MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الشفعة في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

     

ايت عبد المومن عبد الحق

طالب باحث بماستر القانون المدني


كلية الحقوق أكادير



الشفعة في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

 
مقدمــة:

يعتبر العقار عصب الحياة الاقتصادية، والإنسان منذ نشأته وهو في حاجة إلى مسكن ومأوى، ولذلك سعى بشتى الطرق إلى تملك مسكن يأويه، ومع التكاثر الديمغرافي الذي شهده العالم عامة، لاحت أزمة العقار بظلالها على جميع أنحاء العالم، وفي هذا الصدد تنبأ المشرع المغربي بضرورة إنشاء نظام جديد لتملك الشقق السكنية يسمح باستفادة عدد مهم من الملاكين من شقة سكنية يشملها وعاء عقاري متوسط وهو ما يصطلح عليه بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية. ومادام المغرب قد عرف نظام الملكية المشتركة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عبر ظهير16 نونبر 1946، إلا أن تطبيقه لم ير النور إلا بعد مضي نصف قرن من الزمن، وهذا الحيز الزمني كان كافيا لكشف العيوب والنواقص التي شابته، رغم التعديلات التي عرفها هذا الظهير سنة 1955 و سنة 1956 مما حذا بالمشرع إلى نسخه واستبداله بقانون 00-18 بتاريخ 03 أكتوبر 2002.
ولما كان هذا النظام يسمح لكل شخص بامتلاك شقة سكنية وفق كيفية مشتركة، فان حالة الشياع إذن تفرض نفسها إزاء هذا الوضع، وما يهمنا في هذا الصدد هو كيفية ممارسة حق الشفعة الذي أضحى في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية يطلق عليه حق الأفضلية استنادا إلى عدة اعتبارات وعدة فوارق تميز بين الحقين كل على حدة.
ويشكل موضوع الشفعة – الأفضلية- في نظام الملكية المشتركة للعقارت المبنية، نقطة مهمة تسمح للملاك المشتركين حسب عدة شروط امتلاك الحصة المبيعة باستشفاعها، ارتكازا على عدة اعتبارات منها منع دخول الغرباء إلى نظام الملكية المشتركة والحفاظ على الاستقرار والأمن الذي كان سائدا قبل بيع الحصة المراد ممارسة حق الشفعة – الأفضلية – إزاءها.
ونظرا لطبيعة هذا الحق خصوصا في مثل هذا النوع من الأنظمة العقارية، فان الإشكالية التي تطرح في هذا الباب هي كيفية ممارسة هذا الحق ؟  وما الجهة المخول لها البت في طلبات حق الأفضلية خصوصا وأن المادة 39 من قانون 00-18 لم تجعل طريقا آخر في حالة عدم إنشاء هذا الحق من قبل ثلاثة أرباع الملاك المشتركين؟؟ 
وللإجابة عن هذه الإشكالية، ارتأينا معالجة الموضوع وفق منهج تحليلي اعتمادا على تصميم عمدنا إلى تقسيمه إلى مبحثين نخصص الأول للحديث عن الأحكام العامة للشفعة في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، على أساس أننا خصصنا المبحث الثاني للتكلم عن آثار الشفعة في قانون 00-18.  
 
 

المبحث الأول الأحكام العامة للشفعة في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية


تعتبر الملكية العقارية استخلافا إلهيا أقرها الإسلام وبين حدودها وأعطاها عناية كبيرة لأهميتها في تثبيت وضمان استقرار وتجمع المجتمعات، ولما لها من دور في النمو الاقتصادي والاجتماعي للحياة البشرية.

ويقصد بحق الملكية الحق المخول لكل مالك في التصرف في ملكه والانتفاع به واستغلاله واستعماله دون أن يتمكن أحد من الغير من حرمانه من هذا الحق المخول له[1] إلا أن هذا الحق ترد عليه مجموعة من القيود ومن ذلك حق الشفعة، هذا الحق الذي يعتبر قيدا يرد على حق الملكية لكونه يمكن كل من توافرت فيه شروط الأخذ بالشفعة من انتزاع الحصة من المالك الجديد الذي انتقلت له.

            لكن هذا الحق يعرف بمصطلح آخر في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، لكن قبل الخوض في الحديث عن هذا الحق، ارتأيت الكلام أولا عن الأحكام العامة للشفعة في إطار النظام السالف الذكر، وبالتالي عمدت إلى تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين خصصت الأول للتفصيل في مفهوم الشفعة -الأفضلية- في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، في حين سنتحدث في المطلب الثاني عن أركان الشفعة.    

المطلب الأول مفهوم الشفعة في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

         في هذا المطلب سنحاول الركون إلى مفهوم الشفعة في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، وبناء عليه سنقسمه إلى فقرتين نتناول في الأولى مفهوم الشفعة بشكل عام، على أساس أن نتحدث في الفقرة الثانية عن مفهوم نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية.

الفقرة الأولى مفهوم الشفعة

أولا: الشفعة في الفقه الاسلامي
[2]

الشفعة هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه.
وهي ثابتة بالسنة والإجماع ; أما السنة ، فما روى
جابر رضي الله عنه قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فلا شفعة"  متفق عليه . ولمسلم قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم ; ربعة ، أو حائط ، لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه . فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به.
 
وللبخاري: "إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة". 
وأما الإجماع ، فقال
ابن المنذر : أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم ، فيما بيع من أرض أو دار أو حائط . والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه، وتمكن من بيعه لشريكه، وتخليصه مما كان بصدده من توقع الخلاص والاستخلاص، فالذي يقتضيه حسن العشرة، أن يبيعه منه، ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه، وتخليص شريكه من الضرر، فإذا لم يفعل ذلك، وباعه لأجنبي، سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه.
 ولا نعلم أحدا خالف هذا إلا الأصم، فإنه قال: لا تثبت الشفعة ; لأن في ذلك إضرارا بأرباب الأملاك، فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه، لم يبتعه، ويتقاعد الشريك عن الشراء، فسيتضرر المالك.
وهذا ليس بشيء لمخالفته الآثار الثابتة والإجماع المنعقد قبله. والجواب عما ذكره من وجهين ; أحدهما، أنا نشاهد الشركاء يبيعون، ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم، ولم يمنعهم استحقاق الشفعة من الشراء. الثاني، أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم، فيسقط استحقاق الشفعة، واشتقاق الشفعة من الشفع، وهو الزوج، فإن الشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه، فبالشفعة يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به.
وقيل: اشتقاقها من الزيادة ; لأن الشفيع يزيد المبيع في ملكه

ثانيا: الشفعة في التشريع الوضعي

عرف المشرع المغربي الشفعة في كل من ق.ل.ع.
[3] وظهير 2 يونيو 1915، إذ جاء في الفصل 25 منه " الشفعة هي الحق الثابت لكل من يملك مع اخرين على الشياع عقارات أو حقوقا عينية عقارية في أن يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها بعد أداء المبلغ المؤدى في شرائها وكذا ما أدخل عليها من تحسينات وما أدى عنها من مصاريف لازمة للعقد".
وعرفها بعض الفقه
[4] بكونها حق ممنوح للشريك في الشياع في أن ينتزع لنفسه الحصة الشائعة التي فوتها لأحد الشركاء بعوض، وفي مقابل ذلك يدفع لمن انتقلت إليه العوض والمصروفات الضرورية والنافعة التي أنفقها مند وقوع الصفقة. 
لكن الإشكال الذي يثور في هذا الصدد هو كيفية تنظيم حق الشفعة – الأفضلية – في إطار قانون 00-18 وطبقا للمادة 39 منه فإن إنشاء حق الأفضلية أضحى موكولا لإرادة الملاك المشتركين في العقار موضوع الملكية المشتركة، ولئن كان المشرع قد حدد الأغلبية الواجب توافرها عند تأسيس حق الأفضلية فإنه في المقابل قد أطلق من سلطة الملاك في تنظيم وتحديد الإجراءات الشكلية لممارسة هذا الحق.

الفقرة الثانية: مفهوم نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

يشمل نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية ثلاث مصطلحات (النظام-الملكية-المشتركة) وكل واحدة لها مدلولها الخاص، وعليه يجب تفكيك كل مصطلح لتحليل مضمونه؛
الملكية: جاء في لسان العرب، " الملك احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به"
[5]، وهذا المفهوم يكاد يتطابق مع التعريف القانوني للملكية حيث عرفها المشرع في الفصل التاسع من ظهير[6] التشريع المطبق على العقارات المحفظة بقوله "الملكية العقارية  هي حق التمتع والتصرف في عقار بطبيعته أو بالتخصيص على ألا يستعمل هذا الحق استعمالا تمنعه القوانين أو الأنظمة".
المشتركة: لفظة مشتركة وصف للملكية، وهي من حيث اللغة مصاغة من فعل شارك يشارك أو اشترك يشترك، بمعنى يقتسمان حقا من الحقوق ومنه الشركة،
[7] ومن ثم فإن الملكية المشتركة هي "حق ملكية منقول أو ثابت ينشأ بموجب عقد بين اثنين أو أكثر، أو بموجب انتقال التركات الإرثية أو الوصائية، وقد تكون الملكية المشتركة شائعة أو غير شائعة.
وإذا كان قد اتضح من خلال ما سبق مفهوم الملكية والاشتراك فيها، فإن مشرع قانون 00-18 -وعلى غرار مشرع ظهير 1946- لم يعرف الملكية المشتركة ،واكتفى فقط  بالتنصيص على مجال تطبيقه، فقد نصت المادة الأولى على أنه "تسري أحكام هذا القانون على العقارات المبنية المقسمة إلى شقق أو طبقات أو محلات، والمشتركة بين عدة أشخاص والمقسمة إلى عدة أجزاء ...".

  • ومن ثم فإنه يتم إقصاء تطبيق هذا القانون على الملكية المشتركة في الحالات التالية[8]:
ومن ثم يمكننا تعريف الملكية المشتركة في القانون المغربي بأنها "العقار المبني المتعدد الطبقات أو الشقق أو المحلات  والذي تعدد ملاكه، فكان لكل واحد طبقة أو شقة –أو أكثر- يمتلكها ملكية خاصة وتامة، إضافة إلى ملكية أجزاء أخرى ملكية شائعة وعامة بين جميع الملاك وفقا لطبيعتها أو طبقا لتخصيص الاستعمال."

المطلب الثاني: أركان الشفعة في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

         إن ممارسة حق الشفعة -الأفضلية- في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية يستوجب توفر أركان الشفعة التي لابد من استيفائها للقول بإمكانية ممارسة حق الشفعة في إطار هذا القانون. وتطبيقا لذلك سوف نعالج كل ركن على حدة مخصصين فقرة لكل ركن من أركان الشفعة وهي بالأساس؛ الشفيع، والمشفوع، والمشفوع منه.

الفقرة الأولى: الشفيع

نصت المادة 25 من ظهير 2 يونيو 1915 على أن : " الشفعة هي الحق الثابت لكل من يملك مع اخرين على الشياع عقارات أو حقوقا عينية عقارية في أن يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها بعد أداء المبلغ المؤدى في شرائها وكذا ما أدخل عليها من تحسينات وما أدى عنها من مصاريف لازمة للعقد".
ومن خلال هذا النص يتبين ان الشفيع في القانون المغربي هو الشريك على الشياع في عقار او حق عيني عقاري فقط دون غيره.
فالشفيع هو من له الحق في استشفاع حصة شائعة في عقار يملك فيه جزءا شائعا ، فوتها شريكة للغير بعوض "
وبالنسبة لشروط أخذ الشفيع بالشفعة تناولتها المادة 293 من القانون 08-39 المتعلق مدونة الحقوق العينية وحددتها في أربعة شروط وهي :
1 أن يكون الشفيع شريكا في الملك المشاع وقت بيع حصة شريكة في العقار او الحق العيني وهكذا فالملك يجب أن يكون مشاعا فلا شفعة إذا لم تكن ثمة شركة ويستشف من هذا الشرط أيضا أنه لا شفعة لمن كان شريكا وانتهت شركته أي يجب أن يكون لأزال شريكا وقت حصول البيع.
2 أن يكون بتاريخ تملكه للجزء المشاع سابقا على تاريخ تملك المشفوع من يده للحصة محل الشفعة، وبذلك فالمشرع بهذا الشرط يكون قد وضع حدا للتضارب القضائي والجدل الفقهي فيما يتعلق بالعقار المحفظ لأنه لم يكن ثمة مقتضى يمنع الشفيع من استعمال تملك الشفيع لاحقا على تاريخ تحلل المشفوع منه فلا شفعة له.
 3 أن يكون الشفيع حائرا الحصة في الملك المشاع حيازة قانونية او فعلية وذلك بإثبات الشروط المعتبرة قانونا للحيازة كما أنه لا يعقل أن يطالب بالشفعة من لم يكن مالكا للجزء الذي يشفع به، وهذا الشرط ما هو إلا تطبيق للقاعدة الفقهية التي تقضي بأن ما بني على باطل فهو باطل.

4 أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض مما يعني أنه إذا تعلق الأمر بعقد تبرع فلا مجال للشفعة، وهذا الشرط نجده شرحه في المادة 303 م ح ع التي تقضي بأنه لا شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن التبرع صوريا أو تحايلا ، كما لا شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق او خلع وتجدر الإشارة أنه يتعين على طالب الشفعة إثبات البيع وهو ما تقضي به المادة 295 م ح ع .
كما ان الفقرة الثانية من المادة 296 اعطت حكما لحقوق الأولوية في ممارسة الشفعة عند تعدد الشفعاء وان الشفعة بقدر حصة كل واحد منهم يوم المطالبة بها كما يتعين عدم تبعيض الحصة على المشفوع منه وهو القاعدة التي يجب على الشفيع أن يتقيد بها عند مطالبته بالشفعة حيث لا يرغم المشفوع منه من تمكين الشفيع من شفعة بقضي بعض الحصة فقط.

الفقرة الثانية: المشفوع

الشيء المشفوع هو موضوع الشفعة ، أي ما يأخذه الشفيع من يد المشتري شفعة، وهو إما عقار او حق عيني مشاع.
والملاحظ من خلال مدونة الحقوق العينية الجديدة أنها حددت الشيء المشفوع في العقارات والحقوق العينية القابلة للتداول ، كما تنصب الشفعة على بعض التصرفات مثل الممارسة وهو ما قضت به المادة 308 م ج ع هذا علاوة على بعض الحقوق العرفية الإسلامية المتفرعة عن حق الملكية، والتي ارتقت إلى مصاف الحقوق العينية  الأصلية مع مدونة الحقوق العينية الجديدة بموجب المادة 9، حيث قضت المادة 294 في هذا الصدد على أنه يجوز ضم الهواء والتعلية وكذلك حق السطحية او الزريبة عن طريق الشفعة فيما بيع لأجنبي مكرسة بذلك لما جاء في المواد 140 – 116 – 131 على التوالي، حيث جاء في مضمون المواد مكاتبة انتقال هذه الحقوق عن طريق الشفعة.
غير أن الإشكال الذي قد يطرح هنا هو مدى إمكانية طلب الشفعة بشأن هذه الحقوق إذا تم البيع لأحد الشركاء الواضع أن المشرع قد حصن المشتري التريث من إمكانية طلب الشفعة ضده بشأن الحقوق الواردة في المادة 294 م ج ع وبالتالي فلا مجال للشفعة بشان هذه الحقوق إذا كان المشتري أحد الشركاء لأن المشرع لو أراد ذلك لما ميز بين المشتري والأجنبي، والمشتري الشريك كما فعل في المادة 296 م ح ع .
وبخصوص العقارات التي تقبل القسمة والتي لا تقبلها فقد نصت المادة 298 بكل وضوح على أن الشفعة تكون في العقارات سواء كانت قابلة للقسمة ام غير قابلة لها.
غير أنه لا مجال للشفعة إذا وقع البيع بالمزاد العلني وهو ما تقضي به المادة 302 التي تنص على أنه إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون فلا يجوز أخذ ما بالشفعة وبذلك يكون المشرع قد وضع حدا للخلاف والجدل الفقهي الذي ظل قائما لسنين طوال ويكون قد حدد بشكل واضح نطاق الشفعة.

الفقرة الثالثة: المشفوع منه

أولا: الشخص الذي تباشر الشفعة ضده

من خلال استقرائنا للفصل 25 من الظهير المؤما إليه سابقا؛ نجد أنه اشار الى المشفوع منه فذكر أنه المشتري الذي ينتقل اليه نصيب أحد الشركاء في الشياع، وبين الفصل 29 من نفس الظهير ان الشريك الذي يشتري نصيب احد الشركاء في الشياع يكون لباقي شركائه ان يشفعوا من يده على قدر نصيب كل واحد منهم على ان يتركوا لهذا الشريك المشتري جزءا مما اشتراه على قدر نصيبه الذي كان يملكه قبل شرائه لهذه الحصة المشفوعة.
ويتضح من عبارة الفصل 25 ان حق الشريك في الشفعة رهين بإجراء تصرف من قبل المشفوع منه ألا وهو انتقال الحصة الى الغير بالبيع ، بحيث إذا انتقلت الحصة الى الغير عن طريق المعاوضة غير البيع كالمخارجة او المقايضة او الصلح فلا شفعة فيه، وهذا ما يفهم من باقي الفصول التي تحدثت عن الشفعة، حيث إنها لا تتكلم عن الشفعة إلا اذا تعلق الامر ببيع الحصة المشاعة
[9].

ثانيا: البيع الذي تثبت فيه الشفعة
[10]

ما دام النظام العقاري في المغرب يعرف ازدواجية، فان إعمال الشفعة في بيع الحصة المشاعة يختلف باختلاف نوعية العقار من عقار محفظ او غير محفظ.
وتطبيقا لذلك ينص الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري- المعدل والمتمم بقانون 07-14 - أن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية الرامية الى تأسيس حق عيني او نقله للغير او الاقرار به او تغييره او إسقاطه لا تنتج أي اثر ولو بين الاطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري، دون الإضرار بما للأطراف من الحقوق في مواجهة بعضهم البعض، وكذا بإمكانية اقامة الدعوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم.
ويلاحظ من قراءة هذا الفصل ان تقييد الحق العيني في الرسم العقاري لا يكون إلا اذا كان ناقلا للملكية من البائع الى المشتري، وبالتالي وجب على المحافظ الامتناع عن تقييد أي بيع بالرسم العقاري إلا بعد التأكد من كونه تام الاركان ومستوفيا لجميع الشروط.
         كذلك لا تتصور الشفعة في العقد الابتدائي او ما يصطلح عليه بالوعد بالبيع ، لأنه غير تام وتتوقف آثاره على ابرام البيع النهائي، من ذلك ايضا البيع المعلق على شرط لان نفاذ العقد لم يحدث بعد.

                                                                                         
  المبحث الثاني: آثار الشفعة في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

المطلب الأول تزاحم الشركاء في الشفعة

لا يثور أي مشكل في حالة وجود شركة شياع بين شخصين لا اكثر وقيام احدهما بالبيع لأجنبي، اذ ان للشريك الثاني حق ممارسة الشفعة ولمجموع الحصة المبيعة من يد المشتري الاجنبي دفعا لضرر الشركة" ولكن الإشكالية تثار خلال تعدد الشركاء على الشياع لحق من الحقوق التي يمكن شفعتها".
حقيقة ان المشكل المطروح نص على حله القانون العقاري المغربي بنصه في المادة 30 منه على ما يلي : "ان حقوق الاولوية في ممارسة الشفعة يبقى العمل جاريا بها بين المسلمين وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وهذا المبدأ يؤخذ به سواء كانت الشفعة تمارس على منقول او عقار، وسواء كان العقار محفظا او غير محفظ .
وعليه فإذا كانت حقوق المشتاعين ترجع لمصدر واحد، فالمشتاعين جميعا سواء، لا أفضلية لأحدهم على الاخر.
أما إذا كانت الحقوق المشاعة تنحدر من مصادر مختلفة، فالأفضلية بين المشتاعين تعطى للمشتاع الذي يلتقي مع البائع من حيث مصدر حقه.
 وإذا كان المشتاعون، ولو اتصل بهم الحق من نفس المصدر، إلا أنهم كانوا من اصناف ترتيبية مختلفة كورثة بعضهم من اصحاب الفرض وآخرون بالتعصيب او موصى بهم، فالورثة بالفرض يفضلون على الورثة بالتعصيب وهؤلاء يفضلون على الموصى لهم وهؤلاء بدورهم، على الموهوب لهم وعلى مكتسبي الحصة الشائعة بعوض

الفقرة الأولى: الشركاء المتساوون في استحقاق الشفعة

         يكون الشركاء متساوون في استحقاق الشفعة اذا كان سبب تملكهم واحد او اذا كان مدخل تملكهم واحدا، ولما كان من المسلم به ان الشركاء اذا كانوا متساوون في المدخل فإنهم يستحقون جميعا الشفعة.
         والمعمول به في هذا الصدد انه عند تزاحم هذا النوع من الشركاء فاستحقاقهم للشفعة يكون على قدر نصيب كل منهم، ويقسم المبيع بينهم بنسبة حصة كل منهم، ويقع ذلك اذا تعدد شركاء الرقبة وتزاحموا في حق الانتفاع الذي باعه المنتفع، وتزاحم شركاء في الشيوع على الحصة التي باعها شريك لهم الى أجنبي او تزاحم الشركاء في حق الانتفاع على الرقبة المبيعة، او شركاء في ملكية الرقبة على حق الحكر المبيع، او شركاء في حق الحكر على الرقبة، في كل هذه الاحوال اذا تمسك كل منهم بحقه في الشفعة قسم المبيع بينهم، - لا بحسب الرؤوس – بل بحسب حصة كل منهم في الحق الذي يشفع به.
فمن له الربع في الحق المبيع استحق ربع الحق المشفوع ومن كان له نسبة 12 % منه استحق هذه النسبة وهكذا.
         وفي هذا نشير إلى ان المعتبر في تحديد ما يستحقه كل شريك من الشركاء المطالبين بالشفعة في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، هو ما يملكه كل واحد منهم على حدة يوم المطالبة بالشفعة، بحيث يتم الركون إلى نسبة ما يملكه كل واحد منهم في العقار المشترك، وعلى أساس تلك النسبة يوزع النصيب المشفوع ، كما رأينا في الأمثلة السابقة، وسواء كانت تلك النسبة هي نفس النسبة التي كانت يوم بيع الشريك البائع لنصيبه، او لم تكن هي نفسها.

الفقرة الثانية: حق الأولوية في الشفعة في إطار قانون 00-18

         في خضم حديثنا عن حق الأولوية أو الأفضلية في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية نود أولا التمييز بين حق الأفضلية وحق الشفعة في إطار قانون 00-18
حيث إن حق الشفعة منظم في التشريع المغربي في كل من ق ل ع
[11] وظهير 2 يونيو 1915 المطبق على العقارات المحفظة[12]، حسب التعريف المشار إليه سابقا[13].
وبمقارنة هذا التعريف بما جاء في الفصل 27 من ظهير 1946 نخلص إلى إبراز الفرق بين هاتين المؤسستين، ولاشك أن أبرز وجه للاتفاق بينهما يتجلى في الهدف أو الغاية من تقرير حق الأفضلية، ألا وهو تفادي دخول أي شخص غريب على العمارة محل الملكية المشتركة، حفاظا على ظروف الانسجام والإبقاء على الطابع شبه العائلي بين الملاك المشتركين، خشية أن يكون هذا المشتري الجديد مصدر النزاعات
[14]، بيد أن هناك أوجه اختلاف كثيرة تبدو من نواحي عديدة لا يسمح المجال بالتفصيل فيها منها المصدر والأشخاص الذين تمارس ضدهم الشفعة، وتزاحم الشركاء، وأجل الشفعة وغيرها.
وتأسيسا على ذلك فيعني حق الأفضلية في الشفعة أن لبعض الشركاء ان يتقدموا على غيرهم في الشفعة، بحيث يكون لهم أن يشفعوا دون الشركاء الآخرين، ولا يثبت لباقي الشركاء الحق في الشفعة إلا إذا لم يرد من كان له الحق في الأولوية انم يشفع
[15].
وبقراءة مواد قانون 18.00 المنظم  للملكية المشتركة للعقارات المبنية نجده ينص في المادة 61 على أنه "تنسخ ابتداء من نفس التاريخ(
[16]) أحكام الظهير الشريف الصادر في 21 من ذي الحجة 1365 (16 شتنبر 1946) بشان سن القانون الأساسي الخاص بالعمارات المشتركة ذات المساكن ،كما وقع تغييره وتتميمه"، كما نجد الفقرة الثانية من المادة 8 تقضي بضرورة التقيد بأحكام هذا القانون خاصة المادتين 9 و51، وتأسيسا على ذلك حق لبعض الفقه أن يتساءل عن حال أنظمة الملكية المشتركة التي تم تأسيسها في ظل  ظهير1946، وكانت سارية المفعول قبل أن يصبح قانون 18.00 واجب النفاذ، هذا التساؤل يثير مسألة تنازع القوانين من حيث الزمن، خصوصا مسألة حق الأفضلية، وهي مسألة منظمة في الدستور المغربي منذ سنة 1962 في المادة السادسة "ليس للقانون أثر رجعي"، لكن هذا المبدأ يكمله المبدأ الثاني الذي يقضي بالأثر الفوري للقوانين الجديدة بحيث يقضي هذا المبدأ بتطبيق القوانين الجديدة إذا كانت آثارها تسري مستقبلا([17]).
 وإذا كان هذا واضحا، فإن الإشكال المثار، هو هل النسخ الذي طال ظهير 1946 والمنصوص عليه في المادة 61 يمتد إلى نسخ الأنظمة الداخلية؟ يرى بعض الفقه(
[18]) أن المستفاد من المادة 61 أن المشرع ألغى القانون المنظم للملكية المشتركة، ولكنه لم يلغ الأنظمة الداخلية السابقة التي تحكم علاقة المالكين فيما بينهم، وتحدد ما لهم وما عليهم داخل العمارة، والتي تبقى سارية المفعول، ومنتجة لجميع آثارها، ما لم يقع تعديلها من طرف الجمع العام للملاكين وفقا لأغلبية أصوات ثلاثة أرباع الملاكين المقررة في المادة 21 من قانون 18.00، والقول بغير هذا يعني أن جميع العقارات المبنية قبل صدور القانون الجديد أصبحت بدون أنظمة، الأمر الذي يجعل الملاك أمام فراغ تنظيمي  –تشريعي -  يتعذر معه معرفة الضوابط التي ينبغي إتباعها لحل الإشكاليات التي تنشب بين الملاكين.
لكن جانب آخر من الفقه لم يأخذ بهذه الاعتبارات (
[19])، وذهب إلى القول بأن دخول قانون 18.00 حيز التنفيذ جعل كل الشروط الواردة بأنظمة الملكية المشتركة السابقة والتي تنتج آثارها المستقبلية في ظله والمخالفة لمقتضياته القانونية الآمرة عديمة الفاعلية وباطلة، حيث تحل محلها تلقائيا القواعد القانونية الآمرة، وهو توجه نؤيده بحيث يجب التمييز بين إلغاء الأنظمة السابقة تماما، وبطلان فقط المقتضيات المخالفة للقواعد الآمرة في قانون 18.00 والمنظمة في الأنظمة الأساسية، لكن هل حق الأفضلية هو مخالف للقواعد الآمرة؟[20].
 و يبدو من خلال ما سبق، أن هذا الحق سيظل مصدرا لتباين الآراء الفقهية، حتى ولو نص المشرع على التنصيص على إلغائه، فقد كان مثار جدل كبير عندما كان مفروضا بقوة القانون؟ وهو الآن موضع نزاع فقهي وقضائي في مدى بقائه أو اعتباره لاغيا في الأنظمة الداخلية التي أنشئت قبل صدور قانون 18.00 ودخوله حيز التطبيق.
وفي الاجتهاد القضائي المغربي، جاء قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) ليحسم في الإشكال المثار في هذا المضمار؛ حيث جاء في قاعدته أن عدم قيام المالكين بتعديل القانون الأساسي للملكية المشتركة التي توجد بها الشقة المبيعة موضوع دعوى الشفعة يجعل ممارستهم لحق الأفضلية خاضعة لنفس الشروط المنصوص عليها في ذلك القانون المودع بالمحافظة العقارية، إذ المعتبر في العقار المحفظ بما هو مسجل في الرسم العقاري، كما أن ممارسة أحمد المالكين لحق الأفضلية لا تقتضي رفع الدعوى بواسطة السنديك ولا تتطلب الحصول على إذنه
[21].

المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية لممارسة حق الأفضلية في إطار قانون 00-18

تجدر الإشارة إلى أن إجراءات ممارسة الشفعة تعتبر إجراءات متسلسلة بحيث لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، إلا استثناء في بعض الحالات التي قد تتوقف هذه الإجراءات لعدم  الحاجة لإستكمالها ، كما لو استطاع المستشفع استرداد الحصة المبيعة بمجرد إ بدائه لرغبته في الإستشفاع دونما الحاجة لإستكمال جميع الإجراءات.
إلا أنه وفي حالة عدم الوصول لاتفاق بين المشتري والشفيع يصبح اتباع هذه الإجراءات أمرا في غاية الأهمية ليتمكن الشفيع من استحقاق الحصة المراد شفعتها.
ومن بين أهم ما يلزم الشفيع بمباشرته ضرورة  إبداء الرغبة في الاستشفاع باعتبار أن هذا الإجراء يعتبر المنطلق الرئيسي والأولي لبدء إجراءات الشفعة دونما إغفال ضرورة  أن يستتبع هذا الإجراء القيام بكل من العرض العيني والإيداع، هذا الأخير الذي يستوجب بدوره التقييد بمجموعة من الشكليات والقواعد لمباشرته.
ولتسليط الضوء على هذين الإجراءين قسمت المطلب إلى فقرتين نخصص الأولى لمبدأ إبداء الرغبة في ممارسة حق الشفعة على أساس ان نخصص الفقرة الثانية لإجراءات العرض العيني والإيداع.

الفقرة الأولى: إبداء الرغبة في الإستشفاع
[22].

لا يمكن فتح مسطرة الشفعة إلا بإبداء الرغبة فيها ويعتبر هذا لإجراء أساسيا ترتكز عليه الإجراءات الأخرى والتي لا يمكن اتخاذها في غيابه، فمن خلاله يعبر الشفيع عن إرادته في أن يأخذ الحصة المبيعة من مشتريها.
  وهذا الإعلان وإن كان لا يوقف الأجل فيما إذا كان الشريك الذي قام به خاضعا لأجل من الآجال المحددة لاستعمال حق الشفعة كما أنه لا يعتبر بداية لإجراءات الشفعة إلا أنه إجراء ضروري لتحريك القضية ولمعرفة موقف المشتري من رغبته في الشفعة
[23].
  فالشريك لا يعتبر ممارسا للشفعة إلا إذا أبدى رغبته في الإستشفاع ، إذ أنه يمكن أن يتنازل عنها  أو يتخلى عنها إذ يمكن للشركاء الباقين الغير البائعين قبول المشتري الجديد لمعرفتهم لأخلاقه وسلوكه ولهذا اشترطت ضرورة إبداء الرغبة في ممارستها
[24].
  وتطبيقا لذلك ومن خلال ما سبق ذكره يطرح الإشكال حول مسطرة إبداء الرغبة في الشفعة؟
  بالرجوع للنصوص المنظمة للشفعة في إطار ظهير 2 يونيو 1915 وكذا ق.ل.ع نجد أن المشرع المغربي لم يشترط شكليات معينة لإبداء الشفيع رغبته في الشفعة ولم يتطرق لكيفية إجراء هذا التبليغ، إلا أن ما جرى به العمل أن الشريك الراغب في الشفعة يفتتح ذلك بإعلام المشتري برغبته في الشفعة إما بواسطة رسالة مضمونة أو بواسطة كتابة الضبط يعرض عليه فيها رغبته في الاستشفاع ويضع رهن إشارته الثمن والمصاريف
[25].
ومن ثمة يبقى للشفيع اختيار الشكل الذي يوجه به التبليغ للمشتري من أجل أن يبدي له بكون نيته قد انعقدت على الأخذ بالشفعة.وقد ذهب بعض الفقه
[26] إلى أنه لا يوجد ما يمنع من تبليغ الشفيع رغبته في الشفعة إلى المشتري (المشفوع به) بمعرفة مفوض قضائي بناء على أمر ولائي لأن ذلك ادعى للحيطة علما بأن التبليغ الذي يقع بواسطة رسالة مدلى بها مع الإشعار بالتوصل قد تكون مثار نزاع بين الطرفين حول محتوى الرسالة فإذا ادعى المرسل إليه أنه وجد ه فارغا أو أن الكتاب الذي يحتوي عليه لا علاقة له بموضوع الشفعة فإنه يستحيل عندها على الشفيع إثبات خلاف ذلك، وبالتالي وجب الحسم في مثل هذه المسائل باعتماد طريقة المفوض القضائي الذي لا يمكن الطعن في محاضره ومحرراته إلا بطريق الطعن بالزور.
وقد يبلغ الشفيع المشتري رغبته في الشفعة إلا أن هذا الأخير قد لا يقبل شفعة العين وفي هذه الحالة يتعين على الشفيع اللجوء للمحكمة التي يوجد بدائرتها العقار المراد شفعته قضاء.
ويعتبر التاريخ الذي يبلغ فيه المشتري قضاء هو التاريخ الذي يؤخذ بعين الإعتبار في تحديد ما إذا كان الشفيع قد مارس الشفعة داخل الأجل القانوني مع ما يستتبعه هذا التبليغ من عرض وإيداع
[27].
وتجدر الإشارة أنه ولكي يعتبر التبليغ صحيحا يجب أن يوجه من طرف الشفيع إلى المشتري دون البائع والذي لا يكون معني بهذا التبليغ لكون الحصة المراد شفعتها قد خرجت من ملكيته بمجرد بيعها، وذلك ما يمكن أن نستنتجه من خلال الفصل 25 من ظهير 2 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو هل يجوز للشفيع التراجع عن رغبته في الشفعة بعد توجيه الإعلان إلى المشفوع منه؟ وبالرجوع للفصل 26 من ظهير الالتزامات والعقود نجده ينص على أنه" يجوز الرجوع في الإيجاب مادام العقد لم يتم بالقبول أو بالشروع في تنفيذه من الطرف الآخر"، فهل يمكن اعتماد هذه القاعدة للقول بإمكانية تراجع الشفيع عن رغبته في الشفعة؟
 وفي هذا يمكن القول بان إمكانية الرجوع عن الشفعة في هذا الصدد غير ممكنة طالما أن الشفيع قد أدى مبلغ العرض العيني ودفعه بصندوق المحكمة، وبالتالي فلا مجال لتراجع الشفيع آنذاك.

الفقرة الثانية: إجراءات العرض العيني والإيداع

منذ البداية، يجب الاعتراف بأنه لا يمكن للشفيع القول بأحقيته في الشفعة بمجرد إبداء رغبته في ذلك، بل لابد من احترام مجموعة من الشروط والشكليات كل على حدة؛
  ويستتبع ذلك إجراء جد مهم يتعلق بضرورة أداء المشفوع منه داخل الأجل القانوني، إلا أنه وقبل التعرض لذلك لابد من الإشارة إلى أنه لا يلجأ إلى مسطرة العرض العيني والإيداع إلا في حالة الوصول إلى اتفاق رضائي بين المشتري والشفيع على استشفاع الحصة المبيعة
[28].
وبناء عليه يتقدم، في الحالة المؤما، الشفيع لرئيس المحكمة بمقال استعجالي يروم من خلاله استصدار أمر لكتابة الضبط من أجل أن تقوم بتبليغ المشتري بوجود شفيع يرغب في شفعة الحصة التي اشتراها وأنه مستعد لأداء الثمن والمصاريف له وأنه يعرض عليه المبالغ فإن قبله فذاك، وإلا أمر الرئيس بإيداعه بصندوق المحكمة لحساب المشتري مع تحرير محضر بذلك
[29]. على أن مبادرة المشفوع منه لسحب المبلغ المعروض عليه يعد قبولا ضمنيا بالشفعة وذلك ما جاء في حيثيات إحدى قرارات المجلس الأعلى والذي جاء فيه: "...سحب المشفوع منه مبلغ الشفعة المعروض عليه يعتبر قبولا منه...[30].
وتجدر الإشارة أنه لا يمكن للشفيع إيداع الثمن بصندوق المحكمة قبل مباشرة عملية العرض وفقا للفصل 880 من ق.ل.ع
[31]
وتطبيقا لذلك، فعملية الإيداع تتم من طرف الشفيع بعد رفض المشفوع منه للعروض وفقا لما جاء به الفصل 174 من ق.ل.ع وذلك ما كرسه المجلس الأعلى في إحدى قراراته والذي جاء فيه "لا يلتجئ للعرض والإيداع إلا إذا امتنع الدائن عن القبض[32] وينحصر دور الشفيع في إيداع الثمن ومصاريف العقد بكتابة الضبط وطلب تبليغ العرض للمشتري خلال الأجل القانوني ثم  إيداع المبلغ بصندوق المحكمة  بعد رفضه من قبل هذا الأخير ولا يتحمل الشفيع بعد ذلك ما قد تطرأ من عملية التبليغ من بطئ في الإجراءات إلى حين انصرام أجل الشفعة..."[33].
ويرى جانب من الفقه
[34] من أكد على ضرورة أن يعمل الشفيع على إشعار رؤساء المحاكم بهذا الإجراء،وحين يصدر الإذن يشعر المفوض القضائي بطبيعة العرض والأجل المحدد له بحيث يستطيع أن يصل إلى إنجاز كل هذه الإجراءات في يوم واحد بما فيه الإذن والعرض.
ومن أجل تجاوز هذه الإشكالات يتعين على المشرع المغربي العمل على تمديد آجال ممارسة الشفعة بما يتماشى وطبيعة الإجراءات التي تتطلبها.
وكما سبقت الإشارة فان حق الأفضلية في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، غير منظم إلى وقتنا الراهن استنادا إلى الاعتبارات السابق ذكرها.
وبالتالي وبناء عليه، وجب اقتراح نموذج لإنشاء حق الأفضلية على أساس أن لكل مالك مشترك الحق في الحلول محل المشتري الأجنبي إذا كان التصرف الناقل للملكية بيعا أو مقايضة، وفي حالة ما إذا تعدد طالبو حق الأفضلية من الملاك المشتركين يفصل بينهم على الشكل التالي
[35]:
أ- يقدم الجار الملاصق للجزء المفرز من جهتين.
ب- يقدم صاحب العقار المرتفق به (أي صاحب الطابق السفلي).
ج- العقار الذي له ارتفاق على العقار المبيع (الطابق العلوي).
د- إذا اتفقت الحالات المذكورة وتساوى الجميع تجرى القرعة بين الراغبين في ممارسة حق الأفضلية أمام موظف عمومي.
         كما أن حق الأفضلية يعتبر عديم الأثر إذا كان التصرف، بين الأصول والفروع مهما علوا أو سفلوا. او بين الأزواج أو  بين الأخوان والأخوات سواء كانوا أشقاء أم غير أشقاء، أو بين الأعمام والأخوال والعمات والخالات الأشقاء والشقيقات. هذا من جهة
           ومن جهة أخرى، يجب على كل مالك مشترك يريد التصرف في جزئه المفرز أن يبلغ وكيل الاتحاد برسم التفويت برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، وإذا أخل البائع بواجب التبليغ تفرض عليه ذعيرة مالية بنسبة 0,5 في المائة عن مجموع مبلغ الثمن أو قيمة التصرف، مبلغ الغرامة يودع في صندوق الاتحاد. وبمجرد تبليغ وكيل الاتحاد يكون ملزما بإشعار جميع الملاك المشتركين برسائل مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل 10 أيام.
كما أنه على الطرف الراغب في ممارسة حق الأفضلية إبلاغ وكيل الاتحاد برغبته متقيدا بالشروط التالية :
- أن يتم هذا الإبلاغ داخل أجل 10 أيام يبتدئ من تاريخ توصله بإشعار من الوكيل.
- أن يودع ثلثي قيمة التصرف في صندوق المحكمة الابتدائية.
- إذا لم يكن تم الإبلاغ وتم انعقاد العقد وجب أن يودع مبلغ الثمن كاملا مضافا إليه الصوائر القانونية والتحسينات المحدثة من المشتري الجديد.
وفي الأخير فان حق الأفضلية في جميع الأحوال يسقط بمضي سنة من تاريخ تسجيل العقد الناقل للملكية في السجل العقاري إذا كان محفظا أو من تاريخ تحرير العقد في محرر ثابت التاريخ إذا كان العقار غير محفظ أو في طور التحفيظ

خاتمـــــــــة

         انطلاقا مما سبق التطرق إليه، نستنتج أنه لا يتأتى للشفيع في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية ان يمارس حق استشفاع الحصة المبيعة لأحد شركاؤه إلا إذا كان هذا الحق منضما ومنشأ من قبل اتحاد الملاكين بعد موافقة وتصويت ثلاثة أرباع الملاك المذكورين.
ولقد كان توجه المشرع المغربي على صواب حينما أقر بحق الأفضلية متى رغب الملاك في ذلك لكن في المقابل لم يكن المشرع موفقا حينما لم يقيد اقتضاء هذا الحق بالمساطر الإجرائية الشيء الذي يجعل هذا الحق يكتنفه غموض يتحتم معه تدخل تشريعي من اجل تنظيمه بشكل يزيل عنه كافة اللبس والغموض الذي يلفانه.

لائحة المراجع المعتمدة

  • موفق الدين بن عبد الله بن احمد بن قدامة، كتاب المغني، الطبعة الأولى، دار إحياء الثرات العربي، الجزء الخامس، 1985
  • أحمد الخريصي :"أحكام الشفعة في التشريع المغربي " مطبعة دار الطباعة الحديثة ، الدار البيضاء  (دون ذكر تاريخ الطبع )
  • محمد خيري، نطاق تطبيق القانوني المنظم للعقارات المقسمة إلى شقق أو طبقات ندوة العقار والإسكان المنظمة من طرف مركز الدراسات القانونية المدنية     
  • والعقارية كلية الحقوق مراكش وبلدية المنارة جليز المطبعة الوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2003
  • محمد ابن معجوز، أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي المقارن، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 1985
  • عبد الحق صافي، ملكية الشقق في التشريع المغربي، (دون ذكر المطبعة)، سنة 1989.
  • محمد الوكاري، الملكية المشتركة للعقارات المبنية، مطبعة دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط الطبعة الأولى، 2008،
  • عبد العزيز الصغيوري الإدريسي، حق الأفضلية في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، رسالة لنيل دبلوم شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم
  • القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الأول، وجدة، السنة الجامعية 2007-2008.
  • لماء جبروني، حماية الشفيع في العقار المحفظ، رسالة لنيل دبلوم شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعيةـ جامعة الحسن الأول، وجدة، السن ة الجامعية 2007-2008.
  • محمد الحياني :"نظام التحفيظ العقاري " الجزء الأول مطبعة النخلة بوجدة الطبعة الأولى ، 2004 .
  • محمد أ والقاضي:" أحكام الشفعة في ضوء التشريع والفقه والقضاء" مطبعة النجاح الجديدة، بالدار البيضاء الطبعة الأولى، 2003.
  • محمد محجوبي، آثار التقييد الاحتياطي على الشفعة في عقار محفظ، مجلة المحلق القضائي، العدد 30.
 
الهوامش

[1] - الفصل 10 من ظهير 2 يونيو 1915 " لا يجبر أحد على التخلي عن ملكه إلا لأجل المنفعة العامة ووفق القواعد الجاري بها العمل في نزع الملكية".
[2] موفق الدين بن عبد الله بن احمد بن قدامة، كتاب المغني، الطبعة الأولى،  دار إحياء الثرات العربي، الجزء الخامس، 1985، ص 178
[3] - الفصل 974 من ق.ل.ع.
[4] -  أحمد الخريصي :"أحكام الشفعة في التشريع المغربي " مطبعة دار الطباعة الحديثة ، الدار البيضاء  (دون ذكر تاريخ الطبع ) ص:4
[5] ابن منظور. لسان العرب، مادة: م.ل.ك
[6] ظهير 15 رجب 1331 الموافق 12 يونيو 1915
[7] ابن منظور. لسان العرب مادة: ش.ر.ك
[8] محمد خيري، نطاق تطبيق القانوني المنظم للعقارات المقسمة الى شقق أو طبقات ندوة العقار والإسكان المنظمة من طرف مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية كلية الحقوق مراكش وبلدية المنارة جليز المطبعة الوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2003 ص 10.
[9]  محمد ابن معجوز، أحكام الشفعة في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي المقارن، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 1985، ص 450 وما بعدها.
[10]  محمد ابن معجوز، مرجع سابق، ص 454
[11] - الفصول 974 و 975 و 976.
[12] - ابتداء من الفصل 25 إلى غاية الفصل  34 من الظهير.
[13] الفصل 25 من ظهير 02 يونيو 1915.
[14] - عبد الحق صافي، ملكية الشقق في التشريع المغربي، (دون ذكر المطبعة)، سنة 1989 ص، 136.
[15]  محمد ابن معجوز، مرجع سابق، ص 283
[16] - أي ابتداء من تاريخ مضي سنة على نشره بالجريدة الرسمية (م 60).
[17] - محمد الوكاري، الملكية المشتركة للعقارات المبنية، مطبعة دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط الطبعة الأولى، 2008، ص174.
[18] - محمد خيري، (مداخلته) م.س،(71) ص، 4.
[19] - محمد الوكاري، م.س، ص : 174.
[20] عبد العزيز الصغيوري الإدريسي، حق الأفضلية في نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، رسالة لنيل دبلوم شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الأول، وجدة، السنة الجامعية 2007-2008، ص 49
[21]  قرار عدد 5364 صادر بتاريخ 28/12/2010 ملف مدني عدد 851/1/4/2009 منشور بمجلة ملفات عقارية، العدد 2، أكتوبر 2012، مطبعة الأمنية الرباط، ص 279
[22]  لماء جبروني، حماية الشفيع في العقار المحفظ، رسالة لنيل دبلوم شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعيةـ جامعة الحسن الأول، وجدة، السن ة الجامعية 2007-2008، ص 23، 24
[23] -  محمد ابن معجوز : " أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي المقارن"  مرجع سابق، ص: 524.
[24] -  محمد الحياني :"نظام التحفيظ العقاري " الجزء الأول مطبعة النخلة بوجدة الطبعة الأولى ، 2004   ص :40
[25] -  محمد ابن معجوز  :" أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي المقارن" ، مرجع سابق، ص 524
[26] - محمد أ والقاضي:" أحكام الشفعة في ضوء التشريع والفقه والقضاء" مطبعة النجاح الجديدة، بالدار البيضاء الطبعة الأولى، 2003 ص: 143.
[27] - قرار المجلس الأعلى عدد 31 الصادر بتاريخ 1983 في الملف المدني عدد 9188، منشور بمجلة قضاء المجلس عدد 31 ص: 40.
[28]  -  ينص الفصل 171 من ق.م.م أنه "إذا رفض الدائن قبول الشيء الذي عرض مدينه أو من يتصرف باسمه أن يقدمه تنفيذ الالتزام فإن المدين ينذره ضمن الشروط المقررة في الفصل 148 لقبول وفائه"
[29] -  محمد ابن معجوز: :" أحكام الشفعة في ضوء التشريع والفقه والقضاء"  مرجع سابق، ص: 225.
[30] -  قرار المجلس الأعلى عدد  2819 الصادر بتاريخ 18 شتنبر 2002 في الملف المدني عدد 85/29/1/4/2001 ،منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 96 أكتوبر  2002 ص: 192.
[31]  الذي جاء فيه "العرض الذي لا يعقبه الإيداع الفعلي للشيء لا يبرئ ذمة المدين..."
[32] - قرار المجلس الأعلى عدد 602 الصادر بتاريخ 4/3/1992، لملف مدني عدد 87.4180، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 44
[33] -  محمد أولقاضي : مرجع سابق، ص :137
[34]  - محمد محجوبي، آثار التقييد الاحتياطي على الشفعة في عقار محفظ، مجلة المحلق القضائي، العدد 30، ص: 120.
[35]  عبد العزيز الصغيوري الإدريسي، مرجع سابق، ص 79



الخميس 5 سبتمبر 2013

تعليق جديد
Twitter