MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



التعرض على الأمر بالأداء بين المبادئ العامة للتقاضي و القواعد الاستثنائية.

     

هشام العماري
عضو المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بفاس



التعرض على  الأمر بالأداء بين المبادئ العامة للتقاضي و القواعد الاستثنائية.
تعتبر مسطرة الأمر بالأداء مسطرة خاصة للتقاضي ، فهي تجمع بداية بين متناقضين: بين كونها تبت في المديونية أي في أصل الحق و جوهره اعتبارا إلى أن الأمر الصادر يقضي بأداء مبلغ معين من المال، و بين إسنادها إلى رئيس المحكمة بدلا من قضاء الموضوع ليبت في الطلب على حالته دون استدعاء المدعى عليه أي دون احترام مسطرة الحضورية و مبدأ الوجاهية.

و اعتبارا لهذا الطابع الاستثنائي فقد اعتبر المشرع المسطري أن رفض طلب الأمر بالأداء لا يقبل أي طعن بمعنى أنه يضع حدا لمسطرة الأمر بالأداء و يبقى للمعني بالأمر أن يتقدم بطلبه وفق الإجراءات العادية للتقاضي أي أمام قضاء الموضوع، في حين أن قبوله يفتح طريقا استثنائيا للطعن في الأمر بالأداء و هو التعرض، بحيث نص الفصل 160 من ق م م بأن هذا الأمر لا يقبل أي طعن غير التعرض.

فما هي شروط ممارسة الطعن بالتعرض في الأمر بالأداء و ما هي آثاره؟ و هل هو طعن عادي أم استثنائي ؟ هذا ما سنحاول بسطه في هذه المداخلة مسترشدين بالمبادئ العامة التي تحكم التقاضي و ممارسة الطعون القضائية.

أول ما يتبادر إلى الذهن عند مناقشة موضوع الطعن في الأمر بالأداء هو مقارنة القانون الحالي رقم 13ـ1 بالتنظيم السابق الذي كان يتيح إمكانية الطعن باستئناف الأمر بالأداء أمام محكمة الاستئناف. و كان من نتائج الطعن بالاستئناف حسب ما استقر عليه اجتهاد القضاء إما تأييد الأمر بالأداء في حالة صحته و إما إلغاؤه إذا تبين لمحكمة الطعن أن الدين منازع فيه منازعة جدية. و في هذه الحالة لا تملك محكمة الطعن التصدي و إنما تكتفي بالإلغاء و إحالة المطلوب ضده في الاستئناف على سلوك الإجراءات العادية للتقاضي أمام محكمة الموضوع،فيفقد الطالب مزايا السرعة و مزية التنفيذ المعجل التي تخولها مسطرة الأمر بالأداء و يستفيد المستأنف من إمكانية مناقشة النزاع من جديد طبقا للإجراءات العادية للتقاضي و ما تتيحه من طرق للطعن عادية كانت أم استثنائية. بمعنى أن التنظيم السابق لمسطرة الأمر بالأداء بدوره لم ينص بشكل صريح على تخويل محكمة الطعن حق التصدي للحسم في جوهر النزاع من عدمه، لكن الاجتهاد القضائي كان مستقرا على أن محكمة الطعن لا تملك هذا الحق اعتبارا للطابع الاستثنائي لمسطرة الأمر بالأداء و انسجاما مع المبادئ العامة للتقاضي الذي يمنح اختصاص البت في الجوهر لقضاء الموضوع لا لمؤسسة الرئيس.

و كان مما يعاب على التنظيم السابق لمسطرة استئناف الأمر بالأداء طول المسطرة دون أي جدوى بحيث أن السرعة التي توخاها المشرع في سن مسطرة الأمر بالأداء تنقلب إلى مفعول عكسي على الدائن الذي قد ينتظر سنوات بين تاريخ إيداع طلب الأمر بالأداء و تاريخ صدور قرار استئنافي للبت في الطعن المقدم ضد الأمر بالأداء و احتماليا انتظار صدور قرار محكمة النقض في الطعن الموجه ضد القرار الاستئنافي المذكور ليجد حامل السند نفسه أمام نقطة الصفر بحيث يكون مضطرا ساعتها لإعادة عرض النزاع من جديد أمام قضاء الموضوع.

لتلافي هذه السلبيات حاول القانون رقم 13ـ1 تعديل المقتضيات السابقة بالنص على إحداث طريق جديد من طرق الطعن ضد الأمر بالأداء و هو التعرض و نص على مقتضيات خاصة من حيث شروط ممارسته أو آثاره. فهل كان المشرع موفقا في تبسيط مسطرة الطعن في الأمر بالأداء و في جعلها أكثر نجاعة فعالية و تحويلها من مسطرة استثنائية إلى مسطرة عادية أم أنه سقط من جديد في
الغموض و التناقض و لم يأت بجديد سوى إطالة أمد النزاع و إضافة مساطر و إجراءات جديدة ؟

أولا: شروط ممارسة التعرض ضد الأمر بالأداء:

1ـ يقدم الطعن بالتعرض في مواجهة الأوامر بالأداء التي استجابت للطلب كليا أو جزئيا و لا يمكن تقديمه ضد الأوامر التي قضت برفض الطلب ـ الفصل 157 ق م م ـ.
2ـ  يقدم الطعن بمقال مكتوب أمام المحكمة التي صدر الأمر عن رئيسها ـ الفصل 163 ق م م ـ.
3ـ يقدم الطعن بالتعرض داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر بالأداء إلى المحكوم عليه. تحت طائلة سقوط حقه في ممارسة أي طعن ـ الفصل 161 ق م م ـ.

من خلال هذه المقتضيات يمكن القول أن التعرض على الأوامر بالأداء يختلف عن التعرض كطعن عادي من طرق الطعن الموجهة ضد الأحكام و القرارات الغيابية. فمن جهة أولى فإن جميع أوامر الأداء تعتبر غيابية بقوة القانون في مواجهة المدعى عليه لكون مسطرة الأمر بالأداء و لا يتصور أن يوجه الاستدعاء فيها إلى المدعى عليه ذلك أن رئيس المحكمة المختصة يبت في طلب الأمر بالأداء على حالته اعتمادا على السند المدلى به. و من جهة ثانية فإن اختصاص رئيس المحكمة و هو ينظر في الطلب جد محدودفهو يكتفي بمراقبة شكل السند و ظاهره ليتبين له ثبوت الدين و استحقاقه من عدمه دون إمكانية إثارة أي دفع شكلي أو موضوعي أمامه كما لا يحق له أن يقوم بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو أن يثير أي سبب مانع للاستجابة للطلب إلا ما كان من صميم النظام العام أو ما كان ماسا بشروط قبول الأمر بالأداء كالتأكد من أن للمدين موطن معروف بتراب المملكة و كون المبلغ المطلوب يتجاوز 5000 درهم و كون السند المدلى به يعتبر ورقة تجارية أو سندا رسميا أو اعترافا بدين. و من جهة ثالثة فإن الطعن بالتعرض في الأحكام الغيابية يقدم أمام نفس الجهة التي أصدرت الحكم المتعرض عليه على خلاف التعرض في الأمر بالأداء الذي تختص بالنظر فيه المحكمة و ليس رئيسها المصدر للأمر المتعرض عليه.

من خلال ما سبق و اعتبارا إلى أن سلطة رئيس المحكمة في التحقق من الدين تعتبر جد محدودة ، و بالنظر إلى عدم إمكانية أن يثار أمامه أي دفع يتعلق بمدى ثبوت الدين أو استحقاقه فهل يحق لمحكمة الطعن بالتعرضأن تتجاوز السلطة التي كانت للرئيس المصدر للأمر بالأداء أي أن تتصدى للبت في موضوع النزاع و أصل الحق بمناقشة جميع الدفوع الشكلية و الموضوعية المانعة للاستجابة للطلب فتقضي برفض الطلب من حيث الموضوع و يكون حكمها حاسما في النزاع أم أنها تكتفي بمراقبة ما إذا كان الدين المحكوم به منازعا فيه منازعة جدية من عدمه فتأمر في حالة ثبوت المنازعة الجدية بإلغاء الأمر بالأداء و إحالة الطالب إلى المحكمة المختصة وفق الإجراءات العادية و تأمر إذا تبين لها أن المنازعة غير جدية بتأييد الأمر بالأداء.بعبارة أخرى هل يكون للتعرض أثر ناشر للدعوى و هل تملك محكمة التعرض الحق في التصدي للبت في أصل النزاع و الحسم في موضوعه أم أن سلطتها لا تتجاوز مراقبة ما إذا كان طلب الأمر بالأداء استجاب لشروط إعمال مسطرة الأمر بالأداء كما هي منظمة قانونا. و في حالة العكس تحكم بإلغاء الأمر بالأداء دون أن تحكم برفض الطلب ـ من حيث الجوهر ـ سيما و أن المستفاد من الفقرة الأخيرة من الفصل 157 من ق م م أنه في حالة رفض طلب الأمر بالأداء يبقى للطالب الحق في اللجوء إلى المحكمة المختصة وفق الإجراءات العادية.

هذا الاتجاه الأخير ينطلق من كون الأصل في التقاضي هو تقديم الطلب أمام محكمة الموضوع و الاستفادة من جميع حقوق الدفاع و طرق الطعن المخولة قانونا في إطار المبادئ العامة للتقاضي. و هو حق يستفيد منه المدعي كما المدعى عليه في إطار توازن المراكز القانونية. و هو نفس المبرر الذي يجعل محكمة الاستئناف و هي تبت في استئناف الأوامر الاستعجالية تبت فقط في مدى احترام رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجات لحدود اختصاصه و لا يمكن لحكمها أن يمس بالجوهر. و أما القول بالعكس و بدون وجود نص صريح يعطي لمحكمة التعرض الحق في التصدي للبت في جوهر الحق و وجود مديونية من عدمها فلا يستند إلى أساس صحيح من القانون و لا يشفع له التمسك بروح القانون أو القصد الخفي للمشرع لأنها فكرة مجردة مما يدعمها و يعززها من أسس قانونية واضحة و منطقية.

و مما يبرر كون مسطرة الأمر في الأمر بالأداء مسطرة استثنائية لا يجب التوسع في نطاقها أن المشرع خصها بقواعد استثنائية تخرج عن القواعد العامة للتقاضي و للطعون القضائية و للقوة المعترف بها للأحكام القضائية، و نذكر على سبيل المثال:

الخاصية الأولى: إن عدم تبليغ الأمر بالأداء داخل أجل سنة من صدوره يجعل هذا الأخير كأن لم يكن أي باطلا و غير قابل للتنفيذ. في حين أن القواعد العامة المنصوص عليها في القاعدة المسطرية العامة هي إمكانية تنفيذ الحكم القضائي داخل أجل ثلاثين سنة من صدوره.

الخاصية الثانية: إن محكمة التعرض ــ و كذا محكمة الاستئناف المستأنف أمامها الحكم الابتدائي الذي بت في التعرض ـ ملزمة للبت في الطعن داخل أجل 3 أشهر من تاريخ تقديم التعرض، و هو ما يتنافي مع القواعد العامة المسطرية التي و إن كانت تفرض على المحكمة البت داخل أجل معقول فإنها لا تلزم المحكمة بأجل معين احتراما لحقوق الدفاع من جهة و لترك المجال الزمني للمحكمة مفتوحا لتحقيق الدعوى و تمحيصها و البحث عن الحقيقة القضائية. من ذلك يتبين مثلا أنه في حالة مناقشة المحكمة للدفع بالزور الفرعي و ما يتطلبه من أبحاث تتعلق بتحقيق الخطوط فإنه يستحيل عليها البت في الطعن داخل أجل ثلاثة أشهر و هو ما يعزز الفرضية الراجحة و هي اكتفاء محكمة التعرض بمعاينة ما إذا كان التعرض ينطوي على منازعة جدية في الدين أم لا دون تجاوز ذلك لحسم النزاع في الجوهر.

الخاصية الثالثة:إن حسن النية في التقاضييفترض سلوك المساطر القضائية و الطعون بحسن نية. هكذا فإن الدين إذا لم يكن منازعا فيه منازعة جدية فإن المطلوب في الأمر بالأداء إذا خسر طعنه بالتعرض أو الاستئناف فإنه يكون عرضة للحكم عليه بغرامة مدنية تتراوح بين 5 و 15 بالمائة من مبلغ الدين لفائدة الخزينة العامة إذا ثبت في حقه التعسف في استعمال حق الطعن ـ الفصل 165 من ق م م ـ. بالمقابل نرى أن تخويل المشرع لطالب الأمر بالأداء مزية دفع رسم جزافي محدد في 100 درهم فقط عن مجموع الدين المطلوب يجب أن يقابله عدم حرمان الخزينة العامة من حقها في اقتضاء الرسوم القضائية كاملة إذا ثبت أن الدين المطلوب منازع فيه منازعة جدية و هو لا يتأتى إلا بإحالة المعني بالأمر إلى الإجراءات العادية للتقاضي بعد ثبوت إلغاء الأمر بالأداء لوجود منازعة جدية في الدين. و بهذه الطريقة يمكن الحد من استعمال مسطرة الأمر بالأداء من طرف الدائنين تملصا من أداء الرسوم القضائية كاملة التي يفرضها اللجوء إلى قضاء الموضوع.

من خلال ما سبق يتبين أن التنظيم الجديد لمسطرة الأمر بالأداء قد شابته عدة عيوب و أن المشرع لم يكن موفقا في إصلاح شوائب التنظيم القديم و هو مطالب بإصدار تعديلات جديدة واضحة تجلي بعض الغموض و تنص صراحة على تخويل محكمة الطعن الحق في البت في حسم النزاع من حيث موضوعه بشكل نهائي و تضع حدا للتناقض الحاصل بين الأحكام القضائية الصادرة في الطعون الموجهة ضد الأوامر بالأداء تحقيقا للمبادئ الدستورية المرتبطة بحماية الأمن القانوني و القضائي.
 
 
 



الجمعة 1 مارس 2019


1.أرسلت من قبل المفضل اشندير في 14/06/2022 14:23 من المحمول
مقال مختصر ومفيد وعميق الدلالة يجعل من يقرأه لا يمل ويستوعب الأفكار الواردة به بيسر وسهولة . بالتوفيق دائما للكاتب .

تعليق جديد
Twitter