MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية

     

ذ محمد المجني

رئيس قسم الموارد البشرية والشؤون القانونية برئاسة جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال

باحث في صف الدكتوراه الوطنية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

عين الشق - الدار البيضاء



القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية


مقدمة
 
المبحث الأول: القضاء الاستعجالي في نطاق المادة 19 من قانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية.
 
المطلبالأول: شروط الاختصاص
المطلب الثاني: الإجراءاتالمسطرية
 
المبحث الثاني: لمسات القاضي الإداري في الدعوى الاستعجالية الإدارية.
 
المطلب الأول: سند الاختصاص في الدعوى الاستعجالية الإدارية.
المطلب الثاني: محدودية نطاق تطبيق القضاء الاستعجالي الإداري.
 
خاتمة
 
 
مقدمة

لم يكن القضاء الاستعجالي وليد العصر الحاضر،  عصر السرعة والعجلة في كل شيء، وإنما كانت جذوره ممتدة في أعماق الماضي البعيد، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن لهذا النوع من القضاء دورا في حسن سير العدالة l’urgence est l’âme des procès[1].
فقد عرفه الرومان وطبقوه في كثير من الحالات التي يتصف القضاء فيها عندهم بالبطء، كما عرف هذا القضاء عند المسلمين منذ ظهور الإسلام، بل إن القضاء في الإسلام كان ينبني أساسا على الاستعجال في جميع أنواعه ومراحله.
ولم يقتصر تطور القضاء الاستعجالي على هذه الوجهة التاريخية بل عرف تطورا آخر يمكن تسميته بالتطور التشريعي ، حيث عرف تغييرا وتجديدا وإضافات زادت من أهميته. ففي فرنسا ظهر هذا النوع من القضاء على ضفاف نهر باريس، ويمكن القول أنالقضاء المستعجل في فرنسا بمفهومه الحديث نشأ بناء على هذا الأمر الذي كان ينظم قواعد المرافعات المدنية أمام محكمة chateletفي باريس، فيكون هذا الأمر بمثابة أول تقنين رسمي للقضاء الاستعجالي.
غير أنالأمر الملكي لسنة 1685 لم يضع قاعدة عامة لتطبيق المسطرة الاستعجالية وإنما عدد على سبيل الحصر الحالات التي يجوز فيها تطبيق تلك المسطرة، وكانت أول المسائل المستعجلة التي يضطلع بها القضاء الاستعجالي في بداية ظهوره تلك المتعلقة بالمشاكل الناجمة عن التنفيذ حيث شغل جميع أنحاء فرنسا ، وبصدور قانون المسطرة المدنية لسنة 1806 أصبح مجال القضاء الاستعجالي يتسع بدون توقف.
وقد كان قانون المسطرة المدنية الفرنسي الصادر في 1806 نقطة تحول في نظام القضاء المستعجل، أما بالنسبة للمغرب فلم يعرف مسطرة استعجالية مدونة بشكلها القانوني الحديث إلا ابتداء من صدورظهير 12 غشت 1913 المتعلقبالمسطرة المدنية وبقي هذا الظهير مع التعديلات الواردة عليه مطبقا إلىأن صدر ظهير 24 شتنبر 1974 الذي بدأ العمل به في فاتح أكتوبر 1974.
عموما يتضح أن القضاء المستعجل لم يحصل فيه تطور كبير بين تاريخ 12 غشت 1913 والتاريخ الذي أعيد فيه تنظيمه وهو 28 شتنبر 1974، لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف، ماعدا بعض الاختلافات التي وإن كانت لها أهميتهاإلاأنها لا تشمل سوى جانبا محدودا من جوانب القضاء.
ولما كان القضاء الاستعجالي يعد نوعا مستقلا بذاته من أنواع القضاء، حيث يأخذ مكانه إلىجانب كل من القضاء العادي والقضاء الولائي،فكان لابد من استقلاله بطبيعة خاصة وبخصائص معينة، وفعلا فلهذا القضاء طبيعة خاصة تتمثل في أنه يضفي الحماية الوقتية على الحقوق ولكنه في نفس الوقت يبقى متحفظا بطابعه القضائي.
كماأن له خصائص معينة،  منها أنه يعد فرعا من فروع القضاء المدني وأنه يتميز ويستقل عن كل من القضاء العادي والتنفيذ القضائي، وكذلك كونه مختصرا واستثنائيا وسريعا.
وما تجدر الإشارةإليه هو أنأهم ما يميز تطور القضاء الاستعجالي في التشريع المغربي هو إحداث قضاء إداري مستعجل بمناسبة إحداث محاكم إدارية،إضافةإلىإحداثقضاء تجاري مستعجل.
غير أنناسنقتصر فقط على محاولة دراسة القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية.
والجدير بالذكر أن المشرع المغربي لم ينظم القضاء الاستعجالي الإداري،بل اكتفى بالإحالة على النصوص المنظمة له في قانون المسطرة المدنية،  وقد خصص له البابان الأول والثاني من القسم الرابع، يتناول البابالأولالأوامر المبنية على الطلب والمعاينات،وخص الباب الثاني للمستعجلات.
يتميز القضاء الاستعجالي بالمرونة والبساطة وقلة النفقات،إضافة إلى الاقتصاد في الوقت والاختصار في الإجراءات ولا تتأثر به الأمور المرتبطة بالدعوى الأصلية،فالقضاء الاستعجالي الإداري هو قضاء استثنائي يساعد على الوصول بسرعة إلى حل بمقتضاه يصان الحق ولو بصفة مؤقتة.
هذا ويعتبر القضاء الاستعجالي الإداري شكلا من أشكال الحماية القضائية للحريات والنظام القانوني الذي يأبى الفراغ، وهو صورة من صور المحافظة على الحقوق المرجع وجودها والمهددة بخطر ما وكذا تنبيه الأطرافإلى مراكزهم القانونية بواسطة إجراءات سريعة وقتية لا نهائية أو حاسمة.
وكما سبقت الإشارةإلى ذلك فإن موضوعنا سيكون عبارة عن محاولة لدراسة القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية، وعليه سوف تكون خطتنا على الشكل التالي: القضاء الاستعجالي في نطاق المادة 19 من قانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية (في مبحث أول) ولمسات القاضي الإداري في القضاء الاستعجالي (مبحث ثاني).
 
المبحث الأول: القضاء الاستعجالي في نطاق المادة 19 من قانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية.

المطلبالأول: شروط الاختصاص.

يتميز القضاء الاستعجالي عن القضاء العادي بإجراءاته البسيطة وحلوله السريعة للقضايا المطروحة ونستدل على ذلك بمقولة Renéchapus "juger bien c’est avant tout juger vit"[2]. لذلك ينبغي أن يمارس ضمن حدود معينة وداخل إطار ضيق عندما تتحقق بعض الشروط المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية المحال عليها بمقتضى المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية،  فالفصل 149 ينص على أن رئيس المحكمة الابتدائية يختص وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات كما توفر عنصر الاستعجال، وجاء في الفصل 152 من ق.م.م (لا تبث الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا يمكن أن يقضي به في الجوهر) نستخلص أن القاضي الاستعجالي الإداري يتطلب شرطين.
  1. شرط الاستعجال.
  2.  2- شرط عدم المساس بالجوهر.
شرط الاستعجال:
وهو شرط أساسي لينعقد الاختصاص للقضاء الاستعجالي،  والاستعجال هو أمر نسبي يختلف حسب الزمان والمكان ويلعب القاضي دورا طلائعيا لاستنتاجه من ظروف الدعوى المعروضة على أنظار المحكمة ، فالاستعجال هو الخطر الذي يمكن أن ينتج بسبب طول المدة التي تستغرقها إجراءات الدعوى قبل صدور حكم بات فيها والمراد بالاستعجال هو تفادي ضرر مؤكد يصعب تداركه إذا حدث فهو يتحدد بظروف كل دعوى وملابساتها وظروف الحق المراد حمايته، وفي حالة الاستعجال القصوى يقدم الطلب في أي وقت ويمكن أن يبت فيه قاضي الأمور المستعجلة في أيام العطل وأيامالآحاد، كما ينص الفصل 150 من ق.م.معلىإمكانية استعانة القاضي بتقرير الخبراء وإجراء معاينات قصد التأكد من توفر عنصر الاستعجال من عدمه.

شرط عدم المساس بالجوهر:
يجب على القاضي الاستعجالي أن يمارس اختصاصه دون المساس بأصل الحق، فليس له أن يغير أو يعدل من المركز القانوني لأحد الطرفين أو يتوغل في اختصاصه وعلى العكس إذا تبين له أن المنازعة غير جدية فإنه يقضي بالإجراء المطلوب، والمراد بجوهر النزاع السبب القانوني الذي يبين الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الطرفين ويتعين على القاضي الاستعجالي ألا يتناول هذه الحقوق والالتزامات بالتفسير أو التأويل الذي يترتب عنه المساس بجوهر النزاع القائم بينهما ويعتبر هذا الشرط من النظام العام يمكن إثارته تلقائيا، إلى جانب هذه الشروط ثمةإجراءاتمسطرية لابد من اتباعها في القضاء الاستعجالي.
 
المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية

تنقسم التدابير الصادرة عن القضاء الاستعجالي إلىنوعين:

التدابير التحفظية:

وهي التدابير التي تكون الغاية منها الحفاظ على الحق إلى حين إثباته لصاحبه بواسطة حكم بات ويمكن أن تصدر في أي وقت ، سواء بمناسبة دعوى قائمة أو قبل إقامة هذه الدعوى ومن أمثلتهاإثبات حالة أو الاستماع إلى شهود أوإجراء معاينة.

التدابير الوقفية:
وهي تدابير مستعجلة تؤدي إلىإشباع مصلحة المدعي جزئيا يمنحه الحق بصفة مؤقتة على حين البث في الدعوى، ومن أمثلتها التعويض المسبق المخول لصاحب العقار في حالة نزع الملكية من اجل المنفعة العامة.
وقد نصت المادة 19 من القانون المحدث للمحاكم الإداريةعلى أنه يختص رئيس المحكمة الإداريةأو من ينيب عنه،بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامرالقضائية،بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية.
وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يختص قاضي المستعجلات في بعض القضايا الذي ينبغي أن يبت فيها على وجه السرعة أو في بعض الطلبات الوقتية، إذ خص المشرع بعض القضايا بنصوص تقضي بوجود الفصل فيها على وجه السرعة فإن ذلك لا يعني أنهاأصبحت من اختصاص قاضي المستعجلات فهي تبقى دعاوى موضوعية داخلية في الولاية الشاملة للمحكمة ، مثلا ما نص عليه الفصل 46 من ق.م.م الذي ينص على وجوب البت في القضية فورا فلا مجال لتدخل القاضي الاستعجالي في هذا الشأن بالرغم من الطابع المعجل للقضية.
كما أن بعض الطلبات الوقتية لا تدخل في اختصاص القاضي الاستعجالي، فمثلا طلب منح تعويض مسبق للمتضرر من نشاط إداري، هو طلب وقتي والحكم التمهيدي الذي يصدر قاضي الموضوع في هذا الشأن هو استجابة لطلب وقتي ولكنه لا يدخل ضمن التدابير الوقتية التي تصدر عن قاضي المستعجلات، والقاعدة المطبقة في هذا الشأن هي أن جميع الطلبات المستعجلة تدخل في اختصاص القاضي الاستعجالي ويمكن أن يتخذ بشأنها تدابير وقتية ولا يختص القاضي الاستعجالي إلا ببعض الطلبات والوقتية ويبقى البعض الأخر من اختصاص محكمة الموضوع.
هذا وتمتاز مسطرة القضاء الاستعجالي بالسرعة ، فهو قضاء تابع لأن المجال الذي تختص به المحاكم الإدارية يختص فيه القضاء الاستعجالي بالإجراء الوقتي أو التحفظي، فكلما انعقد الاختصاص الولائي لهذه المحاكم انعقد الاختصاص للقضاء الاستعجالي أيضا ونستنتج من ذلك انه:
إذا رفعت دعوى أمام القضاء الاستعجالي ثم رفعت دعوى أمام المحاكم الإدارية نفسها،فإن ذلك لا يؤثر على اختصاص القضاء الاستعجالي.
كما أنه ليس هناك ما يمنع من إيداع الطلبين الاستعجالي والإداري في آن واحد.
إذا كانت المحكمة الإدارية غير مختصة للفصل في النزاع كان القضاء الاستعجالي غير مختص ولائيا هو الآخر في الطلبات الوقتية أو التحفظية.
لا يكون القضاء الاستعجالي دائما مصحوبا بدعوى أصلية، حيث يمكن أن يكون قاضي المستعجلات مختصا ولو لم يكن هناك نزاع في الجوهر.

مثلا: المقاول الذي يطلب إجراء معاينة على مخزون مواد البناء التي وفرها في انتظار توصله بالأمر المصلحي لانطلاق الأشغال فضلا عن هذا تحتاج الدعوى لقبولها توافر مجموعة من الشروط ومرورها بإجراءات خاصة:

  • لا بد أن يتوفر في رافعها نفس الشروط الواجب توافرها في رافع الدعوى القضائية بشكل عام: الصفة –الأهلية– المصلحة.
  • أما عن مسطرة التقاضي أمام القضاء الاستعجالي،  فهي تشبه في بعض جوانبها المسطرة المطبقة في الدعوى المرفوعة أمام المحاكم الإدارية فقبل رفع الدعوى الاستعجالية لابد أن يتأكد رافعها من الأمور التالية:
  • إن الاختصاص الوعي منعقد فعلا للمحكمة الإدارية.
  • إن عنصر الاستعجال متوفر في الطلب الوقتي أوالتحفظي.
  • إن الطلب لا يمس جوهر النزاع.
  • إن الطلب يستهدف استصدار أمر قضائي ويدخل في الاختصاص الوظيفي للقاضي الاستعجالي الإداري، وذلك احتراما لمبدأ فصل السلط الذي بمقتضاه يتعين على القاضي ألا يصدر أوامر للإدارة.
  • إنالطلب يجب أن تتوفر فيه كل الشكليات والبيانات المنصوص عليها في ق.م.م والقانون المحدث للمحاكم الإدارية فينبغي أن يتضمن عرضا موجزا للوقائع وأن يبين بدقة الموضوع المطلوب إجراؤه ويكون موقعا عليه من لدن محام مسجل بإحدىهيأت المحامين، ويسلم كاتب الضبط بالمحكمة الإدارية وصلا بإيداع المقال.
أما فيما يتعلق بالأحكام وطرق الطعن فيها بالنسبة للقضاء الاستعجالي فالأحكام الصادرة عن هذا النوع من القضاء تسمى الأوامر، إلاأن هناك من يسميها بالقرارات أوالأحكام بحسب التسمية التي يفضلها. أما الأحكام التي يصدرها قاضي المستعجلات خارج المحكمة فلا يتقيد فيها قاضي المستعجلات بالقواعد والإجراءات المطبقة في الأحكام العادية،  وينطبق نفس الشيء على الحكم الذي يصدره القاضي بواسطة مسودة في مكتبه والتي تتضمن عادة أسباب الحكم ومنطوق.
وتجدر الإشارةإلىأن الطابع الوقتي للحكم الاستعجالي لا يجعله يحوز قوة الشيء المقضي به ولايجوز العدول عنه إذا تغيرت الظروف التي صدر فيها، فتكون حجيته نسبية أو وقتية تهم أطراف النزاع في وقت معين وبما أنالأحكام الاستعجالية هي أحكام قضائية فإنها تخضع لطرق الطعن المنصوص عليها قانونا وفي المجال الإداري تبقى طريقة الطعن المطبقة هي الاستئناف.

المبحث الثاني: لمسات القاضي الإداري في الدعوى الاستعجالية الإدارية.

إذا كانت المسطرة المدنية، ابتداء من الفصل 148 إلى الفصل 154 ، قد نظمت المسطرة الاستعجالية وحددت اختصاص قاضي الأمور المستعجلة فإن القانون المحدث للمحاكم الإدارية 90-41 أحدث بدوره قضاء إداريا استعجاليا، وحدد بالتالي اختصاصات القاضي الإداري الاستعجالي وذلك بمقتضي الفصل 19 (الفقرة1) إلاأن الملاحظ، ومن الناحية العملية، محدودية نطاق ممارسة القضاء الاستعجالي في المنازعات الإداريةإذا ما قورن بنظيره في النزاعات المدنية والتجارية[3].

المطلب الأول: سند الاختصاص في الدعوى الاستعجالية الإدارية

ينص الفصل 19 من قانون 90-41 على أنه "يختص رئيس المحكمة الإداريةأو من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية"، وبالتالي اختصاص قاضي المستعجلات يمارسه رئيس المحكمة الإداريةأو من ينوب عنه للقيام بهذه المهمة، وحسب نفس الفصل يختص بالبت في الطلبات الوقتية والتحفظية.
ويكوناختصاصهإما عاما تحكمه قواعد المسطرة المدنية وإما محددا بقانون كما هو الأمر في طلبات الإذن بالحيازة في مسطرة نزع الملكية من اجل المنفعة العامة.
ويبت القاضي الاستعجالي الإداري بشكل منفرد بدون أن يحيل الملف على المفوض الملكي لوضع مستنتجاته وذلك لتلافي ضياع الوقت،  وبالتالي حتى لا يفرغ عنصر الاستعجال من فحواه، لكن هذا لم يمنع بعض رؤساء المحاكم الإدارية من الاستناد إلى تقرير المفوض الملكي لمزيد من العناية والتدقيق.
وفيما يخص الأمر الصادر عن قاضي المستعجلات فهو شبيه بالحكم، ومن خلاله يعرض القاضي وبشكل مختصر ملخص المقال ووسائل ودفوعات الطرفين، وللإشارة ففي حالة موافقته على الطلب لا يكون ملزما بإعطاء التعليل لكن في حالة الرفض يكون ملزما بتبيان الأسباب المعتمدة من طرفه حتى يتمكن صاحب المصلحة من ممارسة حقه في الاستئنافإن شاء ذلك.
كما أنه يمكن أن يصدر أمره في غيابالأطراف، هذا الأمر الذي ينبغي أن يكون موقعا من لدنه وحاملا للتاريخ وقابلا للتنفيذ فور صدوره ولو لم ينص على ذلك، لأن الأوامر الاستعجالية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
 
المطلب الثاني: محدودية نطاق تطبيق القضاء الاستعجالي الإداري

يعتبر ميدان تطبيق القضاء الاستعجالي الإداريأضيق بكثير مما هو عليه الأمر في المحاكم العادية، فبقدر ما يتسع نطاق ممارسة هذا القضاء في النزاعات المدنية والتجارية بقدر ما تضيق ممارسة النزاعات الإدارية، وذلك من منطلق أن أحد طرفي النزاع هو سلطة عامة لا يمكن مقارنتها بالخصم العادي ، وبالتالي لا يمكن تطبيق المساطر العادية بشأنه وعلى سبيل المثال يصعب إصدارأمر بالحراسة القضائية لأن الأموال العمومية لا يمكن أن تكون محلا لهذا الإجراء[4].
وعليه تبقى أهم تطبيقات القضاء الاستعجالي الإداري تتمثل فيما يلي[5].

الأمر بإثبات حال وتوجيه إنذار
 
لقد نصت المادة 148 ق.م.م على أن القاضي الاستعجالي يبت في الطلبات الرامية إلى إثبات حال أو توجيه إنذارأوأيإجراء مستعجل.

1 الحال المراد إثباته يجب أن يكون شيئا واقعيا يخشىأن تضيع معالمه بفوات الوقت ومن ذلك مثلا:
  • إذا كان الأمر يخص السماح لشاهد إثباتأو نفي موضوع لم يعرض بعد أمام المحكمة الإدارية وعندما تكون الواقعة المراد الاستشهاد عليها من الأمور التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود لا يمكن أن تفوت عليه فرصة الاستشهاد بالشاهد.
  • عندما يتعلق الأمربإجراء معاينة عن الفيضانات التي ألحقتأضرارا بممتلكات أحد الأفراد وكان السبب فيها عدم قيام الإدارةبالأشغال اللازمة لضمان سيلان المياه.
  • إذا رفضت الإدارة تسلم المنشأة بعد انتهاء الأشغال يمكن للمقاول اللجوء إلى قاضي المستعجلات والمطالبة بإجراء معاينة على أنه تم إنجاز ما عهد إليه من أشغال في الوقت المحدد في العقد حتى لا تلجأ الإدارةإلى تطبيق الغرامة التأخيرية عليه.
  • حالة البضائع المنقولة عبر القطار إذا وقع فيها ضياع أوإتلاف جاز لقاضي المستعجلات انتداب خبير لإثبات حالتها وبيان الأضرار اللاحقة بها قبل تسليمها لصاحبها.
2 فيما يخص توجيه الإنذار يقوم به القاضي الاستعجاليبناء على طلب حيث يقوم القاضي بكتابة الأمر بتوجيه الإنذار على نفس صفحة الطلب الذي توصل به في هذا الشأن، أما المسائل الاستعجالية الواردة في الفصل 148 ق.م.م فهي غير محددة وترك للقاضي الاستعجالي صلاحية تقديرها.
 

الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم إداري
 
في هذا الشأن تكون اختصاصات القاضي الإداري الاستعجالي بالنظر في الطلبات ضيقة جدا ومرد ذلك أنالأحكام التي تصدر ضد الإدارة، صعبة التنفيذ نوعا بسبب التملص الذي تلجأ ليه الإدارة حتى لا تمتثل للأحكام الصادرة ضدها.
ومن التطبيقات القليلة طلبات إجراء حجز لدى الغير (الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط في الملف رقم 230/96 بتاريخ 04/02/1996). أوما ذهب إليهرئيس المحكمة الإدارية بمكناس الذي استند على مقتضيات الفصل 448 من ق.م.م وحكم بغرامة تهديدية يؤديها المسؤول الإداري من ماله الخاص، إلاأن هذا الموقف يصعب مسايرته للأسبابالآتية:
  • المنفذ عليه حسبمقتضياتالفصل 448  يكون في هذه الحالة شخصامعنويا عاما وليس مسؤولاإدارياأوممثلا قانونيا.
  • ليس من اختصاص المحاكم الإدارية والقضاء الاستعجالي الإداري الحكم على الخواص بالغرامة التهديدية فهو من اختصاص القضاء العادي.
  • إذا كان من السهل التعرف على المسؤول الإداري في حالة المجالس الجماعية أو المؤسسات العمومية فالأمر صعب بالنسبة لباقي مرافق الدولة.
  • وعلى أيفقاضي المستعجلات يطبق في هذا الشأن مقتضيات الفصل 436 ق.م.ممع مراعاة مقتضيات الفصل 26 ق.م.مالذي يمنح الاختصاص في هذا الصدد لمحكمة الموضوع، ويلعب العون المكلف بالتنفيذ دورا أساسيا في هذا الإطار خصوصا فيما يتعلق بالحجز والبيع المنصف على الأموال العمومية أوالأموال الخاصة.

المسائل المستعجلة استنادا لنصوص خاصة
 
وتشمل:
  1. طلبالإذن بحيازة العقار في دعاوى نزع الملكية، وتجب الإشارة في هذا الصدد أن طلب الحيازة يرفع إلى رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات. كماأنالأوامر الصادرة في هذا الشأن لا تقبل الاستئناف.
  2. الطلبات الرامية إلىإيقافتنفيذ إجراءات حجز وبيع المنقولات المحجوزة من طرف إدارة الضرائب، وقد صدرت عدة أوامر تقضي بإيقافإجراءات التحصيل بما فيها بيع المنقولات إلى حين البت في دعوى الموضوع المتعلقة بمقدار الدين (الأمر عدد 54 بتاريخ 19/06/1996 في الملف الاستعجالي رقم 112/96). ويشترط قاضي المستعجلات في هذه الحالة تقديم الضمانة المنصوص عليها في الفصل 15 من الظهير 21/08/1935 المتعلقة بتنظيم المتابعات لاستخلاص ديون الدولة والديون التي في حكمها، وفي الأخير نشير إلى أنه ورغم محدودية نطاق تطبيق القضاء الاستعجالي الإداري فإن اجتهادات المحاكم الإدارية غزيرة في المادة الاستعجالية وفي هذا الإطار نورد بعض القواعد المقررة في هذا المجال[6].
  • أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عدد 30 ملف رقم 12/95 بتاريخ 04/04/1995، وجاء فيه مايلي "الأوامر الاستعجالية لا تبتإلا في الإجراءات الوقتية بما لا يمكن أن يقضي به الجوهر وحيث أنالإذنبإصلاح عيوب لا يعدو أن يكون مجرد إجراءتحفظي يحول دون تفاقم الضرر وأن مثل الإذن لا يعتبر مساسا بالجوهر ولا يطال موضوع النزاع ولا يمس بحقوق أي من الطرفين وليس من شأنه تحديد مسؤولية أي كان.
  • أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بأكادير عدد 17/96 ملف رقم 04/96 بتاريخ 06/08/1996 قيام الدولة بأشغال بناء في ملك الخواص دون سلوك المسطرة القانونية لنزاع الملكية يبرر تدخل قاضي المستعجلات في إطار المادة 19 لوقف الأشغال.
  • أمر صادر عن المحكمة الإداريةبوجدة في قضية الراشيدي عبد الله عدد 05/95 يمكن انتداب رئيس كتابة ضبط المحكمة الإداريةأو من يقوم مقامه بالتوجيه إلى عين المكان قصد معاينة مدى وجود عربة وغن وجدت استفسر صاحبها عن اسمه ولقبه وعن تاريخ بداية نشاطه والجهة التي رخصت له بذلك وتحرير محضر".
  • قرار رئيس المحكمة الإدارية بالرباط عدد 937 بتاريخ 10/11/1999 والذي رأى فيه بأنه سيعوض في أصلالحق فتركه سليما لتفصل فيه المحكمة الإدارية.
  • ملف استعجالي عن المحكمة الإدارية بمكناس تحت رقم 2.94.3 س بتاريخ 25/10/1994 "من اختصاص القاضي الاستعجالي أن يأمر بإجراء خبرة يقوم بها طبيب بيطري من أجل فحص الماشية الموجودة بالمستودع البلدي وتحديد الأضرار والهزال وتقويمها.
  • قرار المحكمة الإدارية بفاس عدد 299/97 بتاريخ 23/09/1997 "لما كان من آثار الحكم بالإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار الملغي وكان تنفيذ هذا الحكم غير متوقف على التدخل المباشر لجهة الإدارةأمكن لقاضي المستعجلات إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وبالتالي أمره بفتح المحل الذي في استمرار إغلاقه ضرر لا يمكن تداركه".
 
خاتمة

رغم الأهمية التي يحظى بها القضاء الاستعجالي بكونه يمتاز بالبساطة وكذا مسطرة سريعة فضلا على أنه يعتبر ضمانة أساسية لحماية حقوق المتقاضين فإنه يبقى غياب مؤسسة قاضي التنفيذ حجرة عثرة أمام استكمال صرح دولة القانون.

 
المراجع المعتمدة

 
  • حداد (عبد الله)، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، منشورات عكاظ، 199 ص 324.
  • هداية الله (عبد اللطيف)، القضاء المستعجل في القانون المغربي.
  • العضراوي (عبد العالي)، دليل عملي في اجتهاد القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية، سلسلة اجتهاد مؤسسة القضاء الاستعجالي في المغرب.
  • البداية والمسار، دار القلم، الرباط، 2001.
  • حداد (عبد الله)، القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية، منشورات عكاظ، الرباط، 1994، ص267.
  • البوعيسى (الحسن)، سلسلة كرونولوجيا الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، 2002 مطبعة النجاح، ص330.
  •  
  • زعيم (إبراهيم)، مسطرة وقف التنفيذ ومسطرة الاستعجال في المادة الإدارية أي ترابط بينهما؟ المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 12، 1995.
  • القانون رقم 90/41 المتعلق بالمحاكم الإدارية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 14.
 
 
  • Chapus (René), droit du contentieux administratif, 5émie édition Montchrestien – E.J.A. paris 1995.
  • Dugrip (Oliver),  l’urgence contentieuse devant les juridictions administratives, presses universitaires de France, 1991. P : 411.
 
 
الهوامش

[1]Dugrip (olivre), l’urgence contentieuse, presses universitaires de France. 1991
[2]Chapus (René). Droit du contentieux administratif 5eme édition, Montchrestien. EIA paris 1995.
[3]الزعيم (إبراهيم): مسطرة وقف التنفيذ ومسطرة الاستعجال في المادة الإدارية أي ترابط بينهما؟ المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 12، 1995.
[4] زعيم إبراهيم، مرجع سابق
[5]حداد عبد الله: تطبيقات الدعوى الإدارية في قانون المغربي، منشورات عكاظ، 1999، 324ص.
[6]البوعيسى (الحسن): سلسلة كرونولوجيا الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، 2002، مطبعة النجاح.



الثلاثاء 26 فبراير 2013

تعليق جديد
Twitter