MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الاحباس المعقبة : الخصوصيات و الاشكالات - الجزء الثاني

     



الاحباس المعقبة : الخصوصيات و الاشكالات - الجزء الثاني


عبد الصمد التامري

باحث جامعي كلية الحقوق وجدة



الجزء الثاني : تصفية الأحباس المعقبة

إن سوء استغلال الأعيان المحبسة، قد يؤدي إلى الخروج بها عن المسار والهدف الذي قصده المحبس، الشيء الذي يؤدي إلى جعلها معيقا للاستثمار والتنمية، إما بسبب تعدد الأعقاب وتشتتهم وإما بسبب النزاعات التي قد تنشأ بينهم.[1]

ووعيا من المشرع بخطورة الوضع الذي قد تؤول إليه وضعية الأحباس المعقبة بسبب ما ذكر، فقد تدخل لوضع مسطرة دقيقة من أجل تصفية هذه الأحباس وإعادتها من جديد إلى الدورة الاقتصادية عن طريق وضعها في التداول من جديد وجعلها رافعة للاستثمار والتنمية.

وتمر عملية التصفية بمرحلة إدارية ( المطلب الأول) إلا أن هذه المرحلة قد تتخللها بعض النزاعات، الأمر الذي يؤدي إلى الدخول في المرحلة القضائية (المطلب الثاني).

المطلب الأول : المرحلة الإدارية لتصفية الحبس المعقب

تعتبر وزارة الأوقاف صاحبة الولاية العامة على الأوقاف سواء العامة أو الخاصة، وذلك من خلال إشرافها المباشر عليها، كما تبرز هذه الولاية بشكل أكثر وضوحا خلال مسطرة التصفية حيث تلعب فيها دورا مهما وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن الإجراءات المسطرية للتصفية في الفقرة الثانية على أن نتناول موقف الفقه والتشريع من ذلك في الفقرة الأولى.

الفقرة الأولى : موقف الفقه والتشريع من تصفية الحبس المعقب

لم يحظ موضوع تصفية الأحباس المعقبة بإجماع فقهي حوله، فقد تضاربت آراء الفقهاء بخصوصه، وهو ما يظهر من خلال ردود المجالس العلمية الجهوية ورابطة علماء المغرب على الأسئلة الموجهة لها من طرف وزارة الأوقاف بخصوص جواز تصفية الحبس المعقب من عدمه.

فبينما يجيزه البعض[2] نجد البعض الآخر بمنعه مطلقا[3]، وإن كان الهدف في كلتا الحالتين ومن منظورين متباينين هو حماية ورعاية مصالح المحبس عليهم[4].

وعلى خلاف المشرع المصري الذي منع الوقف المعقب مطلقا حاضره ومستقبله، فإن المشرع المغربي قد سلك مسلكا مختلفا وذلك بإبقائه على القائم منه وعدم منعه للمستقبل مع إجازته للتصفية إذا ظهر من الأسباب ما يبرر ذلك آخذا في ذلك بفتوى علماء المجلس العلمي الجهوي بفاس.

وقد أصدر المشرع المغربي في شأن تصفية الأحباس المعقبة ظهير 8 أكتوبر 1977 [5]، الذي وضع مسطرة خاصة لتصفية هذه الأحباس دون تحديد الحالات التي تجوز فيها تصفيتها، وهو الفراغ الذي حاول مشروع مدونة الأوقاف تفاديه من خلال المادة 229 منه التي تنص على ما يلي :" تصفى الأحباس المعقبة الحصة المخصصة للعقب في الأحباس المشتركة في الأحوال الآتية :

- إذا انقطع نفع المال الموقوف أو قل نفعه إلى حد كبير

- إذا أصبح المال الموقوف في حالة يتعذر معها الانتفاع به

- إذا صار فائده لا يغطي نفقاته والواجبات المفروضة عليه

- إذا كثر المستفيدون وقل مناب كل واحد منهم "

وإذا كان المشرع من خلال الظهير المذكور قد خول للسلطة الوصية على الأوقاف الحق في اتخاذ المبادرة بالتصفية فإنه قد قيدها بشرط توفر المصلحة العامة أو الخاصة للمحبس عليهم وهو ما كرسه القضاء إذ جاء في أحد أحكام ابتدائية الرباط ما يلي : " إن الحبس المعقب يمكن تصفيته بمبادرة من السلطة المكلفة بشؤون الأوقاف إذا تبين لها أن المصلحة العامة أو مصلحة المستفيدين تستوجب ذلك...." [6]

وتتمثل المصلحة الخاصة للمحبس عليهم في الحالة التي ينقطع فيها نفع المال الموقوف أو يقل إلى حد كبير أو إذا أصبح في حالة يتعذر معها الاستفادة منه أو إذا صارت فوائده لا تغطي مصاريفه، أو كثر المستفيدون وقل مناب كل واحد منهم وظهرت الخلافات بينهم...

أما المصلحة العامة فقد تتمثل في إنشاء مدرسة أو طريق أو مستشفى... وفي هذه الحالة فلا ينظر إلى وضعية العقار وما آل إليه من خراب، إذ الفاصل هو المصلحة العامة وهذه الأخيرة فوق كل اعتبار، ويطرح التساؤل بخصوص هذه النقطة عن عدم لجوء الجهة المستفيدة من تحقق المصلحة العامة إلى مسطرة نزع الملكية ما دامت تؤدي نفس الهدف، ودون الدخول في متاهات المطالبات القضائية بخصوص توفر المصلحة من عدمه، والجواب في رأينا المتواضع هو كون الوزارة تفضل مسطرة التصفية لأنها ستستفيد من حصة الثلث عكس ما يكون عليه الأمر في حالة سلوك مسطرة نزع الملكية.

إلا أن الإشكال الذي يطرح بخصوص هذه النقطة هو كيفية علم السلطة الوصية بهذه الحالات، فما دامت تعتمد على فكرة أن النزاع بين الأعقاب هو الذي يعرفها بمشاكل الحبس المعقب فإن الأمر يبقى مثار جدل، مما يتطلب جردا دقيقا للأحباس المعقبة وتكثيف المراقبة الميدانية بخصوصها.[7]

كما تجدر الإشارة إلى أن تقدير المصلحة العامة أو الخاصة يخضع لرقابة القضاء وهو ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته الذي جاء فيه : " المصلحة العامة التي تبرر تصفية الحبس من طرف وزارة الأحباس يجب أن تكون قائمة وواضحة ومحددة حتى يمكن للمجلس الأعلى بسط رقابة المشروعية [8] ".

الفقرة الثانية : الإجراءات المسطرية لتصفية الحبس المعقب

أما عن الطريقة التي تتم بها تصفية الحبس المعقب، فقد نص الفصل 3 من ظهير 8 أكتوبر 1977 على أن تصفية الحبس المعقب أو المشترك تتم بمبادرة من السلطة المكلفة بشؤون الأوقاف، كما يمكن أن يتم ذلك بطلب المستفيدين من الحبس، وتشرف على هذه العملية عدة أجهزة إدارية.

فبعد تقديم طلب من طرف طالب التصفية، يقوم ناظر الأوقاف بالتأكد من توفر الشروط المطلوبة للتصفية وإلا تم رفض الطلب عند هذا المستوى، فإذا جاء مستوفيا لكافة الشروط فإنه يتم فتح ملف خاص بذلك تحت مسمى " تصفية حبس فلان بن فلان "، كما يجب أن يتضمن هذا الملف مجموعة من الوثائق[9] التي تفيد في ضبط وضعية الحبس المادية والقانونية، وتلعب السلطة المحلية دورا مهما في هذه المرحلة إذ تساعد الناظر على القيام بمختلف الأبحاث والتحريات اللازمة لإعداد ملف متكامل عن وضعية الحبس وطريقة استغلاله.

إلا أنه يعاب على المشرع إغفاله ضمن البيانات والوثائق المطلوبة لشهادة من المحافظة العقارية التي تبين الحالة المادية للعقار والحقوق العينية المترتبة عليه، إذا تعلق الأمر بعقار محفظ.

وتلي هذه المرحلة إحالة الملف بجميع عناصره إلى الوزارة المكلفة بالأحباس في شخص وزيرها، وتعتبر هذه الإحالة بقصد الإطلاع فقط، إذ يقوم هذا الأخير بدوره، بإحالة الملف على لجنة التصفية التي تقرر تصفية الوقف من عدمه.

وقد حدد مرسوم 18 أبريل 1979 تشكيلة هذه اللجنة وطريقة عملها إذ تتألف طبقا للفصل الأول من المرسوم من :

§ وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أو من يمثله بصفته رئيسا.

§ ممثل عن وزير الداخلية

§ ممثل عن وزير العدل

§ ممثل عن وزير المالية

§ ممثل عن وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي

§ ممثل عن وزير السكنى وإعداد التراب الوطني

إلا أن ما يلاحظ على تشكيلة هذه اللجنة هو التوسع الكبير في اختيار أعضائها مما يؤدي إلى عدم التنسيق بالإضافة إلى غياب ممثل عن المحافظة العقارية وهو ما حاول مشروع مدونة الأوقاف تفاديه بإدخال محافظ عقاري ممتاز في تشكيلة اللجنة وذلك من خلال المادة 233 منه[10]، وإذا تعلق الأمر بقاصر فيضاف إلى تشكيلة اللجنة قاض مكلف بشؤون القاصرين.

وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها بدعوة من رئيسها مرة كل ثلاثة أشهر ويشترط لصحة مداولاتها حضور جميع الأعضاء.

وتقوم لجنة التصفية بعقد لقاءاتها إما بمقر الوزارة أو بمقر إحدى النظارات، وتقرر في الأخير الطريقة التي تراها ملائمة للتصفية، وذلك إما بالقسمة البتية إذا كان الحبس قابلا لها، وإما بالبيع بالمزاد العلني وتقسيم الثمن بين المستفيدين كل بحسب منابه، وذلك تطبيقا للفصلين 4 و6 من مرسوم 18 أبريل 1979.

ومتى صدر مقرر التصفية ونفذ يصبح الموقوف ملكا يقسم ثلثاه بين المستحقين لهما إن تقررت القسمة البتية أما إذا بيع بالمزاد العلني فإنه يشطب من سجلات الأحباس ويصبح ملكا خاصا يخضع لما يخضع له غيره من القواعد (بيع، رهن، كراء...) ويقسم الثمن بين المستفيدين.

إلا أن التساؤل الذي يطرح هو مدى إمكانية الطعن في مقرر لجنة التصفية؟ فرغم عدم تحديد طبيعة هذا المقرر فإنه لا يوجد ما يمنع من الطعن فيه أمام المحاكم الإدارية، وهوما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته[11].



المطلب الثاني : المرحلة القضائية للتصفية

تعتبر تصفية الأحباس المعقبة مسطرة إدارية بامتياز، إلا أن مجموعة من المشاكل والنزاعات قد تثار أثناءهما، كما أن مقرر التصفية قد يكون معرضا للطعن بالإلغاء وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتدخل القضاء للبت في هذه النزاعات (الفقرة الأولى) حتى ينتج هذا المقرر آثاره في مواجهة الأطراف والغير (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : دور القضاء في مسطرة التصفية

الأصل أن تتم عملية التصفية بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية، إلا أنه قد يحدث أن تنشب نزاعات ومشاكل أثناء القيام بهذه العملية، الأمر الذي يستدعي تدخل القضاء للبت فيها، بالرغم من أن المشرع المغربي لم يعط للقضاء أية صلاحية فيما يخص عملية تصفية الوقف المعقب، وهو ما أكده القضاء نفسه إذ جاء في حكم لابتدائية الرباط ما يلي: "إنه بإحداث لجنة خاصة يترأسها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مكلفة بتصفية الحبس المعقب... يكون المشرع قد انتزع من القضاء الاختصاص المتعلق بتصفية الحبس المعقب وأسنده للجنة المذكورة، مما يتعين معه التصريح بعدم الاختصاص[12] ".

وعليه، فإنه إذا لم يتم التوافق بين الأطراف أثناء عملية التصفية فإن الأمر يحال على المحكمة التي تعمل على استدعاء الأطراف ودعوتهم إلى التصالح قبل أن تعمد إلى البت في القضية بموجب حكم ابتدائي قابل للاستئناف.

وتختلف القضايا المعروضة على المحاكم في هذا الصدد[13]، بتعدد واختلاف الأطراف، فقد يكون النزاع قائما بين المستفيدين أنفسهم، أو بينهم وبين المحرومين، وقد تثار بين السلطة المكلفة بالأوقاف والمستفيدين في إطار توفر المصلحة العامة أو الخاصة من عدمه...

وتجدر الإشارة هنا إلى أن القضاء لا يعمد إلى إصدار حكم بالتصفية وإنما يكتفي بالبت في حدود طلبات الأطراف وذلك بالفصل في النزاع عن طريق تقدير وجود المصلحة من عدمه أما إصدار مقرر التصفية فإنه يظل من صلاحيات اللجنة، فهذه العملية وعلى غرار مسطرة التحفيظ العقاري تبدأ إدارية وتنتهي إدارية، بالرغم من إمكانية أن تتخللها مرحلة قضائية.

كما أنه، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، قد تتاح للقضاء الإداري الفرصة للتدخل في هذه المسطرة، من خلال الطعون الموجهة ضد مقررات التصفية الصادرة عن اللجنة المختصة بذلك.

الفقرة الثانية : الآثار المترتبة عن التصفية

ويترتب على تصفية الوقف المعقب، إلى جانب إخراجه من دائرة الأحباس وصيرورته في حكم الملك الخاص، استفادة وزارة الأوقاف من ثلثه وتقسيم الثلثين الباقيين بين المستفيدين من قرار التصفية، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 5 من ظهير 8 أكتوبر 1977 بقولها : " تستحق الأوقاف العامة من كل حبس معقب أو مشترك تقررت تصفيته نسبة الثلث ".

وتجد هذه النسبة سندها في فتوى علماء المجلس العلمي لفاس وهو ما استحسنه بعض الباحثين[14]، على اعتبار أن استفادة وزارة الأوقاف باعتبارها مرجعا دينيا أو خيريا عاما من نسبة الثلث فيه تحقيق لقصد المحبس الذي يقصد بعمله الحصول على الأجر والثواب، في حين اعتبره البعض[15] أكلا لأموال الناس بالباطل، وبالتالي فلا حق للوزارة في الاستفادة من هذه النسبة المرتفعة مستندا إلى قوله تعالى: ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (.

ونحن بدورنا نميل إلى الرأي الثاني على اعتبار أن غالبية المعنيين بالأحباس المعقبة غالبا ما يكونون من المعوزين والمحتاجين.

ويستثنى من هذه القاعدة الحالتين التين نص عليهما الفصل 5 من ظهير 1977 الذي جاء فيه: << غير أنه إذا تعلق الأمر بدار يسكنها المحبس عليهم ولا يملكون غيرها أو بأرض فلاحية لا تتجاوز مساحتها عشرة هكتارات وكانت هي المورد الوحيد الذي يتعيش منه المحبس عليهم، فلا ينوب الأوقاف العامة في هاتين الحالتين أي حصة >>

وقد يحدث أن تستفيذ الأوقاف العامة من كامل الحصة في حالة عدم وجود مستحقين لها.

أما بخصوص الثلثين المتبقيين فإن الفصل 6 من ظهير التصفية قد نص على كيفية اقتسماها على الشكل التالي:

ü إذا كان الورثة على قيد الحياة سواء كانوا مستفيدين أم لا فإن الثلثان يقسمان عليهم ذكورا وإناثا طبق الفريضة.

ü إذا انقرض الورثة فيقسم الثلثان على المستفيدين كل بحسب منابه الوارد في وثيقة التحبيس.

ü يلغى الحجب إن وجد ويستحق المحجوبون نصيب آبائهم في القسمة.

فالملاحظ إذا هو تطبيق قواعد الإرث عند تقسيم عائد التصفية، إلا أننا نتساءل عن عدم تطبيق هذه القواعد أثناء إنشاء الحبس أو استغلاله، فالظاهر أن مصلحة إدارة الأحباس هي المتحكمة في هذه القواعد برمتها.

ونعتقد أن إقصاء المستفيدين من الحبس من الإستفادة من عملية التصفية في حالة وجود الورثة، فيه إجحاف بحقهم وخروج عن إرادة المحبس، فحبذا لو تدخل المشرع وحدد لهم نصيبا معينا يستفيدون منه في حالة التصفية.

وتجدر الإشارة في الختام إلى بعض الإشكالات التي يثيرها مقرر التصفية في الحالة التي يكون فيها العقار في طور التحفيظ، وتقدم بشأنه تعرضات من طرف بعض المستفيدين من التصفية مما قد يعيد العقار إلى الوضعية المشاعة التي كان عليها فقانون التحفيظ قد يفرغ قانون التصفية من محتواه في بعض الأحيان، الأمر الذي يستدعي منع المستفيدين من التصفية من تقديم تعرضات في مواجهة بعضهم البعض.[16]

كما أن إشكالية عدم تحيين الرسوم العقارية التي يعاني منها نظام السجلات العقارية قد تعرقل عملية التصفية وذلك بالنسبة للمقررات التي تنطلق من الوضعية المادية للعقار دون الآخذ بعين الاعتبار واقع الرسم العقاري،[17] الأمر الذي يفرض التنسيق بين لجنة التصفية ومصالح المحافظة العقارية، وهو ما تداركه مشروع مدونة الأوقاف بإشراك محافظ عقاري ممتاز في أعمال اللجنة.







خاتمة



من خلال ما تقدم يتبين أن موضوع الأحباس المعقبة من المواضيع الشائكة التي أسالت مدادا كثيرا ولم تجمع آراء الفقهاء ولا التشريعات على موقف موحد بشأنها نظرا لما تثيره من الإشكالات خصوصا على مستوى كيفيات وطرق الاستغلال فإذا كان المحبس يرمي من وراء عمله حماية أعقابه وضمان مستوى عيش لائق بهم فإن رغبته هذه قد تصطدم بمجموعة من العراقيل أهمها تحول الوقف المعقب مع مرور الزمن إلى مصدر للتواكل والتقاعس عن العمل ومنه شيوع البطالة وتجميد وعاء العقار المحبس وإخراجه من دائرة التعامل والإنتاج ضدا على التننمية، مما جلب عليه سهام النقد والدعوة إلى الإلغاء[18].

إلا أن اللجوء إلى إلغاء الحبس المعقب لا يعد حلا في نظرنا، بل لابد من وضع قواعد محكمة تحد من الاستخدام السيء له وهو ما تنبه له المشرع المغربي، فلم يبادر خلاف بعض التشريعات المقارنة إلى إلغائه، وقام بوضع مسطرة خاصة لتصفيته.

فإذا كانت التصفية مستندة إلى مجموعة من المبررات فإن الهدف دائما، ومن زاوية نظر مختلفة هو مراعاة مصلحة إدارة الأحباس، فلا مصلحة لهذه الأخيرة في منع قيام الوقف المعقب إذا كان سيؤول إليها في الأخير، إذا كان عدد الطبقات محدودا، كما انها ستستفيد في أسوأ الأحوال من نسبة الثلث عند التصفية.

كما يلاحظ من جهة أخرى أن المشرع قد أقام نوعا من التمييز بين الأحباس العامة والأحباس الخاصة فأعفى الأولى من جميع الرسوم والضرائب على خلاف الثانية.... وهو ما يمكن اعتباره عدم مبالاة بالأحباس المعقبة، كما يكرس هيمنة هذه الإدارة على هذا النوع من الوقف من خلال إقرار مجموعة من النصوص التي تصب في هذا الاتجاه.

وعليه فإن الحاجة تبدو ملحة إلى الإسراع في إخراج مدونة الأوقاف إلى حيز الوجود، لما يمكن أن تحققه من توازن بين رغبة المحبس في تجنيب أعقابه الفاقة وضمان الاستغلال الجيد للوعاء العقاري المتوفر باعتباره موردا لا يتجدد.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش


[1] أستاذنا محمد بونبات، تصفية الوقف المعقب على العقار في ضوء الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية، ندوة الأملاك الحبسية، مراكش 10، 11 فبراير 2006، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش ص 60.

[2] فقهاء المجلس العلمي بفاس.

[3] فقهاء رابطة علماء المغرب والمجالس العلمية لمكناس، مراكش، تارودانت وتطوان.

[4] راجع بخصوص أسئلة الوزارة وأجوبة العلماء، رشيد العمراني م س ، الملحق.

[5] ظهير شريف رقم 83-77-1 الصادر في 8 أكتوبر 1977، الجريدة الرسمية عدد 3388 مكرر بتاريخ 10 أكتوبر 1977 ص 2854 بشأن الأحباس المعقبة والمشتركة.

[6] حكم رقم 105 في الملف عدد 153/93 بتاريخ 30/3/1994، منشور بمجلة رسالة المحاماة عدد 11/12/ ص305.

[7] عبد الرزاق حباني، م س، ص 139.

[8] قرار عدد 561 ملف إداري عدد 10068/94 بتاريخ 21/12/1995.

[9] الفصل 9 من مرسوم رقم 150-79-2 المحددة بموجبه كيفية تشكيل اللجنة المكلفة بتصفية الأوقاف المعقبة والمشتركة ومسطرة عملها الصادر بتاريخ 18 أبريل 1979. ج ر عدد 3468 بتاريخ 18 أبريل 1979.

[10] المادة 233 من ةمشروع مدونة الأوقاف : " يعهد بإجراء التصفية إلى لجنة تتركب من

1- ............

5 - محافظ عقاري من الدرجة الممتازة "

[11] قرار المجلس الأعلى عدد 400 ملف إداري عدد 8049/88 بتاريخ 6/12/1990 مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 44 ص 155.

[12] حكم عدد 105 ملف عدد 153/93 بتاريخ 31/03/94 مجلة رسالة المحاماة مس ص 351.

[13] لبنى يويزرل، اعادة هيكلة الاحباس الوقف المعقب نموذجا رسالة لنيل ددعم مراكش 2001/2002 ص 87.

[14] رشيد العمراني الوضعية القانونية لعقارات الاحباس في المغرب رسالة لنيل ددعم وجدة 2007/2008 ، ص 144 ، لبنى يويزرل، م س، ص 83.

[15] مالكة العاصمي، الوقف وبعض تطبيقاته اليوم، ندوة الأملاك الحسبة، كلية الحقوق مراكش، 10 – 11 فبراير 2006، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش ص 54.

[16] عبد العالي دقوقي، م س، ص 85.

[17] نفس المرجع، ص 87.

[18] أستاذنا محمد بونابت ، م س ، ص59.



الجمعة 11 مارس 2011

تعليق جديد
Twitter