MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الجرائم المتعلقة بتسيير الشركات التجارية وفق التشريعين المغربي والإسباني - دراسة مقارنة

     

محمد ضرضور
طالب باحث
ماستر قوانين التجارة و الاعمال - وجدة



الجرائم المتعلقة بتسيير الشركات التجارية  وفق التشريعين المغربي والإسباني  -	دراسة مقارنة
أهمية الموضوع والإشكالات التي يطرحها:


ليس بخاف الدور الذي أضحت تلعبه الشركات التجارية في اقتصاديات دول العالم المعاصر، وتنبع أهمية هذا الدور من تعدد المتدخلين في نشاط هذه الشركات من مساهمين وأصحاب رساميل ودائنين، مما يقتضي توفير الثقة، وهذه الأخيرة لن تتكرس إلا من خلال تكريس الشفافية في التسيير، وسن قواعد زجرية، وبناء عليه عملت مختلف التشريعات على تكريس الشفافية على مستوى التعامل المالي لهذه الشركات وتكريس قواعد جنائية الهدف منها وضع حد للتلاعبات التي قد تتعرض لها، وإن
اختلفت في السياسة المتبعة في ذلك...

وقد عملنا على دراسة هذه الجوانب من خلال دراسة مقارنة بين التشريعين المغربي والإسباني،وذلك من خلال التركيز على الركنين المادي و المعنوي سواء من في ظل التنظيم التشريعي أو التعامل القضائي.

وقد يطرح التساؤل عن دوافع اختيارنا للتشريع الإسباني، وهو سؤال مشروع ويتلخص الجواب عليه في كون هذا التشريع لم من المميزات والخصائص ما يفتح شهية الباحث للإطلاع عليه، ولعل أهم مميزاته في ما يتعلق بجرائم الشركات:

- أن هذه الجرائم جاءت في صلب القانون الجنائي، وهو ما يرتب نتائج في غاية الأهمية كما سنرى.

- أن الغرامة تحتسب على أساس الأيام.

- اعتماد الربح المستخلص من الفعل الإجرامي كأساس لفرض الغرامة في بعض الأحيان.

- في حالة تعدد الجرائم تضم العقوبات.

- استعمال عبارات تحتمل التفسير الواسع، وهذا له مبرراته كما سنرى، وإن كان كما يرى بعض الفقه الإسباني يتنافى مع مبدأ الشرعية.
وسيكون منطلقنا لهذه الدراسة قرار صادر عن المحكمة العليا الإسبانية تحت رقم 119 /2010 بتاريخ فاتح فبراير 2010، والملاحظ على هذا القرار أنه تضمن عدة جرائم وهو ما حفزنا بالتعليق عليه.

ومن أجل ذلك سأتبع المنهجية التالية:

أولا: موجز لوقائع النازلة من خلال القرار.
ثانيا: جريمة تقديم ونشر قوائم تركيبية سنوية غير صحيحة.
ثالثا: منع المساهمين من ممارسة حقهم في الإعلام.
رابعا: جريمة إساءة استعمال أموال الشركة.
خامسا: مناقشة المبدأ القانوني الذي تبنته المحكمة العليا الإسبانية.

أولا: موجز لوقائع النازلة من خلال القرار:


تتلخص وقائع النازلة فيما يلي:
قام مسير شركة
x
باستصدار شهادة تفيد بأنه بتاريخ 20 يونيو 2000 عقدت الجمعية العامة الاستثنائية، وأن جميع الشركاء قد صادقوا على الحسابات المالية السنوية لسنة 1999 وأنه قد تمت المصادقة على إدارته للشركة وبأن قد استدعى الشركة Y باعتبارها مالكة لنصف الأسهم وبأنها قد رخصت له العمل في غيابها مع العلم أن هذا الجمع لم يعقد أصلا وبناءا على هذه الشهادة قام بتقديم الحسابات السنوية قصد تسجيلها لدى السجل التجاري. وفي تاريخ لاحق قام باستصدار شهادة أخرى يؤكد فيها بأنه قد تم عقد جمع عام لتغيير المقرر الاجتماعي للشركة.

وكرد فعل على هذه الأفعال قامت الشركة y بطلب عقد جمع عام استثنائي للتأكد من وجود للدفاتر المحاسبية وهو الطلب الذي لم يحظى بالاستجابة، وهو ما دفع هذه الأخيرة بمطالبة السجل التجاري بتعيين مراقب للحسابات قصد تدقيق حسابات سنوات 2001، 2002، 2003، 2004، 2005 لكن لم يتمكن من مزاولة مهامه لعدم وجود نشاط الشركة في مقرها الاجتماعي ولعدم التواصل مع المسير.

مع العلم أنه في تاريخ سابق كان هذا المسير قد أسس شركة أخرى وقام باستغلال أموال الشركة الأم واسمها لحسابه.


ثانيا: جريمة تقديم ونشر قوائم تركيبية سنوية غير صحيحة

جريمة محاسبة

تعتبر هذه الجريمة من الجرائم المرتبطة بالإدارة والتسيير وقد جاء النص عليها في الفصل 290 من القانون الجنائي الإسباني، والمادة 384/ف2 من قانون 17-95 المتعلق بشركات المساهمة المغربي.

فما هي أحكام هذه الجريمة سواء المتعلقة بأركانها وعقوباتها وتقادمها في ظل التشريعين المغربي والإسباني.

1- أركان الجريمة:

لا تقوم هذه الجريمة إلا بتوافر ركنها المادي والمعنوي والمتمثلين في إقدام المسير على نشر وتقديم حسابات سنوية غير صحيحة وعلمه بذلك بهدف إخفاء وضع الشركة الحقيقي "القصد الخاص".
وبمقارنة الفصل 384 الفقرة الثانية مع الفصل 290 من القانون الجنائي الإسباني نلاحظ أن المشرع الإسباني استعمل عبارات تحتمل التفسير الواسع وهو ما جعله يلاقي انتقادات قوية من طرف الفقه الإسباني لتعارض ذلك مع مبدأ الشرعية إلا، أننا نرى أن توجه التشريع الإسباني منطقي إذا ما قرئ في ظل القانون الإسباني برمته، فكما هو معلوم فإن جرائم الشركات جاءت في صلب القانون الجنائي في القسم الثامن ولا يتضمن إلا ثمانية فصول من المفروض عليها أن تغطي كل الجرائم المرتكبة أثناء تسيير الشركات التجارية، فهو قانون "شحيح" من حيث عدد النصوص ولكنه يستعمل مصطلحات قابلة للتمطيط ولعل أهم الإشكالات التي تثيرها هذه الجريمة سواء في ظل التشريع المغربي أو الإسباني توافر الركن المعنوي من عدمه فهل مجرد صحة الحسابات يقوم دليلا على وجود النية الإجرامية؟
بقراءة مقتضيات المادة 384/ف2 والفصل 290 من القانون الجنائي الإسباني نجد بأن مجرد عدم صحة الحسابات لا يقوم دليلا على وجود النية الإجرامية وهذه الحالة تعتبر كمدخل لتساؤل آخر وهو حدود مسؤولية المسير، كجواب على هذا السؤال ذهب الفقه الإسباني على غرار الفقه الغربي برمته إلى تبني نظرية "رجل الأعمال الجيد" Buen hombre de negocios" وهو ما نتج عنه قلب عبء الإثبات حيث أن سوء نية المسير في تقديم حسابات غبر صحيحة قائمة إلى أن يثبت العكس، على اعتبار إلمامه بالجوانب التقنية لهذه الحسابات.

2-عقوبة الجريمة:

عاقب المشرع المغربي على هذه الجريمة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و/أو غرامة مالية تتراوح ما بين 100000 إلى 1000000 درهم.
أما المشرع الإسباني فقد عاقب عليها بعقوبة حبسية تتراوح ما بين سنة وثلاث سنوات وغرامة ما بين 6 إلى 12 شهرا، مع الرفع من العقوبة إلى الحد الأقصى في حالة تحقق الضرر الاقتصادي للشركة.
3- تقادم الجريمة:
تتقادم هذه الجريمة في التشريع المغربي بمرور خمس سنوات من تاريخ ارتكاب آخر فعل مكون لها.
وفي التشريع الإسباني بمرور ثلاث سنوات (الفصل 131 من القانون الجنائي الإسباني)

ثالثا: جريمة منع المساهمين من مماراسة حقهم في الإعلام:

"المعرفة قوة" هذه العبارة تلخص لنا إدراك الإنسان منذ القرن السادس عشر بأهمية المعرفة للتنمية، فالمعرفة تعطينا فرصا وامتيازات تلخص لنا مستقبل الأشخاص المعنويين والطبيعيين والحكومات أيضا، فالمعرفة للمساهم تعتبر ركيزة أساسية في اتخاذ القرارات والتسيير الفعال للمقاولة، لذلك فإننا سوف نرتكز على الحماية الجنائية لحق المساهم للوصول إلى المعلومات.
لا يخفى على أحد بان شركات المساهمة تقوم على هاجس أساسي ألا وهو تحقيق الربح وهذا الهاجس لن يتحقق إلا باستقدام شركاء محتملين يتوفرون على رؤوس الأموال، وهؤلاء الشركاء لن يقوموا باستثمار أموالهم بهذه الشركات ما لم تتوفر لهم الضمانات التي تسمح لهم بالإطلاع على وضع الشركة.
إن هذا الحق مر بعدة مراحل وتغيير وتطور مع مرور السنين سواء فيما يتعلق بالتطبيق أو أهميته، حتى أضحى في الوقت الحاضر يحتل مكانة بارزة وأفضل سلاح يملكه المساهم عند اتخاذ القرارات.
وقد نص المشرع المغربي على الحق في الإعلام في القسم الخامس من قانون شركات المساهمة، وميز بين شركة المساهمة التي لا تدعو الجمهور للاكتتاب والشركات التي تدعو الجمهور للاكتتاب، وقد عاقب على خرق حق الإعلام في عدة فصول منها الفصل387 الذي عاقب بالحبس لمدة تتراوح ما بين شهر وستة أشهر و/أو غرامة مالية تتراوح ما بين 8000 و40000 درهم من منع مساهما في المشاركة في إحدى جمعيات المساهمين.
بالإضافة إلى المادة 309 التي جاء فيها "يعاقب بغرامة من 6000 إلى 30000 درهم رئيس شركة المساهمة الذي لم يطلع المساهمة وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون على المعلومات اللازمة من أجل عقد الجمعيات"، كذلك المادة 332 والتي تعاقب بغرامة من 8000 إلى 40000 درهم أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير...

أما التشريع الاسباني فقد نص على الحق في الإعلام في الفصل 112 من قانون شركات المساهمة ، و جرم فعل منع المساهمين من ممارسة حقهم في الإعلام في الفصل 293 من القانون الجنائي الإسباني، والذي جاء فيه بأن المسيرين الفعليين أو القانونيين لأي شركة مؤسسة أو طور التأسيس الذين يقومون بدون سند قانوني بإنكار أو منع شريك من ممارسة حقوقهم في الإعلام، يعاقبون بغرامة تتراوح ما بين 6 أشهر إلى 12 شهرا.


رابعا:جريمة إساءة استعمال أموال الشركة


سوف نتناول هذه الجريمة من خلال تناول أركانها و العقوبات المقررة لها ،في ظل التشريعين المغربي و الاسباني .

1- أركان الجريمة :

يتحدد النص التجريمي لهذه الجريمة في الفصل 348/ف3 من ق ش.م.م 17-95
و الفصل 295 من ق.ج.ا .
يقتضي لقيام هذه الجريمة توافر ركنيها المادي و المعنوي .

الركن المادي :

يقوم الركن المادي لهذه الجريمة على عنصرين :

- عنصر الاستعمال
- تعارض هذا الاستعمال مع المصالح الاقتصادية للشركة.
* عنصر الاستعمال
مفهوم الاستعمال
يقصد بمفهوم في نطاق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة كل تصرف يقع على أموال الشركة ولا يشترط توفر نية التملك لدى الفاعل إنما يكفي أن يقوم المتصرف باستعمال عنصر من عناصر الذمة المالية للشركة لتحقيق غرض شخصي و مخالف للمصالح الاقتصادية للشركة .
- مفهوم المال محل الاستعمال:
يشمل المقصود بأموال الشركة في مفهوم المادة 384/ ف3 أي مال لهذه الأخيرة سواء كان عقارا أو منقولا مكن كان من أحد مكونات ذمتها المالية وسوى جرى جرده أم لا.

* تعارض الاستعمال مع المصالح الاقتصادية للشركة

يعتبر تحديد المقصود بالمصلحة الاقتصادية للشركة من المفاهيم الصعبة التحديد إذ يطرح التساؤل حول الأخذ بالمفهوم العقدي للشركة وبالتالي مصلحة المساهمين أم بالمفهوم النظامي وبالتالي الأخذ بمفهوم مصلحة الشخص المعنوي.
وإذا نحن حاولنا تناول أركان هذه الجريمة في ظل التشريع الإسباني فإننا نجد أن هناك اختلافات جوهرية سواء فيما يتعلق بالأشخاص المخاطبين بأحكامها أو الضرر الناتج عنها.

فيما يتعلق بالأشخاص المخاطبين يلاحظ أن مرتكبي هذه الجرائم قد يكونون من الشركاء بالإضافة المسيرين.
- اعتبار المصلحة قائمة حتى ولو كان الهدف من ارتكاب الجريمة تحقيق مصلحة أحد من الغير، وسواء كان الضرر منصب على أموال الشركة، شريطة أن يكون
الضرر مهما.

وعلى العموم فان الأفعال التي تشكل هذه الجريمة تتلخص فيما يلي:

- استعمال أموال الشركة من طرف المسير لمصلحته الشخصية.
- بيع أو شراء منتوجات بغير الثمن الحقيقي.
- استعمال موارد الشركة لتغطية النفقات الشخصية.
- تأمين أموال الشركة باسم المسير.

الركن المعنوي:

بالرجوع إلى الفصل 384/ف3 نجد أنه يشترط بالإضافة إلى القصد العام (العلم) ضرورة توافر القصد الخاص (تحقيق اعتراض شخصية).

أما المشرع الإسباني فقد نص على عنصر التدليس لتحقيق مصالح شخصية.

عقوبة الجريمة:
يعاقب المشرع المغربي على مرتكب هذه الجريمة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة مالية من 100.000 إلى 100000 درهم.
أما المشرع الإسباني فقد عاقب عليها في الفصل 295 من القانون الجنائي الإسباني بالحبس من ستة أشهر إلى أربع سنوات أو غرامة مالية تعادل ثلاثة أضعاف النفع المستخلص.


خامسا:مناقشة المبدأ القانوني الذي تبنته المحكمة العليا الاسبانية



إن القرار الذي بين أيدينا و الصادر عن المحكمة العليا الاسبانية ،غني بأحكام جرائم الشركات كما هي متعارف عليها دوليا،والمحكمة العليا بقرارها هذا تكون قد طبقت النصوص القانونية تطبيقا سليما.

فمن خلال دراستنا للجرائم موضوع القرار يتبين لنا من خلال الوقائع أن أركانها ثابتة مما يفرض كما ذهبت إلى ذلك المحكمة إدانة المتهم .

ففيما يتعلق جريمة تقديم ونشر قوائم تركيبية سنوية غير صحيحة فان أركانها ثابتة في حق المتهم وذلك من خلال قيامه بتقديم حسابات سنوية غير صحيحة و إصدار شهادة يدعي فيها أنه تم المصادقة عليها مما يبين سوء نيته كرمن معنوي في الجريمة .

وفيما يتعلق بجريمة منع المساهمين من حقهم في الإعلام فإنها ثابتة أيضا وذلك من خلال حرمانه للشركة y من ممارسة حقها في الإعلام و ذلك بنشره حسابات غير صحيحة ومن خلال دم استجابته لطلب عقدجمع عام و عرقلة مهام مراقبي الحسابات.

أما فيما يتعلق بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة فان أركانها ثابتة من خلال القرار و ذلك بتحميل الشركة التزامات لفائدة شركة أخرى مما ترتب عنه ضرر اقتصادي للشركة الأولى.

لكل هذا فان المحكمة العليا الاسبانية تكون قد طبقت المقتضيات القانونية تطبيقا سليما

.

خلاصة و توصيات:


مما سبق يتضح لنا أن المسؤولية الجنائية للمسير في ظل التشريعين المغربي و الاسباني تتميز بالخصائص التالية:

لا تقوم المسؤولية الجنائية إلا إذا تم خرق قاعدة معينة و ارتباطه بوجود تدليس أو عدم احتياط.أو إهمال.

الضرر الذي يأخذ بعين الاعتبار هو الضرر الذي تكون الشركة ضحية له أي التعدي الذي يتعرض المال المحمي.
المسؤولية تبقى شخصية.


للإطلاع على الهوامش او طبع المقال




الاثنين 22 غشت 2011

تعليق جديد
Twitter