MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





الديمقراطية المحلية أم الديمقراطية التجارية بقلم ذ.جامع سموك

     

ذ.جامع سموك
باحث في القانون العام



الديمقراطية المحلية أم الديمقراطية التجارية بقلم ذ.جامع سموك
تعتبر الجماعات الترابية  فضاء للتداول الحر على تدبير الشأن المحلي من جهة ومدخلا لتدبير الشأن العام الذي يقتضي مستوى معين من المهارات والخبرات في فن التدبير من جهة ثانية ، علاوة على أن الديمقراطية ليست سوى نموذج  للتدبير تتقاطع فيه إرادات مختلف  المكونات المجتمعية التي تؤمن بأفضلية التدافع الفكري والعقلاني في وضع برامج وتصورات خدمة لوجودها ورغبة في الرقي بمحيطها وأسلوب  عيشها .

ومما لاشك فيه أن التدبير الحر للشأن المحلي مازال مرتبطا في شكله التقليدي بالأحزاب السياسية كفاعل أساسي في اللعبة الإنتخابية، مع العلم أن السيرورة التاريخية للتدبير تفترض الانتقال من اعتماد الأسلوب التقليدي إلى أسلوب حداثي يؤمن بالمقاربة الإشراكية لكافة المكونات التي أثبتت وجودها في التدبير سواء على المستوى المحلي أو الوطني، فعلى سبيل المثال لا الحصر نستحضر أهمية وراهنية الفاعل المدني كشريك أساسي للجماعات الترابية في العديد من المجالات، باستثناء المجال الانتخابي الذي يتم من خلاله إقصاء المجتمع المدني الذي يرفض القبول بالديمقراطية التجارية وبكل أساليبها .

في الوقت الراهن تعيش  الأحزاب السياسية المغربية على ايقاع الاستعداد للانتخابات الجماعية  من خلال سلسلة من الإجراءات بدءا بالحسم في معركة التزكيات التي تدفع بالأحزاب في الغالب إلى البحث عن أشخاص خارج دائرة الحزب قصد سد الخصاص أو قصد البحث عن أشخاص ذوي السمعة أو التأثير محليا واقليميا أو جهويا  لكون الامتداد الحزبي في المغرب  خاضع لمنطق "الشخصنة" (يرتبط بأشخاص وليس بالحزب كمؤسسة). ومما لاشك فيه أن هذه الإختلالات البنيوية تؤدي إلى إنتاج نوع من الممارسات والسلوكيات التي تكتسي  مع الزمن طابعا عرفيا مستساغا لدى المكونات السياسية مادام أنه يؤدي إلى تحقيق المصالح  الحزبية المتنازع حولها باسم الديمقراطية .

 إن الجماعات الترابية بعد دستور 2011 لم تعد مجالا للتنافس السياسوي الضيق،بل مجالا للتنافس التنموي والتدافع الفكري البناء، علاوة على  أن الرهان على الجهوية كورش لبناء مغرب القرن 21 لابد أن يستجيب لتطلعات جيل اليوم والغد والتي تتقاطع مع التوجه العالمي المساير للمتغيرات في شموليتها، ودون العيش في النكوص والجمود العقلاني في تدبير الشأن المحلي، الذي يؤدي دوما إلى تسخير الثروة المحلية في الدفاع والمحافظة على مصالح المنتخبين ضدا على القيم  والمبادئ الإنسانية، فالمطالب لا محالة  تساير منطق التطور وذلك بانتقالها من  مضمون الجيل الأول من الحقوق إلى  مضمون الجيل الثالث والمتمثلة في  حقوق التنمية المستدامة كالعيش في بيئة سليمة ، والحق في مدن تستجيب لمعايير المدنية الحديثة من توفير لوسائل التكنلوجيا الحديثة فضلا عن توفير المدن الذكية من خلال حسن استثمار وترشيد الضرائب المستخلصة من جيوب المواطنين بدلا من اعتماد سياسة عفى الله عما سلف.

نص دستور 2011 على كون الجماعات الترابية بمثابة فضاء للتداول الديمقراطي الحر وعزز الدستور هذا الإختيار بالتنصيص على  اعتماد ديمقراطية تشاركية قوامها إشراك المواطن المحلي والمقيم الفعلي في المجال الترابي لجماعته أو لجهته في تدبير فعلي وعملي للشأن المحلي بعيدا عن "المدبرين المظليين" الذين لا تربطهم بالجماعة سوى "نتيجة صندوق الاقتراع"، والذين يتم تنزيلهم في إطار سياسة "الاكتساح الجغرافي " وذلك بتوظيف واستغلال المنطق التجاري في العملية الانتخابية  من بيع وشراء وكراء ورهن، مما يؤدي إلى تحريف مسار الديمقراطية المحلية إلى "ديمقراطية تجارية"، يتولى من خلالها المنتخب بعد فوزه تسيير الجماعة أو الجهة كما لو أنها المقاولة الذاتية.

وقد تفيد الحرب الكلامية بين مختلف المكونات الحزبية ببلادنا والمبنية على التخوين والتشكيك في العملية الانتخابية  قبل انطلاقها أن "الديمقراطية المغربية" مازالت لم ترقى إلى مستوى خدمة الوطن كهدف مشترك بين الأحزاب السياسية بغض النظر عن البرامج  الانتخابية موضوع التباري.
 إن الخاسر الأكبر في سوء تقدير تكلفة سياسة الإستهتار ليس الحزب السياسي وليس الزعيم السياسي الذي يقبل بالإنصهار والذوبان عند كل منعطف أو منعرج سياسي إنما الوطن هو الخاسر الأكبر خصوصا في ظل استمرار إعادة إنتاج نفس الحلقة السياسية المفرغة التي تخدم مصالح  "هواة الديمقراطية التجارية"، المتشبعين بالمنطق الأناني في علاقاتهم بخدمة الوطن التي توجد في مؤخرة اهتماماتهم.

يبدو أن التصفيق الجماعي على دستور 2011 ليس كافيا على أننا نسير نحو الديمقراطية في أبسط دلالتها ما دام الرهان هو الحصول على أكبر عدد من الأصوات باعتماد المنطق التجاري الذي يحدد سومة الصوت الواحد كما لو أننا في "مزاد علني للسياسة" مما يطرح معه التساؤل حول هل نحن أمام "ديمقراطية محلية" أم" ديمقراطية تجارية"
 
 
 
 



الخميس 13 غشت 2015

تعليق جديد
Twitter