسكرية سميت "مناورات الأسد الإفريقي".
         ومن خلال استعراض برنامج المساعدات الأمنية الأمريكية يوضح مدى استغلال الولايات المتحدة الأزمات الاقتصادية في الدول العربية لتحقيق وجود عسكري، بحيث تتصاعد هذه المساعدات مع قبول الدول العربية بالوجود العسكري الأمريكي.
         وإذا كان المغرب يقبل المساعدات الأمريكية فهذا يعني - تبعا لقول وزير الخارجية الأمريكي - أنه يتنازل عن جزء من سيادته لصالح الإدارة الأمريكية، ورغم أن هذه المساعدة لا ترقى إلى حجم تلك المقدمة للحليفين الاستراتيجيين لأمريكا في الشرق الأوسط (مصر(قبل الثورة)، وإسرائيل)، إلا أنه لا يستهان بها، فما بين 1956 و1991 مثلا تسلم المغرب حوالي 2000 دولار،50%  منها على شكل هبة. أما حجم المساعدات المقدمة فلم يكن ثابتا، أي حسب المد والجزر الذي تعرفه العلاقات الثنائية، وحسب الأهمية التي تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب في استراتيجيتها العامة.
         ولقد أصبحت المساعدات الأمريكية المقدمة للمغرب فيما يسمى الحرب على الإرهاب تتجاوز 20 مليون دولار سنويا،[17] وتشمل التمويل العسكري الخاص بصيانة التجهيزات العسكرية الأمريكية، برنامج التكوين والتدريب العسكري، بالإضافة إلى دعم برنامج مكافحة الإرهاب وإجراء تدريبات عسكرية متطورة للجنود المغاربة، وكذا إلقاء دروس لتقوية قدرات المغرب في محاربة الإرهاب.
         ونتيجة للحرب على الإرهاب فقد تراجعت المساعدات التنموية المقدمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب، مقابل ارتفاع في حجم المساعدات العسكرية كما يوضح ذلك الجدول التالي :

المساعدات العسكرية الأمريكية للمغرب
 
السنـــــــة المســـــاعدات العسكرية المســـــاعدات التنموية
2005 14 مليون دولار 10 مليون دولار
2006 16 مليون دولار 8 مليون دولار
2007 17 مليون دولار 5 مليون دولار
 
    المصدر : سعيد الهوسي الحوار المتمدن-العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8 - 08:06 المحور : السياسة والعلاقات الدولية، التدخل  الأمريكي
 في سياسات الدول :  دراسة لتأثير واشنطن على السياسة المغربية. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=171214
 
         نخلص مما سبق إلى أن الولايات المتحدة التي تنادي بالحرية والديمقراطية واحترام السيادة، هي أول من يخرق هذه المبادئ، من خلال تدخلاتها وضغوطاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تمارسها على الدول المستضعفة مقابل حصول هذه الأخيرة على مساعدات مالية وامتيازات اقتصادية.
         وهكذا، لم يكن غريبا أن يتعرض المغرب كغيره من الدول للضغوطات السياسية والاقتصادية التي تقوم بها واشنطن، وهي ضغوط قد يتجاوب معها المغرب للحصول على دعم الولايات المتحدة في ملف قضية الصحراء.

المطلب الثاني : المساعدات العربية

         يعتبر التكامل المالي العربي، واستثمار المال العربي في المنطقة العربية على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لدول الفائض ودول العجز على السواء، فهو أكبر ضمان لتحقيق أفضل عائد وأعلى درجة أمان بالنسبة لدول الفائض، وفي ذات الوقت يجنب دول العجز أعباء الديون الخارجية وسلبيات الاستثمارات الأجنبية.
         وقد قامت الدول العربية بإعداد تنظيمات شتى لتيسير انتقال رأس المال العربي بين البلاد العربية بإبرام مجموعة من الاتفاقيات وإنشاء العديد من المؤسسات الرامية إلى تقديم العون المالي العربي، ومن أهم هذه المؤسسات، صناديق التمويل العربية القطرية التي تم إنشاؤها سنة 1961، وهي مؤسسات مالية وطنية، الهدف منها تأمين التعاون المالي لهذه الدول مع باقي دول المنطقة. ويتعلق الأمر بالصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وصندوق أبو ظبي للتنمية الاقتصادية، والصندوق العراقي للتنمية الخارجية، والصندوق السعودي للتنمية.
         لقد استأثرت منطقة المغرب العربي بالنسبة الكبرى من حجم المعونات الثنائية التي تخصصها دول الخليج للدول النامية، وبالنظر للعلاقات القوية التي تربط المغرب بدول الخليج وخاصة تلك التي تربط ملوك المغاربة برؤساء دول وملكيات الدول النفطية، فقد حظي المغرب بنسبة مهمة من المساعدات والقروض من هذه الدول.[18]
         هكذا، سوف أتناول كل صندوق على حدة، لمعرفة حجم المساعدة المقدمة للمغرب ومدى مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، علما أنني سأقتصر على ثلاث صناديق وهي : الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والصندوق السعودي للتنمية، وصندوق أبو ظبي للتنمية، هذا، ولن أتطرق للصندوق العراقي للتنمية الخارجية، على اعتبار أن هذا الأخير الذي تأسس سنة 1974، وبدأ نشاطه عام 1978 واستمرت عملياته حتى عام 1982، قد توقف عن نشاطه بسبب الأحداث الإقليمية بدءا من عام 1983 وإلى الآن، لذلك لن تشمله هذه الدراسة لتوقف نشاطه وقصر المدة التي مارس خلالها مهامه.

الفقرة الأولى : الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية

         يعتبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية مؤسسة مالية، أنشأته دولة الكويت في دجنبر 1961، وكانت نشأته مرتبطة بعاملين أساسيين : الأول، استكمال دولة الكويت مقومات الاستقلال السياسي في ذلك العام؛ والثاني، ارتفاع عائدات الكويت من النفط منذ منتصف الخمسينات.[19]
         وقد اقتصرت عملياته حتى عام 1974 على البلاد العربية، ثم تم تعديل القانون الأساسي للصندوق بما يسمح له بمباشرة نشاطه في البلاد النامية بصفة عامة،[20] وتم الإبقاء على إسمه كما هو "الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية".
         وتتمثل أهدافه في مساعدة الدول العربية والدول النامية الأخرى في تطوير اقتصادياتها. من خلال تقديم القروض والضمانات، وتقديم المنح على سبيل المعونة الفنية، وتوفير أنواع المعونة الفنية الأخرى، والإسهام في رؤوس أموال مؤسسات التمويل الإنمائي الدولية والإقليمية وغيرها من المؤسسات الإنمائية وتمثيل دولة الكويت فيها. أما فيما يخص نطاق عمليات الصندوق فتتركز بشكل أساسي على قطاعات الزراعة والري والنقل والاتصالات والطاقة والصناعة والمياه والصرف الصحي، ثم أضيفت إليها القطاعات الاجتماعات لتشمل العمليات البنايات التعليمية والصحية.
         وفيما يخص المشاريع الممولة، فتعطى الأولوية لقروض المشاريع التي تمنح بشروط تفضيلية، وهناك معيارين للاستفادة : طبيعة المشروع نفسه، والوضعية الاقتصادية والمالية للدولة المستقبلة. عموما، تمنح قروض الصندوق بشروط تفضيلية تتميز بانخفاض معدل الفائدة الذي يتراوح بين 3 و5,5% (إضافة إلى 0,5% مصاريف إدارية يتحملها المستفيد)، ولمدة تتراوح بين 10 و25 سنة، وفترة سماح تصل إلى 5 سنوات، وتصل نسبة الهبة في بعض الأحيان 60%. ومنذ تأسيسه وحتى عام 1997، حصل المغرب من الصندوق على قروض بقيمة 748 مليون دولار من خلال 23 عملية، مثلت ما نسبته 14% من نسبة نصيب الدول العربية من قروض الصندوق، و7,6% من إجمالي عمليات الصندوق خلال نفس الفترة.[21]
         وترجع علاقات التعاون بين المغرب والصندوق الكويتي إلى 50 سنة، شملت تمويل مشاريع البنى التحتية وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية،[22] فمن خلال نحو ثلاثين اتفاقية موقعة بين البلدين، قدرت مساهمات الصندوق لفائدة المملكة ب 1,2 مليار دولار، فقد ساهم الصندوق الكويتي في تمويل تشييد الطريق السيار مراكش- أكادير الذي وصلت تكلفة إنجازه إلى  8,06 مليار درهم، 78% منها عبارة عن تعاون بين المانحين من الصناديق العمومية والخاصة ومن بينها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
         وقد استأنف الصندوق عمله في المغرب عام 2002، عقب الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس للكويت خلال أكتوبر 2002،[23] وفي سنة 2007 منح هذا الصندوق للمغرب قرضا بمبلغ 50 مليون دولار لتشييد مقطع يبلغ طوله 500 كيلومتر من الطرق القروية التي ستساهم في فك العزلة عن حوالي 100 ألف من السكان في العالم القروي، وفي ميدان السدود، منح الصندوق للمغرب قرضا بقيمة 15 مليون دينار كويتي لبناء سد الحسن الثاني الذي يقع في الغرب على وادي ملوية على بعد 20 كيلومتر من مدينة ميدلت، ويهدف هذا المشروع إلى مكافحة تعرية التربة والتقليل من خطر تراكم الترسبات الطينية والتدبير المستدام والمندمج للموارد الطبيعية والمساهمة في التنمية البشرية داخل الوسط القروي، كما ساهم الصندوق في تمويل بناء سد تاملوت على وادي انسكمير (إقليم الخنيفرة) بمبلغ مالي يصل إلى 450 مليون درهم.[24] هكذا، بلغ مجموع القروض التي منحها الصندوق للمغرب خلال الفترة الممتدة من سنة 1998 وإلى غاية 2007، ما مجموعه 498,01 مليون دولار من خلال 10 عمليات أشرف عليها الصندوق،[25] وهي أعلى نسبة تلقاها المغرب من الصناديق العربية القطرية خلال نفس الفترة.
         هذا، وقد وقع الطرفان بتاريخ 21 فبراير 2013 اتفاقية تمويلية بمثابة علاقات التعاون الاقتصادي بين دولة الكويت والمملكة المغربية، والتي ساهم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في تأطيرها بأكثر من 37 مشروع بقيمة إجمالية قدرها 388 مليون دينار كويتي.[26]
         وتأتي هذه الاتفاقية في إطار تنفيذ منحة دولة الكويت للمغرب ضمن خطة مجلس التعاون الخليجي لدعم مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية في المغرب، تساهم فيها دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة.
 
 
الفقرة الثانية : صندوق أبو ظبي للتنمية الاقتصادية

         مستفيدة من تجربة الصندوق الكويتي للتنمية، قامت الإمارات العربية المتحدة بتأسيس مؤسسة للمساعدة على التنمية تشبه الصندوق الكويتي وذلك سنة 1971. وقد تم توسيع أنشطته سنة 1974 خارج العالم العربي لتهم آسيا وأفريقيا.[27]
         في أنشطته يفضل الصندوق العمليات التي يكون لها وقع مهم على عمليات التنمية الاقتصادية للبلد المستفيد، من هذا المنظور فهو لا يأخذ بعين الاعتبار إلا العناصر الاقتصادية والمالية، كما أن عمل الصندوق يتم وفق توجهات مصالح السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة.
         من ناحية شروط الإقراض، فإن مجلس الإدارة (الجهاز الذي يدير الصندوق)، يحدد شروط كل عملية على حدة حسب البلد المقترض ونوع المشروع الذي أبرم القرض لتمويله، وبصفة عامة يتراوح سعر الفائدة بين 2% إلى 5%، ومدة القرض تمتد من 8 إلى 22 سنة، وتتراوح فترة السماح من 3 إلى 8 سنوات.[28]
         ويراعي مجلس الإدارة طبيعة المشروع المقصود، فبالنسبة لمشاريع الصناعة السياحية تكون الفائدة بمعدل 4,5%، ومدة السماح 4 سنوات، وفترة السداد 14 سنة، أما مشاريع الطاقة الكهربائية فتكون الشروط 3,5% فائدة و5 سنوات فترة السماح و17 سنة مدة السداد، وفي حالة مشروعات البنية الأساسية تكون الشروط 3% فائدة و5 سنوات سماح و 20 سنة فترة سداد.[29]
         ولا يلتزم الصندوق ببرنامج تقديم قروض سنوية، فالصندوق يقدم قروضه فقط للمشاريع، ويستبعد قروض البرامج، ويمارس نشاطه من خلال ثلاثة أساليب وهي : القروض، والمساعدة الفنية، والمساهمة المباشرة في رأسمال المشروعات، وقد قدم الصندوق للمغرب منذ إنشائه وحتى عام 1997، 65 مليون دولار، مثلت 4,6% من إجمالي القروض التي قدمها الصندوق للدول العربية، و3,8% من إجمالي عمليات الصندوق خلال هذه الفترة، كما استفاد المغرب من منح ومساهمات مباشرة، حيث استأثر إلى جانب مصر بنسبة 75% من إجمالي المساهمات المباشرة.[30]
         كما مول الصندوق خلال الفترة الممتدة ما بين 1998 و2007، 3 مشاريع بلغت قيمة القروض الموجهة إليها 208,77 مليون دولار،[31] وعلى الرغم من محدودية موارده، فقد استطاع الصندوق تمويل مشاريع مهمة بالغرب.
 
الفقرة الثالثة : الصندوق السعودي للتنمية

         أنشئ الصندوق السعودي للتنمية بموجب مرسوم ملكي صدر بتاريخ 1/9/1974، ومارس نشاطه بتاريخ 1/3/1975، ويهدف إلى إقامة روابط التعاون المالي مع الدول النامية من خلال مساعدتها في تنفيذ برامجها الإنمائية، وذلك من خلال المساهمة في تمويل المشروعات الإنمائية في الدول النامية بتقديم قروض ميسرة.[32]
         فيما يتعلق بشروط الإقراض، فالصندوق يتقاضى 4% كفائدة على القروض المقدمة إلى الدول النامية، ولا يتقاضى رسم خدمة على القرض، وفترة السداد تتراوح من 20 إلى 30 سنة، بفترة سماح تتراوح بين 5 و10 سنوات، ولا يجوز أن تتجاوز قيمة كل قرض 5% من قيمة رأسمال الصندوق ولا 50% من قيمة تكاليف المشروع.[33]
         لقد ظلت العلاقات المغربية السعودية على الدوام علاقات متميزة ومثالية، بحيث لم يعتريها أي فتور منذ الاستقلال، ويرجع ذلك إلى تشابه النظامين السياسيين، وتشابه وتكامل الدور الموكول إليهما في إطار تصورات النسق الدولي السابق لمنطقة الشرق الأوسط.[34] فخلال سنة 1991 قامت العربية السعودية بإلغاء ديونها اتجاه المغرب، هذا القرار الذي جاء كمكافأة للمغرب على موقفه من الغزو العراقي للكويت.
         وترجع أول اتفاقية تجمع المغرب بالصندوق السعودي للتنمية إلى عام 1978، والتي همت تمويل مشروع سد المسيرة، وقد بلغ مجموع القروض التي قدمها الصندوق للمغرب منذ هذا التاريخ وحتى عام 1997، 218 مليون دولار، من خلال 8 عمليات، مثلت 7,5% من إجمالي المساعدات التي قدمها الصندوق للدول العربية، و3,3% من إجمالي عمليات الصندوق خلال هذه الفترة،[35] والتي همت تمويل مشاريع البنية التحتية (الموانئ، الطرق، المطارات ...) التي ينظر إليها الصندوق على أنها أساس كل تنمية، ذلك أن توجيه القروض نحو هذه القطاعات بحسب الصندوق السعودي للتنمية يهيئ المجال لمشاريع أخرى. أما قطاعات الصناعة والزراعة فتأتي في المرتبة الثانية، في حين مثلت مشاريع الصحة والتعليم نسبة ضعيفة من القروض التي خصصها الصندوق للمغرب، وهي نسبة لا تتناسب وأهمية هذه الخدمات الاجتماعية.
         ولمواجهة عدم التوازن في التوزيع القطاعي هذا، فقد استأنف الصندوق نشاطه في المغرب سنة 1999، حيث ساهم في تمويل برامج ومشاريع ذات طابع اقتصادي واجتماعي، هكذا منح المغرب قرضا بقيمة 112 مليون درهم سنة 2002 لتمويل برنامج تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، كما خصصت السعودية هبة بقيمة 100 مليون دولار سنة 2008 لدعم جهود المغرب للتخفيف من آثار الفيضانات،[36] وعلى العموم فقد بلغ مجموع القروض التي منحها الصندوق السعودي من أجل دعم التنمية في المغرب منذ 1998 وحتى 2007، 150,86 مليون دولار من خلال 9 عمليات، غير أن هذا المبلغ يبقى ضعيفا إذا ما قورن بحجم المساعدة التي حصل عليها المغرب من باقي صناديق التنمية العربية القطرية خلال نفس الفترة، حيث منح الصندوق الكويتي للمغرب 498,01 مليون دولار من خلال 10 عمليات، وصندوق أبوظبي 280,77 مليون دولار من خلال 3 عمليات فقط.[37]
         وقد تواصل عمل الصندوق بالمغرب، حيث أقدم الطرفان المغرب والعربية السعودية بتاريخ 10/03/2013 على توقيع أربع اتفاقيات، منح من خلالها  الصندوق للمغرب 400 مليون دولار أمريكي لتمويل عدد من المشاريع التنموية، والمنح الأربعة تندرج في إطار هبة بقيمة مليار و250 مليون دولار أمريكي قدمتها المملكة العربية السعودية للمغرب.[38]
         بعد أن تناولت كل صندوق على حدة وأبرزت حجم المساعدات التي قدمها للمغرب، لا بد من إبراز مجموعة من الملاحظات :
         تتميز المساعدات العربية في مجملها بشروط ميسرة مثل انخفاض سعر الفائدة وطول فترة السماح والسداد، أي ارتفاع نسبة عنصر المنحة فيها، وهي شروط تساعد على تخفيف أعباء خدمة الدين الخارجي على الدول المستفيدة. ومن الجدير بالذكر أن المساعدات المقدمة من صناديق ومؤسسات التنمية العربية تتضمن عنصر منحة يتراوح بين 40% و50%، وذلك بمعايير منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي،[39]
         كما يتميز العون العربي بأنه مساعدات من دول نامية إلى دول نامية أخرى (جنوب - جنوب)، وأن مؤسسات وصناديق التنمية العربية قد تكونت لديها خلال العقود الثلاثة الماضية خبرات مهمة في مجالات مثل  تصميم وتقييم المشاريع، أنواع الإقراض، تنسيق المساعدات، ومتابعة المشاريع. وقد أدى ذلك إلى إنجاز مشاريع هامة في العديد من دول العالم، وعلى الأخص في الدول العربية مثل مشاريع السدود، والمياه، والكهرباء، والربط الكهربائي، والطرق السريعة الرئيسية.
         ومن أهم ما يميز المساعدات العربية أيضا في مجملها، أنها لا ترتبط بشروط سياسية مثل بعض أنواع المساعدات الأخرى التي تقدم من دول كبرى، أو من دول إلى مستعمراتها السابقة، أو من مؤسسات دولية تشترط أنماطا معينة للتنمية والسياسات الاقتصادية. إن معظم المساعدات الإنمائية العربية تتضمن فقط شروطا موضوعية تنصب على المشروع وطرق تنفيذه، وبما يؤدي إلى تأمين أفضل الأوضاع الاقتصادية له، وتحقيق أقصى درجة الشفافية.
         غير أن المساعدات العربية تتأثر في نفس الوقت بمعايير البنك الدولي ومجموعته، سواء من حيث الاستغلال أو الأهداف، ( فهو يركز على المردودية الاقتصادية للمشاريع المالية).
         كذلك فالمساعدات العربية تفضل قروض المشاريع على حساب البرامج، التي تعتبر السبيل الوحيد القادر على تأمين الاستعمال الجيد للأموال العربية لخدمة التنمية الاقتصادية للدولة المستفيدة. فإهمال هذا النوع من البرامج نابع من وفاء هذه الصناديق لاستراتيجية البنك الدولي، وناتج كذلك عن ضعف الأرصدة المالية التي تقدمها هذه الصناديق والتي لا تكفي لتغطية حاجيات كل البرامج.
         في الأخير، فإن إنشاء هذه الصناديق ارتبط بارتفاع أسعار البترول، وهي مادة معرضة للنفاذ، فباستثناء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي أنشئ سنة 1961، فإن باقي الصناديق أنشئت بعد سنة 1974، أي مباشرة بعد ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية.

المبحث الثاني : المساعدات المتعددة الأطراف

         كما سبقت الإشارة إلى ذلك، تمارس المساعدات الخارجية دورا هاما في علاج اختناق المدخرات المحلية واختناق النقد الأجنبي في الاقتصاد القومي، إذ تساهم في توفير التمويل اللازم لتنفيذ الاستثمارات المطلوبة وكذلك توفير النقد الأجنبي اللازم لشراء مستلزمات الإنتاج المستوردة، فضلا عن الآثار الأخرى المباشرة وغير المباشرة التي تمارسها تلك التدفقات على الاقتصاد القومي، الأمر الذي يساهم في دفع عجلات التنمية والرفاهية الاقتصادية.
         في هذا الإطار أنشئت مجموعة من الهيئات الدولية التي جعلت من أهدافها المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول النامية، منها من أنشأ على أساس جغرافي، ومنها من أنشأ على أساس لغوي أو ديني، وعلى هذا الأساس سوف أتطرق للمؤسسات التي أنشأتها الدول العربية والإسلامية في نقطة أولى على أن أخصص النقطة الثانية لتلك التي أنشأتها الدول الغربية.

المطلب الأول : المؤسسات المالية الإقليمية العربية والإسلامية

         لقد أنشئت العديد من المؤسسات المالية بين مجموعة من الأقطار الدولية التي تربطها إما روابط جغرافية أو لغوية أو دينية، وسأتناول في هذه الدراسة كل من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية، البنك الإسلامي للتنمية، وأخيرا صندوق الأوبك للتنمية على اعتبار أن هذه المؤسسات يربطها بالمغرب إما عامل القرب أو روابط دينية أو لغوية.

الفقرة الأولى : الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي

         يعتبر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي مؤسسة مالية إقليمية يضم في عضويته جميع البلدان العربية الأعضاء في جامعة الدول العربة. وقد أنشئ بموجب اتفاقية صادق عليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ 16/5/1968، وأعلنت الأمانة العامة نفاذ هذه الاتفاقية بتاريخ 18/12/1971، وباشر الصندوق عملياته الإقراضية بداية عام 1974.
         ويهدف الصندوق طبقا لاتفاقية إنشائه إلى الإسهام في تمويل مشروعات الإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية عن طريق  تمويل المشاريع الاقتصادية ذات الطابع الاستثماري بقروض تحمل شروط ميسرة للحكومات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة، مع منح الأفضلية للمشروعات الاقتصادية الحيوية للكيان العربي والمشروعات العربية المشتركة، وكذا تشجيع توظيف الأموال العامة والخاصة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بما يكفل تطوير وتنمية الاقتصاد العربي، وتوفير الخبرات والمعونات الفنية في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية، وإنشاء صناديق خاصة تهدف إلى تحقيق أغراض معينة تتفق مع أغراض الصندوق العربي، وأخيرا تمويل مشروعات القطاع الخاص في الدول الأعضاء عن طريق تقديم القروض، والضمانات على اختلاف أنواعها للمؤسسات والمنشآت ذات الشخصية الاعتبارية والمساهمة في رؤوس أموالها وذلك وفقا للقواعد والشروط التي يحددها مجلس الإدارة.[40] والواقع أن هذه الأهداف والأغراض لا تختلف عما هو قائم في كثير من المؤسسات التمويلية الدولية.
         ويمنح الصندوق قروضه بفائدة 6%، وتتراوح مدة القرض من 15 إلى 25 سنة تدفع على أقساط نصف سنوية بفترة سماح تتراوح من 4 إلى 6 سنوات، هذا عن الشروط العامة، أما بالنسبة للدول العربية الأكثر فقرا فيقوم الصندوق بمنحها قروضا بشروط أكثر يسرا وتتمثل في خفض الفائدة إلى 4%.[41]
         وفي جميع الأحوال يلزم تقديم ضمان من حكومة الدولة التي يقام المشروع على إقليمها، كما لا يمول أي مشروع بدون الحصول على إذن الحكومة المعنية كما يمكن طلب ضمانات أخرى عند تمويل المشروعات الخاصة.
         ومنذ إنشائه سنة 1974 وإلى غاية سنة 1998، منح الصندوق للمغرب 37 قرضا بقيمة 454 مليون دينار كويتي، مثلت نسبة 15% من مجموع القروض الممنوحة للدول العربية خلال هذه الفترة، حيث شكل المغرب أكبر مستفيد من قروض الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي العربي.[42]
         وقد بلغت قروض الصندوق إلى المغرب خلال الفترة الممتدة من سنة 1998 إلى غاية 2007 19 قرضا بقيمة 1264,47 مليون دولار، وخلال الفترة المتراوحة ما بين 2008 و2012، حصل المغرب على ثمانية مليار درهم، كما وقع الطرفان بتاريخ 17 دجنبر 2013 قرضا وصلت قيمته 1,5 مليار درهم، أي حوالي 184 مليون دولار.[43] وبذلك شكل الصندوق أكبر مانح للمغرب بالمقارنة بباقي صناديق التمويل العربية.[44]
         وقد وجه الصندوق اهتمامه لمشروعات البنية التحتية الأساسية، كما حظي قطاع النقل والاتصالات بالنصيب الأكبر، حيث استفاد من 2200,35 مليون دولار، يليه قطاع الزراعة والثروة الحيوانية ب 1837,79 مليون دولار، ثم قطاع الطاقة (كهرباء، نفط، غاز) ب 1642,85 مليون دولار، ثم قطاع الصناعة والتعدين ب 207,37 مليون دولار، في حين جاءت القطاعات الأخرى (الإسكان، الصحة، التعليم) في الرتبة الأخيرة ب 306,48 مليون دولار.[45]
         من ناحية أخرى، يشارك الصندوق مع مؤسسات التنمية العربية الوطنية والإقليمية والدولية في تمويل عدد من المشاريع في البلدان العربية، غير أن نسبة القروض الموجهة للمشروعات المشتركة لا تتجاوز 10,3% من إجمالي قيمة القروض التي قدمها الصندوق، وهي نسبة ضئيلة جدا، وذلك على الرغم من أن الاتفاقيات قد أولت المشروعات اهتماما خاصا، حيث نصت على منح الأفضلية للمشروعات الاقتصادية الحيوية للكيان العربي وللمشروعات العربية المشتركة.
         وجميع المشروعات التي مولها الصندوق خلال هذه الفترة تتعلق بالاتصالات والطرق والربط الكهربائي، وليس من بينها مشروع إنتاجي إلا مصنع أسمنت المشترك بين الأردن وسوريا، ومصنع مبيدات مشترك بين سوريا والأردن، وهذا يوضح ضعف الاهتمام بالمشروعات العربية الإنتاجية المشتركة.

الفقرة الثانية : البنك الإسلامي للتنمية

         بدأت الدعوة لإنشاء بنك إسلامي للتنمية خلال المؤتمر الثاني لوزراء خارجية الدول الإسلامية بمدينة كراتشي عام 1970، حيث تقدمت دولتان (باكستان ومصر)[46] بطلب رسمي لإنشاء بنك إسلامي. وفي 18 دجنبر 1973 صدر بيان العزم بإنشاء البنك الإسلامي للتنمية في الاجتماع الأول لوزراء المالية بمنظمة المؤتمر الإسلامي. وفي 10 غشت 1973 صادق المؤتمر الدولي لوزراء المالية الذي انعقد بجدة على اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية.[47] ويضم البنك أساسا جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
         ويسعى البنك إلى الإسهام في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودعمها بالمجتمعات والدول الإسلامية للنهوض بمستوى المعيشة طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى ذلك، يحاول البنك النهوض بالتجارة البينية بين الدول الإسلامية الأعضاء انطلاقا من إدراكه بأن تشجيع التجارة البينية عامل فعال في تحقيق أهداف التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلاد الإسلامية.
         ويتمثل النشاط التمويلي للبنك في شكلين : الأول تمويل المشروعات وتقديم المساعدة الفنية، والثاني، تمويل التجارة بين الدول الأعضاء. وفي داخل كل إطار نجد مجموعة من الأساليب المختلفة للتمويل.
         وقد بدأ المغرب تعامله مع البنك الإسلامي للتنمية منذ 1977، حين قدم هذا الأخير أول قرض لتمويل القطاع الصناعي، ومنذ هذا التاريخ ستعرف قروض البنك تنوعا قطاعيا آخذا بعين الاعتبار التوجهات التنموية للمغرب خلال مراحلها المختلفة.
         فقد توجهت تمويلات البنك ما بين سنة 1977 إلى غاية 1982 نحو القطاع الصناعي بنسبة 100%، ومنذ 1983 تحول توجه البنك عن القطاع الصناعي اتجاه قطاع المياه والبنى التحتية، حيث احتل قطاع البنية الأساسية المرتبة الأولى بنسبة 56%، بقيمة إجمالية بلغت 225,98 مليون دولار، (همت بناء السدود، التزويد بالماء الصالح للشرب، الكهرباء)، وقد ارتفعت حصة هذا القطاع من حجم التمويل خلال السنوات اللاحقة، فما بين 1993 و 2003 وصلت قيمته 188,660 مليون دولار، كما احتل قطاع النقل والاتصالات المرتبة الثانية بنسبة 27% بقيمة إجمالية بلغت 112,33 مليون دولار، موزعة ما بين 96,33 مليون دولار لصالح قطاع الطرق و16 مليون دولار قيمة مشاركة البنك في تدبير قطاع الاتصال، ويرجع هذا التراكم إلى انخراط البنك في إنشاء الطرق السيارة والتي وصلت في مجموعها 78,703 مليون دولار.[48]
         ويعتبر قطاع الصناعة والتعدين القطاع الوحيد الذي لم يعرف تحولا كبيرا مع تطور علاقة البنك بالمغرب، فقد وصل إجمالي قيمة تمويله 51,47 مليون دولار، ونفس الملاحظة تنطبق على قطاع الزراعة والتنمية القروية الذي انخفضت نسبته من 6% سنة 2002 إلى 3% سنة 2003.
         ويرجع ضعف مساهمة البنك الإسلامي للتنمية في تمويل القطاع الصناعي إلى استعمال أسلوب المشاركة، فمن نسبة 17% سنة 2002 تراجع هذا القطاع إلى 15% سنة 2003، وقد استمر هذا القطاع في التقهقر نظرا للاعتماد على أسلوب المشاركة الذي يعرف صعوبات في استعماله.
         إذا كانت القطاعات السابقة الذكر والتي تدخل في خانة القطاعات الاقتصادية قد حققت نسبا متفاوتة الأهمية، فإن التنمية الاجتماعية وحتى 2003 لم تحصل سوى على نسبة ضئيلة من تمويلات البنك، حددت في 1% فقط من خلال تمويل البنك لبرنامج فرعي في برنامج محو الأمية بقيمة 5,45 مليون دولار. هذا فيما حققت قطاعات مختلفة بقية النسب بقيمة تصل إلى 3,85 مليون دولار.
         هذا وقد خصص برنامج العمل للبنك مع المغرب للفترة 2004 - 2006، مبلغ 590,89 مليون دولار، وهو المبلغ الأهم منذ بدأ البنك نشاطه بالمغرب، كما حمل عدة نتائج خصوصا على صعيد التوجهات التنموية للبنك، فلأول مرة ستعرف حصة القطاع الزراعي ارتفاعا بقيمة تصل إلى 50.000 مليون دولار وبنسبة 20,22%.[49] كذلك سجل ارتفاع في حصة القطاع الاجتماعي، فمن 5,45 مليون دولار خلال المخطط الثلاثي السابق حاز هذا القطاع على نسبة 9,20% بمبلغ مالي يصل إلى 16,30 مليون دولار من حصيلة القطاعات الأخرى.
         وكتقييم لعمل البنك في المغرب، يمكن القول أن البنك الإسلامي يعد ممولا أساسيا للتنمية بالمغرب، وقد شكلت الفترة الممتدة من سنة 1993 إلى 2003 المرحلة التي تلقى فيها المغرب أكبر نسبة من حجم التمويل، وصل إلى 1,686 مليار دولار من احتياطاته المالية علما أن مساهمة المغرب في رأسمال البنك لا تتجاوز نسبة 0,68%.
         إن الاستراتيجية التي باشرها البنك بالمغرب والحصيلة التي حققها منذ انخراطه لدعم الجهود الاقتصادية تأثرت بعدة عوامل، منها تأطير البنك لنشاطه التنموي بنظريات وأدوات الصيرفة الموافقة للشريعة الإسلامية، وتطبيق المغرب لسياسة التقويم الهيكلي ومتطلبات التوازنات المالية وآثار ذلك على حجم ونوعية الموارد المالية الخارجية، فقد اعتبر البنك في إحدى تقاريره أن من بين العوامل التي أثرت على ضعف انتشار خدماته ونشاطه التمويلي في المغرب هو تطبيق برنامج التقويم الهيكلي والذي وضع قيودا على أشكال وحجم القروض التي قد تؤثر على حجم التقويم، من جهة ثانية فإن البرنامج يرمي إلى صيانة وتجديد التجهيزات القائمة، الأمر الذي يتطلب تكاليف عادية ويفرض مبالغ مهمة لأجل تمويل التكاليف المحلية، وعلى اعتبار أن البنك الإسلامي لا يفحص عادة مثل هذا النوع من طلبات التمويل، فإن المغرب شأنه شأن البلدان التي اتبعت سياسة التقويم الهيكلي كان يلجأ إلى جهات أخرى لتمويل مشاريعه.
         إضافة إلى تلك العوامل، هناك عامل آخر لايقل أهمية، يتمثل في انخفاض أسعار البترول طيلة فترة الثمانينات، الشيء الذي يسبب تراجعا للاقتصاد العالمي وانخفاض نمو اقتصاديات البلدان المصدرة للبترول، وهو الأمر الذي بينه البنك في تقريره 1987 - 1988.
         رغم كل هذا، فإن المغرب تلقى مساعدات مهمة من البنك، فمع أن هذه الحصيلة متواضعة خصوصا بالنسبة للمشاريع التنموية إلى حدود 1993 فإن انتهاء المغرب من تطبيق برنامج التقويم الهيكلي وبداية انتعاش الاقتصاد العالمي وكذا تنويع البنك لأدواته المالية ورفع اكتتاباته ابتداء من سنة 1993، دفع بالبنك إلى الانخراط بشكل أفضل في مخططات التنمية بالمغرب.

الفقرة الثالثة : صندوق أوبك للتنمية

         أنشئ صندوق أوبك للتنمية الدولية في عام 1976، بواسطة ثلاث عشرة دولة هي : الجزائر، إكوادور، الغابون، إندونيسيا، إيران، العراق، الكويت، ليبيا، نيجيريا، قطر، السعودية، الإمارات المتحدة، وفنزويلا. وفي عام 1980 تحول الصندوق من مجرد حساب دولي مشترك إلى "وكالة دولية"، باسمها الحالي.[50]
         ويتمثل الهدف الرئيسي للصندوق في دعم التعاون المالي بين الدول الأعضاء في أوبك والدول النامية الأخرى، من خلال تقديم الدعم المالي للمساعدة في جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع إعطاء الأولوية للدول الأكثر فقرا والمشروعات المفيدة للطبقات الدنيا للمجتمع.
         وتختلف شروط الإقراض وتمويل العمليات باختلاف نوع العملية التي يتم على أساسها التمويل، ذلك أن الصندوق يقسم عملياته إلى ثلاث مجموعات هي : قروض دعم موازين المدفوعات، وهي عمليات تلبي الاحتياجات قصيرة الأجل للدول النامية، من خلال تقديم قروض لدعم موازين المدفوعات. وهذا النوع يتم تقديمه بسعر فائدة 4%، وفترة السداد 10 سنوات، وتشمل فترة السماح ثلاث سنوات. وقروض تمويل المشروعات، وهي عمليات تلبي الاحتياجات طويلة الأجل، خلال تقديم قروض لتنفيذ المشروعات التنموية. وهذا النوع يقدم بدون فائدة. وأخيرا المعونات الفنية، وهي عمليات تمويل أنشطة المعونة الفنية وتتم في شكل هبات ومنح.
         والصندوق لا يعطي أولوية لقطاعات معينة، ولكن يأخذ في الاعتبار الأولويات الإنمائية لكل دولة، وقد حصل المغرب منذ إنشاء الصندوق وحتى سنة 1998 على 57 مليون دولار من خلال 9 عمليات،[51]  بينما حصل خلال الفترة الممتدة من 1998 وحتى 2007 على 79,80 مليون دولار فقط من خلال 5 عمليات،[52] وهي نسبة ضعيفة إذا ما قورنت مع ما حصل عليه المغرب من البنك الإسلامي للتنمية والصندوق العربي للتنمية مثلا، مما يبين أن صندوق أوبك يعتبر ممولا ثانويا في تمويل المشاريع التنموية، وهذا يجد تفسيره في وجود بعض الدول بالصندوق ذات التوجه الاشتراكي، والمغرب اختار منذ البداية التوجه الليبرالي، إضافة إلى وجود الجزائر ومواقفها العدائية اتجاه المغرب بسبب قضية الصحراء المغربية.
         ومن حيث التوزيع الجغرافي لعمليات الصندوق يتبين أن الصندوق يركز نشاطه على مشروعات  البنية الأساسية والمشروعات الاجتماعية (التعليم والصحة). في حين لا يولي أهمية كبرى للمشروعات الإنتاجية الزراعية والصناعية. ويعتبر الاهتمام بالبنية الأساسية من أولويات نشاط الصندوق وهو أمر حيوي لإعادة تشكيل هياكل الإنتاج المتخلفة.
         وعموما يمكن القول أن تجربة البنك الإسلامي للتنمية هي التجربة الجديرة بالاعتبار من بين صناديق التمويل العربية لكونه يقوم بتعبئة المدخرات من الأسواق المالية، ويقدم قروضه بدون فائدة مراعاة لأحكام الشريعة الإسلامية، كما أنه ينوع أساليب التمويل، إذ يقوم بنشاطه من خلال مجموعة من القنوات تتمثل في القروض والإجارة والبيع لأجل وتمويل التجارة الخارجية، وأخيرا فهو يراعي تدعيم العلاقات البينية بين الأعضاء، إذ يقرر معاملة خاصة للمشروعات أو طلبات التمويل التي تدعم هذا القرض.
وبإلقاء نظرة على دور الصناديق العربية في التنمية يتبين أن مساهمتها ضعيفة، وهذا الضعف يمكن تلمسه من خلال مجموعة من المؤشرات :
 
  • مساهمة الصناديق في سد عجز الميزانية العامة
      
   إن نسبة مساهمة عمليات الصناديق في النفقات العامة ضئيلة للغاية حيث لم تتجاوز متوسط مساهمة عمليات الصناديق نسبة 2,3% من قيمة إجمالي النفقات العامة مثلا خلال الفترة الممتدة من سنة 1990 إلى 1996، ومن تم يتضح ضعف فعالية قروض صناديق التمويل العربية في سد عجز الميزانيات العامة في الدول المستفيدة، فنسبة تغطية العجز في المغرب لم تتجاوز 3,2%.[53]
 
  • مساهمة الصناديق في سد عجز موازين المدفوعات
    
    ومن المسلم به أن ضعف مساهمة الصناديق في سد العجز الداخلي، ينعكس بالضرورة على العجز في الميزان الخارجي، وسوف نوضح مدى مساهمة عمليات الصناديق التمويلية في تخفيض عجز ميزان المدفوعات في المغرب من خلال مؤشرين : المؤشر الأول، يتمثل في نسبة قيمة عمليات الصناديق إلى قيمة الواردات، حيث يبين هذا المؤشر أنها متدنية جدا، مما يقلل من فعاليتها في خفض عجز ميزان المدفوعات، حيث لم تتجاوز 3,4%. وهذه النسبة توضح بلا شك ضعف الدور الذي لعبته عمليات الصناديق في سد العجز الناتج عن ارتفاع قيمة الواردات. والمؤشر الثاني يتمثل في نسبة عمليات الصناديق إلى خدمة الديون، حيث يعكس هذا المؤشر مدى فاعلية نشاط الصناديق في تخفيف العجز في ميزان المدفوعات من خلال بيان نسبة هذه القروض إلى خدمة الدين في الدول المتلقية لمساعدات الصناديق خلال عام 1996.
         وبصفة عامة تعتبر نسبة عمليات الصناديق إلى خدمة الديون منخفضة، حيث لم تتجاوز هذه النسبة 4%. وهي نسبة ضئيلة، مما يعني ضعف مساهمة هذه القروض في تخفيف العبء عن موازين المدفوعات في الدول المقترضة.
 
  • عمليات الصناديق إلى الناتج المحلي الإجمالي
      
   يعكس هذا المؤشر فعالية قروض الصناديق من خلال مدى مساهمتها في الناتج الداخلي الإجمالي، وذلك خلال الفترة 1990 - 1996، ولا شك أن الناتج المحلي الإجمالي له أهميته في رفع مستوى المعيشة، بل هو مقياس هام لتطور الأداء الاقتصادي القوي، وقد مثلت هذه النسبة بالنسبة للمغرب خلال هذه الفترة 0,9%، وهي نسبة متدنية جدا، توضح عدم فعاليتها في زيادة الناتج القومي الإجمالي.
 
  • نسبة عمليات الصناديق إلى قيمة الفجوة الغذائية
  
       يوضح هذا المعيار مدى فاعلية الصناديق في تحقيق الأمن الغذائي المغربي ومدى المساهمة في تقليل حجم الفجوة الغذائية المغربية. وترجع أهمية ذلك إلى أن الدول العربية عموما تواجه اليوم موقفا غذائيا ليس سهلا، وأنها ستواجه معا وبحكم أوضاعها الإقليمية وبحكم ترابطها من كل النواحي الإنسانية والتاريخية والثقافية، الموقف نفسه على امتداد السنوات المقبلة. فمن الملاحظ الآن أن الفائض لدى الدول المصدرة للحبوب قد أصبح واقعيا فائضا استراتيجيا يستخدم للضغط الاقتصادي والسياسي بصور مختلفة، ورغم أن التنمية الزراعية والأمن الغذائي بصفة عامة قد أصبحا مسألة حياة أو موت بالنسبة للعالم العربي ورغم الجهود الضخمة التي بذلت خلال ربع القرن الأخير، ما زالت القضية بالنسبة للدول النامية ومنها المغرب على درجة كبيرة من الخطورة.
         يرجع ضعف فعالية النشاط التمويلي للصناديق العربية إلى مجموعة من الأسباب من بينها ضعف الموارد الذاتية للصناديق، وزيادة حجم المتأخرات، واعتماد مصادر تمويل الصناديق على ميزانيات الدول الخليجية بشكل أساسي، وتفضيل تقديم المعونات من خلال العلاقات الثنائية بعيدا عن الصناديق، فضلا عن عدم ملاءمة شروط الإقراض ذاتها، وفي الأخير اعتمادها على موارد معرضة للنفاذ (النفط).
 
المطلب الثاني : البنك الإفريقي للتنمية

         أنشئ البنك الإفريقي للتنمية سنة 1964 لتعبئة موارد مالية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء، ويعد البنك الذي يتخذ من تونس مقرا مؤقتا له، أول مؤسسة لتمويل التنمية في إفريقيا، وتتمثل مهمته في تقليص نسبة الفقر وترقية التنمية المستدامة.[54]
         يتكون بنك التنمية الإفريقي من نافذتين رئيسيتين للإقراض : بنك التنمية الإفريقي، وصندوق التنمية الإفريقي. ويتبع بنك التنمية الإفريقي في العمل نفس أسلوب البنك الدولي من حيث إعداد استراتيجية محددة بالنسبة لغالبية الدول التي يقرضها. ويطلق البنك على هذه الوثيقة وثيقة استراتيجية الدولة، وهي تهدف إلى تحديد المعالم الأساسية للمعونة التي يقدمها البنك للدولة المقترضة. وتتراوح الفترة الزمنية التي تتناولها هذه الورقة عادة بين 3 و5 سنوات.
         ويشكل البنك الإفريقي للتنمية منذ 2009 الشريك الأول للمغرب في مجال التنمية، باستثمارات ناهزت 10 مليار أورو، ويركز مجال تدخله على قطاع البنية التحتية متبوعا بدعم إصلاح  القطاعات الاجتماعية.
         وتبعا للاستراتيجيات التي يضعها البنك مع المغرب، فقد ارتكزت استراتيجية الدولة 2007 - 2011، الموقعة من طرف المجلس الإداري للبنك الإفريقي في أبريل 2007 والمملكة المغربية على ثلاث محاور، تقوية نظام الحكامة، وتنمية وتأهيل البنية التحتية الاقتصادية للمقاولة، وأخيرا دعم التنمية البشرية.[55]
         ومع نهاية سنة 2012، غطت الأرصدة الموجهة للمغرب 23 عملية،[56] منها 14 قرض و9 منح، بلغت في المجموع 2,4 مليار دولار، همت بالخصوص قطاع البنية التحتية (النقل، الطاقة والمناجم، الماء والتطهير، والسقي)، بنسبة 86% من حجم التمويل،[57] متبوعة بالقطاع الخاص (8,8%)، والقطاع الفلاحي ب (6,6%)، وأخيرا القطاعات المتعددة (5,2% من حجم التمويل)، كما يوضح ذلك الجدول التالي :

                                حصة القطاعات من القروض مع متم سنة
2012

 
القطاعات النسبة المئوية
الفلاحة 6,6%
النقل 24,3%
القطاع الخاص 8,8%
الماء وتطهير السائل 21,3%
الطاقة 33,7%
القطاعات المتعددة 5,2%
 
                   المصدر: تقرير معد بمناسبة الاجتماع السنوي للبنك الإفريقي للتنمية (مراكش 2013)

         ويخضع التعاون الحالي للمغرب مع البنك الإفريقي للتنمية لوثيقة استراتيجية الدولة 2012 - 2016،  التي رصد لها مبلغ 430 مليون أورو في السنة والتي ترتكز على  محورين اثنين : دعم الحكامة والاندماج الاجتماعي، وتنمية البنيات التحتية الخضراء.
         فبالنسبة لتقوية الحكامة والتضامن الاجتماعي، فتتم من خلال البحث في العلاقة القوية التي تربط النمو الشامل بالتوظيف، والمساعدة التقنية للشباب المقاول في المجال الفلاحي وإعداد المدونة المالية. ويرتكز المحور الثاني على دعم تنمية البنية التحتية الخضراء عبر مشروع المحطة الشمسية بورزازات، والبرنامج المندمج للرياح والهيدروليك وكهربة العالم القروي والمساعدة التقنية للتخفيف من التغيرات المناخية.
         وقد ارتكزت استراتيجية البنك في المجال الفلاحي للفترة 2010 - 2014 على البنية التحتية الفلاحية وإدارة الموارد الطبيعية المتجددة. ويشمل دعم القطاع الفلاحي الممول من طرف البنك 5 مشاريع موجودة حيز التنفيذ، رصد لها مبلغ 160,38 مليون أورو، وتشمل مشروع مساعدة البرنامج الوطني لاقتصاد ماء السقي PAPNEEI، برنامج دعم مخطط المغرب الأخضر PAPMV، الدعم التقني لبرنامج واحات الجنوب ATPDS، مساعدة تقنية لتنمية البنيات التحتية للسقي (ATDII) والدعم التقني لدعم الشباب المقاول في القطاع الفلاحي (ATPJEA).[58]
         وفي قطاع الطاقة، مول البنك 17 عملية بقيمة إجمالية 1,3 مليار أورو، ارتكزت على تنمية قطاع الطاقة المتجددة عبر تمويل المحطة الحرارية بعين بني مطهر، المحطة الحرارية بورزازات والمخطط الريحي المغربي وكهربة العالم القروي.
         وتجدر الإشارة في الأخير أن نشاط البنك الإفريقي للتنمية في منطقة شمال إفريقيا لا يحظى بالشهرة المناسبة، حيث أن معظم القروض والاستثمارات الهامة التي يقوم بها البنك تتركز في المنطقة جنوب الصحراء علاوة على أن حجم عمليات الإقراض التي يقوم بها البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوربي في شمال إفريقيا تفوق عمليات البنك الإفريقي للتنمية.

الفقرة الثانية : الاتحاد الأوربي

         ترجع بداية التعاون بين المغرب والاتحاد الأوربي إلى سنة 1976، فقد أضافت اتفاقية التعاون الموقعة بين المجموعة الاقتصادية الأوربية والمغرب سنة 1976 إلى المحورين التجاري والاجتماعي محورا ماليا. كما حددت أربعة مبادئ للتعاون.

مبدأ التكامل : الذي مفاده أن المساعدة المالية للمجموعة الاقتصادية الأوربية تأتي كدعم للمجهودات التي تبذلها الدول المغاربية في مجال التنمية، كما تكمل المساعدات التي تخصصها دول المجموعة الاقتصادية الأوربية للدول المغاربية في إطار المساعدات الثنائية.
مبدأ التوافق : هذا المبدأ يعتبر أساس سياسة وفلسفة التعاون، ويتخذ هذا المبدأ طابعا خاصا في حالة البلدان المغاربية، حيث أن المجموعة الاقتصادية الأوربية معنية بشكل أساسي بتنمية هذه الدول.
مبدأ عدم التمييز : تم إقرار هذا المبدأ بموجب الفصلين 12 و14 من البروتوكولات المالية، هذا المبدأ يخدم مصلحة المجموعة الاقتصادية الأوربية. ومفاده أن الأفراد والشركات من أصل أوربي يتمتعون بنفس الحقوق التي تتمتع بها الشركات المغاربية في المزادات وطلبات العروض والصفقات والعقود وغيرها.
مبدأ الشرطية : ومفاده أن منح المساعدات مشروط بمدى احترام حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية.
وقد طبق هذا المبدأ على المغرب حينما أرجأ البرلمان الأوربي التصديق على البروتوكول المالي الرابع الموقع سنة 1976 إلى سنة 1992، بحجة "أن المغرب يعرف أزمة ديمقراطية، ولا يحترم حقوق الإنسان، كما يرفض تطبيق الاستفتاء بالصحراء".[59]
         لقد أرست اتفاقية التعاون الموقعة بين المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوربية جانبا ماليا إلى جانب التعاون التجاري والاجتماعي، في هذا الإطار حدد البروتوكول المالي الأول لسنة (1976-1981)، مبلغ 130[60] مليون إيكو،* خصص منها مبلغ 58 مليون إيكو لبناء ميناء وبعض التهيئات الهيدرولية، وكذا تمويل التنمية الصناعية والتزود بالماء، و16 مليون إيكو قدمت في شكل إعانات موجهة لتغطية نفقات مشروع التكوين المهني وتأهيل الصناعة والتعاون التقني والعلمي.[61] أما البروتوكول الثاني والذي يمتد للفترة ما بين (1982 - 1986) فقد قدر المبلغ الممنوح بموجبه ب 129  مليون إيكو.
         ويرصد الجدول التالي حجم الإعانات التي خصصها الاتحاد الأوربي للمغرب وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (1976 و1996).

                  تطور حجم المبالغ المخصصة للمغرب من خلال البروتوكولات المالية (1978 - 1996)
 
 
السنــــــــــة مبلــــــــــغ المساعدة
1978 - 1982 130
1982 - 1986    199
1986 - 1991         324
1991 - 1996 438
المجموع 1091
 
                    المصدر : محمد بن الحسن علوي، التعاون بين الاتحاد الأوربي والدول المغاربية، مرجع سابق (ص، 49).

         وبتوقيعه على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي سنة 1996، يكون المغرب قد اختار أوربا كشريك استراتيجي بسبب واقع متعدد الأبعاد، سياسية، بشرية واقتصادية. وقد أتاح تطور العلاقات المالية والتجارية مع الاتحاد الأوربي الرفع من وتيرة الإصلاحات، وتحديث الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية. وقد احتل المغرب المرتبة الأولى ضمن البلدان المستفيدة من الغلاف المالي المخصص لبرنامج MEDA، الذي يجسد الجانب المالي للشراكة الأورومتوسطية.
         هكذا استفاد المغرب ضمن برنامج "ميدا" من غلاف مالي قدره 1 ,570 مليون أورو خلال الفترة الممتدة من 1996 إلى 2006، أي بمعدل سنوي يصل إلى 140 مليون أورو. وعلى هذا الأساس فقد وقعت مجموعة من الاتفاقيات المالية بين الطرفين إلى غاية 31 دجنبر 2006 بمبلغ قدره 1540 مليون أورو.[62]
         وفيما يخص توزيع المبلغ المالي المقرر في إطار برنامج MEDA خلال العشرية 1996 - 2006، فقد خصص مبلغ 687 مليون أورو أي نسبة 45% من الحجم الإجمالي للدعم المالي القطاعي، أي دعم الإصلاحات القطاعية الهادفة للإقلاع الاقتصادي. ويتعلق الأمر بتسهيل التقويم الهيكلي الشامل وكذا تسهيل تقويم القطاعات المالية، الماء، الصحة، النقل وكذا برنامج دعم الإصلاح الإداري والتخلص من السكن غير اللائق.
         كما استفادت المشاريع الهادفة إلى تقوية التوازن السوسيواقتصادي من مبلغ 464 مليون أورو، أي بنسبة 34% من المبلغ الإجمالي. هذه المشاريع همت بالأساس التزويد بالماء الصالح للشرب، الطرق، والمسالك القروية، تنمية أقاليم الشمال، التعليم الأساسي، الأعمال التي تستهدف الشباب، الصحة، ومشروع التنمية القروية التشاركية في وسط الأطلس المتوسط.
         وخصص المبلغ المتبقي (231 مليون أورو) أي بنسبة 17% من المبلغ الإجمالي لبرنامج تأهيل المقاولات. ويتعلق الأمر بتطوير القطاع الخاص، وبرنامج تأهيل التكوين المهني، وبرنامج دعم صندوق الضمان، والصندوق الوطني لإعادة تأهيل المقاولة.
         وفي إطار السياسة الجديدة للجوار التي تبناها الاتحاد الأوربي مع دول الجوار الأورومتوسطي، اعتمد المغرب مخطط عمل مع الاتحاد الأوربي سنة 2005،[63] الذي اعتبر بمثابة تجديد للتعاون الثنائي، والذي أعطى الأولوية لبعض المجالات المقررة بموجب اتفاق الشراكة، مثل متابعة الإصلاح التشريعي بتطبيق معايير دولية في مجال حقوق الإنسان، تقوية الحوار في مجال السياسة الخارجية للأمن المشترك[64] والسياسة الأوربية في مجال الدفاع المشترك، وتقوية التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
         كما تم إدماج مجالات أخرى مثل التعليم، التكوين، البحث العلمي، تكنولوجيا المعلومات، تدفقات الهجرة وتحركات الأشخاص، وذلك في اتجاه تسهيل المساطر على بعض الفئات المدرجة في اتفاق مشترك بين الطرفين. كذلك تم إدراج قطاع النقل، وذلك بهدف تقوية البنية التحتية وربطها بالشبكة الأوربية.
         في هذا الإطار استفاد المغرب من مبلغ 654 مليون أورو، خصصت لدعم مخطط العمل هذا (الاتحاد الأوربي - المغرب) للفترة 2007 - 2010، أي بزيادة 20% مقارنة مع المتوسط السنوي للفترة 1995 - 2006. وقد استهدفت هذه المساعدة المتنوعة استكمال إنجاز المشاريع التنموية التي أطلقها المغرب، من بينها مسلسل تحديث القطاع الخاص خاصة نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة. وتجدر الإشارة إلى أن السياسة الجديدة للجوار لم تعوض البرامج المقررة في إطار MEDA التي استمرت حتى سنة 2010.
         ورغم الوضع التفضيلي الذي حظي به المغرب منذ سنة 2008، فإن الشراكة الأورمتوسطة عموما تبقى بعيدة عن تحقيق انتظارات دول جنوب المتوسط. فإضافة إلى القيود الجوهرية التي تتضمنها اتفاقية الشراكة نفسها، فإن المناخ الاقتصادي والعالمي الحالي قد ساهم في تقليص النتائج المرجوة من المسلسل الأورومتوسطي. فتوسع الاتحاد الأوربي اتجاه دول شرق أوربا، وكذا عدم الاستقرار الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط سوف يزيد من إكراهات إرساء فضاء اقتصادي أورومتوسطي مندمج ومزدهر.
 
خاتمة

         إن ما يلاحظ على المساعدات الخارجية بشكل عام، هو أنه رغم زيادة المساعدة من حيث المبالغ، فإنها تبقى ثابتة من حيث النسبة الإجمالية للدخل القومي، فعلى امتداد 20 سنة (1970 - 1990) بقيت هذه النسبة مستقرة في 0,33% من الناتج الخام الإجمالي لمجموع دول مجموعة التعاون والتنمية الاقتصادية. وهذا لايخفي ملاحظة أهم، وهي أن هذه النسبة العامة استقرت ليس بفضل استقرار مجهود كل الدول، بل بفضل زيادة مجهود بعضها ليعوض تقاعس البعض الآخر.
         إن الدول التي بذلت مجهودا كبيرا لتصل وتتجاوز نسبة 0,7% من دخلها القومي التي أقرتها الأمم المتحدة كانت أساسا هي النرويج (1,15% في 1990)، والدانمارك (0,95%)، والسويد (0,91%)، وهولندا (0,90%)، ثم فنلندا (0,70%).[65]
         وتعد بعض الدول قريبة من هذه النسبة كفرنسا، في حين بدلت دول أخرى جهودا ملموسة وعرفت دولا أخرى تقهقرا كبيرا (الولايات المتحدة الأمريكية).
         وإذا كانت الدول العربية قد تراجعت نسبة مساهماتها، فإنها بقيت فوق نسبة 0,7% بكثير، رغم أن هذا التراجع يعزى إلى مجموعة من العوامل الخارجة عن إرادتها، أهمها حرب الخليج الأولى، وتراجع أسعار النفط وغلاء مشترياتها من الأسلحة، ويمكن القول أن هذه الدول برهنت عن تضامن دولي أكبر من جانبها، غير أن الحكم على هذه المساعدات من حيث مساهمتها في الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام يبقى سابقا لأوانه.
         أخيرا فيما يخص المساعدات والقروض المتعددة الأطراف، فقد لوحظ خلال العشرين سنة الأخيرة تحول بنيوي في عدد ونوعية المتدخلين، هذا التزايد المتسارع لعدد المتدخلين في مجال تدبير الاعتماد المتبادل ساهم في زيادة حجم المساعدات والقروض التنموية التي تجاوزت الشكل التقليدي المتمثل في المساعدات الثنائية، كما جلبت موارد جديدة وطاقات إضافية.
         غير أن هذه السياسة الجديدة لا تعتمد على أساس قوي، فالانقسام الكبير الحاصل في عدد المتدخلين يساهم في انعدام التوازن في حجم هذه المساعدات، وهو ما يفسر غياب الانسجام في سياسات المانحين. فرغم أن كل متدخل يحمل حجرة أساس في بناء هذه المساعدات، فإن قوة هذه الأخيرة ترتبط بمدى قدرتها على تحقيق الانسجام بين الأهداف المسطرة لها والنتائج المتحققة.
 
الهوامش
[1]- هشام حنضل عبد الباقي، تقدير الحجم الأمثل للمعونات الخارجية للاقتصاد البحريني، بحوث اقتصادية عربية، العدد 40، خريف 2007. (ص، 8).
- عرفان تقي الحسيني، مرجع سابق، (ص، 63).[2]
[3]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. بحوث اقتصادية عربية، عدد 45 سنة 2009. (ص، 8).
[4]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية 1998 – 2007، بحوث اقتصادية عربية . مرجع سابق. (ص، 9).
[5]- عرفان تقي الحسيني، مرجع سابق، (ص، 64).
[6]- أحمد أمريبط : مستشار بالسفارة المغربية، صنعاء. باحث في العلاقات الدولية، المسار الاستراتيجي للعلاقات المغربية الفرنسية، الأضواء. نت. 05/04/2013. http://www.aladhwaa.net
[7]- Mansour Rachid, Les relations Maroco-Française depuis l’indépendance à nos jours, Mémoir pour l’obtention d’un diplôme d’études supérieures en droit public : Université Mohammed V, Faculté des sciences juridique, économique, et sociale, RABAT, décembre 1991. (p, 115).
[8]- فرنسا – المغرب، والمساعدات الإنمائية تحت مجهر محكمة الحسابات. تقرير حول السياسة الفرنسية للمساعدات الإنمائية منشور على موقع : www.challenge.fr
[9]- محمد بوهريد، المغرب وفرنسا ...صداقة استثنائية. المساء عدد 2067، السبت 18 ماي 2013. http://almassae.ma/node/46494
[10]- محمد بوهريد، المغرب وفرنسا ...صداقة استثنائية. مرجع سابق. http://almassae.ma/node/46494
[11]- فرنسا – المغرب والمساعدات الإنمائية تحت مجهر محكمة الحسابات. تقرير حول السياسة الفرنسية للمساعدات الإنمائية منشور على موقع : www.challenge.fr. مرجع سابق.
[12]- محمد الحسن مكاوي، . مرجع سابق. (ص، 119).
[13]- سعيد الهوسي، الحوار المتمدن-العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8 - 08:06
المحور: السياسة والعلاقات الدولية، التدخل الأمريكي في سياسات الدول: دراسة لتأثير واشنطن على السياسة المغربية. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=171214
[14]- Saloua MANSOUR, Maroc – Etas Unis, Chalenge Hebdo : du samedi 12 au vendredi 18 avril 2008. (p, 21).
[15]- سعيد الهوسي الحوار المتمدن-العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8 - 08:06
المحور: السياسة والعلاقات الدولية، التدخل الأمريكي في سياسات الدول : دراسة لتأثير واشنطن على السياسة المغربية. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=171214
[16]- تقرير أكاديمي صادر عن المركز الفرنسي للدراسات الدولية أعده كارول ميفدلوفيتز، يرصد العلاقات المغربية الأمريكية، ألف بوست،   صحيفة الخبر والتحليل والرأي. http://www.alifpost.com/noticias/noticia.php?idnoticia=207
[17]- أوسي موح لحسن، 7ملايين دولار مساعدات عسكرية أمريكية مباشرة للمغرب. 08 مايو 2013.  http://www.ahdath.info/?p=121117.
[18]- El Mostafa ZARYOUH, La politique arabe du Maroc indépendant. Mémoire pour l’obtention du DEZA , univérsité sidi mohamed ben abdellah, faculté des sciences juridiques, économiques, et sociales. Année universitaire 2005/2006. (p, 71).
[19]- طارق محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأدار والطموحات. كلية الحقوق- جامعة حلوان. طبعة 2000. (ص، 190).
[20]- الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، من ويكييبيديا الموسوعة الحرة. http://ar.wikipedia.org/wiki/الصندوق_الكويتي_للتنمية_الاقتصادية_العربية
[21]- طارق محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأداء والطموحات. كلية الحقوق- جامعة حلوان. مرجع سابق. (ص، 193).
[22]- 50 عاما من علاقات التعاون مع المغرب لتمويل مشاريع تنموية لفائدة الشعب المغربي/ وكالة الأنباء الكويتية (كونا). http://www.kuna.net.kw/article details.aspx?id=2294554 αlanguage=ar
[23]- El Mostafa ZARYOUH, La politique arabe du Maroc indépendant. Mémoire pour l’obtention du DEZA , univérsité sidi mohamed ben abdellah m faculté des sciences juridiques, économiques, et sociales. idem (p,72).
[24]- الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية يساهم في تمويل TGV طنجة-الدار البيضاء_cf001_18_1761.html http://www.madarik-press.com/
[25]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. بحوث اقتصادية عربية، مرجع سابق. (ص، 29).
[26]- 50 عاما من علاقات التعاون مع المغرب لتمويل مشاريع تنموية لفائدة الشعب المغربي/ وكالة الأنباء الكويتية (كونا). http://www.kuna.net.kw/article details.aspx?id=2294554 αlanguage=ar. مرجع سابق.
[27]- اسعيد كنانا، الصناديق العربية للتنمية : من أجل استراجيجية جديدة في مجال المساعدة على التنمية. المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش. مرجع سابق. (ص، 70).
[28]- طارق محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأدار والطموحات. كلية الحقوق- جامعة حلوان. طبعة 2000. (ص، 206).
[29]- نفس المرجع والصفحة.
[30]- نفسه، (ص، 208).
[31]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. (ص، 29).
[32]- اسعيد كنانا، الصناديق العربية للتنمية : من أجل استراجيجية جديدة في مجال المساعدة على التنمية. المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش. مرجع سابق. (ص، 71).
[33]- طارق محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأداء والطموحات. كلية الحقوق- جامعة حلوان. مرجع سابق. (ص، 200).
[34]- التقرير الاستراتيجي للمغرب. 2006-2010.(ص، 193).
[35]- طارق محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأداء والطموحات. مرجع سابق. (ص، 201).
[36]- العلاقات المغربية السعودية نموذج للعلاقات العربية العربية. www.maghress.com
[37]- عبدالحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. مرجع سابق. (ص، 29).
[38]- الصندوق السعودي للتنمية يمنح المغرب 400 مليون دولار ونزار بركة يقول أن هذه المنح تهم تمويل مشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والفلاحة والإسكان والطرق. www.wafapress.net
[39]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. مرجع سابق. (ص، 9).
[40] - طارق محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأداء والطموحات. مرجع سابق. (ص، 146).
[41]- نفس المرجع والصفحة.
[42]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. ، مرجع سابق. (ص، 29).
[43]- الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي يقرض المغرب 1,5 مليار درهم. التجديد، الخميس 19 دجنبر 2013.
[44]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. ، مرجع سابق. (ص، 29).
[45]- نفس المرجع والصفحة.
[46]- توفيق محمد الشاوي، البنك الإسلامي للتنمية أول روافد النظام المصرفي (قصص البنوك الإسلامية) على أساس المبادئ الإسلامية. الزهراء للإعلام العربي. الطبعة الأولى، 1993. (ص- ص، 35-36).
[47]- طارق محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأداء والطموحات. كلية الحقوق- جامعة حلوان. مرجع سابق. (ص، 166).
[48]- سمير ربوح، دور البنك الإسلامي للتنمية بالمغرب. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة. جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط. الموسم الجامعي : 2003-2004. (ص، 84).
[49]- سمير ربوح، دور البنك الإسلامي للتنمية بالمغرب. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة. جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط. مرجع سابق. (ص، 115).
[50]- نفسه (ص، 185).
[51]- محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأداء والطموحات. مرجع سابق (ص، 187).
[52]- عبد الحميد محفوظ الزقلعي، دور صناديق ومؤسسات التنمية العربية في تمويل التنمية العربية. مجلة بحوث اقتصادية عربية، مرجع سابق. (ص، 29).
[53]- محمود عبد السلام محمد، صناديق التمويل العربية، الأداء والطموحات. مرجع سابق، (ص، 219).
[54]- عبد الغني بلوط : تحديات كبرى تنتظر ثلاث آلاف مشارك في مؤتمر البنك الإفريقي للتنمية في مراكش، التجديد الجمعة/ الأحد 24-26 ماي 2013، العدد 3155.
[55]- المغرب والبنك الإفريقي للتنمية، Publiié le 03/05/2013. MAP
[56]- عبد الغني بلوط : تحديات كبرى تنتظر ثلاث آلاف مشارك في مؤتمر البنك الإفريقي للتنمية في مراكش. مرجع سابق.
[57]- تقرير حول نشاط البنك الإلفريقي للتنمية في المغرب، أعد بمناسبة الاجتماعات السنوية للبنك الإفريقي للتنمية بمراكش خلال شهر ماي 2013.
[58]- عبد الغني بلوط : تحديات كبرى تنتظر ثلاث آلاف مشارك في مؤتمر البنك الإفريقي للتنمية في مراكش، جريدة التجديد، الجمعة/ الأحد 24-26 ماي 2013، العدد 3155. مرجع سابق.
[59]- Mohamed Ben El Hassan ALAOUI, La coopération entre l’union européenne et les pays du Maghrebe. Ntahan1994. (p-p, 45-47).
[60] - Union européenne, Maghreb, 25 ans de coopération 1976 - 2001. Commission européenne ; (p, 6).
[61]- Abdesselam OUHAJOU, intervention des institutions financières intérnationales et réforme internes : Le cas du Maroc, Thèse pour l’obtention du doctorat en droit public. Université sidi Mohammed ben Abdellah. Faculté des sciences juridiques, économiques et sociales, Fès. 11 septembre 2004. (p,132).
*- 1 Ecus = 11,387 DH.
[62]- Khalid MOUKITE, le financement de la coopération de l’UE avec les pays tiers méditerranéens à travers le cas marocain : Etat des lieux et perspectives. Bulletin Economique et Social Du Maroc, nouvelle série n° 166 janvier 2010. (p, 102).
[63]- Les transitions démocratiques en méditerranée : Expériences comparées, l’annuaire de la méditerranée 2006, groupement d’études et de recherches sur la Méditérannée, édition du GERM, 2006. (p, 268).
[64]- AZIZ HASBI,  le Maroc et l’éspagne dans le système de la méditérannée occidentale.  Quelle sécurité pour quelle méditérannée, l’annuaire de la méditerranée 2006, groupement d’études et de recherches sur la Méditérannée, Edition du GERM (p, 108).
[65]- عبد العزيز النويضي، الحق في التنمية : محاولة للمساهمة في نظرية مندمجة لحقوق الإنسان. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام والعلوم السياسية. جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- فاس. السنة الجامعية 1995-1996. (ص، 347).
 
 




الاحد 6 ديسمبر 2015

تعليق جديد
Twitter