MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بين الاختصاص والممارسة

     

د/ العربي محمد مياد



المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بين الاختصاص والممارسة

    استنادا إلى  الفصل 10 من قانون الوظيفة العمومية الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 كــما وقع تعديله ولا سيما بمقتضى القانون رقم 99ـ 75 المنشور بالجريدة  الرسمية  عدد 4866 بتاريخ 18 يناير 2001  يؤسس مجلس أعلى لوظيفة العمومية يكون من اختصاصه النظر في جميع مشاريع القوانين الرامية لتغيير أو تتميم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، كما يختص بالنظر في جميع القضايا ذات الطابع العام المتعلقة بالوظيفة العمومية المعروضة عليه من طرف الحكومة .

 

  ويكلف في هذا الإطار بالإدلاء ب:

 

ـ رأيه في مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالموظفين الخاضعين للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ؛

 

ـ إبداء رأيه حول توجيهات السياسة الحكومية في مجال التكوين المستمر لموظفي وأعوان الـدولة والجماعات المحلية ؛

 

ـ اقتراح جميع التدابير التي من شأنها تطوير منظومة تدبير الموارد البشرية ، ويسهر على احترام الضمانات الأساسية المخولة للموظفين .

 

 وهكذا نلاحظ أن اختصاصات المجلس الأعلى للوظيفة اختصاصات مهمة تتلخص في الاستشارة متى رغبت السلطة الحكومية  في إعداد  مشروع قانون أو نص تنظيمي يهم حياة أطر وأعوان الإدارة العمومية أو الترابية ، كما أن من حقه أخذ المبادرة باقتراح مقتضيات من شأنها تطوير الوظيفة العمومية وطريقة تدبير الموارد البشرية ، باعتبار أن الموظف مساهم في النمو الاقتصادي والاجتماعي وليس فقط مستهلكا للسلعة الإدارية .

 

 وعلى هذا الأساس صدر المرسوم الملكي رقم  355.67 بتاريخ 5شتنبر 1967 بتحديد كيفية تطبيق الفصل 10 من الظهير الشريف بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والمتعلق بالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية .

 

   وينقسم هذا المرسوم إلى أربعة أجزاء التالية :

 

الجزء الأول يهم مسطرة تعيين  أعضاء المجلس ، والجزء الثاني يهم تنظيمه وتسييره ، والجزء الثالث خصص للاختصاص ، أما الجزء الرابع فعبارة عن مقتضيات مختلفة تهم إلغاء المرسوم الصادر بتاريخ 5مايو 1959 المتعلق بتحديد كيفيات تطبيق الفصل العاشر من الظهير الشريف الصادر بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية  ،

 

لذلك ارتأينا دراسة هذا الموضوع من خلال ثلاث فقرات التالية :

 


الفقرة الأولى :تعيين أعضاء المجلس الأعلى للوظيفة العمومية

 

  بداية لا بد من الإشارة أن الفصل 10 منح  رئيس الحكومة رئاسة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ، ويتركب هذا المجلس من فئتين  ، ممثلون الإدارة التي يتم تعيينهم من طرف السلطة الحكومية المعنية ، ومن ممثلي الموظفين التي يتم اختيارهم من بين الأعــضاء المنتخــبين باللجــان الإدارية المتســاوية الأعضاء . ويشمل كل صنف من الممثلين على أعضاء رسميين وأعضاء نواب .

 والملاحظ أن هذا النص لم يحدد أية شروط من أجل اختيار أعضاء المجلس الأعلى للوظيفة العمومية سواء كانت شروط الكفاءة والنزاهة والمسؤولية ولا حتى شرط التراتبية الإدارية مما يجعل الكل متساوي في التواجد ، وهذا ما  يفسر  العطب الذي مس هذا الجهاز منذ ولادته ، ذلك أن  النظام الأساسي للوظيفة العمومية صدر سنة 1958 في ظل حكومة البكاي تلاه المرسوم الصادر بتاريخ 5مايو 1959 المتعلق بتحديد كيفيات تطبيق الفصل العاشر من الظهير الشريف الصادر بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية  ،غير ّأنه لم يفعل لأسباب مجهولة ، ثم صدر مرسوم ثان في ظل حالة الاستثناء التي كان يعيشها المغرب آنذاك. وبالضبط سنة 1967 كما أسلفنا ولم يجتمع هذا المجلس إلا بعدد أقل من أصابع اليد الواحدة ، وخاصة في عهد الأستاذين مولاي أمحمد خليفة وسعد العلمي عندما كانا يقودان على التوالي الوزارة المكلفة بقطاع الوظيفة العمومية .

  وقد أكد  المرسوم المذكور على أن مهام أعضاء المجلس المذكور لا تتجاوز 3سنوات ، وتكون مهامهم قابلة للتجديد الضمني ،أي أن أقصى مدة للانتداب هي 6 سنوات ، وهي مدة تتجاوز المـــــــدة المخصصة لمجلس النواب التي تكون لمدة 5سنوات ، وتتماشى مع المدة المتعلقة بمجلس المستشارين ، غير أن مهام أعضاء المجلس  الأعلى للوظيفة العمومية تكون مجانية ، مع إمكانية الاستفادة من صائر التنقل أو السفر.

  ويمكن أن يفقد ممثل الإدارة عضويته في المجلس إذا أوكل له القيام بمهام غير متطابقة مع المنصب الذي على أساسه تم تعيينه بالمجلس ، وهذا حال من لم يعد له ارتباطا بتسيير شؤون الموظفين أو أسندت له مهام سياسية أو إدارية خارج الإطار الذي كان يعمل فيه ، ونفس الأمر يصدق على ممثلي الموظفين الذين أصبحوا غير قادرين على ممارسة مهامهم أو فقدوا الأهلية القانونية ، حيث في الحالتين يعوضهم نوابهم خلال المدة المتبقية للتمثيلية .

   غير أنه في الحالة التي يكون سبب شغور المقعد يعود إلى الوفاة أو الاستقالة أو لأي سبب آخر يتم تعيين عضو جديد داخل أجل شهرين من الشغور طبقا للمسطرة المقررة لتعيين العضو الأصلي ، تنتهي مهامه عند التجديد المقبل للمجلس .

وللتذكير فإنه طبقا للمنشور رقم 10 بتاريخ 10 شتنبر 2004 الصادر عن وزارة تحديث القطاعات العامة  تتكون الهيئة الناخبة من فئتين :

ـ فئة أولى تتألف من جميع الممثلين الرسميين للموظفين باللجان الإدارية المتساوية  الأعضاء المركزية وتتمثل هذه الفئة من 16 عضوا رسميا ومثلها عضوا نائبا

ـ فئة ثانية تتألف من جميع الممثلين الرسميين لموظفي الجماعات الترابية باللجان المتساوية الأعضاء

ويتم الترشيح باللائحة التي تتضمن وجوبا عددا من المرشحين يساوي بالضبط 32 مرشحا بالنسبة للفئة الأولى المؤلفة من ممثلي الموظفين الرسميين باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء المركزية و16 مرشحا بالنسبة للفئة الثانية .

   ويتم الاقٌتراع  عن طريق المراسلة بالبريد فقط باعتماد أسلوب الاقتراع باللائحة المغلقة دون إمكانية مزج الأصوات والتصويت التفاضلي ولا يمكن اللجوء إلى الانتقاء داخل اللائحة .

    وهكذا لا نرى مبررات التمييز بين موظفي الجماعات الترابية والموظفين العموميين من حيث عدد المناصب ،  إلا إذا كانت هناك اعتبارات تجاوزها الواقع  الحالي

 
 

الفقرة الثانية
: تنظيم المجلس الأعلى للوظيفة العمومية وتسييره

 

يجتمع المجلس الأعلى للوظيفة العمومية  في اجتماع عام أو في اجتماعات فرعية لممثلي الإدارة أو ممثلي الموظفين بأعضائه الرسميين بطلب من السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية باعتبارها مكلفة بالكتابة ويعهد برئاسة الاجتماع رئيس الحكومة أو من ينوب عنه، ويمكن استدعاء الأعضاء النواب لحضور الاجتماعات الفرعية .

 ويتم إعداد جدول الأعمال من طرف الحكومة ، وتتم الإحالة على الجمع العام
أو الاجتماعين الفرعيين قصد دراستها ، وفي هذه الحالة الأخيرة ترفع القضية إلى الجمع العام بعد سابق استشارة اللجنة المصغرة يعين رئيسها ها رئيس المجلس الأعلى وتتألف من عدد متساو من ممثلي الإدارة وممثلي الموظفين المختارين من أعضاء المجلس الأعلى نظرا لكفاءتهم في المسألة المدرجة بجدول الأعمال بعد دراستها بالاجتماع الفرعي إذا كانت آراء الفرعين مختلفة ولو جزئيا . وإذا اتفقت آراء الفرعين حول جميع النقط يعتبر المجلس قد بت في الأمر وفقا لهذه الآراء .

 

 

   وتتخذ القرارات بالأغلبية ، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذي يميل إليه رئيس الاجتماع الأصلي أو الفرعي .

 

   ولا تكون مداولات لجان المجلس الأعلى للوظيفة العمومية صحيحة إلا إذا حضرها 2/3(ثلثا ) الأعضاء ، وعند انعدام النصاب القانوني يوجه استدعاء جديد في أجل 15 يوما ، وحينذاك يجتمع المجلس بمن حضر .

 

   ومما ينبغي التنويه إليه أنه يتعين على المجلس الأعلى أن يعد نظاما داخليا يحكمه .

 
 


الفقرة الثالثة : اختصاصات المجلس الأعلى للوظيفة العمومية

 

   

حدد الفصل 11 من المرسوم الملكي السالف الذكر اختصاصات المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ، وأتى على ذكر هذا الاختصاص بطريقة شاملة وعامة توحي بأن الأمر يتعلق بمنحه جميع الصلاحيات للقيام بها مهامه ودون أن تكون له أي سلطة حقيقة .

 

وهكذا  ترفع له جميع المسائل التي تهم الموظفين أو الوظيفة العمومية ، كما يمكن أن يستشار في المسائل المتعلقة بتحسين أساليب عمل الموظفين وكذا القواعد العامة المطبقة في ميدان الوظيفة .

 

وهذا يعني أن هذا المجلس مختص بالنظر في كل ما يتعلق بالحياة الإدارية للموظف ، وكذا تطوير أساليب العمل والتكوين المهني ،وتفعيل المقتضيات الدستورية والقانونية التي تعالج المسار المهني وبصفة عامة الوضعيات الإدارية للموظف.

 

   لكن كل هذا ، لا يخول  المجلس الصفة التقريرية وإنما صفة استشارية ، وهذا ما أكدت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 11 المذكور عندما نص حرفيا على أنه " يعرض المجلس الأعلى نتيجة أعماله ويقدم اقتراحاته إلى السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية التي ترفع ذلك إلى الحكومة ."

 

  وهذا ما يؤكد أن المجلس المذكور لا يصدر قرارات وإنما توصيات غير ملزمة للحكومة ، يمكن أن تأخذ بها كما يمكن أن تتجاهلها ولا يوجد في القانون ما يلزمها بالأخذ  بها إلا إذا واكبها عمل نقابي رصين ، باعتبار أنه طبقا للفصل 8 من الدستور تساهم المنظمات النقابية للأجراء ، والغرف  المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين في الدفاع  عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها ، وفي النهوض بها . والأمر يخص المنظمات النقابية التي تكون هياكلها وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية .

 

ولنا أن تساءل هل كل النقابات تسيير طبقا للشفافية  والديمقراطية والمسؤولية ؟ الواقع العملي يؤكد الشيء وضده ، وإن كانت الغلبة بعد صدور الدستور الحالي للاتجاه الديمقراطي.ثم لماذا لم يتم دعوة  هذا المجلس للانعقاد لإبداء وجهة نظره حول المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بالتعيين في المناصب العليا ؟

 


الخلاصة العامة

 

  إن النقابات المهنية مطالبة بمنح أهمية  إضافية لقانون الوظيفة العمومية الذي لم يدخل عليه أي إصلاح جوهري منذ صدوره سنة 1958 ، وإن كل التعديلات التي همته كانت ترقيعية في مجملها مسايرة للمناخ السياسي والاجتماعي الذي يعرفه المغرب ، لذلك فإن هذا القانون  الذي خرج من رحمه جملة من الأنظمة الأساسية الخاصة خلق الفئوية وانعدام المساواة بين الموظفين،  وفي ذلك مخالفة  للقانون ، فالأجر يجب أن يربط بالسلم والدرجة والشهادة والكفاءة العلمية لا بالأنظمة الخاصة المتميزة ، فكيف يعقل أن يحصل موظفا على راتب يفوق راتب آخر  بضعفين أو أكثر بناء على نظامه الأساسي .والحال أنهما تخرجا بنفس الشهادة من الكلية أو المعهد أو مدرسة التكوين ، وكان سبب  ولوج سلك الوظيفة العمومية أو الجماعية هو الشهادة العلمية ، وهذا حال المتصرفين مقارنة مع المهندسين ، حيث لحق الفئة الأولى الحيف المادي مقارنة مع الفئة الأخرى ، وإن كان كلاهما مغبونا من حيث لمدخل المادي  . وكذا حال رجال السلطة الإدارية مقارنة مع أطر باقي الوزارات حتى لو كانت أعباء المسؤولية الإدارية .

ونعتقد  أنه إذا كانت هناك من ملفات يجب أن تضعها النقابات ، كل النقابات،هو ملف الراتب الأساسي ، وتكوين الموظفين ، والوضعيات القانونية للموظف، وملف الإضرابات المتتالية داخل القطاع العام ،الذي ظل المجلس الأعلى للوظيفة العمومية يغمد عيناه عليه وكأنه غير معني ، والكل مع تفعيل هذا المجلس الأعلى  بجعله سلطة تقريرية  وليس ديكورا من ورق ، ولن يتأتى هذا إلا إذا قامت التمثيليات النقابية بدورها الدستوري المتمثل في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للموظفين والأعوان الإداريين في نطاق احترام الدستور .

  ولهذا نرى من اللازم أن لا يلج  الموظف العمومي أو الجماعي الإدارة حتى يخبر  قانون الوظيفة العمومية أو الجماعية وقانون الحريات العامة  والتدبير العمومي ،و يعلم بأنه في وضعية نظامية  تجاه الإدارة له حقوق كما أن عليه  التزامات تعاقدية ، وأنه بصفة عامة في   خدمة هذا البلد السعيد بكل وعي ومسؤولية  .

  والأمل معقود على الحكومة الحالية بأن تفعل هذا المجلس وتعمل على الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية تحظى الرئاسة الفعلية  لجلالة الملك  أسوة بباقي المؤسسات الدستورية ، وتكون صلاحياتها تقريرية  وليس استشارية ، وإلى غاية تحقيق ذلك يتعين على السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية دعوة هذا المجلس فورا لانعقاد  لدراسة وضعية الوظيفة العمومية والمحلية  ،علما أنه طبقا للفصلين 14 و 15من الدستور الحالي يمكن لأهل الرأي تقديم ملتمسات في مجال التشريع ومنها على الخصوص ما يهم الحياة الإدارية للموظفين ، وكذا عرائض إلى السلطات العمومية ، سيحدد قانون تنظيمي شروط وكيفية ممارسة هذا الحق.

   ويدخل هذا في إطار المواطنة الكاملة ، المبنية على ربط المسؤولية بالمحاسبة ، والمسؤولية هنا تتعدى الإدارية إلى السياسية والنقابية والجمعوية .
   وهذا ما أكده عليه  تصدير دستورنا الذي تعاقد عليه المغاربة عندما ربط تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم بالتلازم بين حقوق وواجبات المواطنة . /.




الثلاثاء 17 سبتمبر 2013

عناوين أخرى
< >

الاربعاء 15 ماي 2024 - 01:09 الأرشيف العمومي ورهـان الاستدامـة


تعليق جديد
Twitter