MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





القرارات الإدارية الممهدة للانتخابات التشريعية: التناقضات القانونية

     

ذ. الميلود بوطريكي
أستاذ القانون الإداري – الكلية المتعددة التخصاصات بالناظور



القرارات الإدارية الممهدة للانتخابات التشريعية: التناقضات القانونية

تعتبر العملية الانتخابية عملية مركبة تضم مجموعة من التصرفات القانونية والمادية تتعلق بتنظيم وسريان الانتخاب، أي تعيين مستخدمين عموميين أو أجراء أم مرشحين يمثلونهم عن طريق الانتخاب إما لإدارة الشؤون السياسية (الانتخابات السياسية)، وإما لتسيير المرافق العامة (الانتخابات الإدارية)، وإما للدفاع عن مصالح مهنية في إطار جهاز عام أو خاص الانتخابات المهنية .

وتشكل الانتخابات التشريعية مثال النوع الأول،أي الانتخابات السياسية، حيث تتدخل مجموعة من التصرفات والإجراءات قبل إجراء الاقتراع بهدف تهييئه، وهي تصرفات تصدر في مجملها عن سلطات إدارية ويمكن تعريفها حسب بعض الفقه  على أنها :" ... كل التصرفات الإدارية تعد مقدمة للانتخابات نفسه وذات علاقة ضرورية ومباشرة به... " ([1]).

وبالنظر إلى الطبيعة الإدارية لهذه التصرفات بكونها صادرة عن سلطات إدارية، فهل يحتفظ القاضي الإداري باختصاصه الطبيعي للنظر في هذه القرارات المنظمة للانتخابات باعتبارها " شأن إداري"، أم أن المجلس الدستوري وباعتباره الجهة المختصة دستوريا للنظر في الانتخابات التشريعية، وبالنظر إلى ارتباط تلك القرارات بهذه الانتخابات، يبقى مختصا للنظر في هذه القرارات؟

هكذا تتحدد إشكالية الموضوع في البحث عن القاضي المختص للنظر في شرعية القرارات الممهدة للانتخابات التشريعية.

وبعبارة أخرى سيجرب البحث عما إذا كان فصل هذه القرارات عن العملية الانتخابية ونخضعها بالتالي لدعوى الإلغاء، أو العكس إقرار لا انفصاليتها وإخضاعها بالتالي لمراقبة قاضي الانتخاب.

إن الجواب على هذا السؤال يعتبر أمرا بالغ الأهمية، لأن من شأنه تفادي كل مواجهة لتنازع الاختصاص )سلبي أو إيجابي( بين القاضي الدستوري والقاضي الإداري عبر قرارات متناقضة، ووضع حد لكل مبارزة قانونية قد لا تنتهي)[2](. ذلك أن المجلس الدستوري لا يراقب مشروعية القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة الإدارية، وإنما يتولاها القاضي الإداري صاحب الاختصاص الطبيعي في هذا الشأن، لكن هذا الأخير، وبفعل ارتباط تلك القرارات بالعملية الانتخابية قد يمتنع عن النظر فيها وهو ما يؤدي إلى فراغ قضائي مؤسف)[3](.

وبالنظر إلى الأهمية الخاصة لتلك القرارات من حيث أنها تحضر للاقتراع وتهيئ له، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تركها بدون مراقبة خاصة وأن القرارات التمهيدية غالبا ما يكون مصدرها سلطات إدارية مما يبرز خطر تعسفها في كيفية و زمن إنجازها)[4] (.هكذا سنحاول الكشف عن ما يشكل في رأينا  تناقضات قانونية والتي يمكن تلخيصها في عدم الاختصاص المبدئي للقاضي الدستوري واصطدام اختصاص قاضي الالغاء بوجود الدعوى الموازية وذلك في (مطلب أول)، وفي (مطلب ثان) سنحاول التماس بعض الحلول لتجاوز هاته التناقضات .

المطلب الأول:  القرارات  الإدارية الممهدة للانتخابات التشريعية: التناقضات القانونية

لا يعتبر المجلس الدستوري مبدئيا (فرع أول) مختص للنظر في القرارات التمهيدية للانتخابات السياسية، لأن من غير الممكن الطعن أمامه قبل الإعلان عن نتائج الاقتراع، كما أن الطبيعة الإدارية لهذه القرارات لا تسمح له بمراقبة فعالة ومباشرة، وتجعل من القاضي الإداري القاضي الطبيعي المختص للنظر فيها  ولكن اختصاصه هذا قد يصطدم بوجود الدعوى الموازية التي  لا تزال تحظى باعتراف تشريعي صريح (فرع ثان).

الفرع الأول: استحالة الطعن أمام القاضي الدستوري قبل الإعلان عن نتائج الاقتراع

         ينص الفصل 132من دستور 2011 على أن: " تمارس المحكمة الدستورية الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور، وبأحكام القوانين التنظيمية، وتبت بالإضافة إلى ذلك في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء... تبت المحكمة الدستورية في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، داخل أجل سنة، ابتداء من تاريخ انقضاء أجل تقديم الطعون إليها. غير أن للمحكمة تجاوز هذا الأجل بموجب قرار معلل، إذا استوجب ذلك عدد الطعون المرفوعة إليها، أو استلزم ذلك الطعن المقدم إليها." وبتكملة هذه المقتضيات الدستورية نصت المادة 32 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية والصادر بتاريخ 13 غشت 2014 على أنه :" يحدد في ثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ الإعلان عن نتيجة الاقتراع، الأجل الذي يتم داخله الطعن، طبقا للقانون، في انتخاب أعضاء البرلمان أمام المحكمة الدستورية. ".

       فمن خلال قراءة هذه النصوص يمكن الجزم بأن المجلس الدستوري غير مختص للنظر في القرارات التمهيدية، فالمادة 132من الدستور تعطي له مهمة عامة لمراقبة صحة العمليات الانتخابية، فهل يمكن أن نفهم من ذلك أن المراقبة تبدأ يوم الانتخاب أو منذ القرارات التمهيدية ؟

حسب المادة 32 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجكمة الدستورية المشار إليه أعلاه، فإنه لا يمكن الطعن أمام المحكمة الدستورية قبل الإعلان عن نتائج الاقتراع، مما يفيد أن اختصاصه مقيد ومحدد، وبالتالي فإن القاضي الدستوري يختص بالنظر في صحة انتخاب الفائز، ولا يراقب الأعمال السابقة لإعلان النتيجة ([5]) وهو ما تذهب إليه أيضا اجتهادات المجلس الدستوري الذي أكد غير ما من مرة على " أن يكون الطعن في صحة انتخاب المرشح المعلن عن  فوزه..."([6]). بمعنى أن كل دعوى لا تعيد النظر في انتخاب المرشح الفائز تعتبر غير مقبولة، إذ لا يتعدى  اختصاص القاضي الدستوري فيما يخص المنازعات المتعلقة بانتخاب البرلمان حسب الاجتهاد الدستوري ([7]) النظر في العرائض الرامية، إما إلى إلغاء الانتخابات المتنازع فيها وإبطال انتخاب المرشح، وإما إلى إدخال تعديل على النتيجة المعلن عنها  من طرف لجنة الإحصاء، والتصريح باسم المرشح الذي تم انتخابه بصفة قانونية، وكل طعن لا يطلب إبطال انتخاب نائب أو التصريح بانتخاب مرشح أخر بدله يعتبر خارجا عن اختصاص المحكمة الدستورية" وهو ما قد يبقى نتائج  الانتخابات البرلمانية دون مراقبة إذا كان الطعن لا يهدف إلى إلغاء نتيجة الانتخاب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المحكمة الدستورية، باعتبارها قاضي للانتخاب ليست لها إلا سلطات محدودة فيما يخص القرارات التي تصدرها السلطات الإدارية عند التحضير للانتخابات التشريعية بحيث لا يمكنها إلغاؤها كما هي، بل تستنتج فقط من ظروف النازلة عدم شرعيتها لتصرح بإلغاء الانتخاب ([8]).

لذلك، فإن القاعدة العامة كما يؤكد البعض)[9](هي "عدم الاختصاص المبدئي للمحكمة الدستورية لمراقبة القرارات التمهيدية للانتخابات قبل أن يجري ذلك الانتخاب؟

الفرع الثاني: اصطدام اختصاص قاضي الإلغاء بوجود الدعوى الموازية

تصدر القرارات الممهدة للانتخابات التشريعية عن سلطات إدارية، ومن المعلوم أن مثل هذه القرارات إنما يختص بالنظر فيها القاضي الإداري طبقا للمعيار العضوي والمادي ([10]) لكن القول بإسناد الاختصاص إلى القاضي الإداري قد يصطدم بوجود الدعوى الموازية، فهل يحول وجود قاضي مختص في مادة الانتخابات التشريعية دون أن ينظر القاضي الإداري في القرارات التمهيدية؟

يجمع الفقه المغربي ([11]) على أن الدعوى الموازية لم تعد ذات قيمة تذكر، كما أنه لا وجود للطعن مواز ومباشر ضد القرارات التمهيدية أمام قاضي الانتخابات، فالمحكمة الدستورية لا تراقب مثل هذه القرارات، فإذا كانت هذه الأخيرة تراقب صحة الانتخابات التشريعية، وتلغي كل عملية أو جزء منها وتعلن انتخاب المرشح الفائز قانونا أو تدخل  تعديلا على النتيجة، وتصرح باسم المرشح الذي تم انتخابه بصفة قانونية، فإنها ترفض النظر في طلبات الإلغاء المباشر للقرارات التمهيدية لأنها في نظرها ليس هناك أي نص يمنح له صراحة هذا الاختصاص[12].

بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن يتمكن القاضي الإداري من مراقبة شرعية القرارات الإدارية الممهدة للعمليات المذكورة لأن المراقبة اللاحقة غالبا ما تكون غير فعالة. إذ يصعب تصور إلغاء نتائج الانتخاب لأسباب ترجع إلى عدم شرعية القرارات الإدارية المهددة أو المنظمة له إذا كانت عدم شرعية هذه القرارات لا تأثير لها على صحة الانتخابات. في حين يمكن أن تؤدي دعوى الإلغاء القرار الإداري المطعون فيه في مواجهة الكافة، أي زواله بأثر رجعي من النظام القانوني، بالإضافة إلى تمتعه بقوة الشيء المقضي به، في حين أن دعوى القضاء الشامل التي تطعن غالبا بصفة غير مباشرة أو عن طريق الاستثناء في شرعية مثل هذا القرار لا يمكن أن تؤدي إلا إلى إلغاء بين الأطراف للقرار أي زوال مؤقت (وقت نزاع القضاء الشامل) ومحدود (بين أطراف النزاع). وهنا يطرح المشكل على اعتبار أن دعوى القضاء الشامل الرامية إلى الطعن في العملية الانتخابية الخاضعة للقضاء الشامل بسبب عدم شرعية قرار تنظيمي ممهد لها، لا يسمح لقاضيها إذا كان هذا الأخير قرارا غير مشروع، بإبعاد هذا القرار إلا بالنسبة لهذا النزاع، ومن استمرار تطبيقه رغم عدم شرعيته، ([13]) وعندما  يتعلق الأمر بقرارات كهذه – القرارات التنظيمية- فقاضي الانتخاب لا يملك إذن سوى سلطات محدودة تجاه الأعمال الممهدة، فهو لا يملك سلطة إلغائها كما هي، وإنما يستنتج من الخروقات سببا يستند عليه لإلغاء الانتخاب، وينتج عن ذلك صعوبات علمية وعملية لأن في هذه الحالة القضاة غير المختصين في المادة الإدارية هم الذين سيتفحصون مشروعية القرارات التمهيدية[14]  التي لا مجال للشك في طبيعتيها الإدارية.

وعليه، فإن اختصاص القاضي الدستوري في مجال مراقبة الانتخابات التشريعية، لا يمكن الاعتراض به في وجه الطاعن لأن القاضي الإداري هو القاضي الطبيعي  للنظر في القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية.

وسنحاول في المطلب الثاني التعرض لنماذج من هذه القرارات ألا وهي قرارات التقطيع الانتخابي وقرارات استدعاء الناخبين،  والتي يمكن أن تكون لعدم شرعيتها آثار على مجموع العمليات الانتخابية، لذلك فإنه يجب إعاقة هذه الآثار بإلغائها، باللجوء إلى قاضي تجاوز السلطة. وبعبارة أخرى وكما قال مفوض الحكومة  labetoule  فإن الأمر يتعلق " بقرارات... من المفيد النظر في النزاعات الناشئة عنها، والتي يمكن أن تكون موضوع طعن أمام قاضي تجاوز السلطة قبل الانتخابات ([15]).

المطلب الثاني: القرارات الإدارية الممهدة للانتخابات التشريعية: نحو تجاوز  التناقضات القانونية

تتعدد الأنماط العملية لتنظيم الاقتراع كثيرا، وتلزم السلطات الإدارية التي تهيؤها اتخاذ العديد من التصرفات القانونية والمادية. سنتعرض هنا للتصرفات الأولى.

ومن بين هذه الأنماط، نذكر القرارات المتعلقة بتقطيع الدوائر الانتخابية والقرارات المتعلقة باستدعاء الناخبين.

الفرع الأول: التقطيع الدوائر الانتخابية

بالرغم من القرارات العديدة التي أصدرها الاجتهاد القضائي المغربي في مجال العمليات الانتخابية، فإنه لم تثر أمامه قضايا تخص التقطيع تمكننا من استنتاج مبادئ وقواعد نطبقها في الممارسة المغربية-باستثناء حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط بمناسبة الانتخابات الجماعية استند فيه الطاعن إلى عدم قانونية التقطيع،وقد صرحت المحكمة بخصوصه على أنه: لا يمكن الاعتماد على كون التقسيم الإداري معيبا لطلب إلغاء نتيجة الانتخاب، لأن أمر التقسيم موكول إلى السلطة الإدارية وقد يخضع إلى وسائل طعن خاصة)[16](.

لكن ما هي وسائل الطعن الخاصة التي يخضع لها التقطيع الانتخابي؟ لا نشاطر الباحث محمد العامري)[17]( الرأي حين ذهب إلى القول بأنه: "إذا جرت الانتخابات وفق تقسيم غير قانوني، فإن القاضي يعتمد إلى إلغاء الانتخابات كلها، وليس له أن يصدر حكما بشأن قرار التقسيم الانتخابي ولكن له الصلاحية في أن يفحص ما إذا كان هذا الملف المهيأ للانتخابات معيبا ويستمد منه سببا للإلغاء الانتخابات، إذ لا نجد في العمل القضائي للمجلس الأعلى، وهذا باعتراف الأستاذ محمد العامري- طعنا ارتكز  فيه على هذا على الأساس، كما أن قاضي الانتخاب لا يملك سوى سلطات محدودة فهو لا يملك سلطة إلغائها كما هي وإنما يستنتج من الخروقات سببا يستند إليه لإلغاء الانتخاب، هذا إلى جانب " سمو المراقبة التي يمارسها القاضي الإداري ) قاضي الإلغاء( على اعتبارها مراقبة مباشرة، فإلغاء هذا الأخير لقرار  إداري ممهد يولد آثار جذرية وفورية أفضل أمام قاضي الانتخاب عن طريق الدعوى الموازية، حيث تكون النتائج نسبية ومحتملة فإقناع الطاعن في الحالة الأولى يكون تاما ويبقى أقل وضوحا في الحالة الثانية)[18](، بمعنى أن الدعوى الموازية لا تضمن نفس النتائج التي تحفظها الدعوى أمام قاضي الإلغاء.

يضاف إلى ذلك، أنه عندما يكون القرار الممهد قرارا تنظيميا وهو الحال بالنسبة لقرار التقطيع الانتخابي، بحيث لا يكون ممهدا لانتخاب معين وانما لمجموعة انتخابات تظهر عيوب ابقائه تحت مراقبة قاضي الانتخاب، لأن إلغاء الانتخاب المبني على عدم مشروعية ذلك القرار لا يكون له إلا أثر محدود مادام أن القرار سيستمر في تنظيم العمليات الانتخابية الموالية. هكذا فإلغاء الانتخاب بسبب تقطيع انتخابي غير صحيح لا يشمل إلغاء قرار التقطيع، وتبعا لذلك ستقام الانتخابات المقبلة على نفس ذلك التقطيع، وقاضي الانتخاب يمكنه الغاء تلك الانتخابات من جديد، ونقف بذلك حسب الاستاذ Jean Maire Rainaud على مساوئ هذا النظام لأنه ينتهي دائما إلى دعاوى متجددة وبعيدة عن المنطق والعدالة"([19])، وتلك حجة إضافية للفعالية،  فالقاضي الإداري- قاضي الإلغاء- يلغي القرار المطعون فيه لمنعه من التطبيق مستقبلا ([20])، فأهم حماية للحريات هي التي تترتب عن الرقابة التي يمارسها القاضي بمناسبة دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، حيث أن الإلغاء يعيد الأمور الى مجراها العادي ويجعل مبدأ الشرعية يولد على الآثار المرتبطة به والتي توفر شروط التمتع بالحقوق والحريات ([21]).
لذلك نرى أن يختص قاضي الإلغاء بكل القرارات التي تهم التنظيم العام للانتخابات (التقطيع الانتخابي...) لوضع حد للبلبلة القانونية، ولمصادر الخلل القانوني ([22]).
 
الفرع الثاني: استدعاء الناخبين
 
على القاضي أن يقوم بفحص ما إذا كان قد استدعي الناخبون بكيفية قانونية، ذلك أن استدعاء الناخبين دون احترام القانون تكون نتيجة التأثير على الانتخابات وتوجيهها الوجهة غير الصحيحة وتعتبر مراقبتها ضرورية من أجل خلق سلوك انتخابي جديد، وعليه ستكون واقعة مؤكدة أن يقوم القضاء بنوع من الرقابة على استدعاء الناخبين باعتباره من القرارات التمهيدية للعملية الانتخابية، غير أن هذا النوع من الطعون لم تثر إطلاقا أمام القضاء المغربي.

وإذا كان بعض الفقه المغربي)[23]( يقترح أن يتبنى القضاء الدستوري المغربي الحل  الذي يتبناه المجلس الدستوري الفرنسي في قرار Delmas)[24]( حين تحول إلى قاضي الإلغاء، فإن وجود قاضيين للإلغاء مسألة  غير مستساغة قانونيا، إذ يرى بعض الفقه أنه:" إذا تم الإقرار له بذلك سيتم المرور بسرعة من فراغ قضائي إلى التكامل ثم إلى التنافس، الأمر الذي ليس فيه مصلحة المتناقضين"([25]) الذين لا يعرفون الباب الذي يجب طرقه أو الدعوى التي يجب رفعها أو قد يصطدمون بحائط بعد فتح الباب .

بالإضافة إلى ذلك وإذا كان مجلس الدولة في فرنسا قد احنى ظهره للمجلس الدستوري بخجل اعتمادا على الدعوى الموازية ([26])، فإن هذا الحل حسب البعض يبقى غير أكيد ومسألة الاختصاص لاتزال لم تعرف الجواب معتبرا أن موقف مجلس الدولة عبارة عن جهد توفيقي ممزوج بالاستخفاف المؤدب ([27])، كما شكك البعض في موقف المجلس الدستوري الذي اعتمد في نفس القضية لقبول العريضة على معيار الوسائل المثارة وعلى معيار مدى عمومية مرسوم تنظيم الاقتراع، وهو معيار غامض. فأين يتوقف العام وأين يبدأ الخاص؟ معتبرا أن المجلس الدستوري)[28]( قد قام بالخلط بين مسألة الاختصاص ومسألة القبول)[29] (وأن المجلسين وبخصوص مسألة الاختصاص قد فضلوا الانحراف بالفصل في مسألة الاختصاص ومسألة القبول. ونفس الاتجاه ذهب إليه الأستاذChapus أن " قضاء العمليات الانتخابية السياسية هو قضاء عملية قانونية، لذلك فمن الطبيعي أن لا تنظر في ذلك المحكمة الإدارية، فهو إذن اختصاص يدخل في اختصاص المجلس الدستوري، ولكنه أضاف بأن التدابير المتعلقة بتنظيم الاقتراع منفصلة... وبالتالي يقبل الطعن فيها أمام القاضي الإداري"[30].

ولا نتفق مع الأستاذ محمد عامري )[31](عندما خلص إلى أن "القرارات الإدارية الصادرة... باستدعاء الناخبين تخضع لرقابة القاضي الدستوري، بحيث يقدر مشروعيتها بمناسبة نظره في الانتخابات موضوع النزاع  و يستنتج القاضي ما من شأنه أن يؤثر في العمليات الانتخابية، وذلك بالنظر إلى السلطات المحدودة لقاضي الانتخاب بخصوص هذه الأعمال إذ أنه لا يمكن له أن يلغيها كما هي بل فقد أن يستنتج من ظروف النازلة عدم شرعيتها ليصرح بإلغاء الانتخاب".ذلك أن إقامة دعوى الإلغاء قرار إداري غير مشروع أمام قاضي الإلغاء، تجعل هذا الأخير يركز الفحص فقط على القرار الإداري في حد ذاته وتقييم مشروعيته من عدمها، أما في حالة رفع تلك الدعوى أمام قاضي الانتخاب، فإن القرار الإداري غير المشروع لا يتم فحصه إلا من زاوية واحدة وأحادية: زاوية صحة الانتخاب وفي الوقت الذي تكون فيه المراقبة في الحالة الأولى يقينية فإنها لن تكون نسبية واحتمالية وفي الحالة الثانية)[32](.

لذلك يجب تمكين المتقاضي من اللجوء إلى القضاء في نطاق دعوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة بقصد إلغاء تلك القرارات بمفردها أي منفصلة عن الموضوع المركب بصورة مستقلة عن النزاعات المتعلقة بالعملية الأساسية والنهائية التي تخضع لقضاء آخر غير قضاء الإلغاء.
 
 الهوامش

[1]-GHEVONTION R  Un labyrinthe juridique : Le contentieux des actes préparatoires en matière des élections politiques », in R.F.D.A..,10e année, juillet-auôt 1994,p794.
[2]www.juris futur.fr/d-Public3.htm.
[3]Favoureu (L),Les grandes décisions du conseil,6e édition, sirey,p9
[4]- بوجمعة بوعزاوي، مراقبة صحة الانتخابات التشريعية المباشرة في المغرب، أطروحة لنيل الدكتوراة في الحقوق، كلية الحقوق بوجدة 2001، ص 115
[5]- الطيبي أحمد شعيرة، عبد الله المتوكل، قرارات المجلس الدستوري، أشار إليه بوجمعة بوعزاوي، مرجع سابق، ص 119
[6]- قرار 89-95 صادر بتاريخ 17 يوليوز1995، الجريدة الرسمية عدد 4318، بتاريخ 22 غشت1995.
[7]- حكم عدد 55 بتاريخ 12 دجنبر 1971، مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد20 السنة3، دجنبر1971، ص68.
[8]-salomon (J), Les opérations préparent les élections devant le juge de l’excès de pouvoir »,RDP,1957,p606
يقوم القاضي الدستوري بفحص ما إذا كانت هذه القرارات بالنظر إلى طبيعة ودرجة عدم شرعيتها إما إلغاء الانتخابات كليا أو جزئيا أو الإبقاء عليها
[9]- Camby (p.p),le conseil constitutionnel. Juge électoral,op.cit.p58
[10]- محمد قصري، "القرارات الإدارية التي يجوز الطعن فيها بالإلغاء لتجاوز السلطة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة " مواضيع الساعة" ، العدد 1، 1995،ص 13-14
[11]-الجيلالي أمزيد، " شروط انتفاء الدعوى الموازية في المنازعات الإدارية"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة " مواضيع الساعة" ، عدد6،1996،ص 8.
- محمد صقلي، "الدعوى الموازية بين القانون والممارسة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 28،يوليوز-شتنبر 1999ن ص 48-60
[12]- يبدو أن هذا هو الرأي السائد في فرنسا، فحسب الأستاذ TURPIN، فإن " المجلس الدستوري غالبا ماخرج بقرارات عدم اختصاصه في هذا المجال".
- Turpin (p) contentieux constitutionnel , PUF, 2e édition , mise à jour , juillet 1994 p 417, camby (j.p.) le conseil constitutionnel, juge électoral, op cit.p.58
 
[13]- Rainaud (J.M), La Distinction de l’acte réglementaire et de l’acte individuel, paris, L.G.D.J ,1966,p67.
[14]- salomon (J),op.cit,p607.
[15]- Ses conclusion sur l’arrêt CE23 novembre1984.
[16]- حكم صادر بتاريخ 11/7/1983، أوردته أمينة، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص137.
[17]- محمد عامري، الطعون الانتخابية بالمغرب، إفريقيا الشرق، 1993، ص233.
[18]-Chevontian) , Un labyrinthe juridique : Le contentieux des actes préparatoires des élections politique », in R.F.D.A. ,10eannée,juillet-août 1944,p805.
[19]- Rainaud (J.M), La Distinction de l’acte réglementaire et de l’acte individuel, paris, L.G.D.J, 1966, p67.
[20]- بوجمعة بوعزاوي، مراقبة صحة الانتخابات التشريعية المباشرة في المغرب، أطروحة لنيل الدكتوراة في الحقوق، كلية الحقوق بوجدة 2001، ص133.
[21]- أمال المشرفي، " حماية الحقوق والحريات بالتقييد القضائي لسلطة الإدارة التقديرية"، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ندوة القضاء الإداري وحماية الحقوق والحريات بالمغرب، عدد خاص 6-7 أبريل 1995، ص149.
[22]- http//www.juris futur.Free.Fr/D-public/3.htm.
[23]Antari (M),<<Les difficultés de réparation du  contentieux législative entre le conseil constitutionnel et le Juge administratif »,REMALD ,n° juillet –septembre 1998,p122.
[24]- تتلخص وقائع هذه القضية في أن أحد المرشحين تقدم بطعن ضد مرسوم استدعاء الناخبين أمام مجلس الدولة على أساس أنه يقلص آجال الحملة الانتخابية، لكن مجلس الدولة رفض الطعن معتبرا أنه لا يعود إلا للمجلس الدستوري (الدعوى الموازية) طبقا للمادة 59 من دستور 4 أكتوبر 1958 النظر في شرعية القرارات التي تعتبر تمهيدية للعمليات الانتخابية، فتوجه الطاعن إلى المجلس الدستوري فقبل الدعوى.
[25]-Chevontian (R),op,cit,p850
[26]C.E assemblé1 sept.2000,Laronturou et autres.
[27]www.juris.future.fr/ D-public/3.htm.
[28]C.c25 juillet 2000( hauchemaille1)23 août 2000( hanche maille II el arronturou),6 septebre2000 (pasque et hanche maille III)11 septembre2000(pasque et hanche maille III),11 septembre 2000 (MEYET) 
[29]-إن اعتراف القاضي بكونه مختص أو اعتباره أن الطلب مقبولا لا يعني نفس الشيء من الناحية القانونية، ففي الحالة الأولى أي في حالة الاختصاص يعترف القاضي أن له سلطة الفصل في نزاع ما، فهو يبحث عن الحدود التي يجب عدم تجاوزها والمرتبطة في أغلب الحالات بجوهر الطلب ونوعه والمجال الذي يدخل فيه. أما في الحالة الثانية، أي في حالة القبول، فإن السؤال لا يتجه بتاتا نحو المتقاضي: هل احترام الشروط الشكلية حتى يكون طلبه مقبولا؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن الاختصاص ينبع من نص قاعدي لا يمكن للقاضي إلا أن يقوم بتقدير محتواه، أما بالنسبة لشروط القبول فتعتبر مرنة ويمكن تعديلها من طرف القاضي نفسه.
www.juris.future.fr/ D-public/3.htm.
[30]chapus ,( R), droit du contentieux administratif.8e édition ,montchrestien,paris1999,p628-629
[31]- محمد عامري، مرجع سابق، ص 235
[32]-salamon (J),les opérations pérarant les élections devant le juge de l’excès de pouvoir,R.D.P.P606
أورده محمد عامري، الطعون الانتخابية في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، 1983،ص274.



الخميس 6 أكتوبر 2016

تعليق جديد
Twitter