MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الضمانات التي توفرها العقود للحقوق العينية القابلة للتقييد بالرسوم العقارية

     

ذ محمد ابن الحاج السلمي
موثق، محافظ عام سابق



بإسم الله الرحمن الرحيم


الضمانات التي توفرها العقود للحقوق العينية القابلة للتقييد بالرسوم العقارية


محمد ابن الحاج السلمي 
موثق، محافظ عام سابق
 
بادئ ذي بدء أذكر بأنني كنت قد ألقيت هذه المداخلة خلال ندوة نظمتها محكمة الإستئناف بالرباط في موضوع: "الرسم العقاري و مدى حماية الحقوق العينية" و ذلك بتاريخ سابق على تاريخ صدور القانونين رقم 14.07 المتعلق بتحفيظ العقارات و رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية و دخولهما حيز التنفيذ و كذا قبل صدور المرسوم رقم 2.13.18 بتاريخ 16 رمضان 1435 (14 يوليوز 2014) في شأن إجراءات التحفيظ العقاري الذي عوض و تمم و عرب و لم يعرب بعض الفصول و نسخ البعض الآخر من القرارين الوزيريين المؤرخين في 3 يونيه 1915 بشأن تفاصيل تطبيق التحفيظ العقاري و 4 يونيه 1915 المتعلق بتنظيم مصالح المحافظة العقاريةو أعتذر عن عدم تحيينها إثر ذلك. و هذا نصها:


السيد الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بالرباط
السيد الوكيل العام بها
السادة المستشارين و القضاة
السادة و السيدات
أيها الحضور الكريم


إنه لشرف كبير لي أن أمثل بين يديكم لأساهم في هذه الندوة التي تنظمها محكمة الإستئناف بالرباط في موضوع: "الرسم العقاري و مدى حماية الحقوق العينية" و ذلك بعرض متواضع يتمحور حول موضوع: "الضمانات التي توفرها العقود للحقوق العينية القابلة للتقييد بالرسوم العقارية" و الذي سأحاول بإذن الله أن أتناوله من خلال التصميم الآتي:
صياغة الإرادة التعاقدية بالكتابة شرط انعقاد و إثبات كمقدمة، ثم ما المقصود بالحقوق العينية القابلة للتقييد؟ كجزء أول، و ما المقصود بالعقود التي يكون محلها حقوقا عينية؟ كجزء ثان؛ و أخيرا كجزء ثالث ما المقصود بالضمانات التي توفرها العقود للحقوق العينية القابلة للتقييد و ما الغاية من وجوب توفير هذه الضمانات؟

مقدمة: صياغة الإرادة التعاقدية بالكتابة شرط انعقاد و إثبات

بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي بعدما أقر رضائية العقود بصفة عامة، جاء ليشترط و في نصوص متعددة ضرورة توافر الكتابة في صياغة الإرادة التعاقدية كلما تعلق الأمر بحق عيني عقاري، و ذلك سواء من أجل إنشائه أو إقراره أو التصريح به أو تغيير مداه و نطاقه أو إسقاطه، حيث جعل من العقود الناتجة عن هذه الكتابة "عقودا شكلية" لا ينعقد فيها الإلتزام في هذا المجال إلا بتوافر شكلية الكتابة هذه، حيث يشترط بصفة خاصة في البيع أو المقايضة أو الشركة أو الكراء متى كان موضوع ذلك عقارات أو أموال قابلة للرهن (أي حقوقا عينية عقارية) أن تجرى كتابة في محرر ثابت التاريخ، حيث تعتبر الكتابة شرط إنعقاد.
من جهة أخرى، و في نفس المجال لم يشترط المشرع المغربي أي دليل آخر غير الكتابة، و ذلك نظرا لإعتبار الكتابة من أقوى طرق الإثبات. حيث تشكل الكتابة وسيلة لإثبات الحقوق و الوقائع و الأحداث القانونية أو المادية و كذا لإثبات التصرفات القانونية دون تمييز بين ذلك. و من خواصها الإيجابية إمكانية إعدادها و تحريرها مسبقا دون إنتظار نشوب نزاع و عرضه على القضاء و دون تربص مجيء وقت المخاصمة للإدلاء بها. و لذلك سميت بالدليل المعد و الجاهز.
و هذا في الوقت الذي لا تخلو فيه الكتابة نفسها من مخاطر، حيث قد يعتريها التزوير أو التحريف، إن لم يقع تنظيم ميدان تحرير العقود سواء من حيث الشكل أو المضمون و تحديد مسؤولية الجهاز المكلف بذلك.
هذا و بدون أن نخوض في إثارة الجدل الفقهي حول إشكالية إعتبار الكتابة شرط إنعقاد أم شرط إثبات أو هما معا، فإننا نعتقد بأن الكتابة شرط انعقاد و إثبات في آن واحد خاصة حينما يتعلق الأمر بالسجلات العقارية التي لا يتصور أن تعتمد دليلا آخر سوى الدليل الكتابي، لا كمؤيد لإنجاز التقييد و لا كوسيلة إثبات للحقوق و التصرفات المطلوب تقييدها.
و للإشارة فإن فإننا نجد من بين القوانين التي تكرس ما سبق قوله قانون العقود و الإلتزامات و ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات و ظهير 02 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة...إلى غير ذلك.
و هذا ما أكده الإجتهاد القضائي في مناسبات عديدة كما في قرار محكمة الإستئناف بالرباط عدد 2883 بتاريخ 14 مارس 1946 (قرارات محكمة الإستئناف بالرباط 1944 –1950 ص 571)، حيث قضت المحكمة بأنه في حالة عدم وجود عقد مكتوب، فإن بيع العقار المحفظ لا يثبت بشهادة الشهود و التي تعتبر غير كافية. و أن كتابة العقد ضرورة ملحة ما دام يتعلق الأمر بعقار محفظ يكون التقييد في الرسم العقاري بالنسبة له هو الوحيد الذي ينتج آثار البيع و لو بين الطرفين.
و هذا أيضا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في قراره رقم 817 بتاريخ 27 أبريل 1983 (مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 32) مقررا أنه "إذا كان المبيع عقارا محفظا وجب أن يجرى البيع في محرر ثابت التاريخ. و إذا إختل هذا الركن الشكلي فإن البيع لا يقوم. و إن المحكمة لما إعتمدت مجرد إقرار قضائي أمام المحكمة الجنحية لإثبات بيع عقار محـفظ، تكون قد خرقت القانون ( الفصل 489 من قانون الإلتزامات و العقود) و عرضت قرارها للنقض".
هذا، بالإضافة إلى أن المشرع المغربي لم يحدد أي نوع من العقود و الوثائق التي ينبغي أن تصاغ فيها الإرادة التعاقدية أو التصرفات و التي يمكن أن تشكل دليلا للإثبات، بل إتخذ موقفا مرنا في هذا المجال؛ و بالتالي، فإنه ترك لـلأفـراد حرية تـحـديـد نوعيتها، و ذلك رغم أهمية التصرفات العقارية بصفة عامة و تلك المتعلقة منها بالعقارات المحفظة بصفة خاصة و التي تترتب عليها حقوق عينية أوجب نفس المشرع إشهارها و تقييدها بالسجلات العقارية. فما هي هذه الحقوق العينية؟

الجزء الأول: الحقوق العينية القابلة للتقييد:

نعني بالحقوق العينية القابلة للتقييد هنا بكل بساطة كل الحقوق العينية المترتبة على العقارات المحفظة أو في طور التحفيظ،
و نعلم بأن الحقوق العينية بصفة عامة هي محددة بكيفية حصرية في القانون و خاصة ما ينص عليه الفصل 08 من ظهير 02 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة إلى جانب بعض القوانين الخاصة مثل القانون المعدني، و كل هذه الحقوق العينية هي واجبة الإشهار و التقييد بالسجلات العقارية كلما ترتبت على عقارات محفظة أو في طور التحفيظ.
فالفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات ينص على ما يلي:
"يجب أن تشهر بواسطة تقييد في السجل العقاري كل الأحداث و الإتفاقات الناشئة بين الأحياء، مجانية كانت أو بعوض، و كل محاضر الحجز العقاري و كل الأحكام المكتسبة لقوة الشيء المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر إنشاء حق عيني عقاري أو نقله، أو إقراره أو تغييره أو إسقاطه، و كــــذا كل عقود أكرية العقارات التي تفوق مدتها ثلاث سنوات، و كل إبراء أو حوالة لقدر مالي يوازي كراء أو بناء أرض لــمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء".
و الجدير بالذكر هنا أن المشرع المغربي لم يترك المجال مفتوحا للمحافظ على الملكية العقارية أو لغيره لتقدير ما يجب تقييده و ما لا يجب تقييده.
و كذلك الحقوق العينية المترتبة على العقارات في طور التحفيظ، حيث يتعين إشهارها، و ذلك بإعطاء صاحبها إمكانية إيداع العقود التي تستند عليها هذه الحقوق بملف مطلب التحفيظ للعقار المعني.
و للإشارة، فإن الإيداع المذكور يسجل بسجل التعرضات، و حين اتخاذ قرار التحفيظ " تقيد " تلك الحقوق بالرسم العقاري الذي سيؤسس للملك المعني بالأمر حسب ترتيب تسجيلها بسجل التعرضات الذي يحدده تاريخ وضع رسومه.
و هذا ما يطلـق عليه عبارة(الإيداع قصد "التقييد" بالرسم العقاري المزمع تأسيسه) أو (الإيداع طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ) و ذلك عملا بمقتضيات هذا الفصل المذكور.
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت كل الحقوق العينية المترتبة على العقارات المحفظة أو في طور التحفيظ واجبة الإشهار و التقييد بالسجلات العقارية، فإنه ليس بالضرورة أن تكون كل تلك الحقوق قابلة للإشهار و التقييد بالسجلات العقارية، أو بعبارة أخرى، فإنها لا تكون كلها مقبولة في التقييد من طرف المحافظ على الملكية العقارية.
و لكي تكون كذلك، يجب أن يتوفر بشأنها شرطان أساسيان:
الشرط الأول: أن تكون من الحقوق العينية المنصوص على وجوب إشهارها و تقييدها بالسجلات العقارية.
و هذا يعني أن تكون من بين الحقوق العينية المعينة و المحدودة قانونا و بكيفية حصرية، كما جاء بالفصل 08 من ظهير 02 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة إلى جانب بعض القوانين الخاصة مثل القانون المعدني، كما أسلفنا، من جهة،
و من جهة أخرى، أن تكون من بين الحقوق العينية المنصوص على وجوب إشهارها و تقييدها بالسجلات العقارية قانونا، كما فعل ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات و بعض القوانين الخاصة و منها القانون المعدني، من جهة أخرى.
الشرط الثاني: أن تكون من الحقوق العينية المستوفية لكل الشروط القانونية المتطلبة.
و هذا يعني أن تتوفر هذه الحقوق على ثلاث أصناف من الشروط القانونية:

1- شروط التأسيس أو التعديل أو الإسقاط
و هي الشروط الجوهرية التي يتطلبها القانون المنظم لهذه الحقوق بما فيها ما سمي بالحقوق العرفية الإسلامية. و هنا نجد بالأخص ظهير 02 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة و القانون المعدني مرة أخرى.
2- شروط التعاقد
بمعنى أن تتوفر التصرفات و الأحداث القانونية و المادية التي تكون الحقوق العينية محلا لها على جميع الشروط الشكلية و الجوهرية التي تفرضها القوانين بدءا بتلك الواردة في قانون العقود و الإلتزامات و ظهير 02 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة و القانون المعدني و كذا كل القوانين المنظمة للمجال العقاري بصفة عامة.
3- شروط التقييد بالسجلات العقارية
و من بينها أساسا ألا يتعارض طلب تقييدها أو التشطيب عليها مع ما هو مضمن في السجلات العقارية ولا مع مقتضيات ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات وأن الوثائق المدلى بها تجيز التقييد أو التشطيب المطلوب و الكل وفقا لمقتضيات الفصول 72 و 74 و 94 و غيرها من الظهير المذكور.

الجزء الثاني: العقود التي يكون محلها حقوقا عينية

إنها بكل بساطة و اختصار العقود و الإتفاقات الإرادية بين الأحيـاء و المـتـضـمـنة للتصرفات بعوض أو بدون عوض و المنشئة أو المغيـرة أو المصرحة أو المسقطة للحقوق العينية الواجبة التقييد.
و هذا الصنف هو أول ما نص عليه الفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات حيث أوجب أن تشهر بواسطة تقييد في السجل العقاري كل الإتفاقات بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض و التي يكون موضوعها إنشاء أو نقل أو إقرار أو تغيير أو إسقاط الحقوق العينية الواجبة التقييد.
و هذا الصنف أيضا هو ما جعله الفصل 67 من نفس ظهير التحفيظ العقاري لا ينتج آثاره و لو فيما بين المتعاقدين إلا بفعل التقييد بالسجلات العقارية و ابتداء من تاريخ إجراء التقييد حيث يقول:
"إن العقود الإرادية و الإتفـاقـات الرامية إلى إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط حق عيني أو التصريح به لا تنتج أي أثر و لو فيما بين الأطراف إلا إبتداء من تاريخ التقييد، مع التحفظ بحقوق الأطراف و دعاويهم المتبادلة بسبب عدم تنفيذ إتفاقاتهم".
و هذا ما تنص على وجوب تبيانه في طلب التقييد الفقرة الثالثة من الفصل 69 من ظهـير التحفيظ العقاري من بيان مـدخل التملك و كذا نوع و تاريخ العقد الذي يثبته.
هذا، و يمكن القول من خلال قراءة النصوص المنظمة للتحفيظ العقاري و من بينها ما سبق ذكره، و كذا من خلال الواقع المعاش أن العقود الإرادية و الإتفاقات تكاد تكون هي الإثبات الوحيد لمدخل التملك و التي بمقتضاها يمكن تحديد نوعية التصرف الذي يجب تقييده بالسجلات العقارية، كما لو تعلق الأمر بتفويت العقار أو الحقوق العقارية بعوض أو بغير عـوض كالـبـيع الكلي أو الجزئي أو لحقوق مشاعة أو القسمة أو المعاوضة أو الهبة أو الوصية مثلا، أو كما لو تعلق الأمر بتفريع حق الملكية و تأسيس أحد الحقوق العينية الأصلية أو التبعية الواجبة التقييد بالسجلات العقارية، بما فيها الحقوق العرفية الإسلامية و كذا الحقوق المعدنية أو المنجمية.
ففي مثل هذه الحالات، فإن عقد البيع أو القسمة أو المعاوضة أو الهبة أو الوصية أو كذلك عقد إنـشـاء حق السطحية أو الإنتفاع أو الكراء الطويل الأمد أو الرهن سواء الرسمي أو الحيازي، أو عقد تأسيس الإرتفاقات أو حق الجزاء أو الإستئجار أو الهواء … إلى غير ذلك، نـقـول إن هـذا العـقـد هو الـذي يـثـبـت مدخل التملك و يكون بالتالي مؤيدا و منطلقا للتقييد.
هذا، و لقد قلنا بأن المشرع المغربي إتخذ موقفا مرنا بالنسبة للتصرفات العقارية حيث إشـتـرط ضـرورة الـكـتابـة فقط دون تحديد أي شكل أو نوع من أنواع الكتابة.
و هكذا يمكن أن تكون العقود أو الإتفاقات إما في شكل محررات عرفية و إما في شكل محررات رسـمـيـة أو موثقة و من ضمنها الرسوم العدلية و العقود التوثيقية، و إما أن تكون أيضا في شكل عقود إدارية.
و بالتالي و في إطار التقييد بالسجلات العقارية، فإن المحافظ على الملكية العقارية يقبل أي نوع من أنواع العقود التي يكون موضوعها إنشاء أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية الواجبة التقييد سواء في شكل محررات عرفية أو محررات موثقة أو رسمية أو أيضا في شكل عقود إدارية.
هذا و رغم أهمية التفرقة و التمييز بين مختلف هذه الأنواع، سـواء من حـيـث الحجية أو من حيث الآثار، فإننا نقتصر هنا على إستعراض بعضها مع إعطاء بعض تعاريفها، و ذلك كما يلي:

أ. المحررات الموثقة:
و هي المستندات التي يقوم بتحريرها موثقون مختصون منتصبون للإشهاد قانونا كالعدول تحت إشراف قضاة التوثيق و الموثقين "العصريين"، و ذلك بعد التأكد من صحة التصرفات المثبتة بها و كذا من هوية الأطراف المتعاقدة.
ب- المحررات الرسمية:
و هي المحررات التي يقوم بتحريرها موظفون عموميون معينون منتصبون لذلك قانونا ووفقا لأوضاع قانونية مقررة. حيث تعتبر كل وثيقة صادرة عن إدارات الدولة أو المؤسسات التابعة لها من المحررات الرسمية، كوثائق الحالة المدنية مثلا.
هذا، و لا يعتبر كل محرر رسمي محررا موثقا نظرا لوجوب أن يكون المحرر الموثق صادرا عن عدول أو موثقين مختصين، حيث إنه لا يكون المحرر الرسمي موثقا في كل الحالات، و إنما هناك نوع معين من المحررات الرسمية يقوم بتحريرها موظفون معينون يمثلون إدارات الدولة أو المؤسسات التابعة لها كالعقود الإدارية التي يكون موضوعها تفويت عقارات الدولة أو معاوضة العقارات الحبسية.
و هكذا فإن المحررات الموثقة تكون محررات رسمية في نفس الوقت، في حـيـن أن المحررات الرسـمـيـة قـد تكون موثقة و قد لا تكون حسب الحالات.
ج - المحررات العرفية:
و هي التي يقوم بتحريرها المتعاقدون أنفسهم إما بكيفية شخصية مباشرة أو بواسطة أشخاص ليسوا لا موثقين و لا عدول و لا قضاة توثيق و لا موظفين عموميين، و لا مهنيين مرخص لهم قانونا بذلك، بل و أحيانا كثيرة ليسوا حتى مؤهلين لا تكوينا و لا خبرة.
هذا، و يعتبر توقيع الأطراف بهذه المحررات العرفية المتضمنة لإتفاقات الأطراف بالتصرفات في إطار الأركان الأساسية للتعاقد، مع المصادقة على صحة هذا التوقيع من طرف السلطات المختصة طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل هو الشرط الوحيد و الجوهري لتصبح هذه المحررات ملزمة لأطرافها.

الجزء الثالث: الضمانات التي توفرها العقود للحقوق العينية القابلة للتقييد

إن الحديث عن الضمانات التي من الواجب أن توفرها العقود للحقوق العينية القابلة للتقييد بالرسوم العقارية يجرنا إلى تحديد مفهوم مصطلح "الضمانات" و الغاية المرجوة من تأمين هذه الضمانات، و ذلك على مستويين: مستوى عام و آخر خاص.
و المقصود بالضمانات على المستوى العام هنا هو ما يتعين أن توفره العقود في حد ذاتها للحقوق العينية من شروط من أجل تأمين صحة و سلامة إجراءات إنشائها أو نقلها أو تعديل مداها و نطاقها أو كذلك إسقاطها، و كذا تأمين شروط صحة وسلامة التعاقد بشأنها حتى تسري آثار الإلتزام بكيفية فورية فيما بين الأطراف و لفائدة الأغيار و في مواجهتهم، بما في ذلك الآثار القانونية التي تنتجها الإلتزامات بصفة عامة و التي تنظمها القواعد العامة للإلتزام و كذا تلك المنظمة بمقتضى قواعد خاصة تميز العقود المنشئة لها بخصائص منفردة بها.
على أننا سوف لن نتناول الآثار المنصوص عليها قانونا سوى بالقدر الذي يمكننا من تبسيط ما نقصده من مصطلح "الضمانات" التي توفرها العقود للحقوق العينية التي تهمنا هنا.
أما على المستوى الخاص، أي على مستوى الحقوق العينية القابلة للتقييد بالرسوم العقارية، فإن المقصود بمصطلح "الضمانات" هنا هو ما يتعين أن توفره نفس العقود في حد ذاتها دائما للحقوق العينية القابلة للتقييد من شروط من أجل تمكينها من تقييدها أولا و قبل كل شيئ و بدون أية صعوبات أو عراقيل و كذا تأمين إستفادتها من الآثار القانونية التي تنتجها التقييدات بصفة عامة.
و هنا أيضا سوف لن نتحدث عن الآثار القانونية للتقييد سوى بالقدر الذي سيمكننا من بسط موضوعنا.
و هكذا، و في هذا السياق، فإننا نعتقد أن هناك ست ضمانات أساسية يتعين أن يكون بإمكان العقود أن توفرها للحقوق العينية القابلة للتقييد بالرسوم العقارية، أربعة على المستوى العام و إثنان على المستوى الخاص.

أولا: ضمانات على المستوى العام:

1- تأمين شروط التأسيس أو النقل أو التعديل أو الإنقضاء:

يتعين أن تكون العقود محررة بكيفية مطابقة لكل الشروط الشكلية و الجوهرية المتطلبة قانونا و فقها لإنشاء الحقوق العينية أو نقلها أو تعديل نطاقها و مداها أو لإنقضائها كتلك المنصوص عليها في ظهير 02 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة و الفقه الإسلامي و القانون المعدني مثلا.

2- تأمين شروط صحة التعاقد:

يتعين أيضا أن تكون العقود محررة بكيفية مطابقة لكل الشروط الشكلية و الجوهرية المتطلبة قانونا و فقها لتمام و صحة التصرفات و الإلتزامات المنبثقة عنها كتلك المنصوص عليها في قانون العقود و الإلتزامات و الفقه الإسلامي مثلا.

3- تأمين السريان الفوري للآثار القانونية للإلتزام:

يتعين أن يكون من آثار العقود بمجرد تمام إجراءاتها السريان الفوري للآثار القانونية للإلتزامات الناشئة عنها سواء كانت عامة كالضمان العام لتنفيذها أو كانت خاصة كضمان البائع مثلا للعيوب و الهلاك و كالتسليم القانوني و الفعلي للعقار محل الحقوق العينية موضوعها، و أيضا كأداء الثمن من جانب المشتري مثلا...إلى غير ذلك.

4- ضمان ممارسة العناصر الأساسية المكونة للحقوق العينية:

من بين الضمانات التي يتعين على العقود أن توفرها أيضا للحقوق العينية على المستوى العام تمكين مالكها من الممارسة القانونية و الفعلية الفورية لكل العناصر المكونة للحقوق العينية من إستعمال و إستغلال و تصرف مادي و قانوني و بدون أي قيد أو شرط سوى ما يكون قد إتفق عليه الطرفان بكيفية خاصة و صريحة.

ثانيا: ضمانات على المستوى الخاص:

1- تمكين الحقوق العينية من التقييد و الإستفادة من آثاره القانونية:

يتعين أن تكون العقود محررة بكيفية تسمح بقبول تقييدها من طرف المحافظ على الملكية العقارية بالرسوم العقارية المعنية بالأمر بدون أي إعتراض أو أي رفض أو أية ملاحظة، و بالتالي الإستفادة من الآثار القانونية التي ينتجها التقييد، و منها الأثر التأسيسي و القانوني و كذا القوة الثبوتية للتقييدات و حجيتها.
و يتعين أن يكون الأمر كذلك سواء تعلق الأمر بتقييد إيجابي أو بتعديل هذا التقييد أو بالتشطيب عليه، حيث يكون التقييد هنا سلبيا.


هذا، و نظرا لأهمية الأثرين المذكورين للتقييد فإنه لا يسعنا إلا أن نفرد لهما حيزا و لو موجزا من هذا العرض المتواضع.

أ- الأثر القانوني و التأسيسي للتقييد:

إن التقييد وحده، كما تعلمون، هو الذي ينشئ الحقوق العينية بإستثناء حق الملكية و الحقوق الأخرى المكرسة بالتحفـيـظ، وهو الذي ينقل تلك الحقوق العينية بما فيها حق الملكية أو يصرح بها أو يغيرها أو يسقطها فيما بين الطرفـيـن المتعاقـديـن أولا، و ثانيا في مـواجـهـة الكافـة، أي الغير بما فيه الخلف العام و الخاص.
بمعنى أن التقييد وحده هو الذي يصبغ على الحق العقاري صفة الحق العيني.
و هكذا، يظل صاحب أي حق عقاري متعلق بعقار محفظ مالكا لحق شـخصي فقط، لا في مواجهة الغير وحسب، ولكن حتى إزاء المـتـعـاقـد معه، ولا يكون له بالتالي، سوى حق في طلب التقييد، أو بالضبط في طلب الإعتراف بحقه إلى حين تقييده بالرسم العقاري المعني بالأمر.
و إبتداء من تاريخ هذا التقييد وبفعله يصبح حقه حقا عـيـنـيا عقاريا حسب مفهوم ظهير 12 غشت 1913 بـشـأن تـحـفـيـظ العقارات و ظهير 2 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة.
هذا، و ينتج عن الأثر القانوني أو التأسيسي للتقييدات، كما هو معمول به في المغرب، نتيجتان:

النتيجة الأولى: إيجابية. و هي الإعتراف بالوجود القانوني للحقوق المقيدة وحدها، فيما بين الأطراف من جهة، و في مواجهة الغير، من جهة ثانية.

و هنا لا بد من إضافة شرط آخر ينص عليه الفصل 28 من القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيه 1915 المتعلق بـتـفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري، و هو أنه لكي يقيد الحق، يجب أن يكون مأخوذا عن صاحب التقييد السابق. و بالتالي فإنه في حالة ما إذا كان الحق العيني العقاري أو التحمل العقاري موضوع عدة إنتقالات أو إتفاقـات متتالية، فإنه لا يمكن تقييد آخر إنتقال أو إتفاق إلا بعد تقييد كل الإنتقالات أو الإتفاقات السابقة.
و هكذا فإنه لا يمكن الإعتراف بالوجود القانوني لأي حق عقاري و إضفاء صبغة الحق العيني عليه إلا بتقييده بالرسـم الـعـقاري الـمعني بالأمـر و الإعتراف بوجوده لفائدة مالكه الأصلي أو السابق.
و الهدف من ذلك هو إحترام شرعية التصرفات و تحقيق تسلسل التقييدات من جهة، و مطابقة السجلات العقارية لكل الوضعيات القانونية و المادية الفعلية التي يمكن أن توجد عليها العقارات المحفظة من جهة أخرى.
أما النتيجة الثانية: فهي سلبية. حيث ينتج عن عدم الـتقييد عدم الإعـتراف بالـوجود الـقانوني للحقوق وإبقاؤها في طـي الكتمان، بل و إهدارها أو ضياعها أحيانا.
ذلك أنه في حالة عدم تقييد أي حق أو حدث قانوني أو مادي مما يجب تقييده، فـإن المالك المقيد بالرسم العقاري، و لو كان قد تصرف في العقار بالبيع أو الهبة أو الرهن يظل مالكا للعقار المبيع أو الموهوب أو المرهون و في مواجهة الكافة، و لو كان تصرفه قد صيغ في شكل رسمي كعقد موثق أو رسـم عدلي، فأحـرى أن يكون قد صيغ في شكل محرر عرفي، و ذلك طالما أنه لم يقع تقييد البيع أو الهبة أو الرهن.
و بالتالي، فإنه إذا كان ذلك المالك المتصرف سيئ النية، فإنه قد يتصرف بالعقار مرة ثانية بالبيع أو الهبة أو الرهن أو قد يحجز العقار من طرف الغير و يباع بالمزاد العلني. و في هذه الحالة، فإنه إذا ما بادر المتصرف إليه الثاني إلى تقييد حقه، فإنه سيستفيد من الأثر القانوني و التأسيسي للتقييد، و بالتالي سيعتبر مالكا قانونيا للعقار و في مواجهة الكافة.
أما المتصرف إليه الأول فسوف يتحول حقه إلى حق شخصي في المطالبة بإسترداد ما دفعه من ثمن و مصروفات العقد إضافة إلى التعويض عن الأضرار اللاحقة به عند الاقتضاء.
بل وحتى في حالة ما إذا لم تكن هناك سوء نية، فإن عدم التقييد بالسجلات العقارية يتسبب في عدم تحيين الرسوم العقارية و يخلق أوضاعا يصعب حلها في حالات كثيرة.
فقد يتوفى المالك المقيد و تقيد إراثته و يحل محله ورثته، فيبــادرون إلى التصرف بالعقار أو قسمته، و قد يحدث المالك المقيد به بناءا أو تجزئة تغير من معالمه، و بالتالي يصبح تقييد التصرف الأول صعب المنال، بل قد يصبح مستحيلا عينا و بالتالي، يتحول الحق إلى المطالبة بإسترداد ما دفع مع التعويض عند الاقتضاء.
هذا و ينتج مبدأ الأثر القانوني و التأسيسي للتقييدات، أساسا عن مقتضيات الفصلين 66 و 67 من ظهير 12 غشت 1913 بشـأن تحفيظ العـقارات، و هما الفصلان الأساسيان في الموضوع، كما ينتج و بطريقة غير مباشرة عن مقتضيات الفصل 2 من ظهير 2 يـونـيـه 1915 بشأن الـتـشـريع المطبـق على العقارات المحفظة، و الذي يتعلق خاصة بضمان الحقوق، و لو فيما بين الأطراف و الذي ( أي الضمان ) يكون قائما بواسطة التحقيق في الوثائق المقدمة لدى المحافظ على الملكية العقارية قصد التقييد، شكلا و جوهرا، و تحت مسؤوليته الشخصية، حيث يشكل الفصل 3 الـمـوالي و المتعلق بضمان الحقوق في مواجهة الغير، النتيجة المنطقية لذلك.
و هكذا ينص الفصل 66 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات على" أنه لا يوجد أي حق عيني متعلق بعقار محفظ في مواجهة الغير، إلا بفعل تقييده بالرسم العقاري من طرف المحافظ، و إبتداء من تاريخ هذا التقييد. وأنه لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير حسن النية ".
كما ينص الفصل 67 من نفس الظهير على" أن العقود الإرادية و الإتفاقات الرامية إلى إنـشـاء أو نقل أو تعديل أو إسـقـاط حق عيني أو التصريح به، لا تنتج أي أثر، ولو فيما بين الأطراف، إلا إبتداء من تاريخ التقييد، مـع التـحفـظ بحقـوق الأطراف ودعاويهم المتبادلة بسبب عدم تـنـفـيذ إتفاقاتهم ".
ص على أنه" لا يحصل ضمان الحقوق العيـنية أو التحملات العقارية وكذا التغييرات الطارئة على هـاتـه الحقوق، ولو فيما بين الأطراف، إلا بإعلانها بواسطة بيانات مختصرة في السجلات العقارية في الحساب الخاص المفتوح لكل عقار، وأن هذا الإعلان يكون مسبوقا بالتحقيق في المستندات المدلى بها ".
كما أن الفصل 2 من ظهير 2 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة ينص على أنه" لا يحصل ضمان الحقوق العيـنية أو التحملات العقارية وكذا التغييرات الطارئة على هـاتـه الحقوق، ولو فيما بين الأطراف، إلا بإعلانها بواسطة بيانات مختصرة في السجلات العقارية في الحساب الخاص المفتوح لكل عقار، وأن هذا الإعلان يكون مسبوقا بالتحقيق في المستندات المدلى بها ".
و أخيرا يـنـص الـفـصل 3 مـن نفس الظهير على" أن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات لاحقة تحفظ الحق الذي تنص عليه ما لم تـبـطل أو يشطب عليها أو تغير، وأنها تشكل حجة في مواجـهـة الأغيار، على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها ".
و هكذا، فإذا كانت العقود محررة بكيفية تجعلها مستوفية لكل الشروط القانونية الشكلية و الجوهرية المتطلبة، فإن تقييد الحقوق التي تكون محلا للإلتزام الناشئ عنها سيكون مقبولا من طرف المحافظ على الملكية العقارية بلا هوادة، و سيتحول الحق الشخصي محل الإلتزام إلى حق عيني بكل ما له و ما عليه.
أما إذا كانت تلك العقود معيبة بأحد عيوب الرضى أو غير محررة بكيفية سليمة أو بها غموض أو تناقض أو تنقصها بعض الإجراءات القانونية أو كذلك غير مرفقة بالرخص و الشواهد المتطلبة قانونا، فإن تقييد الحقوق التي تكون محلا للإلتزامات الناشئة عنها سيتعذر أو سيرفض من طرف المحافظ على الملكية العقارية و بالتالي، سوف لن يتحول الحق الشخصي محل تلك الإلتزامات إلى حق عيني بالمرة.

ب- القوة الثبوتية للتقييدات و حجيتها:

يفهم من القوة الثبوتية للتقييدات تلك الحجية أو القيمة التي تعطى لها كإحدى وسائل إثبات ملكية العقارات المحفظة و الحقوق العينية المترتبة عليها، فيما يتعلق بضمان هذه الحقوق المقيدة، سواء فيما بين الأطراف المتعاقدة، أو لفائدة الغير أو في مواجهتهم، و كذا فيما يتعلق بوضعية الأشخاص المعينين بالرسوم العقارية بأسمائهم بإعتبارهم مالكي هذه الحقوق.
يتعلق الأمر هنا بمعرفة هل الحق العيني المعترف بوجوده عن طريق التقييد المضمن بالرسم العقاري لفائدة الشخص المعين به كمالك يكون مضمونا بصفة نهائية فيما بين المتعاقدين، وكذا لـفـائـدة الغير أو إزاءهم، أم أنه رغم تقييد هذا الحق بطريقة قانونية، فإنه يمكن معارضته أو الطعن فيه من طرف أحد الأطراف في مواجهة الآخر، أو إزاء الغير الذي يجب أن يكون نفسه مالكا لحق مقيد بالرسم العقاري المعني بالأمر.
للإجابة على هذه التساؤلات، و يمكن القول مجملا إن للتقييدات بالرسوم العقارية بصورة عامة قوة ثبوتية مطلقة أو نسبية حسب الحالات. وهي تشكل حجة و دليلا فيما بين الأطراف أنفسهم و في مواجهة الغير أو لفائدتهم على أن المالك المقيد بالرسم العقاري هو فعلا صاحب الحقوق المنصوص عليها فيه. وأنه لا يمكن تغيير هذه التقييدات أو إبطالها إلا بمقتضى تقييد جديد بناء على عقد إرادي أو حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
بمعنى أن التقييدات تضمن الحق الذي تنص عليه ما لم يثبت عكسها أو ما لم تغير أو تبطل، سوى فيما يتعلق بحقوق الغير المقيد عن حسن نية. حيث إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال لأي تغيير أو إبطال يطرأ على هذه التقييدات أن يمس حقوق هذا الغير حسن النية.
و هذا هو ما يستنتج من المقتضيات القانونية المنظمة لهذا الموضوع و التي تتمثل أساسا في الفصلين 2 و 3 من ظهير 2 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة، و كـذا في الفصلين 66 ( الفقرة الثانية ) و 67 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري.
و هكذا، فالفصل 2 من ظهير 2 يونيه 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة ينص على "أن ضمان الحقوق العينية أو التحملات العقارية لا يحصل و لو فيما بين الأطراف إلا بواسطة إشهارها عن طريق تضمينها ببيانات موجزة بالسجلات العقارية في الحساب الخاص المفتوح لكل عقار و كذا بتقييد التغييرات الطارئة على هاته الحقوق، حيث يكون هذا الإشهار مسبوقا بالتحقق من المستندات المقدمة".
كما أن الفصل 3 من نفس الظهير ينص على " أن الرسوم العقارية و ما تتضمنه من تقييدات لاحقة تحفظ الحق الذي تنص عليه ما لم تبطل أو يشطب عليها أو تغير، و هي حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها؛
" لا يمكن التمسك بالإبطالات أو التغييرات اللاحقة في مواجهة الغير حسن النية ، كما لا يمكنها أن تلحق به أي ضرر ".
من جهة أخرى، نجد الفقرة الثانية من الفصل 66 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري تنص على أنه " لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير حسن النية "؛ و ذلك بعدما أكدت و أقرت الفقرة الأولى من نفس الفصل 66 المذكور مبدأ الأثر القانوني و المنشئ للتقييدات، كما رأينا.
و أخيرا نجد الفصل 67 من نفس ظهير التحفيظ العقاري ينص على " الأفعال الإرادية و الإتفاقات الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإعتراف به أو تغييره أو إسقاطه لا تنتج أي أثر و لو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد، دون الإضرار بحقوق الأطراف بعضهم على بعض و كذا بإمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ إتفاقاتهم ".
يستنتج من مختلف هذه المقتضيات التشريعية أن الشخص الذي يكتسب حقا على العقار المحفظ إنطلاقا من البيانات المضمنة بالرسـوم العقارية، فإن هذا الحق يقرر لفائدته، و أنه لا يجوز الإحتجاج في مواجهة هذا الشخص و لا في مواجهة الغير بمفهوم الكافة بالحقوق و التصرفات غير المقيدة بهذه الرسوم العقارية.
و هكذا يجوز لكل شخص أن يتعاقد بشأن عقار محفظ مع الشخص الذي تظهره و تعينه و تنص عليه بيانات السجلات العقارية على أساس أنه هو المالك المقيد أو صاحب الحق المقيد، و بالتالي، فإن هذا الشخص سيكتسب حماية قانونية تجعله في مأمن من أية مطالبة أو إعتراض من جانب أي شخص آخر يدعي أنه هو المالك الحقيقي في غياب أي تقييد بإسمه و لفائدته أو يطعن في صحة الحقوق المقيدة في غياب أي تقييد إحتياطي لفائدته طبقا لما يقرره القانون في هذا الشأن.
فلبيانات السجلات العقارية إذن قوة ثبوتية و حجية قانونية يستطيع على أساسها كل شخص أن يجري تعاقدا مع الشخص المعين بها و أن يكتسب بالتالي حقوقا على العقار المحفظ دون خوف أو قلق على مصير حقوقه.
و الشخص هنا قد يتخذ أوصافا تختلف بحسب مركزه أو وضعه القانوني و الحقوقي إنطلاقا من علاقته مع الشخص المعين بالسجلات العقارية على أساس أنه مالك أو صاحب حق على العقار المحفظ.
فقد لا تكون لهذا الشخص إطلاقا أية علاقة قانونية مع الشخص المقيد بالسجلات العقارية و بالتالي، فإنه سيوصف بكونه من الأغيار بالمفهوم الواسع للغير، أي بمفهوم الكافة.
و في مواجهة هؤلاء الكافة، فإنه يحتج بكل حق مقيد في السجلات العقارية لفائدة الشخص المعين بها على أساس أنه هو صاحب هذا الحق، و لا يعتد بالمقابل لفائدتهم بأي حق غير مقيد بهذه السجلات العقارية.
و لهذا، فالعقد، و لو كان رسميا مبرما أمام موثق أو عدلين منتصبين للشهادة و مخاطب عليه من طرف قاضي التوثيق لا يقوم مقام التقييد و لا يعتد به ما لم يقيد بالسجلات العقارية. إلا أنه حينما يقع تقييده، فإنه يقع الإكتفاء بإجراء التقييد و حده، و هو الأمـر الذي يوضـح بكيفية لا غبـار عليهـا مدى القوة الثبوتيـة و القيمة التي يتمتع بها التقييد .
و بصفة عامة، فإنه يمكن القول بأن للتقييدات و البيانات المضمنة بالسجلات العقارية قوة إثباتية و أنها تشكل حجة و دليلا قويا فيما بين الأطراف و في مواجهة الغير بمفهوم الكافة على أن المالك المقيد إسمه في السجلات العقارية هو فعلا صاحب الحق المنصوص عليه بها، و أنه لا يمكن تغيير هذه التقييدات أو إبطالها أو التشطيب عليها من هذه السجلات العقارية إلا بمقتضى تقييد جديد بناءا على عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
إلا أن هذه الحجية تتأرجح بين الإطلاقية و النسبية، حيث إن قوتها في الإثبات مرتبطة بمدى صحة التصرف و حسن نية الأطراف و الأغيار.
هذا، و حتى نحدد متى تكون هذه الحجية نسبية أو مطلقة يكون علينا أن نميز بين القوة الثبوتية للتقييدات فيما بين الأطراف من جهة، وفي مواجهة الغير من جهـة أخرى. كما يكون علينا فيما يتعلق بالغير، أن نميز فيما بين الغير حسن النية و الغير سيئ النية.

ب-1- القوة الثبوتية فيما بين الأطراف:

إنه بالإضافة إلى الأثر القانوني أو التأسيسي للتقييد الذي ينقل الحق العيني إلى المشتري مثلا، فإن التقييد يضمن حق هذا المشتري ضد تصرفات الطرف الآخر في حالة ما إذا باع نفس الحق مرة أخرى.
كما يضمن لهذا المشتري صفته كمالك قانوني للحق و هو الأمر الذي لا يمكن أن يتجاهله بائعه فيما بعد في الحالة المخالفة، وذلك طالما ظل التقييد مضمنا بالرسم العقاري و طالما ظلت الوضعية على ما هي عليه دون أن يدخل عليها أي تغيير.
و هذا يعني أن التقييد يعتبر قرينة قانونية على وجود الحق و على أن الشخص المعين بإسمه في هذا التقييد هو فعلا و قانونا صاحب هذا الحق، و أنه لا حاجة للإتيان بدليل آخر خارج مندرجات الرسم العقاري. بحيث ينطوي التقييد في حد ذاته على قرينة قانونية لفائدة المستفيد من التقييد الإسمي بوصفه طرفا أولا و قبل كل شيء في إلتزام تعاقدي لا يمكن للطرف الآخر أن ينكره.
و بالتالي، فإن التقييد هو وسيلة إثبات كافية في حد ذاته على أن المالك أو صاحب الحق هو ذلك الشخص المقيد في السجلات العقاري ، بحيث يكفي للإستدلال على ذلك إما الإطلاع مباشرة على التقييدات المضمنة بالرسم العقاري و ذلك بالملف الموضوع رهن إشارة العموم لهذا الغرض و إما الإستظهار بنظير الرسم العقاري مشهود بمطابقته للأصل من طرف المحافظ على الملكية العقارية و إما أخيرا الإستظهار بشهادة ملكية منسوخة من الرسم العقاري المعني بالأمر.
أو بعبارة أخرى، فإن التقييد ينطوي في حد ذاته على إفتراض قانوني بوجود الحق و صحته لفائدة الشخص المعين به بإسمه و ذاته.
و هو بذلك يحمي الحق و يضمنه لفائدة صاحبه لا فقط في مواجهة المتعاقد معه و لكن و خاصة في مواجهة الأغيار بمفهوم الكافة و الذين لا يتوفرون على تقييدات إسمية لفائدتهم.
إلا أن هذه القوة الثبوتية للتقييد وهذا الضمان الذي يمنحه التقيـيد فيما بيـ الأطراف يكونان مرتكزين فقط على إفـتراض بسيط بالوجـود و الصحة. حيث إن التقييد هنا لا يطهر العقود من عيوبها التي توجب التصريح ببطلانها أو الحكم بإبطالها.
و هذا يعني أنه يمكن ضحد هذا الإفتراض رغم كونه قانونيا عن طريق الدليل المخالف. حيث تظل الحقوق المنقولة إلى الغير بواسطة المالك المقيد قابلة للطعن فيها أمام القضاء. إذ أن كل حق يقيد بالإستناد إلى حجية عقد قابل للإبطال أو الفسخ يظل مؤرجحا و يمكن طلب التشطيب عليه من طرف المتعاقد الآخر أو ذي المصلحة، و ذلك إما ضمنيا بمقتضى تقييد آخر جديد، و إما صراحة بمقتضى حكم قضائي إكتسب قوة الشيء المقضي به، بحيث إذا إعترف القضاء بهذا الدليل المخالف يشطب على التقييد وتلغى كل آثاره؛ لكن مع التحفظ بسبب حقوق الغير المقيدة عن حسن نية.
و هذه القاعدة التي لم ينص عليها المشرع المغربي بكيفية صريحة تستنتج بدون شك من مفهوم الفصل 91 من ظهير التحفيظ الذي يقضي بإمكانية التشطيب على أي تقييد بمقتضى كل عقد أو حكم قضائي إكتسب قوة الشيء المقضي به يصرح بإنعدام و جود أو إنقضاء الحق أو الحدث الذي يتعلق به التقييد.
و هذا يعني أن القرينة القانونية التي يولدها التقييد لفائدة الأطراف هي قرينة بسيطة يمكن ضحدها بالدليل المخالف، حيث إنه لا تكون للتقييد سوى قيمة العقد الذي يكون أساسا له، و أن الضمان في هذه الحالة، هو بالتالي ضمان نسبي و ليس مطلقا.
بمعنى أن التقييد لا يصحح العقد الباطل و لا يجيزه و لا يقرره. أو بعبارة أخرى، فإنه ليس للتقييد أي أثر على صحة التصرف و لا يترتب عنه زوال أو إزالة العيوب التي تشوب السند أو العقد الذي إستند إليه. حيث يظل هذا التقييد مرتبطا بالحدث القانوني الذي ينتج عنه، و بالتالي فإنه لا يقع ضمان الحق المقيد فيما بين الأطراف سوى عن طريق إفتراض بسيط بالصحة يمكن ضحده عن طريق الدليل المخالف.
و مع ذلك و رغم إمكانية الطعن في التقييد و الوصول إلى التصريح ببطلان العقد الذي يستند إليه أو الحكم بإبطاله، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التشطيب على هذا التقييد سوى في حالة عدم وجود تقييد حق لفائدة الأغيار حسني النية، حيث إنه في هذه الحالة، فإنه لا يمكن التمسك ببطلان العقد أو إبطاله في مواجهة الغير المقيد بالرسم العقاري عن حسن نية، كما سنرى فيما يلي:

ب-2- القوة الثبوتية للتقييدات في مواجهة الغير:

إن للتقييدات المضمنة بالسجلات العقارية قوة ثبوتية في مواجهة الغير أو الكافة بصفة عامة، من جهة. و تعبير "الغير" هنا يؤخذ على إطلاقه. وهكذا يمكن للمنتفع من التقييد الإسمي للحق العيني أن يحـتج بهذا الحق إزاء الغير كيفما كانت صفته. وبالتالي، فإنه يستطيع أن يطلب من قاضي المستعجلات إستصدار إذن بطرد حائز لعقاره ما دام هذا الحائز الذي يدعي بملكيته لحق عيني على العقار لا يستطيع الإستدلال بتقييد إسمي لفائدته.

ب-3- القوة الثبوتية للتقييدات لفائدة الغير حسن النية:

إن للتقييد بالسجلات العقارية قوة ثبوتية خاصة لفائدة الغير حسن النية، حيث يفترض لفائدة هذا الغير حسن النية أن التقييد صحيح. ويكون هذا الإفتراض ذا طبيعة مطلقة. بحيث لا يمكن التـمـسـك بأي حال من الأحوال بالإبطال أو التغيير اللاحق للتقييد في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية. كما أنه لا يمكن أن يلحق به هذا الإبطال أو التغيير أي ضرر. وهذا ما نص عليه الفصلان 66 من ظهير التحفيظ و 3 من ظهير 2 يونيه 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة.
و الغير الذي يستطيع أن يتمسك بالقوة المطلقة للتقييد هو الشخص الذي تتوفر فيه شروط أساسية هي:

1 – أن يكون أجنبيا عن علاقة قانونية مقيدة سابقا؛
2 – أن يكتسب على العقار حقا بناءا على مندرجات الرسم العقاري المعني بالأمر و بالأخص بناءا على مضمون التقييد السابق له مباشر؛
3 – أن يقوم بتقييد حقه بالرسم العقاري و بالتالي يتخذ وصف المالك أو صاحب الحق على العقار؛
4 – أن يكون جاهلا بالعيوب التي تشوب العقد الرابط بين طرفي العلاقة التعاقدية المقيدة قبل تقييد حقه تقييدا إسميا لفائدته؛ و أن لا يكون متواطئا مع الشخص الذي فوت له العقار أو الحق أو أنشأه لفائدته؛ و ذلك في الوقت الذي أبرم فيه الإلتزام و قام فيه بتقييد حقه بالسجل العقاري.

فالغير حسن النية إذن هو الشخص الذي تتوفر فيه هذه الشروط الأربعة، و يستفيد في هذه الحالة و بالتالي من وصف قانوني هو حسن النية. و هو وصف مبني على إفتراض قانوني هو جهله بالعيوب التي تشوب الرابطة التي تجمع المتعاقد معه مع سابقه.
و هذا الإفتراض ينطلق من مضمون الرسم العقاري المعني بالأمر. بحيث يمكن القول بأنه من الناحية المبدئية، فإنه لا عبرة بأي علم سوى بما هو مقيد و مدون بالسجلات العقارية، بحيث يعتبر كل ما هو مقيد في هذه السجلات العقارية حجة على كل من يتعامل مع المالك المقيد بها و تلزمه، كما تنهض محتويات هذه السجلات العقارية حجة إزاء الكافة.
و هذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره رقم 270 بتاريخ 30 يناير 1985 ( مجموعة قرارات المجلس الأعلى - المادة المدنية- الجزء الثاني 1983 – 1991) حيث قضى بأن " التقييد في العقار المحفظ الذي يجعله المشرع قرينة على إفتراض العلم به في مواجهة الكافة هو الذي يقع وفق ما هو محدد في الفصل 75 من ظهير 12 غشت 1913 بتقييد المحافظ في الرسم العقاري البيانات الموجزة عن الحق المراد إشهاره مؤرخة و ممضى عليها من طرفه ".
أما الإدعاء بشكل آخر من العلم خارج ما هو مدون في هذه السجلات العقارية؛ فإنه يستوجب بالضرورة الإتيان بأدلة قانونية أو مادية خارج إطار مضمون السجلات العقارية.
و الغير حسن النية في هذا المجال يتمتع بقوة ثبوتية تامة و حجية مطلقة، و لا تضار حقوقه و لا تمس بأي حال من الأحوال من جراء أي إبطال أو تغيير لاحق يطرأ على التقييدات السابقة على تقييد حقه و بالأخص التقييد السابق له مباشرة. كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحتج أو يقع التمسك في مواجهته بأي إبطال أو تغيير من هذا الصنف و بالتالي، فإنه لا يمكن بتاتا أن يلحق به و بحقوقه أي ضرر من جراء ذلك؛ و ذلك تطبيقا للمقتضيات القانونية الصريحة و الواضحة التي ذكرناها سابقا.
فسعد كما في الأمثلة السابقة الذي إشترى من عمرو عقارا محفظا و قبل منه هبة عقار محفظ آخر يعتبر غيرا حسن النية ما دام أنه إشترى أو قبل الهبة إنطلاقا من مضمون الرسوم العقارية الخالية من أي إشارة إلى وجود أية دعوى للمطالبة بالتصريح ببطلان بيع زيد لعمرو أو الحكم بإبطاله. و هذه الإشارة لا يمكن أن تكون إلا بمقتضى تقييد إحتياطي للدعوى كما نعلم. فخلو الرسوم العقارية من ذلك يجعل سعدا يستفيد من إفتراض قانوني بجهله للعيوب التي تشوب عقد البيع الرابط بين زيد و عمرو. و بالتالي فإنه و لو قضت المحكمة بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به ببطلان ذلك البيع أو إبطاله أو تغيير نطاقه، فإن هذا الحكم لن ينال من حقوق سعد الذي يستفيد من حصانة مطلقة هي القوة الثبوتية التامة و الحجية المطلقة للتقييد الإسمي لفائدته بوصفه غيرا حسن النية.
و هذا ما أيده المجلس الأعلى في قراره رقم 254 بتاريخ 20 يبراير 1990 ( قضاء المجلس الأعلى العدد 44 السنة الخامسة عشرة نونبر 1990 ص 89) حيث قضى بأنه طبقا لمقتضيات الفصل 66 من ظهير 1913 بشأن تحفيظ العقارات فإنه كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده و إبتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري، و أنه لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة؛ و بالتالي تكون المحكمة قد خرقت القاعدة المذكورة حين قضت بإبطال الصدقة بناء على أن المتصدق به جزء مما إشتراه المتصدق و أن القضاء قد أبطل الشراء، مع أن المتصدق عليه غير، فلا تبطل الصدقـة التي قـيـدها بالرسم العقاري إلا إذا كان سيء النية.
و هذا أمر واضح و جلي و يشكل إستثناءا قانونيا و صريحا للمبدإ العام القانوني القائل بأن ما بني على باطل فهو باطل. حيث إن التصريح ببطلان تقييد ما أو الحكم بإبطاله لا يؤدي بالضرورة إلى بطلان أو إبطال التقييد اللاحق له و الذي إستنبط منه؛ و لا يطال البطلان أو الإبطال حقوق الغير المقيد عن حسن نية بأي حال من الأحوال.
و هذه مقتضيات آمرة و من النظام العام. و تهدف إلى تأمين الإستقرار العقاري الذي هو أحد دعائم الأمن الإقتصادي، و يمنحه الأسبقية و الأولوية على باقي الإعتبارات الخاصة الضيقة وتجعله في مأمن من كل مساس به.
ليس معنى هذا أن القوة الثبوتية المطلقة لفائدة الغير حسن النية تمنع إقامة الطعون ممن لهم مصلحة و فائدة فيها، و لكن تلك الطعون إذا ما أقيمت و لو أنتجت أحكاما مكتسبة لقوة الشيء المقضي به لفائدة المدعي، فإن الحقوق العقارية المكتسبة للغير حسن النية لن تمس بأي حال من الأحوال، و تتحول حقوق المدعي الذي ربح دعواه إلى حقوق شخصـيـة للمطالبة بإسـترداد ما دفع و التعويض عن الأضرار اللاحقة به.

ب-4- القوة الثبوتية في مواجهة الغير سيء النية:

حينما جعل المـشـرع المغربي من التقييد في السجل العقاري قريـنـة على وجود الحق و ثباته، فإنه ربط هذا المبدأ بوصف حسن النية. أما سوء النية فلا يمكن صاحبه من الإستفادة من حجية التقييد.
هذا، و تجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي لتحقق سوء النية مجرد إفتراض العلم بالعيوب التي تشوب التصرف السابق، و لو مع وجود تقييد إحتياطي للدعوى متخذ بالرسم العقاري المعني بالأمر، بل لا بد من أجل ضحد حسن النية من إثبات العلم الأكيد المصحوب أم لا بالتواطؤ بين المشتري الأول المقيد بوصفه بائعا و المشتري الثاني المقيد أيضا بوصفه مشتريا؛ حيث إنه ليس من آثار التقييد حماية الإتفاقات المبنية على الغش أو التحايل مثلا.
فالعقد المقيد و الذي ينطوي على غش أو تواطئ هو عقد باطل و لا يخلصه التقييد من البطلان. و بالتالي فإن الحجية المطلقة للتقييد لا تسري إلا لفائدة الغير حسن النية.
فمناط أو أساس إبطال التقييد إذن ليس هو فقط مجرد علم المشتري الثاني بل أيضا و بالإضافة إلى ذلك غشه ، أي علمه الأكيد بأن المشتري الأول كان مرتكزا على عقد بيع باطل أو قابل للإبطال و مع ذلك تعاقد معه و إستعجل تقييد عقد شرائه الثاني مع وثوقه بأنه يساهم أو يتسبب في حرمان البائع الأول من حقه في طلب التصريح بالبطلان أو الإبطال.
ففي مثل هذه الحالة يكون التصرف الذي أجراه المشتري الثاني باطلا بسبب الغش و يتعين التصريح ببطلانه و بالتالي التشطيب على التقييد المتعلق به.
و يستنتج مما سبق إذن بأن الغير سيئ النية هو الشخص الأجنبي على العلاقة التعاقدية المقيدة أولا و الذي إكتسب على العقار حقا من الحقوق و هو عالم علما يقينيا مؤكدا بالعيوب أو المخالفات أو النقائص التي تشوب عقد المالك المقيد الذي أخذ عنه حقه بناء على التصرف المبرم بينهما ، و قام رغم هذا بتقييد ذلك الحق بالرسم العقاري المعني بالأمر.
أما في حالة ما إذا كان العلم بتلك العيوب أو المخالفات أو النواقص لم يتحقق سوى بعد التقييد الإسمي للتصرف المبرم لفائدة الغير ، فإن هذا العلم و لو كان مؤكدا و يقينيا سوف لن يجعل من هذا الغير غيرا سيئ النية نظرا لكونه جاء لاحقا لإكتسابه حقه على العقار المعني بالأمر و لتقييده هذا الحق لفائدته تقييدا إسميا.
و بصفة عامة، و كخلاصة لهذا العرض المتواضع يتعين أن تكون العقود محررة في الأشكال و ضمن الشروط القانونية المتطلبة من طرف أشخاص مؤهلين و مختصين و متخصصين في الميدان، إضافة إلى تحميلهم المسؤولية لا فقط عن مضمونها، و لكن أيضا عن تأمين تقييدها بالرسوم العقارية و بالتالي، تقرير رسمية العقود بالنسبة لجميع التصرفات العقارية.

الاثنين 29 غشت 2022




تعليق جديد
Twitter