MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



التأديب في المؤسسات السجنية

     





محمد البشير وحمان
ماستر القضاء الإداري
جامعة محمد الخامس
كلية الحقوق سلا



التأديب في المؤسسات السجنية
مقدمة :

يعتبر السجن مؤسسة لتنفيذ العقوبات القضائية النافذة على الأشخاص المنحرفين المحكومين،فدور السجن الأساسي هو دور تنفيذي للعقوبة،لحماية المجتمع وضمان أمنه وسلامته وطمأنينته، بمعنى أن السجن وسيلة وقائية من الجريمة،وأداة لتقويم السجناء وتهيئتهم للاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم،وإذا كان السجن في الماضي عبارة عن مكان مخصص لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية،فإنه في الوقت الحاضر أضحى السجن وسيلة للإصلاح والتأهيل،بواسطة وسائل التربية والتهذيب، والتقليل من الإيلام والاقتصار على القدر اللازم منه لتحقيق الأهداف المتوخاة من الإصلاح والتأهيل،ومن أهم الأساليب التي استعان بها السجن الحديث على ذلك هي عقوبة العمل وذلك ليس بالمعنى الحرفي للكلمة،على اعتبار أن العمل في هذه الحالة يكتسي صبغة اجتماعية وليس عقوبة إضافية للعقوبة الأصلية المحكوم بها على السجين،الذي عرفه المشرع المغربي في المادة الأولى من ظهير 25 غشت 1999 بتنفيذ القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية،بأنه "يعتبر معتقلا بمفهوم هذا القانون، كل شخص اتخذ في حقه تدبير سالب للحرية وتم إيداعه داخل مؤسسة سجنية " وانطلاقا من هذا التعريف فإن السجين هو كل شخص تم إيداعه المؤسسة السجنية ليقضي تدبير سالب للحرية،بيد أن السجين إذا كان يقضي تدبير سالب للحرية، فإنه من المبادئ المسلم بها في علم العقاب، أن العقوبة لا تلغي كلية حقوق السجين وإنما تضع لها حدودا وقيودا وذلك بالقدر الذي يتطابق مع ما ورد في الحكم القضائي،فمبدأ شرعية العقوبة أو التحديد القانوني للعقوبات والآثار المترتبة عنها،يقتضي أن لا تنصرف العقوبة إلا إلى الحقوق التي تشملها بنص القانون،دون باقي الحقوق الأخرى التي يبقى حق التمتع بها قائما دون قيود،إلا ما ارتبط بالقيد العام وهو الحرمان من الحرية،لذلك فإن المعاملة العقابية للسجين، عرفت تطورا مهما،واكب تطور نظرة الفكر الجنائي إلى دور العقوبة،من مجرد الانتقام والإيلام والردع،إلى الرغبة في إصلاح المحكوم عليه وإعادته إلى حظيرة المجتمع فردا صالحا،كما سلف وأشرنا وهو ما لا يتحقق إلا عن طريق حفظ الكرامة المتأصلة في الإنسان،أي ما يعرف بأنسنة المعاملة العقابية ،والسجين من جهته يجب أن يحافظ أو بالأحرى أن يساهم في توفير الأمن من خلال انضباطه داخل المؤسسة السجنية،باعتبارها فضاء جماعي مغلق يتعايش داخله أشخاص اعتدوا على قواعد التعايش في الفضاء المفتوح، حتى يتسنى تحقيق شروط المعاملة التهذيبية و الإصلاحية،لهذا كان طبيعيا أن تخول القوانين المنظمة للسجون عبر العالم للمؤسسة العقابية،صلاحية اعتماد بعض الأساليب التي يكون من شأنها تدعيم النظام والهدوء،وفي مقدمة هذه الأساليب توقيع تدابير تأديبية على السجناء الذين يأتون أفعالا تهدد الانضباط المطلوب.
وهكذا نجد المشرع المغربي أولى عناية كبيرة بالهدوء والمحافظة على الانضباط بالمؤسسة السجنية منذ أول قانون يعنى بالمؤسسات السجنية وهو قانون 11 أبريل 1915 إلى آخر قانون يعنى بتنظيم هذه المؤسسة ألا وهو قانون رقم 23.98 الصادر سنة 1999 ،تحت طائلة توقيع التدابير التأديبية على أحد المسجونين إذا ما ارتكبوا مخالفات أثناء تواجدهم بالسجن، علما أن هذه التدابير لا توقف مفعول العقوبات الأخرى المحكوم عليهم بها من طرف المحاكم المختصة .
وتنبع أهمية موضوعنا هذا من أساسيات التعرف على المخالفات التي يرتكبها السجناء والتي تؤدي إلى تأديبهم،والتدابير التأديبية التي يمكن أن يتعرضون لها.
إلى جانب التأديب بالمؤسسات السجنية نجد الجانب التنظيمي لهذه المؤسسات والجانب الوظيفي وكذا النظام الذي يخضع له المعتقلون زد على ذلك المجال المتعلق بالتسريح وأخيرا مسألة الحراسة،إلا أن الذي يهمنا في هذا المضمار هو التدابير التأديبية بالمِؤسسات السجنية دون غيرها.

إن إشكالية موضوعنا هذا تنطلق من طرح التساؤلات التالية :

 ماهي المخالفات التي يرتكبها السجناء التي تؤدي إلى إيقاع تدابير تأديبية في حقهم؟
 ماهي طبيعة هذه التدابير؟
 وما هي المسطرة المتبعة في توقيع التدبير التأديبي؟
 وما هي ضماناتها؟
وتأسيسا على ما سبق بيانه،ارتأينا تقسيم موضوعنا وفق التقسيم أدناه:

المبحث الأول : الأحكام القانونية للمخالفة التأديبية المرتكبة داخل
المؤسسة السجنية


إن الإطلاع على المقتضيات القانونية المنضمة للانضباط والأمن بالمؤسسات السجنية الواردة في المواد من 50إلى 70 من الباب الرابع من ظهير 25 غشت 1999 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية،يكشف على أن المشرع خص المخالفات التأديبية التي تقع داخل المؤسسة السجنية بتنظيم محكم،يقترب إلى حد كبير من الضبط المعتمد في تقنين الجرائم المرتكبة في الفضاء الحر أو المفتوح،في جميع أحكامها الجزئية سواء فيما يخص التثبت من الجريمة ومعاينة الفاعل وتحريك المتابعة والمحاكمة وما يرتبط بها من حقوق الدفاع والاستماع للشهود والاستعانة بترجمان .
ولتفصيل الحديث عن أحكام المخالفة التأديبية المثارة بشأن الأخطاء المرتكبة داخل المؤسسة السجنية،ارتأينا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين الأول يخص المخالفات الموجبة للعقوبة التأديبية،والثاني يهم الجزاءات التأديبية .

المطلب الأول:المخالفات الموجبة للعقوبات التأديبية


اتجهت يد الإصلاح بعد الاستقلال إلى مؤسسة السجون في المغرب، ونالت من العناية والاهتمام مثل ما نال غيرها من المؤسسات ومرافق الدولة الأخرى من إعادة النظر وهكذا اتجه المشرع المغربي إلى إصدار الظهير الشريف رقم 1.99.200 صادر في 13 من جمادى الأولى 1420 \الموافق25 أغسطس1999 بتنفيذ القانون رقم 23.98المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية .
ومن خلال استقرائنا لفصول هذا القانون،نجد أن المشرع المغربي عمد إلى تحديد الأفعال التي تعتبر أخطاء تأديبية لتؤسس بذلك شرعية مكتملة ،تشمل تحديد الخطأ والجزاء التأديبيين،وهكذا فقد نص المشرع في المادة 54 من هذا الظهير على أنه:
"يعتبر خطأ تأديبيا:

1. ممارسة عنف أو إيذاء ضد أحد العاملين بالمؤسسة أو الزائرين لها أو المعتقلين وكذا تعمد تعريضهم للمخاطر.
2. حيازة أو ترويج أدوات أو معدات التي تشكل خطر على أمن المؤسسة وبالنظام داخلها.
3. المساهمة في كل حركة جماعية من شأنها الإخلال بأمن المؤسسة وبالنظام داخلها.
4. حيازة أو تناول أو ترويج المخدرات أو المسكرات أو أي مادة من شأنها أن تحدث اضطرابا في سلوك المعتقل.
5. السرقة والاستحواذ على أشياء مملوكة للغير أو الحصول على تعهدات أو تنازلات وذلك بكل الوسائل
6. تعمد إحداث خسائر في بناية المؤسسة أو تجهيزاتها.
7. التهديد أو القذف أو السب الموجه للسلطات الإدارية والقضائية والموظفين أو الزوار أو المعتقلين.
8. حيازة أشياء غير مسموح بها بمقتضى القانون الداخلي وكذا ترويجها أو التعامل بها
9. القيام بأفعال من شأنها الإخلال بالحياء.
10. إحداث الضوضاء.
11. عدم المحافظة على نظافة المؤسسة.
12. عرقلة الأنشطة التي تمارس بالمؤسسة.
13. الهروب أو محاولته.
14. عدم احترام القانون الداخلي.
15. التحريض على القيام بأحد الأفعال المنصوص عليها أعلاه."
ولعل أول تسائل يثيره التحديد المذكور،يتعلق بالطابع الحصري أو التمثيلي للتعداد الوارد أعلاه ونعتقد،أن التقيد بمبدأ شرعية التدابير التأديبية يقتضي ورودها على سبيل الحصر،مع ما يرتبط بذلك من امتناع إضافة أفعال أخرى ضمن طائفة الأخطاء التأديبية .
إلا أن الملاحظ من خلال قراءة الأخطاء التأديبية الواردة أعلاه،أن المشرع قد تحايل على قاعدة التعداد الحصري، وذلك انطلاقا من عمومية الصياغة بالنسبة لبعض الأخطاء التأديبية، مما يفسح المجال أمام تصرف مدير المؤسسة السجنية في تكييف الأفعال المرتكبة،كما أن اعتبار "عدم احترام القانون الداخلي " خطأ تأديبيا يسير في نفس السياق،غير أنه من المنطقي أن يتضمن القانون الداخلي أو النظام الداخلي للمؤسسة السجنية أخطاء أخرى،غير المشار إليها،لأن النظام الداخلي ما هو إلا ترجمة للأحكام المنصوص عليها في الظهير المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسيرها وكذا في المرسوم التطبيقي له، فهو فرع عنها وبالتالي لا يجوز أن يتضمن ما يتعارض مع ما جاء فيها،ذلك أن النظام الداخلي يبين حقوق وواجبات المعتقلين، ونذكر هنا أن القانون رقم 98- 23المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية نص في المادة 8 على أن هناك أربعة أنواع من مؤسسات المخصصة لاستقبال المدانين هي :
1 السجون المركزية :التي تتولى بناء على المادة 9 إيواء المدانين المحكوم عليهم بعقوبات طويلة الأمد.
2 السجون الفلاحية :التي تعتبر بناء على المادة 10 مؤسسات ذات نظام شبه مفتوح لتنفيذ العقوبات وتخدق على مستوى كل جعة ،وتختص بالتكوين المعني في الميدان الفلاحي وتهييء بعض المدانين الدين اقترب الإفراج عنهم للعودة إلى الحياة العادية .
3 السجون المحلية ،تختص بناء على المادة 11 بتلقين المدانين ،تبعا لمؤهلاتهم ،تكوينا مهنيا ،قصد تأهيلهم للاندماج في الحياة العملية بعد الإفراج عنهم ـ
4 مراكز الإصلاح والتهذيب :بناء على المادة 12 تعد وحدات متخصصة في التكفل بالأحداث والأشخاص المدانين الدين لا تتعدى أعمارهم 20 سنة قصد إعادة إدماجهم في الوسط الاجتماعي
فهده المؤسسات حسب الفقرة السادسة من المادة 8 تتوفر على تنظيم اداري ونظام أمني داخلي ،يهدفان إلى تأمين وتطوير سبل إعادة إدماج المدانين في المجتمع .
خاصة ما يتعلق منها بمراعاة الانضباط وقواعد الاعتقال المطبقة داخل المؤسسة.وهي الأحكام التي يجب أن تنهى إلى علم المعتقل بمجرد إيداعه بالمؤسسة السجنية،وهو ما يستلزمه القانون المتعلق بهذه المؤسسة،الذي يقضي بوجوب إشعار كل معتقل عند إيداعه المؤسسة السجنية،بالمقتضيات الأساسية الواردة في هذا القانون وفي النصوص والضوابط الصادرة تطبيقا له،ويجب على الخصوص إخباره بحقوقه وواجباته...

المطلب الثاني: الجزاءات التأديبية

على غرار تعداد الأخطاء التأديبية، فقد حدد المشرع التدابير التأديبية الكفيلة بمواجهتها، وهكذا فقد نصت المادة 55 من ظهير 25 غشت 1999،على أنه "يمكن أن تصدر في حق المعتقلين التدابير التأديبية التالية:

1. الإنذار مع التسجيل في الملف الشخصي ،
2. المنع لمدة لا تتجاوز 45 يوما من الشراءات،ما عدا مواد وأدوات النظافة،وكدا من التوصل بمعونات من الخارج،أو بصفة عامة الحرمان من كل الامتيازات التي يمنحها هذا القانون والنصوص الصادرة تطبيقا له،
3. المنع لمدة لا تتجاوز 45 يوما من استعمال جهاز المذياع الشخصي أو التلفاز أو كل آلة تم الترخيص باستعمالها،
4. الحرمان لمدة أقصاها 3 أشهر من الدخول إلى قاعة الزيارة بدون فاصل،
5. الإلزام بالقيام بأعمال تنظيف محلات الاعتقال لمدة لا تتجاوز 7 أيام،
6. الإلزام بالقيام بإصلاح الخسائر التي أحدثها المعتقل،
7 .الوضع بزنزانة التأديب لمدة لا تتجاوز 45 يوما،وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 61،
لا يطبق تدبير الوضع بزنزانة التأديب على الأحداث.
لا يمكن فرض أية غرامة كتدبير تأديبي، غير أنه يمكن الأمر باقتطاع قيمة ما أحدث من خسائر من رصيد المعتقل لإصلاح الضرر طبقا للكيفية المحددة بالنظام الداخلي،
واضح من خلال التعداد للتدابير التأديبية،أنها تستهدف تحقيق إيلام من نوع خاص، عن طريق الزيادة في عناصر ومظاهر التقييد من الحرية المستلبة أصلا،حيث تكون ظروف اعتقال المخالف أكثر مشقة وأشد ألما من ظروف اعتقال باقي المحكوم عليهم.
ومما تجب الإشارة إليه هو أن المشرع استعمل مصطلح التدابير التأديبية عوض العقوبات التأديبية، كما كنا نصادف في الأنظمة الخصوصية الأخرى، وذلك إيحاءا من المشرع للوظيفة التي أضحى يقوم بها السجن،ألا وهي وظيفة التهذيب والتأهيل،وهذا إن دل إنما يدل على أن المشرع المغربي وجه اهتمامه البالغ إلى الجانب الإصلاحي والاجتماعي لمؤسسة السجون.
ذلك أن العدالة الجنائية لها وظيفة مزدوجة، من خلال الجمع بين الوظيفة الجزائية الردعية والدور الوقائي التأهيلي ،حتى يتأتى للمؤسسة السجنية تنفيذ الوظيفة التي من أجلها أحدث السجن،لا أن يكون هذا الأخير آلة لخلق أجساد طيعة على حد قول "ميشيل فوكو"في كتابه المراقبة والمعاقبة-ولادة السجن".
وعلاقة بالتدابير التأديبية المشار إليها، نجد التدبير المتعلق بالوضع في زنزانة التأديب كأقصى تدبير متخذ في حق السجين،يتنافى والوظيفة الحديثة للسجن،الشيء الذي يؤدي في حالة إذا ما تم توقيعها على المحكوم عليه أن تشكل "سجنا داخل السجن"على حد تعبير الأستاذ عبد العلي حفيظ،مما حدا بالمشرع المغربي إلى وضع شروط لها يجب توفرها لتطبيق هذا التدبير،
وهذا التدبير كان محل انتقاد الكثيرين نظرا لما فيه من مشقة و إرهاق للسجين، ولمساسه بالكرامة الإنسانية، وكذا بالنظر لطول المدة المقررة له وهي 45 يوما،مع ما يرتبط بها من منع الزيارة باستثناء زيارة المحامي .
واعتبارا لخطورة هذا التدبير،فقد قيده المشرع بعدة ضوابط،والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1. استثناء الأحداث من هذا التدبير(المادة 55 من الظهير)،وكان أولى بالمشرع أن يستثني المرأة الحامل أو المرضعة وكذا المرضى،كما انه يتم إخضاع هؤلاء لفحص طبي مسبق كما نصت على ذلك الفقرة الأولى من القاعدة 32 من مجموعة القواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء،التي جاء فيها على أنه "يجب ألا توقع عقوبة الحبس الانفرادي أو الحد من الغذاء إلا بعد فحص المسجون بمعرفة الطبيب وتقريره كتابة إمكان تحمله هذه العقوبة"
2. ضرورة فحص المعتقل الموضوع بزنزانة التأديب من طرف الطبيب بمجرد وضعه بها،أو في أقرب وقت ممكن،ويفحص في جميع الأحوال مرتين على الأقل في الأسبوع،(المادة 61 من الظهير).
3. وقف تدبير الوضع بزنزانة التأديب إذا ما لاحظ الطبيب أن استمراره سيعرض صحة المعتقل للخطر،والملاحظ أن المشرع عبر بمصطلح "الوقف"،مما يعني أن تدبير الوضع بالزنزانة يستأنف بعد زوال المانع وتحسن الوضع الصحي للمعتقل، وذلك عن المدة المتبقية بعد الوقف،غير أنه يلزم في اعتقادنا استشارة الطبيب بخصوص الحالة الصحية للمعتقل،قبل استئناف التدبير المذكور.
4. احتفاظ المعتقل ببعض ا لحقوق الأساسية،ومن ذلك:
 الحق في المراسلات العائلية،
 الحق في الاتصال بمحامي،
 الحق في فسحة انفرادية مدتها ساعة كل يوم (المادة61 من الظهير)
بالإضافة إلى حق المعتقل في المنازعة في التدبير المذكور .
5. عدم جواز النظام الغذائي للمعتقل الموضوع بزنزانة التأديب(م61 من الظهير)
6. منع استعمال وسائل الضغط كالأصفاد والقيود وقميص القوة في مواجهة المعتقل،إلا في حالات استثنائية(م64 من الظهير).
بهذه الضوابط يتضح موقف المشرع الرامي إلى حصر اللجوء إلى هذا التدبير التأديبي في نطاق ضيق جدا،إلا أن المدة المقررة لهدا التدبير طويلة نسبيا،يتعين التقليص منها حتى لا يتحول التدبير التأديبي إلى عقوبة تأديبية.
ولقد نص المشرع في المادة 32 من ظهير25 غشت1999 على أن وضع المعتقل في العزلة بسبب إجراء أمني أوصحي أو بناءا على طلب المعتقل شخصيا بناءا على أسباب مبررة،لا يعتبر بمتابة إجراء تأديبي.
وتجدر الإشارة إلى أن مدة الوضع في زنزانة التأديب،لا يمكن اعتبارها بمثابة عقوبة أو عقوبة إضافية،وبالتالي لا مجال للحديث عن إمكانية الضم،أو خصم مدة الوضع في زنزانة التأديب من مدة العقوبة الأصلية،ولايمكن أن يقضي السجين عقوبة تأديبية ،خارج مدة سجنه الأصلية .

المبحث الثاني : مسطرة توقيع التدبير التأديبي والمنازعة فيه


بعد استعراض مختلف الأخطاء التأديبية الموجبة لتوقيع التدبير التأديبي الواردة قي ظهير 25غشت 1999.سننطلق في هذا المبحث إلى مراحل إصدار التدبير التأديبي و المنازعة فيه. مع الإشارة إلى الضمانات التأديبية التي توفرها مسطرة تأديب السجين .
فتبتدئ المسطرة التأديبية بتحرير محضر المخالفة مباشرة، بعد ارتكابها من طرف موظف المؤسسة السجينة الذي عاين الحادث أو أخبر به . وبناء على هذا المحضر يقوم رئيس المعقل بإ نجاز تقرير يستمع فيه للمخالف و الشهود .ويتضمن هذا التقرير جميع العناصر المتعلقة بالا فعال المنسوبة إلى المعتقل مع معلومات حول شخصيته. ويقوم بعد ذلك مدير المؤسسة انطلاقا من التقرير المذكور، و إن اقتضى الحال بعد القيام ببحث إضافي، باتخاذ القرار الملائم بشأن تحريك متابعة تأديبية أو حفظ الملف إذا تبين له عدم تحقق عناصر الخطأ التأديبي"، و إذا قرار المتابعة فإنه يحيل الملف على اللجنة التأديبية التي تتولى دراسة الملف و تصدر قرارا تأديبيا بشأن المخالفة موضوع المتابعة.

المطلب الأول : تشكيلة لجنة التأديب و ضمانات المعتقل.


نصت المادة 53 من ظ 1999 على أن إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية تباشر من طرف لجنة تأديبية يترأسها مدير المؤسسة السجنية بحضور عضوان يعينهما المندوب العام لإدارة السجون على أن يختار أحدهما من الممارسين الفعليين بالمعقل و يكون للعضويين دور استشاري فقط. و من خلال ترأس مدير المؤسسة السجنية للجنة التأديب يمكن له أن يتخذ قرارا بوضع المعتقل احتياطيا في زنزانة العزلة وفق الشروط الآتية :
أن يكون هذا الإجراء هو الوسيلة الوحيدة لوضع حد للمخالفة أو للمحافظة على النظام داخل المؤسسة.
و أن لا تتعدى مدته 48 ساعة.
- أن لا يتعلق الأمر بمعتقل حدث .
و قد حرص المشرع المغربي في الظهير المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية على الاعتراف للمعتقل بنفس الضمانات تقريبا المقررة في قانون المسطرة الجنائية .
فأثناء انعقاد خلسة التأديب يتم الاستماع إلى المعتقل بخصوص الفعل المنسوب إليه كما يمكن لرئيس اللجنة الاستماع إلى أي شخص بصفته شاهدا إذا كان يرى في ذلك مصلحة للتوصل إلى الحقيقة سواء كان موظفي المؤسسة السجنية أو من المعتقلين الذين عاينوا الحادثة أو على علم بوقائعها ، و بعد أن تصبح القضية جاهزة يتم إصدار قرار تأديبي في حق المعتقل المخالف .
و عند مثول المعتقل أمام لجنة التأديب ، نصت المادة 51 من قانون 98-23 على انه من حق المعتقل أن يطالب بمؤزراته من طرف من يختاره و لذلك و يقدم توضيحاته شفويا أو كتابة ، و أن يستعين بترجمان أو أي شخص للتفاهم معه كما له الحق أن ينازع في القرار الصادر في حقه.
و نسجل هنا إغفال المشرع المغربي التنصيص على مسالة تبليغ استدعاء المثول أمام لجنة التأديب الذي أشار إليه المشرع الفرنسي من خلال مرسوم 2 ابريل 1996 و الذي أوجب تبليغ استدعاء للمعتقل و المتضمن عرض الأحداث و الوقائع على الأقل ثلاث ساعات قبل انعقاد المجلس التأديبي لإعداد دفاعه .
كما أن المشرع المغربي لم ينص صراحة على إمكانية المؤازرة بمحام ، و حق المعتقل في الإطلاع على الملف.
فبخصوص حق المؤازر بمحام فانه مادام النص – أي المادة 59 ورد على عمومه فان المؤازرة كما تحصل من شخص عادة كأحد السجناء يمكن أن يتولاها محام مقيد بأحد جداول هيئات المحامين ، أما بخصوص حق الإطلاع فإننا نتساءل هل يمكننا استنباطه من عبارة " و يقدم توضيحاته شخصيا شفويا أو كتابيا " الواردة في الفقرة الأولى من المادة 59.
هذا الغموض التشريعي و الإشكال الحاد المتعلق بوجود حق دفاع حقيقي يتمتع به المعتقل نجده أيضا في مرسوم 2 ابريل 1996 بمثابة قانون التأديب في المؤسسات السجنية الفرنسية الشيء الذي أثار انتقادات عديدة في الأوساط الحقوقية الفرنسية حول حقوق المعتقل خلال الجلسة التأديبية . تبلورت في شكل تقديم دعاوى كثيرة أمام القضاء الإداري ( الفرنسي) مبنية على خرق الفصل 6 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان – التي تنص على الحق في محاكمة عادلة – تضاربت بشأنها أحكام المحاكم الإدارية و لم يصدر بشأنها مجلس الدولة أي قرار .
إلا انه بعد صدور قانون حقوق المواطنين و علاقاتهم بالإدارة بتاريخ 12-4-2000 الذي ينص في المادة 24 منه على انه من حق كل شخص تقديم ملاحظات كتابية أو شفوية عندما يكون موضوع قرار فردي من طرف الإدارة كما من حقه أن يكون مؤازرا من طرف مستشار أو ممثل بوكيل من اختياره .
و قد تم تقديم طلب استشارة إلى مجلس الدولة الفرنسي من طرف وزير العدل و حقوق الإنسان حول تطبيق مقتضيات هذه المادة على جلسة التأديب في المؤسسة السجنية ، و قد كان رد المجلس ايجابيا بتاريخ 13-10-2000 .

المطلب الثاني : المنازعة في قرار التأديب


أما فيما يخص المنازعة في قرار التأديب و كضمانة للمعتقل في تجاه هذا القرار فان الفقرة الثالثة من المادة 59 ف . 1999.8.6 أوجبت ضرورة تحليل القرارات التأديبية مع التذكير في صلب لقرار على حق المعتقل في المنازعة فيه داخل اجل 5 أيام من تبليغه بالقرار أمام المندوب العام لإدارة السجون كما أن المشرع قيد لجنة التأديب بوجوب بتبليغ قرار التأديب إلى المعتقل خلال اجل خمسة أيام كذلك .
و لقد حدد المشرع المغربي وسيلتين بمقتضاهما يمكن المندوب العام لإدارة السجون النظر في شرعية أو قانونية القرار التأديبية و هما :
- أما بناء على طلب من المعتقل الصادر في حقه تدبير تأديبي
- أما تلقائيا حسب ما جاء في المادة 60 بعد توصل المندوب العام لإدارة السجون بتقرير مفصل عن الحادث الذي كان سببا في التأديب أو عند إشعاره من طرف مدير المؤسسة السجنية بالتدابير المتخذة حيث يمكن له أن يدرس من جديد التدبير التأديبي المتخذ أما لإيصاله أو تخفيضه أو إقراره.
و بخصوص البث في طلب المنازعة من طرف المندوب العام لإدارة السجون فان المشرع أوجب عليه الرد خلال شهر واحد مع تعليل القرار ، مع اعتبار عدم الجواب بمثابة رفض فق 5و6 من مادة 60 ظ 1999، و خوله المشرع أيضا صلاحية إبطال أو تخفيض أو إقرار القرار التأديبي .
و مما لاشك فيه إن القرارات التأديبية الصادرة سواء عن اللجنة التأديبية داخل المؤسسة السجنية أو المندوب العام لإدارة السجون تكتسي طابعا إداريا ، و تتخذ صفة القرار الإداري لكونها صادرة عن سلطة إدارة تندرج ضمن أشخاص القانون العام في حدود وظيفتها الإدارية المرتبطة تسيير مرفق عام و هو المؤسسة السجنية .
و بذلك فهي تخضع للرقابة القضائية عن طريق دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة و ذلك لوضع حد للآثار السلبية المترتبة عنها.
و لقد كان القضاء الإداري في السابق يدفع بعدم اختصاص للبث في القرارات الصادرة عن المندوب العام لإدارة السجون، بعلة أن القرارات المذكورة تعتبر إجراء من النظام الداخلي و ذلك في عدة قضايا تتعلق بطعون في قرارات الإدارة القاضية بالحرمان من المراسلة مع منظمة خيرية ، أو النقل من مؤسسة لأخرى ، لكن القضاء الإداري الفرنسي تحول عن هذا الاتجاه و قبل الطعن في القرارات التأديبية الصادرة عن المؤسسات العقابية باعتبارها قرارات تتعلق بتسيير المصالح الإدارية و خاصة في القرارات التأديبية المتعلقة بالوضع في زنزانة التأديب و ذلك بالنظر لطبيعة و خطورة هذا الإجراء وكذا الآثار المترتبة عنه و من أهم القرارات الصادرة في هذا الشأن الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية caen بوضع سجين argentan ــ بتاريخ 21 مارس 1995 و القاضي بإلغاء قرار المندوب العام الإدارة السجون في زنزانة التأديب لمدة 30 يوما . .
و بخصوص الوضع في القانون المغربي فان الطعن بالشطط في استعمال السلطة ضد القرارات التأديبية الصادرة عن اللجنة التأديبية داخل المؤسسة السجينة ، أو القرارات الصادرة عن مدير السجون يبقى امرأ مقبولا من الناحية القانونية تأسيسا على مقتضيات المادة 8 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية التي تنص على اختصاص المحاكم الإدارية بالبث ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطة الإدارية بسبب تجاوز السلطة ، كما يمكن للمنازعة أن تنصب على مناقشة شرعية القرارات المذكورة بناء على مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 8 المشار إليها أعلاه. و كذا المادة الأولى من القانون رقم 03.01 بشان إلزام الإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية بتعليل قراراتها .
غير أن مباشرة هذه الطعون لا تقبل إلا بعد استنفاد طريق التظلم أمام المندوب العام لإدارة السجون أو التزام هذا الأخير الصمت و ذلك تطبيقا لأحكام الفقرة الرابعة من المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية التي جاء فيها بأنه " إذا كان نظام من الأنظمة ينص على إجراء خاص في شان بعض الطعون الإدارية فان طلب الإلغاء القضائي لا يكون مقبولا إلا إذا رفع إلى المحكمة بعد استنفاد هذا الإجراء و داخل نفس الآجال المشار إليها ، والملاحظ أنه لا توجد في المغرب أحكام قضائية في هذا الشأن وذلك راجع لطول المسطرة المتعلقة بالتظلم وذلك ما يجعل السجين قد قضى عقوبته والتظلم ربما لم ينظر فيه بعد.و

كخلاصة القول فإن النظام التأديبي للسجناء وإن كان يحمل مجموعة من الضمانات من أجل تأديبه فإنه لا يرقى إلى مستوى المحاكمة العادلة والتي تضمن للسجناء كرامتهم وتعزز في نفوسهم الثقة بأنه بالفعل القصد من العقوبة السالبة للحرية التي يقضونها في السجن هي من أجل الإصلاح والتهذيب.


لائحة المراجع:


 محمد مفتاح البقالي:"مؤسسة السجون في المغرب"،دراسة تأصيلية شاملة لمؤسسة السجون في المغرب من الناحية التاريخية والقانونية والتشريعية والتنظيمية والإصلاحية والاجتماعية ـ الرباط ـ المغرب.
 حمد مفتاح البقالي:"مؤسسة السجون بالمغرب"،الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة،ومضاف إليها 1989 ،منشورات عكاظ.
 عبد العلي حفيظ:"صلاحية تطبيق قاضي العقوبات في القانون المغربي"،الطبعة الأولى ،المطبعة والوراقة الوطنية،زنقة أبو عبيدة ـالحي المحمدي،مراكش.
 هشام ملاطي ، مساهمة القاضي في حل أزمة السجون بالمغرب،تقديم الاستاد،محمد عبد النباوي،مدير إدارة السجون وإعادة الإدماج، الطبعة الأولى،2007.
 pierrett poncela . droit de la peine 2 eme ed 2001 .

سيتم إدراج النسخة الحاملة للهوامش لاحقا




الجمعة 16 نونبر 2012

تعليق جديد
Twitter