MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





الخطأ المهني القضائي الموجب للمسؤولية التأديبية

     

ذ. سمير ارسلان
قاضي ابتدائية الصويرة



الخطأ المهني القضائي الموجب للمسؤولية التأديبية

 
1- مفهوم الخطأ في التشريع المغربي

الخطأ لغة هو الخروج عن الصواب واصطلاحا عرف التشريع المغربي مفهوم الخطأ في الفصلين 77 و 78 من ق.ل.ع  فالفصل 77 منه ينص على( أن كل فعل يرتكبه الإنسان عن بينة واختيار  من غير أن يسمح به القانون فأحدث ضرار ماديا أو معنويا للغير يلزم مرتكبه التعويض )، و ينص الفصل 78 منه (بأن الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان ينبغي الإمتناع عنه من غير قصد إحداث الضرر).

ويمكن تعريف الخطأ حسب ما ذهب إليه غالبية الفقه المعاصر بأنه العمل الضار الغير المشروع .

2- مفهوم الخطأ المهني في النظام الأساسي لرجال القضاء (ظهير 1974):

ويلاحظ أن النظام الأساسي لرجال القضاء (ظهير 1974) لم يحدد مفهوم الخطأ المهني الموجب للمسؤولية التأديبية في حق القاضي وإنما ترك أمر هذا التحديد للجهة التأديبية ذات الإختصاص (أي المجلس الأعلي للسلطة القضائية).
 
كما تنص الفصول من 13 إلى 22 من هذا النظام على حقوق وواجبات القاضي المغربي من بينها الكرامة والوقار إلى غير ذلك.
 
3- مفهوم الخطأ المهني للموظف في ظهير 1958:

   ينص الفصل 73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية (ظهير 1958) والذي يشكل المرجع في القانون الأساسي للرجال القضاء على أن الخطأ المهني بشكل عام هو كل هفوة خطيرة يرتكبها الموظف سواء تعلق الأمر بإخلال في التزاماته المهنية أو بجنحة ماسة بالحق العام.
   ويعرف الفقيه الفرنسي  SAVATIER الخطأ بأنه إخلال بواجب قانوني محدد، وعلى ذلك فإذا وقع الإخلال عمدا فثمة جريمة مدنية وهو ما يعبر عنه في النطاق العقدي بالغش أو التدليس أو الغدر وإذا كان الإخلال غير عمدي أي ناتج عن إهمال أو عدم تبصر فثمة خطأ بسيط أو شبه جنحة مدنية. وعليه فالخطأ إذن يتكون من عنصرين أحدهما مادي وهو الواجب الذي وقع الإخلال به وثانيهما نفسي وهو إمكان العلم بذلك الواجب.
 
4- مفهوم الخطأ المهني القضائي في القضاء المغربي:

   ويلاحظ أنه ليست هناك إجتهادات قضائية بالمغرب متاحة بخصوص مفهوم الخطأ المهني الذي يمكن  أن يقع فيه القاضي و معيار هذا الخطأ الذي يوجب المساءلة التأديبية في حقه طالما أن القرارات المتخذة في هذا الموضوع سواء كانت فردية أو جماعية وقبل دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، كانت قرارات نهائية و باتة  لا تقبل أي طريق من  طرق الطعن القضائي .
  
5 - مفهوم الخطأ المهني في الفقه والقضاء المقارن (الفرنسي والمصري):

قد أجمع الفقه والقضاء المقارن كون الأخطاء العادية التي يرتكبها القضاة أثناء قيامهم بمهامهم لا تؤدي حتما إلى ترتيب المساءلة التأديبية وإلا فإن الجميع سيكون معرضا للمثول أمام الهيئات التأديبية مما يترتب عنه استنكاف القضاة  أو تردد هم في إصدار الأحكام مخافة من تعرضهم للأخطاء المهنية وبالتالي تعرضهم للمساءلة المهنية يعرقل السير العادي لحسن سير العدالة .
   وعليه يجمع الفقه على أن الأخطاء الجسيمة هي التي يمكن أن تترتب عنها المسطرة التأديبية  PROCEDURE DISCIPLINAIRE.
 
   وقد ذهب الفقيه الفرنسي  Dominqueبأن الخطأ المهني القضائي الجسيم هو الذي يبرر إثارة المسؤولية التأديبية في حق القاضي ويهم كل القرارات المشوبة بالخطأ الفاضح الصادرة عن المحاكم  عندما تصبح هذه القرارات غير قابلة لأي طعن.
  
وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أنه يقصد بالخطأ المهني الجسيم la  faute lourde   بأنه (الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في خطأ فاضح ما كان يجب أن يقع فيه القاضي الذي يهتم بعمله اهتماما عاديا) انظر قرار محكمة النقض الفرنسية : الدائرة الأولى حكم بتاريخ 13/10/1953 المجموع المدنية س 1953.
   
    ويذهب القضاء الفرنسي في هذا الموضوع  لتحديد مفهوم الخطأ المهني للقاضي إلى الأخذ بعين الإعتبار الظروف المهنية و الواقعية المحيطة بهذا الخطأ وليست الظروف الشخصية المتعلقة بالقاضي أثناء ارتكاب الخطأ.
    
    وهذا الخطأ الفاضح قد يكون جهلا فاضحا بالمبادئ الأساسية للقانون أو الجهل بالوقائع الثابتة في ملف الدعوى أو إخلالا مهنيا فاضحا بقواعد أو بسلوكيات المهنة أو بقواعد القانون العام. ويجب أن يكون هذا الخطأ استثنائيا أو فاضحا.
  
    ويذهب القضاء المصري إلى تعريف الخطأ المهني الجسيم بأنه هو الخطأ الذي ما كان يرتكبه القاضي  لو أنه اهتم بعمله اهتمام القاضي العادي.
    
    ويذهب قرار لمحكمة النقض المصرية إلى تعريف الخطأ المهني الجسيم  بأنه هو الخطأ الذي يقع فيه أي شخص قليل الذكاء والعناية بحيث لا يتصور وقوعه إلا من شخص  غبي عديم الإكثراث (نقض المصري بتاريخ 9/8/1954 المحاماة ع 36 /733 مجموعة أحكام النقض 6-249-32 .
  
ويذهب بعض الفقه المصري لاسيما منه الدكتور سليمان مرقس إلى تعريف الخطأ المهني الجسيم للقاضي كونه الخطأ الذي ينطوي على الإهمال وعدم التبصر الذي يبلغ من الجسامة حدا يجعل له أهمية الخاصة. بحيث أن الخطأ المهني الجسيم للقاضي هو وقوعه في الخطأ الفادح أو الإهمال المفرط ما كان له أن يقع فيهما لو اهتم بواجباته بالشكل المطلوب ( انظر سليمان مرقس : دروس لطلبات الدكتوراة في المسؤولية المدنية والتأديبية س 1957 نبذة 142 وما بعدها).
    
وأذكر هنا، إن الخطأ المهني الجسيم للقاضي في نطاق المسؤولية التأديبية يشترط وجود فعل مادي إيجابي أو سلبي صادر عنه وأيضا يشترط تحقق الركن المعنوي هو توافر سوء النية لديه، إلا أن بعض الفقه يذهب إلى عدم إشتراط هذا العنصر لتحقق الخطأ بحيث أن المخالفة قد تكون عمدية أو تقصرية .
  
ويذهب بعض الفقه المعاصر (د : محمد أنس قاسم ) إلى أن الركن المعنوي في الجريمة التأديبية يتمثل  في صدور فعل إيجابي أو سلبي عن إرادة اثمة .فإن كان هناك تعمد كان الركن المعنوي هو القصد وإذا انصرفت الإرادة إلى نشاط دون نتيجة كان الركن المعنوي هو الخطأ وأن الخطأ الجسيم أو الفاحش هو الذي يبرر  تحريك المسؤولية التأديبية دون الخطأ العادي الذي يمكن لأي أحد الوقوع فيه سواء كان طبيبا أو قاضيا أو محاميا ( يراجع د سليمان محمد الطماوي  القضاء الإداري والقضاء التاديبي ص 47 وما بعدها وانظر كذلك  v  waline : traité  élémentaire de droit administratif : paris : edit : seine : p324   )
 
   وبناءا على ذلك يمكن تعريف الخطأ المهني القضائي الموجب للمسؤولية التأديبية بأنه (ذلك الإنحراف الخطير عن الحد الأدنى  للمبادئ المهنية  الأساسية  أو الخرق الفاضح لقواعد  القانون أو الجهل الذي لا يغتفر للوقائع الثابتة في ملف الدعوى).



الثلاثاء 1 أكتوبر 2013

عناوين أخرى
< >

الاربعاء 15 ماي 2024 - 01:09 الأرشيف العمومي ورهـان الاستدامـة


تعليق جديد
Twitter