MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الجهوية الموسعة من وجهة نظر الفقه القانوني المقارن

     

القستلي عبد الوهاب

باحث بسلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس ٬ كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية ٬ اكدال - الرباط



الجهوية الموسعة من وجهة نظر الفقه القانوني المقارن

 
 
 
     تعتبر الجهوية في الفكر السياسي المعاصر نمطا من أنماط اللامركزية الإدارية و السياسية  ٬ و شكلا من أشكال تدبير الشأن العام الجهوي و المحلي ٬ غير أن مدلولها السياسي و القانوني و نتائج تطبيقها يختلف باختلاف ظروف و أوضاع كل بلد على حدة ٬ فسياسة اللامركزية و الجهوية أصبحت إحدى أهم الأسس التي تتميز بها الأنظمة المعاصرة بل إنها أضحت مكونا رئيسيا لهذه الأنظمة إلاّ أن درجة الأخذ بهذا النظام تختلف من دولة لأخرى تبعا لخصوصيات كل بلد لأن الظواهر السياسية تمتاز بالخصوصية.

      لقد صارت الجهوية وسيلة للحفاظ على وحدة الدولة العصرية من خلال اعترافها بذاتية المجتمعات المحلية التي قد تكون أقليات سياسية اجتماعية أو عرقية في إطار من التضامن والانسجام الوطنيين ٬ فهي تعتبر في إطار الدولة الموحدة أقصى ما يمكن أن تصل إليه النظم اللامركزية دون الوصول إلى مستوى الدولة الفيدرالية حيث تتوفر فيها الجهة على سيادتها و لكن مع الحفاظ على وحدة الدولة و الحيلولة دونها و التجزؤ ٬ و الملاحظ أن هذا الشكل من الجهوية يستجيب لهدفين رئيسين :

  • تعميق التعددية السياسية و الثقافية من جهة
  • و الحرص على الاندماج الاجتماعي و التضامن المجتمعي من جهة أخرى
 
      لذلك لا نستغرب إذا وجدنا أن الدول التي كانت  تعاني من المركزية الشديدة و من اضطهاد الأقليات هي التي ذهبت بعيدا في هذا النوع من الجهوية .
   و الجهوية السياسية أساسها دستوري وهي تعد أرقى أنواع الجهوية الحديثة في الدول المتقدمة فهي تمثل سلطة سياسية حقيقية متميزة عن سلطة الدولة ٬ فهي جماعة ديمقراطية مسيرة من طرف أجهزة سياسية منتخبة بطريقة ديمقراطية مباشرة ٬ و الجهة هي أعلى مرتبة في مستويات اللامركزية الترابية إذ لا تتوفر فقط على اختصاصات إدارية و إنما لها أيضا اختصاصات تشريعية و تنظيمية محددة دستوريا ٬ كما أن الجهة في هذا النوع من الجهوية لها سلطة تحديد نظامها القانوني و طرق عملها و أجهزتها وهي تتقاسم مع السلطة المركزية الوظائف السياسية خاصة في الميدان التشريعي والتنظيمي٬ كما أن قواعد الجهوية السياسية تكون محددة دستوريا خلافا للأنواع الأخرى بحيث أن القانون العادي هو الذي يحدد قواعدها .

      إن محاولة استقراء الفقه القانوني المقارن توضح لنا توجها قويا لتبني خيار الجهوية الموسعة بعد الحرب العالمية الثانية من طرف كثير من الدول ٬ غير أن تبني هذا الطرح أو ذاك يختلف كما سبق و ذكرنا في مستويات و درجات تطبيقه حسب طبيعة النظام السياسي لكل دولة و ظروفها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والديمقراطية فهناك من تبنت خيار جهوية إدارية شكلية و أخرى جهوية سياسية موسعة أو متقدمة ٬ كما تبنت دول أخرى نظاما فيدراليا أو قريبا منه ٬ و هكذا تعددت التنزيلات السياسية و الديمقراطية للجهوية خصوصا في الجارة أوروبا ٬ والتي سنحاول استعراض بعض النماذج لأوجه تطبيق الجهوية الموسعة فيها لنوسع رؤيتنا و نفتح أعيننا على تجارب البلدان الأخرى و مدى النجاح أو المحدودية في ممارستهم لها .

1 فرنسا :
 
      تطبيق فرنسا لنظام الجهوية جاء متأخرا بعض الشيء عن بعض الدول الأوروبية ٬ فالتنظيم الإداري الذي انبثق عن الثورة الفرنسية منذ سنة م1789 لم يتبن صراحة نظام الجهوية فانشغاله تركز في المقام الأول على تثبيت الأمن و الاستقرار العام ٬ و بهذا لم يتم تبني نظام الجهوية إلا أواخر النصف الأول من القرن العشرين و بالضبط بمقتضى مرسوم 14 يونيو م1930 غير أنه كان متواضعا من حيث مضامينه و أهدافه ٬ و في سنة م1947 ستبرز إلى الوجود خطة اقتصادية تطلبت وجود هيئة تقوم بدور التنسيق بين مختلف الوحدات الإدارية المحلية و السلطات المركزية حيث تم تعيين عدد من المخططين الجهويين للقيام بتنفيذ برامج العمل الجهوي و التي كانت من أهم أهدافها تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ٬ وبتاريخ 2 مارس م1984 صدر قانون يجعل من الجهة جماعة ترابية يسيرها مجلس جهوي ينتخب بالاقتراع العام المباشر ٬.و قد تحددت اختصاصاته في : التنمية الاقتصادية و الاجتماعية – إعداد التراب الوطني – الصحة – الثقافة – المحافظة على الهوية الوطنية... و أصبح رؤساء المجالس ينفذون مقررات المجالس الجهوية .
      إن الجهوية في فرنسا مرت بمراحل متعددة حسب تدرج تاريخي زمني راعى  مجموعة من العوامل من أهمها مدى قدرة النخب الفرنسية على القيام بالمهام ومزاولة الاختصاصات المسندة إليها ٬ زد على ذلك الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي للبلاد .
      من هنا يتضح أن هذا التيار الحديث في تطوير مفهوم اللامركزية بفرنسا لا يتعدى الإطار الإداري أو الاقتصادي الإنمائي بل يمكن القول أن الحركة الإقليمية التي عرفتها فرنسا لا تدخل في إطار اللامركزية بقدر ما تدخل في إطار اللاحصرية.

2 ايطاليا :
 
      تعتبر التجربة الجهوية في إيطاليا قديمة و قد كانت مثار عدة مناقشات بين عدة باحثين و توجد في إيطاليا ثلاث مستويات للإدارة المحلية بيد أن ميلاد الدولة الجهوية Etat régionale المرتكزة على المناطق المستقلة تجد سندها في الدستور الايطالي لسنة 1948 م .
      بحيث أن الإقليمية السياسية المتبعة في بعض المناطق الإيطالية هي ثمرة تطور تاريخي طويل و حصيلة ظروف خاصة اجتماعية و سياسية وثقافية وإثنية ولغوية ٬ فإيطاليا منذ القدم أي منذ بزوغ عهد روما القديمة كانت تعيش بشكل مدن منفصلة تؤلف نوعا من الدويلات المستقلة بحيث كانت المدينة النواة الدولة و لذا فقد تم تسميتها بالدولة – المدينة ( سميت كذلك لأنه حتى الإمبراطورية الرومانية نفسها كانت تتواجد في مدينة روما) .
     و استمر الحال حتى الوحدة الإيطالية التي تمت في سنة 1870م حيث عرفت مدن إيطاليا ازدهارا تجاريا وثقافيا كالبندقية وميلانو وجنوا والتي كانت عبارة عن مراكز حضارية .
     لكنه مند سنة 1871م أدركت إيطاليا وحدتها الكاملة بتأثير من الثورة الفرنسية التي أيقظت في النفوس الروح القومية ٬ و في نفس الوقت طرحت مشكلة تنظيم الدولة أو آلة الحكم في الدولة ولم يكن من السهل تحقيق وحدة الدولة السياسية نظرا للاختلافات و التناقضات التي كانت قائمة في المجتمع السياسي الإيطالي سواء من الناحية التاريخية والقومية والثقافية أو من ناحية العادات والتقاليد و المصالح ٬ فتنظيم الدولة على أساس المركزية أو الوحدة السياسية كان يخشى أن يؤدي إلى تفجير هذه التناقضات و إثارة الحساسيات القومية و اعتناق فكرة الاستقلال السياسي أو الحكم الذاتي و الذي كان يخشى أن يؤدي إلى تفكك وحدة الدولة التي لم تدعم أركانها بعد .
     وهكذا انتصرت فكرة الوحدة وعاش الإيطاليون تحت ظل لامركزية إدارية إلا أن تيار الإقليمية لم يهدأ بل أخد ينمو و يتفاعل لاسيما في صقلية وسردينيا و المناطق المنتزعة من النمسا كتريستا Trieste  و اديج العليا  Haut Adige ٬ حتى جاء العهد الفاشستي في سنة 1922م فأخذ الاندفاع نحو الإقليمية و أقام مركزية قوية و بقي الحال على ذلك حتى الحرب العالمية الثانية و انهيار العهد الفاشستي بقيادة موسوليني ٬ كما تقوت و نشطت الحركة الانفصالية لاسيما في صقلية حيث ظهر اتجاه يدعو إلى الانفصال التام و تداركا للأمور واستيعابا لهذه الحركات (وذلك خشية تفتيت الدولة و القضاء على وحدتها) منحت سردينيا و صقلية لامركزية موسعة حيث أصبحت المناطق في إيطاليا حقيقة لا جدال فيها وذلك حتى قبل وضع دستور 1948م ٬ و تعتبر الأحداث التي حصلت قي صقلية هي السبب الرئيسي و المباشر في إحدات نظام المناطق في إيطاليا ٬ إلا أن ظهور هذا النظام يعزى إلى أسباب أكثر عمقا و أشد تعقيدا حيث يمكن ردها إلى نوعين مختلفين من الأسباب :

أسباب طارئة و متغيرة : و لها علاقة بكل ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية و التي أملت اتخاذ خطوات جذرية لإعادة تنظيم الدولة و أهم هذه الأحداث مطالب صقلية بالانفصال و تهديد وحدة إيطاليا و ردة الفعل ضد النظام الفاشستي المركزي .

أسباب ثابتة وعميقة الجذور : و بعض هذه الأسباب تاريخي و جغرافي ٬ منها ما يعود إلى أن إيطاليا قد نشأت أصلا على أساس مدن منفصلة و قد تأصل هذا الانفصال بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية ٬ و الجغرافي منها ما يرجع إلى طبيعة إيطاليا التي تمتد من جبال الألب إلى الشاطئ الإفريقي مع ما يترتب على ذلك من متغيرات و تناقضات اجتماعية و إثنية و اختلافات في المناخ و العادات و اللغة و اللهجات و الأحوال المعيشية ٬ مع إضافة سبب آخر غير ملموس حسب تعبير بلازولي أحد أهم الدارسين لنظام المناطق الإيطالية عن قرب ٬ و يتجلى في الفكر السياسي الحديث في إيطاليا والذي يعتبر أن الحكم الذاتي ما هو إلا وسيلة لتحقيق الديمقراطية والحرية و منشأ هذا التفكير يعود إلى التاريخ الإيطالي القديم الذي يتميز بتقليد حي يقوم على الاستقلال الذاتي في الحكم بعكس التقاليد الفرنسية في الحكم و التي تقوم على الوحدة و المركزية و التي زرعها الفرنسيون في إيطاليا بعد غزوهم لها و أثمرت عن الوحدة الايطالية .

    وهكذا فقد حرصت الجمعية التأسيسية في إيطاليا على أن يأتي دستور 1948م موفقا بين اتجاهين : اتجاه يدعو إلى حكم ذاتي موسع و اتجاه يطالب باستقلال ذاتي ضيق و على هذا الأساس جاءت المادة الخامسة من الدستور لتعلن مبدأ وحدة الجمهورية وعدم تجزئتها من جهة و تشجيعها للحكم الذاتي المحلي و اللامركزية الإدارية الموسعة ٬ و تكييف المبادئ التي تقوم عليها قوانين الدولة مع متطلبات الحكم الذاتي و اللامركزية من جهة ثانية .
    فالمبدأ الذي يقوم عليه تنظيم الدولة هو إذن مبدأ اللامركزية الموسعة و الاستقلال أو الحكم الذاتي للمناطق الايطالية ضمن وحدة الدولة أي في إطار الدولة الموحدة .
    إن التجربة الايطالية تعبر عن الجدية الدستورية في خلق الجهات فهي تتسم بسعة المجال الديمقراطي و سمو اللامركزية الإدارية و تعتبر نموذجا رائدا لمنح حكم ذاتي لبعض المناطق في ظل نظام المناطق الجهوية ٬ لذا فإن ما يمكن قوله هو أن الجهوية الإيطالية تعتبر من بين أرقى النماذج التي يمكن الاحتذاء بها .

3 إسبانيا :
 
    تعتبر إسبانيا من الدول الديمقراطية التي تأخذ بالنظام الملكي ٬ هذه الدولة التي عاشت قرابة ربع قرن تحت حكم فرانسيسكو فرانكو(1936-1975م) ألغي خلالها نظام الجمهورية و احتجبت الملكية و سادت المؤسسة العسكرية .
      فهذه الدولة التي تعرف ب ײدولة المجموعات المستقلةײ تعرف نمطا فريدا في التنظيم الجهوي و هذا راجع لطغيان النزعة الانفصالية و كذلك لوجود اختلاف وتفاوت بين الجزء الشمالي و الجنوبي .
    تاريخيا يعتبر نظام المناطق أول نظام ظهر على الصعيد القانوني و طبق بصورة فعلية في إسبانيا لكن دستور 1978م استطاع أن يجعل من إسبانيا دولة المجموعات المستقلة فعلا و ذلك بإحداثه 17 مركزا جديدا للسلطة و الإدارة و التسيير ٬ لقد اختلف الفقه الاسباني و المحللون السياسيون في تحديد نوعية النموذج الجهوي الإسباني فهناك من يرى أنه غير موحد و هناك من يجمع بين الوحدة و الجهوية و هناك رأي ثالث يعتبر إسبانيا دولة المجموعات المستقلة ٬ و على الرغم من هذه النظريات السياسية المتعارضة فإن دستور 1978م استطاع أن يجعل من إسبانيا دولة المجموعات المستقلة فعلا و ذلك بتقليصه من نظام المركزية الشديدة ٬ زد على ذلك أن النظام السياسي الإداري الاسباني يستعمل تقنيتين مختلفتين لإدارة عجلة الحكم و الإدارة ٬ فمن جهة هناك ميكانيزمات اللامركزية التي تأخذ بها الدول ذات النهج الفيدرالي و من جهة ثانية هناك ميكانيزمات الجهوية ٬ فقد استطاع دستور 1978م تبني مشروع الجهة كهيئة وسيطة قادرة على خلق نوع من التوازن بين الدولة و البلديات .
        إن الدستور الإسباني تميز بنصه على تنظيم ترابي متميز و ذلك بتموقعه بين المركزية و اللامركزية الفيدرالية بحيث أن العلاقة التي تربط بين الدولة الإسبانية و المجموعات المستقلة لا تخضع لنموذج واحد بل تختلف و تتغير حسب الزمن و حسب المجموعات ونوعية مطالبها بحيث أن البعض ذهب إلى وصف استقلال المجموعات بأنه جدولة في منتصف الطريق بين الجهوية و الفيدرالية .
    إن المجموعة المستقلة عبارة عن جماعة إقليمية في مستوى إقليمي أنشأها الدستور بكيفيات توصف أحيانا بتعبير ײاستقلالية تحت الطلبײ حيث لم يحدد  مسبقا هوية هذه المجموعات و لا عددها حيث تمت متابعة مسار إنشاؤها لسنوات عديدة ٬ بحيث أن المشرع الإسباني يضمن الحق في الاستقلال الذاتي للقوميات التي تتكون منها الدولة الإسبانية مع ضرورة الحفاظ على التضامن و التساند فيما بينها و ذلك بعد أن  تأكد بصورة واضحة لا تقبل أي تجزئة بأن الوطن يشترك لكل الإسبان و غير قابل لأي تقسيم بحيث جعل هذا المبدأ من الأسس الدستورية التي يقوم عليها القانون الأساسي للمجموعات المستقلة ٬ حيث تجدر الإشارة إلى أنه في إطار معالجة مشكلات الأقليات القومية و الثقافية لم يستخدم الدستور الإسباني مفهوم اللامركزية الإدارية و إنما استخدم مفهوم الحكم الذاتي للجماعات القومية المختلفة .
    فنظام المجموعات المستقلة يتميز قانونيا وشكليا بوضع خاص فهو يختلف عن أنظمة الحكم المحلي في سائر البلاد التي تأخذ بهذه النظام بحيث أنه لا يصدر بقانون دستوري كما هو الشأن في الدساتير الفيدرالية ٬ مع الإشارة إلى أن قيام هاته المجموعات بإسبانيا يعتبر حقا دستوريا و ذلك في المادة الثانية منه ٬ إن الدستور الإسباني لسنة 1978م كان أول دستور ساهم في تحريره ووضعه ممثلون من كل الطوائف السياسية الإسبانية لذلك أصبح ينظم كل الشعوب الإسبانية لا شعب على حساب شعب و لا يحمي مصالح طرف دون أطراف أخرى ٬ فهو دستور التراضي و التعايش استطاع أن يوحد إسبانيا و ينهي دابر الحروب الأهلية المدمرة ٬ و قد أسس هذا الدستور الاستقلال الذاتي كإطار متفرع عن دولة لامركزية يتم فيها توزيع مراكز القرار والسلطة بين الدولة والأقاليم و تمكن من إدماج القوميات التاريخية في الدولة و الأحزاب القومية المحلية في إطار من التناوب على السلطة .
    و قد كان الهدف الأساسي هو رسم سياسة جهوية حاسمة و العمل على دفع البلاد نحو النمو الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي من أجل التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية و تحسين الخدمات و العلاقات الاجتماعية و ضمن هذه السياسة تم وضع عدد هام من القوانين و اتخاذ كثير من الإجراءات لإرساء النظام الجهوي الإقليمي ٬ نظام الحكومة و البرلمان و القضاء المحلي ٬ و بفعل إرساء هذا النظام الإقليمي المعقلن حققت إسبانيا منجزات عظيمة في فترة وجيزة سواء في المجال الصناعي أو الاجتماعي و تمكنت من بناء دولة قوية من الناحية السياسية على الصعيد الإقليمي والدولي .
   لذلك ستظل اسبانيا هي النموذج و الأمثولة كما قال الأستاذ محمد عبد الكافي لكل بلد غارق في بحر التخلف و تتجاذبه المشاكل السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و يتعرض لمساومات العولمة و تدخلات الدول الأجنبية و صعود التيارات الثقافية و الإثنية  المنادية بالخصوصيات والهوية الثقافية و الاجتماعية التي عادة ما تنادي بها التيارات الانفصالية .
      هذا و من خلال استعراض النماذج الجهوية الموسعة في بعض دول أوروبا و هي دول تتشابه مع المغرب في طبيعتها الموحدة ٬ يجدر بنا استخلاص بعض الملاحظات الأساسية بالنسبة للمغرب الذي يحاول هو كذلك تطبيق هذا النظام و يسابق الزمن من أجل تفعيله حيت يجب الإقرار بمجموعة من المسائل :

  1. يتبين من خلال التجارب المشار إليها أنه لا يوجد نموذج مثالي للجهوية صالح لكل زمان و مكان و لكل مجتمع ٬ بل يتوقف الأمر على خصوصية كل دولة و تركيبتها الاجتماعية و تطورها السياسي و الاقتصادي و الفكري مما يدل على أن مفهوم الجهوية في وقته الراهن غير واضح الدلالة .
  2. يتعين على البلدان التي تحضر نفسها للأخذ بنظام الجهوية الموسعة أو المتقدمة أن تقوم بتقييم دقيق لظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية والإثنية لمعرفة مدى ملائمتها مع تطبيق الوضع المتقدم للجهوية لتفادي الانعكاسات السلبية لهذا التطبيق خاصة الشق المتعلق منها بالتأثير على السلم الاجتماعي و على وحدة الدول و استقرارها السياسي .
  3. و تفاديا لكل هاته الاحتمالات التي أشرنا إليها تحرص كل الأنظمة السياسية التي تبنت خيار الجهوية سواء بمدلولها الواسع أوالمتقدم إلى تضمين دساتيرها بنودا أو فصولا تؤكد صراحة على هاته المبادئ و بالطبع في مقدمتها الوحدة الترابية للدولة و هو ما تم التنصيص عليه في دساتير دول كثيرة كايطاليا و اسبانيا.....الخ.
 
       إن شساعة الإقليم و تزايد عدد السكان و سيادة الديمقراطية التشاركية في زمن العولمة أفضى إلى ضرورة منح المواطنين هامشا كبيرا لتدبير شؤونهم المحلية بغية الاستجابة للخصوصيات الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية لكل جهة ٬ الأمر الذي  أدى إلى الانتقال من المركزية الإدارية إلى عدم التمركز الإداري واللامركزية تم الجهوية ٬ كما أن بروز أسباب سوسيو- سياسية كامنة في رغبة الدول الموحدة في احتواء بعض المطالب الثقافية أو السياسية لأقليات أو مناطق ذات خصوصيات معينة ٬ و ندرة الموارد المالية المحلية أدى إلى تبني خيار الجهوية التي تحولت إلى مفتاح حقيقي يحقق المزاوجة بين وحدة الدولة الموحدة و الاعتراف للجماعات المحلية بنوع من الاختصاصات الإدارية و المالية و ذلك بمنحها قدرا كبيرا من الاستقلالية ٬ إن الجهوية في عالمنا هذا أضحت نتيجة حتمية لمتطلبات التنمية في عالم يسود فيه الصراع بين الكتل المتواجدة في جهات مختلفة ( جهوية /جغرافية ) .
 

المراجع المعتمدة :

باللغة العربية:
  • بن الساهل إدريس ٬ تطور و أفاق الجهة بالمغرب ٬ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ٬ كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ٬ عين الشق ٬ الدار البيضاء .
  • القستلي عبد الوهاب ٬ الحكم الذاتي في الممارسة الدولية ٬ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة٬  وحدة التكوين والبحث : المغرب في النظام الدولي ٬ إشراف الأستاذ الحسان بوقنطار ٬ جامعة محمد الخامس ٬ كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ٬ اكدال – الرباط ٬ 2007/2008 .
  • المرجاني عبد الحق ٬ الجهوية في بعض الدول المتقدمة واقعها و آفاقها في المغرب ٬ المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ٬ عدد مزدوج 6-7 ٬ أبريل – شتنبر 1994 .
  • لبكر رشيد ٬ إعداد التراب الوطني و رهانات التنمية الجهوية ٬ مطبعة منشورات عكاظ ٬ الرباط ٬ 2003 .
  • قباني خالد ٬ اللامركزية ومسألة تطبيقها في لبنان ٬ تقديم دولة الرئيس الدكتور سليم الحص ٬ منشورات البحر المتوسط٬ عويدات ٬ بيروت – باريس٬ الطبعة الأولى 1981٬ .
  • مالكي امحمد ٬ المغرب و تجربة الانتقال ديمقراطي في إسبانيا (الدروس المستفادة) ٬ تجارب عربية في الديمقراطية ٬ منشور بالمجلة العربية للعلوم السياسية ٬ العدد 11 ٬ صيف 2006 .
  • أشرقي عبد العزيز٬  الجهوية الموسعة ٬ نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية المندمجة ٬ مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى ٬ الدار البيضاء ٬ 2011 .
  • ادمون الرباط ٬ الوسيط في القانون الدستوري العام ٬ الجزء الأول  .
  • فهمي أبو زيد مصطفى ٬ نظام الإدارة المحلية في القانون المقارن ٬ مجلة العلوم الإدارية٬ 1961.
 
en Langue Française :
  • Voir : le Monarque dans le nouveau régime politique espagnol, chronique constitutionnelles et administratives étrangères, revue du développement public (18), n° 1.
  • Moderne Frank et Larribau,  J.F.L, l’évaluation du modèle de financement  des communautés autonomes en Espagne,  revue française de finances publique, n° 20, 1987.
  • Palazzoli  Claude, les régions italiennes, contribution à l’étude de la décentralisation politique, Paris, 1991.



الخميس 6 يونيو 2013

تعليق جديد
Twitter