MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



البوادر الأولى للحركة الدستورية بالمغرب

     


عزالدين شملال

باحث في الدراسات الدستورية والسياسية جامعة وجدة



البوادر الأولى للحركة الدستورية بالمغرب
على الرغم من أن الحركة الدستورية قد نشطت في المغرب منذ مطلع القرن العشرين، إبان المرحلة العزيزية، وبالضبط من خلال ظهور أفكار و مذكرات دستورية ستمهد لميلاد مشروع دستور 1908 الذي نشر في جريدة " لسان المغرب " الصادرة من مدينة طنجة، في أربعة أعداد متتالية ، ثم بعد ذلك صدور دستور الجمهورية الريفية سنة 1921(المطلب الأول) ، فإن الحركة الوطنية المغربية بعد الاستقلال لم تتوجه بمطالبها العاجلة لتتطرق عمليا إلى معالجة المسألة الدستورية، بل اكتفت بمجرد الانتظار الذي تواصل لسنوات عديدة، بخلاف بقية دول المغرب الكبير، التي توجهت منذ حصولها على الاستقلال مباشرة إلى انتخاب جمعيات تأسيسية لوضع اللبنات الأولى لدساتيرها .

فبعد انسداد آفاق المجلس الوطني الاستشاري المعين من طرف المغفور له محمد الخامس تحت رئاسة المهدي بن بركة سيعرف المغرب خطوات ــ و إن كانت متعثرة ــ نحو إقامة أول دستور للمملكة سنة 1962 ، و هذه الخطوات يمكن إجمالها في : مجلس الدستور ، و العهد الملكي و القانون الأساسي للمملكة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الإرهاصات الأولية للتفكير الدستوري لمغرب ما قبل الاستقلال:

عرفت "الثورة الحفيظية"إلى جانب البيعة المشروطة عدة مذكرات دستورية بعضها رفع إلى السلطان و البعض الآخر ظل تداوله محدودا ، إلى أن تم نشره فيما بعد ، و أهم هذه المشاريع مشروع جريدة "لسان المغرب" الذي تم نشره على صفحاتها شهر أكتوبر و نونبر 1908 ، و مشروع الحاج علي زنيبر الذي عنونه ب "حفظ الاستقلال و لفظ سيطرة الاحتلال" ، و مشروع عبد الكريم مراد الطرابلسي (الفرع الأول) ، و بعد إحكام الاستعمار قبضته على المملكة الشريفة ، سيعرف مقاومة شديدة من طرف المجاهدين المغاربة في جبال الأطلس وفي شمال المغرب و جنوبه ، دون أن يضعف الجهاد إيمانهم بأولوية الإصلاحات السياسية و الدستورية ، و حسبنا في هذا المقام الإشارة إلى تجربة الثورة الريفية التي سعت لتحصين مشروعها الجهادي بإحداث مؤسسات دستورية تغيت توسيع دائرة المشاركة في عملية صنع القرار ، حيث تم وضع دستور للجمهورية الفتية و شكلت بموجبه حكومة يرأسها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي (الفرع الثاني) .

الفرع الأول: مشروع دستور 1908 و المذكرات التي مهدت له:


أثناء محاضرة عامة ألقيت بتاريخ 15 نوفمبر 1968 حول موضوع "حفريات عن الحركة الدستورية في المغرب قبل الحماية" قدم علال الفاسي سلسلة من النصوص الأصلية توصل إلى اكتشافها، ومن بين هذه المجموعة نصين يثيران الانتباه بالنسبة لغناهما بالمقارنة مع العصر الذي وضعا فيه ، و بسبب المجهود المبذول من طرف واضعيه، و هي مذكرة دستورية تنسب إلى شيخ سوري اسمه عبد الكريم مراد الطرابلسي كان قد استقر بفاس سنة 1906 و بعث بها إلى السلطان عبد العزيز ، ثم مشروع الحاج علي زنيبر السلاوي و في الأخير مشروع دستور 1908 .

1 ــ مشروع عبد الكريم مراد الطرابلسي :


يمكن تقسيم مذكرة عبد الكريم مراد إلى ثلاث مجالات أساسية :المجال الأول خاص بالتمثيل الوطني،والثاني يهم إصلاح الجيش، والثالث مخصص للتنظيم المالي للدولة .
"و تعارض المذكرة نتائج مؤتمر الجزيرة، و التدخل الأجنبي الذي نشا عنه في الشرطة و البنوك و غيرها حيث يقول صاحب المذكرة :
(ثم اطلعت على ما تم عليه مؤتمر الجزيرة من عمل البوليس و البنك و غيره، و أن عموم الرعية نافرة من هذا التدخل خوفا من رسوخ قدمي المباشرين من الضباط الفرنسيون و الاسبانيون إذا صفا لهم الوقت لأنهم بدعوى الاطلاع يلزمون الحكومة على الاستدانة، و سيؤول أمرهم على مراقبة واردات المخزن و متصرفاته)"
و يمكن اعتبار الجزء المخصص للتمثيل الوطني من أقوى ما جاءت به المذكرة، حيث يؤكد المؤلف على أن الوسيلة الأكثر فعالية من اجل مواجهة القوى الأجنبية هي التوفر على جمعية وطنية، و يحدد تكوينها و دورها في اثني عشر فصلا:

 التكوين : الجمعية الوطنية آو مجلس الأمة مجلس شوري يتكون من ممثلي القبائل مندوب عن كل قبيلة، منتخب لمدة خمس سنوات، و يتحدد عمرهم بين 30 و 60 سنة و يجب أن يعرفوا القراءة و الكتابة والحساب، كما يجب ان يكونوا فقهاء مقبولين .
 الوظيفة : يختص مجلس الأمة في النظر في سلامة المعاهدات المعقودة مع القوى الأجنبية، و في ميدان تحديد الأجور و رواتب الوزراء و العمال .
أما الاختصاص الأساسي للمجلس فيكمن في سلطة تحديد الضرائب .

و يبث في هذه القضايا بأغلبية الأعضاء، حيث أن قراراته ترفع إلى مجلس ثان يسمى المجلس الأعلى مكون من عشرين عضوا تحت رئاسة السلطان، غير أن العلاقات بين المجلسين تبدو غير موضحة من طرف واضع المذكرة الدستورية.
وفي الأخير و بالرغم من أن عبد الكريم غلاب اعتبرها أكثر من نص دستوري و مشروع
لإصلاح الأوضاع السياسية و القانونية و الدفاعية و المالية إلا أنها اعتبرت اقل نضجا من المشروع الذي قدم إلى مولاي عبد الحفيظ سنة 1908 لكونها لم تتحدث عن المبادئ الدستورية الأساسية، كحقوق المواطنين ــ إلا الحق في العمل و الضمان الاجتماعي ــ و لم تتحدث أيضا عن الملك و الدولة و الحكومة و اختصاصات كل سلطة إلا من خلال أعمال مجلس الأمة و تنفيذ القوانين .

2 ــ مذكرة الحاج علي زنيبر السلاوي :


جاءت مذكرة الحاج علي زنيبر تحت عنوان" حفظ الاستقلال و لفض السيطرة و الاحتلال"لا تذكر بصريح العبارة كلمة "دستور" و لكنها تقترح لائحة من الإصلاحات من اجل حماية استقلال البلاد المهدد، ليس فقط من جانب القوى الأجنبية و لكن كذلك من طرف" الاستبداد الذي هو احد أشكال الاحتلال" .
و تنص الوثيقة أساسا :

 على استعمال اللغة العربية في كل المؤسسات الحكومية .
 إصلاح الشرطة و توحيدها .
 مساواة الجميع أمام الضريبة .
 إنشاء بنك للدولة .
 التوظيف بحسب الاستحقاق و النزاهة .
 رفض الوصاية على الحكومة العزيزية من طرف الأجانب .
 إدخال الإصلاح في مصالح الحكومة، ليمكن تخصيص كل إدارة بما يليق بها و تكوين حكومة قادرة على دفع الطوارئ و جلب المنافع ووقاية و ردع كل من يريده بسوء .

3 ــ مشروع دستور 1908:


الحدث الدستوري الثالث الذي عرفه المغرب قبل الحماية يتمثل في مشروع دستور 1908 الذي طالب من خلاله واضعوه بتأسيس ملكية دستورية بواسطة دستور يمنحه الملك إلى شعبه و إقامة مؤسسات تمثيلية إلى جانبه .
و يرى عبد الكريم غلاب أن الجماعة الوطنية هي التي كانت وراء مشروع الدستور، وكانت تتخفى خلف فرج الله نمور مدير جريدة لسان المغرب و هو لبناني يقطن المغرب.
يحتوي المشروع على 93 فصلا و 11 بابا، و له ملحقات تشمل القانون الداخلي لمنتدى الشورى إضافة إلى قانون الانتخاب و القانون الجنائي .
كما أن مشروع الدستور ركز على ثلاث موضوعات رئيسية :

1. المميزات العامة للدولة و خصائصها .
2. حقوق المواطنين و واجباتهم .
3. تنظيم الدولة و مؤسساتها .

و هكذا نجد الدستور في باب الدولة و الدين يقر بان دين الدولة الشريفة هو الإسلام و أن مذهبها الشرعي هو المذهب المالكي، و أن العاصمة هي مدينة فاس، كما يحترم الديانات الأخرى و يقر لمعتنقيها حق أداء شعائرهم بكل حرية في دائرة مراعاة الآداب العمومية .
أما فيما يخص بمؤسسات الدولة الرئيسية فان الدستور يشير إلى :

1. المؤسسة الملكية : لقد أولى الدستور مكانة متميزة لهذه المؤسسة حيث يعتبر السلطان أمير المؤمنين وحامي حوزة الدين، كما أنه المسؤول الأول عن ضمان حماية أبناء هذه الدولة باعتباره وارث البركة الكريمة.

وباستقراء للمادة 11 من نفس المشروع يتضح أن للسلطان مهاما متعددة، فباسمه تسك النقود وتخطب الخطب، كما أن له دورا حاسما في الدفاع عن حوزة الدولة الشريفة لذلك أسندت له مهمة قيادة الجيوش الكبرى وإشهار الحرب وعقد الصلح وإبرام المعاهدات مع الدول، كما أن له الحق في تعيين موظفي الدولة سواء كانوا كبارا أو صغارا مثلما له الحق في عزلهم بمنحهم "النياشين"، وفي مقابل ذلك نجد السلطان غير مسؤول سواء على صعيد السياسة الداخلية أو على صعيد تدبيره للسياسة الخارجية.

2. مؤسسة الحكومة : لقد أخضع أصحاب مشروع دستور 1908 الحكومة إلى مراقبة مزدوجة، فمن جهة تخضع الحكومة إلى السلطان، ومن جهة أخرى يراقبها منتدى الشورى باعتباره هيئة تشريعية. والملاحظ على الهيكلة التنظيمية للحكومة كونها تتسم بعدم التعقيد، فالسلطان هو الذي يعين الوزير الأكبر ليفسح المجال لهذا الأخير قصد اختيار خمسة وزراء يتم عرض أسمائهم على منتدى الشورى ليدلوا برأيهم اتجاه تشكيلة الحكومة، فإذا ما أقروا انتخاب الوزراء الخمسة عرضوا رأيهم على السلطان ليصادق على تعيينهم.

3. مؤسسة البرلمان : و تتكون من مجلسين مجلس الأمة و مجلس الشرفاء:
ــ مجلس الأمة : و يتشكل من مندوب عن كل 20000 من السكان و يجب أن تتوفر فيهم بعض الشروط كما يحددها الفصل 44 من الدستور كالتمكن من القراءة و الكتابة، و أن يتجاوز عمره 28سنة و ان لا يكون قد حكم عليه سابقا بالإفلاس أو بالحبس بسبب السرقة أو القتل أو أي جنحة جنائية، و أن يتحلى بحسن السلوك و الاحترام .

و الانتخابات تجري كل أربع سنوات مع اعتبار النيابة وطنية حسب الفصل 41 الذي جاء فيه أن كل عضو من أعضاء منتدى الشورى يعتبر نائبا عن الأمة جميعا و ليس عن القوم الذي انتخبوه فقط .
ــ مجلس الشرفاء : و يتكون من 25 عضو، يختار منهم السلطان الرئيس و ستة أعضاء و ينتخب مجلس الأمة مع هيئة الوزراء و جماعة العلماء بقية الأعضاء أي ثمانية عشر عضوا، و لابد أن يكون عضو مجلس الشرفاء بالغا الخامسة و الأربعين من عمره، و عضويته مدى حياته إلا إذا خرج برضاه أو لعذر الطعن في السن .
و منتدى الشورى جلساته سرية لا يحضرها إلا السلطان و الوزراء و خلفائهم و قاضي القضاة و كل من له إذن خاص من السلطان، أما النصوص القانونية فيتم التداول فيها أمام مجلس الأمة أولا ثم مجلس الشرفاء الذي يبقي له حق رفضها و إرجاعها إلى مجلس الأمة للتداول مرة ثانية إذا لاحظ أنها تخالف مقتضيات الدين أو تمس باستقلال السلطنة، او تضر بمصالح السلطان أو تجحف بحقوق الأمة أو تخالف الدستور آو للآداب العامة .
و رغم الغموض الذي شاب الكثير من نصوص هذا المشروع إلا انه يعد ثورة جديدة في الرؤيا إلى علاقة الحاكمين بالشعب التي كانت تحكمها نظرة تقليدية تقوم على تفويض السلطة السياسية بدون إحداث تقنيات للمراقبة أو المشاركة، فالمشروع جاء في تحريره كامل البنيات، متوازنا في اختياراته، واضحا في نزوعه إلى إقامة دولة عصرية مفتوحة على الخارج، و محتفظة في نفس الوقت بأصالتها و مؤسساتها التقليدية .
و أخيرا فان موقف السلطان عبد الحفيظ من مشروع الدستور يندرج في إطار موقفه الرافض للبيعة المشروطة، حيث وضع حدا لهذا المد الدستوري و اقبره في المهد.
غير أن المسالة الدستورية ستعرف أبعادا أخرى باستقرار الحماية في المغرب على اثر اتفاقية 30 مارس 1912، و منذ تلك الفترة فان العالم القروي سيأخذ المبادرة إلى حدود الثلاثينات من خلال التجربة الدستورية الريفية .

الفرع الثاني: التجربة الدستورية الريفية:


لقد بعثت الانتصارات التي حققتها حرب التحرير الريفية الأمل في النفوس في إمكانية الاستقلال و الحرية،و شكلت حافزا قويا لإعادة تنظيم الدولة على أساس دستوري، و بذلك سيتم عقد أول لقاء للجمعية الوطنية المشكل من ممثلي القبائل و المشايخ و القواد، و كانت هذه الجمعية تمثل إرادة الشعب و تتولى تنظيم الكفاح و إدارة البلاد و ذلك رغبة في إقامة نظام دستوري لقيادة حكومة المقاومة.
و أول قرار اتخذته الجمعية الوطنية في أول اجتماع لها في خريف سنة 1921 هو إعلان استقلال الوطن و تأسيس جمهورية يرأسها محمد بن عبد الكريم الخطابي باعتباره قائد حرب التحرير، ثم عقدت بعد ذلك عدة اجتماعات صادقت من خلالها على دستور البلاد الذي يستند على مبدأ سيادة الشعب، غير انه لم يراعي التقاليد الدستورية حيث لم يفصل بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، بل وضع السلطتين معا في يد الجمعية الوطنية و جعل رئيسها هو رئيس الجمهورية في نفس الوقت، و جعل كل عضو من أعضاء الجمعية ملزما بتنفيذ المقررات التي تقرها الجمعية .
كما نص دستور الجمهورية على تشكيل حكومة تضم أربعة مناصب، أما باقي المناصب الأخرى فهي من اختصاص رئيس الجمهورية، و يعتبر أعضاء الحكومة مسؤولين أمام رئيس الجمهورية و هو وحده المسؤول أمام الجمعية الوطنية .
أما السلطة القضائية فلم تمارس من طرف الجمعية الوطنية، حيث تم إلغاء العمل بالنظام القبلي لتسوية المنازعات و إنشاء نظام قضائي بتطبيق الشرع .
و كانت الحكومة الريفية الوحيدة تتكون كالتالي :

الرئيس : محمد بن عبد الكريم الخطابي
نائب الرئيس : امحمد الخطابي
وزير الخارجية و البحرية : محمد ازرقان
وزير الحرب : عبد السلام بن الحاج محمد البوعياشي
وزير الاقتصاد : عبد السلام الخطابي
وزير الداخلية : اليزيد بن الحاج حمو
وزير العدل : بن علي بولحية
وزير الأحباس : احمد اكرود
السكرتارية : عبد الهادي بن محمد و محمد البوفرامي
ديوان الصحافة : حنان بن عبد العزيز و عبد القادر الفاسي
السفير في لندن : عبد الكريم بن الحاج
السفير في باريس : حدو بن حمو

كما وضعت الجمعية الوطنية ميثاقا قوميا للجمهوريين من مواده:

1. عدم الاعتراف بأية معاهدة لها مساس بحقوق البلاد و خاصة معاهدة الحماية .
2. جلاء الأسبان من المنطقة الريفية التي لم تكن في حوزتهم قبل معاهدة الحماية.
3. الاعتراف بالاستقلال التام للدولة الريفية.
4. مطالبة اسبانيا بان تدفع تعويضات عن خسائر الحرب .
5. إنشاء علاقات ودية مع كافة الدول دون تمييز، وعقد اتفاقيات تجارية معها .

و على سبيل الختم بالنسبة لهذا المطلب فان رواد الحركة الوطنية لا يعتبرون هذا الدستور مرجعا أساسيا في التجربة الدستورية المغربية في كتاباتهم الصحفية، بل يلجئون إلى التركيز على الحركة الدستورية لبداية القرن ، و ربما يرجع ذلك إلى كون مشروع دستور الجمهورية الريفية، و الذي يحتوي على أربعين فصلا، و الذي كان ضمن أرشيفات ووثائق مخزونة في مدرسة أجدير قد دمر مع الباقي أثناء الحريق الإجرامي الذي قام به جيش الاحتلال .

سيتم إدراج النسخة الحاملة للهوامش لاحقا




الاربعاء 24 أكتوبر 2012

تعليق جديد
Twitter